شرح الموطأ عبد
الكريم الخضير الموطأ - كتاب
الجنائز (1)
شرح: باب: غسل الميت
الشيخ / عبد الكريم الخضير
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء
والمرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، اللهم اغفر
لشيخينا واجزه عنا خير الجزاء، واغفر للحاضرين يا ذا
الجلال والإكرام.
قال المؤلف -رحمه الله تعالى-:
كتاب الجنائز: باب: غسل
الميت:
حدثني يحيى عن مالك عن جعفر بن محمد عن أبيه أن رسول الله
-صلى الله عليه وسلم- غسل في قميص، وحدثني عن مالك عن أيوب
بن أبي تميمة السختياني عن محمد بن سيرين عن أم عطية
الأنصارية -رضي الله تعالى عنها- قالت: دخل علينا رسول
الله -صلى الله عليه وسلم- حين توفيت ابنته فقال:
((اغسلنها ثلاثًا أو خمساً أو أكثر من ذلك إن رأيتن ذلك
بماء وسدر، وجعلن في الآخرة كافوراً، أو شيئاً من كافور،
فإذا فرغتُن فآذنني)) قالت: فلما فرغنا أذناه، فأعطانا
حقوه فقال: ((أشعرناها إياها)) تعني بحقوه إزاره.
وحدثني عن مالك عن عبد الله بن أبي بكر -رضي الله عنه- أن
أسماء بنت عميسٍ -رضي الله عنها- غسلت أبا بكر الصديق -رضي
الله تعالى عنه- حين توفي، ثم خرجت فسألت من حضرها من
المهاجرين فقالت: إني صائمة، وإن هذا يوم شديد البرد فهل
علي من غسلٍ فقالوا: لا.
وحدثني عن مالكٍ أنه سمع أهل العلم يقولون: إذا ماتت
المرأة وليس معها نساء يغسلنها ولا من ذوي المحرم أحد يلي
ذلك منها، ولا زوج يلي ذلك منها يُممت فمسح بوجهها وكفيها
من الصعيد.
قال مالك -رحمه الله-: إذا هلك الرجل وليس معه أحد إلا
نساء يممنه أيضاً.
قال مالك -رحمه الله-: وليس لغسل الميت عندنا شيء موصوف،
وليس لذلك صفة معلومة ولكن يغسل فيطهر.
(44/1)
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم
وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-: "كتاب الجنائز" جمع جَنازة
أو جِنازة بالفتح والكسر، ويقول ابن قتيبة: الكسر أفصح،
ويقال: بالكسر للنعش وهو السرير الذي يحمل عليه الميت،
وبالفتح للميت نفسه، بالكسر للنعش، بالفتح للميت، وهذا
جارٍ على ما ذكروه من أن الأعلى للأعلى والأسفل للأسفل.
جِنازة بالكسر للنعش؛ لأنه هو الأسفل، وجَنازة بالفتح
للميت؛ لأنه هو الأعلى، يعني مثل ما قالوا في دَجاجة
ودِجاجة بالفتح الذكر وبالكسر الأنثى، والمايح والماتح،
الماتح الذي في أعلى البئر، والمايح الذي في أسفل البئر،
المقصود أنهم يذكرون لهذا نظائر وأمثلة وهذا منها.
يقول: "باب: غسل الميت"
"حدثني يحيى عن مالك عن جعفر بن محمد" جعفر بن محمد بن علي
بن الحسين بن على بن أبي طالب، جعفر هو الصادق، وأبوه محمد
هو الباقر، وجده علي بن الحسين زين العابدين، والحسين سبط
رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وأبوه علي بن أبي طالب
-رضي الله عن الجميع-.
"عن جعفر بن محمد عن أبيه أن رسول الله -صلى الله عليه
وسلم- غسل في قميص" هذا الحديث مرسل أرسله رواة الموطأ إلا
في رواية سعيد بن عفير فوصله عن عائشة "غسل النبي -عليه
الصلاة والسلام- في قميص" يعني غسل غير كفن نعم هذه مسألة
أخرى، يعني هل يغسل مجرداً أو وعليه قميص؟ في هذا الخبر
يقول: غسل في قميص، يقول ابن عبد البر في الاستذكار: السنة
المجتمع عليها تحريم النظر إلى عورة الحي والميت، وحرمة
المؤمن ميتاً كحرمته حياً، ولا يجوز لأحد أن يغسل ميتاً
إلا وعليه ما يستره، فإن غسل في قميص فحسن، وستره كلِه
حسن، أو كلُه؟
طالب:. . . . . . . . .
بعد في رأي ثالث.
الآن التوكيد (كل) لأي شيء؟ للضمير المضاف إليه، وستره
كلِه حسن، وأقل ما يلزم من الستر هو ستر العورة، هذا
بالنسبة لمن بلغ سبع فأكثر، أما ما دون السبع فأهل العلم
يرون أنه لا عورة له، لا عورة له لمن دون السبع، ويغسله
النساء وإن كان ذكراً أو الذكور وإن كان أنثى، هذا عندهم.
(44/2)
يقول الباجي: إن صح هذا، يعني حديث الصادق
عن أبيه عن عائشة يقول: إن صح هذا فيحتمل أن يكون ذلك
خاصاً له، خاصاً بالنبي -عليه الصلاة والسلام-، يعني فغيره
يجرد، هذا كلام الباجي، وقد روي عن عائشة -رضي الله عنها-
أنها قالت: لما أرادوا غسل النبي -عليه الصلاة والسلام-
فقالوا: والله ما ندري أنجرد رسول الله -صلى الله عليه
وسلم- من ثيابه كما نجرد موتانا؟ هذا دليل على أنهم يجردون
الموتى، والله ما ندري أنجرد رسول الله -صلى الله عليه
وسلم- كما نجرد موتانا أو نغسله وعليه ثيابه؟ فلما اختلفوا
ألقى الله عليهم النوم حتى ما منهم رجل إلا وذقنه على
صدره، ثم كلمهم مكلم من ناحية البيت لا يدورن منه: "اغسلوا
رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يعني في ثيابه" فقاموا إلى
رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فغسلوه وعليه قميص يصبون
فوق القميص، ويدلكون دون القميص بأيديهم، هذا تفرد به محمد
بن إسحاق ومحمد بن إسحاق الكلام فيه لأهل العلم طويل،
الكلام هل يحتمل تفرده أو لا يحتمل؟ يعني هذا من السيرة أو
من الأحكام؟ يعني في الأحكام لا يحتمل تفرده، وفي السير
إمام عند أهل العلم إمام في السير، لكن هل هذا الخبر يدخل
في السير أو في الأحكام؟ يعني لما يقول أهل العلم: إنهم
يتساهلون في أحاديث المغازي والسير والتفسير والفضائل
وغيرها هل يقصدون بذلك السير التي هي مجرد أخبار أو عموم
ما يتعلق بالسيرة ولو تضمنت حكماً شرعياً؟
طالب:. . . . . . . . .
(44/3)
لكن هذا حكم شرعي، تضمن حكم شرعي، يعني لما
يتكلمون عن غزوة من الغزوات غزوة حنين، ويتكلمون على أحكام
المغانم ضمن الغزوة، هل نقول: إن هذا يشترط له ما يشترط
لرواة الأحكام؟ أو نقول: هذا داخل في السير ونتساهل في
قبوله؟ مثل الحديث الذي معنا يعني هذا الأصل فيه أنه خبر
عن وفاة النبي -عليه الصلاة والسلام-، وما حصل لكنه تضمن
حكماً من الأحكام إلا إذا تساهلوا في أحاديث السير فهل
معناه أنهم يتساهلون بجميع ما يروى في كتب السيرة ولو
تضمنت أحكاماً أو أنه مقصور على مجرد الإخبار تقبل الأخبار
التي لا تتضمن أحكاماً ولو لم يشترط فيها رجال الأحكام؟
ويبقى أن ما تضمن حكماً شرعياً يطلبه رجال الأحكام، يعني
خصائص النبي -عليه الصلاة والسلام- على أساس أنها مجرد
أخبار عارية عن الأحكام، المسألة هذه ترى مهمة يا الإخوان،
ما هي بـ .... ؛ لأن بعضهم يطلق التساهل في أحاديث السير
والمغازي، أخبار السيرة يتساهلون فيها، ومنهم من يشدد
فيطبق عليها قواعد أهل الحديث وإن كانت مجرد أخبار، ولذا
تجدون من يصنف في صحيح السيرة يأتي بأخبار غير مترابطة
فيها حلقات مفقودة؛ لأنه يقتصر على الصحيح ثم بينهما حلقة
لا تنطبق عليها قواعد المحدثين يحذفها، وبعض الناس يشدد
فيها نعم مجرد أخبار الحمد لله فيها سعة، نعم الأخبار التي
تتضمن القدح في أحد لا بد من التثبت فيها.
لا تقبلن من التوارِخ كلما ... جمع الرواة وخط كل بنانِ
هذه تثبت فيها؛ لأنه يذمون ويمدحون، تعرف المؤرخون هذا
ديدنهم، فلا بد من التثبت في مثل هذا، الأخبار التي تساق
للاعتبار وللتسلية وما أشبه ذلك، ولا تتضمن حكم شرعي عامة
أهل العلم يتسامحون فيها، لكن إذا تضمنت حكم شرعي حلال
وحرام وواجب هذا لا بد من أن تطبق عليها القواعد وإلا كيف
نفرق بين الأحكام والسير؟ وعلى هذا نقول في هذا الخبر: هل
معنى هذا أنهم كانوا يجردون موتاهم فيغسل الميت متجرداً؟
الآن لو أتينا بميت في مغسلة أموات ونزعنا ثيابه، جئت
بأبيك أو بأمك أو بأختك أو بزوجتك وشلوا ثيابها على ...
اعتماداً على هذا الخبر، وأنهم كانوا يجردون موتاهم، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
(44/4)
أنت قد ترضاها مسألة نظرية لكن تصور
المسألة عملية قلت: هذا أبي وأريد أن أشارك في غسل أبي،
ودخلت وإذا هم شائلين ثيابه ماعليه شيء، هاه؟
طالب:. . . . . . . . .
لكن هنا كما نجرد موتانا، يا أخي أنجرد رسول الله -صلى
الله عليه وسلم- من ثيابه كما نجرد موتانا؟ نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
لا هو إذا أطلق التجريد معروف ويش هو التجريد؟
طالب:. . . . . . . . .
سبق نقل الاتفاق، السنة المجتمع عليها، في كلام من عبد
البر، الاتفاق موجود، نعم الاتفاق موجود، لكن هذا الاتفاق
يقدح في الحديث الذي ذكره ابن إسحاق، على كل حال مسألة
العورة لا يجوز النظر إليها لا حي ولا ميت، لكن الكلام في
مفهوم التجريد هنا، إذا اتفقنا على أنه لا يجوز النظر إلى
عورة الحي ولا الميت فلا بد من حمل التجريد في هذا الخبر
إن صح على أنه تجريد جزئي وليس بتجريد كلي، يعني ينزع
القميص الذي يستر كامل البدن، ويبقى ما يستر العورة التي
لا يجوز النظر إليها، ولذا السنة عند مالك وأبي حنيفة أن
يجرد الميت ولا يغسل في قميصه، وقال الإمام الشافعي: يغسل
في قميصه، هل مراد أبي حنيفة ومالك أنهم يجردون تجريد كامل
مع ما نقل ابن عبد البر من الاتفاق على أنه لا يجوز النظر
إلى عورة الميت كالحي؟ لا يظن بهم هذا.
(44/5)
"وحدثني عن مالك عن أيوب بن أبي تميمة
السختياني عن محمد بن سيرين عن أم عطية الأنصارية" نسيبة
بالتصغير، ويقال: نسيبة بالفتح، بنت كعب، ويقال: بنت
الحارث "الأنصارية قالت: دخل علينا رسول الله -صلى الله
عليه وسلم- حين توفيت ابنته" والمشهور أنها زينب كما في
صحيح مسلم، هذا هو المعروف أنها زينب، هذا في صحيح مسلم
زوجة أبي العاص، زوج أبي العاص بن الربيع، وهي أكبر بنات
النبي -عليه الصلاة والسلام-، وكانت وفاتها في أول سنة
ثمان، في سنن ابن ماجه عن أيوب عن بن سيرين بهذا الإسناد
عن أم عطية قالت: دخل علينا رسول الله -صلى الله عليه
وسلم- ونحن نغسل ابنته أم كلثوم فقال ... الحديث بلفظه،
إلا أنها سميت في ابن ماجه أم كلثوم وسميت في مسلم زينب،
والحديث -حديث ابن ماجه- على شرط الشيخين، فهل نقول: إن ما
في الصحيح أصح، والبنت زينب؟ أو نقول: إن أم عطية حضرت غسل
البنتين، وقد عرفت بتغسيل الأموات من النساء؟ وسند ابن
ماجه صحيح على شرط الشيخين، ولا داعي لنوهم الرواة،
والإسناد صحيح؟ أو نقول: إن ما في سنن ابن ماجه وهم
والصحيح ما في صحيح مسلم لا سيما وأن اللفظ يوحي بأن القصة
واحدة؟ يعني ما في أدني اختلاف يشم منه أن القصة واحدة،
على كل حال كونها حضرت غسل البنتين قيل به، قال به بعض أهل
العلم صيانة للرواة الثقات من الوهم، وليس ببعيد، لكن كون
القصتين بلفظ واحد يدل على أن هناك شيء من البعد، بعضهم
يقول: إنها رقية لا زينب ولا أم كلثوم، لكن النبي -عليه
الصلاة والسلام- حضر موت وفاة رقية؟ نعم؟ كيف؟ في غزوة
بدر، لم يحضرها -عليه الصلاة والسلام-.
(44/6)
"حين توفيت أبنته فقال: ((اغسلنها)) "
الأمر دليل من قال بوجوب تغسيل الميت ((اغسلنها)) ونقل
النووي الإجماع على أن غسل الميت فرض كفاية، نقل الإجماع
النووي على أن تغسيل الميت فرض كفاية، لكنه ذهول، ذهول
شديد فإن الخلاف مشهور عند المالكية حتى أن القرطبي منهم
ذكر أنه سنة، نعم الجمهور على أنه فرض كفاية ليس بفرض عين
معنى أن كل الأمة تشترك في تغسيل الميت، لا، هو فرض واجب
((اغسلنها)) الأمر فيه ثابت، لكنه لا على العيان إنما على
الكفاية، والنووي -رحمه الله تعالى- متساهل كما هو معروف
في نقل الإجماع، نقل الإجماع في مسائل الخلاف فيها مشهور.
طالب:. . . . . . . . .
لا، لا، صاحب المفهم، شيخه أبو العباس.
((اغسلنها ثلاثاً أو خمساً)) أو هذه للتخيير أو للترتيب؟
((اغسلنها ثلاثاًً أو خمساً أو أكثر)) يعني سبع ((إن رأيتن
ذلك)) يعني هل هذا مرده إلى الاختيار والتشهي أو الحاجة؟
إذاً ليس للتخيير إنما هو للترتيب ((اغسلنها ثلاثاً)) إن
كفت الثلاث بها ونعمت ((أو خمساً)) إن لم تكفِ، إن كفت
الخمس بها ونعمت أو سبعاً إن لم تكف الثلاث فهو للترتيب.
طالب:. . . . . . . . .
لا يزاد يزاد يقطع على وتر، بدليل أنه ما ذكر أربعاً، ما
ذكر الأربع.
(44/7)
((إن رأيتن ذلك)) يعني إن رأيتن الحاجة
داعية إلى ذلك، وليس مرد ذلك للتشهي والاختيار، قال ابن
عبد البر: لا أعلم أحداً قال بمجاوزة السبع، يعني ولو لم
تكف السبع، ولو لم ينظف الميت بالسبع لا يزاد عليها، ((إن
رأيتن ذلك بماءِ وسدر)) السدر جمع سدرة، وهو شجر النبق
((وجعلن في الآخرة كافوراً)) وهو نبت معروف طيب الريح
((كافوراً أو شيئاً من كافور)) أو هذه شك ((اجعلن في
الآخرة كافوراً أو شيئاً من كافور)) لتطيب الرائحة، وتصليب
البشرة، وطرد الهوام كما يقول أهل العلم، ولذا قال:
((اجعلن في الآخرة كافور)) لأنه لو كان في الأولى لذهبت
ببقية الغسلات، على كال حال كافوراً وش تعني؟ كافوراً
اجعلن نكرة في سياق؟ في سياق الأمر، ماذا تقتضي النكرة في
سياق الأمر؟ يعني النكرة هذه تصدق في أي جزء منه، فالكافور
بهذا السياق أو شيء من الكافور لا فرق بينهما، إذاً أو هذه
للشك ((فإذا فرغتن)) يعني من غسلها ((فآذنني)) أعلمنني
"قالت: فلما فرغنا أذناه" أعلمناه "فأعطانا حقوه" حقوه
بفتح الحاء، وكسرها لغة هذيل، والأصل في الحقو معقد الإزار
من البدن، الموضع الذي يعقد فيه الإزار من البدن، ويطلق
هنا ويراد به الإزار، الإزار نفسه "فأعطانا حقوه فقال:
((أشعرناه إياه)) " يعني اجعلنه شعاراً، والشعار الذي
يقابل الدثار، الشعار الذي يلي شعر البدن مباشرة، فهو الذي
يباشر الجسد، ومن فضائل الأنصار النبي -عليه الصلاة
والسلام- قال: ((الأنصار شعار)) يعني هم الذين يلون شعري
وجلدي، يعني هم أقرب الناس إلي، ((أشعرنا إياه)) تعني
بحقوه إزاره، نقول: هل يأخذ من إعطاء النبي -صلى الله عليه
وسلم- حقوه لأم عطية لإشعاره ابتنه جواز التبرك بآثار
الصالحين كما ذكر الزرقاني؟ هذا ذكره جل الشّراح، لكنه خاص
بمن جعل الله فيه البركة، وهو النبي -عليه الصلاة
والسلام-، أما غيره فلا، ولذا لا يعرف من خيار هذه الأمة
أنهم فعلوه، لا أبو بكر ولا عمر ولا ابن عمر ولا أحد، ما
فعلوا هذا، فدل على الخصوصية، خاص بمن جعل الله فيه البركة
وهو النبي -عليه الصلاة والسلام-، والله أعلم.
وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى
آله وصحبه أجمعين.
(44/8)
الموطأ - كتاب
الجنائز (2)
شرح: باب: ما جاء في كفن الميت، وباب: المشي أمام الجنازة،
وباب: النهي عن أن تتبع الجنازة بنارٍ، وباب: التكبير على
الجنائز، وباب: ما يقول المصلي على الجنازة، وباب: الصلاة
على الجنائز بعد الصبح إلى الإسفار وبعد العصر إلى
الاصفرار.
الشيخ/ عبد الكريم الخضير
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك علي عبده
ورسوله، نبينا محمد وعلى آله صحبه أجمعين.
يقول: لدي محاضرة مهمة في القرآن وحفظه وأتابعها وأحضرها
من ذو زمن، وطلب رئيسي بالعمل حضوري لعمل ما مساءاً مع
العلم أن العمل مساءاً غير مجبورين فيه، ولكنه يقول: إنه
ضروري لأنه أمانة تابعة للعمل يحاول إجبارنا بهذا العمل
فما العمل؟
على كل حال إذا كنت تأخذ مقابل على العمل المسائي فلا يجوز
لك أن تحضر محاضرة ولا غيرها، لا بد أن تحضر في العمل الذي
استؤجرت من أجله، وتؤدي هذا العمل على الوجه المطلوب، ولو
لم يكن فيه عمل، أما إذا كان العمل تبرع فأنت أمير نفسك إن
شئت فاحضر وإلا فلا فالأمر إليك.
يقول: ما حكم التورق بالمعادن أو السيارات وإني أريد شراء
منزل بالتقسيط وأفضل العروض بالمعادن والسيارات ما يسمى
بالتورق؟
(45/1)
مسألة التورق، وهي أن يحتاج الإنسان إلى
نقود دراهم يشتري بها أو يتزوج بها أو يسد بها ديناً، أو
ينفقها على نفسه وولده، يحتاج دراهم ولا يجد من يقرضه، ثم
يذهب إلى شخص عنده سلعة يشتري منه هذه السلعة شخص يملك هذه
السلعة ملك تام مستقل، ثم يشتري منه هذه السلعة، هو لا
يريد السلعة إنما يريد قيمتها فيقبضها قبضاً شرعياً من
مالكها الأصلي ثم يبيعها على طرف ثالث، هذه مسألة التورق،
وهي جائزة عند عامة أهل العلم إذا استوفت الشروط الأئمة
الأربعة كلهم على جوازها ابن عباس وعمر بن عبد العزيز وشيخ
الإسلام ابن تيمية كلهم يمنعون مسألة التورق، ويرون أنها
من باب التحايل على الربا، هي دارهم بدراهم، والسلعة مجرد
صورة، لكن عامة أهل العلم على جوازها، وهي داخلة في عموم
{وَأَحَلَّ اللهُ الْبَيْعَ} [(275) سورة البقرة] هذا بيع،
كون الإنسان يحتاج هذه السلعة أو لا يحتاجها هذا أمر خارج
عن العقد، لا يرجع إلى العقد نفسه، فلا أثر له في العقد،
فيشتري السلعة من مالكها ويحوزها ويقبضها قبضاً شرعياً
معتبراً، ثم يبيعها إلى طرف ثالث أو يستعملها ويتصرف في
ثمنها الأمر إليه التورق بالمعادن أو السيارات المقصود إذا
كانت السعلة مباحة ويملكها البائع الأول ملك تام، ثم يبرم
العقد بعد ذلك مع الطرف الثاني، ثم يحوزها الطرف الثاني
إلى رحله، ثم بعد ذلك يبعها إلى طرف ثالث لا شيء في هذا،
نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
(45/2)
ما يكفي، ما يكفي توكيل البنك، توكيل البنك
لا يكفي، لا بد أن يقبضها أو يوكل ثقة يقبضها، يوكل ثقة
يقبضها؛ لأن أصل المسألة مختلف فيها، ويزيد الأمر إذا
تساهل الناس فيها، وتجاوزوا بعض الشروط، وتهاونوا يزداد
الأمر سوء، ويقوى الخلاف، على كل حال على القول بجوازها
وهو قول عامة أهل العلم، وهو عليه العمل لا بد من توافر
شروطها، وأن يحتاط الإنسان لنفسه، يشتري سلعة يقبضها
ويحوزها إلى رحله، نهى أن تبتاع السلع حتى يحوزها التجار
إلي رحالهم، يقبضها قبضاً معتبراً، ما يبيعها في مكانها لا
يجوز له أن بيعها حتى يقبضها، ويحوزها إلى رحله، أما وكلنا
نقبض لك، وكلنا نبيع لك، هذا كله .. ، هذا ظاهر التحايل
فيها، التحايل فيه ظاهر، المقصود أنه لا بد أن يحوزها لا
سيما الطعام الذي ليس فيه خلاف، الطعام لا خلاف فيه أما
غيره من السلع فالعموم يشملها، وأهل العلم جمع منهم
يتساهلون في غير الطعام، لكن الطعام لا بد من نقله.
يقول: "وحدثني عن مالك عن عبد الله بن أبي بكر" بن محمد بن
عمرو بن حزم "أن أسماء بنت عميس" زوج أبي بكر، كانت قبله
تحت جعفر، لما قتل في مؤتة تزوجها أبو بكر، ولما توفي أبو
بكر تزوجها علي -رضي الله عنه-، أسماء بنت عميس، وهي أخت
لميمونة بنت الحارث أم المؤمنين لأمها "غسلت أبا بكر
الصديق" زوجها حين توفي ليلة الثلاثاء لثمان بقين من جمادى
الآخرة، سنة ثلاثة عشرة، عن ثلاثٍ وستين سنة "غسلت أبا بكر
حين توفي" ذكر أهل العلم أنه لا خلاف في جواز تغسيل المرأة
لزوجها، تغسيل المرأة لزوجها لا خلاف فيه؛ لأنها ما زالت
في حكمه وفي عدته، أما تغسيل الزوج لزوجته فأجازه الجمهور،
تغسيل الزوج لزوجته أجازه الجمهور؛ لأن علياً -رضي الله
عنه- غسل فاطمة -رضي الله عن الجميع-، وقال أبو حنيفة
والثوري: تغسله؛ لأنها في عدة منه، ولا يغسلها لأنه ليس في
عدة منها، والصواب قول الأكثر أن كل واحد من الزوجين يغسل
الأخر، والارتباط ما زال بدليل الإرث، كل واحد يرث من
الثاني.
(45/3)
"ثم خرجت فسألت من حضرها من المهاجرين
فقالت: إني صائمة، وإن هذا يوم شديد البرد، فهل علي من
غسلٍ، فقالوا: لا" هل قولهم: لا؛ لأنها كانت صائمة في يوم
شديد البرد أو لأنه لا غسل من تغسيل الميت؟ فقالوا: لا،
يعني لا غسل عليكِ، كيف؟ لا واجب ولا مستحب، يعني لعذرها
بالصوم والبرد هذا احتمال، وفي المسند والنسائي والترمذي
وحسنه عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال النبي -عليه
الصلاة والسلام-: ((من غسل ميتاً فليغتسل، ومن حمله
فليتوضأ)) لكن قال الإمام أحمد: لا يصح في هذا الباب شيء،
وقال بعضهم: إن الأمر فيه على الندب، الأمر فيه على الندب؛
لقول ابن عمر: "كنا نغسل الميت فمنا من يغتسل ومنا من لا
يغتسل" قال ابن حجر: إسناده صحيح، فيكون من باب الاستحباب؛
لأن الذي يغسل الميت قد يصل إليه شيء مما ينبغي إزالته،
فالاغتسال أكمل يعني هذا وجه الجمع بين ما ورد في ذلك،
لكنهم قالوا: لا، يعني ليس عليك غسل، والملاحظ العلة التي
ذكرتها أو الإطلاق، والخبر محتمل، لكن الإمام أحمد يقول:
لا يصح في هذا الباب شيء، الذي هو باب الأمر بالغسل من
تغسيل الميت.
"وحدثني عن مالك أنه سمع أهل العلم يقولون: إذا ماتت
المرأة وليس معها نساء يغسلنها، ولا من ذوي المحرم - كأخ
وعم - أحد يلي ذلك منها" على كلامه يجوز للمحرم أن يغسل
قريبته، يعني من فوق الثوب، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
كيف؟
(45/4)
شوف إيش يقول: "سمع أهل العلم يقولون: إذا
ماتت المرأة وليس معها نساء يغسلنها، ولا من ذوي المحرم
كأخ وعم أحد يلي ذلك منها فيجوز حينئذٍ للمحرم على كلامه
أن يغسل قريبته من فوق الثوب كما قال مالك في المدون
والعتبية "ولا زوج يلي ذلك منها" يعني جعل المحرم مثل
الزوج "ولا زوج يلي ذلك منها يممت، فمسح بوجهها وكفيها من
الصعيد" الطاهر، يعني لا نساء ولا محرم ولا زوج إذاً
تُيمم، لا يتولاها الرجال الأجانب، وقل مثل هذا في الرجل
"قال مالك: وإذا هلك الرجل -أي مات- وليس معه أحد إلا نساء
-يعني أجانب- يممنه أيضاً" فمسحن وجهه وكفيه، والجمهور على
أن الرجال لا يلون غسل النساء إلا الزوج، وكذا النساء لا
يلين غسل الرجال إلا الزوجة فقط، يعني هل للأب أن يغسل
بنته أو للبنت أن تغسل أباها لها ذلك أو ليس لها ذلك؟
طالب:. . . . . . . . .
كيف؟
طالب:. . . . . . . . .
حاجة ما في زوج ولا نساء ولا أحد، هل نقول: تيمم أو نقول:
يجعل عليها ثياب وتبلل أقل الأحوال بحيث لا يليها؟
طالب:. . . . . . . . .
الجمهور على أن الرجال لا يلون تغسيل النساء إلا الزوج
لزوجته، والنساء لا يلين تغسيل الرجال إلا الزوجة لزوجها،
هذا قول الجمهور، لكن مالك يرى أن الأمر أن المحرم له أن
يغسل من فوق الثياب، يعني يجرنا هذا الكلام إلى كون الرجل
يلي أمه مثلاً في حال حياتها عند حاجتها لقضاء حاجتها
وتنظيفها، وقل مثل هذا في البنت تلي أباها، يعني رجل كبير
توفيت زوجته وليس عنده إلا بنته أو العكس امرأة ليس عندها
من يقوم بحاجتها إلا الولد هل يلي ذلك منها؟ ما في غيره ما
في البيت غيره هل نقول: إنها تبقي في نجاستها أو يلي ذلك
منها؟ الضرورة داعية إلى ذلك بقدر ما يحقق المصلحة بحيث لا
يترتب عليه مفسدة، بقدر ما يحقق المصلحة، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
لا هو إذا كان .. ، لا المسألة ... ، التيمم وش يلزم منه؟
نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
هو بدل الغسل، وتغسيل الميت هل هو لنجاسة ترفع بحيث يقال:
لا يجزئ غير الغسل فإذا سقط الغسل سقط الكل أو نقول: هو
حدث الموت حدث يرفع بالغسل أو بدله بالتيمم؟
طالب:. . . . . . . . .
(45/5)
إذن حدث يحتاج إلى تيمم، إذا لم يتحقق
الغسل فلا بد من التيمم، أو أنت تريد أن تقول: إن الغسل
سقط لأن من لازمه أن يباشر المغسول والتيمم من لازمه أن
يباشر المُيمم هذا قصدك أنت، لكن التيمم أمره سهل بأطراف
اليدين وما أشبه ذلك بحائل مثلاً يمم شيء ويمسح به لا بأس.
طالب:. . . . . . . . .
على كل حال أقرب ما يكون إلى الحدث، أما الطهاة فالمسلم لا
ينجس طاهر حياً وميتاً، يعني هل هو لحدث أو لنجاسة أو هو
مجرد تعبد جاء الشرع بهذا ولا نعدل عنه؟ نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
يا أخي إذا قلنا: تعبد وله بدل، تعبد وله بدل وله نظير،
ولا تقل مثلاً التراب غبار يزيد الوسخ ... نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
ليس لأحد كلام حتى في الصلاة هذا وصفه.
طالب:. . . . . . . . .
لا لا الحنابلة يرون التيمم ييمم. . . . . . . . .، على كل
حال له بدل وله نظائر، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
لا ما في تلازم، أنت ذهبت إلى أن من غسل الميت يغتسل أو ما
يجد ماء فيتيمم؟ ما هو بهذا المقصود، إحنا قصدنا الميت
نفسه الأصل أن يغسل تعذر تغسيله إذاً يعدل إلى البدل ييمم.
طالب:. . . . . . . . .
في إيش؟
طالب:. . . . . . . . .
الضرورة تقدر بقدها، إذا لم يوجد تعذر أن يوجد امرأة تلي
المرأة أو رجل يلي الرجل الضرورة تقدر بقدرها، وبما يحقق
المصلحة، بما يحقق المصلحة بحيث لا يترتب عليه مفسدة، بقدر
الحاجة إذا استغلقت غلقت الأبواب دون تنظيف إلا بهذا
الطريقة إلى الله المشتكى.
قال مالك: "وليس لغسل الميت عندنا شيء موصوف -لا يجوز
تعديه- وليس لذلك صفة معلومة، ولكن يغسل فيطهر" يعني إذا
عمم بالماء كاغتسال الحي كفى، لكن على ما جاء في حديث أم
عطية: ((ابدأن بميامينها ومواضع الوضوء منها)) بعد أن قال:
((اغسلنها ثلاثاً أو خمساً أو سبعاً)) وفي رواية: ((أو
أكثر)) كما عندنا ((من ذلك إن رأيتن ذلك)). . . . . . . .
. خمس، فهذه الصفة يبدأ بالميامين ومواضع الوضوء ((ابدأن
بميامينها ومواضع الوضوء منها)) هل بين الجملتين تنافر
وإلا اتفاق؟
طالب:. . . . . . . . .
(45/6)
((ابدأن بميامينها)) مقتضاه أن تغسل الرجل
اليمنى قبل اليد اليسرى هذا مقتضى هذه الجملة ((ابدأن
بميامينها)) مقتضى ذلك أن تغسل الرجل اليمنى قبل اليد
اليسرى ومقتضى قوله: ((ومواضع الوضوء منها)) والعطف على
نية تكرار العامل وابدأن بمواضع الوضوء منها أن تغسل اليد
اليسرى قبل الرجل اليمنى الجملتان متفقتان أو بينهما شيء
من الاختلاف؟ في اختلاف ظاهر، لكن نسلك بذلك مسلك الحي،
يبدأ بمواضع الوضوء كالحي توضأ وضوءه للصلاة ثم بعد ذلك في
الغسلات بعد الوضوء يبدأ بالميامن، كما أن الحي يفيض الماء
على رأسه ثم يبدأ بالشق الأيمن ثم الأيسر.
سم.
أحسن الله إليك.
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء
والمرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
اللهم اغفر لشيخنا وللسامعين يا ذا الجلال والإكرام.
قال المؤلف -رحمه الله تعالى-:
باب: ما جاء في كفن الميت:
حدثني يحيى عن مالك عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة زوج
النبي -صلى الله عليه وسلم- رضي الله عنها- أن رسول الله
-صلى الله عليه وسلم- كفن في ثلاثة أثوابٍ بيضٍ سحولية،
ليس فيها قميص ولا عمامة.
وحدثني عن مالك عن يحيى بن سعيد أنه قال: بلغني أن أبا بكر
الصديق -رضي الله تعالى عنه- قال لعائشة -رضي الله تعالى
عنها- وهو مريض في كم كفن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-؟
فقالت: في ثلاثة أثواب بيض سحولية، فقال أبو بكر: خذوا هذا
الثوب لثوب عليه قد أصابه مشق أو زعفران فاغسلوه ثم كفنوني
فيه مع ثوبين آخرين، فقالت عائشة: وما هذا؟ فقال أبو بكر:
الحي أحوج إلى الجديد من الميت وإنما هذا للمهلة.
وحدثني عن مالك عن ابن شهاب عن حميد بن عبد الرحمن بن عوف
عن عبد الله بن عمرو بن العاص -رضي الله تعالى عنهما- أنه
قال: الميت يقنص ويؤزر ويلف في الثوب الثالث، فإن لم يكن
إلا ثوب واحد كفن فيه.
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده
ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-: "باب: ما جاء في كفن
الميت"
(45/7)
"حدثني يحيى عن مالك عن هشام عن عروة عن
أبيه عن عائشة زوج النبي -صلى الله عليه وسلم- رضي الله
تعالى عنها- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كفن في
ثلاثة أثواب" في طبقات ابن سعد عن الشعبي: "إزار ورداء
ولفافة بيض" جاء في السنن من حديث ابن عباس مرفوعاً:
((البسوا ثياب البياض، فإنها أطيب وأطهر، وكفنوا فيها
موتاكم)) وصححه الترمذي والحاكم، وله شاهد حديث سمرة بن
جندب بإسناد صحيح "بيض" فالبياض هو الأفضل لهذا الحديث
وللأمر به: ((كفنوا فيها موتاكم)) يرى الحنفية أن المستحب
أن يكون في أحدها ثوب حبرة، وكأنهم أخذوا هذا بما جاء أن
النبي -عليه الصلاة والسلام- كفن في ثوبين وبردٍ حبرة،
أخرجه أبو داود من حديث جابر وإسناده حسن، لكن روى مسلم
والترمذي من حديث عائشة أنهم نزعوها عنه، يعني كأنه سجي
بهذا البرد الحبرة المخطط ثم نزع عنه -عليه الصلاة
والسلام- "سَحولية" أو سُحولية بضم السين أو فتحها سَحولية
نسبة إلى سحول قرية في اليمن، قال الأزهري: بالفتح المدينة
التي باليمن، وبالضم الثياب البيض النقية، ولا تكون إلا من
قطن، إذا قلنا: نسبة إلى سَحول فالنسبة ماشية سَحولية نسبة
إلى سَحول قرية باليمن، وإذا قلنا: سُحولية جمع سحل وهو
الثوب الأبيض النقي يقول أهل العلم: ولا يكون إلا من قطن،
يقول هذا: سقط من بعض النسخ نص الحديث الساقط يقول: "حدثني
يحيى عن مالك عن يحيى بن سعيد أن رسول الله -صلى الله عليه
وسلم- كفن في ثلاثة أثواب بيض سُحولية" يعني مفاده مفاد ما
معنى سُحولية جمع سحل نسبة إلى السحول السُحول وهو جمع
سحل، والنسبة حينئذٍ إلى الجمع، النسبة إلى الجمع عند أهل
العلم إيش؟ شاذة، النسبة إلى الجمع شاذة، لا بد أن يرد
الجمع إلى مفرده، ثم ينسب إليه، لكن يرد على هذا أنه إذا
كان الجمع أشهر من المفرد كالأنصار مثلاً والأعراب نسب إلى
الجمع هم صرحوا بأن النسبة إلى الجمع شاذة "ليس فيها قميص"
الجمهور على أن الميت لا يكفن في القميص، وعن بعض الحنفية
يستحب القميص، يستحب القميص لماذا؟ لأن النبي -عليه الصلاة
والسلام- كفن عبد الله بن أبي في قميصه، يعني ألبس عبد
الله بن أبي في قميصه وأدخله القبر، وهذا فعله وذاك ما فعل
به،
(45/8)
لكن ما كان الله -جل وعلا- ليختار لنبيه
إلا الأكمل، وأما كونه يكفن في قميص النبي -عليه الصلاة
والسلام- فهذا مكافئة له، وجبراً لخاطر ولده، ولده من خيار
الصحابة، مكافئة له لأنه كسا العباس قميصاً لما جاء
مهاجراً، المقصود أن مثل هذه قضية عين كونه -عليه الصلاة
والسلام- كفن في ثلاثة أثواب ليس فيها قميص هذا ما اختاره
الله -جل وعلا- لنبيه، وما كان الله ليختار لنبيه الإ
الأكمل "ليس فيها قميص ولا عمامة" الذين يقولون: يكفن في
القميص ماذا يجيبون عن هذا الحديث؟ يقولون: ليس فيها يعني
في الثلاثة، فلا يمنع أن يكون ليس في العدد وهو موجود، لكن
هل هذا ظاهر اللفظ، لا، ظاهر اللفظ يعني المعنى المتبادر
من اللفظ أنه لا يوجد القميص البتة، لا يعني أنه يوجد قميص
من غير الثلاثة، كما يقول بعض الحنفية، أو أنه لا يوجد
قميص وعمامة مجتمعان، يعني قميص دون عمامة لا بأس، فالمنفي
اجتماع القميص والعمامة، وليس المنفي القميص وحده أو
العمامة وحدها، لكن هذا لا شك أنه إيش؟ تكلف، هذا تكلف
ظاهر.
(45/9)
يقول: "حدثني عن مالك عن يحيى بن سعيد أنه
قال: بلغني أن أبا بكر الصديق قال لعائشة" أبو بكر الصديق
-رضي الله تعالى عنه- قال لعائشة -رضي الله عنها- "وهو
مريض في مرض موته، في كم كفن رسول الله -صلى الله عليه
وسلم-؟ " يسأل في كم كفن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-؟
قال أهل العلم: ذكر ذلك لها بصيغة الاستفهام توطئة لها على
الصبر على فقده -رضي الله عنه وأرضاه- يقولون: لأن مثل هذا
لا يخفى على أبي بكر -رضي الله عنه وأرضاه-، "فقالت: في
ثلاثة أثواب" كان في مرض الموت ويقول لها: في كم كفن رسول
الله -صلى الله عليه وسلم-؟ ليذكرها بمصيبة النبي -عليه
الصلاة والسلام-، فتهون مصيبتها به -رضي الله تعالى عنه
وأرضاه-، ولا شك أن من أصيب وتذكر المصاب به -عليه الصلاة
والسلام- تهون جميع المصائب "فقالت: في ثلاثة أثواب بيضٍ
سحولية، فقال أبو بكر: خذوا هذا الثوب لثوب كان عليه يمرض
فيه قد أصابه مشق" بكسر الميم وإسكان الشين المغرة عند أهل
المدينة، يعني اختلاط البياض بالحمرة، المشق يقولون: هو
المغرة اختلاط البياض بالحمرة، وما زال مستعمل مثل هذا،
يقال: هذا شيء أمغر، واللبن فيه مغر إذا كان مختلط بشوب من
الدم، أحياناً إذا حلبت الناقة أو الشاة أو العنز ظهر مع
اللبن شيء أحمر يسمونه مغر، على كل حال هذا معنى المشق "أو
زعفران" أو هذه شك "فاغسلوه" ليزول عنه اللون الذي فيه
وإلا فالثوب الملبوس لا يجب غسله "ثم كفنوني فيه مع ثوبين
آخرين" لتكون ثلاثة، يعني كما كفن النبي -عليه الصلاة
والسلام- "فقالت عائشة: وما هذا؟ " يعني ثوب مستعمل لخليفة
المسلمين؟! الخليفة الإمام الأعظم يكفن في ثوب فيه مغرة ما
هذا؟ وفي رواية البخاري: "قلت: إن هذا خلق" يعني ما يليق
بإمام المسلمين "فقال أبو بكر -رضي الله تعالى عنه-: الحي
أحوج إلى الجديد من الميت، وإنما هذا للمِهلة" أو المُهلة
أو المَهلة روي بالكسر والضم والفتح، والمراد به الصديد
والقيح الذي يسيل من الجسد.
يقول: "وحدثني عن مالك عن ابن شهاب عن حميد بن عبد الرحمن
بن عوف -الزهري- عن عبد الله" عن عبد الله كذا عندكم في كل
النسخ؟ يعني ما في عبد الرحمن أبداً؟ نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
(45/10)
ما فيها طبعة فيها عبد الرحمن عن حميد بن
عبد الرحمن بن عوف عن إيش؟ من اللي يقوله؟ في نسخه يعني من
رواية يحيى؟ هذه النسخة هي الصواب، لا أقول: إن عبد الرحمن
هو الصواب، لكن وجوده في النسخة هو الصواب، والصواب أنه
عبد الله، لماذا؟ لأن يقول ابن عبد البر وغيره: عن عبد
الله بن عمرو بن العاص هذا هو الصواب، وغلط يحيى فسماه عبد
الرحمن، دليل على أن تسمية عبد الرحمن من عند يحيى، من
الأصل، فالأصل أن لا تصحح مثل هذه، تترك كما هي عبد
الرحمن، ويبين الصواب في الحاشية، يعني إذا أردنا أن نصحح
الكتب من روايات أخرى، الأصل أن يعتمد الإنسان في كتابه
على رواية واحدة، ويشير إلى ما عداها يعتمد أرجح الروايات
بصوابها وخطئها ثم يصحح الأخطاء من الروايات الأخرى، ولا
يتصرف في الكتاب، يبقي الخطاء كما هو في الكتاب ويعلق
عليه، يقول: كذا والصواب كذا كما في وراية فلان، أما أن
يهجم على رواية يحيى ويقول: عن عبد الله بن عمرو بن العاص
وروايته عبد الرحمن هذا خطاء عبد الرحمن بن عمرو بن العاص.
طالب:. . . . . . . . .
إيش هو؟
طالب:. . . . . . . . .
لا يمكن أنه من قبل عبد الباقي، ما يلزم أن يكون هو، لا هو
موجود في نسخ عتيقة، ما يلزم أن يكون هو هو وجده هكذا، لكن
رواية يحيى الذي فيها عبد الرحمن فالنساخ من الأصل لا يجوز
لهم أن يتصرفوا، يعني وجدنا ابن عبد البر يقول: الصواب عبد
الله نمسح ونصحح ما هو بصحيح، يبقى كما هو، ثم يشار إلى
الصواب في الحاشية، الآن يفاضل بين النسخ، يرجح بين النسخ
إن كان هناك نسخة معتمدة عليها سماعات لأهل العلم موثقة
تعتمد بما فيها، ويصحح الخطأ في الحاشية، إذا كان ما هناك
ميزة لأحد النسخ عن غيرها فيعتمد الصواب في الأصل، ويشار
إلى اختلاف النسخ في الحاشية، ويبقى أن كثير ممن يسلك هذا
المسلك الذي يسمونه النص المختار كثير منهم يرجح أمور
الراجح الذي في الحاشية، وهذا أمر في غاية الأهمية اعتداء
على كتب أهل العلم، فالذي لا يأنس من نفسه الأهلية
والكفاءة لا يتصدى لتحقيق كتب أهل العلم.
(45/11)
"عن عبد الله بن عمرو بن العاص أنه قال:
الميت يقمص" أي يلبس القميص، وبهذا قال مالك وأبو حنيفة
وزاد: "ويعمم"؛ لأن النبي -عليه الصلاة والسلام- كسا عبد
الله بن أُبي قميصه، كساه قميصه، هذه حجة من يقول: بأن
الميت يكفن في قميص، وزاد علي ذلك قال: ويعمم، وفي الحديث
الصحيح: أن النبي -عليه الصلاة والسلام- كفن في ثلاثة
أثواب -كما تقدم- ليس فيها قميص ولا عمامة، أما يعمم هذه
من يعرف لها أصل؟ يعني إذا عرفنا أن للقميص أصلاً فكيف
بالعمامة؟ "يقمص ويؤزر" أي يجعل له إزار "ويلف في الثوب
الثالث، فإن لم يكن إلا ثوب واحد كفن فيه" يكفن في ثوب
واحد، ولا ينتظر بدفنه ارتقاب شيء آخر، إذ الواجب ما يستر
بدن الميت اتفاقاً، يكفي واحد، لكن الأكمل ثلاثة، إلا ثوب
واحد كفن فيه يقول الباجي: يريد أنما ذكر أولاً هو المستحب
يعني الثلاثة هو المستحب، يريد أنما ذكر أولاً يعني مالك
هو المستحب عنده لمن وجد فإن لم يجد إلا ثوباً واحداً
اجتزأ به، والأصل في ذلك ما روى عن عبد الرحمن بن عوف أنه
قال: قتل مصعب بن عمير وكان خيراً مني فلم يوجد له ما يكفن
فيه إلا برده، وفي البخاري: أن عبد الرحمن بن عوف أتي
بطعام وكان صائماً فقال: قتل مصعب بن عمير وهو خير مني كفن
في بردة إن غطي رأسه بدت رجلاه، وإن غطي رجلاه بدا رأسه،
انفتاح الدنيا يعني ليس بخير من كل وجه، لا شك أنها نِعم،
لكن قليل من عبادي الشكور، النعم تحتاج إلى شكر، فإذا لم
تشكر تحولت إلى نقم، وصار العدم خيراً منها، الصحابة الذين
تقدمت وفياتهم قبل الانفتاح، قبل الفتوح هولاء وفرت لهم
أجورهم، وهذا عبد الرحمن بن عوف يقول: مصعب خير مني، عبد
الرحمن مشهود له بالجنة، خير مني، يعني وفر له أجره
بكماله، ما نقص منه شيء، لا شك أن توافر هذه النِعم خير،
لكن يبقى أنها إن شكرت بهذا القيد وإلا تحولت إلى نقم،
والواقع يشهد بذلك كثير من الناس لما استغنوا طغوا {كَلَّا
إِنَّ الْإِنسَانَ لَيَطْغَى * أَن رَّآهُ اسْتَغْنَى} [(6
- 7) سورة العلق] هذا هو الغالب، وعلى كل حال لمن شكر نعم
المال الصالح للرجل الصالح.
سم.
أحسن الله إليك:
باب: المشي أمام الجنازة:
(45/12)
حدثني يحيى عن مالك عن ابن شهاب أن رسول
الله -صلى الله عليه وسلم- وأبا بكر وعمر -رضي الله عنهما-
كانوا يمشون أمام الجنازة والخلفاء هلم جراً وعبد الله بن
عمر.
وحدثني عن مالك عن محمد بن المنكدر عن ربيعة بن عبد الله
بن الهدير أنه أخبره أنه رأى عمر بن الخطاب -رضي الله عنه-
يقدم الناس أمام الجنازة في جنازة زينب بنت جحش -رضي الله
تعالى عنها-. وحدثني يحيى عن مالك عن هشام بن عروة قال: ما
رأيت أبي قط في جنازة إلا أمامها، قال: ثم يأتي البقيع
فيجلس حتى يمروا عليه.
وحدثني عن مالك عن ابن شهاب أنه قال: المشي خلف الجنازة من
خطأ السنة.
يقول -رحمه الله تعالى-: "باب: المشي أمام الجنازة"
المشي أمام الجنازة هل الأفضل أن يمشي أمامها أو يمشي
خلفها أو يفرق بين المشاة والركبان فيمشي المشاة أمامها
والركبان خلفها؟ هنا يقول: "حدثني يحيى عن مالك عن ابن
شهاب أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وأبا بكر وعمر
كانوا يمشون أمام الجنازة" أمام الجنازة يعني قدامها،
وبعضهم يلتمس علة لهذا العمل، وإنهم إنما أتوا شفعاء
والشفيع يتقدم المشفوع له "والخلفاء هلم جراً" يقول ابن
الأنباري في الزاهر مطبوع في مجلدين: معناه سيروا على
هينتكم، أي تثبتوا في سيركم، ولا تجهدوا أنفسكم، يقولون:
إن أول من قالها عدي بن زيد، لكن هلم جراً الآن جاءت هنا
تابعة للسير أو تابعة لتتابع الخلفاء على هذا السير، يعني
تتابع الخلفاء على هذا أنهم كلهم أمام الجنازة؟ أو جاءت
لبيان كيفية السير وأهل العلم يقولون: يسن الإسراع بها دون
الخبب، تتابع الخلفاء والولاة على هذا ثم عمر ثم عثمان ثم
علي ثم ... إلى أخره، هلم جراً، يعني تتابعوا على ذلك،
نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
أصلها هلم جراً أصلها إبل محمله تجر جراً، تمشي على
الهوينا؛ لأنها محملة، هذا الأصل فيها، أنت لو عرفت أصل
الكلمة، لو ترجع إلى الزاهر لابن الأنباري عرفت كيف؟ أطال
عليها، والخلفاء وعبد الله بن عمر أيضاً يمشي أمامها وهو
من اتبع الناس للسنة، يعني ينص على ابن عمر في مثل هذا
لتحريه وتثبته في مثل هذا الأمر، والخلفاء يدخلوا فيهم
علي-رضي الله عنه-؛ لأنه روي عنه خلاف ذلك.
(45/13)
وعبد الله بن عمر، روي أيضاً عن النبي
-عليه الصلاة والسلام- في فضل المشي خلف الجنازة، روي
أخبار، وعن علي وغيره، لكن قال ابن عبد البر: هذه أحاديث
كوفية لا تقوم بأسانيدها حجة، والمشي أمامها أفضل لما
ذكروا به قال الثلاثة، وقال أبو حنيفة المشي خلفها أفضل،
وقال الثوري هما سواء، وهذا الحديث كما ترون مرسل في
الموطأ عند جميع رواته، وهو عند الأربعة أبو داود والترمذي
والنسائي وابن ماجه موصول من حديث ابن عمر عن ابن شهاب عن
سالم عن أبيه موصول، لكن في الترمذي قال أهل الحديث يرون
أن المرسل أصح والنسائي صوب الإرسال، وأنتم مر بكم مراراً
أحاديث كثيرة جداً تفوق الحصر عند مالك يرويها بالإرسال،
وهي مروية من طريقه في الصحيحين بالاتصال، مالك يخرج
الأحاديث مرسلة، ومن طريقه دعونا من طريق غيره من طريقه هو
يخرج في الصحيحين متصل، وما ذلكم إلا لأن الإمام مالك يرى
أن الحجة تقوم بالمرسل كقيامها بالمتصل، لكن هنا الإمام
الترمذي يقول: أهل الحديث يرون أن المرسل أصح، والنسائي
صوب الإرسال، مسألة تعارض الوصل والإرسال الخلاف فيها
والأربعة الأقوال معروفة، لكن ليس فيها حكم عام مطرد بحيث
يرجح الإرسال مطلقاً أو الاتصال مطلقاً، إنما يحكم على كل
حديثٍ على حده حسبما ترجحه القرائن، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
ينشط الراوي فيصل، ويكسل ويرسل، لكن الإمام مالك ما يرى في
فرق، الحجة تقوم بالمرسل مثل قيامها في المتصل.
واحتج مالك كذا النعمانِ ... به وتابعوههما ودانوا
يقول: في حديث أحب الأسماء إلى الله عبد الله وعبد الرحمن
وبما أن الله -سبحانه وتعالى- اختار لنبيه الأكمل والأفضل
فلماذا لم يختر الله -سبحانه وتعالى- لنبيه أحد هذين
الاسمين؟ وكذلك لماذا لم يسم النبي -عليه الصلاة والسلام-
ابنه إبراهيم أحد هذين الاسمين عبد الله وعبد الرحمن؟
(45/14)
لقائل هذا الكلام أن يقول: النبي -عليه
الصلاة والسلام- قال: ((عمرة في رمضان تعدل حجة معي))
لماذا لم يعتمر في رمضان؟ ونظائر ذلك كثيرة جداً، يعني لو
تعارض قوله وفعله تقاتل الناس على الفعل، أصلاً تجد ثلاثة
أرباع الأمة عبد الله وعبد الرحمن، لو توافق فعله مع قوله:
تقاتلت الأمة عليه، لكن من رأفته وشفقته -عليه الصلاة
والسلام- بأمته أن يحثهم على الشيء ولا يفعله؛ ليبين لهم
أن الإنسان يبقى في حسرة إذا فعل النبي -عليه الصلاة
ولسلام- فعل ولا يتيسر له أن يفعله، ندم -عليه الصلاة
والسلام- ندماً شديداً على دخوله البيت –الكعبة- لئلا يشق
على أمته، كل الناس ودهم يدخلون الكعبة؛ لأن النبي -عليه
الصلاة والسلام- دخل، لكن لو جاء حديث يحث على دخول الكعبة
تقاتل الناس عليه، فهذا من رأفته وشفقته على أمته -عليه
الصلاة والسلام- أن يبين لهم ما ينبغي أن يفعلوه، لكن يبين
لهم جواز الترك بفعله أو بعدم فعله لهذا الأمر.
يقول: كلمة ابن ماجه صاحب السنن تنقط وتنطق تاء في الوصل
أو هاء مع التوجيه؟
ماجه ومنده وداسه هي هاء لا تنقط ولا تنطق ماجه ومنده
وداسه كلها بالهاء.
يقول: "وحدثني عن مالك عن محمد بن المنكدر" يعني ابن عبد
الله بن الهدير ضبطوه بالتصغير التيمي "عن ربيعة بن عبد
الله" يعني عن عمه ربيعة بن عبد الله بن الهدير أو الهُدير
"أنه -يعني ربيعة- أخبره" يعني أخبر محمداً "أنه رأى عمر
بن الخطاب -رضي الله عنه- يقدم" يعني يتقدم، جاءت في رواية
أيضاً "يقدم الناس أمام الجنازة" يعني أمامهم "في جنازة
زينب بنت جحش" الأسدية أم المؤمنين -رضي الله تعالى عنها-
التي زوجها الله لنبيه -عليه الصلاة والسلام- من فوق سبع
سماوات، ماتت سنة عشرين، وكانت أول نساء النبي -عليه
الصلاة والسلام- لحوقاً به، هذا فعل عمر -رضي الله عنه-
وتقدم ما يدل عليه في الحديث السابق.
(45/15)
"وحدثني يحيى عن مالك عن هشام عن عروة قال:
ما رأيت أبي -يعني عروة- قط في جنازة إلا أمامها" قدامها
"قال -هشام-: ثم يأتي البقيع" المقبرة المعروفة بجوار
المسجد النبوي "فيجلس حتى يمروا عليه" بالجنازة، إذا مروا
عليه بالجنازة ماذا يصنع؟ يقوم؟ نعم جاء القيام للجنازة،
والخلاف في القيام هل هو محكم أو منسوخ؟ المسألة معروفة
عند أهل العلم كثير من أهل العلم يرون أنه منسوخ.
يقول: "وحدثني عن مالك عن ابن شهاب أنه قال: المشي خلف
الجنازة من خطأ السنة" المشي خلف الجنازة من خطأ السنة؟
كيف من خطأ السنة؟ هاه؟ كيف؟ خطأ يعني مخالفة أو من خطأٍ
في تطبيق السنة؟ نعم من مخالفة السنة، وخطأ في تطبيقها
المشي خلف الجنازة، وقد جاء ما يدل على أن المشي يكون أمام
الجنازة وإلا كيف من خطاء السنة؟ يعني التركيب عن ابن شهاب
أنه قال: المشي خلف الجنازة من خطأ السنة، وهم عرب أقحاف،
كيف يقول: من خطأ السنة؟ الآن مضاف ومضاف إليه.
يقول هذا: ماجه داسه ومنده نقل الشيخ بكر أبو زيد عن الشيخ
عبد السلام هارون أنه قال: لا مانع من أن تنطق يعني وتعرب
كما عرب غيرها ولم يروا مانعاً من ذلك فما رأيكم بذلك؟
لو تقرؤون مقدمة فؤاد عبد الباقي لسنن ابن ماجه وكأنه يميل
إلى أن نقطها أرجح، لكن هذا الذي ذكره أهل العلم واعتمدوه
أنها لا تنقط، يعني كونها تنقط ويش يحصل؟ ويش يصير في
المسألة تنقط أو لا تنقط؟ يعني هل هو مخالفة في حرام
وحلال، الذي نقل عن الذين ضبطوا أهل المشتبه من أهل العلم
وضبطوا الأعلام وضبطوا الرجال قالوا: لا تنقط، كونك تنقطها
كغيرها وتمشي على الجادة يعني مثل الخلاف في الألف
المقصورة بعض الناس يقول: ما في شيء اسمه ألف مقصورة، كل
شيء ممدود، الألف دائماً ممدودة ليش مقصورة؟ هذه ياء ويش
يصير ارتكب محظور ولا ويش سوي؟ ما صار شيء، لكن المسألة
مسألة اقتفاء لأثر أهل العلم، يعني كونه حرام أنك تنقطها
أو حلال هذا أمر ثاني، يعني في لغة العرب هناك تاء مربوطة
هذه مثلها، وكثير من الناس يخلط بين الهاء والتاء والنقط
يضعه على الهاء ويهمل التاء.
(45/16)
قال الإمام الحافظ ابن كثير في (كتابة) يضع
نقطتين، (البدايه والنهايه) ما يضع نقط، المسألة فيها سعة،
لكن هذا كلام أهل العلم يعني ما جئنا بجديد، يعني كونها
تعرب وتنقط أو ما تنقط هذا أمر ثاني، لكن ننقل لكم كلام
أهل العلم، كونه يجتهد من يقول: إنها تنقط ويش المانع تنقط
ويش يصير؟ ابن ماجةَ لكن أهل العلم يقولون: هي هاء وليست
تاء، يعني مثل الآن ينبغ مثلاً مثل محمد الجاسر يقول: ليلى
وسلوى ومنى كلها بالألف ما في شيء اسمه ياء إلا الياء هذا
كلام محمد الجاسر الذين يسمونه علامة الجزيرة، يعني نقول:
هذه بدعة ابتدعها وكل بدعة ضلالة؟! يعني الأمر فيه سعة،
مثل هذه الأمور فيها سعة.
طالب:. . . . . . . . .
المشي؟ أما المشاة فهم أمام الجنازة كما في هذه النصوص،
والركبان لو تأخروا كان أولى.
أحسن الله إليك:
باب: النهي عن أن تتبع الجنازة بنارٍ:
حدثني يحيى عن مالك عن هشام بن عروة عن أسماء بنت أبي بكر
-رضي الله عنهما- أنها قالت لأهلها: أجمروا ثيابي إذا مت
ثم حنطوني ولا تذروا على كفني حناطاً ولا تتبعوني بنار.
وحدثني عن مالك عن سعيد بن أبي سعيد المقبري عن أبي هريرة
-رضي الله عنه- أنه نهى أن يتبع بعد موته بنار.
قال يحيى: سمعت مالكاً -رحمه الله- يكره ذلك.
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-: "باب: النهي عن أن تتبع
الجنازة بنار" يقول ابن عبد البر: لأنه من فعل النصارى،
ولا ينبغي أن نتشبه بهم، وقال أيضاً: أظنه من فعل
الجاهلية، وقال ابن حبيب: إنما نهي عن ذلك لما فيه من
التفاؤل بالنار.
يقول: "حدثني يحيى عن مالك عن هشام بن عروة عن -جدته-
أسماء بنت أبي بكر أنها قالت لأهلها: أجمروا ثيابي إذا مت"
أجمروا يعني بخروا ثيابي، وهو من السنة "أجمروا ثيابي إذا
مت، ثم حنطوني حنوطاً" ما يجعل في جسد الميت وكفنه من طيب
وكافور، قال أبو عمر: أجاز الأكثر المسك في الحنوط، وكرهه
قوم "ولا تذروا على كفني حناطاً" الحناط بزنة كتاب هو
الحنوط كرهت ذلك خشيت المباهاة "ولا تتبعوني بنار" وكذلك
أوصى أبو سعيد وعمران بن حصين وأبو هريرة كما سيأتي.
(45/17)
يقول: "وحدثني عن مالك عن سعيد بن أبي سعيد
- كيسان - المقبري عن أبي هريرة أنه نهى أن يتبع بعد موته
بنار" قال ابن عبد البر: جاء النهي عن أن يتبع الميت بنار
عن ابن عمر مرفوعاً، وأخرج أبو داود عن أبي هريرة عن النبي
-صلى الله عليه وسلم- أنه قال: ((لا تتبع الجنازة بصوت ولا
نار)) قال لما فيه من التفاؤل بالنار لماذا لم يقل: لما
فيه من التشاؤم؟ على كل حال من الأضداد التفاؤل والتشاؤم
بمعنى إلا أنه غالب ما يقال: التفاؤل في الخير والتشاؤم
بالشر، لكن هي من الأضداد كالبشارة، البشارة والنذارة،
البشارة بالخير والنذارة بالشر، لكن {فَبَشِّرْهُم
بِعَذَابٍ أَلِيمٍ} [(24) سورة الإنشقاق] الثواب في الغالب
في الأجر {هَلْ ثُوِّبَ الْكُفَّارُ} [(36) سورة المطففين]
يعني أعطوا ثواب، المقصود أنه قد يأتي على خلاف الأصل،
نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
في إيش في النار؟ نعم قال ابن عبد البر: إن هذا من فعل
النصارى، ومنهم من يقول: إنه من فعل الجاهلية، ونحن
مأمورون بمخالفة الكفار، والله المستعان.
أهل العلم يقولون: يسن التربيع في حمله بأن يحمل من
جوانبه، يستحبون التربيع لعله لئلا يشق على الحاملين
"قال يحيى: سمعت مالكاً يكره ذلك" قال ابن عبد البر: ولا
أعلم بين العلماء خلاف في كراهية ذلك مَن مِن أهل العلم
يجيز أن تتبع الجنازة بنار؟ لكن إذا دعت الحاجة إلى ذلك،
جنازة في الليل في أخر الشهر، في ظلام دامس، والنار من أجل
ضوئها، الأمور بمقاصدها، ما أتبعت الجنازة بنار إنما نور
الطريق لم تتبع الجنازة بنار، كما أن إضاءة المقبرة من أجل
الدفن لا يعني أن من أضاءها مؤقتاً بغير شيء ثابت لا يجوز
إضاءتها بشيء ثابت إنما شيء مؤقت من أجل أن يتمكن من الدفن
في الليل لا بأس، وإلا جاء النهي عن اتخاذ المساجد والسرج
في المقابر.
سم.
أحسن الله إليك.
باب: التكبير على الجنائز:
حدثني يحيى عن مالك عن ابن شهاب عن سعيد بن المسيب عن أبي
هريرة -رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه
وسلم- نعى النجاشي للناس في اليوم الذي مات فيه، وخرج بهم
إلى المصلى وصف بهم، وكبر أربع تكبيرات.
(45/18)
وحدثني عن مالك عن ابن شهاب عن أبي أمامة
بن سهل بن حنيف أنه أخبره أن مسكينة مرضت فأخبر رسول الله
-صلى الله عليه وسلم- بمرضها، وكان رسول الله -صلى الله
عليه وسلم- يعود المساكين، ويسأل عنهم، فقال رسول الله
-صلى الله عليه وسلم-: ((إذا ماتت فآذنوني بها)) فخرج
بجنازتها ليلاً فكرهوا أن يوقظوا رسول الله -صلى الله عليه
وسلم- فلم أصبح رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أخبر بالذي
كان من شأنها، فقال: ((ألم أخبركم أن تؤذنوني بها؟ ))
فقالوا: يا رسول الله كرهنا أن نخرجك ليلاً ونوقظك، فخرج
رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حتى صف بالناس على قبرها
وكبر أربع تكبيرات.
وحدثني عن مالكِ أنه سأل ابن شهاب عن الرجل يدرك بعض
التكبير على الجنازة ويفوته بعضه فقال: يقضي ما فاته من
ذلك.
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-: "باب: التكبير على
الجنائز" التكبير على الجنائز أختلف السلف في عدد
التكبيرات، ففي صحيح مسلم عن زيد بن أسلم: ((كبروا خمساً))
ورفعه إلى النبي -عليه الصلاة والسلام- وعن ابن مسعود أنه
صلى على جنازة فكبر عليها أربعاً، وكان يكبر على أهل بدر
ستاً، وعلى الصحابة خمساً، وعلى سائر الناس أربعاً،
وللبيهقي عن أبي وائل كانوا يكبرون على عهد رسول الله -صلى
الله عليه وسلم- سبعاً وخمساً وستاً وأربعاً، فجمع عمر
-رضي الله عنه- الناس على أربع، قال ابن عبد البر: انعقد
الإجماع على أربع، وعليه فقهاء الأمصار، معنا في الباب
حديثان، الأول حديث النجاشي، والثاني حديث المرأة
المسكينة، الأول يمثل علية القوم ملك، والثاني يمثل مساكين
المسلمين، وهذا الملك كبر عليه أربعاً، وهذه المسكينة كبر
عليها أربعاً، فكأن عمر -رضي الله عنه- نظر إلى الأمرين
فجمع الناس على أربع تكبيرات، وأخذ به فقهاء الأمة، أخذ
بهذا الاجتهاد من عمر-رضي الله عنه- فقهاء الأمة، واجتهاد
عمر في هذه المسألة له نظائر، اجتهادات مصيبة وموفقه لها
أصلاً في الشرع، وتسندها العمومات.
(45/19)
يقول: "حدثني يحيى عن مالك عن ابن شهاب عن
سعيد بن المسيب عن أبي هريرة أن رسول الله -صلى الله عليه
وسلم- نعى النجاشي" النجاشي بفتح النون، ويقال بكسرها
النِجاشي، وخفت الجيم وتشديد أخره النجاشي، يعني الياء،
الياء مشددة؛ لأنها على زنة ياء النسب، وحكى المطرزي
التخفيف النجاشي بدون. . . . . . . . . نظير ذلك ما تقد
ذكره في النسبة إلى اليمن إذا قلت: يماني فالياء خفيفة،
الياء مخففة وليست مشددة؛ لأن ياء النسب عبارة عن ياءين،
مشددة عبارة عن ياءين، هذه الألف المزيدة قامت مقام إحدى
الياءين فخفف، وجوز بعضهم التشديد، ولعلى هذا من ذلك
الباب، إذا قلنا: النجاشي مأخوذ من النجش وما أشبهه، قلنا:
إن الألف زائدة تقوم مقام الياء الثانية، وعلى كل حال هو
ملك الحبشة لقب لكل من ملك الحبشة، والمراد بهذا الحديث هو
المعاصر للنبي -عليه الصلاة والسلام- أصحمة بن ابحر،
واسمه: بالعربية عطية كان ردءاً نافعاً للمسلمين في بلده،
هاجر الصحابة إليه مرتين، أسلم في بلده ولم يهاجر، فحكمه
حكم كبار التابعين؛ لأنه ما هاجر ولا رأى النبي -عليه
الصلاة والسلام-.
(45/20)
"نعى النجاشي للناس" أي أخبرهم بموته،
والنعي جاء ذمه، وهنا يراد بالنعي مجرد الإخبار أي أخبرهم
بموته ومجرد الإخبار إخبار الأهل والأقارب وخواص الرجل
ومعارفه وأهل الصلاح هذا مشروع؛ لأنه ترجى إجابة دعوتهم له
هذا مشروع إخبارهم بذلك مجرد إخبار من غير أن يصحب الإخبار
شيء أخر، والحالة الثانية: دعوة الناس الجفلا كل الناس
يدعون للصلاة عليه من أجل المفاخرة، أقاربه وذووه وتلاميذه
مثلاً وأتباعه يدعون الناس كلهم للصلاة على فلان ليقولوا:
إنه صلى على والدنا عشرة آلاف عشرين ألف وهكذا، وكذلك لو
فعله الأتباع ليبينوا للناس أن شيخهم أو متبوعهم أفضل من
فلان أو علان للمفاخرة، صلى على شيخنا أكثر ممن صلى على
... ، وهكذا، هذا مكروه عند أهل العلم، ولا زاد الأمر عن
ذلك لما بعد تحريمه، أما الإعلام المقرون بالنياحة وما
أشبهها هذا حرام بلا شك، والنعي الموجود في الجاهلية والذي
جاءت النصوص بمنعه هو يصحبه رفع صوت، وذكر محاسن، ووقوف من
جمع غفير في أبواب السكك والطرقات ألا أن فلان ابن فلان
الفاعل التارك الذي كذا وكذا قد مات، هذا النعي، ما يذكر
في الصحف من الأخبار الأمور بمقاصدها إذا أعلن الأولاد عن
موت أبيهم وفي ذهنهم أنه يحضر من له أو عليه حق له ممن لا
يمكن إبلاغهم مباشرة هذا مقصد صحيح، وإذا كان القصد بذلك
المفاخرة والمكاثرة هذا له حكم، وإن اقترن بذلك ذكر محاسن
وإطراء ومبالغات هذا أيضاً له حكم، فالأمور بمقاصدها، في
اليوم الذي مات فيه في رجب سنة تسع وإن كان على النحو الذي
يذكر في كتب التراجم عند أهل العلم ومثل ما قلنا سابقاً:
الأمور بمقاصدها، إذا كان ذكر محاسنه للمفاخرة بهذه
المحاسن هذا هو النعي المنهي عنه، وإن كان القصد من ذكر
محاسنه الإفادة من مؤلفاته والانتفاع بمنهجه وطريقته
وليستفيد الناس مما يمكن الإفادة منه فهذا شيء حسن هذا
كلام الإمام أحمد -رحمه الله-: بيننا وبينكم الجنائز، وهذا
شي مشاهد، إذا مات شخص من أهل العلم اجتمع الناس الجموع
الغفيرة للصلاة عليه، وإذا مات مبتدع ما يجد من يصلى عليه،
نعم بدون إعلان، القلوب بيد الله -جل وعلا-، الناس لا
يساقون بالقوة إلى الصلاة على فلان أو علان، لكن قد يرد
على
(45/21)
هذا أنه قد صلي على بعض من ليس له شأن في
الدين أو أعظم من ذلك له أثر سيئ في الدين كثرت عليه
الجموع لأنه متبوع، على كل حال الإنسان لن ينفعه إلا عمله
هذا الأصل {وَأَن لَّيْسَ لِلْإِنسَانِ إِلَّا مَا سَعَى}
[(39) سورة النجم] هذا الأصل كونه يحتف به أمور لأمر من
الأمور اجتمع الناس للصلاة عليه أو لبعض أقاربه وبعض
معارفه وفاءاً لهم لا له هذه أمور أخرى لا ترجع إلى الشخص
نفسه، المقصود أنه إذا كان من أتباعه الذين لا أثر لدعوتهم
فالعبرة في أهل الصلاح في صلاة أهل الصلاح وأهل الفضل
الذين ترجى إجابة دعوتهم.
طالب:. . . . . . . . .
(45/22)
السفر من أجل الصلاة لا بأس بها، حكمها حكم
زيارة المريض وحكم الصلة وحكم ... ما في شيء؟ هم لا
يسافرون إلى البقعة المنهي عنه، المنهي السفر إلى شد الرحل
إلى البقاع، لو سافر شخص لصلة الرحم ليحضر زواج مثلاً قريب
أو صديق نقول: شد الرحل ما في شيء أبداً، حكمها حكم عيادته
لو كان مريضاً، أو زيارته في الله إن كان سليماً "وخرج بهم
إلى المصلى، فصف بهم وكبر أربعاً" في هذه القصة -قصة
النجاشي- علم من أعلام النبوة حيث أخبر النبي -عليه الصلاة
والسلام- بموته في اليوم الذي مات فيه والمسافة بين
المدينة والحبشة تحتاج إلى زمن طويل، أخبر النبي -عليه
الصلاة والسلام- بموته في اليوم الذي مات فيه، وليس هناك
وسائل اتصال ولا شيء، إذاً جاءه الخبر من الله -جل وعلا-،
هذا علم من أعلام نبوته -عليه الصلاة والسلام-، استدل به
بعضهم على منع الصلاة على الميت في المسجد كما هو قول
الحنفية والمالكية، وسيأتي ما يعارضه في حديث عائشة -إن
شاء الله تعالى-، استدل به أيضاً على مشروعية الصلاة على
الغائب عن البلد، وبهذا قال الجمهور، الشافعي وأحمد وجمهور
السلف، حتى قال ابن حزم: لم يأت عن أحد من الصحابة منعه،
عند الحنفية والمالكية لا تشرع الصلاة على الغائب؛ لأنه لم
يؤثر أن النبي -عليه الصلاة والسلام- أنه صلى على أحد غير
النجاشي، والنجاشي له ظروفه حيث مات في بلدٍ ليس فيها أحد،
واحتمال أنه ما صلي عليه، هذا توجيه لشيخ الإسلام وغيره
أنه البلد الذي لم يصل عليه فيه يصلي عليه المسلمون صلاة
الغائب، لكن من أين لهم أن يقولوا: إنه لم يصل عليه أحد؟
هذا دون إثابته خرط القتاد، ما الذي يمنع أن يكون له أتباع
أسلموا معه ولو لم يهاجروا وصلوا عليه؟ المقصود أنه ما دام
الاحتمال قائم فلا مانع من الصلاة على الغائب، والأصل أصيل
في هذا الباب، قال بعضهم: يصلى عليه في اليوم الذي مات
فيه، أما إذا طالت المدة لا يصلى عليه، منهم من قال كابن
حبان: إنه يصلى عليه إذا كان في جهة القبلة، في جهة القبلة
تصلي عليه، أما إذا كان في غير جهة القبلة لا تصلي عليه؛
لأنه إذا كان في جهة القبلة يكون بين يديك، وهذا هو مكان
الميت من المصلي، أما إذا لم يكن في جهة القبلة
(45/23)
فإنه لا يصلى عليه، وهذا استنباط من ابن
حبان، استنبطه من قصة النجاشي؛ لأن النجاشي بالنسبة لأهل
المدينة في جهة القبلة، يعني إذا توجهوا إلى مكة الحبشة
أمامهم، لكن لو كان الميت في الشام مثلاً أهل المدينة
يستدبرونه، فلا تصح الصلاة عليه، هذا كلام ابن حبان، لكنه
جمود على القصة، جمود على قصة النجاشي، فإذا أخذنا الحكم
والنجاشي غائب عن البلد إذاً كل غائب عن البلد بصفة
النجاشي مما له أثر في الإسلام يصلى عليه، وقد يقول قائل:
إن هذا أيضاً جمود على قصة النجاشي لماذا لا يصلى على كل
أحد؟ نقول: يرد على هذا أنه ما صلي على كل أحد، فالنجاشي
له أثر في الإسلام بلا شك، فمن كان له أثر في الإسلام يصلى
عليه.
"فصف فيهم وكبر أربع تكبيرات" فيه أن التكبير في صلاة
الجنازة أربع تكبيرات، وهو الشاهد من الحديث، وفيه مشروعية
الخروج إلى المصلى لقصد تكثير الجمع الذين يصلون عليه،
وقصد الإشاعة لموته على الإسلام؛ لأن بعض الناس لم يعلم
أنه أسلم، فلما أخبروا بموته وصلى عليه النبي -عليه الصلاة
والسلام- عرف الجميع أنه أسلم، هذا غائب عن البلد هل يأخذ
حكم الغائب من غاب بدنه يعني ولو غاب في البلد نفسه من غرق
في البحر أو قتل ولم يُتمكن من غسله والصلاة عليه أو أكله
السبُع فلم يبقِ منه شيء؟ يقول الباجي: من غرق في البحر أو
قتل ولم يتمكن من غسله أو أكله السبُع فلم يبق منه شيئاً
فقد قال ابن حبيب: يصلى عليه كما فعل النبي -عليه الصلاة
والسلام- بالنجاشي؛ لأنه غائب لا وجود له بين المصلين، فهو
في حكم الغائب, يقول: وقال غيره من أصحابنا لا يصلى عليه،
لكن المتجه أنه يصلى عليه؛ لأنه غائب حكماً والأصل في
المسلم أنه يصلى عليه.
يقول: هل يشترط إذن ولي الأمر لصلاة الغائب؟ هل هناك وقت
محدد للصلاة عليه؟ هل يشترط الصلاة عليه جماعة أو يكفي
المنفرد؟
(45/24)
بالنسبة لإذن ولي الأمر في هذا الباب إذا
كان المفتى به في البلد عدم الصلاة عليه أو وجد خلاف قوي
في المسألة في البلد الذي يفتي به من عينه ولي الأمر
للإفتاء فلا بد من إذنه؛ لأن حكم الحاكم عند أهل العلم
يرفع الخلاف، إذا كانت المسألة معروف الخلاف فيها في
البلد، والمسألة خلافية، والذي يفتى به في البلد عدم
الصلاة على الغائب أو وجد خلاف قوي بين أهل العلم في البلد
نفسه لا بد من إذن ولي الأمر ليرفع الخلاف.
(45/25)
يقول: "وحدثني عن مالك عن ابن شهاب عن أبي
أمامة -أسعد- بن سهل بن حنيف أنه أخبره أن مسكينة" في
البخاري وغيره: "أنها امرأة سوداء كانت تقم المسجد واسمها:
محجنة أو أم محجن كما في الإصابة "مرضت فأخبر رسول الله
-صلى الله عليه وسلم- بمرضها، وكان رسول الله -صلى الله
عليه وسلم- يعود المساكين ويسأل عنهم" يقول الباجي: فيه
دليل على اهتمام النبي -صلى الله عليه وسلم- بأخبار ضعفاء
المسلمين، يعني اهتمام النبي -عليه الصلاة والسلام- بأخبار
ضعفاء المسلمين، وتفقده لهم، ولذلك كان يخبر بمرضاهم، وذلك
من كريم خلقه -صلى الله عليه وسلم-، وتواضعه كما وصفه الله
–عز وجل-: {وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيمًا} [(43) سورة
الأحزاب] ولذا أمر -صلى الله عليه وسلم- أن يؤذن بها، يعني
يعلم بها ويخبر بشأنها إذا ماتت لئلا يخفى أمرها عليه
"وكان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يعود المساكين ويسأل
عنهم، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((إذا ماتت
فآذنوني)) " كأنه أحس -عليه الصلاة والسلام- بدنو أجلها،
آذنوني يعني أعلموني واخبروني "فخرج بجنازتها ليلاً"
والدفن ليلاً جائز "فكرهوا أن يوقظوا رسول الله -صلى الله
عليه وسلم-" إجلالاً له وهيبة له وشفقة عليه -عليه الصلاة
والسلام- "فلما أصبح رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أخبر
بالذي كان من شأنها" يعني بعد سؤاله -عليه الصلاة والسلام-
عنها أخبر بشأنها "فقال: ((ألم أمركم أن تؤذنوني بها؟ ))
فقالوا: يا رسول الله كرهنا إن نخرجك ليلاً ونوقظك" ولابن
أبي شيبة: "فقالوا: أتيناك لنؤذنك بها فوجدناك نائماً
فكرهنا أن نوقظك" وللبخاري: "كأنهم حقروا شأنها" وفي مسلم:
"صغروا أمرها" يعني العلة مركبة، حقروا أمرها وكرهوا أن
يوقظوا النبي -عليه الصلاة والسلام- فلم يوقظوه "فخرج رسول
الله -صلى الله عليه وسلم- حتى صف بالناس على قبرها فصلى"
فيه دليل على مشروعية الصلاة على القبر وبهذا قال الشافعي
وأحمد، ومنعها مالك وأبو حنيفة، وقالوا: هذا من خصائصه
-عليه الصلاة والسلام-، لكن الخصائص لا تثبت بمجرد
الاحتمال، بل لا بد من دليل يدل على التخصيص "وكبر أربع
تكبيرات" فيه دليل على أن التكبيرات في صلاة الجنازة
(45/26)
أربع، وعرفنا أن النبي -عليه الصلاة
والسلام- كبر أربعاً على النجاشي، وهو من علية القوم، وكبر
على هذه أربع وهي من ضعفاء المسلمين ومساكينهم.
يقول: "وحدثني عن مالك أنه سأل ابن شهاب عن الرجل يدرك بعض
التكبير على الجنازة ويفوته بعضه فقال: يقضي ما فاته من
ذلك" لأن صلاة الجنازة يشملها عموم ((فما أدركتم فصلوا،
وما فاتكم فأتموا)) نعم يقضي ما فاته، ويكون على صفته،
ويكون ما أدركه أول صلاته؛ لعموم ((فأتموا)) والمسألة فرع
عما يدركه المصلي في الصلاة المفروضة عند من يقول: إن ما
يدركه المصلي أخر صلاته فإذا جاء بعد تكبير الإمام
التكبيرة الثالثة يكبر ويدعو للميت، لكن على القول وهو
المرجح أن ما يدركه المسبوق أول صلاته يكبر فيقرأ الفاتحة
ثم يكبر ثانية إذا كبر الإمام للرابعة فيصلي على النبي
-عليه الصلاة والسلام-، فإذا سلم الإمام كبر الثالثة ودعاء
للميت، ثم كبر رابعة وسلم ((وما فاتكم فأتموا)) والذي
يقول: إنما يدركه أخر صلاته وهو المعروف عند الحنابلة
والحنفية يقول: إذا كبر مع الإمام الثالث يدعو للميت، فإذا
كبر الرابعة ثم سلم الإمام يأتي بما فاته، يأتي بالتكبيرة
الأولى ثم الثانية ثم الثالثة.
المسألة إذا سلم الإمام وهو مسبوق فإذا خشي أن ترفع
الجنازة عرفنا أنه يقضي ما فاته على صفته وهكذا في جميع
الصلوات في صلاة العيد في صلاة الكسوف في صلاة الجمعة في
صلاة ... ، على صفته، لكن هنا إذا خشي أن ترفع الجنازة فهل
يتابع التكبير من غير ذكر يكبر تكبيرتين ثلاث ويسلم أو
يقضيها على صفتها ولو رفعت أو يدعو بما تيسر ويستعجل في
ذلك؟ المسألة خلافية، فقال: يقضي ما فاته من ذلك يعني بعد
سلام الإمام، وبه قال الجمهور، وقال ابن عمر والحسن وربيعة
والأوزاعي لا يقضي، واختلف في كيفية القضاء، فقال مالك:
يتابع التكبير بلا دعاء، وقال: أبو حنيفة يدعو، واختلف عن
الشافعي لكن ينبغي أن يفرق بين ما إذا كان يدرك الدعاء قبل
أن ترفع بحيث يستوفي الدعاء وإلا فيدعو بما تيسر بأخص ما
يدعى به للميت، ثم يتابع التكبير ويسلم، جمع من أهل العلم
يقول: لا يجوز الجمع بين الصلاتين بشخص واحد، لكن الذي لم
يصل يصلي.
أحسن الله إليك:
(45/27)
باب: ما يقول المصلي
على الجنازة:
حدثني يحيى عن مالك عن سعيد بن أبي سعيد القبري عن أبيه
أنه سأل أبا هريرة -رضي الله عنه-: كيف تصلي على الجنازة؟
فقال أبو هريرة: أنا لعمر الله أخبرك أتبعها من أهلها فإذا
وضعت كبرت وحمدت الله وصليت على نبيه ثم أقول: اللهم أنه
عبدك وابن عبدك وابن أمتك كان يشهد أن لا إله إلا أنت، وأن
محمداً عبدك ورسولك، وأنت أعلم به، اللهم إن كان محسناً
فزد في إحسانه، وإن كان مسيئاً فتجاوز عن سيئاته، اللهم لا
تحرمنا أجره ولا تفتنا بعده.
وحدثني عن مالك عن يحيى بن سعيد أنه قال: سمعت سعيد بن
المسيب -رحمه الله- يقول: صليت وراء أبي هريرة على صبي لم
يعمل خطيئة قط فسمعته يقول: اللهم أعذه من عذاب القبر.
وحدثني عن مالك عن نافعٍ أن عبد الله بن عمر -رضي الله
عنهما- كان لا يقرأ في الصلاة على الجنازة.
يقول -رحمه الله تعالى-: "باب: ما يقول المصلي على
الجنازة"
"حدثني يحيى عن مالك عن سيعد بن أبي سعيد المقبري عن أبيه
-كيسان- أنه سأل أبا هريرة كيف تصلي على الجنازة؟ فقال أبو
هريرة: أنا -لعمروا الله- أخبرك" هذا موطئ للقسم، مثل هذا
لا خلاف فيه، ولعمري جاءت في بعض النصوص، واستعملها
الصحابة، وأجازها الجمهور.
"أنا لعمر الله أخبرك، أتبعها من أهلها" أي أسير معها من
دارها إلى المسجد، وذلك من حق المسلم على المسلم أن يتبع
جنازة أخيه "فإذا وضعت كبرت" وكأنه لا يرى القراءة كابن
عمر على ما سيأتي.
(45/28)
"كبرت وحمدت الله وصليت على نبيه -صلى الله
عليه وسلم- ثم أقول: اللهم إنه عبدك وابن عبدك وابن أمتك"
هذا أسلوب استعطاف "كان يشهد أن لا إله إلا أنت، وأن
محمداً عبدك ورسولك" يعني وقد وعدت من نطق بهذه الشهادة
الخير العظيم، وعدته بالجنة "وأنت أعلم به" أنت أعلم بعبدك
منا "اللهم إن كان محسناً فزد في إحسانه" أي ضاعف أجوره
"وإن كان مسيئاً" متلبساً ببعض الذنوب والمعاصي "فتجاوز عن
سيئاته" فلا تؤاخذه بها "اللهم لا تحرمنا أجره" أي أجر
فقده، ومصابنا به، أو أجر الصلاة عليه "ولا تفتنا بعده"
هذا الدعاء يقال في الصلاة على الميت، وموضع الدعاء بعد
التكبيرة الثالثة على ما سيأتي، وجاءت أدعية مرفوعة إلى
النبي -عليه الصلاة والسلام-، وكلها مما يمحض فيه الدعاء
للميت، مما ينفعه، فالمصلون جاءوا ليشفعوا لهذا المسكين
الذين انقطع عمله.
يقول: "وحدثني عن مالك عن يحيى بن سعيد" الأنصاري.
عن أبي هريرة موقوفاً عليه ما فيه إشكال، جاء في الأدعية
المرفوعة صيغ كثيرة منها ما في الصحيح، ومنها ما في السنن:
"اللهم اغفر لحينا وميتنا وشاهدنا وغائبنا وصغيرنا وكبيرنا
وذكرنا وأنثانا، إنك تعلم منقلبنا ومثوانا، اللهم من
أحييته منا فأحييه على الإسلام، ومن توفيته منا فتوفه على
الإيمان، اللهم اغفر له وارحمه وعافه واعف عنه ... إلى
أخر، الدعاء المعروف، اللهم إنه في ذمتك وحبل جوارك.
يقول: "وحدثني عن مالك عن يحيى بن سعيد -الأنصاري- أنه
قال: سمعت سعيد بن المسيب يقول: صليت وراء أبي هريرة على
صبي لم يعمل خطيئة قط" الصبي معروف أنه غير مكلف لم يجر
عليه قلم التكليف، رفع عنه القلم "فسمعته يقول: اللهم أعذه
من عذاب القبر" مفهومه أن من لم يعمل خطيئة يعذب، لكن هناك
أمور يشترك فيها الناس كلهم، الضغطة -ضغطة القبر- والوحشة
والإنفراد، هذا يعم الأطفال وغير الأطفال، فالدعاء له بمثل
هذا دعاء له بالأنس وأن تخفف عليه الضغطة، والله المستعان.
وإلا مقتضى كونه لم يعمل خطيئة قط أنه لا يعذب.
(45/29)
يقول: "وحدثني عن مالك عن نافع أن عبد الله
بن عمر كان لا يقرأ في الصلاة على الجنازة" ابن عمر كان لا
يقرأ في الصلاة على الجنازة إنما هو مجرد دعاء للميت عنده،
كما تقدم نظيره في صنيع أبي هريرة -رضي الله عنه-، بهذا
قال كما سمعتم ابن عمر وأبو هريرة وجماعة من التابعين وأبو
حنيفة ومالك، يقولون: ما فيها قراءة، وقال ابن عباس وابن
مسعود بمشروعية القراءة، وبهذا قال الشافعي وأحمد وفي
البخاري: صلى ابن عباس على جنازة فقرأ بفاتحة الكتاب،
وقال: لتعلموا أنها سنة، أسمعهم إياها، وقال: لتعلموا أنها
سنة، وفي النسائي فقرأ بفاتحة الكتاب وسورة لتعلموا أنها
سنة.
قول الصحابي: سنة له حكم الرفع عند جمهور العلماء؛ لأنه لا
يريد بذلك إلا سنة النبي -عليه الصلاة والسلام-، وقال
الحسن: يقرأ على الطفل بفاتحة الكتاب، ويقول: اللهم اجعله
لنا فرطاً وسلفاً وأجراً، وروى عبد الرزاق والنسائي عن أبي
أمامة بن سهل بن حنيف قال: السنة في الصلاة على الجنازة أن
يكبر ثم يقرأ بأم القرآن ثم يصلي على النبي -عليه الصلاة
والسلام-، يعنى بعد التكبيرة الثانية، ثم يخلص الدعاء
للميت، يعني بعد التكبيرة الثالثة، يخلص الدعاء للميت ولا
يقرأ إلا في الأول، يعني بعد التكبير الأولى فقط.
يقول ابن حجر: وإسناده صحيح، السنة في الصلاة على الجنازة،
وإذا أطلقوا السنة فمرادهم سنة النبي -عليه الصلاة
والسلام-، وإسناده صحيح، فعلى هذا بعد التكبيرة الأولى
القراءة، وبعد الثانية الصلاة على النبي -عليه الصلاة
والسلام-، وبعد الثالثة الدعاء للميت.
أحسن الله إليك:
باب: الصلاة على الجنائز بعد
الصبح إلى الإسفار وبعد العصر إلى الاصفرار:
وحدثني يحيى عن مالك عن محمد بن أبي حرملة مولى عبد الرحمن
بن أبي سفيان بن حويطب أن زينب بنت أبي سلمة توفيت وطارق
أمير المدينة فأُتي بجنازتها بعد صلاة الصبح فوضعت
بالبقيع، قال: وكان طارق يغلس بالصبح، قال ابن أبي حرملة:
فسمعت عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- يقول لأهلها: إما
أن تصلوا على جنازتكم الآن، وإما أن تتركوها حتى ترتفع
الشمس.
(45/30)
وحدثني عن مالك عن نافع أن عبد الله بن عمر
-رضي الله عنهما- قال: يصلى على الجنازة بعد العصر وبعد
الصبح إذا صليتا لوقتهما.
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-: "باب: الصلاة على الجنائز
بعد الصبح إلى الإسفار وبعد العصر إلى الاصفرار" في
الوقتين الموسعين الصلاة على الجنازة في الوقتين الموسعين
بعد الصبح إلى الإسفار يعني قبل أن تطلع الشمس وبعد العصر
بعد صلاة العصر إلى أن تصفر الشمس.
روى مسلم وأحمد وأصحاب السنن عن عقبة بن عامر -رضي الله
عنه- قال: "ثلاث ساعات كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم-
ينهانا أن نصلى فيهن، وأن نقبر فيهن موتانا، حين تطلع
الشمس بازغة حتى ترتفع، حين يقوم قائم الظهيرة حتى تميل،
وحين تتضيف الشمس للغروب حتى تغرب" هذه الأوقات الثلاثة
مضيقة. يقول الترمذي: والعمل على هذا عند بعض أهل العلم،
يعني المنع من صلاة الجنازة في هذه الأوقات؛ لأنهم حملوا
دفن أو قبر الموتى على الصلاة؛ لأن الدفن من متطلبات
الصلاة، يقول الترمذي: والعمل على هذا عند بعض أهل العلم
من أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- وغيرهم، يكرهون
الصلاة على الجنازة في هذه الساعات، ساعات الأوقات
المضيقة، وقال ابن المبارك: معنى هذه الحديث أن نقبر فيهن
موتانا يعني الصلاة على الجنازة؛ لأن قبر الميت في حد ذاته
لا إشكال فيه، ولا يتعلق به نهي، والنهي عن الصلاة، النهي
في أوقات النهي إنما يراد به عن الصلاة، وذكر قبر الموتى
لأن من متطلباته الصلاة، وقال ابن المبارك: معنى هذا
الحديث أن نقبر فيهن موتانا يعني الصلاة على الجنازة، وكره
الصلاة على الجنازة عند طلوع الشمس وعند غروبها، وإذا
انتصف النهار حتى تزول الشمس وهو قول أحمد وإسحاق، وقال
الشافعي: لا بأس به، لا بأس بالصلاة على الجنازة في
الساعات التي تكره فيها الصلاة، مع أننا عرفنا رأى الشافعي
-رحمه الله- في فعل ذوات الأسباب في أوقات النهي، ورأي
غيره من أهل العلم.
(45/31)
"باب: الصلاة على الجنائز من الصبح إلى
الإسفار وبعد العصر إلى الاصفرار" في شرح الزرقاني يقول:
فيجوز بلا كراهة، هذا هو المشهور عن مالك، أنها لا تجوز
بعد الإسفار وبعد الاصفرار، وروى ابن عبد الحكم عن مالك
جواز الصلاة على الجنازة في كل وقت بما في ذلك الأوقات
المضيقة، وهو قول الشافعي؛ لأن النهي إنما ورد في التطوع
لا الواجب، صلاة الجنازة تطوع وإلا واجبة؟ واجبة، فرض
كفاية، الصلاة الأولى على الميت فرض كفاية، إذا صلي عليه
وسقط الفرض، ثم وضعت الجنازة انتظاراً لدفنها في أوقات
النهي، الآن سقط الفرض صارت في حكم الباقين سنة، وهنا يقول
مالك: إنما ورد النهي في التطوع لا الواجب، نتفق معه على
أن صلاة الجنازة فرض كفاية، ويقصد بذلك الصلاة الأولى التي
يسقط بها الواجب، فإذا سقط الواجب صار في حكم الباقين سنة،
هؤلاء الذين لم يدركوا الصلاة عليها في المسجد هل لهم أن
يصلوا عليها إذا وضعت انتظاراً لدفنها على أرض المقبرة؟
وهل يختلف الأمر فيما إذا وضعت قبل أن تدفن وبعد أن تدفن؟
صلاة الجنازة صلاة، يتناولها عموم قوله -عليه الصلاة
والسلام-: ((لا صلاة بعد الصبح)) ((ولا صلاة بعد العصر))
و"ثلاث ساعات كان الرسول ينهانا" ... إلى أخره، فهي صلاة،
ولذا لا تصح إلا باستكمال شروط الصلاة، فهي صلاة، وإذا
اتفقنا مع مالك وغير مالك ممن يقول: بأن النهي خاص
بالنوافل لا الفرائض، إذا أديت الصلاة للمرة الأولى سقط
الفرض وبقي في حكم الباقين سنة، فإذا وضعت بعد صلاة العصر
في المقبرة بعد أن أديت الصلاة الواجبة عليها أو بعد صلاة
الصبح لوقت موسع أو في الوقت المضيق هل نقول: لا تصلوا
عليها لأن الوقت وقت نهي؟ أو نقول: هذه صلاة مربوطة بسبب
وجد السبب وفعل ذوات الأسباب في أوقات النهي معروف الخلاف
فيه؟ يجري عليها ما ذكرناه سابقاً في فعل ذوات الأسباب في
وقت النهي، الوقتين الموسعين لا إشكال فيهما، يصلى على
الجنازة فيهما، وأما بقيت الأوقات فلا يصلى على الجنازة
فيها؛ لأن تنتظر الجنازة ويش المانع تنتظر لأن الأوقات
المضيقة قصيرة؟ حتى في الصلاة الأولى التي هي واجبة يعني
لا يترتب على التأخير شيء لو أحضرت صلاة جنازة قبل غروب
الشمس بعشر دقائق ويش
(45/32)
المانع أن ينتظر بها صلاة المغرب فإذا صلوا
يصلون عليها؟ أو أحضرت الجنازة قبل بزوغ الشمس أو مع بزوغ
الشمس ينتظر بها حتى ترتفع الشمس؛ لأنه في حديث عقبة:
"ثلاث ساعات كان رسول الله ينهانا أن نصلى فيهن وأن نقبر
فيهن موتانا" فالأمر لا شك أنه ليس من السهولة بحيث يقول
أدنى واحد: هذه ذوات أسباب وذوات الأسباب جاء ما يخرجها من
عموم أحاديث النهي، والمسألة تقدمت مع البسط.
يقول: "وحدثني يحيى عن مالك عن محمد بن أبي حرملة" قرشي
مولاهم "مولى عبد الرحمن بن أبي سفيان بن حويطب" بن عبد
العزى "أن زينب بنت أبي سلمة" عبد الله بن عبد الأسد
المخزومية، ربيبة النبي -عليه الصلاة والسلام- "توفيت" سنة
ثلاثة وسبعين، وحضر ابن عمر جنازتها قبيل موته "وطارق -بن
عمرو الأموي مولاهم- أمير المدينة" لعبد الملك بن مروان
"فأتي بجنازتها بعد صلاة الصبح فوضعت في البقيع، قال
-محمد-: وكان طارق يغلس في الصبح" أي يصليها وقت الغلس قبل
الإسفار، يعني ما زال وقت النهي الموسع موجود، فيصلى عليها
في مثل هذا الوقت "قال ابن أبي حرملة: فسمعت عبد الله ابن
عمر يقول لأهلها: إما أن تصلوا على جنازتكم الآن -يعني في
الوقت الموسع وقت الغلس قبل الإسفار- وإما أن تتركوها حتى
ترتفع الشمس" أما أن يصلى عليها في الوقت المضيق فلا،
ومفهومه أنه لا يصلى عليها في الوقت المضيق.
"وحدثني عن مالك عن نافع أن عبد الله بن عمر كان يصلي على
الجنازة بعد العصر وبعد الصبح إذا صليتا لوقتهما" يعني في
أول الوقت، وهذا يشهد لما قبله، يقول الباجي: لوقت
الصلاتين المختار، ولابن أبي شيبة عن ميمون بن مهران كان
ابن عمر يكره الصلاة على الجنازة إذا طلعت وحين تغرب، يعني
في الوقتين المضيقين.
اللهم صلِ على عبدك ورسولك.
(45/33)
الموطأ - كتاب
الجنائز (3)
شرح: باب: الصلاة على الجنائز في المسجد، وباب: جامع
الصلاة على الجنائز، وباب: ما جاء في دفن الميت، وباب:
الوقوف للجنائز والجلوس على المقابر، وباب: النهي عن
البكاء على الميت.
الشيخ/ عبد الكريم الخضير
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده
ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
يقول: إذا صلي على أكثر من جنازة صلاة واحدة فهل يؤجر
المسلم كما لو صلى على كل جنازة وحدها؟
يعني هل الوعد للصلاة أو للميت؟ فيتعدد الأجر بعدد الأموات
أو لا بد من تعدد الصلوات؟ اللائق بفضل الله -جل وعلا-
وكرمه أن يكون بعدد الأموات، من صلى على عشر جنائز صح أنه
صلى على عشرة من المسلمين، وله بكل صلاة قيراط بعدد
الأموات -إن شاء الله تعالى- هو اللائق بفضل الله -جل
وعلا-.
يقول: ما تفسير كون التابعين أشد خوفاً من الله تعالى من
الصحابة كما هي القصص التي تدل على ذلك؟
(46/1)
هذا الكلام ليس بصحيح، قد يكون الأثر
المترتب على الخوف الأثر المرئي هو في التابعين أكثر،
يتجلى مثل هذا في كون بعض التابعين لا يحس بمن حوله وهو
يصلي، وفي كون بعض التابعين يغمى عليه ويصعق عند سماع
القرآن وقد يموت وهذا لا يوجد في الصحابة، إن كان المراد
به هذا فنعم موجود في التابعين ومن بعدهم من خيار الأمة،
النبي -عليه الصلاة والسلام- أنزل عليه القرآن وأخبر أنه
قول ثقيل، لا يتحمل أي قلب، هو قول ثقيل، لكن إذا نزل هذا
القول الثقيل على قلوب كاملة قوية تتحمل هذا القول الثقيل
تأثرت به من غير أن يعتريها نقص؛ لأن الغشي نقص فتتأثر به
التأثر التام من غير أن يعتريها نقص، فهي تستشعر عظمة هذا
الكلام، وتحتمل هذا الكلام العظيم لقوتها؛ لما جعل الله
فيها من القوة والتحمل، وإلا أخشى الناس وأتقاهم لله النبي
-عليه الصلاة والسلام-، ثم بعد ذلك صحابته الكرام، انتهى
الجيل الأول من الصحابة أصحاب القلوب القوية العظيمة التي
تتحمل هذا الكلام العظيم وتستشعر عظمته، جاء الجيل الذي
يليهم وقد ورثوا عن الجيل الأول تعظيم شعائر الله، وتعظيم
كلام الله، واستشعار عظمة كلام الله، لكن القلوب ضعفت،
فإذا نزل هذا القول الثقيل العظيم على قلوب ضعيفة مع
استشعار العظمة لا بد من أن تتأثر، فيعتريها ما يعتريها من
نقص بسبب هذا التأثر، ثم استمر الأمر على هذا في القرون
المفضلة، ثم خلفهم خلوف قلوب ضعيفة، لكن مع عدم استشعار
عظمة هذا الكلام فصار لا يؤثر فيها، وإلا فمن من الناس
اليوم يتأثر بسورة هود؟ ما في أحد إلا القليل النادر، ولقد
عهدنا الناس في ليلة الثاني عشر والثالث عشر من رمضان
حينما تقرأ هذه السورة ترتج المساجد من البكاء، يستشعرون،
ومنهم من يحصل له شيء من النقص لاستشعار عظمة القرآن، من
من الناس اليوم يستشعر عظمة قوله –جل وعلا-: {فَإِذَا
نُقِرَ فِي النَّاقُورِ} [(8) سورة المدثر]؟ هي لا تحرك
شعرة في أي مسلم الآن إلا من رحم الله، يبدأ القارئ في
السورة وينتهي ما كأنه يقرأ، وليس هذا قوة في القلوب لا
أبداً، القلوب أضعف مما هي عليه في عصر التابعين، لكن مع
ضعف هذه القلوب عدم استشعار عظمة هذا الكلام، وإلا لو نزلت
بالمرء أدنى مصيبة
(46/2)
من أمور الدنيا هل يتحمل؟ ما يتحمل إلا
القليل النادر، هذا الذي يظهر من تراجم السلف لا شك أن هذا
له نصيب.
السؤال هذا يقول: ما تفسير كون التابعين أشد خوفاً من الله
من الصحابة؟
هم ليسوا أشد خوفاً من الله -جل وعلا-، لكن آثار هذا الخوف
تظهر عليهم أشد من ظهورها في عصر الصحابة؛ لقوة الصحابة في
تحمل مثل هذا الكلام العظيم بخلاف من جاء من بعدهم.
يقول: ما رأيكم في كتاب الفقه على المذاهب الأربعة لعبد
الرحمن بن الجزيري؟
أولاً: الكتاب غير كامل، الأمر الثاني: أنه قد ينقل بعض
المذاهب من كتب غير مشهورة في هذه المذاهب، ويعتمد روايات
غير معمول بها في هذه المذاهب؛ لأن كل مذهب له رواية أو
قول يختلف عن القول الآخر، فالفقه الإسلامي وأدلته للزحيلي
يجمع المذاهب وليست الميزة في جمعه، الميزة في المراجع
التي اعتمدها، وذكرها بالجزء والصفحة؛ ليتأكد الإنسان مما
نقله، ويستكمل بحث هذه المسائل من هذه المصادر.
سم.
باب: الصلاة على الجنائز في
المسجد:
حدثني يحيى عن مالك عن أبي النضر مولى عمر بن عبيد الله عن
عائشة -رضي الله تعالى عنها- زوج النبي -صلى الله عليه
وسلم- أنها أمرت أن يمر عليها بسعد بن أبي وقاص في المسجد
حين مات لتدعو له، فأنكر الناس ذلك عليها، فقالت عائشة: ما
أسرع الناس، ما صلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- على
سهيل بن بيضاء إلا في المسجد.
وحدثني عن مالك عن نافع عن عبد الله بن عمر -رضي الله
عنهما- أنه قال: صلي على عمر بن الخطاب في المسجد.
"باب: الصلاة على الجنائز في المسجد"
(46/3)
"حدثني يحيى عن مالك عن أبي النضر" سالم بن
أبي أمية "مولى عمر بن عبيد الله" القرشي التيمي "عن
عائشة" زوج النبي -صلى الله عليه وسلم- -رضي الله تعالى
عنها- أنها أمرت أن يمر عليها بسعد بن أبي وقاص في المسجد"
سعد بن أبي وقاص بن مالك الزهري، أحد العشرة المبشرين،
وأخرهم موتاً، حين مات في العقيق سنة خمسٍ وخمسين، وحمل
إلى المدينة على ما سيأتي، أمرت أن يمر عليها به لتدعو له
في المسجد، لتدعو له، لماذا لا تدعو له وهو بعيد؟ لا شك أن
الدعاء من قرب أقرب إلى الاستحضار، فإذا دعت له بحضرة
جنازته استحضرت ولم تنشغل عن الدعاء بشيء "فأنكر ذلك الناس
عليها" عائشة أمرت أن يمر عليها لتدعو له هل المراد بذلك
الدعاء له بالرحمة والمغفرة أو لتصلي عليه فيكون المراد
بالدعاء هنا الصلاة؟ تطلق الصلاة ويراد بذلك الدعاء، ويطلق
الدعاء ويراد به الصلاة، جاء في الحديث في إجابة الدعوة
((من كان مفطراً فليطعم، ومن كان صائماً فليصلِ)) يعني
يدعو، وإن قال بعضهم: إنه يصلي ركعتين ويمشي، لكن الأكثر
على أنه يدعو، وهنا تقول: أمرت أن يمر عليها لتدعو له،
احتمال أن يكون مجرد الدعاء والدعاء بحضرة الجنازة لا شك
أنه أقرب وأبعد عن الغفلة، أو المراد بالدعاء هنا الصلاة،
وفي صحيح مسلم عن عباد بن عبد الله بن الزبير عن عائشة
قالت: لما توفي سعد أمر أزواج النبي -صلى الله عليه وسلم-
أن يمر بجنازته في المسجد فيصلين عليه، وهذا هو المناسب
للترجمة أن المراد بالدعاء الصلاة؛ لأن الترجمة: باب:
الصلاة على الجنائز في المسجد "فأنكر ذلك الناس عليها،
فقالت عائشة: ما أسرع الناس" يعني أن نسوا السنة، أو ما
أسرعهم إلى الإنكار ينكرون ما لا علم لهم به، أو ينسوا
السنة "ما صلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- على سهيل بن
بيضاء" هذه أمه، لقبها البيضاء؛ لأنها كانت بيضاء، واسمها:
دعد، وأبوه وهب بن ربيعة القرشي، قد مات سنة تسع "ما صلى
رسول الله -صلى الله عليه وسلم- على سهيل بن البيضاء إلا
في المسجد"، وفي مسلم: "إلا في جوف المسجد".
(46/4)
وكره بعض العلماء الصلاة على الميت في
المسجد لما يخشى من تلويثه؛ ولأن النبي -عليه الصلاة
والسلام- أذنهم وأعلمهم ونعى لهم النجاشي وخرج بهم إلى
المصلى، وعرفنا أنه خرج بهم إلى المصلى ليشتهر أمر
النجاشي؛ وليعلن إسلامه لأن كثير من المسلمين لا يدري هل
هو أسلم أم لا؟ وليكثر الجمع عليه لما قدمه من أيادٍ في
خدمة هذا الدين، فهو رد نافع لهذه الأمة، والحديث وإن كان
منقطعاً عند جمهور رواة الموطأ إلا أنه موصول في صحيح
مسلم.
يقول: "وحدثني عن مالك عن نافع عن عبد الله بن عمر أنه
قال: صلي على عمر بن الخطاب في المسجد" وروى ابن أبي شيبة
أن عمر صلى على أبي بكر في المسجد، وأن صهيباً صلى على عمر
في المسجد، في ذلك دليل على جواز الصلاة على الميت في
المسجد، وأما ما يخشى من احتمال تلويث المسجد فهذا احتمال
ضعيف مع أنه يحتاط لهذا عند الغسل، فتعمل كافة الاحتياطات،
بحيث لا يخرج شيء منه بعد الغسل, وعلى كل حال السنة
الثابتة في جواز الصلاة على الميت في المسجد، ثابت من فعله
-عليه الصلاة والسلام-، وفعل صحابته من بعده.
سم.
باب: جامع الصلاة على الجنائز:
حدثني يحيى عن مالك أنه بلغه أن عثمان بن عفان وعبد الله
بن عمر -رضي الله عنهم- وأبا هريرة -رضي الله عنه- كانوا
يصلون على الجنائز بالمدينة الرجال والنساء، فيجعلون
الرجال مما يلي الإمام والنساء مما يلي القبلة.
وحدثني عن مالك عن نافع أن عبد الله بن عمر -رضي الله
عنهما- كان إذا صلى على الجنائز يسلم حتى يسمع من يليه.
وحثني عن مالك عن نافع أن عبد الله بن عمر -رضي الله
عنهما- كان يقول: لا يصلي الرجل على الجنازة إلا وهو طاهر،
قال يحيى: سمعت مالكاً -رحمه الله- يقول: لم أر أحداً من
أهل العلم يكره أن يصلى على ولد الزنا وأمه.
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-: "باب: جامع الصلاة على
الجنائز"
(46/5)
"حدثني يحيى عن مالك أنه بلغه أن عثمان"
أمير المؤمنين، ثالث الخلفاء الراشدين، مناقبه أشهر من أن
تذكر، وأكثر من أن تحصر -رضي الله تعالى عنه وأرضاه- "وعبد
الله بن عمر وأبا هريرة -رضي الله عنهم- كانوا يصلون على
الجنائز بالمدينة" يعني يصلى على أكثر من جنازة في وقت
واحد صلاة واحدة فتجزئ عن صلاة على كل واحد على حدة، يصلون
على الجنائز مرة واحدة، ولا خلاف في جواز ذلك.
هذا يسأل عن التكبيرات رفع اليدين مع تكبيرات صلاة
الجنازة؟
هو ثابت عن ابن عمر موقوف عليه، والمرفوع إلى النبي -عليه
الصلاة والسلام- ضعيف، بل شديد الضعف، ويعارض فعل ابن عمر
فعل ابن عباس -رضي الله عنهما-، على كل حال الأكثر على أن
اليدين ترفعان، كونه ثبت عن ابن عمر الصحابي المؤتسي
المقتدي صح عنه ذلك، فالمرجح رفع اليدين.
إذا صلي على الميت في المسجد ثم صلي عليه عند المقبرة فهل
لمن صلى عليه في المسجد أن يصلي عليه مرة ثانية في المقبرة
مع جماعة أخرى؟
ليس له أن يصلي، إذا صلى عليه مرة يكفي.
(46/6)
يقول: "فيجعلون الرجال مما يلي الإمام
والنساء مما يلي القبلة" وعلى هذا أكثر العلماء، وقال ابن
عباس وأبو هريرة وأبو قتادة: هي السنة، ومعلوم أن الصحابي
إذا قال: السنة أو من السنة أنه مرفوع حكماً، فيقدم الرجال
ثم الصبيان الأحرار ثم العبيد ثم النساء، هذا الترتيب عند
أهل العلم، الأكمل فالأكمل، ثم إذا وجد أكثر من واحد من
نوع واحد يقدم الأفضل فالأفضل، يعني لو وجد عشرة رجال
مثلاً من يقدم منهم؟ يقدم الأفضل فالأفضل منهم، وقال الحسن
وسالم والقاسم: إن النساء مما يلي الإمام، والرجال مما يلي
القبلة مأخذ هذا؟ نعم؟ نعم جهة القبلة أشرف فيقدم لها
الأكمل، جهة القبلة أشرف ولذا الصف الأول أفضل من الثاني،
فإذا قدمنا الرجال كأنهم صاروا في الصف الأول، والنساء
أخرناهن كأنهن كن في الصف الثاني، وهذا وضعهن في صلاتهن
خلف الرجال، فليكن الحكم كذلك في الصلاة عليهن، وقد يسمع
الكلام لأول مرة يستغرب، النساء هن الذين بعد الإمام
مباشرة، هذا له وجه، لكن جماهير أهل العلم على أن المقدم
في هذا مما يلي الإمام الرجال، ولو جئنا إلى عكس ما قاله
أولئك الذي يلي الإمام الصف الأول الذي هو الأكمل من
الخلف، فليكن الذي يليه من الأمام هو الأكمل، يعني إذا
كانت المسألة مجرد علل إذا كانت مجرد التماس علل، فإذا قال
أولئك: إن جهة القبلة أشرف فليكن الرجال أحق بها، والنساء
وضعهن خلف الرجال مما يلي الرجال، فليكن في الصلاة عليهن
كذلك، نقول: إن الأكمل والأتم في الصفوف الذي يلي الإمام
من خلفه فليكن الذي يلي الإمام من أمامه أكمل أيضاً،
والعبرة في هذا النقل.
(46/7)
"فيجعلون الرجال مما يلي الإمام، والنساء
مما يلي القبلة" ويقول: "وحدثني عن مالك عن نافع أن عبد
الله بن عمر كان إذا صلى على الجنائز يسلم حتى يسمع من
يليه" يسلم سلام التحليل من الصلاة التي افتتحها بالتكبير
حتى يسمع من يليه، يعني كغيرها من الصلوات، وكذا كان يفعل
أبو هريرة وابن سيرين، وبه قال أبو حنيفة والأوزاعي يجهر
بالتسليم، ويروى عن مالك رواية أنه يسر بالتسليم، وبه قال
الشافعي، إذاً كيف نعرف أن الإمام انتهى من صلاته على
الجنازة؟ بانصرافه، يعلم تمام الصلاة بانصراف الإمام على
قولهم بالإسرار، وإلا فالقول المعتمد في المسألة هو الجهر
بالتسليم كالجهر بالتكبير.
يقول: "وحدثني عن مالك عن نافع أن عبد الله بن عمر كان
يقول: لا يصلي الرجل على الجنازة إلا وهو طاهر" يعني من
الحدثين، وبهذا قال جماهير أهل العلم، بل نقل ابن عبد البر
الاتفاق على ذلك إلا ما يروى عن الشعبي، فالشعبي جوز صلاة
الجنازة من غير طهارة، والجمهور دليلهم: ((لا يقبل الله
صلاة من أحدث حتى يتوضأ)) ((لا تقبل صلاة من غير طهور))
وهذه صلاة، لها جميع أحكام الصلاة، جوز شيخ الإسلام ابن
تيمية -رحمه الله تعالى- التيمم لمن خشي أن ترفع الجنازة،
وجهة نظره -رحمه الله- أنه بديل عن الطهارة والطهارة لا
يتمكن منها في الوقت المناسب المطلوب؛ لأنها لا يمكن أن
يتطهر الطهارة الكاملة بالوضوء، فلما لم يستطع أن يتطهر
بالوضوء يعدل إلى البدل وغيره لا يرون ذلك، لماذا؟ لأنه مع
القدرة على استعمال الماء لا يصح التيمم، وذكرنا في أول
الكتاب في المفاضلة بين الشروط بين الوقت والطهارة، وقلنا:
إن رأي مالك تقديم الوقت عن الطهارة خلافاً للجمهور، وشيخ
الإسلام كأنه يميل إلى رأي مالك، وهذا عند التزاحم
والمسألة سبقت.
(46/8)
على كل حال إذا كان يدرك القيراط بالطهارة
الكاملة لا يسوغ له بحال، لكن إذا خشي، يقول: صلاة بطهارة
ناقصة أفضل من لا شيء؛ لأنه بين أن يصلي بالتيمم أو لا
يصلي، شيخ الإسلام -رحمه الله تعالى- عنده أقوال لا شك
أنها تنبأ عن إحاطة وإدراك لمقاصد الشريعة، وفهم ثاقب، لكن
يجبن عنها كثير من الناس، إذا ضاف قوماً وهذا البيت مملوء
من النساء مثلاً، شخص ضاف قوماً نزل عند قوم، وفيه خليط من
الرجال والنساء الكبار والصغار فاحتلم وخشي أن يتهم، شيخ
الإسلام يجوز له التيمم، لكن هل يقول بهذا أحد؟ هل يستطيع
أن يجرأ أحد يقول بهذا القول؟ هل يستطيع أحد أن يقول: تطوف
الحائض إذا خشيت فوات الرفقة وحبسهم؟ والنبي -عليه الصلاة
والسلام- يقول: ((أحابستنا هي؟ )) لا شك أن شيخ الإسلام
عنده من العلم ما يجعله يقدم على مثل هذه الأقوال، عنده
علم وفهم لمقاصد الشرع، وعنده أيضاً لهذه المسائل نظائر
وأقيسه تجعله يقول بهذا القول، وهذا ظاهر في كل من تضلع من
العلم تكون له مثل هذه الأقوال التي ترى في بادئ الأمر
أنها شواذ، فإذا اجتمع عند المرء سعة إطلاع، وقوة علم وقوة
حفظ وفهم وإدراك وإحاطة لا شك أنه سوف يوجد عنده مثل هذه
الأقوال، لكن لا يعني أنه معصوم كل ما يقوله هو الصواب، ما
يلزم، على الإنسان أن يكون وقافاً عند النصوص، وأهل العلم
يؤكدون على أنه إن أمكنك ألا تحك رأسك إلا بأثر ففعل، لكن
إذا أعياك الأمر ولا وجدت، ما بقي في المسألة إلا اجتهاد
فاجتهد إن كنت من أهل العلم، نعم؟
نعم هذه مسألة مهمة تحصل كثيراً، لا سيما في الحرمين أو
الحرم المكي الذين يتأخرون عن صلاة الجنازة والإعلان عنها،
صلى الفريضة وبعد أن انتهى من الأذكار كبر للراتبة، ثم
قيل: الصلاة على الميت، وشرع الإمام في الصلاة عليه.
هل يقطع النافلة التي وقتها موسع ويصلي على الجنازة التي
تفوت أو يستمر امتثالاً لقوله -جل وعلا-: {وَلَا
تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ} [(33) سورة محمد] هو يقطع
النافلة للفريضة ((إذا أقيمت الصلاة فلا صلاة إلا
المكتوبة)) يقطع النافلة فهل يقطعها لصلاة الجنازة إذا خشي
فواتها؟
(46/9)
لا شك أن المسألة محل خلاف بين أهل العلم،
لكن إذا غلب على ظنه أنه لا يدرك منها شيء ولا تكبيرة أنه
يقطع النافلة في وقتها الموسع.
"وحثني عن مالك عن نافع أن عبد الله بن عمر كان يقول: لا
يصلي الرجل على الجنازة إلا وهو طاهر" لكن من فاتته صلاة
الفريضة وجاء وكبر للفريضة ثم أعلن عن صلاة الجنازة وكبر
عليها وشرع بها لا يجوز له أن يقطع الفريضة، هم يقولون: إن
قلب منفرد فرضه نفلاً يقلبها نفلاً في وقتها المتسع يجوز
عندهم، يقلبها نفلاً إذا غلب على ظنه أنه يدرك الجماعة
وإلا فلا يجوز.
"وحدثني عن مالك عن نافع أن عبد الله بن عمر كان يقول: لا
يصلي الرجل على الجنازة إلا وهو طاهر"
قال يحيى: سمعت مالكاً يقول: لم أر أحداً من أهل العلم
يكره أن يصلى على ولد الزنا وأمه" لأنهما من جملة
المسلمين، يقول ابن عبد البر: لا أعلم فيه خلافاً تبعاً
لإمامه، لكن قال قتادة: لا يصلى عليه، يقول قتادة: لا يصلى
على ولد الزنا، لكن قول الجماهير يصلى عليه هو واحد من
المسلمين ولا ذنب له، هناك من المسلمين من لا يصلى عليه
البتة، ومنهم من لا يصلي عليه الإمام وعلية القوم ويترك
الصلاة عليهم لذويهم ومعارفهم، ومن أراد من عامة المسلمين،
وهذه المسألة لأهل العلم فيها أقوال كثيرة، منهم قاتل نفسه
والغال وقاطع الطريق والمحارب، المقصود هناك من الأموات من
صرح أهل العلم بأنه لا يصلي عليهم الإمام، ومنهم من لا
يصلى عليه البتة كالشهيد، نعم لا يصلى عليه، شهيد المعركة،
ويأتي ما قاله أهل العلم بالنسبة للنبي -عليه الصلاة
والسلام- هل صلي عليه أم لم يصلَّ عليه؟
سم.
باب: ما جاء في دفن الميت:
(46/10)
حدثني يحيى عن مالك أنه بلغه أن رسول الله
-صلى الله عليه وسلم- توفي يوم الاثنين، ودفن يوم
الثلاثاء، وصلى الناس عليه أفذاذاً، لا يأمهم أحد، فقال
ناس: يدفن عند المنبر، وقال آخرون: يدفن بالبقيع، فجاء أبو
بكر الصديق -رضي الله عنه- فقال: سمعت رسول الله -صلى الله
عليه وسلم- يقول: ((ما دفن نبي قط إلا في مكانه الذي توفي
فيه)) فحفر له فيه، فلم كان عند غسله أرادوا نزع قميصه
فسمعوا صوتاً يقول: "لا تنزعوا القميص" فلم ينزع القميص،
وغسل وهو عليه -صلى الله عليه وسلم-.
وحدثني عن مالك عن هشام بن عروة عن أبيه أنه قال: كان
بالمدينة رجلان أحدهم يلحد، والأخر لا يلحد فقالوا: أيهما
جاء أول عمل عمله، فجاء الذي يلحد فلحد لرسول الله -صلى
الله عليه وسلم-.
وحدثني عن مالكٍ أنه بلغه أن أم سلمة -رضي الله تعالى
عنها- زوج النبي -صلى الله عليه وسلم- كانت تقول: ما صدقت
بموت النبي -صلى الله عليه وسلم- حتى سمعت وقع الكرازين.
وحدثني عن مالك عن يحيى بن سعيد أن عائشة -رضي الله تعالى
عنها- زوج النبي -صلى الله عليه وسلم- قالت: رأيت ثلاث
أقمار سقطن في حجري حجرتي، فقصصت رؤياي على أبي بكر
الصديق، قالت: فلما توفي رسول الله -صلى الله عليه وسلم-
ودفن في بيتها قال لها أبو بكر: هذا أحد أقمارك وهو خيرها.
وحدثني عن مالك عن غير واحدٍ ممن يثق به أن سعد بن أبي
وقاص وسعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل -رضي الله تعالى عنهما-
توفيا بالعقيق وحملا إلى المدينة، ودفنا بها.
وحدثني عن مالك عن هشام بن عروة عن أبيه أنه قال: ما أحب
أن أدفن بالبقيع؛ لأن أدفعن بغيره أحب إليّ من أن أدفن به،
إنما هو أحد رجلين إما ظالم فلا أحب أن أدفن معه، وإما
صالح فلا أحب أن تنبش لي عظامه.
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-: "باب: ما جاء في دفن
الميت" حكم دفن الميت معروف حكم التكفين والصلاة وحمل
الميت ودفنه كلها فروض كفايات، لا بد منها، يأثم من علم
بحال الميت بحيث يدفن من غير تكفين أو يدفن من غير صلاة أو
لا يدفن، فإذا قام به القدر الكافي سقط هذا الوجوب على
الجميع، صار في حكم المشارك سنة.
(46/11)
"حدثني يحيى عن مالك أنه بلغه أن رسول الله
-صلى الله عليه وسلم- توفي يوم الاثنين" وهذا كما في
الصحيح عن عائشة وأنس، ولا خلاف فيه بين العلماء، وأن ذلك
لاثنتي عشرة مضت من ربيع الأول، سنة إحدى عشرة "ودفن يوم
الثلاثاء" توفي يوم الاثنين ودفن يوم الثلاثاء، يقول
الحافظ -رحمه الله تعالى-: القول بدفنه يوم الثلاثاء غريب،
والمشهور عند الجمهور أنه دفن يوم الأربعاء، والسبب في
تأخير دفنه -عليه الصلاة والسلام- اشتغال في أمر البيعة
حتى استقر الأمر على الصديق، ولا شك أن وجود النبي -عليه
الصلاة والسلام- بين أظهرهم أقطع للخلاف، وأبعد للنزاع وإن
كان ميتاً -عليه الصلاة والسلام-، لما له من الهيبة، فلا
يرفع الصوت بحضرته حياً وميتاً، فتأخيرهم الدفن لكي يكون
باعثاً لهم على سرعة الاستخلاف كون الجنازة تؤخر، وهناك
أمور مختلف عليها يقال: تترك هذه الجنازة حتى ننتهي لأنها
لو دفنت صارت هذه الأمور على التراخي، ومن أعظم ما يختلف
فيه بعد موت الإمام الخلافة من بعده.
"وصلى الناس عليه أفذاذاً" يعني أفراداً أرسالاً "لا يؤمهم
أحد" روى ابن سعد عن علي قال: هو إمامكم حياً وميتاً فلا
نقدم عليه أحد، قال الباجي: اختلف في الصلاة عليه فقال بعض
الناس: لم يصلَّ عليه، وإنما يأتي الرجل والرجال فيدعون له
ويترحمون عليه "صلى الناس عليه أفذاذاً" يعني دعا له الناس
صلاة لغوية، وهذا له وجه، وجه ذلك لأنه أفضل من الشهيد
والشهيد لا يصلى عليه، الشهيد تكفيه الشهادة عن الصلاة
عليه، والجمهور وهو الصحيح فيما قاله عياض وغيره: أن النبي
-عليه الصلاة والسلام- صلوا عليه صلاة شرعية حقيقية لا
مجرد الدعاء فقط، وكون الشهيد لا يغسل ولا يصلى عليه لا
يعني أن غيره لا تطلب له مزيد الرفعة، والدرجة بالصلاة
عليه، والمسألة مسألة دين وشرع فيه نصوص، كون الشهيد لا
يغسل لئلا يذهب هذا الدم الذي يشهد له يوم القيامة، وطيب
رائحته يدل عليه، فمثل هذا لا تنبغي إزالته، فالشهيد لا
يغسل ولا يصلى عليه، وهكذا فعل النبي -عليه الصلاة
والسلام- بشهداء أحد وغيرهم.
تفضل.
طالب:. . . . . . . . .
(46/12)
لكن ما هو بشهيد معركة، هو أعظم من الشهيد
-عليه الصلاة والسلام-، لكن لو مات شهيد فالمبطون والمطعون
والغريق كلهم شهداء، والمقتول دون نفسه دون ماله دون عرضه
شهداء، لكن ... نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
هذا قيل به يدعون له ويترحمون عليه، لكن الصحيح ما ذكره
القاضي عياض عن الجمهور أنه صلاة حقيقية، لا هو الباجي
قال: قال بعض الناس: لم يصلّ عليه، وإنما كان يأتي الرجل
والرجال فيدعون له ويترحمون عليه صلاة لغوية، على كل حال
الاحتمال هذا في مثل صلاته -عليه الصلاة والسلام- على
شهداء أحد بعد ثمان سنوات كالمودع لهم، منهم من يقول: إن
هذه صلاة لغوية مر عليهم ودعاء لهم -عليه الصلاة والسلام-،
ومنهم من يقول: إنها صلاة شرعية، وهذه خاصة بهم وإلا
فالأصل أن الشهيد لا يصلى عليه.
"لا يأمهم أحد فقال ناس: يدفن عند المنبر" لأنه روضة من
رياض الجنة "وقال آخرون: يدفن بالبقيع" لأن الني -عليه
الصلاة والسلام- اختاره لأصحابه "فجاء أبو بكر الصديق
فقال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم-" يعني الخلاف
قد يوجد من الناس اقتراحات وخلافات كذا وكذا، لكن الذي
يحسم المواقف النص "فجاء أبو بكر الصديق فقال: سمعت رسول
الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: ((ما دفن نبي قط إلا في
مكانه الذي توفي فيه)) " وروى الترمذي عن أبي بكر مرفوعاً:
((ما قبض الله تعالى نبياً إلا في الموضع الذي يجب أن يدفن
فيه)) "فحفر له فيه، فلما كان عند غسله -عليه الصلاة
والسلام- أرادوا نزع قميصه" لأن هذه سنة الغسل عندهم على
ما تقدم بحثه وتقريره "فسمعوا صوتاً يقول: لا تنزعوا
القميص، فلم ينزع القميص وغسل وهو عليه" -عليه الصلاة
والسلام- وتقدم هذا.
يقول: "وحدثني عن مالك عن هشام بن عروة عن أبيه" هذا عند
أبي داود وغيره، هذا الحديث مخرج عند أبي داود عن عائشة،
وابن ماجه عن بريدة وغيرهم.
طالب:. . . . . . . . .
مفرق، المقصود له ما يشهد له، جمله كلها لها ما يشهد لها،
نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
هم سمعوا هاتف، يسمعون صوته ولا يرون ... ، واللي يغلب على
الظن ....
(46/13)
يقول: "وحدثني عن مالك عن هشام بن عروة عن
أبيه" هذا وصله ابن سعد من طريق حماد بن سلمة عن هشام عن
أبيه "عن عائشة أنه قال: كان في المدينة رجلان أحدهم يلحد"
وهو أبو طلحة زيد بن سهل "والأخر لا يلحد" وهو أبو عبيدة
عامر بن الجراح، وكل على ما عهد عليه الأمر في بلده،
الأنصار يلحدون، أهل المدينة يلحدون، وأهل مكة لا يلحدون
"والأخر لا يلحد -وهو أبو عبيدة- فقالوا: أيهما جاء أولُ"
ممنوع من الصرف للوصف ووزن أفعل، ويجوز صرفه ونصبه على
الظرفية أولاً "أيهما جاء أول عمل عمله" فإن جاء أبو طلحة
لحد له -عليه الصلاة والسلام-، وإن جاء أبو عبيدة لم يلحد
له -عليه الصلاة والسلام-، "فجاء الذي يلحد أول" أبو طلحة
"فلحد لرسول الله -صلى الله عليه وسلم-" ولا شك أن الحد
أفضل لحديث سعد عند مسلم: "ألحدوا لي لحداً، وانصبوا عليّ
اللبن نصباً كما فعل برسول الله -صلى الله عليه وسلم-"
يعني ما كان الله ليختار لنبيه إلا الأفضل.
روى أبو داود وغيره عن ابن عباس مرفوعاً: ((اللحد لنا،
والشق لغيرنا)) لكن المراد بغيرنا كما قال الزين العراقي:
أهل الكتاب، والحديث فيه ضعف، وعلى تقدير ثبوته ليس فيه
نهي عن الشق، إنما فيه تفضيل الحد والإجماع على جواز
الأمرين، وإن كان اللحد أفضل، لكن قد لا يتسنى اللحد، تكون
الأرض رخوة لا يمكن لحدها وحينئذٍ يعدل عن ذلك إلى الشق.
(46/14)
"وحدثني عن مالك أنه بلغه أن أم سلمة هند
بنت أبي أمية زوج النبي -صلى الله عليه وسلم- كانت تقول:
ما صدقت بموت النبي -صلى الله عليه وسلم- حتى سمعت وقع
الكرازين" تعني المساحي، لما أدخل في قبره وأهيل عليه
التراب صدقت، وهذا شأن كل من يفقد محبوباً ما يصدق أنه مات
من هول المصيبة، وتجد هذا الشخص من فقد حبيبه يتصور دخوله
عليه في كل يوم، يأخذ أيام إلى أن يدب اليأس إلى قلبه، ثم
يصدق ويرضى بالواقع، فكيف بأشرف الخلق -عليه الصلاة
والسلام-؟! ما صدقوا بموته الصحابة طاشت عقولهم من هول
المصيبة حتى أنكر ذلك عمر -رضي الله عنه وأرضاه-، رغم ما
جبله عليه من علم وعقل ورأي وقوة قلب، لكن في مثل هذه
المواقف يظهر الأفضل، وإن كان الجميع فضلاء، وظهر في هذا
الموقف فضل الصديق -رضي الله عنه وأرضاه- حتى سمعت وقع
الكرازين يعني المساحي، يقول ابن عبد البر: لا أحفظ عن أم
سلمة متصلاً، وإنما هو عن عائشة، الذي عندنا في الكتاب أن
أم سلمة، والذي ذكره ابن عبد البر وهو مخرج عند ابن سعد من
قول عائشة، رواه الواقدي عن ابن أبي سبرة عن الحليس بن
هشام عبد الله بن موهب كذا، والصواب عثمان عن أم سلمة فهو
وارد عن أم سلمة وعن عائشة -رضي الله عنهما-، يقول العبودي
في رحلاته الكثيرة: أنه شاهد في الهند شخص معه جنازة
يحملها على سيكل –دراجة- ومعروف أن هناك الزحام الشديد
وعلى دراجة نازل على دراجة لو وضعت بالعرض تأذت وآذت، فجعل
لها مثل ما يجعل للكسير جباير، ووقفها بالطول هكذا معه،
أنت تريد أن يدفن هكذا؟ نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
إيه لا لا ما يصير، لا هو مثل ... نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
وازف؟ الجهل الجهل، في هذه المقبرة امرأة دفنت فكان واحد
من الذين حضروا الدفن يقترح عليهم أن تجعل على ظهرها
مستلقية ووجهها مكشوف لكي ترى السماء، ما أدري هي تبي تبقى
مكشوفة وإلا ... ، متر من التراب كيف ترى السماء؟ ونسب ذلك
إلى أحد العلماء المعاصرين، وهذا ليس بصحيح.
(46/15)
يقول: "حدثني يحيى عن مالك بن سعيد أن
عائشة زوج النبي -صلى الله عليه وسلم- قالت: رأيت ثلاثة
أقمار سقطن في حجري" هذه راوية يحيى، وفي رواية ابن
القاسم: "حجرتي"، "فقصصت رؤياي على أبي بكر الصديق" على
أبيها لأنه عنده علم بالتعبير تعبير الرؤى، "قالت: فلما
... " ما رد عليها؛ لأنه عرف تأويلها وتأويلها مما تكرهه،
وهكذا ينبغي إذا كانت الرؤيا لا تحمل بشارة للرائي فالأولى
صرفه عنها، وعدم تأويله لها، لكن وقعت هذه الرؤيا، نعم
تعبيرها وقع "فلم توفي رسول الله -صلى الله عليه وسلم-
ودفن في بيتها" يعني أدنى شخص تقال له هذه الرؤيا لا يتردد
في تأويلها، وأنها أمر مكشوف، لكن قبل موتهم صعب، تأويلها
صعب إلا من صارت له يد في هذا الباب "قالت: فلما توفي رسول
لله -صلى الله عليه وسلم- ودفن في بيتها قال لها أبو بكر:
هذا أحد أقماركِ" يعني الذي رأيتِ في الرؤيا "وهو خيرها"
وفيما كانوا عليه في الرؤيا، واعتقاد صحتها، ويكفي أنها
جزء من ستة وأربعين جزءاً من النبوة، لها أصل في الشرع،
ولذا يسعى بعض الناس إلى منع تعبيرها ما له أصل في الشرع
لا يمكن منعه، نعم أسيء استخدامها، وتوسع في أمرها، يعني
كالرقية، ولكل منهما أصل في الشرع، بعض الناس يطالب بمنع
جميع الذين يرقون الناس؛ لأنه وجد بعض الناس يستخدم هذا
الأمر استخداماً غير طيب، ومثله الرؤيا الشيء الذي ليس له
أصل في الشرع لا يمكن منعه، لكن يمكن مراقبته والحد منه،
أما كل رؤيا تؤول فهذا ليس بصحيح، وكل إنسان يتصدى كل من
أرد أن يلج أبواب الشهرة وأبواب الغناء يرتكب هذا الأمر أو
ذاك، وإن كان ليس عنده أدني علم بهذه الأمور، المريض
يستمسك بأدنى شيء، والفزع من رؤيا يراها إذا أولت له انبسط
فيشتهر بعض الناس بارتكاب أحد هذين الأمرين، ولا شك أن
لهما أصل في الشرع، فالمنع بالكلية غير وارد، ولا مانع من
أن تراقب هذه الأمور فمن أساء استخدامها يمنع، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
قد يحصل قضايا من شخص من الأشخاص أو من أشخاص بأعيانهم
تجعل لولي الأمر أن يمنعها، ويش المانع؟ ما في ما يمنع من
منع من يستخدم الأمر الشرعي على غير وجهه أبداً.
كيف؟
طالب:. . . . . . . . .
(46/16)
معروف يظهر يظهر ينكشف، بعضهم عبر الرؤيا
بما يشبه أفعال السحرة، يعني هل يستدل مهما قلنا بمعرفة
المعبر أو العابر هل يستدل بشيء من الرؤيا على معرفة
الملابس الداخلية؟ أقول: التوسع في هذا الباب ليس بمرضي
إطلاقاً، وله أصل في الشرع فالمنع منه بالكلية ليس بمرضي
أيضاً.
يقول: "حدثني عن مالك عن غير واحد ممن يثق به" هذا تعديل
على الإبهام، والجمهور على أنه غير مقبول، إذا قال: حدثني
الثقة، حدثني من أثق به، لا يقبل حتى يسميه فيعرف للناس هل
هو بالفعل ممن يثق به أو لا، وأطلقها جمع من أهل العلم لما
وقف على أعيانهم عرف أنهم ليسوا ممن يوثق به، الشافعي
يقول: حدثني من لا أتهم، ومالك يقول: حدثني من أثق به، لا
يقبل هذا على إطلاقه، فلا بد من التسمية لينظر في أمره
وحاله، قد يكون عنده ثقة لكن عند غيره ليس بثقة، قد يكون
اغتر به فوثقه، قد يكون نظر إليه من جهة لا تؤثر عند غيره
في التوثيق، المقصود أن مثل هذا لا يكفي، بل لا بد من
التسمية.
ومبهم التعديل ليس يكتفي ... به الخطيب والفقيه الصيرفي
المقصود أن مثل هذا لا بد أن يسمى، منهم من يقول: إن هذا
لازم لمن يقلد هذا الإمام، المالكية يلزمهم أن يعتمدوا
توثيق مالك ولو لم يسمه، الشافعية يلزمهم أن يعتمدوا توثيق
الشافعي ولو لم يسمه، لكن هل يعتمد البيهقي أو النووي أو
ابن حجر أو غيرهم من الشافعية قول الشافعي: حدثني من لا
أتهم في إبراهيم بن أبي يحيى لا يمكن، متروك إبراهيم بن
أبي يحيى، لكن هو نظر إليه من جهة، أو قاله في حديث بعينه
مما ضبطه وأتقنه، المقصود أن هذه المسألة المعتمد عند أهل
العلم أنه لا يكفي التعديل على الإبهام.
(46/17)
"أن سعد بن أبي وقاص" آخر العشرة موتاً،
سنة خمس وخمسين، "وسعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل" أيضاً أحد
العشرة، توفي سنة خمسين "توفيا بالعقيق" كل في سنة موته،
ما توفيا دفعة واحدة، وهو موضع قرب المدينة "وحملا إلى
المدينة" وكل بعد موته، يعني ما حملا دفعة واحدة، لم
يتوفيا دفعة واحدة، ولا حملا دفعة واحدة، بل حملا بعد
موتهما "ودفنا بها" ويحتمل أن النقل لكثرة من كان بالمدينة
من الصحابة ليتولوا الصلاة عليهما، أو لفضل أعتقد في الدفن
بالبقيع، أو لكي يقرب الأمر على أهلهما لزيارتهما، المقصود
أن المقاصد كثيرة، وهذا إذا وجد مثل هذه الأسباب جاز نقل
الميت من بلد إلى أخر، ما لم يترتب عليه التأخير الذي
يخالف الأمر بالإسراع بالجنازة، والمسألة ... ، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
لو أوصوا ولا يترتب على هذا تأخير وهو في بلد إسلام أو بلد
كفر بلد الكفر ينقل إلى بلاد الإسلام أما بلاد الإسلام فلا
يختلف الأمر لا سيما إذا ترتب على ذلك تأخير للدفن،
والعلماء يختلفون في جواز نقل الميت من بلد إلى بلد، قال
بعضهم يكره، وصرح بعضهم بالكراهة لما فيه من التأخير،
تأخير الدفن، وقيل: يستحب، حسب الأسباب التي سبق ذكرها
والأولى أنه جائز، يجوز النقل من بلد إلى بلد لا سيما إذا
لم يترتب عليه تأخير شديد يعارض الأمر بالإسراع، التأخير
لا شك أن الأصل التعجيل، لكن إذا وجد مصلحة راجحة فلا مانع
من التأخير، الرسول -عليه الصلاة والسلام- أُخر من الاثنين
إلى الأربعاء، إذا وجدت مصلحة راجحة لا مانع من التأخير،
مثل شخص وجد مقتولاً ولا يدرى ما سبب قتله، أُخر لكي يتأكد
من وضعه وأمره مثل هذا لا بأس به.
(46/18)
يقول: "وحدثني عن مالك عن هشام بن عروة عن
أبيه أنه قال: ما أحب أن أدفن بالبقيع" عروة يقول: "ما أحب
أن أدفن بالبقيع" مقبرة المدينة "لئن أدفن بغيره أحب إلى
من أن أدفن به" ثم بين السبب؟ فقال: "إنما هو أحد رجلين"
لأن المقبرة في وقته قد اكتملت، فهو لا بد أن يوضع مع أحد
رجلين "إنما هو أحد رجلين إما ظالم فلا أحب أن أدفن معه"
لأنه قد يعذب في قبره فيتأذى بذلك "وإما صالح فلا أحب أن
تنبش لي عظامه" هو ما كره مجالسة الصالح إنما احترام لهذا
الصالح، كره أن تنبش عظامه من أجله، عروة بني له قصر في
العقيق، وخرج من المدينة لما رأى من تغير أهلها، فمات
هناك، عروة أحد فقها العلماء العباد رأى تغير في أهل
المدينة فانتقل إلى العقيق واعتزل الناس وهذا في عصر خيار
الأمة، فكيف بعصرنا الذي تلاطمت فيه أمواج الفتن والشرور
والآثام، وحصل فيه ما يحير ويبهر على كافة المستويات،
والله المستعان.
ومسألة العزلة والخلطة مسالة معروفة عند أهل العلم، وألفت
فيها المصنفات وشراح الحديث من قرون، يعني من سبعة قرون
وثمانية قرون يؤثرون العزلة، حتى قال قائلهم: والمتعين في
هذه الأزمان العزلة -هذا يقوله في القرن الثامن- لاستحالة
خلو المحافل عن المنكرات، فلا شك أن العزلة فيها نجاة،
وفيها خلاص، وقد جاء في الحديث الصحيح: ((يوشك أن خير مال
المسلم غنم يتبع بها شعف الجبال يفر بدينه من الفتن)) وهذا
يتفاوت الناس فيه فمن كان نفعه أعظم فالخلطة بحقه أفضل،
ومن خشي على نفسه أن يتأثر وتأثيره على الناس أقل فالعزلة
في حقه أفضل.
سم.
قال المؤلف -رحمه الله تعالى-:
باب: الوقوف للجنائز والجلوس على المقابر:
حدثني يحيى عن مالك عن يحيى بن سعيد عن واقد بن عمرو بن
سعد بن معاذ عن نافع بن جبير بن مطعم عن مسعود بن الحكم عن
علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله
عليه وسلم- كان يقوم في الجنائز ثم جلس بعد.
وحدثني عن مالك أنه بلغه أن علي بن أبي طالب -رضي الله
عنه- كان يتوسد القبور، ويضطجع عليها.
قال مالك -رحمه الله-: وإنما نهي عن القعود عن القبور فيما
نُرى للمذاهب.
(46/19)
وحدثني عن مالك عن أبي بكر بن عثمان بن سهل
بن حنيف أنه سمع أبا أمامة بن سهل بن حنيف -رضي الله عنه-
يقول: كنا نشهد الجنائز فما يجلس أخر الناس حتى يؤذنوا.
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-: "باب: الوقوف للجنائز
والجلوس على المقابر" الوقوف يعني القيام للجنازة إذا مرت،
والجلوس على المقابر يعني على القبور.
يقول: "حدثني يحيى عن مالك عن يحيى بن سعيد" بن قيس
الأنصاري "عن واقد بن عمرو بن سعد" بن معاذ الأشهلي
الأنصاري "عن نافع بن جبير بن مطعم" بن عدي القرشي "عن
مسعود بن الحكم" بن الربيع بن عامر الأنصاري "عن -أمير
المؤمنين رابع الخلفاء- علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- أن
رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كان يقوم في الجنائز ثم
جلس بعد" كان يقوم في الجنائز، بل أمر بذلك كما صح عن جمع
من الصحابة، منهم عامر بن ربيعة وأبو سعيد الخدري وأبو
هريرة، وفي الصحيحين عن جابر قال: مرت بنا جنازة فقام لها
النبي -صلى الله عليه وسلم-، وقمنا فقلنا: إنها جنازة
يهودي، فقال: ((إذا رأيتم الجنازة فقوموا)) وفي الصحيحين
من حديث سهل بن حنيف وقيس بن سعد فقال رسول الله -صلى الله
عليه وسلم- يعني في جنازة اليهودي هذه ((أليست نفساً؟ ))
وفي القيام تعظيم لشأن الموت، وهو تعظيم لله -عز وجل- الذي
قبض الأرواح، وتعظيم شأن الموت تعظيم لما بعده من الأهوال،
والأهوال إنما تعظيمها لعظم موجدها وهو الله -جل وعلا-، لا
شك أن الموت له رهبة وله وقع في النفوس الحية بخلاف القلوب
الميتة، وقد كان الناس منذ أمد قريب إذا مرت بهم الجنازة
صار لهم شأن أخر يتأثرون أياماً، الآن الصغار قبل لا
يطيقون رؤية الجنازة، والكبار يتأثرون تأثراً بالغاً، الآن
الصغار يناهزون الاحتلام وقد رأينا جمع منهم يعبثون
بالجنائز يلعبون، تنتظر الصلاة عليها وهو يرفع الغطاء عنها
أو ينزله، وأما بالنسبة للكبار فحدث ولا حرج، وقد رأيت
كاهلاً في الخمسين من العمر يدخن على شفير القبر، أين
القلوب؟ القبر يذكر، والجنازة تذكر، لكن من يتذكر قلوب؟!
قلوب ران عليها الذنوب.
طالب:. . . . . . . . .
(46/20)
نعم، مواعيد، ونكت، وطرائف، وحدث ولا حرج
مما يحصل في المقابر مواعيد، بل يحصل معاصي "كان يقوم على
الجنائز ثم جلس بعدُ" بالبناء لأنه مقطوع عن الإضافة مع
نية المضاف إليه، يعني بعد ذلك، جلوسه هذا -عليه الصلاة
والسلام- يحتمل أمرين: أنه نسخ للقيام والأمر بالقيام،
وحينئذٍ لا يكون القيام مشروعاً بعد نسخه، وبهذا قال جمع
من أهل العلم، بل قال بعضهم: يكره القيام بعد نسخه، ومنهم
من قال: إن الجلوس لبيان الجواز، وحينئذٍ يكون صارفاً
للأمر، بدلاً من أن يكون الأمر للوجوب يكون للاستحباب،
وبهذا قال جمع من أهل العلم، والمسألة محتملة إن كان جلوسه
-عليه الصلاة والسلام- لبيان الجواز وهو احتمال فهذا تبقى
مشروعية القيام، لكن لا على سبيل الإلزام، وإن كان جلوسه
نسخاً لما كان قبل ذلك فلا يبقى للقيام مشروعية، لكن إذا
أمر بشيء ثم ترك ما نهي عنه ترك، الأمر به أولاً الأصل فيه
الوجوب، ثم ترك الأمر به هل يعني هذا أنه يقتضي النسخ؟ نعم
لو نهي عنه لا إشكال في أن الحكم تغير وانتهت المشروعية،
وأقل الأحوال حينئذٍ الكراهة، لكن أمر به ثم ترك الأمر أو
ترك القيام، علي كل حال الاحتمال قائم، وبكل من الاحتمالين
قال بعض العلماء، وشيخ الإسلام كأنه يميل إلى أن المشروعية
باقية إلا أن هذا صارف للأمر من الوجوب إلى الاستحباب،
وجمع من أهل العلم يرون أنه منسوخ، والاحتمال مثل ما ذكرنا
قائم.
(46/21)
"وحدثني عن مالك أنه بلغه أن علي بن أبي
طالب كان يتوسد القبور، ويضطجع عليها" نعم أخرجه الطحاوي
بإسناد رجاله ثقات، وهو ثابت عن علي -رضي الله عنه-، وفي
البخاري قال نافع: كان ابن عمر يجلس على القبور، علي يتوسد
القبور، ويضطجع عليها، وفي البخاري عن نافع: كان ابن عمر
يجلس على القبور، ثبت النهي عن ذلك في حديث أبي مرثد
الغنوي: ((لا تصلوا إلى القبور، ولا تجلسوا عليها)) هذا
مخرج في مسلم، وروى مسلم أيضاً من حديث أبي هريرة -رضي
الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((لأن
يقعد أحدكم على جمرة فتحرق ثيابه وتخلص إلى جلده خير له من
أن يجلس على قبر)) وإذا كان النهي عن المشي بالنعال بين
القبور لا على القبور منهي عنه، فكيف بإهانة أصحاب القبور
بالجلوس عليها، والمشي عليها، والنبي -عليه الصلاة
والسلام- يقول ما يقول: ((لأن يقعد أحدكم على جمرة فتحرق
ثيابه فتخلص إلى جلده خير له من أن يجلس على قبر)) وفي
صحيح مسلم من حديث أبي مرثد: ((لا تصلوا إلى القبور، ولا
تجلسوا عليها)) الإمام مالك -رحمه الله تعالى- ساق خبر علي
مقراً له، ويرى جواز ذلك، لكن ما موقفه من حديث أبي مرثد
تأوله "قال مالك: وإنما نهي عن القعود عن القبور فيما نُرى
-يعني نظن- للمذاهب" يعني لقضاء الحاجة، يعني ولا تعقدوا
عليها لقضاء حاجة، أما مجرد الجلوس فلا، مقبول التأويل
وإلا غير مقبول؟ نعم؟ ولا تقعدوا عليها يعني لقضاء الحاجة،
ولذا يقول: "وإنما نهي عن القبور فيما نرى للمذاهب"
المذاهب يعني الذهاب لقضاء الحاجة ثم أطلق على قضاء الحاجة
نفسها، إذا أراد المذهب أبعد -عليه الصلاة والسلام-، يعني
أراد قضاء الحاجة، فالمذاهب هي قضاء الحاجة، ويحتج بفعل
علي -رضي الله عنه-، وفعل عمر -رضي الله عنه-، لكن إذا ثبت
عن النبي -عليه الصلاة والسلام- فلا يعارض بقول أحد كائناً
من كان، يقول ابن بطال وهو من المالكية: تأويل مالك بعيد،
وهو من المالكية.
(46/22)
"وحدثني عن مالك عن أبي بكر بن عثمان بن
سهل بن حنيف -الأنصاري- أنه سمع -عمه- أبا أمامة بن سهل بن
حنيف -صحابي بدري شهير- يقول: كنا نشهد الجنائز فما يجلس
أخر الناس حتى يؤذنوا" حتى يعلموا بالصلاة عليه، ويخبروا
بالصلاة عليه، أو يؤذن لهم بالانصراف، فما يجلس آخر الناس
حتى يؤذنوا، ظاهر اللفظ يدل على أنهم يعلموا بالصلاة،
ويؤذنوا بالصلاة عليها، وفي هذا المبادرة بالصلاة علي
الميت، يجلس أخر الناس نعم الإمام ينتظر المصلين كسائر
الصلوات، فإذا جاء أخرهم بُدأ بها شرع في الصلاة من غير
تأخير، الاحتمال الثاني وقال به بعض أهل العلم يقول: حتى
يؤذنوا يجلس أخر الناس، يعني ما ينصرفوا بعد الدفن حتى
يؤذن لهم، هل يملك أحد منع الناس من الانصراف؟ يقول
الباجي: هذا فيه نظر، ما في أحد يمنع الناس من الانصراف،
فإذا صلوا وانتهوا خلاص ينصرفوا، دفن الميت وانتهوا من
دفنه ينصرفوا ما يحتاجون إلى إذن، والأمر الذي لا يملك
منعه لا يحتاج إلى استئذان.
يقول: وكان ابن مسعود وزيد بن ثابت وجماعة من التابعين
ينصرفون إذا وريت بلا إذن، وهو قول مالك والشافعي وأكثر
العلماء، المسألة ما تحتاج إلى إذن إذا انتهوا من دفنها
انصرفوا، وإن قال بعضهم: إنه ما يجلس أخر الناس حتى يؤذن
لهم بالانصراف، هذا فهم لكنه بعيد، ففي الخبر مشروعية
الإسراع بالصلاة على الميت ولا يتأخر بها تنتظر الجماعة
وينتظر المصلون لكن بعد ذلك يبادر بالصلاة عليها.
طالب:. . . . . . . . .
لا الإذن جاء متعقباً للجلوس، فما يجلس أخر الناس حتى
يؤذنوا.
طالب:. . . . . . . . .
إيه ما يجلس آخر الناس، إذا انتهى آخر الناس من الجلوس
يؤذنوا.
طالب:. . . . . . . . .
يستقيم؟ ما يستقيم، لا لا هو اللي بيقرأها هكذا. . . . . .
. . . فما يجلس أخر الناس حتى يؤذنوا، أما الجلوس إذا وضعت
عن الأعناق فهذه السنة، النبي -عليه الصلاة والسلام- جلس،
فهل ينتظر الناس قيام على كلامك حتى يؤذن لهم بالجلوس؟
واللفظ لا يساعد، السياق لا يساعد بدليل أنهم جلوس هم،
يجلس أخر الناس حتى يؤذنوا، يعني عكس ما فهته.
باب: النهي عن البكاء على
الميت:
(46/23)
حدثني يحيى عن مالك عن عبد الله بن عبد
الله بن جابر بن عتيك عن عتيك بن الحارث وهو جد عبد الله
بن عبد الله بن جابر أبو أمه أنه أخبره أن جابر بن عتيك
أخبره أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- جاء يعود عبد
الله بن ثابت فوجده قد غلب عليه فصاح به فلم يجب فاسترجع
رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وقال: ((غلبنا عليك يا أبا
الربيع)) فصاح النسوة وبكين، فجعل جابر يسكتهن، فقال رسول
الله -صلى الله عليه وسلم-: ((دعهن فإذا وجب فلا تبكين
باكية)) قالوا: يا رسول الله وما الوجوب؟ قال: ((إذا مات))
فقالت ابنته: والله إن كنت لأرجو أن تكون شهيداً، فإنك كنت
قد قضيت جهازك، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((إن
الله قد أوقع أجره على قدر نيته، وما تعدون الشهادة؟ ))
قالوا: القتل في سبيل الله، فقال رسول الله -صلى الله عليه
وسلم-: ((الشهداء سبعة سوى القتل في سبيل الله: المطعون
شهيد، والغرق شهيد، وصاحب ذات الجنب شهيد، والمبطون شهيد،
والحرق شهيد، والذي يموت تحت الهدم شهيد، والمرأة تموت
بجمعٍ شهيد)).
وحدثني عن مالك عن عبد الله بن أبي بكر عن أبيه عن عمرة
بنت عبد الرحمن أنها سمعت عائشة أم المؤمنين -رضي الله
عنها- تقول: وذكر لها أن عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما-
يقول: إن الميت ليعذب ببكاء الحي، فقالت عائشة: يغفر الله
لأبي عبد الرحمن أما إنه لم يكذب ولكنه نسي أو أخطأ، إنما
مر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بيهودية يبكي عليها
أهلها، فقال: إنكم لتبكون عليها، وإنها لتعذب في قبرها.
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-: "باب: النهي عن البكاء على
الميت"
"حدثني يحيى عن مالك عن عبد الله بن عبد الله بن جابر"
ويقال: ابن جبر "بن عتيك" الأنصاري "عن عتيك بن الحارث وهو
جد عبد الله بن عبد الله بن جابر أبو أمه" عتيك بن الحارث
جد عبد الله بن عبد الله بن جابر أبو أمه، عتيك بن جابر بن
عتيك عن عتيك، عتيك المذكور في آخر نسبه من جهة أبيه هل هو
المروي عنه هنا جده من جهة أمه فيكون جده من الجهتين هو هو
وإلا غيره؟
طالب:. . . . . . . . .
(46/24)
نعم اللي يظهر أنه غيره، عن عتيك بن الحارث
بن عتيك وهو جد عبد الله الراوي عنه ابن عبد الله بن جابر
أبو أمه "أنه أخبره أن جابر بن عتيك" جابر بن عتيك أخبره
جابر بن عتيك هو جد عبد الله لأبيه، جده لأمه يرويه عن جده
لأبيه، عبد الله بن عبد الله بن جابر بن عتيك جده لأبيه
من؟ جابر من عتيك، وجده لأمه عتيك بن الحارث، فجده هو يروي
عن جده لأمه عن جده لأبيه "أخبره أن رسول الله -صلى الله
عليه وسلم- جاء يعود عبد الله بن ثابت -بن قيس الأنصاري
الأوسي- فوجده قد غلب عليه" يعني غلبه الألم "فصاح به" أي
ناداه مع رفع الصوت "فلم يجبه" ناداه -عليه الصلاة
والسلام- رافعاً صوته فلم يجبه "فاسترجع رسول الله -صلى
الله عليه وسلم-" قائلاً: إن لله وإن إليه راجعون "وقال:
((غلبنا عليك يا أبا الربيع)) " يعني مت، خطفتك المنون،
غلبتنا عليك، غلبنا عليك، يعني أخذت منا يا أبا الربيع،
وهي كنيته "فصاح النسوة" عرفنا أنه مات "وبكين" كالعادة
أول من يبكي النساء، ولذا يقول العربي في البنت: "والله ما
هي بنعم الولد نصرها بكاء، وبرها سرقة" كيف؟ "والله ما هي
بنعم الولد نصرها بكاء، وبرها سرقة" ما تملك إلا البكاء
ويش تبي تدافع بسيف وإلا شيء، ما عندها غير هذا، ولذا
إقحامها في غير ما جبلت عليه ظلم لها، وبرها سرقة، يعني
تأخذ من بيت زوجها وتصل أهلها "فصاح النسوة وبكين" وفي هذا
إباحة البكاء على المريض قبل موته؛ لأن النبي -عليه الصلاة
والسلام- أقرهن "وجعل جابر يسكتهن" لأنه سمع النهي عن
البكاء، فحمله على عمومه بما في ذلك هذه الصورة "فقال رسول
الله -صلى الله عليه وسلم-: ((دعهن)) يبكين حتى يموت
((فإذا وجب)) يعني مات، الأصل في الميت أنه يسقط، سقط
ميتاً يعني وجب، الوجوب في الأصل السقوط {فَإِذَا وَجَبَتْ
جُنُوبُهَا} [(36) سورة الحج] يعني سقطت، المقصود أنه إذا
وجب يعني مات ((فلا تبكين باكية)) والمعنى أنها لا ترفع
صوتها في البكاء، أما دمع العين وحزن القلب فقد جاءت
بالسنة، حصل من النبي -عليه الصلاة والسلام-، أرضى الناس
بقدر الله , وهذه رحمة جعلها الله في قلوب عباده، وإنما
يرحم الله من عباده الرحماء "قالوا: يا رسول الله، وما
الوجوب؟ الذي
(46/25)
أردت "قال: ((إذا مات لا تبكين باكية)) ما
الفرق بين البكاء قبل موته وبعد موته؟ قبل موته لا يصحبه
صوت، لكن البكاء عند المصيبة أي مصيبة كانت، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
كيف؟
طالب:. . . . . . . . .
نياحة، نعم، وقبل موته لا يعذب، هو ما في شك أن الوضع
يختلف حتى البكاء يختلف ما قبل الموت وما بعد الموت، يعني
الذي قبل الموت بكاء محتمل من غير رفع صوت ولا صراخ، لكن
البكاء المعتاد بعد الموت هو الداخل في حيز النهي، فالنبي
-عليه الصلاة والسلام- نهي عن البكاء المعهود، الذي عهده
في وقته بعد الموت يرفع الصوت، ما هو مثل البكاء قبل الموت
وإلا لو حصل بكاء على أي مصيبة كانت مما نهي عنه سواء كان
قبل الموت أو بعده، إنما رخص في البكاء قبل الموت لأن
نوعية البكاء في هذا الوقت لا تصل إلى حد ما يصل إليه
البكاء بعد الموت وإلا ما في شك أن البكاء مع رفع الصوت
جزع تسخط "فقالت ابنته: والله إن كنت لأرجو أن تكون
شهيداً، فإنك كنت قد قضيت" أي أتممت "جهازك" أي ما تحتاج
إليه في الغزو، تأهب للغزو في سبيل الله ثم مات، بعد أن
تجهز يكتب له الأجر -إن شاء الله- "فقال رسول الله -صلى
الله عليه وسلم-: ((إن الله قد أوقع أجره على قدر نيته))
لا شك أن الإنسان يؤجر على ما ينويه من خير، وإذا بذل
أسبابه وحيل بينه وبينه حصل له الأجر كاملاً على قدر نيته،
يقول ابن عبد البر: فيه أن المتجهز للغزو إذا حيل بينه
وبينه يكتب له أجر الغزو على قد نيته، والآثار بذلك
متواترة صحاح، منها قوله -عليه الصلاة والسلام-: ((والله
إن بالمدينة)) يعني تبوك، يقول لأصاحبه: ((والله إن
بالمدينة قوماً ما سرتم مسيراً، ولا أنفقتم من نفقة، ولا
قطعتم وادياً إلا وهم معكم حبسهم العذر)) يعني حيل بينهم
وبين أن يحققوا ما نووا وما أرادوا، وفي المسلم عن أنس
مرفوعاً: ((من طلب الشهادة صادقاً أعطيها ولو لم تصبه)) أي
أعطي ثوابها ولو لم يقتل، يعني من سأل الشهادة بصدق ما هي
بدعوى من سألها بصدق حصل له ثوابها ولو مات على فراشه.
((وما تعدون الشهادة؟ )) .... نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
(46/26)
كذلك كذلك إذا حيل بينه وبينها، ما هي
المسألة أماني نعم، الله -جل وعلا- هو المطلع على السرائر
بعض الناس يتمنى أمنية وهو ما فعل شيء وما بذل شيء ويتمنى
شيئاً يعوقه بعض الناس في المجالس يتمنى الشهادة، ويتمنى
جميع أعمال الخير، ثم إذا جاء وقت الحاجة تمنى أنه معذور
أعمى وإلا أعرج، هل هذا تمنى الشهادة بصدق؟ الله المستعان.
((وما تعدون الشهادة؟ )) قالوا: القتل في سبيل الله" فقال
رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في سنن ابن ماجه من حديث
أبي هريرة: ((إن شهداء أمتي إذاً لقليل)) إن كانت الشهادة
القتل فقط ((الشهداء سبعة)) تقدم قبل مائة صفحة تقريباً في
باب: ما جاء في العتمة والصبح عن أبي صالح عن أبي هريرة
-رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال:
((بينما رجل يمشي في طريق)) ... إلى أخره، ثم قال:
((الشهداء خمسة: المطعون، والمبطون، والغرق، وصاحب الهدم،
والشهيد في سبيل الله)) خمسة، وهنا قال: ((الشهداء سبعة))
وجاءت نصوص أخرى فيها زيادة على الخمسة وعلى السبعة، حيث
يتحصل من مجموعها عشرون خصلة، ذكرها ابن حجر في فتح
الباري، والحصر هنا غير مراد، وكأنه -عليه الصلاة والسلام-
أعلم بالخمسة، ثم أعلم بالسبعة، ثم زيد عليهم، هذا حصر ليس
بمراد ((الشهداء سبعة)) ليس المعنى لا غير؛ لأنه جاء في
النصوص ما يدل على الزيادة، وقد يأتي من يأتي كما جاء في
حديث: ((لم يتكلم في المهدي إلا ثلاثة)) يأتي من يأتي من
المغفلين ويقول: في هذا الحصر نظر، تنظر في كلام من؟ في
كلام من لا ينطق عن الهوى، النبي -عليه الصلاة والسلام-
أعلم بالخمسة ثم زيد عليهم، ثم زيد إلى أن وصلت الأوصاف
عشرين، الشهداء جمع شهيد، ثم قال: ((المطعون شهيد)) وأختلف
في سبب تسميته شهيداً، الشهيد من الشهود وهو المشاهدة، أو
من الشهادة بمعنى الحضور {وَلاَ يُضَآرَّ كَاتِبٌ وَلاَ
شَهِيدٌ} [(282) سورة البقرة] يعني شاهد، فشهيد يعني فعيل،
هل هو بمعنى الفاعل أو المفعول؟ هل هو شهيد بمعنى شاهد مثل
{وَلاَ يُضَآرَّ كَاتِبٌ وَلاَ شَهِيدٌ} [(282) سورة
البقرة]؟ يعني شاهد أو مشهود له بمعنى المفعول؟ نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
(46/27)
شاهد وشهيد، هو شهيد على كل حال، لكن هل هو
شاهد ولا مشهود؟ يشاهد يعني، وتشهده الملائكة، بمعنى أنه
مشهود، يقول ابن حجر: أختلف في سبب تسمية الشهيد شهيداً،
فقال النظر بن شميل: لأنه حي، فكأن أرواحهم شاهدة أي حاضرة
((من شهد منكم الشهر فليصمه)) يعني من حضر، وقال ابن
الأنباري: لأن الله وملائكته يشهدون له بالجنة، وقيل: لأنه
يشهد عند خروج روحه ما أعد الله من الكرامة، وقيل: لأنه
يشهد له بالأماني من النار، وقيل غير ذلك أقوال، المقصود
أنه شاهد من جهة ومشهود له من جهة أخرى.
((المطعون شهيد)) أي الميت بالطاعون شهيد ((الغرق شهيد))
يعني من مات بالماء غرقاً شهيد ((وصاحب ذات الجنب شهيد))
وهو مرض معروف، يقول ابن حجر: يقال له: الشوصة، وإيش
الشوصة هذه؟ عند المتأخرين يقولون: التهاب غلاف الرئة،
فيحدث معه سعال وحمه ونقص في الجنب يزداد عند التنفس، هذه
ذات الجنب، جاء في بعض الأخبار الشوصة يقول ابن حجر: ذات
الجنب الشوصة، جاء في بعض الأخبار عزي لابن ماجه عزاه
القرطبي وغيره لابن ماجه ولم أقف عليه: ((من سبق العاطس
بالحمد أمن الشوص واللوص والعلوص)) فالشوص يمكن أنه ذات
الجنب، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
هو معروف على كل حال ذات الجنب شهير في كلامهم كثير، مرض
شهير فيحدث منه السعال والحمى ونقص في الجنب يزداد عند
التنفس، التهاب غلاف الرئة.
يقول: ((والمبطون شهيد)) الميت بمرض البطن بأي داءٍ يكون
في البطن ((والحرق شهيد)) يعني الموت بالنار مبطون مطعون
اسم مفعول غرق حرق الصيغة فعل غرق صيغة مبالغة ((والحرق
شهيد، والذي يموت تحت الهدم شهيد)) يعني تحت الأنقاض الهدم
سواء كان في بيت أو في غيرها، وقريب من هذا حوادث
السيارات، كأن السيارة تهدمت عليه، لا سيما إذا لم يتسبب
إذا اعتدي عليه ((والذي يموت تحت الهدم شهيد، والمرأة تموت
بالجمع شهيد)) شهيد ما قال شهيدة، المرأة شهيد، يعني مثل
قتيل وجريح {إِنَّ رَحْمَتَ اللهِ قَرِيبٌ} [(56) سورة
الأعراف] ما قال: قريبة، بعض المحققين يقول: ما في تطابق
بين المبتدأ والخبر، ولا بد من المطابقة ما في، ثم يهجم
على النص ويصححه؛ لأنه ما في مطابقة، الأصل مطابقة المبتدأ
والخبر.
(46/28)
"جمع" يقول الحافظ ابن حجر: بضم الجيم
وسكون الميم وقد تفتح الجيم، وقد تكسر أيضاً، وهي النفساء،
وقيل: الذي يموت ولدها في بطنها، ثم تموت بسبب ذلك، وقيل:
التي تموت بجمع بمزدلفة، أي امرأة تموت بمزدلفة شهيدة،
يقول ابن حجر: وهو خطأ ظاهر، وقيل: التي تموت عذراء،
والأول أشهر، وجاء النهي عن الجزم بالشهادة لأحد، لكن
الرجاء وغلبة الظن المؤمل من الله –جل وعلا- من غير جزم،
وما يدريك عن حقيقة الأمر، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
والأصل في النهي التحريم، لكن يبقى أن النبي -عليه الصلاة
والسلام- حكم ((ما عليك إلا نبي وصديق وشهيد)) فيجزم
بالشهادة لمن شهد له النبي -عليه الصلاة والسلام-، ومن
عداهم على الرجاء.
طالب:. . . . . . . . .
يعني البكاء له طرفان أو أطراف، له طرف شديد وطرف سهل،
يعني طرف ممنوع وطرف جائز، كما أن النعي منه ما هو ممنوع،
ومنه ما هو جائز، منه ما فعله -عليه الصلاة والسلام- ونهى
عن النعي، فيحمل هذا على حالة وهذا على حالة، ما فعله
محمول على أنه ليس بصوت مرتفع إنما هو حزن القلب ودمع
العين.
يقول: المرأة التي تموت أثناء الولادة ألا تدخل بالشهداء؟
وهل المرأة إذا مات ولدها في بطنها ألا تدخل في المبطون؟
على كل حال هذه أقوال أهل العلم في المرأة تموت بجمع هي
النفساء، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
لا ما يشهد له إنما ترجى له، على القاعدة العامة: أنه يرجى
للمحسن الثواب ويخشى على المسيء العقاب، نقول: ترجى له
الشهادة أما الجزم فلا، هذه مسألة فرع مما يراه بعض أهل
العلم أن من اتفقت ألسنة الناس عليه بالثناء أنه يشهد له
بالجنة، مات شخص عرف من نشأته بالخير والفضل، واتفقت ألسنة
الناس بالثناء عليه يشهد له بالجنة هذا قول لبعض أهل
العلم، لكن المعروف في مذهب أهل السنة والجماعة أنه لا
يقطع لأحد لا بجنة ولا بنار، أنتم شهداء الله في الأرض، هم
شهدوا، لكن توجت هذه الشهادة بإقراره -عليه الصلاة
والسلام-، فعلى كل حال من اتفقت ألسنة الناس على مدحه
شهود، ويبقى أن ما عند الله عنده، والمقرر عند أهل السنة
والجماعة أنهم لا يقطعون لأحد.
طالب:. . . . . . . . .
(46/29)
لا هو إذا ماتت بالنفاس يعني بالسبب،
النفاس هو خروج الدم الذي سببه الولادة، فمن باب أولى إذا
ماتت حال الولادة، القول الأول: أنها النفساء خلاص ولدت
وماتت، ولها من حال الولادة إلى أن ينتهي النفاس على القول
الأول، القول الثاني: الذي مات ولدها في بطنها وماتت
بسببه، والأقوال مثل ما سمعتم، لكن قول الأكثر أنها تموت
في النفاس، يعني من أثر الولادة، وفي حكم الهدم السيارات
وغيرها مما يتسبب بالبراكين والزلازل، المقصود أن كل هذه
إذا كان الإنسان على خير ترجى له الشهادة، لكن مثل هذه
الأمور لا يغتر بها، أقول: مثل هذه الشهادة لا يغتر بها،
لا يغتر بها سيئ العمل، وإن أحسن الرجاء ووسع الرجاء بالله
-عز وجل-، لكن يبقى أنه يخونه عمله، فلا بد من إحسان العمل
لترجى هذه الأمور، على كل حال للإنسان أن يحتاط لنفسه
فيرجو ويغلب على ظنه -إن شاء الله- ويؤمل من ربه خير، أما
القطع فليس له، على كل حال إن كان الإنسان بينظر إلى وسائل
الإعلام الآن فإنها تطلق على غير المسلمين، وتطلق على ناس
فجار لا يصلون ولا يعرفون الله طرفة عين، الكلام على ما
عند الإنسان من عمل هذه لا شك أنها الشهادة تاج، لكن تاج
يوضع على إيش؟ لا بد من سابقة، لا بد من عمل، إن كانت
الشهادة لا تكفر الدين ثلاثة دراهم، تحتاجها إلى أن توفى
لتتم الشهادة، فالمسألة تحتاج إلى سابقة، والله أعلم.
وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى
آله وصحبه أجمعين.
(46/30)
الموطأ - كتاب
الجنائز (4)
شرح: باب: الحسبة في المصيبة، وباب: جامع الحسبة في
المصيبة، وباب: ما جاء في الاختفاء.
الشيخ/ عبد الكريم الخضير
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا
محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
(47/1)
يقول: "وحدثني عن مالك عن عبد الله بن أبي
بكر -بن محمد بن عمرو بن حزم الأنصاري- عن أبيه عن عمرة
بنت عبد الرحمن -سعد بن زرارة الأنصارية- أنها أخبرته
–أخبرت أبا بكر- أنها سمعت عائشة -رضي الله عنها- أم
المؤمنين تقول وقد ذكر لها" والذي ذكر لها ابن عباس -رضي
الله عنهما- كما في الصحيح "أن عبد الله بن عمر يقول"
رافعاً ذلك إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- كما في
الصحيحين وغيرهما: " ((إن الميت ليعذب ببكاء الحي)) " الحي
مقابل؟ يقابل الميت وإلا الحي القبيلة؟ إذا مات في الحي
شخص بكى عليه أهل الحي، فهل هذا هو المراد أو المراد أن
الحي مطلقاً، سواً كان من القبيلة أو خارج القبيلة، بعيد
وإلا قريب وإلا .. ، من اتصف بالحياة مقابل الميت؟ على كل
حال اللفظ يحتمل الأمرين "فقالت عائشة: يغفر الله لأبي عبد
الرحمن" كنية ابن عمر -رضي الله عنهما- كنته لتحصل الألفة،
وتزول الوحشة؛ لأنه غالباً الاستدراك يحصل معه شيء من
النفرة، فإذا افتتح مثل هذا الاستدارك بمثل هذه العبارات،
وهذا أدب ينبغي أن يتأدب به طالب العلم، إذا أراد أن
يستدرك على غيره دعا له وأثنى عليه بما هو أهله، ومدحه بما
يليق به على ألا يغره بثناء كاذب، لا، يمدحه بما فيه؛
لتوصل بذلك إلى الدخول إلى قلبه، ليقبل ما عنده من حق
"يغفر الله لأبي عبد الرحمن، أما إنه لم يكذب" يعني لم
يتعمد الكذب، وعائشة -رضي الله تعالى عنها- لها استدراكات
على بعض الصحابة، وفيها مصنف للزركشي، لكن لا يلزم أن تكون
عائشة هي المصيبة دائماً، عائشة -رضي الله عنها- مع ما
تميزت به من ملازمة ومعاشرة ومخالطة للنبي -عليه الصلاة
والسلام- تميزت به من فهم ثاقب لا يلزم أن تكون معصومة،
استدركت على عمر، استدركت على بن عمر، استدركت على كثير من
الصحابة، يعني مثل هذا الحديث الذي سمعه ابن عمر وغير ابن
عمر، سمعه عمر -رضي الله عنه-، وابن عمر وصهيب، رواه جمع
من الصحابة عن النبي -عليه الصلاة والسلام-، والمجزوم به
أن عائشة لم تسمعه من النبي -عليه الصلاة والسلام- بدليل
أنها عارضت ذلك بفهمها "أما أنه لم يكذب" يتعمد الكذب حاشا
وكلا "ولكنه نسي أو أخطأ" في الفهم فحدث بما ظنه صواباً
"إنما مر رسول الله
(47/2)
-صلى الله عليه وسلم- بيهودية يبكي عليها
أهلها فقال: ((إنكم لتبكون عليها وإنها لتعذب في قبرها)) "
يعني بسبب الكفر لا بسبب البكاء.
وعائشة -رضي الله عنها- عارضت ما نقله ابن عمر من التعميم
بقوله -جل وعلا-: {وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى}
[(164) سورة الأنعام] حسبكم القرآن، {وَلاَ تَزِرُ
وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} [(164) سورة الأنعام] والخبر
ثابت عن النبي -عليه الصلاة والسلام- قوله: ((إن الميت
ليعذب ببكاء أهله)) ثابت، وعائشة لم تسمعه من النبي -عليه
الصلاة والسلام-، إنما سمعته من الصحابة، فنزلت اللفظ
العام الذي سمعته منهم على هذه الحالة لكي تتفق القصة مع
قوله -جل وعلا-: {وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى}
[(164) سورة الأنعام] إيش ذنب الميت أن يعذب على بكاء
غيره؟ لكن إذا تسبب في ذلك صار من وزره، إذا أوصى بأن يبكى
عليه لا شك أنه يعذب بسببه، إذا عرف أنهم يبكون عليه ولا
ينهاهم يكون قد أقرهم على ذلك فيكون من وزره، ونظيره من سن
سنة سيئة فعليه وزرها ووزر من عمل بها إلى يوم القيامة،
يمكن يعارض هذا لحديث بقوله -جل وعلا-: {وَلاَ تَزِرُ
وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} [(164) سورة الأنعام]؟ لا يمكن
هذا من وزره، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
إيش فيه؟
طالب:. . . . . . . . .
لا لا فرق فرق الشهداء كما يقول أهل العلم أنواع: منهم
شهيد في الدنيا والآخرة، ومنهم شهيد في الدنيا، فقط، ومنهم
شهيد في الآخرة فقط، أكملهم شهيد الدنيا والآخرة وهو
المقتول في المعركة بين الصفين، هذا أكمل، وفيه النصوص
المطلقة، خبر هؤلاء الصحابة ثابت عن النبي -عليه الصلاة
والسلام-، ولا منافاة بينه وبين الآية، فالميت يعذب إذا
أوصى بذلك في حياته، وكان ذلك مشهور عند العرب، موجود في
أشعارهم.
إذا مت فانعيني بما أنا أهله ... وشقي عليّ الجيب يا ابنة
معبدي
.
إلى الحول ثم اسم السلام عليكما ... ومن يبكِ حولاً كاملاً
فقد أعتذر
(47/3)
يوصيهم أن يبكوا حول الكعبة، مثل هذا لا شك
أنه يعذب بفعله بوزره هو، بوصيته، وفي حكم البكاء ما نهي
عنه، صار يعرف هذا الشخص وهو ممن يُطرأ ويُمدح في حياته
ويتوقع أعظم من ذلك بعد موته، لا سيما مع وجود هذه الوسائل
التي تنشر الأخبار وتشيعها وتذيعها، هل يتحمل شيء من ذلك؟
يعرف أنه بيُنعى ويُبكى على حسب أثره في البلد وعند أهله
وقومه وغيرهم، تعرفون أحياناً الكتابات عن بعض الناس تستمر
أشهر، وبعضها فيها من المبالغة والغلو والإطراء ما لا يليق
بالبشر، من لليتامى؟! من للثكالى؟! من ... ؟ هل مثل هذا
الكلام يجوز؟ لهم الله الذي خلقهم وتكفل بأرزاقهم، الله
المستعان.
أسئلة كثيرة جداً ليس فيها ما يبت إلى الدرس بصلة إلا هذا.
هل لتكثير الصفوف على الميت مع قلة العدد أثر في الأفضلية؟
أكثرها عن قتل قائد حماس وقائد الشيشان -رحمة الله عليهما
وعلى غيرهما من المجاهدين الصادقين المخلصين- وهذا ليس
بعجيب ولا غريب، وليس اللوم على اليهود أو الروس أو غيرهم،
يعني ماذا ينتظر من عدو؟ هل ينتظر من عدو رأفة ورحمة
بعدوه، من يراه عدو له، ليس اللوم عليهم، يعني هذا في
عرفهم واصطلاحهم هذا ما يجب عليهم تجاه عدوهم، كما أنه يجب
علينا تجاه عدونا أن نفعل به ما نستطيع في ظل وضوء النصوص
الشرعية التي توجهنا، المقصود أن المسؤولية مسؤولية الأمة،
عليها أن تتحد كلمتها، وترجع إلى ربها، وأن تعمل بكتاب
ربها وسنة نبيها -عليه الصلاة والسلام-، فإذا اجتمعت
كلمتها على الحق لن يقف في وجهها أحد، والله المستعان، لكن
الأمة في هذا الوضع الذي نعيشه الآن كما أخبر النبي -عليه
الصلاة والسلام-: ((غثاء كغثاء السيل)).
يقول: من قال: إن الصلاة على الميت بخمس تكبيرات فماذا
يقال بعد كل تكبيرة من الخمس؟
(47/4)
معلوم أن الأصل في الصلاة الدعاء للميت
فبعد التكبيرة الأولى تقرأ سورة الفاتحة، وفي الثانية يصلى
على النبي –عليه الصلاة والسلام-، وفي الثلاثة يدعى للميت،
والرابعة كذلك، وإن كان الأموات متنوعين متفاوتين فيهم
الكبار والصغار فيدعى للكبار بعد التكبيرة الثالثة والصغار
بعد التكبيرة الرابعة وهكذا، وأما الخامسة فبعدها السلام
هذا عند من يكبر خمس تكبيرات، وعرفنا أن ابن عبد البر
-رحمه الله- يرى أن العلماء اتفقوا على ما جمعهم عليه عمر
بن الخطاب -رضي الله عنه- من أربع تكبيرات، وهذا هو
الأولى، وعليه عامة أهل العلم.
يقول: هل التكثير في الصفوف على الميت مع قلة العدد أثر في
الأفضلية؟
يعني لو كانوا سبعة إمام وستة هل يشرع أن يكونوا ثلاثة
صفوف؟ نعم جاء بحق من صلى عليه ثلاثة صفوف يستدل به أهل
العلم على تكثير الصفوف، وإن كان الأصل إتمام الصف الأول
فالأول في الصلاة كما هو معلوم، لكن هذه الصلاة لها
خصائصها.
هذا يسأل يقول: ما الواجب في كتابة -صلى الله عليه وسلم-؟
هل تكتب بين قوسين أو مع نفس السياق حيث سمعت أنها إن كتبت
بين قوسين فمعناها أنها جملة اعتراضية ما صحة ذلك؟
(47/5)
كتبت بين قوسين أو بين شرطتين أو بدون شيء
مع السياق هي جملة اعتراضية، إيش معنى اعتراضية؟ اعتراضية
أنه لا يتوقف عليها فهم المعنى لا الذي قبلها ولا بعدها،
لو تقول: قال عمر بن الخطاب: سمعت النبي يقول: ((إنما
الأعمال بالنيات)) الكلام واضح ومفهوم، ومثلها الدعاء
والترضي عن الصحابة، والترحم على من دونهم كل هذه جمل
اعتراضية، لكن هي جمل دعائية في الأصل، لكن من حيث الموقع
الإعرابي لا يتوقف عليها فهم المعنى لا الذي قبلها ولا
الذي بعدها، المعنى واضح ومفهوم بدونها، لكن هي امتثال
لقوله -جل وعلا-: {صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا
تَسْلِيمًا} [(56) سورة الأحزاب] حكمها؟ حكمها مختلف فيه
بين أهل العلم عامة أهل العلم على أنها في غير التشهد
الأخير سنة، ومنهم من يوجبها عند ذكره -عليه الصلاة
والسلام-، ومنهم من يقول: هي واجبة في العمر مرة امتثالاً
لقوله -جل وعلا-: {صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا
تَسْلِيمًا} [(56) سورة الأحزاب] المقصود أن المسألة
خلافية بين أهل العلم، ومن ذكر عنده النبي -عليه الصلاة
والسلام- فلم يصلِ عليه لا شك أنه محروم.
يقول: ما الكتب التي يعتمد عليها في نقل الإجماع؟
(47/6)
كثير من أهل العلم ألفوا في الإجماع
والخلاف، فمنهم ابن المنذر، ابن عبد البر، أبو الحسن بن
القطان، مجموعة من أهل العلم صنفوا في الإجماع، لكن كلهم
عليهم استدراكات، ولابن حزم مراتب الإجماع، وعليه أيضاً
مؤاخذات، وأما الإجماع الذي يحكونه عمن بعد الصحابة لا بد
أن ينخرم، لا أقول: في كل مسألة، لكن في بعض المسائل، فدون
إثبات الإجماع بعد الصحابة خرط قتاد، لكن إذا نقل الإجماع
على طالب العلم أن يهاب هذا النقل، وان يتوقف عنده، وأن لا
يخالفه إلا بشيء واضح برهان بين لا يحتمل نسخ ولا تأويل،
فعلى طالب العلم أن يهاب هذه الكلمة، خلافاً لما يقوله
الشوكاني -رحمه الله-، يقول: إن كثير من دعاوي الإجماع
تجعل طالب العلم لا يهاب الإجماع، نعم كثير من الإجماعات
التي ينقلها كثير من أهل العلم كابن المنذر، ابن عبد البر،
ابن قدامة، النووي غيرهم كثير منها مخروم؛ لأنهم ينقلون
حسب علمهم، وكثر منهم يقولون: لا أعلم في المسألة خلافاً
وهذا أسهل، نفي الخلاف أسهل من نقل الإجماع، وعلى كل حال
هذا الكلام أقل أحواله أن جماهير أهل العلم على القول
بهذا, وإن وجد مخالف فهو نزر يسير، فعلى طالب العلم أن
يهاب مثل هذه الكلمة، وإن كانت غير ملزمة؛ لأنها لا تعني
الإجماع الحق الذي يجتمع فيه مجتهدو الأمة من أولها إلى
أخرها على قول في مسألة، لكن يبقى أن هذا الكلام له هيبته،
فيحتاط طالب العلم إذا سمعه يهابه.
يقول: كيف يعرف المرء أن الأمر للوجوب أو للندب، أو أن
النهي للكراهة أو للتحريم؟
الأصل في الأمر الوجوب، والأصل في النهي التحريم، ولا يخرج
عن هذا الأصل إلا إذا وجد صارف، فإذا وجد صارف حمل على
الندب أو الكراهة.
يقول: رفع اليدين في الصلاة من المعلوم أنه في أربعة
مواضع: ومنها بعد القيام من التشهد الأول، والسؤال متى
يرفع يديه هل وهو جالس أم إذا استوى قائماً مع الدليل؟
السائل يقول: منها بعد القيام من التشهد الأول؟
جوابه في سؤاله بعد القيام، كان يرفع إذا قام من الركعتين،
يعني إذا قام من الركعتين يرفع، مفاده أنه بعد القيام،
يعني مع الانتقال من التشهد إلى القيام.
(47/7)
يقول: هل السنة في قنوت النوازل الدعاء
بالنازلة فقط دون الثناء على الله والصلاة علي النبي -عليه
الصلاة والسلام-؟
قنوت النوازل لا شك أنه دعاء يطلب فيه رفع هذه النازلة،
ومن آداب الدعاء أن يفتتح بالحمد والثناء، ويختتم بالصلاة
على النبي -عليه الصلاة والسلام-.
يقول: ما رأيكم في ترتيل الأذكار مثل أذكار الصلاة مثل
ترتيل القرآن أم أن ترك الترتيل أفضل؟
أم الترتيل بمعنى التزام أحكام التجويد من إظهار وإدغام
وقلب وإخفاء، ومدود بقدر ما يكون في قراءة القرآن فلا،
وأما كون الكلام يحبر ويزين الصوت لا بأس، لا سيما وأن
الإنسان يتأثر ويؤثر بهذا، وهو من الأمور المتروكة التي لم
تنقل صيغتها ولا كيفيتها، فالأمر فيها سعة، لكن لا يشبه
كلام البشر بكلام الله -جل وعلا-، لا تلتزم فيه أحكام
التجويد.
يقول: إذا لم يكن هناك تجريد للميت فما المانع من تغسيل
ذوي المحرم للمرأة؟
كيف يتم التغسيل دون دلك؟ والدلك لا شك أن فيه مباشرة لجسد
الميت.
هل هناك مفارقة بين تجريد الميت للتغسيل والنظر إليه؟
التجريد يحجب النظر بلا شك، عدم تجريد تغسيل الميت في قميص
أو من وراء ثوب هذا لا شك أنه يحجب النظر.
يقول: اعتدنا في قبيلتنا أن يسلم الرجل على يد أخواله يعني
يقبل يد الخال والعم والأب والجد؟
نعم هذا لا بأس به، ثبت في ثلاثة أحاديث، لا بأس به لا
سيما لمن كان له حق على الإنسان، النووي قال في أحد
المواضع نقل الإجماع على مسألة، في موضع أخر قال: إن هذا
قول الجمهور؟ لا النووي يرى الإجماع هو قول الكل ورأيه في
هذا رأي عامة أهل العلم لكنه يتساهل في النقل، وينقل
الإجماع وينقل قول المخالف لا سيما إذا كان المخالف داود؛
لأن داود النووي لا يعتد بقوله، فينقل الإجماع مع خلاف
داود، أما غيره فقد ينقل الإجماع في موضع وفي موضع أخر
ينقل قول المخالف، وهذه إما غفلة منه وتساهل أو أنه .. ،
أما كونه يرى أن الإجماع هو قول الجمهور فهذا غير صحيح، هو
يرى أن الإجماع قول الكل.
يقول: هل يجوز للرجل السباحة مع زوجته في البحر إذا سبح
معها ولا يوجد أحد، وهي لابسة ساتر لبدنها إلا أن وجهها
مكشوف؟
(47/8)
إذا كان لا يوجد أحد بالفعل، ويجزم بأنه لن
يوجد أحد لا مانع، لكن أنى له ذلك والمسألة بحر لا يملكه
هو، لكن إذا كان في مسبح في بيته لا مانع أن يسبح معها.
يقول: ما حكم أطفال الأنابيب علماً أنها داخل المملكة وفي
مستشفى حكومي والدكتور سعودي القول الراجح؟
على كل حال هم يقولون: إن طفل الأنابيب هذا عبارة عن ماء
الرجل يؤخذ ويؤخذ من ماء المرأة ويجعل في أنبوب حتى يتجاوز
مرحلة؛ لأنه جرب أن هذه المرأة مثلاً لا تقبل التلقيح
مباشرة إلا إذا تجاوز مرحلة أفتى به جمع من أهل العلم، لكن
النفس فيه منه شيء، فمثل هذا يترك لأمر الله -جل وعلا-،
الإنسان يسلوك المسالك التي أودعها الله فيه وهيّأه لها.
يقول: دعاء: (اللهم انقل الحرب إلى ديارهم وبين نسائهم
وأطفالهم)؟
نقول: من أراد الإسلام والمسلمين بسوء اللهم أشغله بنفسه.
يقول: إذا كانت الأرض لا تأكل أجساد الأنبياء فهل هذا خاص
بالأنبياء ولا يدخل فيه غيرهم؟
وكذلك الشهداء، الأنبياء والشهداء، ومن أراد الله -جل
وعلا- إكرامه، ومن أشقى الناس رجلاً لا تأكل جسده الأرض
فمن هو؟ نعم الذي خسف به فهو يتجلجل فيها إلى يوم القيامة،
هذا لا تأكل جسده الأرض.
حديث: ((البذاذة من الإيمان))؟
صحيح.
هو يقول: هناك تعارض بين: ((إن الله جميل يحب الجمال))
وحديث: ((البذاذة من الإيمان))؟
(47/9)
تعرفون أن الشرع في جميع الأمور وسط في
تشريعه وفي أتباعه، في أتباعه مثلاً النبي -عليه الصلاة
والسلام- يرجل الشعر، ويدهن، ويتزين، ويلبس الجميل، لكنه
لا يبالغ في ذلك، وجاء الحث على أن يكون الإدهان إيش؟ غباً
يعني يوم وراء يوم، والترجل بحيث لا يسرف الإنسان في إتباع
هذه الأمور، ويضيع ما هو أهم منها، فلو لم يرد إلا ((إن
الله جميل يحب الجمال)) ماذا يكون وضع كثير من الناس؟ يكون
هناك مبالغة وسرف وتضييع للواجبات فضلاً عن المستحبات،
اهتماماً بهذا النوع، جاء الحديث الثاني الذي يكسر هذه
الحدة؛ لأن بعض الناس تستشرف نفوسهم، جاء الحديث الثاني
ليبين التوسط؛ ليكون الإنسان وسط في أموره، فقال:
((البذاذة من الإيمان)) ولو لم يرد إلا ((البذاذة من
الإيمان)) لرأيت كثير من الناس في أحوال بحيث يزدرون،
فالذي يبالغ في الجمال يقال له: ((البذاذة من الإيمان))،
والذي يبالغ في البذاذة يقال له: ((إن الله جميل يحب
الجمال)) والنصوص الشرعية كلها علاج لأحوال الناس
وأوضاعهم، من شم منه رائحة الغلو تورد عليه أحاديث الرجاء،
ومن عرف منه التساهل تورد عليه أحاديث الوعيد وهكذا؛ لأن
بعض الناس وهذا موجود ما هو مبالغة، هل تتصورون أن بعض
الناس عنده من الثياب عدد أيام السنة بحيث إذا خلع الثوب
لا يعود إليه أبداً؟! هل تتصورون أن بعض الناس في بيته
صالون يجلس ثلاث ساعات في اليوم؟! يعني لو لم يرد مثل
حديث: ((البذاذة من الإيمان)). . . . . . . . . يا أخي
((إن الله جميل يحب الجمال))، لكن ماذا أضاع من الأمور
المهمة مثل من يعنى بمظهره، نعم لا ينبغي للمسلم أن يكون
بحيث يزدرى بين الناس، ويتندر به، لا، فالدين وسط ولله
الحمد.
يقول: ما وجهة من يقول: إن الدعاء على الكافرين فيه تعدي؛
لأن في علم الله أنهم موجودون إلى يوم القيامة؟
(47/10)
المسلم مطالب بأن يدور مع الإرادة الشرعية،
أما الإرادة الكونية القدرية ليس مطالباً بها، لقائل أن
يقول: لماذا تدعو لعموم المسلمين والله يعلم أن منهم من
يموت وهو مرتكب كبيرة؟ نعم وجد من يمنع حتى هذا من أهل
العلم، من يقول: لا يجوز الدعاء لعموم المسلمين، وجد من
يمنع الدعاء لعموم المسلمين لأن في علم الله أن من يموت
وهو مرتكب كبيرة هذا مخالف الإرادة الكونية، إذاً لا تدعو
لنفسك الله أعلم بما يختم لك به، ولا تدعو لولدك الله أعلم
بما يستمر عليه، أنت مطالب بالدعاء، وهذه المطالبة إرادة
شرعية، إما الإرادة الكونية فهي لله –جل وعلا- ليست لك.
يقول هذا: أحدهم يمتلك أرضاً في بلده، وقد نوى أن يتركها
حتى عدة سنوات ربما خمس أو عشر ثم يبيعها فهل تجب عليه
الزكاة لها؟ وهل تجب سنوياً أو أنه يريد أن يبيعها في
المستقبل ليستفيد من مالها وكم قيمة الزكاة لها؟ وكيف
يقدرها؟
هذا إذا أمتلك الأرض بنية التجارة يزكيها كل سنة إذا حال
عليها الحول بما تستحقه من قيمة بقيمتها وقت التزكية بنسبة
اثنين ونصف من مائة إذا ملكها لغير نية التجارة ملكها
ليسكن ملكها ليزرع ملكها ليقيم عليها مشروع أو لا يدري، ما
يدري ماذا يفعل بها؟ فإنه لا يزكيها إلا إذا باعها لمدة
سنة واحدة.
يقول: يا حبذا لو أن القارئ لا يحجر واسعاً عند بداية
الدرس له وللحاضرين فقط أحببت التنبيه فقط؛ لأننا نحضر
الدرس على الإنترنت للسامعين يعني يشمل الحاضرين
والغائبين؟
يقول: هل العلاقة بين ولد وبنت يحبون بعض من غير ما يرى
البعض أو شيء مخالف حلال؟
يا أخي هذه المحبة إذا لم تكن لله وفي الله هذه المحبة لا
بد أن تجر إلى ما وراءها ولو بالكلام؛ لأنه كما يحرم الفعل
يحرم القول، وإذا لم تكن محرماً له لا يجوز له أن يخاطبها
إلا لحاجة مع أمن الفتنة؛ ومثل هذه الفتنة غير مأمونة،
والله المستعان.
سم.
أحسن الله إليك.
بسم الله الرحمن الرحيم.
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء
والمرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
اللهم اغفر لشيخنا، واجزه عنا خير الجزاء، وغفر للسامعين
يا ذا الجلال والإكرام.
قال المؤلف -رحمه الله تعالى-:
(47/11)
باب: الحسبة في
المصيبة:
"حدثني يحيى عن مالك عن ابن شهاب عن سعيد بن المسيب عن أبي
هريرة أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((لا يموت
لأحد من المسلمين ثلاثة من الولد فتمسه النار إلا تحلة
القسم)).
وحدثني عن مالك عن محمد بن أبي بكر بن عمرو بن حزم عن أبيه
عن أبي النضر السلمي أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-
قال: ((لا يموت لأحد من المسلين ثلاثة من الولد فيحتسبهم
إلا كانوا له جنة من النار)) فقالت امرأة عند رسول الله
-صلى الله عليه وسلم-: يا رسول الله أو اثنان؟ قال: ((أو
اثنان)). وحدثني عن مالك أنه بلغه عن أبي الحباب -سعيد بن
يسار- عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله
عليه وسلم- قال: ((ما يزال المؤمن يصاب في ولده وحامته حتى
يلقى الله وليست له خطيئة)).
يقول -رحمه الله تعالى-: "باب: الحسبة في المصيبة" يعني
الصبر والاحتساب والرضاء والتسليم، فالمسلم تكفر خطاياه،
وتغفر له ذنوبه بالصبر على مصيبته، ولذا لا تمسه النار،
تكون هذه المصيبة في مقابل السيئات والأوزار {إِنَّمَا
يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُم بِغَيْرِ حِسَابٍ} [(10)
سورة الزمر] وأشد الناس بلاءاً الأنبياء.
(47/12)
"حدثني يحيى عن مالك عن ابن شهاب -محمد بن
مسلم بن شهاب الزهري- عن سعيد بن المسيب -بن حزن- عن أبي
هريرة" يقول ابن عبد البر: هذا الإسناد من أجود أسانيد
الآحاد، يقوله في الاستذكار، هذا الإسناد من أجود أسانيد
الآحاد مالك عن ابن شهاب عن ابن المسيب عن أبي هريرة، لا
شك أنه أصح الأسانيد إلى أبي هريرة، وهو من أجود الأسانيد
على الإطلاق، على الخلاف في أصح الأسانيد عند أهل العلم
"أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((لا يموت
لأحدٍ)) ذكراً كان أو أنثى ((من المسلمين ثلاثة)) من
المسلمين خرج الكافر ((ثلاثة من الولد)) يشمل الذكر
والأنثى ((فتمسه)) منصوب بأن المضمرة بعد فاء السببية
الواقعة بعد النفي ((فتمسه النار إلا تحلة القسم)) أي ما
ينحل به القسم، وهو اليمين، والمراد به قوله -جل وعلا-:
{وَإِن مِّنكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا} [(71) سورة مريم]
((ثلاثة من الولد)) جاء وصفهم أنهم لم يبلغوا الحنث، صغار،
وخص الصغار بذلك لأن الشفقة عليهم أعظم، والحب لهم أشد،
والرحمة لهم أوفر، ممن بلغ الحنث، الذي بلغ الحنث هل يحصل
لفاقده هذا الثواب؟ يعني إذا كان هذا في الصغار فالكبار؟
يعني شخص عنده مجموعة من الأولاد سنة، خمس سنوات، سبع
سنوات، عشرين سنة، ثلاثين سنة، الذي سنة خمس سنوات عشر
هؤلاء لم يبلغوا الحنث فيهم الأجر الموعود هنا، فيهم الوعد
المذكور لم يبلغوا الحنث الوصف منطبق لكن أبو عشرين وأبو
ثلاثين ما في أجر؟ مثل الذين لم يبلغوا الحنث أو أقل أو
أكثر؟ نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
(47/13)
في واقع الناس لا شك أنه أشد، والرحمة
للصغير أوفر وأكثر، الكبير بين اثنين: إما أن يكون باراً
بوالديه ولا شك أن مصيبته أعظم، يكون عاقاً بوالديه منشغل
بأسرته وعمله، مثل هذا أموه ... ، الآن الكبير بين أمرين:
أمر أن يكون باراً بوالديه والوالد مرتاح والأم من كل وجه
مريحها، لا شك أن مصيبة مثل هذا أعظم، لكن تصور ولد ثاني
مؤذي عاق متساهل بالأوامر مرتكب للنواهي خمور وفساد وشرور
وآثام فالكبير يحتمل فيه هذا وهذا، لكن الصغير لا، ولا شك
أنه كلما عظمت المصيبة عظم الأجر، ولذا يرى بعضهم أن هذا
خاص بالصغار أم الكبار لا ليس لهم مثل هذا الأجر، يؤجرون
على قدر المصيبة لكن لا يصلون إلى هذا الحد، ومنهم من
يقول: إن الكبار من باب قياس الأولى، فالمصيبة بهم أعظم،
يعني تصور في هذه الظروف يتمنى كثير من الناس أنه يأتيه
خبر ولده اليوم قبل غد من الشرور والآثام التي يرتكبها هذا
الولد، يوجد، ناس ساموا أهليهم سوء العذاب، فمثل هذا لا شك
أن مصيبته أقل.
قالوا: فمن بلغ الحنث لا يحصل لفاقده هذا الثواب؛ لأن
البالغ يتصور منه العقوق والانشغال عن الأبوين بخلاف
الصغير، وقال الزين بن المنير: يدخل الكبير بطريق الفحوى؛
لأنه إذا ثبت هذا في الصغير الذي هو كلاً على أبويه فكيف
لا يثبت ذلك في الكبير الذي بلغ معه السعي، وصار له منه
النفع، ويرجح الأول بقوله في حديث أنس: "بفضل رحمته إياهم"
لأن الرحمة إنما تكون للصغار، وهل يلتحق بالصغار من بلغ
مجنوناً وبقي كذلك حتى مات؟ وهل يثبت مثل هذا الأجر لمن
تمنى ذلك لولده لأذاه أو لتعويقه مثلاً أو غير ذلك؟ يعني
ناس عندهم صبي صغير مؤذي آذاهم فتمنوا موته يحصل لهم مثل
هذا الأجر؟ أو عندهم معوق إذا أرادوا سفر أو نزهة أو رحلة
أو أي شيء يحسبون له ألف حساب، هل يبلغ الأجر مثل هذا؟
نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
هو المسألة تبي صبر، هم صابرين عليه ما هو تمنى ...
طالب:. . . . . . . . .
(47/14)
ما هو بثمرة فؤاد، هذا ولد معوق يأخذون له
ألف حساب لو بغوا يطلعون أو يدخلون، يتمنون موته، هل يحصل
لهم الأجر الموعود في مثل هذا الحديث؟ لأن بعض الناس يصرف
علاج لولده مثل هذا علاج لا يعيش إلا به فيقطعه، يقطع
العلاج التصرف هذا ويش يدل عليه؟ نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
لا ما يحصل له الأجر هذا أمور معللة حكم واضحة ومعروفة يا
أخي، بدل من أن يصبر ويحتسب وينال الأجر العظيم من الله
-جل وعلا- على صبره على هذه المصيبة يحاول التخلص منه.
طالب:. . . . . . . . .
لكن ما تصير مصيبة إذا تمنى.
طالب:. . . . . . . . .
لا ما مآله إلى الموت لا يمكن يعيش مائة سنة، يمكن يعيش لا
ما مآله إلى الموت مآله إلى الموت يصرف له علاج لا يعيش
إلا به يقطع العلاج وينتهي الإشكال هذا حصل يا الإخوان،
والأسئلة كثيرة عن هذا، والآن الأسئلة أيضاً عن إجهاض مثل
هؤلاء الذين يجزم الأطباء بأنه يولد معوق، ونقول: هو نفس
منفوسة لا يجوز الاعتداء عليه بحال، نفس كاملة، إذا خرج
إلى الدنيا ففيه الدية والكفارة، نفس كاملة، طيب الميت
دماغياً لو جاء واحد من الأطباء أو واحد من أولياء هذا
الميت دماغياً وقال: افصلوا عنه الأجهزة خلوه يموت يجوز
وإلا ما يجوز؟ لا يجوز بحال، ما دام الروح في الجسد لا
يجوز التعرض له بشيء، هذا قتل عمد.
طالب:. . . . . . . . .
إيه.
طالب:. . . . . . . . .
على كل حال هو إذا اجتهد رحمة له حتى الكبير حتى أحياناً
الأولاد يتمنون من أبر الناس الراحة لأبيهم إذا كان عليه
مشقة أو كلفة من الحياة لا هذا أمره سهل، هذا من باب
الشفقة.
(47/15)
يقول: "وحدثني عن مالك عن محمد بن أبي بكر
بن عمرو بن حزم عن أبيه عن أبي النضر السلمي" أبو النضر
هذا قال ابن عبد البر: رجل مجهول لا يعرف، بعض الروايات:
ابن النضر، وبعضها: بنسبة، وبعضها بدون نسبة، يقول: رجل
مجهول لا يعرف في حملة العلم، ولا يوقف له على نسب، ولا
يدرى أصاحب أم تابع؟ وهو مجهول ظلمة من الظلمات، ثم بعد
ذلك ذكر الخلاف في اسمه ونسبه وهو بذلك لا يخرج عن حيز
الجهالة "أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((لا
يموت لأحدٍ من المسلمين ثلاثة من الولد فيحتسبهم إلا كانوا
له جنة من النار)) وقاية، "فقالت امرأة" هي أم سليم كما
عند الطبراني وغيره، وقيل: غيرها، "امرأة عند رسول الله
-صلى الله عليه وسلم-: أو اثنان؟ قال رسول الله -صلى الله
عليه وسلم-: ((أو اثنان)) هذا يسمى عطف إيش؟ كما في حديث
تحريم مكة: "إلا الإذخر، فقال رسول الله: ((إلا الإذخر))
عطف تلقيني، طيب يعني هل لمن حضر أثر في النص؟ العباس قال
للنبي -عليه الصلاة والسلام-: إلا الإذخر، فقال النبي
-عليه الصلاة والسلام-: ((إلا الإذخر)) وهنا قالت: أو
اثنان؟ قال: ((أو اثنان)) نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
المهم الواحد جاء في النصوص وسيأتي الإشارة إليها، لكن هل
هذا في ذهنه -عليه الصلاة والسلام- لم تكلم بالحديث أو طرأ
عليه لما نبه؟ يعني طرأ عليه بعد ذلك وأيد بالوحي، يعني
نزل عليه الوحي أثناء هذا، ولا يتصور غير هذا؛ لأنه ما
ينطق عن الهوى -عليه الصلاة والسلام-.
طالب:. . . . . . . . .
إيه لكن لما كان بطلب غيره، يعني هل النبي -عليه الصلاة
والسلام- يملك مثل هذه الأمور أو لا يملكها إلا الله -جل
وعلا- والمبلغ عنه هو نبيه -عليه الصلاة والسلام-؟ فلما
نُبه إلى هذا أيد بالوحي، كما يقول أهل العلم، لا يمكن أن
يقول هذا مجاملة لهذه المرأة أو مجاملة للعباس، لا أبداً.
المقصود هل لا بد من الثلاثة أو اثنان؟ قال: ((أو اثنان))
إما أن يكون على سبيل الاستفهام، قالت: أو اثنان لهم حكم
ذلك؟ فقال: ((أو اثنان)) فؤيد بالوحي.
(47/16)
يقول عياض: إن مفهوم العدد ليس بحجة،
لماذا؟ لأن الصحابية من أهل اللسان عربية، ولم تعتبر هذا
المفهوم إذ لو اعتبرت هذا المفهوم لانتفى الحكم عندها عما
عدا الثلاثة، لكن لو قيل عكس ما قال عياض: إنها رأت أن
مفهوم العدد حجة فأرادت أن يخفف في الأمر، لكنها جوزت ذلك
فسألت والظاهر أنها اعتبرت مفهوم العدد ولكنها طمعت بسعة
رحمة الله -عز وجل-، وجاء ما يدل على الواحد عند أحمد
والترمذي من طرق، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
هذا؟
طالب:. . . . . . . . .
طيب، يقول ابن عبد البر في الاستذكار: فإذا كان الآباء
يدخلون الجنة بفضل رحمة الله تعالى لأطفالهم دل على أن
أطفال المسلمين في الجنة؛ لأنه يستحيل أن يرحموا من أجل من
ليس بمرحوم، ألا ترى إلى قوله: "بفضل رحمته إياهم" وعلى
هذا جمهور علماء المسلمين إلا المجبرة فإنهم يقولون: هم في
المشيئة؛ لأنه احتمال أن يعذب وهو صغير؛ لأنه عند الجبرية
ما فرق بين الكبير والصغير هو مجبور مجبور لا يوجد فرق
كبير أو صغير عندهم.
يقول: "وحدثني عن مالك أنه بلغه عن أبي الحباب سعيد بن
يسار عن أبي هريرة أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال:
((ما يزال المؤمن يصاب في ولده ذكراً كان أو أنثى وحامته))
قربته وخاصته جمع حميم ((حتى يلقى الله وليست له خطيئة))
(47/17)
عن مالك أنه بلغه، يقول ابن عبد البر: كذا
لعامة رواة الموطأ، ورواه معن بن عيسى القزاز، ورواه معن
عن مالك عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن ربيعة الرأي أنه بلغه
عن أبي الحباب سعيد بن يسار عن أبي هريرة -رضي الله عنه-
أن رسول الله -صلى لله عليه وسلم- قال: ((ما يزال المؤمن
يصاب في ولده وحامته حتى يلقى الله وليس له خطيئة)) يقول
الباجي: أي تحط عنه خطياه بذلك، ويحصل له من الأجر ما يزن
جميع ذنوبه فهو بمنزلة ما لا ذنب له، وهذا عند الأكثر إنما
هو لمن صبر واحتسب، يقول الرسول -عليه الصلاة والسلام-:
((من يرد الله به خيراً يصب منه)) من صبر واحتسب من أهل
العلم من يرى أن الأجر مرتب على المصيبة، وأجر الصبر
والاحتساب قدر زائد على ذلك، يعني يؤجر بمجرد المصيبة صبر
أو لم يصبر، وكأن ابن حجر يميل إلى هذا، وأجر الصبر قدر
زائد على ذلك، لا شك أن فضل الله لا يحد، لكن من جزع وتسخط
ولم يرضَ مثل هذا له شأن أخر غير من صبر واحتسب.
سم.
أحسن الله إليك.
باب: جامع الحسبة في المصيبة:
حدثني يحيى عن مالك عن عبد الرحمن بن القاسم بن محمد بن
أبي بكر أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((يعزي
المسلمين في مصائبهم المصيبة بي)).
وحدثني عن مالك عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن عن أم سلمة
-رضي الله عنها- زوج النبي -صلى الله عليه وسلم- أن رسول
الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((من أصابته مصيبة فقال
كما أمر الله: إنا لله وإنا إليه راجعون، اللهم أجرني في
مصيبتي وأعقبني خيراً منها إلا فعل الله ذلك به)) قالت أم
سلمة: فلما توفي أبو سلمة قلت ذلك، ثم قلت: ومن خير من أبي
سلمة؟ فأعقبها الله رسول الله -صلى الله عليه وسلم-
فتزوجها.
(47/18)
وحدثني عن مالك عن يحيى بن سعيد عن القاسم
بن محمد أنه قال: هلكت امرأة لي فأتاني محمد بن كعب القرضي
يعزيني بها، قال: إنه كان في بني إسرائيل رجل فقيه عالم
عابد مجتهد، وكانت له امرأة وكان بها معجباً، ولها محباً،
فماتت فوجد عليها وجداً شديداً، ولقيا عليها أسفاً حتى خلا
في بيت، وغلق على نفسه واحتجب من الناس، فلم يكن يدخل عليه
أحد، وإن امرأة سمعت به فجاءته فقالت: إن لي فيه حاجة
استفتيه فيها ليس يجزيني فيها إلا مشافهته، فذهب الناس
ولزمت بابه وقالت: ما لي منه بد، فقال له قائل: إن ها هنا
امرأة أرادت أن تستفتيك وقالت: إن أرادت إلا مشافهته، وقد
ذهب الناس، وهي لا تفارق الباب، فقال: اذنوا لها، فدخلت
عليه، فقالت: إني جئت استفتيك في أمر، قال: وما هو؟ قالت:
إني استعرت من جارة لي حلياً فكنت ألبسه وأعيره زماناً، ثم
إنهم أرسلوا إلي فيه أفأؤديه إليهم؟ فقال: نعم والله،
فقالت: إنه قد مكث عندي زماناً، فقال: ذلك أحق لردكِ إياه
إليهم حين أعاروكيه زماناً، فقالت: أي يرحمك الله أفتأسف
على ما أعارك الله ثم أخذه منك، وهو أحق به منك، فأبصر ما
كان فيه، ونفعه الله بقولها.
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-: "باب: جامع الحسبة في
المصيبة" والباب الذي قبله: "باب: الحسبة في المصيبة"
والمراد بالحسبة الاحتساب والصبر والرضا والتسليم لما قدره
الله -جل وعلا- وقضاه، وبهذا ينال الأجر العظيم.
(47/19)
{إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ
أَجْرَهُم بِغَيْرِ حِسَابٍ} [(10) سورة الزمر] فذكر
المؤلف في هذا, باب: جامع الحسبة في المصيبة، والمصيبة لفظ
موضوع في الأصل في لغة العرب لكل من ناله شيء خير أو شر،
أصابه الخير وأصابه الشر، لكن العرف خص ذلك بالشر بالرزايا
والمكاره، كما أن البشارة في الأصل بما يسر وبما يكره
{فَبَشِّرْهُم بِعَذَابٍ أَلِيمٍ} [(24) سورة الانشقاق]
لكنها خصت عرفاً بالخير، الثواب في الأصل بالمجازاة،
المجازاة بخير أو شر على ما عمله الإنسان يجوز ثوابه إن
خير فخير وإن شر فشر، لكنه في العرف يرادف الأجر، احتسب
الأجر والثواب، وجاء في ذلك قوله -جل وعلا-: {هَلْ ثُوِّبَ
الْكُفَّارُ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ} [(36) سورة
المطففين] هذا في الخير وإلا في الشر؟ نعم، فيأتي اللفظ في
لغة العرب واسع ويخصصه العرف، ويأتي عام مطلق يقيده الشرع
وهكذا.
(47/20)
يقول: "حدثني يحيى عن مالك عن عبد الرحمن
بن القاسم بن محمد بن أبي بكر" بعض الرواة: عن مالك زادوا
عن أبيه عن عبد الرحمن بن القاسم بن محمد بن أبي بكر عن
أبيه القاسم بن محمد أحد الفقهاء "أن رسول الله -صلى الله
عليه وسلم- قال: ((ليعزي المسلمين في مصائبهم المصيبة بي))
" والتعزية التصبير والحمل على الصبر والتسلي والتسلية إذا
ذكر الإنسان الثواب تعزى، إذا ذكر العقاب إن لم يصبر
ويحتسب وصاحب ذلك الجزع صاحبه ما هو أعظم من ذلك يصبر،
((ليعزي المسلمين في مصائبهم المصيبة بي)) يعني يتذكروا
المصيبة بالنبي -عليه الصلاة والسلام- لا شك أنها تهون
دونها كل مصيبة، فكل مصيبة تهون دون المصيبة الأمة بالنبي
–عليه الصلاة والسلام- لأنه أمنة لها، وبموته –عليه الصلاة
والسلام- انقطع خبر السماء، يقول طائفة من الصحابة: ما
نفضنا أيدينا من تراب قبره -عليه الصلاة والسلام- حتى
أنْكرْنا قلوبنا، هذه مصيبة، إذا كان موت العالم ثلمة في
الدين لا تسد، هذه لا شك أنها مصيبة على الأمة، فموت
العلماء لا شك أنها مصائب، فكيف بمن علم جميع العلماء شيء
من عمله -عليه الصلاة والسلام-، لا علم إلا من طريقه -عليه
الصلاة والسلام-، إذا ذكر المصاب مثل هذا هانت عليه
مصيبته، إذا ذكر ما جاء من الوعد للصابرين {وَبَشِّرِ
الصَّابِرِينَ * الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ
قَالُواْ إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعونَ}
[(155 - 156) سورة البقرة] على ما سيأتي، والحديث: عن قاسم
والقاسم تابعي عند بعض الرواة، وإلا هنا عن عبد الرحمن
ابنه، وهو إما مرسل أو معضل، لكنه وروده مسنداً من حديث
سهل بن سعد وعائشة والمسور بن مخرمة، ومعناه على كل حال
صحيح ((ليعزي)) اللام لام الأمر، المقصود يصبر كل واحد من
المسلمين نفسه بمصيبته الخاصة بذكر هذه المصيبة العامة.
وإذا ذكرت مصيبة تسلو بها ... فاذكر مصابك بالنبي محمد
-عليه الصلاة والسلام-.
(47/21)
يقول: "وحدثني عن ملك عن ربيعة بن أبي عبد
الرحمن -ربيعة الرأي- عن أم سلمة زوج النبي -صلى لله عليه
وسلم- أم المؤمنين -رضي الله عنها- أن رسول الله -صلى الله
عليه وسلم- قال: ((من أصابته مصيبة فقال كما أمر الله: إنا
لله وإنا إليه راجعون)) "، ((كما أمر الله)) هل في هذا من
أمر؟ فيه أمر؟ نعم؟ هذا أمر وإلا خبر؟ يقول: ((كما أمر
الله)) أمر وإلا خبر؟ نعم؟ خبر يراد به الأمر ((إنا لله
وإنا إليه راجعون)) إنا لله مِلكاً وعبيداً، وإنا إليه
راجعون: عائدون إليه بعد الموت والبعث ليجازي كل عامل
بعمله، ((اللهم أجرني)) أي أعطني أجري ((في مصيبتي،
وأعقبني)) أخلف ((خير منها إلا فعل الله به ذلك)) هذا
الحديث صحيح مخرج في مسلم وغيره ((إلا فعل الله ذلك به))
ولمسلم: ((إلا أخلف الله له خيراً منها)) هذا وعد ممن لا
يخلف الميعاد على لسان ما لا ينطق عن الهوى.
"قالت أم سلمة: فلما توفي أبو سلمة" عبد الله بن عبد الأسد
المخزومي "قلت ذلك" من الاسترجاع وما بعده، قالت ما وجهها
به -عليه الصلاة والسلام- "ثم قلت" في نفسها قالت: "ومن
خير من أبي سلمة؟ " الإنسان يأسف ويندم على شيء يفوت ويظن
أنه لا في الوجود مثله، لا يوجد مثله, وما يدريك أن الله
يعوضك خير منه "قلت: ومن خير من أبي سلمة؟ " قالت ذلك في
نفسها، يعني هل نطقت بهذا؟ إن نطقت تكون معترضة على الخبر
"فأعقبها الله رسوله -عليه الصلاة والسلام- فتزوجها" فصارت
إحدى أمهات المؤمنين، وقد توفي -عليه الصلاة والسلام- وهي
مصيبة، فهل لها أن تقول بعد ذلك ما وجهت إليه؟ ما قالته
قبل؟ هل لها أن تقول: "إنا لله وإنا إليه راجعون، اللهم
أجرني في مصيبتي وأعقبني خير منها" من الثواب، يعني أعظم
من هذه المصيبة ثوابها، يعني لا يلزم أن يكون أعقبني خيراً
منها خيراً مما فقدت من جنسها، يعني فقدت زوج تحتاج إلى
زوج لا خلاص هي الآن أم المؤمنين، واللفظ يحتمل أكثر من
ذلك.
(47/22)
يقول: "وحدثني عن مالك عن يحيى بن سعيد عن
القاسم بن محمد -بن أبي بكر الصديق- أنه قال: هلكت امرأة
لي"، "القاسم بن محمد أنه قال: هلكت امرأة لي فأتاني محمد
بن كعب القرضي يعزيني بها" يصبرني ويسليني، والتعزية
والتسلية تكون بالنصوص، وتكون أيضاً بالقصص التي يكون فيها
العبر والعظات، "فقال: إنه كان في بني إسرائيل رجل فقيه
عالم وعابد مجتهد" كل الأوصاف متوافرة فيه "وكانت له
امرأة"، مجتهد فقيه عالم عابد مجتهد في عمله وعبادته
"وكانت له امرأة، وكان بها معجب" مستحسناً لها، راضياً
بجمالها، "محب لها، فماتت، فوجد عليها وجداً شديداً" يعني
حزن حزناً شديداً، الفعل (وجد) له أكثر من مصدر، ولكل مصدر
من هذه المصادر معنى من المعاني، فوجد وجداً، وجد وجداناً،
ووجد موجدةً، ووجد وجادةً، كل واحدة من هذه الألفاظ له
معنى يختلف عن الثاني، فعندنا من هذه المعاني فوجد عليها
وجداً شديداً، يعني حزن حزناً شديداً، إذا بحث عن ضالته
فوجدها نقول: إيش وجد؟
طالب:. . . . . . . . .
لا لا أريد المصدر نعم؟ وجداً هذا اللي عندنا وجداً حزناً،
يصير ما عثر عليها، إذا قلنا: وجدها وجداً ما عثر عليها
حزن عليها حزناً شديداً ما لقاها مسكين، وجد موجدة غضب
غضباً شديداً، الوجادة وجد وجادة يقولون: مصدر مولد، إيش
معنى مولد؟ يعني لا يوجد زنته في لغة العرب، الوجادة
المعروفة عند أهل العلم طريق من طرق التحمل في الرواية،
يعني يجد صحف بخط ما لا ينكر خطه من أهل العلم فيرويها عنه
بهذه الوجادة على أن ينص أنها وجادة، وأهل العلم يقررون
على أنها منقطعة، وفيها شوب اتصال، وجد وجوداً، وجد
وجداناً، الوجدان إيش؟ على كل حال هذه المصادر تراجع،
راجعوها "ولقي عليها أسفاً" ... نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
إيه لكن إيش معناها هنا؟ على كل حال بالإمكان تراجع، سهل
يعني موجودة في كتب اللغة كلها يكتبون عنها، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
لا لا التواجد غير هذا رقص التواجد لا، لا، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
لا لا ما هو بصحيح.
(47/23)
"ولقي عليها أسفاً" يعني تلهفاً "حتى خلا
في بيت" اعتزل الناس قفل على نفسه ببيته "حتى خلا في بيت،
وغلق على نفسه" قفل على نفسه الباب "واحتجب من الناس" وهذه
عادة الحزين ينزوي عن الناس، الحزين الكئيب بخلاف الفرح
الذي يؤد ويرغب أن يعرف الناس كلهم أنه فرح ومبسوط، فهذا
أغلق على نفسه الباب، واحتجب من الناس "فلم يكن يدخل عليه
أحد -لما غلبه من شدة الحزن- وإن امرأة سمعت به فجاءته،
فقالت: إن لي إليه حاجة استفتيه" يعني أطلب فتياه لأنه
عالم، وليس للفتيا إلا العلماء "فيها، ليس يجزيني" يغنيني
"فيها إلا مشافهته" يعني ما يكفي كل أحد، إلا مشافهته يعني
خطابه، مشافهة دون واسطة، وهذا شيء موجود إلى الآن، إذا
صار للإنسان مسألة ما يسأل عنها أي شخص لا سيما عند عامة
الناس إذا أعجبوا بشخص لا يقنعون بمن دونه، تجد المسألة من
البداهيات يعرفها أحد طلاب العلم، يقول: لا إلا الشيخ
فلان، فيحتمه العامة ومسائلهم سهلة يمشيها أدنى واحد، لكن
لا يقنعهم غير هذا العالم الذي مليء عوينهم وقلوبهم "ليس
يجزيني فيها إلا مشافهته، فذهب الناس ولزمت بابه" أصرت
"وقالت: ما لي منه بد" ليس لها منه مفر ولا محيد "فقال لي
قائل: إنه هاهنا امرأة أرادت أن تستفتيك، وقالت: إن أردت
إلا مشافهته" يعني هذا نافية (إن) يعني ما أردت إلا
مشافهته {وَإِن مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلاَّ
لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ} [(159) سورة النساء] هذه نافية " إن
أردت إلا مشافهته، وقد ذهب الناس وهي لا تفارق الباب،
فقال: اذنوا لها فدخلت عليه، فقالت: إني جئتك أستفتيك في
أمري، قال: وما هو؟ قالت: إني استعرت من جارة لي حلي"
الحلي والحلية ما يلبسه النساء يتجملن به {أَوَمَن
يُنَشَّأُ فِي الْحِلْيَةِ} [(18) سورة الزخرف] فالتحلي من
خصائص النساء، فالتحلي والتزين والتجمل والمبالغة فيه هذا
من خصائص النساء "إني استعرت من جارة لي .. " تقول:
"حَلْياً" والحَلي إيش؟ هو الحُلي "فكنت ألبسه وأعيره
زماناً" يعني كأنها ملكته، والعرية إذا طالت مدتها قد ينسأ
أنها عرية، فيستعملها الإنسان على أنها ملكه ينسأ سبب
وصولها إليه، وهذا يقع كثيراً في الكتب، يستعير الإنسان
كتاب على أنه يستفيد منه فيضعه
(47/24)
مع كتبه، اليوم بكرة ذلك نودره نرجعه ثم
ينساه، وصاحبه يحرج من طلبه، ثم بعد ذلك يملكه المستعير؛
لأنه نسي وبقي على أساس أنه ملكه، والاسم ما كتب عليه شيء،
فليحرص الإنسان على هذه العواري يبادر بردها، وقد استعار
شخص كتاباً يهمه في عمله بعد تخرجه عين في جهة واحتاج إلى
كتاب فاستعاره من صديق له، مكث الكتاب خمسة وعشرون سنة،
نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
(47/25)
لا ما رجع، هذا شاهد أن الإنسان ينسى، لا
تأتي بقية القصة، فاجتمع به المستعير شخص له علاقة
بالاثنين، فقال: هذا الكتاب إذا ذكرته ذكرت فلان جزاه الله
خيراً، كان الكتاب ممزق فأخذه إلى المجلد فجلده على أساس
أنه له، على أساس أن هذه العلاقة التي تربط فلان بفلان أنه
أخذ هذا الكتاب وجلده وهو له الكتاب هو، هو من الأصل مجلد،
بس هو يتذكر أن في ارتباط بين هذا الكتاب فلان، ولا يتذكر
أن الكتاب لفلان، هذا سببه طول المدة، فصاحب الكتاب يستحي
من صاحبه أن يطلبه وليس عليه أثم، ولا ما يدل على أنه له،
ومع طول المدة المستعير ينسى، فعلينا أن نكتب يكتب الإنسان
في مذكرته أن عنده كتاب لفلان، وكتب كثيرة من التي وصلتنا
من تركات تجد مكتوب عليها هذا الكتاب عارية من فلان،
يكتبون المتقدمون عندهم حرص على إبراء الذمة على قلة ما
عندهم من كتب، المقصود أن على طالب العلم أن يعنى بهذا،
فإن الكتب إذا اختلطت خلاص من يميز أن هذا لفلان أو لعلان
"فكنت ألبسه وأعيره زماناً، ثم إنهم أرسلوا إليّ فيه،
أفأوديه إليهم؟ " حد با يتردد في الجواب؟ نعم؟ جواب ملزم،
أن الشخص إذا جاء يسأل وذكر كل المبررات والمسوغات التي
تقتضي الجواب بنعم أو الجواب بلا، هذا كأنه يلقن من
يستفتيه بالجواب، يعني تأتي تستفتي عالماً تقول: وجدت كتاب
لشخص مبتدع، والكتاب في شرور وسموم، واطلعت عليه فوجدت فيه
كذا وكذا إيش رأيك يجوز أشتريه؟ أكيد ما تحتاج إلى جواب،
تعرف أنه لا يريد جواباً، إنما يريد أمراً أخر، فمثل هذه
المرأة لما قالت هذه الأمور كلها، وقديماً هذا، استعرته
قديماً صار له زمان، وأعرته الناس، استفدت به أنا واستفاد
به غيري، أرجعه وإلا ما أرجعه؟ "أفأوديه إليهم، فقال: نعم
والله" تأكيد مع كل هذا بعد في تردد؟ "نعم والله" يعني
يلزمك أن تأديه إليه، واقسم تأكيداً "فقالت: والله أنه قد
مكث عندي زماناً، فقال: ذلك أحق لردكِ إياه" أولى بأن يرد
إذا مكث زمن طويل؛ لأنه إذا كان زمن يسير يحتمله الناس
فيما بينهم، يعني لو تأخر في رده، لكن إذا كان زمن طويل
إلى متى؟ "فقالت: والله أنه قد مكث عندي زماناً، فقال: ذلك
أحق لردكِ إياه إليهم حين أعاروكيه زماناً "فقالت: أي
يرحمك
(47/26)
الله" يعني يا فلان يرحمك الله، هذا نداء،
وجد الحرف وحذف المنادى، أي يرحمك الله، الآن يأتي بيت
القصيد "أفتأسف على ما أعارك الله، ثم أخذه منك وهو أحق به
منك" المال والأهلون كلها ودائع، كل ما عند الإنسان وديعة،
المال مال الله {وَآتُوهُم مِّن مَّالِ اللَّهِ} [(33)
سورة النور] وأنت نفسك التي بين جنبيك وديعة، ما تدري متى
يقال: رد هذه الوديعة؟ يأتي صاحبها فيأخذها.
وما المال والأهلون إلا ودائع ... ولا بد يوماً أن ترد
الودائع
"فأبصر ما كان فيه، ونفعه الله بقولها" موعظها بليغة
بالتميثل والتنظير المطابق، نفعه الله بقولها، ففي هذا
العظة بضرب المثل، وهو أبلغ من المباشر، يعني لو قالت له
مباشرة: زوجتك هذه ماتت، الحمد لله، الأصل الخلق كلهم خلق
الله وعبيد الله يختار منهم من شاء، ما وقعت في قلبه
موقعها، لكن العظة بضرب المثل أبلغ من المباشر، ولذا جاءت
الأمثال في القرآن والسنة، وجاء في تعظيم شأن الأمثال قوله
-جل وعلا-: {وَمَا يَعْقِلُهَا إِلَّا الْعَالِمُونَ}
[(43) سورة العنكبوت] يعني ما يفهم هذه الأمثال، ولا يعتبر
بهذه الأمثال ولا يستفيد من هذه الأمثال إلا العالمون، وفي
الحديث: وعظ العالم وإن كانت الموعظة ممن دونه، فقد يخطئ
الفاضل ويغفل ويوفق المفضول، فلا يحتقر الإنسان نفسه يعلم
ويوجه وإن كان مفضولاً، وإن كان في السامعين من هو أفضل
منه، يبذل وإلا لو أعتمد على الفاضل في كل شيء ما استطاع
أن يفعل شيئاً، فعلى كلٍ من الفاضل وهو الأولى أن يتولى
ذلك، والمفضول أيضاً لا يعفى من هذا الأمر، فالأمر مطلوب
من الجميع.
باب: ما جاء في الاختفاء:
"حدثني يحيى عن مالك عن أبي الرجال محمد بن عبد الرحمن عن
أمه عمرة بنت عبد الرحمن أنه سمعها تقول: لعن رسول الله
-صلى الله عليه وسلم- المختفي والمختفية" يعني نباش
القبور.
وحدثني عن مالك أنه بلغه عائشة زوج النبي -صلى الله عليه
وسلم- كانت تقول: "كسر عظم المسلم ميتاً ككسره وهو حي"
تعني في الإثم.
يقول -رحمه الله تعالى-: "باب: ما جاء في الاختفاء" ولابن
وضاح ما جاء في المختفي وهو النباش.
(47/27)
"حدثني يحيى عن مالك عن أبي الرجال" بلفظ
جمع الرجل، مشهور بهذه الكنية وهي لقب؛ لأنه كان له عشرة
أولاد كلهم رجال كبار، وأما كنيته فهو أبو عبد الرحمن أبو
الرجال، كني بالمجموع فصار لقباً له، قد يلقب بالكنية، وقد
يسمى بالكنية، وقد تغلب الكنية على الاسم فيضيع الاسم،
وكما أشتهر هذا بأبي الرجال أشتهر أناس بأبي الأشبال، يعني
هذا أبو الكبار، وذلك أبو الصغار، نعم؟ ما في أبو الأشبال؟
نعم في أكثر من واحد، وهذا أمر مطروق، محمد بن عبد الرحمن
بن عبد الله بن حارثة بن نعمان الأنصاري "عن أمه عمرة بنت
عبد الرحمن أنه سمعها تقول: "لعن رسول الله -صلى الله عليه
وسلم-" اللعن هو الطرد والإبعاد عن رحمة الله تعالى، وهذا
يدل على أن هذا الأمر من الكبائر "لعن رسول الله -صلى الله
عليه وسلم- المختفي والمختفية" يعني نباش القبور".
يعني لو لم يوجد مثل هذا التفسير لهذا الخبر لأشكل أمره
"لعن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- المختفي والمختفية"
يعني بذلك النباش، سمي بذلك لأنه يأتي إلى هذه القبور
خفية، وهذه عادة السراق، سواءً سرقوا من أجواف القبور أو
من البيوت أو من غيرها، وقد جاء لعن السارق ((لعن الله
السارق يسرق الحبل فتقطع يده، ويسرق البيضة فتقطع يده))
نعم، فلعل المختفي هنا والمختفية يراد به لتتفق النصوص
وفسر ببعض أفراده نعم لعل أصل الحديث: "المختفي والمختفية
السارق والسارقة" ثم فسر من قبل بعض الرواة بالنباش
تفسيراً للعام ببعض أفراده، وهذا الحديث مرسل عند مالك،
وأسنده يحيى بن صالح وعبد الله بن عبد الوهاب كلاهما عن
أبي الرجال عن عمرة عن عائشة -رضي الله عنها- قالت.
(47/28)
وعلى كل حال نبش القبور السرقة من الأحياء
حرام بالإجماع، وموجبة للحد بشروطها، والسرقة من القبور
كذلك يشملها هذا اللعن، وهي فرد من أفراد العام داخلة في
عمومه، لكن هل فيها قطع؟ النباش ينبش القبر ويأخذ الكفن،
يسرق الكفن، حتى وجد في بعض العصور من يخرق الكفن قبل
تكفين الميت به ليفسده على السارق، يعني يصل الأمر ببعض
القلوب إلى هذا الحد، الفقهاء يذكرون في الزنا يذكرون
الزنا بالميتة مثلاً امرأة ميتة زنا بها، هذا موجب للحد
وإلا غير موجب؟ يعني فرج أصلي، ألا يمكن أن يقال مثل هذا
أعظم من الزنا بالحية؛ ألا يمكن أن يقال: إنه أعظم نسأل
الله العافية؛ لأنه يدل على مسخ القلب الكلية، يعني قلب
ممسوخ بالكلية، فيحتف بالأمر ما يزيده عن الحد المحدود
شرعاً، فلو زيد في حد مثل هذا؛ لأنه وصل إلى حد تأباه
البهائم، السارق النباش الذي يسرق من القبر لا شك أن القبر
حرز، فإذا بلغ ما يبلغ النصاب نصاب القطع يقطع وإلا ما
يقطع؟ هل يشترط أن يكون للمال مالك معين أو لا يشترط؟ إنما
سرق {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ} [(38) سورة المائدة]
ينطبق عليه اللفظ، والشروط مكتملة، قل مثل هذا فيمن سرق من
بيت المال مثلاً أو سرق من الأشياء العامة المشاعة مثل
مسجد، مدرسة، يقطع وإلا ما يقطع؟ نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
هذا اختلاس وليس بسرقة، يعني سرق من حرز، أما لو لم يكن
حرز مثلاً، القبر حرز وبيت المال محرز، لكن مثل المسجد قد
.. ، والأمور العامة مثل المدارس وغيرها قد يقال، ولذا
يُدرأ الحد بهذا، وبعضهم يدرأ الحد بالنسبة لمن سرق من بيت
المال؛ لأن له فيه شبة ملك، وهو واحد من المسلمين، لكن إذا
رأى الإمام أن قطع مثل هؤلاء الذين يسرقون من المساجد ومن
المدارس ومن بيت المال ومن القبور رأى أن قطعهم تعزيراً
يحقق مصلحة، ويقطع دابر السرقة لا سيما إذا اشتهرت
واستفاضت له ذلك، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
والله هو إذا سرق مال محترم من حرز يبلغ النصاب ويش
المانع؟ لكن بعضهم ينظر للمالك إذا كان له مالك وتأثر،
نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
وش لون؟
طالب:. . . . . . . . .
(47/29)
الكافر؟ هو الأصل أنه مخاطب بالفروع،
ومطالب بما يطالب به المسلمين إيش المانع؟ نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
لا شبهة له، نعم بلا شك ليس له شبهة ببيت المال.
يقول: "وحدثني عن مالك أنه بلغه" يقول أبو عمر: كذا لأكثر
الرواة وبعضهم: عن مالك عن أبي الرجال عن عائشة موقوفاً،
يقول: ولا أعلم أحداً رفعه عن مالك "أن عائشة زوج النبي
-صلى الله عليه وسلم- كانت تقول: "كسر عظم المسلم ميتاً
ككسره وهو حي" تعني في الإثم" للاتفاق على فعل ذلك في
الحياة والموت يعني كسر عظم المسلم حياً وميتاً حرام
بالاتفاق، لا بالنسبة للحي في قصاص خلافاً للميت، الميت
ليس فيه قصاص، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
لا ما يلزم لأنه قد يوجد الإثم في الاعتداء الذي ما فيه
قصاص حتى في الحي لا ليس ملازم للإثم، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
أيوه؟
طالب:. . . . . . . . .
تعزير تعزير ويش المانع؟
على كل حال يشتركان في الإثم ويفترقان في القصاص الدية،
وهذا الحديث وإن كان غير متصل عند ملك لكنه مخرج عند أحمد
وأبي داود وابن ماجه عن عائشة أن النبي -عليه الصلاة
والسلام- قال: ((كسر عظم الميت ككسره عظم الحي)) وحسنه ابن
القطان، وقال ابن دقيق العيد: إنه على شرط مسلم، وله شاهد
من حديث أم سلمة خرجه ابن ماجه، فلا يجوز أذية المسلم سواً
حياً كان أو ميتاً {وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ
وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ
احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُّبِينًا} [(58) سورة
الأحزاب] لكن إذا دعت الحاجة إلى كسر عظمه، وقل مثل هذا
إذا دعت الحاجة إلى نقل بعض أعضاءه هل نقول: إن الضرورة
تقدر بقدرها والحي أولى من الميت كما قال أبو بكر في الكفن
-رضي الله تعالى عنه وأرضاه-؟ الحي أولى بالجديد من الميت،
أو نقول: إن هذه الأمور لا يملكها الإنسان لنفسه فلا
يملكها غيره، هذه أمور الإنسان ما يملك شيء لنفسه، لا يملك
العين ولا يملك غيرها من الأعضاء، وهذا هو المتجه، الإنسان
لا يجوز أن يتصرف بنفسه فضلاً أن يتصرف به غيره، ولا أحد
ولا أقرب قريب ولا بعيد ولا بيع ولا مجان ولا شيء، لا يملك
هذا، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
(47/30)
عاد الدم يقول أهل العلم: يتسامح فيه؛ لأنه
متجدد، ما يتضرر به الشخص على أي وجه كان، وإلا فالدم عند
أهل العلم نجس وبيعه حرام، ونهى عن ثمن الدم، لكن ما يأخذه
المتبرعون من هدايا مثلاً ساعة وإلا ميدالية هذه ليست
قيمة، عندهم ليست قيمة إلا من نظر إليها، يعني ما يتبرع
إلا بهذا نقول: ما يجوز، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
إذن ما يملك، إذاًَ ما يملك يا أخي ما يملك أنت قل مثل في
عبد مملوك يباع ويشترى هل لسيده أن يتبرع أو يشلحه؟
طالب:. . . . . . . . .
ما يملك يا أخي هذه نفس محترمة مسلمة لا يجوز التصرف فيها
ولا التعدي عليها حياً وميتاً كله حكم واحد، ثم بعد العبد
بيقطع اكسب له، مشكلة بعد، صحيح يا الإخوان هذه أمور لا
يملكها الإنسان، نعم هو أفتى من أفتى بجواز التبرع، لكن
يبقى أن الأصل هذا، الإنسان ما يملك نفسه فكيف يملك غيره
ليتبرع به؟
يقول: من أفضل من علق على تفسير الجلالين ونبه على ما فيه؟
لا أعرف تعليق كامل من أول الكتاب إلى أخره، إنما للشيخ
عبد الرزاق عفيفي -رحمه الله تعالى- تعليقات على المسائل
العقدية في الربع الأخير مقرر المعاهد العلمية، يعني من
سورة غافر إلى أخر القرآن، هناك تعليقات موجودة في السوق،
لكن المسائل العقدية الدقيقة التي لا يدركها كثير من الناس
لا أعرف أحداً تصدى لها، والكتاب بحاجة.
يقول: يوجد نسخة خرجت للموطأ جمعت جميع الروايات فهل ينصح
بشرائها؟
نعم اقتناؤها طيب، لكن ينبغي أن تكون عناية طالب العلم على
رواية واحدة في أول الأمر، عنايته بنسخة واحدة على وراية
واحدة، ويشير إلى ما عدها من الزوائد، لا يدخل بعض
الروايات مع بعض، لا يلفق بين الروايات.
يقول: لو كنت أحفظ القرآن ومررت بأية سجدة وأنا ارددها
أكثر من عشرة مرات ماذا أفعل؟ هل أسجد للتلاوة كلما
قرأتها؟
هذا مسألة عرضت بنا سابقاً، وعرفنا الأقوال فيها، وأن من
أهل العلم من يقول: لا يسجد من دام يعلم ويتعلم كلما مر؛
لأنه لا يقصد بذلك التلاوة، ومنهم من يقول: يسجد كل مرة،
ولكن القول الثالث هو الوسط وهو أن يسجد مرة واحدة تكفيه
عن الجميع.
(47/31)
يقول: استأجرت عاملاً لكي يغسل لي السيارة
بأجرته الشهرية خمسين ريال، وسافرت في شهر من الأشهر ولم
تكن السيارة موجودة فلم يغسلها لذلك لم أعطه الخمسين عن
ذلك الشهر هل هذا عمل صحيح أم المانع كان مني ولم يكن من
الأجير لذلك يتوجب علي أن أعطيه حقه؟
إذا كان الإجارة هل هي عقد لازم أم جائز؟ إذا قلنا: عقد
لازم فلا بد من رضاه وعلى هذا لا بد أن تعطيه الخمسين،
وإذا قلنا: إنه عقد جائز لأحد الطرفين أن يحلها ولو بغير
رضا الأخر لك أن تسافر من غير إخباره، وله أن يسافر من غير
علمك، على كل حال لو أعطيته الخمسين كان أحوط.
طالب:. . . . . . . . .
إيه لكن احتمال أن يكون ما مشترك بعد أنه قصر نفسه على هذا
الشخص، وتعطيل العمل من طرف لكن تعطيل هذا العمل المتفق
عليه من طرف دون الأخر دون رضا الأخر، على كل حال على حسب
ما هو مقرر في الإجارة هل هي عقد لازم أو جائز؟ إذا قلنا:
عقد لازم تلزمه الخمسين، يعني لا بد من رضا الطرف الثاني،
والصلح خير على كل حال.
يقول: بعض طلبة العلم ممن يخرجون في القنوات يؤلب على طلبة
العلم بأنهم أهل بطون وموائد، ولا يهتمون بالإنكار كطاش ما
طاش وستار أما التفجيرات فلا يتكلمون فيها وهذه بسخرية؟
الدين ليس بلبس وشوت، على كل حال إسداء النصيحة والأمر
والنهي ليس بهذه الطريقة، لا يتم بمثل هذه الطريقة،
المنكرات على حد سواء كلها تنكر، فهذه منكرات وهذه منكرات،
فإذا أنكر هذه لا يسخر ممن لم ينكر إذا اتفقنا على أن هذا
العمل منكر ينكر.
يقول: ما كتب الزهد التي تنصحون بقراءتها؟
هناك الزهد للإمام أحمد -رحمه الله تعالى- ولابن المبارك
ولوكيع ولهناد بن السري وجمع من أهل العلم ألفوا في الزهد،
كلها كتب طيبة يستفيد منها طالب العلم، الزهد للإمام أحمد
إلى الآن ما بعد طبع طبعة كاملة محققة لأنه أكبر من الحجم
الموجود أكبر بكثير من الحجم الموجود، وطبعة أم القرى
القديمة جيدة في الجملة، الزهد لابن المبارك تحقيق الأعظمي
مجلد كبير موجود تصرف فيه، والله أعلم.
وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى
آله وصحبه أجمعين.
(47/32)
الموطأ - كتاب
الجنائز (5)
شرح: باب: جامع الجنائز.
الشيخ/ عبد الكريم الخضير
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
الحمد لله رب العاملين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده
ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أسئلة الإنترنت كثيرة: هذا يقول: تعليم الصلاة والوضوء عن
طريق الصور هل هذا من هدي السلف؟ وهل جائز تعليم الناس
بهذه الصورة كما في بعض المساجد؟ وأيضاً ملحقة بتفسير
العشر الأخير؟
إن كانت الصور كاملة بالوجه فهذا لا إشكال في تحريمه،
إضافة إلى كونه محدث مشتمل على محرم وهو تصوير ذوات
الأرواح، أما إذا خلا عن الوجه والصورة هي الوجه كما هو
معروف، ما عدا ذلك ما له حكم تصور اليد تصور الرجل لا
إشكال في ذلك، الصورة هي الوجه، إذا خلا عن ذلك فلا شك أن
التعليم باب من أبواب التحصيل، وله أصل في السنة، النبي
-عليه الصلاة والسلام- علم الصحابة، وأمرهم أن يصلوا كما
رأوه، فإذا أمكن بالتطبيق المباشر من المعلم فهو الأصل،
إذا لم يمكن فمثل هذا الوسيلة لا بأس بها -إن شاء الله
تعالى- إذا خلت عن الوجه.
يقول: ما حكم اتخاذ الدروج التي تعلو المصاحف سترة للمصلي؟
لا بأس بها -إن شاء الله تعالى- لأنها تحجب ما ورآها،
وتحدد موضع المصلي، يُعرف أنه يصلي، فلا بأس في ذلك -إن
شاء الله تعالى-، ما لم تكن هذه المصاحف وضعت على هيئة أو
فيها رسوم ونقوش وكذا بحيث تشغل المصلي، فإذا سلمت من ذلك
فلا بأس -إن شاء الله تعالى-، المقصود أنه لا يكون فيها
وجه.
طالب:. . . . . . . . .
لا إذا صور حرام، ارتكب محرم، لا يصور الوجه أصلاً، ولو
طمسه، ما في شك أن الطمس إقلاع عن الذنب، لكنه ارتكبه، لا
يجوز له أن يرتكب ذنباً وإن كان في نيته أن يقلع عنه.
يقول: شخص قد خطب فتاة وقد أعطاها شبكة من الذهب على أنها
هدية، والآن هو ترك الفتاة وفسخ هذه الخطبة، وثبت بعد ذلك
أنه قد خطب ثمان مرات, وأخر مرة تزوج منذ شهرين ثم طلق،
والآن هو يطالب بالشبكة فهل له ذلك أفيدونا؟
لا ليس له ذلك؛ لأنها هدية، ولا يجوز الرجوع فيها.
(48/1)
يقول: أنا جدتي أصيبت باحتشاءٍ في الدماغ
وجنبها الأيسر رجلها ويدها حركتهما خفت بس سؤالي كيف
أعالجها بالقرآن الكريم أو بالأعشاب؟
تعالجها بالرقية، وإن كان هناك من الأعشاب ما ينفع ثبت
نفعه باطراد فهو سبب كالعلاج الطبي الحديث مثله كلها
أسباب.
يقول: ما حكم قول: علي -عليه السلام-، أو الصلاة والسلام
على آل البيت، فقد يكون هذا جعله بمنزلة الأنبياء، لكن
الآية في سورة الأحزاب تقول: {هُوَ الَّذِي يُصَلِّي
عَلَيْكُمْ} [(43) سورة الأحزاب] وأيضاً قوله في التشهد
الأخير: اللهم صل على محمد وعلى آل محمد أفيدونا؟
الصلاة على النبي -عليه الصلاة والسلام- وعلى سائر
الأنبياء على سبيل الاستقلال مشروع، ومن عدا الأنبياء إن
كان على طريق التبع فلا بأس به، تقول: اللهم صل على محمد
وعلى آل محمد وعلى صحبه لا بأس به، لا بأس على سبيل التبع،
أما على سبيل الاستقلال فالمسألة خلافية بين أهل العلم،
وعامة أهل العلم على أنه لا يصلى على غير الأنبياء، والعرف
عند أهل العلم يخص الرب -جلا وعلا- بسبحانه أو جل وعلا أو
عز وجل، فلا يقال للنبي -عليه الصلاة والسلام-: عز وجل وإن
كان عزيزاً جليلاً، لكن المسألة عرف، خص العرف العلمي
الترضي بالصحابة والترحم على من بعدهم.
يقول: هل يجوز للمرأة الحائض أن تدخل المسجد علماً بأنها
تدرس في تحفيظ القرآن؟
ليس لها أن تدخل المسجد، وقد جاء في الحديث الصحيح:
"وليعتزل الحُيّض المصلى" هذا في الصحيحين من حديث أم
عطية, وإن كان بعضهم وقفت على كلام لبعض أهل العلم يقول:
إنها لئلا تضيق على المصلي، غير مطالبة بالصلاة فلا تضيق
على المصلين، الأصل أنها تعتزل المصلى نحن يهمنا هذا
الأمر، وعلينا الامتثال.
هل يجوز للمرأة أن تصلي بجوار زوجها من الجهة اليمين أم لا
سواء فرض أو نافلة؟
الأصل في موقف المرأة مع الرجل أنها خلفه، خلف الرجل ولو
كانت واحدة هذا هو الأصل، لكن لو صلت بجواره صحت صلاتها
-إن شاء الله تعالى-.
يقول: ما هي كفارة العادة السرية؟
كفارتها التوبة والاستغفار والإقلاع والندم.
(48/2)
وسؤال أخر وهو عاجل يقول: أخ يريد الزواج
بامرأة في الجزائر، وقد اتفق معها على أن تبقى في الجزائر
على أن يزورها مرة كل ستة أشهر، ولكن والده يعارضه ويطالبه
بأن يأتي بها إلى فرنسا فماذا يفعل؟ وما توجيهكم؟ السائل
من فرنسا.
الأصل أن المرأة تبقى مع زوجها في بيت الزوجية هذا هو
الأصل، لكن هذا يريد أن ينقلها من بلد أهله مسلمون إلى بلد
كفار فمن هذه الحيثية لو بقيت في البلد الأصلي كان أولى،
وإذا كان لا يأمن عليها الفتنة في بلدها الأصلي، ورأى أن
ارتكاب سفرها إلى بلد الكفار أخف، ورأى أن المصلحة في
انتقالها فارتكاب أخف الضررين مقرر شرعاً.
هذا حديث يسأل عنه كثيراً ولا أعرف حاله، يقول: روى ابن
عساكر عن زيد بن أسلم عن أبيه قال الرسول -عليه الصلاة
والسلام-: ((لا يزال الجهاد حلواً خضراً ما قطر القطر من
السماء، وسيأتي على الناس زمان يقول القراء منهم: ليس هذا
بزمان جهاد، فمن أدرك ذلك الزمان فنعم زمان الجهاد))
قالوا: يا رسول الله أو أحد يقول ذلك؟ قال: ((نعم، من لعنه
الله والملائكة والناس أجمعون)) ما صحة هذا الحديث؟
أنا لا أعرف درجته، والغالب أنه ما يتفرد به ابن عساكر أنه
ضعيف.
وما نمي لعق وعد وخط وكر ... . . . . . . . . .
هذا ابن عساكر.
. . . . . . . . . ... ومسند الفردوس ضعفه شهر
هذه مواطن الأحاديث الضعيفة.
يقول: نرجو كلمة توجيهية لبعض الشباب حتى يترك لعب كرة
القدم؛ لأنه تسبب التشاحن بينهم ومقاطعة الواحد الآخر
والسب أثناء اللعب والله المستعان، وإلى الله المشتكى،
السائل من فرنسا؟
هذه العلة التي من أجلها حرم الخمر {إِنَّمَا يُرِيدُ
الشَّيْطَانُ أَن يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ
وَالْبَغْضَاء فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ
عَن ذِكْرِ اللهِ وَعَنِ الصَّلاَةِ فَهَلْ أَنتُم
مُّنتَهُونَ} [(91) سورة المائدة] إذا توافرت هذه العلل
فهي محرمة.
يقول: إني -والحمد لله- متدين جداً لكن أحب فتاة قد تعرفت
عليها على النت فهل هذا حرام مع أني والله العظيم لم أرها
قط وحتى أني لم أتحدث معها محادثة صوتية؟
(48/3)
على كل حال مثل هذه العلاقات المشبوهة
وسائل لما وراءها من محرمات، فعلى الإنسان أن يقطع هذا
الباب ويوصده بالكلية.
أخ ازداد عنده مولود ويسأل على الختان هل يلزم في اليوم
السابع أما أنه متى فعله أجزاءه خاصة أنه يخشى عليه الضرر؟
لو تأخر الختان إلى قبيل البلوغ كفى -إن شاء الله تعالى-؛
لأنه لا يطالب به قبل وجوب الصلاة عليه، لكن كلما بادر به
ليكون أسرع في البرء أولى.
أخت تقول: إن زوجها من أصحاب تلك الأفكار الضالة الذين
يعيثون فساداً في المملكة، وهم الذين يكفرون الناس
والعلماء الذين لا يوافقونهم على هواهم، وأنه أحياناً
يتكلم معها على أمور الدين، فكيف أتصرف وهي في بلاد الكفر،
الآن هذه وين؟ السائل من فرنسا، وهو من الذين يكفرون الناس
والعلماء الذين لا يوافقونهم على هواه؟
تكفير الناس بغير برهان من الله -جل وعلا- ما لم يرتكب أمر
محرم معلوماً تحريمه من الدين بالضرورة أمر خطير جداً،
نسأل الله السلامة والعافية، فمن قال لأخيه: يا كافر إن
كان ليس أهلاً لها صار على خطر عظيم منها، وهذه سيما
الخوارج نسأل الله السلامة والعافية الذين يكفرون الناس
بالذنوب، فعلى الإنسان أن يتقي الله -جل وعلا-، نعم.
باب: جامع الجنائز:
حدثني يحيى عن مالك عن هشام بن عروة عن عباد بن عبد الله
بن الزبير أن عائشة -رضي الله تعالى عنها- زوج النبي -صلى
الله عليه وسلم- أخبرته أنها سمعت رسول الله -صلى الله
عليه وسلم- قبل أن يموت وهو مستند إلى صدرها وأصغت إليه
يقول: ((اللهم اغفر لي وارحمني وألحقني بالرفيق الأعلى)).
وحدثني عن مالك أنه بلغه أن عائشة -رضي الله تعالى عنها-
قالت: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((ما من نبي
يموت حتى يخير)) قالت: فسمعته يقول: ((اللهم الرفيق
الأعلى)) فعرفت أنه ذاهب.
وحدثني عن مالك عن نافع أن عبد الله بن عمر -رضي الله
عنهما- قال: إن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((إن
أحدكم إذا مات عرض عليه مقعده بالغداة والعشي، إن كان من
أهل الجنة فمن أهل الجنة، وإن كان من أهل النار فمن أهل
النار، يقال له: هذا مقعدك حتى يبعثك الله إلى يوم
القيامة)).
(48/4)
وحدثني عن مالك عن أبي الزناد عن الأعرج عن
أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه
وسلم- قال: ((كل ابن آدم تأكله الأرض إلا عجب الذنب منه
خلق وفيه يركب)).
يقول -رحمه الله تعالى-:
"باب: جامع الجنائز"
الأحاديث التي لا تدخل في الأبواب السابقة.
(48/5)
"حدثني يحيى عن مالك عن هشام بن عروة عن
عباد بن عبد الله بن الزبير -بن العوام- أن عائشة زوج
النبي -صلى الله عليه وسلم- أخبرته أنها سمعت -صلى الله
عليه وسلم- قبل أن يموت وهو مستند إلى صدرها" لأنه -عليه
الصلاة والسلام- استأذن نساءه أن يمرض في بيت عائشة "وأصغت
إليه" أمالت سمعها، فإذا به يقول -عليه الصلاة والسلام- في
آخر ما نطق به: ((اللهم اغفر لي وارحمني وألحقني بالرفيق
الأعلى)) مشروعية الدعاء حتى في آخر لحظة، فإذا كان النبي
-عليه الصلاة والسلام- أفضل الخلق وأشرف الخلق وأكمل الخلق
غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر يقول هذا عند موته
((اللهم اغفر لي وارحمني)) فكيف بالصحيح الشحيح المحمل من
الذنوب والآثام والمعاصي والجرائم؟! لا شك أن هذا في حقه
آكد، في البخاري: فجعل يقول: ((في الرفيق الأعلى)) حتى قبض
ومالت يده -عليه الصلاة والسلام-، ولأحمد فقال: ((بالرفيق
الأعلى مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين))
إلى قوله: {وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا} [(69) سورة
النساء] فعلى هذا يكون المراد بالرفيق من ذكر في الآية:
{مِّنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاء
وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا} [(69) سورة
النساء] هذا قول الأكثر، يقول الحافظ ابن حجر: وهذا
المعتمد، قال بعض المغاربة: يحتمل أن يراد بالرفيق الأعلى
الله –عز وجل-؛ لأن من أسمائه الرفيق، إذا كان المراد في
قول الأكثر المراد بالرفيق هؤلاء كلهم {مِّنَ
النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاء
وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا} [(69) سورة
النساء] وقال -عليه الصلاة والسلام-: ((بالرفيق الأعلى))
ما قال: رفقاء، الرفيق واحد، وهؤلاء أربعة، أجناسهم أربعة،
فضلاً عن أعدادهم، أولاً: رفيق صيغة إيش؟ فعال ومفعال
وفعيل صيغة مبالغة تلزم حالة واحدة في الإفراد والجمع
والتذكير والتأنيث {إِنَّ رَحْمَتَ اللهِ قَرِيبٌ} [(56)
سورة الأعراف] فالرفيق يشمل الواحد والاثنين والذكر
والأنثى كله رفيق هذا من جهة كما في قوله -جل وعلا-:
{إِنَّ رَحْمَتَ اللهِ قَرِيبٌ مِّنَ الْمُحْسِنِينَ}
[(56) سورة الأعراف] ومنهم من قال في نكتة
(48/6)
الإفراد: الإشارة إلى أن أهل الجنة
يدخلونها على قلب رجل واحد، وهذا نبه عليه السهيلي، في
الجنة يدخلون على قلب رجل واحد، فكأنهم واحد.
"وحدثني عن مالك أنه بلغه أن عائشة قالت: قال رسول الله
-صلى الله عليه وسلم-: ((ما من نبي يموت)) "، ما من نبي:
يخرج الرسول أو النبي والرسول يشتركان في مثل هذا؟ نعم
((ما من نبي يموت حتى يخير)) يعني بين البقاء والموت بين
الدنيا والآخرة "فسمعته يقول" يعني في مرضه الذي مات فيه:
((اللهم الرفيق الأعلى)) فعرفت أنه ذاهب" ذاهب يعني
وتاركنا، يعني مختار الرفيق الأعلى، خير فاختار الرفيق
الأعلى، وهذا الحديث كما ترون بلاغ عند الإمام مالك، وهو
موصول في الصحيح في البخاري ومسلم.
(48/7)
"وحدثني عن مالك عن نافع أن عبد الله بن
عمر قال: إن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((إن
أحدكم إذا مات عرض عليه مقعده بالغداة والعشي)) " "بالغداة
والعشي" يقول ابن التين: يحتمل أن يراد بالغداة والعشي
غداة واحدة وعشية واحدة، يعرض عليه مرة واحدة، مرة واحدة
بالغداة ومرة واحدة بالغشي، ولا يكرر ذلك كل غداة وكل عشي،
ويحتمل أن يريد كل غداة وكل عشي، وهو محمول على أنه يحيا
في هذا الوقت ليدرك، يعني الاحتمال الأول أو الثاني؟ غداة
واحدة وعشية واحدة، وهذا .. ، أو الثاني كل غداة وكل عشية؟
كما قال الله –جل وعلا- في حق فرعون وقومه: {النَّارُ
يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا} [(46) سورة
غافر] يعني كل يوم نسأل الله العافية {وَاصْبِرْ نَفْسَكَ
مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِالْغَدَاةِ
وَالْعَشِيِّ} [(28) سورة الكهف] يعني مرة واحدة؟ في
أعمارهم مرة واحدة وإلا كل غداة وكل عشي؟ هذا الذي يظهر،
وهو المتبادر، ومحمول على أنه يحيا ليدرك ذلك، وهذا غير
ممتنع بالنسبة للقدرة الإلهية، يقول القرطبي: يجوز أن يكون
العرض على الروح فقط، والمراد بالغداة والعشي وقت الغداة
ووقت العشي، وإلا فالموتى لا صباح عندهم ولا مساء، ظلام في
ظلام ((إن كانوا من أهل الجنة فمن أهل الجنة، وإن كانوا من
أهل النار فمن أهل النار)) يعرض على هذا ويعرض على هذا،
هذا مقعده من الجنة وهذا مقعده من النار، نسأل الله
السلامة والعافية، وهذا في حق النوعين المؤمن والكافر
واضح، لكن في حق المخلط يعرض عليه مقعده من الجنة لأن مآله
إلى الجنة أو يعرض عليه مقعده من النار لا سيما إن كان ممن
كتب الله له أن يدخل النار؟ المخلط تحت المشيئة إن شاء
عذبه وإن شاء عفا عنه، فهل يقال لمن كتب الله له أن يعذب
يعرض عليه مقعده من النار الذي يعذب فيه أو تعرض عليه
الجنة أو يتوقف في أمره؟ والتوقف هو الأحوط؛ لأن الحديث في
حق من كان من أهل الجنة ومن كان من أهل النار وهذا متوقف
فيه تحت المشيئة، فيتوقف في حكمه، ثم الحديث مخصوص بغير
الشهداء؛ لأنهم أحياء وأرواحهم تسرح في أجواف طير خضر،
تسرح في الجنة، وفي الحديث إثبات عذاب القبر، وأن الروح لا
تفنى بفناء
(48/8)
الجسد؛ لأن العرض -كما يقول أهل العلم-
إنما هو على الروح ولا يعرض إلا على حي، وهذا يرجح قول
القرطبي، والقول الأخر أنه يحيا بدنه في هذا الوقت، لكن
كأن الثاني كلام القرطبي أظهر.
"وحدثني عن مالك عن أبي الزناد -عبد الله بن ذكون- عن
الأعرج -عبد الرحمن بن هرمز- عن أبي هريرة أن رسول الله
-صلى الله عليه وسلم- قال: ((كل ابن آدم)) " يعني ما عدا
الأنبياء والشهداء، وزاد بعضهم: الصديقين والعلماء
العاملين، والمؤذن المحتسب، وحامل القرآن العامل به،
والمرابط، والميت بالطاعون صابراً محتسباً، والمكثر من ذكر
الله –عز وجل-، والمحبين لله، نقول: فتلك عشرة كاملة، لكن
هذه تحتاج إلى أدلة، كل واحد منها يتحاج إلى دليل، المسألة
مسألة غيب يقتصر فيها على ما ورد ((كل ابن آدم تأكله
الأرض)) وهذا أيضاً معارض لعموم هذا الحديث، فإخراج أمثال
هؤلاء من هذا العموم يحتاج إلى دليل ((تأكله الأرض)) أي
تأكل جميع جسده وينعدم بالكلية ((إلا عجْب الذنب)) بفتح
العين وسكون الجيم الموحدة، ويقال بالميم، سكون الجيم
وبالموحدة، يعني بالباء، ويقال بالميم: عجم الذنب وهو
العصص، معروف هذا أسفل العظم الهابط من الصلب فإنه قاعدة
البدن هذا لا تأكله الأرض ((إلا عجب الذنب منه خلق)) أي
ابتدأ خلقه ((وفيه يركب)) يركب خلقه عند قيام الساعة، وهذا
أظهر من القول أنه ركب منه في بدء خلقه، ابتداء تركيبه
منه، هل يعارض مثل هذا الحديث ما جاء في قول الله -جل
وعلا-: {كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ * وَيَبْقَى وَجْهُ
رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ} [(26 - 27) سورة
الرحمن]؟ نعم؟ هو يقول: يبقى، يعني فاني يموت، وبقاء هذا
الجزء اليسير من البدن ليس بأشد من بقاء البدن كاملاً
للأنبياء والشهداء يعني مسألة المعارضة يقول:
ثمانية حكم البقاء يعمها ... من الخلق والباقون في حيز
العدم
هي العرش والكرسي نار وجنة ... وعجب وأرواح كذا اللوح
والقلم
(48/9)
يقول: وقت صلاة الظهر في المدينة الموجود
فيها الإخوة في فرنسا الثلاثة عشرة وخمسون دقيقة يعني
ثنتين إلا عشر، بينما تبدأ الدروس في الجامعة بعد استراحة
الظهيرة عند الساعة الثالثة عشر والثلاثون دقيقة يعني
يصلون قبل الوقت بثلث ساعة؟
الصلاة قبل وقتها لا تصح، الصلاة قبل وقتها باطلة لا تصح
بحال، المقصود أنه يقول: عندهم يدخل الوقت ثلاثة عشر
وخمسون دقيقة، وتبدأ الدروس قبلهم بثلث ساعة ويريد أن يصلي
قبل بدء الدرس؛ لأنه إن أخرها بعد الانتهاء من الدراسة
يمكن ما ينتهون إلا المغرب بعد، والله المستعان.
يقول: يبدأ الإخوة في صلاة الجمعة عند الساعة الثانية عشر
وثلاثين دقيقة وينتهون منها عند الثالثة عشر وخمس دقائق
فبين مكان الصلاة والجامع حوالي عشرين دقيقة فهل صلاة
الإخوة .... ؟
أمر الجمعة أخف، أمر الجمعة أسهل إن صليت قبل الوقت صحت
عند جمع من أهل العلم، وإن كان الجمهور على أن وقتها وقت
صلاة الظهر، لكن من أهل العلم من يرى أن وقتها يبدأ
بارتفاع الشمس مثل صلاة العيد، يعني تصح قبل الزوال، قبل
وقت صلاة الظهر، فالجمعة أمرها أسهل لا سيما وقد قال به
جمع من أهل العلم، أما بالنسبة للظهر فلا يجوز تقديمها عن
وقتها بحال، لا يجوز تقديمها عن وقتها، ولا تضيع الصلاة من
أجل دراسة أو لأي عذر من الأعذار لا يمكن تضيعها إلا عذر
قاهر من نوم طارئ النائم مرفوع عنه القلم إذا بذل الأسباب
واستبعد الموانع يعذر، مرض نعم يعذر، والمريض يصلي على حسب
حاله، لكن الدراسة ليست بعذر في تقديم الصلاة ولا تأخيرها،
هذا إذا تجاوزنا مسألة الإقامة في بلاد الكفر، بين ظهراني
الكفار، أمور يعني ظلمات بعضها فوق بعض.
يقول: شخص مبتلى بوسواس شديد خصوصاً في الطهارة والصلاة،
ومن نتائج هذا الوسواس أنه يرتج عليه في الصلاة أحياناً
ويرتفع صوته ولا يستطيع الإتيان ببعض الأركان كالتشهد
الأخير إلا بمشقة عظيمة حتى أنه أحياناً يسلم الإمام
ويلتفت للمأمومين وهو لا يزال في التشهد، فهل له في هذه
الحالة أن يسلم ولو لم يقرأ التشهد علماً أنه يغلب على ظنه
أنه إذا فعل هذا فإن هذا الوسواس سينقطع ويخف عنه؟
ويطلب الدعاء من الجميع.
(48/10)
الله يصرف عنا وعنكم كل سوء، التشهد الأخير
ركن عند أهل العلم، الصلاة على النبي ركن عند الحنابلة،
التعوذ بالله من أربع سنة عند جماهير أهل العلم أوجبها
بعضهم، لكن يبقى أنه التشهد الذي هو الركن والصلاة على
النبي لا من الإتيان به قبل أن يسلم ولو تأخر بعد تسليم
الإمام، إذا سلم الإمام صار في حكم المنفرد وأكمل التشهد
وصلى على النبي –عليه الصلاة والسلام-، وتعوذ بالله من
أربع وسلم؛ لأنه بهذا ينوى الإنفراد عن الإمام ويكمل
تشهده؛ لأن هذه أركان.
أما إذا عجز لأن بعض الناس يستطيع أن يصلي مأموم ولا
يستطيع أن يصلي منفرد، بحيث إذا نوى الإنفراد وفصل عن
الإمام لم يستطع أن يفعل شيئاً بالكلية، وهذا شيء مشاهد
ممن أبتلي بهذا الداء، يطلب أحد أن يصلي به؛ لأنه لا
يستطيع أن يصلي وحده، فمثل هذه الحالة إذا كان لا يستطيع
يسقط عنه، لا يكلف الله نفساً إلا وسعها.
إذا اختلف الإقناع والمنتهى فهل ما في الإقناع هو المذهب؟
معروف أن المذهب عند متأخري الحنابلة ما يتفق عليه الإقناع
والمنتهى، فإذا اختلفا فالمنتهى أقعد بالمذهب.
يقول: أم يرجع للغاية؟ غاية المنتهى في الجمع بين الإقناع
والمنتهى؟
صاحب الغاية له اختيارات وله توجيهات يتفرد بها، لكن لا شك
أن المنتهى هو الأمتن في الباب، والأقعد في المذهب، فا
الذي تميل إليه النفس عندهم تقديم المنتهى عند الاختلاف.
يقول: خروج عمر -رضي الله عنه- على الناس وهم يصلون يدل
على أنه يؤخرها ليصلي أخر الليل ويدل على ذلك قوله -رضي
الله عنه-: "والتي تنامون عنها أفضل من التي تقومون؟
هذا كلام صحيح.
ماذا لو قام إلى خامسة وهناك مأموم قد فاتته ركعة فهل
نتابعه أو لا؟
إذا علم بأنها زائدة لا يجوز له أن يتابعه، ولو تابعه
لبطلت صلاته، فعليه أن يجلس ثم يأتي بالركعة التي فاتته؛
لأن الركعة الزائدة لا يدرك بها شيء؛ لأنها ركعة باطلة.
طالب:. . . . . . . . .
(48/11)
إذا لم يعلم لا بأس -إن شاء الله-، إذا نوى
الإنفراد عن الإمام يقوم يأتي بما فاته، لكن الأصل أنه في
الصلاة الصحيحة أنه يجلس للتشهد مع الإمام، فهل ينتظر
الإمام حتى يجلس لتشهده فإذا سلم جاء ليكمل صلاته؟ أو نقول
له: انو الإنفراد من الآن ما دام الإمام قام إلى ركعة
زائدة باطلة؟ انو الإنفراد من الآن وبعدين كمل، لكن الأصل
أنه ينتظر سلام الإمام ثم يأتي بما فاته.
طالب:. . . . . . . . .
لو انفرد لا بأس، يعني قيام الإمام إلى ركعة باطلة يبرر له
القيام، لكن لو شخص ما قام الإمام جلس للتشهد قال: أبي
الإنفراد وأتي بالركعة الفائتة نقول له: لا، لا بد أن تجلس
حتى يسلم الإمام.
يقول: صليت بجماعة ولم نقم للصلاة ثم ذكرت ذلك بعد تكبيرة
الإحرام فقلت بصوت منخفض: لم نقم، ثم تذكرت أني قد كبرت
فأكملت صلاتي فهل صلاتي صحيحة؟ وإذا كانت غير ذلك فماذا
أفعل؟
هذا كبر للإحرام بدون إقامة ثم تذكر فقال بصوت منخفض: لم
نقم، من يخاطب؟ من حوله، ثم تذكرت أني قد كبرت فأكملت
صلاتي، هذا تكلم في الصلاة إن كان ساهياً أو غافلاً لا بأس
-إن شاء الله تعالى-، وإن كان قاصداً عامداً فقد بطلت
صلاته، عليه الإعادة.
ما حكم من يطيل التكبير عند الانتقال من القيام إلى السجود
أو عند السلام بعد الانتهاء من الصلاة؟
لا شيء في ذلك -إن شاء الله تعالى- ما لم يمد مد يزيد فيه
حروف زائدة؛ لأن هذه الألفاظ كيفيتها متروكة فكيف أديت
صحت.
هل يشترط معرفة الوقت لعقد النية مثلاً رجل يريد أن يصلي
الظهر هل يشترط لصحة نيته معرفة الوقت أن هذه النية لهذا
الوقت، أما أن النية مطلقة، وإنما دخول الوقت لمعرفة أنه
قد حان وقت الصلاة؟
على كل حال من جاء إلى الصلاة قاصداً إليها وكبر تكبيرة
الإحرام هذه النية، قاصداً الصلاة، ما يحتاج يقول: نويت
صلاة الظهر نويت كذا أبداً.
طالب:. . . . . . . . .
(48/12)
هو مميز لها نعم إذا خطر بباله خلاف الفرض
القائم لا بد من الإعادة؛ لأنه ليس له إلا ما نوى، الكلام
إذا نوى خلاف الفرض الذي هو بصدده، جاء مثلاً لصلاة المغرب
وفي ذهنه أنه قد صلى المغرب، نعم واهماً ثم دخل مع الإمام
على أساس أنه يصلي العشاء وقد صلى المغرب على وهمه وهو ما
صلى المغرب، أو العكس هو ما صلى المغرب وجاء والإمام في
صلاة العشاء وهذه واقعة هو صلى المغرب ونسي أنه صلى المغرب
فجاء والإمام يصلي العشاء فظنه يصلي المغرب فلما قام إلى
الرابعة جلس، هذه نيته خلاف الفرض المطلوب فعلى هذا لا بد
أن يعيد الصلاة، ما نقول: إذا سلم الإمام ثم إذا تذكرت
تأتي بركعة، المسألة متصورة؟ هذا صلى المغرب ونسي أنه صلى
المغرب، وهذا يحصل أحياناً، ثم جاء والإمام يصلي العشاء
فظنه يصلي المغرب فدخل معه، لما قام إلى الرابعة الإمام
جلس مصر إلا أنها المغرب، وهذه واقعة، فجلس مع سلام الإمام
تذكر أنها العشاء هل يأتي بركعة أو يأتي بالصلاة كاملة؟
يأتي بالصلاة كاملة.
ما حكم قول بعض الناس: تحياتي؟ وهل هذا مخالف لما جاء في
التشهد أن التحيات كلها لله؟
القصد من التحية السلام، فكأنه قال: سلامي.
ما حكم الاكتحال للرجال؟
نعم؟
سنة نعم.
من المعلوم أنه هبوط آدم من الجنة وموته ليس فيها خير في
الظاهر فكيف تكون هذه الحوادث مزية لهذه الجمعة؟
السائل عليه أن يراجع ما كتبه ابن القيم -رحمه الله تعالى-
في مفتاح دار السعادة عن الحكم والفوائد والمصالح العظيمة
التي ترتبت على إهباط آدم من الجنة.
هل يجوز أن يجمع بين السنة الراتبة وصلاة الاستخارة في
صلاة واحدة؟
الاستخارة صلاتها مقصودة لذاتها فلا تدخل في الراتبة، وإن
كان مقتضى قوله: من غير الفريضة مقتضى ذلك أنها تدخل، لكن
هي مقصودة لذاتها.
يقول: هل صحيح أن الكلام في الخلاء مكروه؛ لأنه يضطر لدخول
الملائكة لذلك هل لهذا أصلاً؟
(48/13)
لا ليس لهذا، الملائكة لا تدخل هذه
الأماكن، الكلام العادي يعني أما الذكر معروف أنه لا يجوز
في هذه الأماكن تنزيهاً لله ولأسمائه، لا يجوز الذكر في
هذه الأماكن، أما مجرد الكلام العادي فإن احتاج إليه فلا
بأس، وإن لم يحتاج إليه فأهل العلم صرحوا أنه يكره أن
يتكلم وهو يقضي حاجته.
يقول: أعرف شخص مسحور وأريد أن أعرف كيف أخرج السحر منه،
وهو أخي في سوريا ذهب إلى شيخ وأعطاه سور من القران، وقال
له: بعد قراءتها ثلاث أيام يجب أن تستفرغ لكنه لم يفعل،
وأشك في الساحر لكن لا أقدر على مواجهته لكي لا يصبح
خلافاً، فماذا أفعل؟
على كل حال المسحور مصاب وهذه مصيبة له أجرها إن صبر
واحتسب، وعليه بحلها بالطرق المشروعة بالأدعية والرقى
المعروفة الجائزة، وأما حلها من قبل السحرة فلا يجوز؛ لأنه
تعاون على الشرك، الساحر لن يحل هذا السحر إلا بشرك، لن
يصل إلى ما يريد إلا بشرك، ولن يخدم أحداً إلا بتقديم
الشرك له، وعلى هذا لا يجوز التعاون معه على شركه؛ لأنه
تعاون على الإثم والعدوان، فإذا كان مجرد تصديقه كفر، فكيف
بالتعاون معه على هذا العمل الذي هو الشرك؟! بل عليه أن
يصبر ويحتسب ويسلك الأسباب المشروعة.
في رسائل كثيرة عن الشيخ أحمد ياسين -رحمه الله-، ويخلف
على الأمة خيراً ورفع درجته إن لله ما أخذ وله ما أعطى،
وكل شيء عنده بأجل مسمى، وليس الأسف عليه -رحمة الله عليه-
بقدر، هو الأسف على أنفسنا، ويرجى له خير -إن شاء الله-.
يقول: ما رأيكم في تفسير العشر الأخير لعمر بن سليمان
الأشقر؟
هو موجود يتداوله الإخوة في مكاتب الدعوة يوزعونه، وطبع
معه بعض الفوائد من المسائل العقدية والأحكام الفقيه
باختصار ما ينفع عامة الناس، وعلى كل حال هو كتاب طيب.
هذا يقول: سؤال الله -جل وعلا- الدنيا في الصلاة ما حكمه؟
الإطلاق ((ثم يدعو بما أحب وبما يشاء)) ((أكثروا فيه من
الدعاء)) ما فيه تقيد بأمور الدين، فيشمل خير الدنيا
والآخرة.
أحسن الله إليك.
(48/14)
"وحدثني عن مالك عن ابن شهاب عن عبد الرحمن
بن كعب بن مالك الأنصاري أنه أخبره أن أباه كعب بن مالك
-رضي الله عنه- كان يحدث أن رسول الله -صلى الله عليه
وسلم- قال: ((إنما نسمة المؤمن طير يعلق في شجر الجنة حتى
يرجعه الله إلى جسده يوم يبعثه)).
وحدثني عن مالك عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة -رضي
الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((قال
الله -تبارك وتعالى-: إذا أحب عبدي لقائي أحببت لقائه،
وإذا كره لقائي كرهت لقائه)).
وحدثني عن ملك عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة -رضي
الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((قال
رجل لم يعمل حسنة قط لأهله: إذا مات فحرقوه ثم ذروا نصفه
في البر ونصفه في البحر فو الله لئن قدر الله عليه ليعذبنه
عذاباً لا يعذبه أحداً من العالمين، فلما مات الرجل فعلوا
ما أمرهم به فأمر الله البر فجمع ما فيه، وأمر البحر فجمع
ما فيه، ثم قال: لما فعلت هذا؟ قال: من خشيتك يا رب وأنت
أعلم، قال: فغفر له)).
وحدثني عن مالك عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة -رضي
الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((كل
مولود يولد على الفطرة فأبواه يهودانه أو ينصرانه كما
تناتج الإبل من بهيمة جمعاء هل تحس فيها من جدعاء)) قالوا:
يا رسول الله أريت الذي يموت وهو صغير؟ قال: ((الله أعلم
بما كانوا عاملين)).
وحدثني عن مالك عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة -رضي
الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((لا
تقوم الساعة حتى يمر الرجل بقبر الرجل فيقول: يا ليني
مكانه)).
وحدثني عن مالك عن محمد بن عمرو بن حلحلة الديلي عن معبد
بن كعب بن مالك عن أبي قتادة بن ربعي أنه كان يحدث أن رسول
الله -صلى الله عليه وسلم- مُر عليه بجنازة فقال: ((مستريح
ومستراح منه)) قالوا: يا رسول الله ما المستريح والمستراح
منه؟ قال: ((العبد المؤمن يستريح من نصب الدنيا وأذاها إلى
رحمة الله، والعبد الفاجر يستريح منه العباد والبلاد
والشجر والدواب)).
(48/15)
وحدثني عن ملك عن أبي النضر مولى عمر بن
عبيد الله أنه قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-
لما مات عثمان بن مضعون -رضي الله عنه- ومُر بجنازته:
((ذهبت ولم تلبس منها بشيء)).
وحدثني مالك عن علقمة بن أبي علقمة عن أمه أنها قالت: سمعت
عائشة -رضي الله عنها- زوج النبي -صلى الله عليه وسلم-
تقول: قام رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ذات ليلة فلبس
ثيابه ثم خرج، قالت: فأمرت جاريتي بريرة تتبعه فتبعته حتى
جاء البقيع فوقف في أدناه ما شاء الله أن يقف ثم أنصرف
فسبقته بريرة فأخبرتني فلم أذكر له شيء حتى أصبح ثم ذكرت
ذلك له فقال: ((إني بعثت إلى أهل البقيع لأصلي عليهم)).
وحدثني عن مالك عن نافع أن أبا هريرة -رضي الله عنه- قال:
"أسرعوا بجنائزكم، فإنما هو خير تقدمونه إليه، أو شر
تضعونه عن رقابكم".
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-:
"وحدثني عن مالك عن ابن شهاب عن عبد الرحمن بن كعب بن مالك
الأنصاري أنه أخبره أن أباه كعب بن مالك -السلمي-
الأنصاري" وهو أحد الثلاثة الذين خلفوا ثم تاب الله عليهم
-رضي الله عنه وأرضاه- "كان يحدث أن رسول الله -صلى الله
عليه وسلم- قال: ((إنما نسمة المؤمن)) " روحه، النسمة
الروح، وقيل: النسمة عبارة عن الروح والبدن جميعاً، إذا
قيل: البلد الفلاني يقطنه ألف نسمة هل المقصود الأرواح
فقط؟ لا المقصود البدن والروح الكل ((إنما نسمة المؤمن طير
يعلق في شجر الجنة)) لكن المراد بالنسمة في الحديث لا شك
أنه الروح، طير يعلق ....
نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
هذا قول معروف عندهم، قول في المسألة.
(48/16)
((يعلق في شجر الجنة)) ((طير يعلق)) هذه
صفة، صفة لإيش؟ لطير؛ لأنه نكرة بحاجة إلى صفة، ولو كان
معرفة لكان الفعل بجملته حال، في شجر الجنة لتأكل من
ثمارها، وقيل: تأوي إليها، إن كان أخذ العلقة منها فهي
تأكل، وإن كان من التعلق بها فهي تأوي إليها، ((حتى يرجعه
الله إلى جسده يوم يبعثه)) هذا يدل على أن المراد بالنسمة
الروح، هي التي ترجع إلى الجسد ((إلى جسده يوم يبعثه))
يعني يوم القيامة، يقول ابن عبد البر في الاستذكار: قد ظن
قوم أن هذا الحديث يعارضه حديث ابن عمر المتقدم، الذي تقدم
قريباً؛ لأنهم قالوا: إذا كان الروح تسرح في الجنة ويأكل
منها فهو في الجنة بجميع أحيانه فكيف يعرض عليه مقعده
بالغداة والعشي وروحه في الجنة؟ يقول ابن عبد البر -رحمه
الله-: وهذا عندي ليس كما ظنوا؛ لأن حديث كعب -حديث الباب-
في الشهداء خاصة، وحديث ابن عمر في سائر الناس، والدليل
على ذلك أن سفيان رواه: ((أرواح الشهداء طير يعلق في شجر
الجنة)) فهذه الرواية مفسرة تدل على أن المراد الشهداء
فقط، وعلى كل حال الحديث صحيح.
(48/17)
"وحدثني عن مالك عن أبي الزناد عن الأعرج
عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه
وسلم- قال: ((قال الله -تبارك وتعالى-)) " هذا يسمى عند
أهل العلم كيف؟ حديث قدسي، والحديث القدسي: ما يضيفه النبي
-عليه الصلاة والسلام- إلى الله -جل وعلا-، حديث قدسي أو
حديث إلهي، أو حديث رباني، المقصود أن هذا الحديث منها،
وقد ألف في الأحاديث القدسية مصنفات، ((قال الله -تبارك
وتعالى-: إذا أحب عبدي لقائي أحببت لقائه، وإذا كره لقائي
كرهت لقائه)) يقول أبو عبيد في معنى هذا الحديث: هذا
الحديث مخرج في البخاري، يقول أبو عبيد: معنى هذا الحديث
عندي ليس وجهه عندي أن يكون الإنسان يكره الموت وشدته؛ لأن
كراهية الموت شيء جبل عليه الإنسان كذلك كراهية الشدائد
يتعرض عليها الإنسان جبل عليها الإنسان وإن كان مما ترفع
بها الدرجات، يقول: ليس وجهه عندي أن يكون الإنسان يكره
الموت وشدته؛ لأن هذا لا يكاد يخلو منه أحد، لا نبي ولا
غيره، كل إنسان يكره الموت إما طلباً للزيادة من الأعمال
الصالحة، أو طلباً لتلافي ما فرط من أمره، فكل إنسان يكره،
يقول: لكن المكروه من ذلك إثار الدنيا والركون إليها،
وكراهية أن يصير إلى الله تعالى والدار الآخرة، ويريد
المقام في الدنيا، كما قال عمر بن عبد العزيز لأبي حازم:
ما بالنا نحب الحياة ونكره الموت؟ فأجابه أبو حازم وهو
يجيب عمر بن عبد العزيز في خلافته حاله معروف قال: لأنا
عمرنا الدنيا ولم نعمر الآخرة، فنكره أن نتقل من الأعمار
إلى الخراب، تصور شعور الإنسان ومن تحت كفالته من نساء
وأطفال وبنين وبنات إذا أراد النقلة من بيت قديم إلى بيت
جديد، تصور شعورهم يكادون أن يطيرون فرحاً، والعكس لو قدر
عليه أنه سكن قصير منيف كبير ثم أضطر لنقص في دنياه أن
يرجع إلى دونه لا شك أنه يعلوهم الهم والغم والكآبة، والله
المستعان، فكيف بالحياة الأبدية السرمدية التي يعرف
الإنسان من نفسه أنه ما قدم شيء يستحق أن يذكر مقابل ما
أعد الله من خير لأوليائه، والله المستعان.
(48/18)
قال ابن عبد البر: الذي أقول في معنى هذا
الحديث ما شهدت به الآثار المرفوعة وذلك -والله أعلم- عند
معانية الإنسان ما يعاينه عند حضور أجله فإذا رأى ما يكره
عند قبض الروح لم يحب الخروج من الدنيا ولا لقاء ما عاين
مما يصير إليه، وإن رأى ما يحب أحب لقاء الله والإسراع
إليه لحسن ما يعاين من ذلك، هذا مشاهد في حياة الناس،
الرجل المخلص في عمله، المتقن له، الذي يحبه المسئول
ويقدره قدره ويحترمه ويجله هذا دافع له على أن يقول: متى
يأتي بس وقت الدوام ليلتقي بهؤلاء الذين يقدرونه قدره
ويحترمونه، والرجل المسيء في دوامه الذي يكرهه المسئول
ويذمه ويسبه مثل هذا يتمنى بس الإجازات ومتى ينتهي الدوام؟
لا شك أن المحسن يترقب الجزاء والمسيء يترقب الجزاء، وكل
على حسب جزاءه، المحسن يرجو ثواب عمله ويتمنى الوصول إلى
هذا الثواب، والمسيء لا شك أنه لا يتمنى أن يصل إلى هذا
الثواب، تصور عبد آبق من سيده جيء به إلى سيده قهراً منه،
هل يرغب في مقابلة هذا السيد؟ لا يرغب أبداً، لو بشر بموته
وهو في الطريق من أعظم الأمور عنده، ومن أعظم البشارات،
فعلى الإنسان أن يعمل في وقت السعة، أن يعمل من يسره أن
يلقاه من عمل، سواء كان عمل بدني أو لسان أو كتابة أو
تأليف.
فلا تكتب بكفك غير شيء ... يسرك في القيامة أن تراه
فعلى الإنسان إن يعنى بذلك، إذا كان الناس يحرصون على أن
تزيد أرصدتهم من حطام الدنيا فكيف بالرصيد الذي ينفعه فيه
دار الإقامة؟!
"وحدثني عن مالك عن أبي الزناد ... نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
إيش فيه؟
طالب:. . . . . . . . .
يرغب إياه ومع ذلك إذا عان هو يرغب في الازدياد لكن مع إذا
عاين إيش شايف ورآه؟ نعم؟ إذا عاين ما أعد له يوم القيامة،
ما هو متصور اللي عاين، وليس بمطمئن إلى لما قدمه؛ لأنه
خائف وجل إلى وقت المعاينة فإذا عاين طار شوقاً إلى ما
عاين، والله المستعان، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
(48/19)
إيه بلا شك، {إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا
رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ
عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا
تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا} [(30) سورة فصلت] أما كراهية
الموت فهو أمر جبلي معروف لا يريد الموت لا نبي ولا غيره،
موسى -عليه السلام- لما جاءه ملك الموت صكه، فقأ عينه في
الحديث الصحيح.
"وحدثني عن مالك عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة
-رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال:
((قال رجل لم يعمل حسنة قط)) هذا الرجل كما قيل اسمه:
جهينة، قاله الحافظ وغيره ((لم يعمل حسنة قط إلا التوحيد))
كما في بعض الروايات، يقول: إن هذا الرجل هو أخر من يخرج
من الجنة من النار، جاء في بعض الأخبار، حتى يقول أهل
الجنة: عند جهينة الخبر اليقين، أخر واحد يعطيكم جميع
الأخبار.
طالب:. . . . . . . . .
أسمه، ليس من القبيلة، هو من بني إسرائيل، ليس من هذه
الأمة، لكن هذا الرجل من الأمم السابقة، ليس من هذه الأمة
((لم يعمل حسنة قط إلا التوحيد)) لأنه لو لم يكن عنده
توحيد يحصل له ما حصل؟ فغفر له {إِنَّ اللهَ لاَ يَغْفِرُ
أَن يُشْرَكَ بِهِ} [(48) سورة النساء] وصرح بذلك في بعض
الروايات: أنه لم يعمل إلا التوحيد.
(48/20)
((قال رجل قط لم يعمل حسنة واحدة لأهله:
إذا مت فحرقوه)) الأصل أن يقال هو المتحدث الآن، لكن
الراوي والناقل يكره أن ينسب هذا الكلام له، وهذا من باب
الأدب في الحديث، إذا كان الكلام مما لا ينبغي ذكره لا
ينسبه الإنسان لنفسه، كما في حديث وفاة أبي طالب "فكان أخر
ما قال: هو على ملة عبد المطلب" الأصل أن ينسب ذلك إلى
نفسه، ومثل هذا لا يترتب على التصريح به فائدة، وإلا لو
توقفت الفائدة عليه لا بد من التصريح، يعني في قصة ماعز
الرواة كلهم يقولون: قال ماعز: يا رسول الله إني زنيت، ما
قالوا: إنه زنا؛ لأنه لا بد من الإقرار الصريح ونسبت الأمر
لنفسه؛ ليثبت عليه الحد، هذا من أدب الخطاب ((إذا مات
فحرقوه، ثم أذروا نصفه في البر ونصفه في البحر)) يعني يحرق
ويسحق ويذر نصفه في البر ونصفه في البحر؛ ليكون حسب تصوره
أبعد في أمكان جمعه، يعني لو جمع جميع حرق وذر في مكان
واحد يعني أقرب إلى أن يقال له: يجمع فيجتمع، لكن إذا كان
نصفه في البحر ونصفه في البر على حسب تصور هذا الرجل ((فو
الله لئن قدر الله عليه)) المتبادر من اللفظ أنه من
القدرة، وفي هذا شك من هذا بالقدر الإلهية، كأنه شك في
قدرة الله على جمعه، وقد أختلف العلماء في معنى قوله:
((لئن قدر الله عليه)) فقال بعضهم: هذا رجل جهل بقدرة الله
تعالى وعذر بجهله، والحديث في الصحيحين عذر بجهله، وقال
بعضهم: قدر بمعنى قدّر من القدر، المراد فيه القضاء، لا من
القدرة والاستطاعة، يعني لئن كان الله قدر علي أن يعذبني
ليُعذبني عذاباً لا يعذب به أحد من العالمين من القدر،
وقال بعضهم: لئن قدر الله علي من القَدْر وهو التضيق
والتعسير، {وَمَن قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ} [(7) سورة
الطلاق] يعني ضيق عليه، إن ضيق الله علي ليعذبني، {فَظَنَّ
أَن لَّن نَّقْدِرَ عَلَيْهِ} [(87) سورة الأنبياء]
المقصود أن مثل هذه اللفظة اختلف فيها، على ما سمعنا قَدِر
من القدرة، قدر مخفف من قدّر، وقَدَر أي ضيق، والسياق يدل
على الأول ((فلما مات الرجل فعلوا من أمرهم به، فأمر الله
البر فجمع ما فيه، وأمر البحر فجمع ما فيه، ثم قال: لما
فعلت هذا)) وفي هذا دليل أنه ينبغي أن يُسأل الجاني لما
فعلت، فقد يبدي عذراً
(48/21)
يعذر به، وقد يبدي شيئاً خفي على من أعتبره
جاهل ((لما فعلت هذا قال: من خشيتك)) نحن نقول: عذر بجهله
جهل القدرة، ((فقال: من خشيتك)) أولاً في هذا ما يدل على
أنه مؤمن بالله -جل وعلا-، نعم أنكر القدرة أو جهل القدرة
مع أن بعض أهل العلم يقول: إنه عالم، هذا الرجل من
العلماء، ويأخذ هذا من قوله: من خشيتك: و {إِنَّمَا
يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاء} [(28) سورة
فاطر] فيقولون: هو من العلماء، ((من خشيتك يا رب وأنت
أعلم، قال: فغفر له)) لكن في الخبر ما يدل على جهله، يعني
إنكار القدرة الإلهية دليل على جهلاً عظيماً، يعني كيف
يتصور الرب -جل وعلا- بما يدل عليه من آيات وعبر، وكل ما
يرى ويسمع يدل على قدرته -جل وعلا-، كيف يتصور منه أن يكون
من العلماء ويجهل هذا القدرة؟ فإما أن يقال: هذا عذر بجهله
واغتفر له وشفعت له الخشية العظيمة التي دعته إلى هذا، قد
يقول قائل: إن هذا في شرع من قبلنا، وأما في شرعنا فلا
يصوغ مثل هذا، يعني لو أن شخصاً من الجهال زاول معصية في
غرفة مظلمة في جوف الليل ولا يراه أحد بعيداً عن الناس ولو
في برية مثلاً وقال: من يطلع علي وأنا في هذا المكان؟ هذا
جاهل، هل يعذر من هذا الكلام؟ طيب من الذي دعاك إلى أن
تنفرد عن الناس بعيداً وتفعل هذا؟ قال: خشية الله -جل
وعلا-، أنا أروح مكان بحيث لا يراني، هذا نظير ما في
الباب، هذاك جهل العلم، وهذا جهل القدرة، أما من أنكر
العلم فهذا لا شك في كفره عند أهل العلم، يبقى أنه هل يعذر
في مثل هذه المسائل أو لا يعذر؟ الحديث دليل على العذر
بالجهل في مثل هذه المسألة، وإن كانت المسائل عظام، فهل
يعذر في مثل هذا؟ الحديث في أخره: ((فغفر له)) عذره، يعذر
وإلا ما يعذر؟ الحديث دل على أنه غفر له، لكن الآن لو أنكر
شخص أمر معلوم من الدين بالضرورة القدرة الإلهية أحد
يستطيع أن ينكر القدرة؟ أحد يستطيع أن ينكر إحاطة الله
تعالى بجميع ما يمكن دخوله في حيز العلم؟ يعني الفلاسفة
الذين قالوا: إن الله يعلم الكليات ولا يعلم الجزئيات كفار
باتفاق، كفروا بهذا، الشافعي يقول: ناظروهم بالعلم إن
أنكروا كفروا، وإن أقروا به خصموا، إذا قلنا: إنه لا يعذر
في مثل هذا مع غير
(48/22)
الخشية، قلنا: إنه لا يعذر من الخشية؛ لأن
وجود عمل صالح لا يشفع في عمل مكفر مهما كان، يعني لو كان
شخص من أبذل الناس للمال في وجوه الخير، وعنده مكفر ما
ينفعه {لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ} [(65)
سورة الزمر] المقصود أن الحديث دليل صريح على العذر بمثل
هذا، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
وين؟
طالب:. . . . . . . . .
إيه بلا شك، هنا شفعت له،
لو كان العمل مكفر مثلاً هل ينفعه برهنه بهذه الخشية،
أقول: توجه بهذه الخشية.
طالب:. . . . . . . . .
وين؟
إيه لكن أقول: لو كان هذا العمل مكفر مثلاً هل ينفعه ولو
معتبراً؟ دلنا هذا الحديث لنفع هذا القيد أن هذا العذر
يعذر به، أن هذا الجهل يعذر به وإلا لو كان لا يعذر به
والأمر مكفر ما نفعه شيء، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
إيه، هذا في حق من؟
طالب:. . . . . . . . .
نبي من الأنبياء، {وَذَا النُّونِ إِذ ذَّهَبَ مُغَاضِبًا
فَظَنَّ أَن لَّن نَّقْدِرَ عَلَيْهِ} [(87) سورة
الأنبياء] أهل العلم حملوه على أنه من التضييق لا نفي
القدرة، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
إيه لكن القدرة وما في حكمها مما نفيه كفر.
(48/23)
يقول: "وحدثني عن مالك عن أبي الزناد عن
الأعرج عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى
الله عليه وسلم- قال: ((كل مولود يولد على الفطرة)) " كل
حديث من أحاديث اليوم يحتاج إلى درس لكن نجمل –إن شاء الله
تعالى- "أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((كل
مولود)) " يعني من بني آدم، وإلا مقتضاه يشمل غيرهم، وقد
أختلف السلف كما قال ابن حجر: في المراد بالفطرة في هذا
الحديث على أقول كثيرة، وأشهر الأقوال أن المراد بالفطرة
الإسلام، قال ابن عبد البر: وهو المعروف عند عامة السلف،
وأجمع أهل التأويل على أن المراد بقوله تعالى: {فِطْرَةَ
اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا} [(30) سورة
الروم] الإسلام، قال ابن القيم: ليس المراد بقوله: ((يولد
على الفطرة)) أنه خرج من بطن أمه يعلم الدين؛ لأن الله
يقول: {وَاللهُ أَخْرَجَكُم مِّن بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ
لاَ تَعْلَمُونَ شَيْئًا} [(78) سورة النحل] نعم يعني هل
الإنسان إذا خرج من بطن أمه يذكر العهد والميثاق {أَلَسْتَ
بِرَبِّكُمْ} [(172) سورة الأعراف]؟ حتى ولو كبر يتذكر
هذا؟ لا يتذكر هذا، ومثله هذه الفطرة لكنها شيء موجود في
النفوس، ولكن المراد أن فطرته مقتضية لمعرفة دين الإسلام
ومحبته، فالمراد أن كل مولود يولد على الإقرار بالربوبية،
فلو خلي وعدم المعارض لم يعدل عن ذلك إلى غيره، وقيل:
المراد بالفطرة أصل الخلقة، وهذا رجحه ابن عبد البر، لكن
عامة أهل العلم على أن المراد بها الإسلام بدليل المقابل،
يولد على الفطرة يعني على الإسلام، ثم بعد ذلك ((فأبواه
يهودانه أو ينصرانه)) وفي رواية: ((يمجسانه)) وفي حديث
عياض بن حمار: ((خلقت عبادي حنفاء فاجتالتهم الشياطين))
((فأبواه يهودانه)) أي يجعلانه يهودياً ((أو ينصرانه))
يجعلانه نصرانياً ((كما تناتج)) تناتج بالألف أي تولد،
(48/24)
وفي البخاري: ((كما تنتج البهيمة)) قال ابن
حجر: قال أهل اللغة نتجت الناقة على هذا البناء على صيغة
ما لم يسم فاعله، تنتج وأنتج الرجل ناقته إنتاجاً، فصيغته
صيغة المبني للمجهول ((كما تناتج الإبل من بهيمة جمعاء))
مجتمعة لم يذهب من أجزائها شيء وافية الأطراف ((هل تحس
فيها من جدعاء؟ )) مقطوعة الأنف أو الأذن أو شيء من
الأطراف، جدع منها شيء؟ ما في، "قالوا: يا رسول الله أريت"
يعني أخبرنا عن "الذي يموت وهو صغير" يعني لم يبلغ الحلم
"قال: ((الله أعلم بما كانوا عاملين)) " يقول الحافظ ابن
حجر: الضمير لأولاد المشركين كما صرح به في السؤال، وأما
أطفال المسلمين فنقل النووي الإجماع إجماع من يعتد به من
علماء المسلمين أنهم من أهل الجنة، وتقدمت الإشارة إلى ذلك
في حديث: ((ما من مسلم يموت له ثلاثة من الولد لم يبلغوا
الحنث إلا أدخله الله الجنة)) هذا تقدم يعني إذا كان
بسببهم دخل الجنة فكيف يدخل بسبب من يدخل النار؟! وهذا
تقدم.
"وحدثني عن مالك عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة
-رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال:
((لا تقوم الساعة حتى يمر الرجل بقبر الرجل فيقول: يا
ليتني مكانه)) " أي ميّتاً، قال ابن بطال: يغبط أهل القبور
ويتمنى الموت متى؟ عند ظهور الفتن، يقول: وإنما ذلك لخوف
ذهاب الدين، وغلبت الباطل وأهله، وظهور المعاصي والمنكرات،
الله المستعان، وهذا الحديث لا يعارض حديث النهي عن تمني
الموت، فالنهي من أجل الضر الذي أصابه في بدنه أو من أجل
تحسر على أمور الدنيا هذا منهي عنه ((لا يتمنين أحدكم
الموت لضر نزل به)) أما إذا خيف على الدين فلا، فالفتنة
أشد من القتل، والدين أهم من الحياة، يقول النووي: لا
كراهة في التمني حينئذٍ، بل فعله خلائق من السلف، منهم عمر
بن الخطاب وعمر بن عبد العزيز وغيرهما، فعلوا ذلك حينما
خشوا على أنفسهما فكيف بمن أحدقت به الفتن من كل جانب؟!
(48/25)
يقول -رحمه الله تعالى-: "وحدثني عن مالك
عن محمد بن عمرو بن حلحلة الديلي عن معبد بن كعب بن مالك
-هناك عن عبد الرحمن بن كعب بن مالك وهنا معبد بن كعب بن
مالك- عن أبي قتادة بن ربعي -وقتادة الأنصاري الحارث بن
ربعي- أنه كان يحدث أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-
مُرّ عليه" يعني على الرسول -عليه الصلاة والسلام- بالبناء
للمجهول، قال ابن حجر: ولم أقف على أسم المار ولا الممرور
بجنازته "مُرّ عليه بجنازة فقال: ((مستريح ومستراح منه)) "
الواو هذه بمعنى (أو) التي للتقسيم.
خيّر أبح قسم بـ (أو) وأبهمِ ... . . . . . . . . .
ثم قال:
. . . . . . . . . ... وربما عاقبت الواو. . . . . . . . .
(48/26)
يعني جاءت مكانها، فهنا الواو بمعنى (أو)
ومعناها التقسيم، لكن ألا يمكن أن يكون شخص واحد مستريح
ومستراح منه، يؤذي ويؤذى، مؤذي استراح الناس منه، يؤذى
استراح هو، لكن استراح إلى إيش؟ لأن الراحة نسبية؛ لأن
المستريح من يستريح إلى الجنة، أما من يستريح إلى معاقبته
بأذى هذا ليس بمستريح، "قالوا" يعني الصحابة يقول ابن حجر:
ولم أقف على اسم السائل منهم بعينه "يا رسول الله ما
المستريح والمستراح منه؟ قال: ((العبد المؤمن يستريح من
نصب الدينا)) " يعني تعبها، وفي رواية: ((من أوصاب
الدنيا)) والأوصاب: جمع وصب، وهو دوام الوجع، وهو النصب
أيضاً، بلفظه ومعناه، يعني بوزنه ومعناه، "العبد المؤمن"
يقول ابن التين: يحتمل أن يريد بالمؤمن التقي خاصة، ويحتمل
كل مؤمن، والفاجر يحتمل أن يراد به الكافر، ويحتمل أن يدخل
فيه العاصي، قال الداوودي: أما استراحة العباد فلما يأتي
به من المنكر، واستراحة البلاد فما يأتي به من المعاصي،
فإن ذلك مما يحصل به الجدب فيقتضي هلاك الحرث والنسل،
((المؤمن يستريح من نصب الدنيا وأذاها إلى رحمة الله -جل
وعلا-)) وأذاها من عطف العام على الخاص، الأذى أعم من
النصب والتعب ((والعبد الفاجر يستريح منه العباد والبلاد
والشجر والدواب)) بفجوره لا شك أنه ينقطع أو يتأخر القطر
من السماء الذي بسببه يجهد الناس، وتجهد الدواب فيستروحون
من هذا، العبد المؤمن يستريح بنفسه، لكن الناس بحاجته،
بحاجة إلى نفعه فهو مستريح، وأما الثاني الفاجر مستراح منه
من أذاه سواءً كان المحسوس أو الذي يؤول إلى الحس.
(48/27)
"وحدثني عن مالك عن أبي النضر -سالم بن أبي
أمية- مولى عمر بن عبيد الله -القرشي- أنه قال: قال رسول
الله -صلى الله عليه وسلم- لما مات عثمان بن مضعون" بن
حبيب القرشي الجمحي "ومُر بجنازته عليه -عليه الصلاة
والسلام-: ((ذهبت ولم تلبس منها بشيء)) " يعني مت ولم
تتلبس من أمور الدنيا أو من أعراضها بشيء؛ لأن من تلبس
منها بشيء لا بد أن يقع منه شيء، وفيه مدح الزهد في
الدنيا، وذم الاستكثار منها، والثناء على المرء بما فيه،
قد يقول قائل: إن بعض الصحابة تلبس بشيء من الدنيا، من ولي
الولايات، ابن عباس -رضي الله عنهما- كما في صحيح مسلم لما
جاء السائل يسأل ابن عمر وجهه إلى ابن عباس قال: ذلك رجل
مالت به الدنيا ومال بها، لكن لا يعني أنها من كل وجه، قد
يكون ميلان الدينا به شيء لا يذكر في جانب الحسنات، لا شك
أن الزهد هو المطلوب وهو الأولى، لكن {قُلْ مَنْ حَرَّمَ
زِينَةَ اللهِ الَّتِيَ أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ
وَالْطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ} [(32) سورة الأعراف] من
أراد أن يستعمل المباحات له ذلك {هُوَ الَّذِي خَلَقَ
لَكُم مَّا فِي الأَرْضِ جَمِيعاً} [(29) سورة البقرة] لكن
لا يمنع أن يكون الزهد أكمل، لأن الإنسان لا يضمن نفسه.
هذا الحديث كما ترون عن أبي النضر أنه قال: قال: رسول الله
-صلى الله عليه وسلم- قد وصله ابن عبد البر عن عائشة من
طريق يحيى بن سعيد عن القاسم عن عائشة.
(48/28)
يقول: "وحدثني مالك عن علقمة بن أبي علقمة"
بلال المدني مولى عائشة "عن أمه مرجانة" مولاة عائشة "أنها
قالت: سمعت عائشة زوج النبي -صلى الله عليه وسلم- تقول:
قام رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ذات ليلة" يعني من
عندها من فراشها "فلبس ثيابه ثم خرج، قالت: فأمرت جاريتي
بريرة تتبعه" يعني من الشراح من قال: لتستفيد منه علماً،
قالت لبريرة: اتبعيه تستفيد منه علماً، هذا قاله بعضهم،
وقال آخرون: أرسلت الخادمة مخافة أن يمر ببعض حجر نسائه،
يعني غيرة الضرات تقتضي هذا، نعم هو الظاهر، يعني في أثناء
الليل تبي توقظ الجارية روحي استفيدي علم، يعني فيه بعد،
ما يلزم عائشة -رضي الله عنها- ليست معصومة, وإن ظنت
بالنبي -صلى الله عليه وسلم- هذا الظن من غيرتها، ومثل هذا
الباب يغتفر فيه ما لا يغتفر في غيره، إذا كان الباعث عليه
الغيرة، والنبي -عليه الصلاة والسلام- لم ينكر هذا؛ لأنه
من حقها في نوبتها، وحصل من أزواجه -عليه الصلاة السلام-
ما يحصل من الضرات "فأمرت جاريتي بريرة أن تتبعه فتبعته
حتى جاء البقيع فوقف في أدناه" الأقرب إلى بيوته -عليه
الصلاة والسلام- "ما شاء الله أن يقف، ثم انصرف فسبقته
بريرة فأخبرتني -نعم هذا يرجح المعنى الثاني- فلم أذكر له
شيئاً حتى أصبح" لأنه ما صار مما تخافه شيء "ثم ذكرت ذلك
له، فقال: ((إني بعثت إلى أهل البقيع لأصلي عليهم)) "
والصلاة كما قال ابن عبد البر: يحتمل أنها بمعنى اللغوي
الدعاء والاستغفار، وأن يكون صلاة شرعية كالصلاة على
الأموات خصوصية لهم.
(48/29)
يقول: "وحدثني عن مالك عن نافع أن أبا
هريرة قال: أسرعوا" بقطع الهمز "بجنائزكم" يعني أسرعوا
يحتمل أن يكون المشي بها لدفنها، فيمشى بها فوق المشي
المعتاد بحيث لا يشق على المشيعين فهذا احتمال، ويحتمل
أيضاً أن يكون الإسراع بها بجميع ما يتعلق بها من الإسراع
في تجهيزها، يعني المبادرة بها، وقد جاء الأمر بذلك،
تجهيزها والصلاة عليها، والمشي بها والدفن "أسرعوا
بجنائزكم فإنما هو خير تقدمونه إليه" يعني تقدمون الميت
إليه، أو تقدمونها الجنازة وهذا هو الأقرب والأقيس، لكن
الخبر صحيح بهذا، فالمراد تقدمونه يعني الميت "إليه" أي
إلى الخير "إن كانت صالحة، أو شر تضعونه عن رقابكم إن تكن
سواء ذلك" يعيي غير صالحة، والأمر عند الجمهور يعني
للاستحباب عند جماهير أهل العلم، ونقل الاتفاق عليه، وصرح
ابن حزم بوجوبه، بوجوب الإسراع، الحديث يقول: إن أبا هريرة
قال: أسرعوا، هذا لفظه لفظ الموقوف، وله حكم الرفع، وقد
صرح برفعه، مرفوع في الصحيحين، مصرح برفعه إلى النبي -عليه
الصلاة والسلام-، وفي الحديث ندب المبادرة بدفن الميت، لكن
بعد تحقق موته، لا يجوز الإسراع ولا المبادرة به إذا كان
فيه أدنى احتمال لحياته، ويذكر بعض القصص والحوادث أنهم
أسرعوا في تجهيز بعض الناس فرأوه يتحرك في كفنه، ومنهم من
وجد في الثلاجة يتغير الوضع، فمثل هذا لا يجوز بحال أن
يبادر بالحكم عليه بالموت حتى يقع اليقين بموته، يقول ابن
حجر: وأما مثل المطعون والمفلوج والمسبوت -يعني المصاب
بغشية- فينبغي ألا يسرع بدفنهم حتى يمضي يوم وليلة فيتحقق
موتهم، نبه على ذلك بن بزينة، يعني لا شك أن بعض الأموات
تكون موتته احتمال يعني يغلب على ظن الطبيب يأتي بالآلات
ويقيس النبض، ويقيس ما يطلب قياسه فيحكم بذلك، لكن يتبين
أن الأمر على خلاف ذلك، فمثل هذا إذا قام الاحتمال لا يجوز
الإسراع بدفنه، الإسراع بتجهيزه، حددوا يوم وليلة لكن
الشيخ ابن باز -رحمه الله- في تعليقه على فتح الباري يقول:
التحديد باليوم والليلة فيه نظر، والأولى عدم التحديد، بل
يرجع إلى العلامات الدالة على الموت، فمتى ما وجد منها ما
يدل على يقين الموت اكتفي بذلك وإن لم يمض يوم وليلة،
والله أعلم.
(48/30)
لا شك إذا وصل الأمر إلى حد اليقين ما
الداعي إلى الانتظار؟ وعلى هذا ينبغي أن يوكل تحديد الوفاة
والقطع بها إلى لجنة، ما يترك الأمر لواحد؛ لأن بعض الناس
من طبعه العجلة، يجزم من غير دليل على الجزم، فإذا كانت
لجنة جزموا بأنه مات فقد مات، نعم إذا وجدت العلامات
القطعية، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
كيف؟
طالب:. . . . . . . . .
شر تضعونه، شر تضعونه عن رقابكم إيه، وهو منصوص عليه في
الحديث، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
كيف؟
طالب:. . . . . . . . .
القتال، يعني يجهز ويدفن؟ هو الإشكال .... نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
إيه تجهيزه؟ على كل حال الدفن في القتال له ظروفه سواء كان
من المسلمين أو من الكفار له ظروفه، القتال قد لا يتمكن
المسلمون من دفن قتلاهم، وقد لا يتمكن الكفار من دفن
قتلاهم، هذه أمور تترك لظروفها، لكن في الظروف العادية
الإسراع مطلوب.
يقول: سؤال يتعلق بدرس الموطأ الأخير وتحديداً أخر حديث تم
شرحه هل يدل الحديث على مشروعية الزيادة على ما ورد على أن
النبي -صلى الله عليه وسلم- لم ينكر عليها في عمل الزيادة؟
وكيف نرد على من يستدل بمثل هذا على ما يسمى بالبدع
الحسنة؟
أولاً: ليس في البدع ما يستحسن، والحديث جاء بأن كل بدعة
ضلالة، ما الذي جاء في أخر الحديث؟ ما في إلا حديث
التهليل.
طالب:. . . . . . . . .
لا ما يقصد هذا، ما يقصد شيء جاء في الروايات، لا هو يقصد
في حديث التهليل، لعله يقصد في حديث التهليل وجاء فيه أو
زاد، هذا هو موجود أخر شيء، مثل هذا لو لم يرد تقريره من
النبي -عليه الصلاة والسلام- لقلنا: إنه غير مشروع في هذا
الموطن، وإن كان ذكراً صحيحاً أو حديث صحيحاً، لكن تخصيص
الموطن يدل على عدم المشروعية، لكن اكتسب المشروعية من
إقرار النبي -عليه الصلاة والسلام-، هو له أن يستند إلى
حديث أو زاد، يمكن الذي يشكل على قوله: أو زاد.
طالب:. . . . . . . . .
(48/31)
من قال: لا إله إلا الله وحده لا شريك له
... إلى أخره، كانتا حرز من الشيطان، ولم يأتِ أحد بأفضل
مما جاء به إلا أحد عمل أكثر من ذلك، هذا الذي يشكل على
الأذكار المحددة، هل معنى هذا من قال: "سبحان الله وبحمده
مائة مرة حطت عنه خطاياه وإن كانت مثل زبد البحر، وإن زاد
كان أفضل، يعني مثل ما جاء في معنى لا إله إلا الله؟ أو
نقول: هذا خاصة بلا إله إلا الله والأذكار محددة بعدد محدد
أو بوقت معين أو في مكان أو في موضع لا يتعدى ما وضع له
شرعاً؟ هذا هوا لأصل، لكن في حديث: ((من قال: لا إله إلا
الله)) .. وفي أخره: ((إلا أحد عمل أكثر من ذلك)) يدل على
أن الزيادة لا شك أنها استكثار من الخير وهي أفضل في مثل
هذا الموضع، على ألا يظن الإنسان أن ما عمله أكمل وأفضل
مما وجه به النبي -صلى الله عليه وسلم-، لعلنا نكتفي بهذا.
سم.
طالب:. . . . . . . . .
"ولوالديه" ما وردت في هذا الموطن، فينبغي ألا تقال، لكن
إن دعا لهم في السجود أو بعد الاستعاذة بالله من أربع تخير
من المسألة ما شاء، ودعا لنفسه ولوالديه ما أحب فالأمر فيه
سعة، لكن بين السجدتين يقتصر على الوارد؛ لأنه ليس مواطن
الدعاء المطلق مثل السجود وقبل السلام.
يقول: هل يصوغ لمسلم الزواج من الكتابية مع أنه يكره
الكفار وإن تزوج بكتابية فهو يحبها؟
على كل حال هو مطالب بأن يكرههم وأن يبغضهم بغضاً شرعياً،
كونه يحب الزوجة التي أباح الله له نكاحها محبة جبلية هذا
لا ينافي المحبة الشرعية، توجد المنافاة لو أمرته بشيء
يعوقه عن تحقيق أمر الله -جل وعلا-، أو أمرته بشيء يتضمن
معصية أو نهته عن طاعة، فإن قدم رضاها على رضي الله -جل
وعلا- يكون قد أحبها حباً محرماً، أما كونه يميل إليها
الله الذي جعل بين الزوجين مودة ورحمة.
يقول: عندنا في مصر يكون عقد الزواج في المسجد وجرت العادة
على ذلك وسمعنا بعض العلماء يقولون: إنه بدعة؟
على كل حال الفقهاء يستحبون أن يكون عصر الجمعة وفي
المسجد؛ لأنه مكان فاضل، وزمان فاضل، لكن لا يلزم أن يكون
في المسجد، ولا يعني أنه في المسجد أنه بدعة، الأمر فيه
سعة يعني إن عقد في المسجد فلا بأس، وإن عقد خارجه فلا
بأس.
(48/32)
يقول: هل الضرب على الجدار للمسح على
الخفين يجوز؟ وهل يعتبر من الصعيد حتى وإن كان الجدار
نظيفاً ليس عليه تراب؟
هو يقصد للتيمم، فالتيمم باب خاص بالوجه والكفين، وأما
المسح على الكفين فباب أخر، يمسحان بالماء وليس بالصعيد،
والذي يظهر أنه يريد المسح الذي هو التيمم وأما الخفين
فوهم، ذكرهما وهم، لا يتصور أن الخفين يمسحان في التيمم،
إنما يسأل عن الجدار هل يعتبر من الصعيد، إذا كان عليه
غبار يعلق باليد فلا بأس، وأما إذا كان ليس عليه تراب ولا
يعلق باليد منه شيء فالذي جاء في التيمم {وَإِن كُنتُم
مَّرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاء أَحَدٌ مَّنكُم
مِّنَ الْغَائِطِ أَوْ لاَمَسْتُمُ النِّسَاء فَلَمْ
تَجِدُواْ مَاء فَتَيَمَّمُواْ صَعِيدًا طَيِّبًا
فَامْسَحُواْ بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُم مِّنْهُ} [(6)
سورة المائدة] والذي ليس عليه غبار يعلق باليد ولا يعلق
باليد جزء من أجزائه لا يتصور أنه مسح الوجه واليدين
والكفين منه شيء، فلا بد أن يكون عليه شيء، تصور مثلاً أن
يكون ما على وجه الأرض رخام أو سيراميك مغسول ما عليه شيء
مثل هذا ما يعلق باليد منه شيء، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
الفراش في الغالب يصير منه شيء، أسهل من البلاط المغسول،
على كل حال لا بد أن يكون منه شيء، لا بد أن يبقى منه أثر
يمسح منه الوجه والكفان.
هذا يقول: الشباب عندنا في مصر لا يقبل في الجيش إلا إذا
حلقوا لحاهم، حتى المعافى منهم من الجيش ويترتب على ذلك في
كل تفتيش يجب إبراز الموقف التجنيدي له فإذا لم يفعل سجن
فتصبح حياته مهددة بالسجن إضافة أنه يمنع من السفر لا
أقول: من دولته بل من محافظته، ويترتب عليه التعب في إيجاد
عمل للتكسب منه وبعض المضايقات الكثيرة، فهل يجوز في هذه
الحالة حلق اللحية؟
(48/33)
حلق الحية حرام، بل نقل الإجماع على أنه
حرام، بل صرح جمع من أهل العلم أنه كبيرة من كبائر الذنوب
لأنه مجاهرة بالمعصية، وإصرار، ومخالفة للأوامر الصريحة من
التوفير والإعفاء والإكرام للحية فهو حرام، حلقها حرام،
لكن يبقى أن المكره معذور، وإذا كان معذوراً على أن يقول:
كلمة الكفر تحت التهديد والإكراه {إِلاَّ مَنْ أُكْرِهَ
وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإِيمَانِ} [(106) سورة النحل]
فمن حلقها تحت التهديد والإكراه فمعذور –إن شاء الله
تعالى- ولا شيء عليه، لكن لا يعذر نفسه بظنون أو أوهام غير
حقيقية، بل إذا غلب على ظنه أن يتعرض لمثل هذه الأمور، بل
إذا تعرض لمثل هذه الأمور يكون مكرهاً، وإن ارتكب العزيمة
وصبر وتحمل ما يناله بسبب محافظته على هذه الشعيرة فأجره
أعظم –إن شاء الله تعالى-، إذا أمكنه أن يدفع مقابل وهذا
لا يشق عليه ما يخالف، {لاَ يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلاَ
يَهْتَدُونَ سَبِيلاً} [(98) سورة النساء] فإذا وجدت
الحيلة للتخلص من فعل المحرم جيد.
اللهم صل وسلم وبارك على عبدك ورسولك محمد وعلى آله وصحبه
أجمعين.
(48/34)
|