شرح الموطأ عبد
الكريم الخضير بسم الله الرحمن الرحيم شرح بسم الله
الرحمن الرحيم
شرح: الموطأ - كتاب الجهاد
(1)
باب: الترغيب في الجهاد - باب: النهي على أن يسافر بالقرآن
إلى أرض العدو - باب: النهي عن قتل النساء والولدان في
الغزو.
الشيخ: عبد الكريم الخضير
سم.
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا
محمد وآله وصحبه أجمعين.
اللهم اغفر لشيخنا والحاضرين والسامعين برحمتك يا أرحم
الراحمين.
قال المؤلف -رحمه الله تعالى-:
كتاب: الجهاد
باب: الترغيب في الجهاد
حدثني يحيى بن يحيى عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة
-رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال:
((مثل المجاهد في سبيل الله كمثل الصائم القائم الدائم
الذي لا يفتر من صلاة، ولا صيام حتى يرجع)).
وحدثني عن مالك عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة -رضي
الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((تكفل الله
لمن جاهد في سبيله لا يخرجه من بيته إلا الجهاد في سبيله،
وتصديق كلماته أن يدخله الجنة، أو يرده إلى مسكنه الذي خرج
منه، مع ما نال من أجر أو غنيمة)).
وحدثني عن مالك عن زيد بن أسلم عن أبي صالح السمان عن أبي
هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-
قال: ((الخيل لرجل أجر، ولرجل ستر، وعلى رجل وزر، فأما
الذي هي له أجر فرجل ربطها في سبيل الله، فأطال لها في مرج
أو روضة، فما أصابت في طيلها ذلك من المرج، أو الروضة كانت
له حسنات، ولو أنها قطعت طيلها ذلك فاستنت شرفاً أو شرفين
كانت آثارها وأرواثها حسنات له، ولو أنها مرت بنهر فشربت
منه، ولم يرد أن يسقي به كان ذلك له حسنات، فهي له أجر،
ورجل ربطها تغنياً وتعففاً، ولم ينس حق الله في رقابها ولا
في ظهورها، فهي لذلك ستر، ورجل ربطها فخراً ورياء ونِواء
لأهل الإسلام فهي على ذلك وزر)).
وسئل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن الحمر، فقال: لم
ينزل علي فيها شيء إلا هذه الآية الجامعة الفاذة، {فَمَن
يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ * وَمَن
يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ} [(8) سورة
الزلزلة].
(90/1)
وحدثني عن مالك عن عبد الله بن عبد الرحمن
بن معمر الأنصاري عن عطاء بن يسار أنه قال: قال: رسول الله
-صلى الله عليه وسلم-: ((ألا أخبركم بخير الناس منزلاً؟
رجل آخذ بعنان فرسه يجاهد في سبيل الله، ألا أخبركم بخير
الناس منزلاً بعده؟ رجل معتزل في غنيمته يقيم الصلاة،
ويؤتي الزكاة، ويعبد الله لا يشرك به شيئاً)).
وحدثني عن مالك عن يحيى بن سعيد، قال: أخبرني عبادة بن
الوليد بن عبادة بن الصامت عن أبيه عن جده قال: بايعنا
رسول الله -صلى الله عليه وسلم- على السمع والطاعة في
اليسر والعسر والمنشط والمكره، وأن لا ننازع الأمر أهله،
وأن نقول أو نقوم بالحق حيثما كنا لا نخاف في الله لومة
لائم.
وحدثني عن مالك عن زيد بن أسلم، قال: كتب أبو عبيدة بن
الجراح إلى عمر بن الخطاب ذكر له جموعاً من الروم وما
يتخوف منهم فكتب إليه عمر بن الخطاب، أما بعد: فإنه مهما
ينزل بعبد مؤمن من منزل شدة يجعل الله بعده فرجاً، وإنه لن
يغلب عسر يسرين، وأن الله تعالى يقول في كتابه: {يَا
أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اصْبِرُواْ وَصَابِرُواْ
وَرَابِطُواْ وَاتَّقُواْ اللهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ}
[(200) سورة آل عمران].
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده
ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين، أما بعد:
كما يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-:
بسم الله الرحمن الرحيم
باب: الجهاد
(90/2)
الكتاب مر التعريف به مراراً، والجهاد مصدر
جاهد يجاهد مجاهدة، والمراد به بذل الجهد، واستغراق الوسع
في مجاهدة ومقاتلة الكفار، كما أن الاجتهاد في مسائل
العلم، وبذل الجهد، واستغراق الوسع، واستنباط الأحكام من
أدلتها، ولا يطلق الجهاد إلى على ما فيه مشقة، لا يطلق على
الشيء اليسير الهين جهاد؛ لأنهم كما يقولون: اجتهد في حمل
الرحى، ولا يقولون: اجتهد في بحمل نواة مثلاً، أو حمل قلم؛
لأن هذه المادة الأصل فيما فيه مشقة ومن أعظم ما يشق على
الإنسان بأن يبذل مهجته فداء لدينه، هذا أمر شاق، وأيضاً
بذل النفس، وبذل الجهد في العلم وتحصيله واستنباط الأحكام
من أدلتها لا شك أن هذا شاق، فمن هذه الحيثية قيل له جهاد،
وهناك جهاد في غير هذين البابين في غير مقارعة الأعداء
ومجاهدتهم، وفي غير تحصيل العلم ونيل أسبابه، أيضاً هناك
جهاد للنفس، جهاد للشيطان، والجهاد كما يكون بالسنان يكون
باللسان أيضاً وبالمال، وأكثر النصوص بالجهاد تقدم المال
عن النفس أكثر النصوص الواردة تقدم المال عن النفس، وأيضاً
هناك من أنواع الجهاد الجهاد باللسان، كما جاء في الحديث:
((جاهدوا الكفار بأنفسكم وأموالكم وألسنتكم)) كل هذا جهاد،
وفي بعض النسخ تقديم البسملة على كتاب الجهاد، وفي بعضها
تأخيرها عن كتاب الجهاد، والأمر كما ذكرنا مراراً، كما
يحصل ذلك في كتاب البخاري أيضاً، ولكل منهما وجه، فمن قدم
البسملة هذا هو الأصل أن يبدأ بالبسملة، ومن قدم الترجمة
عن البسملة قال: إن الترجمة بمنزلة اسم السورة والبسملة
بعدها، والأمر -كما قلنا- سهل.
يقول -رحمه الله تعالى-:
باب: الترغيب في الجهاد
طالب:. . . . . . . . .
لا لا هذه ما هي من الكتاب أصلاً، لا لا هذا المحقق،
باعتبار أن الكتاب كتاب حديث، لتبين للناس.
طالب:. . . . . . . . .
لا لا ليست من الموطأ.
طالب:. . . . . . . . .
لا لا هذه من المحقق، ليست من الموطأ، ولذا لا تجدونها في
طبعات قبل طبعات فؤاد عبد الباقي، الطبعات التي قبلها ما
توجد.
باب: الترغيب في الجهاد
(90/3)
يعني والحث عليه, وما جاء في نصوص الكتاب
والسنة المتوافرة المتظاهرة الصحيحة الصريحة في الترغيب
فيه، والحث عليه، وأيضاً سيأتي ترجمة متأخرة بهذا اللفظ،
باب الترغيب في الجهاد، ترجمة رقم (18) في الحديث (39) وما
يليه، باب الترغيب في الجهاد، والأصل أن يضم هذا الباب
المتأخر إلى الباب المتقدم، يعني تجعل هذه النصوص في باب
واحد تحت ترجمة واحدة، وسيأتي -إن شاء الله- الكلام على
الترجمة الثانية.
(90/4)
قال -رحمه الله-: "حدثني يحيى عن مالك عن
أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة أن رسول الله -صلى الله
عليه وسلم- قال: ((مثل المجاهد في سبيل الله كمثل الصائم
القائم الدائم الذي لا يفتر من صلاة ولا صيام حتى يرجع)) "
لأنهم بمجرد خروجه من بيته لا يخرجه من بيته إلا الجهاد في
سبيل الله إلى أن يرجع وهو في سبيل الله، وتكتب له حسناته
كمثل الصائم القائم الذي لا يفتر من صيام ولا من قيام، ولا
شك أن هذا فضل عظيم أن يكتب له الأجر وهو قائم، الأجر وهو
نائم، الأجر وهو جالس، الأجر وهو في أمور مباحة ما دام لا
يخرجه إلا الجهاد في سبيل الله، فأجره دائم مستمر لا ينقطع
ما لم يقطع هذا الأجر ويحرم نفسه منه بإتيانه بما ينافيه
ويناقضه، إما قطع للنية، أو استعمال هذا الوقت في ما حرم
الله عليه؛ لأنه لا يمكن أن يستمع في وقت واحد طاعة ومعصية
في آن واحد، وإن كان بعضهم يقول: إن الجهة يبالغ في هذا
ويقول: إن الجهة منفكة يمكن يكتب مجاهد وهو عاصي، كما ذكر
ابن العربي في عارضة الأحوذي أنه قد يجتمع قوم للشرب في
بيت فيسقط عليهم البيت فيموتون، عليهم إثم الشرب، ولهم أجر
الشهادة، لا شك أن هذه مبالغة في انفكاك الجهة، يعني مثل
ما قال بعض الأشعرية: إنه يجب على الزاني غض بصره بالمزني
بها، يعني المبالغة إلى هذا الحد في انفكاك الجهة يقابله
مبالغة الظاهرية في أن كل محرم يبطل العمل، أي عمل محرم
يبطله، يعني لو صليت وبيدك خاتم ذهب صلاتك باطلة، الصلاة
باطلة، عليك عمامة حرير الصلاة باطلة، لكن أحياناً الجهة
يمكن أن تنفك، وأحياناً لا يمكن أن تنفك متى تنفك؟ إذا كان
النهي عائد إلى أمر خارج عن هذه العبادة، مثل ما قلنا:
خاتم ذهب أو عمامة حرير، لكن إذا كانت الجهة لا يمكن أن
تنفك بأن عادت النهي إلى ذات المنهي عنه، أو إلى شرطه،
فمثلاً قاتل بسيف مسروق هذا يمكن فك الجهة؟ يمكن أن تنفك
الجهة؟ لا يمكن أن تنفك الجهة، لكن لو سرق مالاً اشترى به
ماء يمكن أن يستعمله للصلاة، أو يستعمله للشرب، يستعمله
للطبخ، هذا قالوا: يمكن أن تنفك الجهة مع أن بعضهم قد يرى
أن مثل هذا داخل في المؤثر، فإذا عاد النهي إلى ذات المنهي
عنه، أو إلى شرطه، فإن العبادة أو العقل
(90/5)
يبطل، بخلاف ما إذا عاد النهي إلى أمر
خارج.
قال: "حدثني عن مالك عن أبي الزناد عن الأعرج أن رسول الله
-صلى الله عليه وسلم-: ((تكفل الله)) " يعني ضمن ((الله
-جل وعلا- لمن جاهد في سبيله لا يخرجه من بيته إلا الجهاد
في سبيله)) لا يخرجه من بيته إلا الجهاد في سبيله بهذا
الشرط، كما جاء نظيره في الصلاة ((لا ينهزه إلا الصلاة،
فإن له في كل خطوة حسنة)) وهنا لا يخرجه من بيته إلا
الجهاد في سبيله، الجهاد فقط دون التشريك، أما إذا جاهد،
وأظهر للناس الجهاد، وهو في الحقيقة إنما جاهد واجتهد وبذل
وسعه ليقال شجاع، فهذا أحد الثلاثة الذين هم أول من تسعر
بهم النار، هذا لا يخرجه إلا الجهاد في سبيله، لكنه مع ذلك
التفت إلى شيء من أمور الدنيا، يعني في نفسه أنه في الأصل
خرج لإعلاء كلمة الله، وأن تكون كلمة الله هي العليا، ولا
يمنع أن يقصد بذلك شيء من أمور الدنيا كالغنيمة، أو ما
أشبه، على ما سيأتي الخلاف فيه، قال: ((وتصديق كلماته أن
يدخله الجنة)) يعني إن مات يدخله الجنة ((أو يرده إلى
مسكنه الذي خرج منه مع ما نال من أجر أو غنيمة)) يدخله
الجنة هذا إذا قتل في سبيل الله، أو يرده تقسيم، قسم يقتل
فيدخل الجنة، وقسم يسلم فلا يقتل يرد إلى مسكنه الذي خرج
منه، يرد مع ما نال من أجر أو غنيمة، (أو) هذه في قوله:
((أجر أو غنيمة)) يحتمل أن تكون للتقسيم، فإذا كان الغنيمة
قسيمة للأجر قلنا له: إن غنم لا أجر له، وإن لم يغنم عاد
بالأجر، وهل هذا الكلام مستقيم؟ مع ما جاء في خصائص هذه
الأمة أنها أحلت لها الغنائم، والنبي -عليه الصلاة
والسلام- يسوق مثل هذا الكلام ليبين شرف هذه الأمة ومزيتها
على غيرها، نقول: الغنيمة قسيمة للأجر فمن غنم لا أجر له؟
لكن أجر أو غنيمة، أو نقول: إن من أجر التنكير هنا
للتعظيم، من أجر عظيم، إذا لم يغنم أو أجر مع الغنيمة، أو
أقل منه في مقابل الغنيمة، كل هذا قيل من قبل أهل العلم،
والمسألة لا شك أنها فيها شيء من الإشكال، إذا قلنا: إن
(أو) هذه للتقسيم، وإذا قلنا: إنها بمعنى الواو "وربما
عاقبت الواو" كما يقول ابن مالك، فيكون مع ما نال من أجر
وغنيمة، وهذا متجه.
طالب:. . . . . . . . .
هاه؟
(90/6)
طالب:. . . . . . . . .
كيف؟
طالب:. . . . . . . . .
حقق الأهداف؟ يكون الذي غنم له أجره، ومع ذلك استعجل شيئاً
من دنياه، ويرد على هذا كما أورد الشراح أيهما أفضل من شهد
بدر وغنم، أو من شهد أحد ولم يغنم؟ أيهما أفضل؟ بدر أفضل،
بلا شك، وما يدريك لعل الله اطلع على أهل بدر فقال:
((اعملوا ما شئتم))؟ ومن شهد بدراً وغنم أفضل ممن شهد أحد
ولم يغنم، ((مع ما نال من أجر أو غنيمة)) نظيره من حج
مريداً الحج فقط، ومن حج مريداً الحج ومع ذلك يبتغي من فضل
الله، هل يقدح هذا في حجه؟ لا يقدح هذا في حجه، لكن هل
نقول: إن من حج للحج فقط أفضل ممن حج للحج وغيره من فضل
الله؟ لا شك أن من تمحض عمله لله -جل وعلا- أفضل ممن شركه
شيء أخر، لكن الكلام في هذا الشيء الذي شرك به، هل يؤثر من
حيث نقص الأجر؟ هذا ما فيه إشكال، لكن من حيث أنه يقضي
عليه، يأتي عليه بالبطلان، لا أبداً، ولذلك أحلت الغنيمة،
وما أبيحت وتمدح بإباحتها، وجعل من خصائص هذه الأمة إلا
لأن ملاحظتها لا تؤثر في أصل المقصد، إنما من جاهد لتكون
كلمة الله هي العليا فهو في سبيل الله، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
هذا الأصل، لا يخرجه إلا الجهاد، هو ما نظر إلى الغنيمة
أصلاً، في الأصل، لكن حصلت له الغنيمة يردها وإلا ما
يردها، إن نظر قل أجره، والحكم للغالب عند أهل العلم، مع
أن ملاحظة أمر الدنيا أسهل من ملاحظة مراءاة الناس، بلا شك
يعني يرد على هذا ما ترجم بها أهل العلم: باب ما جاء من
إرادة الإنسان بعمله الدنيا، يعني يدخل فيه من خرج للغنيمة
فقط، من خرج للغنيمة فقط فهذا داخل، لكن من خرج لتكون كلمة
الله هي العليا، ومع ذلك قال: إن جاء شيء مما يستعان به
على طاعة الله قد يؤجر عليه، إذا كان قصده الاستعانة به
على يرضي الله -جل وعلا-، فالأمور بمقاصدها.
طالب:. . . . . . . . .
يقل أجره.
طالب:. . . . . . . . .
إذا قتل فهو شهيد.
طالب:. . . . . . . . .
. . . . . . . . . ولذلك الذي رجحه ابن القيم إن أفضل
المكاسب الغنائم، أفضل المكاسب على الإطلاق الغنائم؛ لأنها
هي كسب النبي -عليه الصلاة والسلام-.
طالب:. . . . . . . . .
(90/7)
ما يلزم قد يقر في قلب هذا الذي غنم من
إرادة أعلاء كلمة الله ونصر دينه أعظم بكثير مما وقر في
قلب الثاني الذي لم يغنم، فهذه أمور متفاوتة، قد يكون
الإنسان والذي بجواره في الصلاة في المسجد في حال الرخاء
الذي يتصرف الإنسان على مقتضى نظره، ويستطيع أن يوازن بين
أموره، في حال الرخاء يكون بينهما كما بين السماء والأرض،
فيكف بمثل تلك الظروف التي قد يتصرف الإنسان غير مقتضى
نظره التام.
طالب:. . . . . . . . .
نعم هذا مشكل، لكن قد يقال: إنه بالنسبة لهؤلاء كل إنسان
في هذا المجال لا يمكن أن يساويه إنسان من كل وجه سواء غنم
أو لم يغنم؛ لأن هذه أمور تقديرها عند الله -جل وعلا-؛ لأن
هذا مرده إلى قوة الإخلاص، وصدق المقصد لله -جل وعلا-، بعض
الإنسان ترده أمور الدنيا ولا تنقصه من حياته شيء، كما جاء
في حديث الصحابي: منا من تعجل، فتحت له الدنيا فهو يهدبها،
مثل مصعب بن عمير ... إلى آخره، لا شك أن الدنيا لها أثر
على الآخرة، وهي ضرتها، لكن يبقى أن هذه أمور قد تكون
معارضه بما هو أقوى من ذلك، قد ينوي بها قتل الكفار، قد
ينوي بها الاستعانة بما يرضي الله -جل وعلا- فتكون في
ميزان حسناته.
(90/8)
قال: "وحدثني عن مالك عن زيد بن أسلم عن
أبي صالح السمان عن أبي هريرة أن رسول الله -صلى الله عليه
وسلم- قال: ((الخيل لثلاثة لرجل أجر، ولرجل ستر، وعلى رجل
وزر)) " ثلاثة، قسمة ثلاثية ((لرجل أجر)) يعني يؤجر على
اقتنائها ((ولرجل ستر)) لا يؤجر عليها لذاتها، ولا يأثم
باقتنائها، الثالث لا يؤجر عليها، بل يأثم باقتنائها،
التفصيل: ((فأما الذي له أجر فرجل ربطها في سبيل الله))
مجهزها للغزو، جهزها للغزو، سواء كان بنفسه أو بإعارتها
لغيره ((ربطها في سبيل الله، فأطال لها في مرج أو روضة))
أطال لها الحبل الذي تربط به ((في مرج)) يعني مكان فيه كلأ
وعشب، وهو في الغالب يكون منخفض ((أو روضة)) تكون مرتفعة
((فما أصابت في طيلها ذلك من المرج أو الروضة كان له
حسنات، ولو أنها قطعت طيلها)) الحبل هذا ((طيلها ذلك
فاستنت -جرت- شرفاً أو شرفين)) يعني شوطاً أو شوطين، سواء
كان مرتفعاً كما هو المحل، كما هو شأن المحل المشرف شوطاً
أو شوطين ((كانت آثارها -أقدامها على الأرض- وأرواثها
حسنات له)) لماذا؟ للنية العامة، التي من أجلها اقتنى هذا
الخيل وربطه، وهو أنه في سبيل الله ((ولو أنها مرت بنهر
فشربت منه، ولم يرد أن يسقي به)) يعني من غير نية، حديث
عمر: ((إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى)) هذا
ما ورد أن يسقي، ما أراد أن يسقي ولا قصد ولا نوى لها أن
تستقي، ومع ذلك كان ذلك له حسنات اكتفاء بالنية العامة،
يعني الإنسان إذا اشترى كتاب، ووضعه في المسجد لمن يقرأ
فيه أو مصحف تكفي هذه النية في تحصيل أجر كل من قرأ فيه،
هل يلزم أن نقول: ينوي كل من قرأ فيه أن ينوي به المُوقِف،
يعني يجلس عند هذا الكتاب، ثم إذا رفعه فلان ونظر فيه نوى
أن يقرأ فيه ليؤجر؟ نيات تفصيلية ما تلزم، تكفي النية
العامة، فهي له أجر، هذا الذي ربطها في سبيل الله له أجر.
(90/9)
((ورجل ربطها تغنياً وتعففاً)) ليستغني بها
عن سؤال الناس، بإجارتها مثلاً، يؤجرها يحمل عليها
((تغنياً وتعففاً، ولم ينس حق الله في رقابها، ولا في
ظهورها)) لم ينس زكاتها إذا أعدها للتجارة، أو لم ينس زكاة
ريعها إذا أعدها للإجارة، أو إعارتها على إن في المال حق
سوى الزكاة ((في رقابها ولا في ظهورها)) فهي لذلك ستر، هذا
يستتر بها عن سؤال الناس، ويستعف بها عن مسألتهم، ورجل إذا
نوى بهذا الاستتار، وهذا التعفف أن يستتر بها عن سؤال
الناس الذين جاءت النصوص بذمه، أو يستغني بها في تأمين
نفقته، ونفقة من يمون ويقوت بهذا النية يؤجر عليها.
((ورجل ربطها فخراً ورياء، ونواء للإسلام)) وهذا التقسيم
يأتي على كثير من أمور الدنيا، يعني شخص فتح محل تجاري، ما
الذي يقصده من المحل التجاري هذا؟ إذا قصد بذلك التيسير
على الناس وإنظار المعسرين، والتصدق من هذا المحل يؤجر على
هذه النية العامة، لكن إذا قصد بذلك استغلال الناس، أو قصد
بذلك مجرد التعفف به والاسترزاق منه، كل على نيته.
((ورجل ربطها فخراً)) يفتخر به على الناس ((ورياء ونواء
لأهل الإسلام)) مثل السيارات الفارهة، كثير من الناس تجده
يسلك المسالك غير المرضية لتحصيلها، إما باستدانة تجعله
يضيق على نفسه، وعلى من تحت يده، من أجل أن يقال فخراً:
يركب السيارات الكذا الفارهة، عاد عندهم أسماء لها، قد لا
نستوعبها، المقصود أنه في كثير من السيارات الباهضة
الأثمان الكثير ممن يشتريها -لا نقول: الجميع- إنما يركبها
فخراً ورياء، هذا عليه وزر، لا سيما إذا كانت على حساب شيء
من الواجبات.
(90/10)
((ونواء لأهل الإسلام)) نواء يعني عداء
ومناوأة لأهل الإسلام، يستغل بها الفرص، كما أنه يوجد من
يشتري بعض السيارات الفارهة يقتنص بها من يشاء، بعضهم
يشتري السيارة بخمسمائة ألف، بستمائة ألف، من أجل إيش؟ إذا
رآها من رآها ممن ضعفت نفسه إما امرأة عرفت بشيء من
التساهل بالركوب مع الآخرين، أو صبي؛ لأن هذه الأمور مثل
ما يحدث الآن في كثير من تصرفات الناس تجده إنما يفعل هذا
من أجل أن يقتنص به بعض الضعاف ضعاف النفوس، هذا موجود هذا
أيضاً نواء لأهل الإسلام، لا يلزم أن يكيد للإسلام
بالكلية، وإنما يكيد لهؤلاء المغفلين.
طالب:. . . . . . . . .
ما يلزم اجتماع، إذا ربطها فخراً ورياء هذا معروف أنه يأثم
به، وهي عليه وزر، وكذلك نواء لأهل الإسلام نسأل الله
العافية.
قال: ((فهي على ذلك وزر)) يعني في وقت ... بعض الناس، بعض
السماسرة الآن تجد ما عنده شيء ألبتة، ثم بعد ذلك يشتري
سيارة يستدين لمدة عشر سنوات أقساط لهذه السيارة من أجل
إيش؟ يقتنص بها الزبائن؛ لأن الناس يرتاحون في تجاراتهم
لمن مظهره التجارة، ويظنون به أنه كفء لأن يعطى الأموال
يضارب بها، يعني لو جاءك شخص على سيارة بنصف مليون مثلاً،
وقال: أنا عندي تجارة وهات ما عندك ندخله في تجارتنا، ولك
نصيبك من الربح بقدر مالك، أو جاءك شخص على سيارة تالفة لا
شك أنك سوف تثق بالأول أكثر من الثاني، تقول هذا إيش عرفه
للتجارة؟ لو كان عنده تجارة كان اشترى سيارة تنقل رجله،
ويتخذونها لهذا الأمر، تجده ما عنده شيء أصلاً، ويستدين
لمدة عشر سنوات، أقساط لهذا الهدف، ولو لم يكن نواء وعداء
لأهل الإسلام إنما تغرير بهم، هذا يغرر بمثل هؤلاء.
(90/11)
((فهي على ذلك وزر)) وسئل رسول الله -صلى
الله عليه وسلم- عن الحمر" يعني ماذا لمن يقتني الحمر؟ أو
ماذا عليه؟ هل هي مثل الخيل؟ هل الحمر مثل الخيل لثلاثة؟
الرسول -عليه الصلاة والسلام- لا قال: نعم ولا لا، ما قال:
نعم ولا لا، لماذا؟ لدخولها في عموم الآية: {فَمَن
يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ * وَمَن
يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ} [(7 - 8) سورة
الزلزلة] لو عندك حمار وأنت في طريقك وجدت رجلاً بحاجه إلى
مساعدة معه متاع حملته وحملت متاعه لك أجر، هذا من الخير
الذي تعمل، لكن إذا قصدت بها الإضرار مثلاً ربطتها في
مجالس الناس، ظل ينتفع به الناس، وتركتها تبول وتروث فيه،
وهذا قصدك وهذا من همك، هذا عليك وزر؛ لأن هذا شر.
يقول: "وسئل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن الحمر،
فقال: ((لم ينزل علي فيها شيء إلا هذه الآية الجامعة
الفاذة)) " فالعموم يعمل به ما لم يرد ما يخصصه، العموم
يعمل به حتى يرد ما يخصصه {فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ
ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ} [(7) سورة الزلزلة] نكرة في سياق
الشرط فتعم، {وَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا
يَرَهُ} [8) سورة الزلزلة] كذلك، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
الآن عندنا التنصيص على الخيل، والرسول -صلى الله عليه
وسلم- سئل عن الحمر، فأجاب بهذه الآية الجامعة الفاذة التي
تجمع الحمر والبغال والسيارات والطائرات، وكل ما يمكن أن
ينتفع به، إذا أراد بها خير أجر، وإن أراد بها شر صارت
عليه وزر، إن فعل فيها خير أجر عليه، وإن فعل فيها شر أثم
به.
قال -رحمه الله-: "حدثني عبد الله بن عبد الرحمن بن معمر
الأنصاري عن عطاء بن يسار أنه قال: قال رسول الله -صلى
الله عليه وسلم-: ((ألا أخبركم بخير الناس منزلاً؟ )) " في
الدنيا وإلا في الآخرة؟ أو في الدارين؟ نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
كيف؟
طالب:. . . . . . . . .
إيش معنى الخيرية هنا؟ يعني الأفضل؟
(90/12)
على كال حال المرد كله إلى أمر الآخرة؛
لأنه قد يكون بالنسبة لمقاييس الدنيا رجل الذي بعده رجل
معتزل في غنيمته قد لا يكون هذا خير الناس منزلاً بالنسبة
للدنيا، وإنما كفى الناس عن شره، صار من خير الناس منزلاً
يوم القيامة، فالمرد إلى الآخرة على كال حال، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
((يوشك أن يكون خير مال الرجل غنم يتبع بها شعف الجبال)).
طالب:. . . . . . . . .
إيه لكن هذه الخيرية هل نقول: إنها بالنسبة لمقاييس الدنيا
الذي يتعرض للبرد والشمس والحر وشظف العيش أفضل من الذين
في البيوت من حيث الدنيا لا، إنما المقصود في الآخرة، هو
أسلم ممن يخالط، ويأتي هذا في العزلة والخلطة.
((ألا أخبركم بخير الناس منزلاً؟ رجل آخذ بعنان فرسه))
يعني بلجام فرسه ((يجاهد في سبيل الله)) هذا لا شك أنه من
خير الناس، هذا بالنسبة لمن يجاهد في سبيل خير الناس.
(90/13)
((ألا أخبركم بخير الناس منزلاً بعده؟ ))
الذي يليه ((رجل معتزل في غنيمته، يقيم الصلاة، ويؤتي
الزكاة، ويعبد الله لا يشرك به شيئاً)) أما فضل الجهاد
فجاءت به النصوص هذا لا شك أنه من أفضل المنازل، أما
بالنسبة للعزلة فلا شك أنها في أوقات الفتن التي يخشى أن
يتعدى شرها وضررها على الإنسان فالعزلة خير له، وإلا
فالخلطة أفضل، الذي يخالط الناس ويصبر على شرهم أفضل بكثير
ممن يعتزلهم ولا يصبر عليهم، لكن المسألة في أوقات الفتن
التي يخشى أن تتعدى هذه الفتن إلى الشخص، فمثل هذا عليه أن
أو الأفضل له أن يعتزل، والناس لا شك أنهم يتفاوتون في هذا
المقام، فبعض الناس العزلة له خير مطلقاً، وبعضهم الخلطة
خير له مطلقاً، فالذي يستطيع أن يؤثر في الناس ينفع الناس،
هذا الخلطة أفضل له، بحيث لا يتأثر بما هم عليه من شرور،
والذي لا يستطيع أن يؤثر وهو قابل للتأثر، مثل هذا يقال
له: اعتزل، وللخطابي أبي سليمان حمد بن محمد الخطابي
البوستي، المعروف صاحب معالم السنن، له كتاب في العزلة،
جمع فيه النصوص في الطرفين، ووازن بينها، على كل حال كل
إنسان يعرف من نفسه تأثره وأثره في غيره، لو أن إنسان عنده
شيء من العلم ينفع الناس هل يقال له: اعتزل؛ لأن الزمن زمن
فتنة؟ نعم إذا خشي من بعض ما عنده من علم أن يؤثر في الناس
أثراً غير مناسب، كما كان أهل العلم يمنعون من يدرس إذا
خشي أن يخلط، إذا خشي عليه التخليط منع، وجعل في بيته لا
يخالط الناس، فهذا له حكم، لكن الإنسان الذي نفع الله به،
يعلم الناس الخير هل يقال له: اعتزل باعتبار أن خير الناس
بعد المجاهد الذي يعتزل في غنيمته؟ اعتزل في غنيمتك، قل:
لا، الخلطة والعزلة تختلف من شخص إلى آخر، فبعض الناس
مخالطته للناس أفضل، وبعضهم عزلته اعتزاله للناس أفضل،
والشراح منذ القرن الثامن والتاسع كأنهم يطبقون على أن
العزلة أفضل مطلقاً، ويعلقون لقولهم الاستحالة خلو المحافل
عن المآثم، عن المعاصي، عن المنكرات، وواقع الناس اليوم لا
شك أن المنكرات موجودة وبكثرة وظاهرة، لكنها في أماكن دون
أماكن، فبالإمكان أن يعتزل الإنسان وهو في بلد بلد كبير،
يعني كثير من الأحياء ليس فيها كثير من المنكرات، وبعض
المحلات
(90/14)
والأسواق، وأمور الناس وبعض محافل الناس
العامة لا تسلم من منكرات، هل نقول لطالب العلم أو لغيره
ممن يريد نجاة نفسه نقول: لا تنزل إلا الأماكن التي فيها
المنكرات، واعتزل بالأحياء التي تسلم من المنكرات، أو
نقول: انزل إلى هذه المحلات التي تشتمل على المنكرات،
وأنكر وغير بقدر استطاعتك، نعود إلى المسألة الأولى: إن
كان ممن يستطيع أن يغير ويؤثر فهذا هو المتعين في حقه وإلا
فلا ينزل إلى هذا الأماكن خشية أن يتأثر ((يقيم الصلاة،
ويؤتي الزكاة، ويعبد الله لا يشرك به شيئاً)).
قال: "وحدثني عن مالك عن يحيى بن سعيد قال: أخبرني عبادة
بن الوليد بن عبادة بن الصامت عن أبيه عن جده قال: بايعنا
رسول الله -صلى الله عليه وسلم- على السمع والطاعة في
العسر واليسر والمنشط والمكره" وفي بعض أحاديث عبادة قال:
بايعناه على ما بايع عليه النساء، مع أن المقطوع به
المجزوم أن بيعة الرجال وقعت قبل بيعة النساء، لكنهم
يحيلون على ما في القرآن، الذي يعرفه الخاص والعام، ذكرنا
هذا مراراً، ونظرنا له بأن من جامع في نهار رمضان يقال له:
عليك كفارة ظهار، ما يقال: عليك كفارة مجامع، وإن كانت
ثابتة في الأحاديث الصحيحة، لكن كفارة الظهار مضبوطة
بالقرآن المعروفة لدى الخاص والعام، والبيعة التي بايع
عليها الرجال هي مثل بيعة النساء المضبوطة بالقرآن.
(90/15)
يقول: "بايعنا رسول الله -صلى الله عليه
وسلم- على السمع والطاعة في العسر واليسر" على السمع
والطاعة وهذه للرسول -عليه الصلاة والسلام-، ولأولي الأمر
من بعده على السمع والطاعة، ما لم يأمروا بمعصية؛ فإنه
حينئذٍ لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق "في العسر واليسر"
يعني في حال السعة وفي حال الضيق، في حال الغناء وفي حال
الفقر؛ لأن بعض الناس ولاؤه يدور مع حالته، وهمه الدنيا إن
أعطي منها رضي، وإن لم يعطَ منها سخط "في العسر واليسر،
والمنشط والمكره" في حال النشاط، وفي حال ما تكرهه النفس،
فإذا أمر بأمر ليس فيه معصية، عليه أن لا يلتفت إلى حاله
إلا إذا كان عاجز، إذا عجز فالذي لا يستطيع لا يكلف الله
نفساً إلا وسعها، لكن لا ينظر إلى أن هذا يناسبه وهذا لا
يناسبه، ويتخير من الأوامر ما يناسبه دون ما لا يناسبه،
فعليه الطاعة، بغض النظر في كونه يناسبه أو لا يناسبه.
(90/16)
"وألا ننازع الأمر وأهله" الأمر لأهله ما
دام ثبتت البيعة لزيد من الناس لا يجوز الخروج عليه، ولا
يجوز عصيانه إلا إذا أمر بمعصية من جهة الخروج عليه معلق
بالكفر البواح، أو ترك الصلاة ((لا ما صلوا)) ((لا ما لم
تروا كفراً بواحاً)) ومع ذلك يشترط أهل العلم القدرة، أما
إذا لم توجد القدرة فلا يجوز الخروج، ولو وجد الكفر
البواح، وترك الصلاة؛ لأنه يترتب على ذلك من المفاسد
وإراقة الدماء ما هو أعظم من الصبر على هذا الرجل، على هذا
الوالي، وإن كان كافراً كفراً بواحاً، أو لا يصلي، فأهل
العلم يشترطون ذلك، ومع ذلك يقول عبادة: "وأن نقول أو نقوم
بالحق حيث ما كنا" الطاعة في العسر واليسر والمنشط المكره
لا تنافي النصيحة، لا شك أن الولاة كغيرهم من الناس ليسوا
بمعصومين، يقع منهم ما يقع، وقد يقع منهم أكثر من غيرهم،
باعتبار أنهم مكنهم الله من كثير من الأمور التي تيسر ما
لا يتيسر لغيرهم، ومع ذلك يبقون بالنسبة لوجوب الطاعة تجب
الطاعة ولو حصل منهم ما حصل، ولو حصل الظلم، ولو حصل
الجور، ولا ينازعون الأمر بحال من الأحوال إلا بما جاء عن
النبي -عليه الصلاة والسلام-، ولكن النصيحة واجبة ((الدين
النصيحة)) قلنا: لمن يا رسول الله؟ قال: ((لله ولكتابه
ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم)) فبذل النصيحة لولي
الأمر من أهم المهمات، بل من أوجب الواجبات، وينص أهل
العلم في شرح حديث النصحية أنه من الغش لولي الأمر أن يغر
بالثناء الكاذب، فلا يثنى عليه بما لم يفعل، ولا يغمط ما
يفعل؛ لأن الناس في هذا الباب على طرفي نقيض، إما أن يبالغ
في المدح، وهذا في الغالب الذي يبالغ في المدح بما ليس فيه
أن هذا قصده شيء من أمور الدنيا، ولا يلبس ولا يشنع ولا
يشهر بشيء لم يحصل، أو يضخم الشيء اليسير يجعله كبيراً على
أن تكون النصيحة كما هو الأصل سراً بينه وبينه، فهي أجدى
لأن النصيحة وإن كان نصيحة علنية فهي من باب الأمر والنهي،
من باب التغيير، من باب الإنكار يشترطون أن لا يترتب عليها
من المفسدة ما هو أعظم منها، فهذه أمور ملاحظة ومرعية عند
أهل العلم.
(90/17)
"وأن نقول أو نقوم بالحق حيث كنا لا نخاف
في الله لومة لائم" واللوم إنما هو باللسان، يعني لو قيل
مثلاً: هذا مجنون، كيف يدخل نفسه في ما لا يعنيه؟ نقول: لا
هذا ليس بمجنون، هذا محض النصيحة، وهذا أدى ما عليه، لكن
إذا تعدت المسألة اللوم، إذا خاف على نفسه، على ماله، على
ولده، له أن يترك، وهو معذور في هذه الحالة، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
لا، المنصوص عليه لا نخاف في الله لومة لائم، اللوم إنما
يكون باللسان، اللسان ما يثني، لكن لو خشي على جسده، خشي
على ماله، على ولده هناك يكون فيه مندوحة على أن ينكر
المنكر بقلبه.
طالب:. . . . . . . . .
يبقى أنها عند، هذه مسألة، في عزائم وفي رخص، يعني من
ارتكب العزيمة وصبر على الآثار المترتبة عليها هذا له ذلك،
لكن يبقى أن له مندوحة، وله رخصة، ولا يؤاخذ إن خشي على
نفسه، هاه؟
طالب:. . . . . . . . .
باللسان نعم بلا شك، له أجر الجهاد، كل جهاد بحسبه، جهاد
النفس، جهاد الشيطان.
طالب:. . . . . . . . .
فالباب طويل وبعده الإيمان والنذر، وإحنا ما عندنا إلا
اليوم وغداً وأربعة دروس في الأسبوع القادم فقط، ما في
غيرها، يعني باقي مع هذا الدرس خمسة دروس فقط، والكلام في
الجهاد وفي الأيمان والنذر طويل نحتاج إلى أن نكمل على أي
حال.
(90/18)
قال: "وحدثني عن مالك عن زيد بن أسلم قال:
كتب أبو عبيدة بن الجراح إلى عمر بن الخطاب يذكر له جموع
من الروم" يعني على أنهم قادمون وافدون "كتب أبو عبيدة بن
الجراح إلى عمر بن الخطاب يذكر جموع له من الروم، ويتخوف
منهم" يعني مثل ما يحصل الآن من تهويل قوات الأعداء، وما
أشبه ذلك من شرق أو غرب أو غير ذلك "فكتب إليه عمر بن
الخطاب أما بعد: فإنه مهما ينزل بعبد مؤمن من منزل شدة
يجعل الله بعده فرجاً" على أن يبذل الأسباب الشرعية "فيجعل
الله بعد ذلك فرجاً، وأنه لن يغلب عسر يسرين، وأن الله
تعالى يقول: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اصْبِرُواْ
وَصَابِرُواْ وَرَابِطُواْ وَاتَّقُواْ اللهَ لَعَلَّكُمْ
تُفْلِحُونَ} [(200) سورة آل عمران] "، لن يغلب عسر يسرين
{فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا * إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ
يُسْرًا} [(5 - 6) سورة الشرح] العسر معرفة، وأعيد معرفة،
فهو عينه، واليسر نكرة أعيد نكرة فهو غيره، ومن هذا قالوا:
لن يغلب عسر يسرين، العسر أعيد معرفة فهو عينه، واليسر
أعيد نكرة فهو غيره، يقول الله تعالى في كتابه:
{اصْبِرُواْ وَصَابِرُواْ} [(200) سورة آل عمران] الصبر لا
بد منه، ولن ينال أحد مطلوبه إلا بالصبر، وصابروا المصابرة
مفاعلة، ما دام صبر خصمك لا بد أن تصابره، وتصمد أمامه،
ورابطوا يعني داوموا، واتقوا الله لا بد من هذه الأمور
اصبروا وصابروا ورابطوا واتقوا الله أربعة أشياء لتحصل
النتيجة لعلكم تفلحون.
أحسن الله إليك.
باب: النهي على أن يسافر
بالقرآن إلى أرض العدو
حدثني يحيى عن مالك عن نافع عن عبد الله بن عمر -رضي الله
عنهما- أنه قال: نهى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أن
يسافر بالقرآن إلى أرض العدو.
قال مالك: وإنما ذلك مخافة أن يناله العدو.
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-:
باب: النهي على أن يسافر بالقرآن إلى أرض العدو
(90/19)
يعني خشية أن يساء إليه، وأن يمتهن، فالعدو
لا يجوز تمكينه من القرآن، نعم قد يمكن من آية يقام بها
الحجة عليه، كما أرسل النبي -عليه الصلاة والسلام- بالآية
إلى هرقل، وغيره ممن دعاهم إلى الإسلام {يَا أَهْلَ
الْكِتَابِ تَعَالَوْاْ إِلَى كَلَمَةٍ سَوَاء بَيْنَنَا
وَبَيْنَكُمْ} [(64) سورة آل عمران] ... إلى آخره، فيمكن
من آية أو بعض آية لكن لا يمكن من القرآن؛ لأنه لا يتدين
به، فيخشى أن يسيء إليه، ويكثر السؤال عن تمكين من رجي
إسلامه من القرآن، أو من ترجمة معانيه، ويقول: أنا أسمع
القرآن منكم، لكن ما أفهم، أعطوني مصحف ترجمت معانيه لأقرأ
وأستفيد وأنظر، يعني إذا غلب على الظن أنه يستفيد منه ولا
يسيء إليه حينئذٍ لا مانع من ذلك، وقد أفتى به بعض أهل
العلم، وإن كان تحت النظر فهو أولى، يقال: اطلع عليه
عندنا، يطلع على هذه الترجمة، ويقرأ ويتأمل رجاء أن يسلم.
قال: "حدثني يحيى عن مالك عن نافع عن عبد الله بن عمر أنه
قال: نهى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أن يسافر بالقرآن
إلى أرض العدو" يسافر بالقرآن في بعض الروايات: المصحف،
وهذا لا بد منه، ليس المراد أن يسافر بالقرآن الذي في صدور
الرجال، ليس هذا هو المراد، إنما المراد به المكتوب في
المصاحف.
"قال مالك: وإنما ذلك مخافة أن يناله العدو" فيسيء إليه،
وقد أسيء إليه من قبل من لا يتدين به في بلاد المسلمين،
فكيف إذا كان في بلاد العدو؟! نعم.
أحسن الله إليك.
باب: النهي عن قتل النساء
والولدان في الغزو
حدثني يحيى عن مالك عن ابن شهاب عن ابنٍ لكعب بن مالك،
قال: حسبت أنه قال عبد الرحمن بن كعب أنه قال: نهى رسول
الله -صلى الله عليه وسلم- الذين قتلوا ابن أبي الحقيق عن
قتل النساء والولدان، قال: فكان رجل منهم يقول: برحت بنا
امرأة ابن أبي الحقيق بالصياح، فأرفع السيف عليها ثم أذكر
نهي رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فأكف، ولولا ذلك
استرحنا منها.
وحدثني عن مالك عن نافع عن ابن عمر -رضي الله عنهما- أن
رسول الله -صلى الله عليه وسلم- رأى في بعض مغازيه امرأة
مقتولة، فأنكر ذلك، ونهى عن قتل النساء والصبيان.
(90/20)
وحدثني عن مالك عن يحيى بن سعيد أن أبا بكر
الصديق -رضي الله عنه- بعث جيوشاً إلى الشام، فخرج يمشي مع
يزيد بن أبي سفيان، وكان أمير ربع من تلك الأرباع، فزعموا
أن يزيد قال لأبي بكر: إما أن تركب، وإما أن أنزل، فقال
أبو بكر: ما أنت بنازل، وما أنا براكب، إني أحتسب خطاي هذه
في سبيل الله، ثم قال له: إنك ستجد قوماً زعموا أنهم حبسوا
أنفسهم لله، فذرهم وما زعموا أنهم حبسوا أنفسهم له، وستجد
قوما فحصوا عن أوساط رءوسهم من الشعر، فاضرب ما فحصوا عنه
بالسيف، وإني موصيك بعشر: لا تقتلن امرأة، ولا صبياً ولا
كبيراً هرماً، ولا تقطعن شجراً مثمراً، ولا تخربن عامراً،
ولا تعقرن شاة، ولا بعيراً إلا لمأكلة، ولا تحرقن نحلاً،
ولا تفرقنه، ولا تغلل ولا تجبن.
وحدثني عن مالك أنه بلغه أن عمر بن عبد العزيز كتب إلى
عامل من عماله: أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كان إذا
بعث سرية يقول لهم: ((اغزوا باسم الله، في سبيل الله،
تقاتلون من كفر بالله، لا تغلوا، ولا تغدروا، ولا تمثلوا،
ولا تقتلوا وليداً)) وقل ذلك لجيوشك وسراياك، إن شاء الله،
والسلام عليك.
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-:
باب: النهي عن قتل النساء والولدان في الغزو
يعني ممن لا يد له في القتال بل يضعف عن ذلك، وأما من شارك
في القتال ولو كان شيخاً كبيراً، أو امرأة فإن حكمه حكم
المقاتلين، النساء والذراري في الغالب وكبار السن الشيوخ
لا يقاتلون فهم لا يجوز قتلهم، وثبت النهي عن قتل النساء
والذرية، مع أنه قال -عليه الصلاة والسلام-: ((من بدل دينه
فاقتلوه)) فحصل التعارض بين النهي عن قتل النساء والذراري،
وبين من بدل دينه فاقتلوه، فهل تقتل المرأة المرتدة أو لا
تقتل؟ نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
تقتل نعم.
طالب:. . . . . . . . .
(90/21)
طيب لكن عموم ((من بدل دينه فاقتلوه)) مطلق
وإلا وجهي؟ وجهي، النهي عن قتل النساء والذرية يشمل
الأصليات والمرتدات، ومن بدل دينه فاقتلوه عمومه شامل
للرجال والنساء، إلا أنه خاص بالمرتدين من الرجال والنساء،
فعموم النهي عن قتل النساء والذراري في إيش؟ عموم النهي عن
القتل عمومه خاص بالنساء، دعونا من الذراري، الآن ((من بدل
دينه فاقتلوه)) خاص بالمكلفين من الرجال والنساء، وعموم
النهي عن قتل النساء هذا شامل للأصليات والمرتدات، وعموم
الثاني في الرجال والنساء، خصوص الأول خاص بالنساء، وخصوص
الثاني بالمرتدين، فنحتاج إلى مرجح خارجي، الحنفية عملوا
بحديث النهي عن قتل النساء الذراري، فلا يجوز قتل المرتدة؛
لأن النهي عن قتل النساء شامل للكافرات الأصليات
والمرتدات، والجمهور قالوا: تقتل المرتدة عملاً بعموم ((من
بدل دينه فاقتلوه)) لكنه معارض بحديث النهي عن قتل النساء،
وحديث النهي عن قتل النساء معارض بـ ((من بدل دينه
فاقتلوه)) وبينهما عموم وخصوص وجهي، الجمهور يقولون: عموم
النهي عن قتل النساء دخله مخصصات كثيرة، فهو ضعيف، عمومه
ضعف لكثرة المخصصات، يعني المرأة إذا زنت مثلاً تقتل وإلا
ما تقتل؟ تقتل، يدخل في النهي عن قتل النساء والذرية؟ إذا
قتلت تقتل وإلا ما تقتل؟ تقتل، ثبت قتل السواحر وإن كن
نساء، فعمومه دخله مخصصات كثيرة فضعف أمام عموم ((من بدل
دينه فاقتلوه)) فرجح عليه من هذه الحيثية فتقتل المرتدة،
فالمرتدة لا تدخل في النهي عن قتل النساء في الغزو.
(90/22)
قال: "حدثني يحيى عن مالك عن ابن شهاب عن
ابن لكعب بن مالك قال: حسبت أنه قال: عبد الرحمن بن كعب"
وفي بعض الروايات: عبد الله بن كعب "أنه قال: نهى رسول
الله -صلى الله عليه وسلم- الذين قتلوا بن أبي الحقيق"
سلام بن أبي الحقيق يهودي آذى النبي -عليه الصلاة
والسلام-، فانتدب له من يقتله "أنه قال: نهى رسول الله
-صلى الله عليه وسلم- الذين قتلوا ابن أبي الحقيق" نهاهم
قبل القتل، يعني انتدبهم لقتله، فنهاهم عن قتل النساء
والوالدان "قال: فكان رجل منهم يقول: برحت بنا امرأة ابن
أبي الحقيق" يعني لما رأتهم صاحت، فهم خشوا من أن يدركه من
يسعفه، أو من يسطوا عليهم فيقتلهم، والعلاج في هذا أن
يقتلوها، العلاج أن يرتاحوا منها "قال: برحت بنا امرأة ابن
أبي الحقيق بالصياح، فارفعوا السيف عليها، ثم أذكر نهي
رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فأكف، ولولا ذلك استرحنا
منها" يعني لولا النهي قتلناها وارتحنا.
قال: "وحدثني عن مالك عن نافع عن ابن عمر أن رسول الله
-صلى الله عليه وسلم- رأى في بعض مغازيه امرأة مقتولة
فأنكر ذلك، ونهى عن قتل النساء والصبيان" يعني هذا في
الأصليات، وأما المرتدات فيقتلن على ما تقدم.
طالب:. . . . . . . . .
نعم هو السبب الأصلي في كون النساء والصبيان والشيوخ
الكبار هؤلاء ليسوا من أهل القتال، لكن إذا شاركوا في
القتل، أو تترس بهم الكفار بحيث لا يمكن الوصول إليهم إلا
بهم، فما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب، والوسائل لها
أحكام الغايات، هو مخصوص بالمرتدات، يعني عمومه مخصوص بقتل
المرتدة، عمومه مخصوص بالزانية المحصنة، عمومه ... فيمن
قتلت تقتل.
طالب:. . . . . . . . .
لا هو ما استطعنا إلى أن عرفنا كثرة المرجحات التي أضعفت
هذا العموم، نعم؟
هي مرتدة؟
طالب:. . . . . . . . .
ويش يدريك؟
طالب:. . . . . . . . .
يمكن بفلوسه راحت.
(90/23)
قال: "وحدثني عن مالك عن يحيى بن سعيد أن
أبا بكر الصديق بعث جيوشاً إلى الشام، فخرج يمشي مع يزيد
بن أبي سفيان، وكان أمير ربع من تلك الأرباع" لأنه أرسل
أربعة جيوش على واحد منها يزيد بن أبي سفيان، أخو معاوية
"فزعموا أن يزيد قال لأبي بكر" لأنه شيعه ماشياً ويزيد
راكب، يزيد مثل هذا لا يليق/ الخليفة يمشي وهو راكب! "فقال
يزيد لأبي بكر: إما أن تركب وإما أن أنزل، فقال أبو بكر:
ما أنت بنازل وما أنا براكب، إني أحتسب خطايا هذه في سبيل
الله" -رضي الله عنه وأرضاه-، "ثم قال: إنك ستجد قوماً
زعموا أنهم حبسوا أنفسهم" يعني رهبان لزموا بيعهم وصوامعهم
هؤلاء ما لك بهم دعوى، لا هم يقاتلون، لا يقاتلون، حبسوا
لله "فذرهم وما زعموا" وإن كانوا على باطل ذرهم؛ لأن ما
على الناس منهم خطر، وهذا من حسن رعاية الإسلام لمثل هؤلاء
الضعفاء، بخلاف طرائق الكفار الذين يأتون على كل شيء سواء
كان له أثر أو لا أثر له فيتلفونه، والله المستعان، والآن
هم مثل ما يقول المثل: رمتني بدائها وانسلت، هم المفسدون
في الأرض، ومع ذلك يرمون المسلمين بالعظائم، والله
المستعان.
"زعموا أنهم حبسوا أنفسهم لله فذرهم وما زعموا أنهم حبسوا
أنفسهم له، وستجد قوماً فحصوا عن أوساط رؤوسهم من الشعر"
هؤلاء رؤوس من رؤوس الكفر، من رؤوس النصارى، هؤلاء لهم
الأثر في غيرهم "فاضرب ما فحصوا عنه بالسيف" يعني اضرب هذه
الرؤوس بالسيف "وإني موصيك بعشر: لا تقتلن امرأة" لما ثبت
من النهي عن قتل النساء والصبيان "ولا صبياً ولا كبيراً
هرماً" قد يقول القائل: إن دريد بن الصمة قتل في حنين وهو
شيخ كبير هرم، لكنه له رأي ويخطط ويساعدهم على حربهم "ولا
كبيراً هرماً، ولا تقطعن شجراً مثمراً" لأن هذا إفساد، هذا
إفساد في الأرض، ومآله بعد الفتح للمسلمين "ولا تخربن
عامراً" يعني لا تهدم البيوت "ولا تعقرن شاة، ولا بعير إلا
لمأكلة" من أجل الأكل، وقد جاء النهي عن قتل الحيوان إلا
لمأكلة؛ لأن هذا فيه إتلاف، إتلاف للمال وإفساد "ولا تحرقن
نخلاً" يعني في غزوة بني النظير حرق النبي -عليه الصلاة
والسلام- النخل.
وهان على سراة بني لؤي ... حريق بالبويرة مستطيرُ
(90/24)
المقصود أن مثل هذا إذا ترجحت فيه المصلحة،
أو تترس به الكفار فإنه يحرق؛ لأنه لا يمكن أن يتوصل إلى
ما يجب فعله إلا به "ولا تفرقن" إيش لون: "لا تفرقن"؟ ولا
تحرقن نخلاً ولا تفرقن؟ نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
نحلاً نعم، هو يقول: نحلاً هو حيوان العسل.
"ولا تحرقن نحلاً" لا شك أنه مثل تخربن عامراً، تقطعن
شجراً مطرد معها، يعني على النخل بالخاء مطرد مع قوله: "لا
تقطعن شجراً مثمراً، ولا تخربن عامراً" وبعض النسخ على
هذا، لكن على النسخة التي عليها أكثر الشروح "لا تحرقن
نحلاً" لأنه لا يمكن أن يتترس به مثل النخل، وعلى كل حال
كل ما يتوصل به إلى المقصود يفعل، وما لا فلا، لا سيما إذا
كان على جهة الإفساد "ولا تفرقنه" النحل لا تفرقنه؛ لأن
النخل لا يتصور تفريقه، والنحل يتصور تفريقه، دعه مجتمعاً
ليستفاد منه "ولا تغلل" نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
وهنا "ولا تفرقن" والشارح إيش قال؟
طالب:. . . . . . . . .
هو كلهم، المسألة لا تختلف.
طالب:. . . . . . . . .
لا هو موجود في كل مكان، لا سيما مثل الأماكن التي فيها
الزروع والثمار والعشب، وما أشبه ذلك "ولا تغلل" الغلول:
هو الأخذ من الغنيمة قبل أن تقسم "ولا تجبن" يعني لا تخف
من العدو فيطمع فيك.
قال: "حدثني عن مالك أنه بلغه أن عمر بن عبد العزيز كتب
إلى عامل من عماله أنه بلغنا أن رسول الله -صلى الله عليه
وسلم- كان إذا بعث سرية يقول لهم: ((اعزوا باسم الله)) "
يعني ابدأ بسم الله وعلى بركته ((في سبيل الله)) مخلصاً في
ذلك لله -جل وعلا- ((تقاتلون من كفر بالله)) يعني الوصف
المؤثر في مشروعية الجهاد هو الكفر ((أمرت أن أقاتل الناس
حتى يقولوا: لا إله إلا الله)) ((لا تغلوا، ولا تغدروا))
يعني لا تغدروا بالعدو، ولا تخونوا ((ولا تمثلوا)) التمثيل
بالقتيل بجدع أطرافه، وتشويه صورته ((ولا تقتلوا وليداً))
كما جاء النهي فيما تقدم عن قتل الصبيان "وقل ذلك لجيوشك
وسراياك" يعني من بعثته على سرية، أوعلى جيش أو قطعة من
الجيش ذكره بهذه الأشياء "-إن شاء الله-" وهذا للتبرك
"والسلام عليك" والله أعلم.
وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
(90/25)
شرح: الموطأ -
كتاب الجهاد (2)
باب: ما جاء في الوفاء بالأمان - باب: العمل فيمن أعطى
شيئاً في سبيل الله - باب: جامع النفل في الغزو
باب: ما لا يجب فيه الخمس - باب: ما يجوز للمسلمين أكله
قبل الخمس - باب: ما يرد قبل أن يقع القسم مما أصاب العدو
- باب: ما جاء في السلب في النفل.
الشيخ: عبد الكريم الخضير
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
سم.
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا
محمد وآله وصحبه أجمعين.
اللهم اغفر لشيخنا والحاضرين والسامعين برحمتك يا أرحم
الراحمين.
قال المؤلف -رحمه الله تعالى-:
باب: ما جاء في الوفاء بالأمان
حدثني يحيى عن مالك عن رجل من أهل الكوفة أن عمر بن الخطاب
كتب إلى عامل جيش كان بعثه: إنه بلغني أن رجالاً منكم
يطلبون العلج حتى إذا أسند في الجبل وامتنع، قال: رجل
مطرس، يقول: لا تخف فإذا أدركه قتله، وإني والذي نفسي بيده
لا أعلم مكان واحد فعل ذلك إلا ضربت عنقه.
قال يحيى: سمعت مالكاً يقول: ليس هذا الحديث بالمجتمع
عليه، وليس عليه العمل.
قال: وسئل مالك عن الإشارة بالأمان أهي بمنزلة الكلام؟
فقال: نعم، وإني أرى أن يتقدم إلى الجيوش أن لا تقتلوا
أحداً، أشاروا إليه بالأمان؛ لأن الإشارة عندي بمنزلة
الكلام، وإنه بلغني أن عبد الله بن عباس -رضي الله عنهما-
قال: ما ختر قوم بالعهد إلا سلط الله عليهم العدو.
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده
ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
فيقول المؤلف -رحمه الله تعالى-:
باب: ما جاء في الوفاء بالأمان
إذا حصل الأمان لأحد من المشركين فإنه لا يجوز حينئذٍ أن
ينقض هذا العهد وهذا الأمان إلا بموجب، ولا بد أن يخبر
بانتقاض عهده، لا بد أن ينبذ عليه إليه على سواء، لا بد أن
يكون علمه كعلم المسلم، ولا يجوز أن يغدر به، ولا يجوز أن
يختر وهو أشد الغدر، ومن صفات المنافقين إذا عاهد غدر،
فليس من صفات المسلم ولا يجوز له بحال أن يغدر بمن أمنه،
وينصب لكل غادر لواء يوم القيامة يُعرف به، نسأل الله
العافية.
قال الإمام -رحمه الله تعالى-:
(91/1)
باب: ما جاء في الوفاء بالأمان
"حدثني يحيى عن مالك عن رجل من أهل الكوفة أن عمر بن
الخطاب كتب إلى عامل جيش" الوفاء واجب بالأمان، ولو لم
يثبت مثل هذا الخبر، الوفاء بالعهود جاء الخبر به بالكتاب
والسنة "إلى عامل جيش كان بعثه: إنه بلغني أن رجالاً منكم
يطلبون العلج الكافر" وبعضهم يخصه بضخم الجثة، جمعه علوج
"حتى إذا أسند في الجبل" يعني ارتقى وطلع الجبل وامتنع
يعني لا يقدر عليه أعطي الأمان، وقيل له: لا تخف، مطرس أو
مترس وهي كلمة فارسية تعريبها: لا تخف، وكأنه تترس بهذا
الجبل وامتنع به، ومترس ومطرس بإبدال التاء طاء والعكس،
هذا معروف في لغة العرب "يقول: لا تخف" أمنه "فإذا أدركه
قتله" يعني غدر به، "وإني والذي نفسي بيده" فيه إثبات اليد
لله -جل وعلا- "لا أعلم مكان واحد فعل ذلك إلا ضربت عنقه"؛
لأنه قتل من لا يجوز قتله، ولكن الإجماع قام على عدم العمل
بهذا الحكم؛ لأن المسلم لا يقتل بالكافر.
"قال مالك: قال يحيى: سمعت مالك يقول: ليس هذا الحديث
بالمجتمع عليه" يعني المتفق عليه "وليس عليه العمل" يعني
لم يتفق على صحته وثبوته، والعمل على خلافه.
طالب:. . . . . . . . .
ما يتعلق بالإمام وصلاحياته هذا الأمر الشارع وسع فيه، إذا
رأي الإمام المصلحة في قتله هذا .. ، التعزير للإمام يعني
فيه سعة، الشرع وضع له شيء من هذه الصلاحيات، إلا إن من
أهل العلم من يقول: إنه لا يصل إلى حد القتل، يعزر بما دون
ذلك من إيذاء ببدن أو بمال، لكن حد القتل قال به جمع من
أهل العلم.
على كل حال يقول: "سئل مالك عن الإشارة بالأمان" الإشارة
المفهمة التي تقوم مقام العبارة "أهي منزلة الكلام؟ فقال:
نعم" الإشارة المفهمة تقوم مقام الكلام، وهل هذا مطرد في
هذا المقام وفي غيره من المقامات؟ يعني لو أشار في الصلاة
هل نقول: إنه تكلم فبطلت صلاته؟ أو نقول: إنها تختلف من
باب إلى باب؟ نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
أفادت معنى الكلام الذي يبطل الصلاة تبطله.
طالب:. . . . . . . . .
(91/2)
"أهي منزلة الكلام؟ فقال: نعم، وإني أرى أن
يتقدم إلى الجيوش ألا تقتل أحداً أشاروا إليه بالأمان"
يعني هي بمنزلة الكلام، هل نقول: إنها في هذا الباب وفي
باب الصلاة يختلف؟ يعني لا تبطل الصلاة؟ كما في حديث صلاة
الكسوف لما جاءت أسماء في الصحيح، في البخاري، فرأت الناس
يصلون، فاستفهمت ما هذه؟ فأشارت عائشة إلى السماء بأصبعها،
فقالت: آية؟ فقالت عائشة: أي نعم، إشارة، فهل هذا مما يبطل
الصلاة أم لا؟ عائشة ما أعادت الصلاة، ولا قال أحد ببطلان
صلاتها، على كل حال الأبواب أو التصرفات تختلف من باب إلى
باب، بعض الأبواب أخف من بعض، وبعضها يحتاط له أكثر من
بعض، وما يتعلق بالمخلوق أمره أشد، والذي معنا من باب ما
يتعلق بالمخلوق "لأن الإشارة عندي بمنزلة الكلام، وإنه
بلغني أن عبد الله بن عباس يقول: ما ختر قوم بالعهد -يعني
غدروا به أشد الغدر ونقضوه- إلا سلط الله عليهم العدو" لأن
هذه معصية، وتسليط العدو عقوبة يستحقها المسلم إذا عصى.
سم.
أحسن الله إليك.
باب: العمل فيمن أعطى شيئاً في سبيل الله
حدثني يحيى عن مالك عن نافع عن عبد الله بن عمر -رضي الله
عنهما- أنه كان إذا أعطى شيئاً في سبيل الله يقول لصاحبه:
إذا بلغت وادي القرى فشأنك به.
وحدثني عن مالك عن يحيى بن سعيد أن سعيد بن المسيب كان
يقول: إذا أعطي الرجل الشيء في الغزو فيبلغ به رأس مغزاته
فهو له.
قال يحيى: وسئل مالك عن رجل أوجب على نفسه الغزو فتجهز حتى
إذا أراد أن يخرج منعه أبواه أو أحدهما، فقال: لا أرى أن
يكابرهما، ولكن يؤخر ذلك إلى عام آخر، فأما الجهاز فإني
أرى أن يرفعه حتى يخرج به، فإن خشي أن يفسد باعه، وأمسك
ثمنه حتى يشتري به ما يصلحه للغزو فإن كان موسراً يجد مثل
جهازه إذا خرج فليصنع بجهازه ما شاء.
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-:
باب: العمل فيمن أعطى شيئاً في سبيل الله
يقول -رحمه الله تعالى- ...
معروف أن العطية لا يجوز الرجوع فيها، لكن هنا عطية
موقوتة.
(91/3)
قال: "حدثني يحيى عن مالك عن نافع عن عبد
الله بن عمر أنه كان إذا أعطى شيئاً في سبيل الله يقول
لصاحبه: إذا بلغت وادي القرى فشأنك به" وادي القرى منزل
كان بين المدينة والشام، ولماذا خصص وادي القرى؟ لأن
الإنسان إذا وصله وبلغه يصعب عليه الرجوع، فيغلب على الظن
أنه يستمر إلى ما قصده من الجهاد، لكن لو كان قال: شأنك به
من المدينة، احتمال أنه يتملكه ويبيعه ولا يجاهد، لكن إذا
قطع نصف المسافة لا شك أنه يتشجع لإكمالها، نظير ذلك لو أن
شخص قال: لا أريد أن أدرس في المكان الفلاني في الكلية
الفلانية، أو أدرس على الشيخ الفلاني، وهو يشرح الموطأ
مثلاً، وأنا أحتاج لهذا الكتاب، أو أحتاج أدرس في كلية
الشريعة أحتاج إلى حاشية الروض المربع مثلاً، يقول: أنا
أعيرك الكتاب، خذ الكتاب، لكن لا يقول: عطية من أول الأمر؛
لكي لا يراه في يوم لاحق يباع في الكتاب المستعمل؛ لأنه ما
يضمن استمراره ما دام في المستوى الأول، أو من الأيام
الأولى من الطلب كثير من الطلاب يجربون، يحضرون عند الشيوخ
يوم يومين أسبوع، ثم يتركون، فإذا أعطي الكتاب مآله إلا أن
يباع، لكن إذا قال: إذا انتهى المجلد الأول فهو لك، إذا
انتهى المجلد الأول من الكتاب لا شك أن الطالب يتشجع إلى
الاستمرار بالحضور، ومثله لو قال: إذا وصلت إلى المستوى
الخامس مثلاً فالكتاب لك، إذا أنهى نصف المرحلة الجامعية
حينئذٍ يتشجع على إكمال النصف الثاني فلا يعطيه إياه عطية
أو هبة تمليكاً من أول الأمر خشية أن يفرط به، فتقل
منفعته، لكن يعطيه الكتاب لأن له أجر من قرأ فيه، وهذا
يريد متابعة القراءة فيه، لا يريد أن يعطيه، لو أراد أن
يعطيه ليبيعه وينتفع بثمنه أعطاه القيمة مثلاً، وهنا يقول:
"إذا بلغت وادي القرى فشأنك به" لماذا؟ لأنه يصعب عليه
الرجوع، ويسهل عليه متابعات ما قصد، ومثل هذا إذا انتصف في
الدراسة يعني يصعب عليه أن يهدر السنتين، يعني إهدار
الكتاب سهل، لكن إهدار سنتين من العمر صعب، فعلى هذا يضمن
استمرار الانتفاع بكتابه، يضمن الاستمرار.
(91/4)
"وحدثني عن مالك عن يحيى بن سعيد أن سعيد
بن المسيب كان يقول: إذا أعطي الرجل الشيء في الغزو فيبلغ
به رأس مغزاته فهو له" لأنه إنما أعطي لينتفع به في الغزو،
يقول: إذا أعطي الرجل الشيء في الغزو فيبلغ به رأس مغزاته
فهو له، يعني تحقق الشرط العرفي الذي من أجله دفع إليه هذا
الشيء، يعني كأنه لما أعطاه الكتاب، ما يملكه من أول يوم،
أو من أول مدة، يملكه إذا عزم على الإكمال، فإذا بلغ رأس
مغزاته فهو له، كأنه قال: إن لم تقرأ فيه فليس لك، كأنه
قال: إن لم تقاتل بهذا السيف، أو بهذه الفرس فليست لك،
فإذا وصل، ولو أعطي عطية يعني بلفظ صريح، أريد أن أدرس
قال: خذ استعن بهذا الكتاب على دراستك، فإنه لا يملك هذا
الكتاب إلا إذا درس به بالفعل، كأنه قيل له: خذ هذا الكتاب
شريطة أن تنتفع به في دراستك، طيب الجهات الحكومية توزع
الكتب فهل يملكها من أعطيها من أول الأمر، أو لا يمكلها
إلا بالانتفاع بها؟ يعني وزارة الشؤون الإسلامية وقبلها
الإفتاء وجهات حكومية كثيرة والجامعات والمدارس توزع على
الطلاب، لكن هل نقول: إن هذا شرط عرفي ولو لم يذكر أن هذه
الكتب إنما وزعت للانتفاع ولو لم يكتب عليها وقف؟ إذا كتب
عليها وقف انتهى الإشكال، الوقف لا يجوز بيعه إلا إذا
تعطلت منافعه، هل نقول: إن مثل هذه الكتب يستفاد منها؟ ولو
بغير القراءة تباع وينتفع بثمنها؟ أو نقول: إنها أعطيت
بهذا الشرط؟ نعم هذا مقتضى الشرط العرفي الذي يذكره أهل
العلم، وأن حكمه كالشرط الذكري، يمثلون له بأنه لو قيل
لزيد من الناس: إن امرأتك زنت، فقال: هي طالق، فتبين أنها
لم تزنِ، ما يقع الطلاق، الطلاق ما يقع، كأنه قال: إن كانت
زانية فهي طالق، ونحن نرى الكتاب المستعمل والحراج وغيره
مليئة بهذه الكتب التي توزع، ولا شك أن مثل هذا الاشتراط
يحد من الدفع لغير المنتفع، ويوسع التوزيع على من ينتفع،
فمثل هذا الأمر لا بد منه، ما نصبت هذه الجهات لأمور
الانتفاع .. ، لوجوه الانتفاع الأخرى غير العلم.
(91/5)
"إذا أعطي الرجل الشيء في الغزو فيبلغ به
رأس مغزاته فهو له" يعني إذا استعمله فيما وضع من أجله،
"وسئل مالك عن رجل أوجب على نفسه الغزو فتجهز، ثم إذا أراد
أن يخرج منعه أبواه" ما استشار الأبوين قبل التجهز، تجهز
وما استشار فمنعه أبواه والجهاد لا يجوز إلا بإذن الأبوين
((أحي والداك؟ )) قال: نعم، قال: ((ففيهما فجاهد)) لا يجوز
بغير إذنهم، والمراد بذلك الجهاد الذي هو لا يعارض به فرض
العين الذي هو البر، وهو جهاد التطوع أو فرض الكفاية، لا
يعارض به، أما الجهاد المتعين فأهل العلم يوازنون بين
المصالح العامة والخاصة، الجهاد يتعين كما يقول أهل العلم
في ثلاث مسائل:
إذا استنفره الإمام، أو داهمه العدو، أو حضر الصف لا يجوز
له أن يفر من الزحف.
"حتى إذا أراد أن يخرج منعه أبواه أن يخرج أو أحدهما،
فقال: لا يكابرهما" لا يعاند ولا يكثر من الإلحاح إذا علم
الله منه صدق النية أثابه ثواب الجهاد، إذا منعه من له حق
المنع أثابه ثواب الجهاد "لا يكابرهما، ولكن يؤخر ذلك إلى
عام آخر" لعل الوالدين يأذنان له "فأما الجهاز الذي تجهز
به قبل أن يستأذن والديه فإني أرى أن يرفعه" إيش معنى
يرفعه؟ يحفظه، يحفظه في مكان يحفظ به مثله "أن يرفعه حتى
يخرج به من العام القادم إذا أذن له، فإن خشي أن يفسد" بأن
كان طعاماً، ماذا يصنع به؟ "باعه وأمسك ثمنه" لأنه لا يرجع
فيه "حتى يشتري به ما يصلحه للغزو، فإن كان موسراً ... "
إن كان معسراً يحجز هذا المال عنده؛ لأنه قد يحتاجه في
العام القادم ولا يجده إذا أنفقه، أما إذا "كان موسراً يجد
مثل جهازه إذا خرج فليصنع بجهازه ما شاء" لأنه بيتجهز مرة
ثانية، موسر، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
أيوه؟
طالب:. . . . . . . . .
الذي هو المجاهد الذي منعه أبوه؟
طالب:. . . . . . . . .
هذا كأنه أخرجه لله فلا يعود فيه، أخرجه لله لا يجوز العود
به، فإن كان أخرجه بالفعل وميزه عن ماله فلا يجوز بحال,
وإن لم يخرجه بل نواه وقصده فهذا يجوز له أن يرجع فيه، ما
لم يقرن ذلك بعهد {وَمِنْهُم مَّنْ عَاهَدَ اللهَ} [(75)
سورة التوبة] نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
(91/6)
لا، لا، الإمام مقدم، الإمام مقدم؛ لأن هذا
يكون فرض عين، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
لأنه مضمون عنده، وهو موسر متى ما أراد أن يتجهز استطاع.
طالب:. . . . . . . . .
ولو ميزه؛ لأنه متى ما أراد أن يخرج بدله استطاع هذا
الموسر، أما غيره الذي لا يستطيع عند تيسر أمر الجهاد
بالنسبة له هذا لا.
طالب:. . . . . . . . .
لا؛ لأن البر انتهى، والنبي -عليه الصلاة والسلام- علق
المنع بالحياة ((أحي والداك؟ )) فالذي يستأذن الحي.
سم.
أحسن الله إليك
باب: جامع النفل في الغزو
حدثني يحيى عن مالك عن نافع عن عبد الله بن عمر -رضي الله
عنهما- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بعث سرية فيها
عبد الله بن عمر قبل نجد فغنموا إبلاً كثيرة، فكان سهمانهم
اثني عشر بعيراً، أو أحد عشر بعيراً، ونفلوا بعيراً
بعيراً.
وحدثني عن مالك عن يحيى بن سعيد أنه سمع سعيد بن المسيب
يقول: كان الناس في الغزو إذا اقتسموا غنائمهم يعدلون
البعير بعشر شياه.
قال يحيى: سمعت مالكاً يقول في الأجير في الغزو: إنه إن
كان شهد القتال، وكان مع الناس عند القتال وكان حراً فله
سهمه، وإن لم يفعل ذلك فلا سهم له.
قال يحيى: سمعت مالكاً يقول: وأرى أن لا يقسم إلا لمن شهد
القتال من الأحرار.
يقول -رحمه الله تعالى-:
باب: جامع النفل في الغزو
النفل واحد الأنفال، وهي ما حصل عليه المسلمون دون إيجاف
خيل ولا ركاب، يعني من دون قتال، حصلوا عليه بأيسر الأسباب
بأن تركه العدو، أو سلموه دون قتال، هذا نفل، وجاءت فيه
آية الأنفال: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الأَنفَالِ} [(1) سورة
الأنفال] ... إلى آخره.
(91/7)
قال: "حدثني يحيى عن مالك عن نافع"
الغنيمة: هي التي تؤخذ من أموال الأعداء بالقتال، والنفل
دون قتال، قال: "حدثني يحيى عن مالك عن نافع عن عبد الله
بن عمر أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بعث سرية فيها
عبد الله بن عمر قبل نجد" يعني جهة نجد "فغنموا إبلاً
كثيرة" وهذا الوصف متحقق بدليل أن سهمان كل واحد حصل له
إثنا عشر بعيراً، أو أحد عشر بعيراً، هذا شيء كثير، ونفلوا
زيدوا على ما حصل لهم من السهمان من الغنيمة من النفل
بعيراً بعيراً، النفل الزيادة على ما يستحقه الإنسان،
كالنافلة فهي زيادة على ما أوجب الله عليه، فسهمانهم التي
يستحقونها "اثني عشر أو أحد عشر بعيراً، ونفلوا بعيراً
بعيراً" يعني كل واحد أعطي بعير زائد، و (أو) هذه "أو أحد
عشر بعيراً" الراوي حينما قال: أحد عشر بعيراً، لعله أراد
المجموع بعد النفل، وقوله: أحد عشر بعيراً أراد بذلك قبل
النفل، ثم بعد ذلك الرواة ينقل بعضهم هذا وبعضهم هذا.
قال: "وحدثني عن مالك عن يحيى بن سعيد أنه سمع سعيد بن
المسيب يقول: كان الناس في الغزو إذا اقتسموا غنائمهم
يعدلون البعير بعشر شياه" نعم لأن البعير يستفاد به في
الغزو أكثر مما يستفاد منه في حال السعة، ولذا في الغزو
يحتاج إليه حاجة ماسة، ينقل الناس وينقل أمتعتهم، بينما في
حال السعة، في الأضاحي مثلاً عدل البعير بسبع شياه، لكن لو
غنموا بقر، هل نقول: إن البقر في الأضاحي مثل الإبل فتعدل
بعشرة أو تبقى البقر بسبعة كما هو الأصل؟ وأيضاً غناءها في
الغزو أقل من فائدة الإبل، تبقى سبع وإلا عشرة؟
نعم تبقى سبعة، تعدل بسبعة.
"قال مالك في الأجير في الغزو: إنه إن كان شهد القتال،
وكان مع الناس عند القتال" الأجير، أجير أستأجر هذا الشخص
يحمل متاع، إن كان شهد القتال وشارك مع الناس في القتال
وهو حر فيقسم له مع المقاتلين؛ لأن الغنائم للمقاتلين، وهو
واحد منهم "فله سهمه، وإن لم يفعل ذلك" ما شهد ولا قاتل
"فلا سهم له" لأن السبب الذي يستحق به هذا السهم لا يوجد
"وأرى ألا يقسم إلا لمن شهد القتال من الأحرار" أما من لم
يشهد ولو كان حراً لا يقسم له، ومن شهد وكان عبداً لا يقسم
له أيضاً.
(91/8)
النبي -عليه الصلاة والسلام- قسم لبعض
الصحابة ممن لم يشهد بدراً، قسم لهم، وهم لا يشهدون؛ لأن
تخلفهم في مصلحة عامة، وبإذن النبي -عليه الصلاة والسلام-،
وبإذنه –عليه الصلاة والسلام-.
سم.
طالب:. . . . . . . . .
أي غنائم والنفل الزائد، يعني كل واحد منهم اثنان.
طالب:. . . . . . . . .
نعم إيه إيه.
طالب:. . . . . . . . .
أضيف إلى هذه الغنيمة مما لم يوجفون عليه بخيل ولا ركاب،
يعني ما حصلوا عليه بالقتال صارت نتيجة قسمته اثني عشر،
ووجد قدر زائد تركه العدو دون قتال هذا نفل.
طالب:. . . . . . . . .
أما ما يتركه من دون قتال، فر من دون قتال هذه غنيمة، وفر
بعد قتال وتركه هذه غنيمة، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
بعض الجيش يقاتل، وبعضه يفر بدون قتال وهكذا، يعني المسألة
واضحة، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
إي نعم.
طالب:. . . . . . . . .
إيه.
طالب:. . . . . . . . .
{وَاعْلَمُواْ أَنَّمَا غَنِمْتُم مِّن شَيْءٍ} [(41) سورة
الأنفال] هذه لا شك أنها في الغنائم، {فَأَنَّ لِلّهِ
خُمُسَهُ} [(41) سورة الأنفال].
لكن قد يطلق في النص الغنيمة تطلق على النفل والعكس، نعم.
سم.
أحسن الله إليك.
باب: ما لا يجب فيه الخمس
قال يحيى: سمعت مالكاً يقول فيمن وجد من العدو على ساحل
البحر بأرض المسلمين فزعموا أنهم تجار، وأن البحر لفظهم،
ولا يعرف المسلمون تصديق ذلك إلا أن مراكبهم تكسرت أو
عطشوا فنزلوا بغير إذن المسلمين: أرى أن ذلك للإمام يرى
فيهم رأيه، ولا أرى لمن أخذهم فيهم خمساً.
يقول -رحمه الله تعالى-:
باب: ما لا يجب فيه الخمس
يعني هو في الأصل ليس بغنيمة، مما ليس بغنيمة، ولا فيء،
نفل.
(91/9)
"قال مالك فيمن وجد من العدو على ساحل
البحر بأرض المسلمين فزعموا أنهم تجار" جاءوا ليأسروهم،
جاء المسلمون ليأسروهم، فقالوا: إحنا والله تجار ما جئنا
نقاتل "وأن البحر لفظهم" ولا يعرف المسلمون تصديق ذلك،
يعني ما عندهم شهود من المسلمين ممن تقبل شهادته، ليست
عندهم بينة، وإنما عندهم قرائن، عندهم قرينة وليس عندهم
بينة يمكن الحكم بها "ولا يعرف المسلمون تصديق ذلك إلا أن
مراكبهم تكسرت" هذه قرينة، تكسرت المراكب، تكسرت السفينة،
فاضطروا إلى الساحل، أو أمواج البحر دفعتهم إلى الساحل،
"أو عطشوا فنزلوا بغير إذن المسلمين" عطشوا في البحر،
والبحر ما يمكن الشرب منه، فرست، أرسوا سفينتهم على ساحل
من سواحل المسلمين فيه ماء عذب فشربوا منه "أو عطشوا
فنزلوا بغير إذن المسلمين" الأصل أنه لا بد من إذن لأن هذا
انتهاك "فنزلوا بغير إذن المسلمين: أرى أن ذلك للإمام يرى
فيهم رأيه" الإمام يجتهد، قد يكون المن عليهم يحقق مصلحة
أعظم، وقد يكون أسرهم يحقق مصلحة أعظم، وقد يكون قتلهم إذا
كانوا محاربين، وفي قتلهم نكاية وتشريد بمن خلفهم، قد يكون
أفضل، فهذا مرده إلى اجتهاد الإمام، "ولا أرى لمن أخذهم
فيهم خمساً" إنما هؤلاء أمرهم إلى الإمام، نعم.
أحسن الله إليك.
باب: ما يجوز للمسلمين أكله
قبل الخمس
قال يحيى: سمعت مالكاً يقول: لا أرى بأساً أن يأكل
المسلمون إذا دخلوا أرض العدو من طعامهم ما وجدوا من ذلك
كله قبل أن يقع في المقاسم.
قال مالك -رحمه الله-: وأنا أرى الإبل والبقر والغنم
بمنزلة الطعام، يأكل منه المسلمون إذا دخلوا أرض العدو كما
يأكلون من الطعام.
قال مالك -رحمه الله-: ولو أن ذلك لا يؤكل حتى يحضر الناس
المقاسم، ويقسم بينهم أضر ذلك بالجيوش.
قال مالك: فلا أرى بأساً بما أكل من ذلك كله على وجه
المعروف والحاجة إليه، ولا أرى أن يدخر أحد من ذلك شيئاً
يرجع به إلى أهله.
(91/10)
قال يحيى: وسئل مالك عن الرجل يصيب الطعام
في أرض العدو فيأكل منه، ويتزود فيفضل منه شيء، أيصلح له
أن يحبسه فيأكله في أهله، أو يبيعه قبل أن يقدم بلاده
فينتفع بثمنه؟ قال مالك: إن باعه وهو في الغزو فإني أرى أن
يجعل ثمنه في غنائم المسلمين، وإن بلغ به بلده فلا أرى
بأساً أن يأكله، وينتفع به إذا كان يسيراً تافهاً.
يقول -رحمه الله تعالى-:
باب: ما يجوز للمسلمين أكله قبل الخمس
يعني لا ينتظر به القسمة، يعني لا يجوز لأحد من المقاتلين
ولا من غيرهم أن يستولي على شيء من الغنيمة قبل أن تقسم،
الأصل التحريم، وهذا هو الغلول، الأخذ من الغنيمة قبل أن
تقسم، لكن هناك ما يستثنى كالطعام مثلاً، ينتظر فيه إلى أن
تنتهي المعركة ثم يقسم، والناس بحاجة إليه، فمثل هذا جرت
العادة بأنهم يتسامحون فيه، ولا يتبعونه أنفسهم.
"قال مالك: لا أرى بأساً أن يأكل المسلمون إذا دخلوا أرض
العدو من طعامهم ما وجدوا من ذلك كله" قبل أن يقسم "قبل أن
يقع في المقاسم" الطعام يؤكل أولاً لمسيس الحاجة إليه،
والأمر الثاني لأنه عرضة لأن يتلف.
"قال مالك: وأنا أرى الإبل والبقر والغنم بمنزلة الطعام"
وهي طعام، قد يحتاجون إلى طعام، ولا يوجد طعام غير الإبل
الحية والبقر الحية، والغنم الحية، يذبحونها وينحرون
الإبل، ويأكلون منها كالطعام، لمسيس الحاجة إليها "يأكل
منه المسلمون إذا دخلوا أرض العدو" لأنها لا تقوم حياتهم
إلا بهذا، وإذا قلنا: لا يأكلون حتى تقسم يضر بهم هذا، يضر
بهم ضرراً بالغاً "كما يأكلون من الطعام، ولو أن ذلك لا
يؤكل حتى يحضر الناس المقاسم، ويقسم بينهم أضر ذلك
بالجيوش" لأن الحياة لا تقوم إلا بالطعام والشراب "فلا أرى
بأساً بما أكل من ذلك كله على وجه المعروف" ما يأتي شخص
إلى جمل فينحره بحجة الأكل منه، ثم يأخذه ويدخر نصفه،
ويقده، ويشمسه وييبسه، أو يأخذ معه حوافظ يثلجه ثم بعد ذلك
يرجع به، لا، إنما هذا بالمعروف، بقدر ما يحتاج إليه للأكل
فقط.
(91/11)
"على وجه المعروف، ولا أرى أن يدخر أحد من
ذلك شيئاً يرجع به إلى أهله" لأن بعض الناس يقول: فرصة، ما
دام أبيح لنا أن نذبح هذه البقر والغنم وننحر الإبل ونأكل،
إحنا ما حنا بحاجة إلى الأكل، لكن مع ذلك لا تكفي حاجتنا
يوم أو يومين، وعندنا ما يكفينا لمدة سنة مثلاً، يذهبون به
إلى بلدانهم يشرقونه، فيجعلونه قديداً، أو يثلجونه
ويتقوتونه، لا، لا يرجع به إلى أهله، إلا إن كان شيئاً
تافهاً لا يأبه له، هذا الأمر فيه سعة، نعم؟
طالب: يا شيخ خاصة في الأكل فقط، لو احتاج لغير الأكل. . .
. . . . . .؟
هو الأصل أنه ممنوع، الأخذ ممنوع، فلم يخرج منه إلا الأكل،
لو وجد مثلاً حذاء وهو غير منتعل، ولا يمكن مواصلة المشي
إلا بحذاء، لو ضاعت نظارته مثلاً، ولا يستطيع مواصلة السير
إلا بنظارة ووجد نظارة، يعني هذه أمور ما تنتهي، لا بد أن
يقع عليها المقاسم، أو يذهب إلى الإمام فيقول: وجدت كذا
فيحسب عليه، ويحسم من نصيبه، المقصود أنه الغلول شأنه
عظيم.
طالب:. . . . . . . . .
نعم يستعمله استعمالاً مؤقتاً حتى يستأذن الإمام، أو ينتظر
به قسمة المغانم.
"ولا أرى أن يدخر أحد من ذلك شيئاً يرجع به إلى أهله".
"وسئل مالك عن الرجل يصيب الطعام في أرض العدو فيأكل منه
ويتزود فيفضل منه شيء، أيصلح له أن يحبسه فيأكله في أهله
أو يبيعه قبل أن يقدم بلاده فينتفع بثمنه؟ قال مالك: إن
باعه وهو في الغزو فإني أرى أن يجعل ثمنه في غنائم
المسلمين" لأنه لا يملك بهذا، فالاستثناء للأكل، والأكل
حاجة، والحاجة تقدر بقدرها، لا يجوز الزيادة عليها، فإني
أرى أن يجعل ثمنه في غنائم المسلمين، وإن بلغ به بلده،
تقوته إلى أن يصل بلده، وهو شيء تافه، يعني لا تلتفت إليه
همم المقاتلين، فالأمر فيه سهلاً.
"قال: وإن بلغ به بلده فلا أرى بأساً أن يأكله وينتفع به
إذا كان يسيراً تافهاً" فإذا كانت السرقة لا تقطع اليد
فيها بالنسبة للشيء التافه كما قالت عائشة، فالأكل أمره
أوسع، نعم.
أحسن الله إليك.
باب: ما يرد قبل أن يقع القسم
مما أصاب العدو
(91/12)
حدثني يحيى عن مالك أنه بلغه أن عبداً لعبد
الله بن عمر أبق، وأن فرساً له عار، فأصابهما المشركون، ثم
غنمهما المسلمون، فردا على عبد الله بن عمر، وذلك قبل أن
تصيبهما المقاسم.
قال يحيى: وسمعت مالكاً يقول فيما يصيب العدو من أموال
المسلمين: إنه إن أدرك قبل أن تقع فيه المقاسم فهو رد على
أهله، وأما ما وقعت فيه المقاسم فلا يرد على أحد.
قال: وسئل مالك عن رجل حاز المشركون غلامه ثم غنمه
المسلمون، قال مالك: صاحبه أولى به بغير ثمن ولا قيمة ولا
غرم، ما لم تصبه المقاسم، فإن وقعت فيه المقاسم فإني أرى
أن يكون الغلام لسيده بالثمن إن شاء.
قال مالك -رحمه الله- في أم ولد لرجل من المسلمين حازها
المشركون، ثم غنمها المسلمون، فقسمت في المقاسم، ثم عرفها
سيدها بعد القسم: إنها لا تسترق، وأرى أن يفتديها الإمام
لسيدها، فإن لم يفعل فعلى سيدها أن يفتديها ولا يدعها، ولا
أرى للذي صارت له أن يسترقها، ولا يستحل فرجها، وإنما هي
بمنزلة الحرة؛ لأن سيدها يكلف أن يفتديها إذا جرحت، فهذا
بمنزلة ذلك، فليس له أن يسلم أم ولده تسترق ويستحل فرجها.
قال يحيى: وسئل مالك عن الرجل يخرج إلى أرض العدو في
المفاداة، أو في التجارة فيشتري الحر أو العبد أو يوهبان
له، فقال: أما الحر فإن ما اشتراه به دين عليه ولا يسترق،
وإن كان وهب له فهو حر، وليس عليه شيء إلا أن يكون الرجل
أعطى فيه شيئاً مكافأة، فهو دين على الحر بمنزلة ما اشترى
به.
بمنزلة ما اشتري به.
أحسن الله إليك.
فهو دين على الحر بمنزلة ما اشتري به، وأما العبد فإن سيده
الأول مخير فيه، إن شاء أن يأخذه ويدفع إلى الذي اشتراه
ثمنه فذلك له، وإن أحب أن يسلمه أسلمه، وإن كان وهب له
فسيده الأول أحق به، ولا شيء عليه إلا أن يكون الرجل أعطى
فيه شيئاً مكافأة، فيكون ما أعطى فيه غرماً على سيده إن
أحب أن يفتديه.
قال -رحمه الله تعالى-:
باب: ما يرد قبل أن يقع القسم مما أصاب العدو
(91/13)
مما أصاب العدو، دابة هربت فاستولى عليها
العدو، أو غلام، أو أي شيء من أموال المسلمين يصل إليه
العدو فيستولي عليه، ثم يغنم بعد ذلك من قبل المسلمين، وهو
معروف أنه لفلان، معروف بعينه أنه لفلان، قبل أن تقع
المقاسم هو أحق به، وبعد القسمة هو أولى به إن دفع قيمته.
يقول -رحمه الله تعالى-: "حدثني يحيى عن مالك أنه بلغه أن
عبداً لعبد الله بن عمر أبق" أبق يعني شرد وهرب "وأن فرساً
له عار" كذلك، انطلق هارباً فأصابها المشركون أو "فأصابهما
المشركون" العبد والفرس، "ثم غنمهما المسلمون، فردا على
عبد الله بن عمر" لأن هذا ماله، أخذ بغير حق كالغصوب
والسرقات ترد إلى أربابها "فردا على عبد الله بن عمر، وذلك
قبل أن تصيبهما المقاسم" قد يقول قائل: ما الفرق بين ردها
قبل المقاسم، وعدم ردها بعد المقاسم؟ قبل المقاسم لم تملك،
يعني ما وقعت في يد من يصح ملكه لها، وبعد المقاسم وهي
غنيمة مما غنمه المسلمون صح ملك من وقعت في نصيبه، نعم؟
طالب: لكنها معلومة أنها حق لفلان.
إيه.
طالب: وإذا كانت معلومة أنها حق لفلان فلا يقع عليها. . .
. . . . . .
هي أولاً انتقلت من المسلمين إلى الكفار، وانتقلت مرة
ثانية إلى المسلمين، وقسمت.
طالب: يعني لو قيل: إن بيت فلان قد غصب منه هل يجب رده؟
هو يجب رده، لكن ....
طالب: هذا الشرع، لو قلنا: حتى دخل في الملكية مجازاً ....
لكن ما يصادر بغير حق ويباع بالمزاد، يلزم رده وإلا ما
يلزم؟ هذا صودر والتمليك بمنزلة البيع، التمليك بعد قسمة
المغانم بمنزلة البيع.
طالب:. . . . . . . . .
صودر من كفار، صودر من جهة، صودر ممن يملك المصادرة، ما هو
من أي شخص غاصب، الغاصب لا ما يملك إطلاقاً، المسألة ترى
لها فروع عملية كثيرة يعني ما هي ...
"قال: وسمعت مالكاً يقول فيما يصيب العدو من أموال
المسلمين: إنه إن أدرك قبل أن تقع فيه المقاسم فهو رد على
أهله، وأما ما وقعت فيه المقاسم فلا يرد على أحد".
(91/14)
"وسئل مالك عن رجل حاز المشركون غلامه ثم
غنمه المسلمون، قال مالك: صاحبه أولى به بغير ثمن ولا قيمة
ولا غرم ما لم تصبه المقاسم، فإن وقعت فيه المقاسم فإني
أرى أن يكون الغلام لسيده بالثمن إن شاء" يعني إذا طلب منه
ثمن يؤثر الغلام عليه، لا شك أنه يقدم شراءه بالثمن، وإن
طلب منه ثمن أكثر مما يستحقه فالمسألة ترجع إليه.
"قال مالك في أم ولد من المسلمين حازها المشركون، ثم غنمها
المسلمون، فقسمت في المقاسم، ثم عرفها سيدها بعد القسم:
إنها لا تسترق" أم ولد، أعتقها ولدها، فهي حرة "أنها لا
تسترق، وأرى أن يفتديها الإمام لسيدها" هذا الأصل أن تفدى
من بيت المال "فإن لم يفعل فعلى سيدها أن يفتديها ولا
يدعها" لا يدعها تسترق أو تباع وتشترى لأن ولدها أعتقها
"ولا أرى للذي صارت له أن يسترقها" ما دام ثبت عنده أنها
أم ولد "ولا يستحل فرجها" لأن حكمها حكم الحرة "وإنما هي
بمنزلة الحرة؛ لأن سيدها يكلف أن يفتديها إذا جرحت" يعني
وقع منها جناية جنايتها على سيدها، ولو لم تكن أم ولد
وجرحت وجنت أرش الجناية على من؟ نعم؟ على السيد "ما لم تكن
أكثر من قيمتها" فيخير المجني عليه إما أن تأخذها أو تأخذ
ما يعادل قيمتها، أما إذا كانت الجناية أرش الجناية أكثر
من قيمتها فلا يكلف السيد بأن يدفعها ويدفع زيادة عليها
"فهذا بمنزلة ذلك، فليس له أن يسلم أم ولده تسترق ويستحل
فرجها".
"وسئل مالك عن الرجل يخرج إلى أرض العدو في المفاداة، أو
في التجارة فيشتري الحر أو العبد" يعني وجد شخص يباع، يحرج
عليه، وجد شخص من المسلمين يباع، يتركه وإلا ما يتركه؟ وهو
قادر لا يتركه، يفتديه "أو يوهبان له" يقال: هؤلاء مسلمين
وأنت مسلم أنت أولى بهم "فقال: أما الحر فإن ما اشتراه به
دين عليه ولا يسترق" الحر إذا كان مسلم ولو غصبه كفار، أو
أسره كفار وباعوه لا يملك بهذا العقد، ولا يسترق، لكن لو
كان كافراً، وجد في بلاد الكفار شخص يحرج عليه، من يشتري
من يسوم في الحراج، ثم اشتراه، يملك وإلا ما يملك؟ يعني لو
وجد كافر يبيع ولده في بلاده، في بلاد الكفر، هل يجوز
للمسلم أن يشتريه أو لا؟ نعم؟ يبيع ولده؟
طالب:. . . . . . . . .
إيش؟
طالب:. . . . . . . . .
(91/15)
وشيخ الإسلام يرى أنه يجوز شراءه على أنه
رقيق، وعموم حديث: ((ثلاثة أنا خصمهم يوم القيامة، من باع
حراً فأكل ثمنه)) نعم؟
طالب: يمنع.
يمنع، لكن شيخ الإسلام له كلام مفصل في هذا، وتوسع في هذه
المسألة -رحمه الله-.
قال: "وسئل مالك عن الرجل يخرج إلى أرض العدو في المفاداة
أو في التجارة فيشتري الحر أو العبد، أو يوهبان له، فقال:
أما الحر فإنما اشتراه به دين عليه" دين على الحر نفسه،
يسدده، ولا يسترق "وإن كان وهب له فهو حر، وليس عليه شيء"
لأنه أخذه بغير ثمن، فيرسله بغير ثمن "إلا أن يكون الرجل
أعطى فيه شيئاً مكافأة" يعني ليست قيمة، وإنما هي مكافأة
"فهو دين على الحر" يعني هذه المكافأة دين على الحر، أهداه
كافر لمسلم ومن باب المكافأة أعطاه مثلاً سيارة وإلا شيء
ينتفع به، فقيمة هذه السيارة دين على هذا الحر، "بمنزلة ما
اشتري به، وأما العبد فإن سيده الأول مخير فيه إن شاء أن
يأخذه ويدفع إلى الذي اشتراه ثمنه فذلك له، وإن أحب أن
يسلمه أسلمه" يعني يتركه، لا سيما إذا طلبت منه قيمة لا
يستحقها، أو دفع فيه قيمة أكثر من ثمنه الحقيقي "وإن كان
وهب له فسيده الأول أحق به، ولا شيء عليه إلا أن يكون
الرجل أعطى فيه شيئاً مكافأة" يعني كالحر "فيكون ما أعطى
فيه غرماً على سيده إن أحب أن يفتديه" كما تقدم في الحر،
نعم.
سم.
أحسن الله إليك.
باب: ما جاء في السلب في النفل
(91/16)
حدثني يحيى عن مالك عن يحيى بن سعيد عن عمر
بن كثير بن أفلح عن أبي محمد مولى أبي قتادة عن أبي قتادة
بن ربعي -رضي الله عنه- أنه قال: خرجنا مع رسول الله -صلى
الله عليه وسلم- عام حنين، فلما التقينا كانت للمسلمين
جولة، قال: فرأيت رجلاً من المشركين قد علا رجلاً من
المسلمين، قال: فاستدرت له حتى أتيته من ورائه، فضربته
بالسيف على حبل عاتقه، فأقبل علي فضمني ضمة وجدت منها ريح
الموت، ثم أدركه الموت فأرسلني، قال: فلقيت عمر بن الخطاب
فقلت: ما بال الناس؟ فقال: أمر الله، ثم إن الناس رجعوا،
فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((من قتل قتيلاً له
عليه بينة فله سلبه)) قال: فقمت ثم قلت: من يشهد لي؟ ثم
جلست، ثم قال: ((من قتل قتيلاً له عليه بينة فله سلبه))
قال: فقمت ثم قلت: من يشهد لي؟ ثم جلست، ثم قال ذلك
الثالثة، فقمت، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((ما
لك يا أبا قتادة؟ )) قال: فاقتصصت عليه القصة، فقال رجل من
القوم: صدق يا رسول الله، وسلبَ ذلك القتيل.
وسلبُ.
أحسن الله إليك.
وسلبُ ذلك القتيل عندي فأرضه عنه يا رسول الله؟ فقال أبو
بكر: لا هاء الله، إذاً لا يعمد إلى أسد من أَسد الله ...
أُسد، أُسد.
أحسن الله إليك.
إذاً لا يعمد إلى أسد من أُسد الله يقاتل عن الله ورسوله
فيعطيك سلبه، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((صدق
فأعطه إياه)) فأعطانيه، فبعت الدرع فاشتريت به مخرفاً في
بني سلمة، فإنه لأول مال تأثلته في الإسلام.
وحدثني مالك عن ابن شهاب عن القاسم بن محمد أنه قال: سمعت
رجلاً يسأل عبد الله بن عباس عن الأنفال، فقال ابن عباس:
الفرس من النفل، والسلب من النفل، قال: ثم عاد الرجل
لمسألته، فقال ابن عباس ذلك أيضاً، ثم قال الرجل: الأنفال
التي قال الله في كتابه ما هي؟ قال القاسم: فلم يزل يسأله
حتى كاد أن يخرجه، ثم قال ابن عباس: أتدرون ما مثْل هذا؟
مثَلها.
أحسن الله إليك.
ثم قال ابن عباس: أتدرون ما مثل هذا؟
مثَل، مثَل.
أحسن الله إليك.
مثَل صبيغ الذي ضربه عمر بن الخطاب.
(91/17)
قال يحيى: وسئل مالك عمن قتل قتيلاً من
العدو أيكون له سلبه بغير إذن الإمام؟ قال: لا يكون ذلك
لأحد بغير إذن الإمام، ولا يكون ذلك من الإمام إلا على وجه
الاجتهاد، ولم يبلغني أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-
قال: ((من قتل قتيلاً فله سلبه)) إلا يوم حنين.
قال -رحمه الله تعالى-:
باب: ما جاء في السلب في النفل
الإمام إذا رأى تشجيع المجاهدين على القتال يقول مثل هذا:
((من قتل قتيلاً فله سلبه)) ليجتهد الناس، ومن أهل العلم
من يرى أنه ليس له أن يقول ذلك في أول الأمر لئلا تسوء
النيات، ويكون القتال من أجل الدنيا، يقول هذا في آخر
الأمر أو في أثنائه بعد أن يخرج الناس في سبيل الله لا
يخرجهم إلا الجهاد، فإذا رأى الإمام أن مثل هذا الإغراء
يدفعهم ويزيد في نشاطهم، ففعله النبي -عليه الصلاة
والسلام- يوم حنين.
قال: "ما جاء في السلب في النفل" السلف في النفل يعني في
القدر الزائد على الغنيمة، يعني هو الأصل أنه جزء من
الغنيمة؛ لأنه لا يدرك إلا بالقتل، وما يدرك بالقتل هو من
الغنيمة هذا في الأصل، إذاً ما معنى قوله: باب ما جاء في
السلب في النفل؟
طالب:. . . . . . . . .
المقصود أنه بقتال، أخذ بقتال، بقتل.
طالب:. . . . . . . . .
لا، بس لا ينطبق عليه النفل.
طالب:. . . . . . . . .
يطلق النفل ويراد به الغنيمة والعكس.
قال: "حدثني يحيى عن مالك عن يحيى بن سعيد عن عمر بن كثير
بن أفلح عن أبي محمد مولى أبي قتادة عن أبي قتادة الحارث
بن ربعي أنه قال: خرجنا مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم-
عام حنين" عام حنين بعد الفتح سنة ثمان "فلما التقينا كانت
للمسلمين جولة" يعني اختلط الأمر في أول الأمر لا شك أن
كفة المسلمين راجحة، ثم بعد ذلك حصل ما حصل من اضطراب، ثم
انهزم بعض المسلمين، وثبت النبي -عليه الصلاة والسلام-
ونفر معه.
(91/18)
قال: "فرأيت رجلاً من المشركين قد علا
رجلاً من المسلمين" يعني صعد عليه، وجلس فوقه، أو افترشه
"علا رجلاً من المسلمين، قال: فاستدرت له" يعني جئته من
الخلف "فاستدرت له حتى أتيته من ورائه فضربته بالسيف على
حبل عاتقه" يعني بين المنكب والعنق "فأقبل علي" ترك المسلم
الذي تحته، فأقبل على الذي ضربه بالسيف، قال: "فضمني ضمة"
وهو أبو قتادة وهو فارس رسول الله -صلى الله عليه وسلم-،
قال: "فضمني ضمة وجدت منها ريح الموت" لأن من كان في هذه
الحالة، من أصيب بأمر عظيم يعني يتضاعف نشاطه، يقول: "وجدت
منها ريح الموت، ثم أدركه الموت" لأن الضربة قاتلة
"فأرسلني" أطلقني "قال: فلقيت عمر بن الخطاب فقلت: ما بال
الناس؟ فقال: أمر الله" أمر الله قدره، أمر الله وسنته أنه
إذا حصلت المخالفة حصلت الهزيمة "أمر الله، ثم إن الناس
رجعوا" عادوا إلى النبي -عليه الصلاة والسلام-، وقد ثبت،
وهو أشجع الناس -عليه الصلاة والسلام- "ثم إن الناس رجعوا،
فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((من قتل قتيلاً له
عليه بينة)) " ليقطع الطريق على الدعاوى المجردة ((ولو
أعطي الناس بدعواهم لادعى أناس أموال آخرين ودماءهم)).
((من قتل قتيلاً له عليه بينة فله سلبه)) يعني ما عنده، أو
ما معه، ما معه مما يستعين به على القتال، أو ما معه
مطلقاً يعني من ذهب أو فضة أو نقود أو متاع أو طعام، أو
مما يستعين به على القتال من سيف ودرع ونحوه، والعلماء
يختلفون في هذا.
طالب:. . . . . . . . .
هو الأصل في العموم سلب مثل غيره.
قال: "فقمت" يعني ما يمكن أن يسلب منه، كل ما يمكن أن يسلب
منه يسمى سلب بالمعنى الأعم، ومنهم من يخصه بما يستعان به
على القتال.
(91/19)
قال: "فقمت ثم قلت: من يشهد لي؟ " يريد
بينة لأن النبي -عليه الصلاة والسلام- ربط ذلك بالبينة "ثم
قلت: من يشهد لي؟ ثم جلست" ما شهد له أحد، إما لخفاء الأمر
على الجميع إلا على من أخذ السلب؛ لأنه يعرف أن السلب له؛
لأنه بعد أن قتله أخذ السلب شخص آخر "قال: ثم قلت: من يشهد
لي؟ ثم جلست، ثم قال -عليه الصلاة والسلام-: ((من قتل
قتيلاً له عليه بينة فله سلبه)) قال: فقمت، ثم قلت: من
يشهد لي؟ ثم جلست، ثم قال ذلك الثالثة، فقمت، فقال رسول
الله -صلى الله عليه وسلم-: ((ما لك يا أبا قتادة؟ )) "
كأنه لم يسمع قول أبي قتادة: "من يشهد لي؟ " يرى قيامه
وجلوسه ((ما لك يا أبا قتادة؟ )) يعني تقوم وتجلس " ((ما
لك يا أبا قتادة؟ )) قال: فاقتصصت عليه القصة، فقال رجل من
القوم: صدق يا رسول الله، وسلب" يعني هو الذي قتله، صدق يا
رسول الله في دعواه أنه قتل "وسلبُ ذلك القتيل عندي" الآن
بعد أن اقتص عليه القصة على النبي -عليه الصلاة والسلام-
أنه وجد رجلاً من المشركين علا رجل من المسلمين فابتدره
فضربه بين كذا وكذا ... إلى آخره، قص القصة كاملة، لكنه لم
يجد بينة، طيب من يشهد لي؟ شهد له هذا الذي استولى على
السلب "فقال: صدق يا رسول الله، وسلب ذلك القتيل عندي"
يعني هل يكفي شاهد واحد؟ أو هذا الشاهد مع وجود السلب
بيده، يعني لو وجد السلب بيد آخر، ثم شهد لأبي قتادة واحد،
قلنا: ما يكفي، هذا بينة غير كافية، لكن شهد له من بيده
السلب، فهذه قرينة على صدق شهادته، فهذه الشهادة قبولها
باعتبار أنها مصلحة للشاهد أو ليست مصلحة له؟، ليست مصلحة
له، فتقبل من هذه الحيثية.
(91/20)
"صدق يا رسول الله، وسلب ذلك القتيل عندي،
فأرضه عني يا رسول الله" يعني اترك السلب لي، وأرضه بما
شئت، فقال أبو بكر: "لا هاء الله" يعني لا والله "إذاً لا
يعمد إلى أسد من أسد الله" وفي هذا شهادة لأبي قتادة، وأنه
أسد، شهد له خير الأمة بعد نبيها، وأقره النبي -صلى الله
عليه وسلم-، في بعض الروايات: قال عمر: لا هاء الله، إذاً
يعمد إلى أسد من أسد الله ... إلى آخره، يقاتل عن الله
ورسوله، فشهادة أبي بكر وعمر، وإقرار النبي -عليه الصلاة
والسلام-، لا شك أنه وسام شرف بالنسبة لأبي قتادة، ومنقبة
عظيمة له، لكن الذي في الصحيحين الذي شهد له أبو بكر.
"يقاتل عن الله ورسوله فيعطيك سلبه" يعني على أي أساس تأخذ
السلب أنت؟ يعني في مقابل هذا أنك مجرد استوليت ... ،
فوجدته فأخذته على رجل ميت؟! ما يكفي "فقال رسول الله -صلى
الله عليه وسلم-: ((صدق فأعطه إياه)) " أعط أبي قتادة لأنه
يستحق بهذا الوعد ((من قتل قتيلاً فله سلبه)) يعني هل قال
النبي -عليه الصلاة والسلام- هذا قبل القتل أو بعده؟ وهل
يستحق هذا السلب قبل هذا الوعد أو بعده؟ الأصل بعده، الأصل
أنه لا يستحق إلا بعد هذا، والسلب أو القتل حصل قبل هذا
الإغراء، فهل يستحق أبو قتادة هذا السلب قبل أن يصدر
الحكم؟ نعم؟ هو الآن القتل قبله وإلا بعده؟
طالب:. . . . . . . . .
القتل قبل.
طالب:. . . . . . . . .
هم ما كانوا يعرفون، هل يقال مثلاً: إن الحكم قد استقر عند
النبي -عليه الصلاة والسلام- وأخره إلى الحاجة؟ نعم؟ أو
نقول: إن التشريع الآن فما كان قبله لا يستحقه؟ نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
(91/21)
لأنه قال: " ((صدق، فأعطه إياه)) فأعطانيه،
فبعت الدرع فاشتريت به مخرفاً" الدرع يشترى به بستان؟!
مخرف بستان سمي لأنه يخترف ويجتنى منه الثمر، ومنهم من
يقول: هي آلة الاختراف التي يجتنى بها الثمر، قيمة الدرع،
ولا شك أن السلع تتفاوت أقيامها من وقت إلى آخر، قد تشتري
بيت بثوب، وقد يشترى بالبيت الألوف المؤلفة من الثياب،
يعني من الطرائف من المؤرخين المعاصرين قال: في هذه السنة
تيسرت الكتب وطبعت ووردت إلينا بكثرة، إلا أنها غالية،
أقيامها غالية، فقد بيع جامع العلوم والحكم باثني عشر
ريالاً، يعني من الفضة، يعني أضعاف قيمته الآن، باثني عشر
ريالاً، ثم بيع مرة أخرى، يعني نفس النسخة باثني عشر
ريالاً، ووزنتين من القهوة، وثوب وشماغ، الآن قيمة جامع
العلوم والحكم النسخة العادية بعشرة بعشرين ريال ما تزيد،
لكن اثني عشر ريال فضة فضة ما هي بالورقية، فلا شك أن
الأقيام تتفاوت، والبيوت بيعت بأبخس الأثمان، والأراضي لا
قيمة لها البتة قبل؛ لأن ما فيها مشاحة، كل يخط على كيفه،
ما فيها مشاحة، الكلام في البيوت الذي يباع البيت بعشرة
بعشرين ريال، وقد يباع بأقل، وقد يؤجر البيت بريال واحد،
ثم بعد ذلك تغيرت أقيامها؛ لأنه قد يقول قائل: كيف الدرع
ببستان؟ قد يصل الأمر في بعض الأوقات إلى أن الدرع يشترى
به بأكثر من بستان وقد يكون العكس، ولذلك يختلف الشراح إيش
معنى المخرف؟ بعضهم يقول: هو ما يخترف به، الآلة يعني،
مخلب مثلاً، شبه المنشار، هذا معروف عند الفلاحين، قيمته
زهيدة، وبعضهم يقول: ما اخترف من ثمرة هذا العام مثلاً،
وبعضهم يقول: المخرف البستان.
"فاشتريت به مخرفاً في بني سلمة، فإنه لأول مال تأثلته"
يعني اقتنيته وملكته "في الإسلام".
(91/22)
قال: "وحدثني مالك عن ابن شهاب عن القاسم
بن محمد أنه قال: سمعت رجلاً يسأل عبد الله بن عباس عن
الأنفال، فقال ابن عباس: الفرس من النفل، والسلب من النفل،
قال: ثم عاد الرجل لمسألته" سأل مرة ثانية، ما اقتنع
بالجواب الأول "ثم عاد الرجل لمسألته، فقال ابن عباس ذلك
أيضاً، ثم قال الرجل: الأنفال التي قال الله في كتابه ما
هي؟ " وكأن ابن عباس فهم من حال هذا السائل أنه لا يسأل
للاستفادة، وإنما يسأل لإظهار التعالم أو لإعنات المسئول
"فلم يزل يسأله حتى كاد أن يخرجه، ثم قال ابن عباس: أتدرون
ما مثل هذا؟ مثل صبيغ الذي ضربه عمر بن الخطاب" جاء يسأل
عمر بن الخطاب فعرف عمر بن الخطاب أنه ليس قصده الإفادة
فضربه ثم نفاه إلى الكوفة، وأمر الناس بهجرانه، لا يجلس
إليه؛ لئلا يؤثر عليهم، كتب إلى أبي موسى: انظر إلى فلان
صبيغ لا يجلس إلى أحد ولا يجلس إليه أحد، إلى أن حسنت حاله
فيما بعد، ثم فك عنه هذا الحصار.
قال: "وسئل مالك عمن قتل قتيلاً من العدو أيكون له سلبه
بغير إذن الإمام؟ قال: لا يكون ذلك لأحد بغير إذن الإمام"
وهذا يرد أيضاً على سلب أبي قتادة، يعني القتل حصل قبل إذن
الإمام، وقبل أن يحصل هذا الإغراء، وعلى كل حال ما دام
الذي أعطاه إياه، وصدقه هو الرسول -عليه الصلاة والسلام-
لا اعتراض لأحد.
(91/23)
قال: "لا يكون ذلك بغير إذن الإمام" لأنه
لو ترك الناس يتصرفون لأصبحت الأمور فوضى، يعني بعض
المكاتب، وبعض أئمة المساجد، وبعض المشرفين على المراكز
وغيرها، يقول: من يجمع لنا من الزكاة وله نصيب العامل
عليها، هذا ليس لكل أحد، هذا للإمام، أو من يأذن له
الإمام، وإلا صارت المسألة فوضى، من يقدر النصيب، ومن يقدر
الحاجة ومن ... ؟ لا لا هذا ليس لأحد إلا للإمام أو من
ينيبه الإمام "لا يكون ذلك لأحد بغير إذن الإمام، ولا يكون
ذلك من الإمام إلا على وجه الاجتهاد" لأن من جعل له أمر لا
مصلحة له فيه خاصة، من وكل إليه أمر من الشرع لا مصلحة له
فيه خاصة بل مصلحته فيه عامة إنما يكون ذلك حسب الاجتهاد
لا التشهي، ولذا قال -عليه الصلاة والسلام- لما غسل النساء
ابنته زينب، قال: ((اغسلنها ثلاثاً أو خمساً أو سبعاً أو
أكثر إن رأيتن)) يعني إن رأيتن المصلحة تدعو إلى ذلك، لا
مرد ذلك إلى التشهي.
قال: "ولم يبلغني أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال:
((من قتل قتيلاً فله سلبه)) إلا يوم حنين".
يعني إنما يقال مثل هذا عند الحاجة الماسة إليه، يعني لما
رأى النبي -عليه الصلاة والسلام- أن أمر المسلمين قد اختل
واضطرب قال مثل هذا ليحرص المقاتلون على مثل هذا، والله
أعلم.
وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى
آله وصحبه أجمعين.
(91/24)
بسم الله الرحمن الرحيم
شرح: الموطأ - كتاب الجهاد (3)
باب: ما جاء في إعطاء النفل من الخمس - باب: القسم للخيل
في الغزو - باب: ما جاء في الغلول - باب: الشهداء في سبيل
الله.
الشيخ: عبد الكريم الخضير
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
سم.
أحسن الله إليك.
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا
محمد وآله وصحبه أجمعين.
اللهم اغفر لشيخنا والحاضرين والسامعين برحمتك يا أرحم
الراحمين.
قال المؤلف -رحمه الله تعالى-:
باب: ما جاء في إعطاء النفل من
الخمس
حدثني يحيى عن مالك عن أبي الزناد عن سعيد بن المسيب أنه
قال: كان الناس يعطون النفل من الخمس.
قال مالك -رحمه الله-: وذلك أحسن ما سمعت إلي في ذلك.
وسئل مالك عن النفل هل يكون في أول مغنم؟ قال: ذلك على وجه
الاجتهاد من الإمام، وليس عندنا في ذلك أمر معروف موقوف
إلا اجتهاد السلطان، ولم يبلغني أن رسول الله -صلى الله
عليه وسلم- نفل في مغازيه كله، وقد بلغني أنه نفل في بعضها
يوم حنين، وإنما ذلك على وجه الاجتهاد من الإمام في أول
مغنم وفيما بعده.
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده
ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين،
أما بعد:
فيقول المؤلف -رحمه الله تعالى-:
باب: ما جاء في إعطاء النفل من الخمس
عرفنا أن النفل هو واحد الأنفال مما يحصل عليه المسلمون من
غير قتال بخلاف الغنيمة التي يحصل عليها بعد القتال.
يقول: من الخمس؛ لأن الغنيمة إنما يستحقها الغانمون جميعاً
لا يخص بها بعضهم.
النَفَل أو النْفل يضبط كذا وكذا، هذه الزيادة على ما
يستحقه الغازي والمجاهد على نصيبه من الغنيمة، إنما يكون
لزيادة بلائه وغنائه في الحرب –الجهاد- يزاد على سهمه من
الغنيمة التي يستحقها الجميع بالتساوي، هذا من الخمس؛ لأنه
إذا أعطي من أصل الغنيمة صار بعضهم أكثر من بعض فيما يجب
أن يساووا فيه؛ لأنهم غنموه مجتمعين.
(92/1)
قال: "حدثني يحيى عن مالك عن أبي الزناد عن
سعيد بن المسيب أنه قال: كان الناس يعطون النفل من الخمس"
من الخمس، والسبب في هذا أن الغنيمة وهي ما يحصل عليه
الجيش والمجاهدون بالقتال وعلى هذا يستوون فيها، ولا يقال:
إنه يسبر حال كل واحد من المجاهدين فبقدر غنائه وبلائه في
هذه المعركة يعطى، منهم من يعطى ضعف ما يعطى غيره، ومنهم
من يعطى أقل، ومنهم من يعطى أكثر؛ لأن هذا لا ينضبط، هذا
لا يمكن ضبطه، ثم بعد ذلك تدخل فيه الحظوظ عند القسم،
ويتهم من يقسم بأنه مال أو جار، وكذلك لا يبرأ من يقسم
حاشا رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، من أن لا يوفق للعدل
إذا لم يكن بالتساوي، إذا قيل: والله فلان اليوم عن عشرة،
وفلان لا يستحق إلا شيئاً يسيراً؛ لأنا ما رأينا منه شيء
اليوم، مثل هذه الأمور لا يمكن ضبطها، فيتشوف الناس إلى
الزيادة، ويصير في نفس من نقص وأيضاً المراقبة الدقيقة في
مثل هذه الظروف غير ممكنة، ولا يمكن ضبطها، وأيضاً الإمام
بشر قد يصله من المعلومات غير الدقيقة ما يقتضي زيادة
بعضهم على بعض، ولذا يجب التسوية بينهم، بين الغانمين، ولو
كان بعضهم أكثر بلاءً من بعض، أما بالنسبة للنفل الذي
يعطيه الإمام قدر زائد على الغنيمة فهذا من الخمس الذي
جعله الله لنبيه يتصرف فيه.
"قال مالك: وذلك أحسن ما سمعت إلي في ذلك" ولا شك أن مثل
هذا يحقق المصالح ولا يترتب عليه مفاسد.
قال: "وسئل مالك عن النفل هل يكون في أول مغنم؟ " يعني هل
يكون في أول مغنم أو في آخره أو في أثنائه؟ قال: "ذلك على
وجه الاجتهاد للإمام" يعني إذا رأى الإمام أن يشجع بعض
الناس في أول الأمر له ذلك، وإن رأى تشجيع بعضهم في أثنائه
له ذلك، وإن رأى أنه في آخر الغزو، في آخر الجهاد خشية أن
يمل الناس وتضعف الهمم أراد أن ينفل بعضهم لغنائه وبلائه
في المعركة له ذلك.
(92/2)
قال: "ذلك على وجه الاجتهاد من الإمام،
وليس عندنا في ذلك أمر معروف موقوف" يعني بحيث لا يتعدى،
محدد لا يزيد ولا ينقص، ولا يتقدم ولا يتأخر، ليس في هذا
ما يدل عليه إلا اجتهاد السلطان "ولم يبلغني أن رسول الله
-صلى الله عليه وسلم- نفل في مغازيه كلها" يعني زاد "في
مغازيه كلها إلا في حنين" ولا شك أن ظرف حنين يشبه أحد
بحيث فر المسلمون من وجه العدو، وتركوا النبي -عليه الصلاة
والسلام- لما أراده الله -جل وعلا- من هزيمة في أول الأمر،
ثم كانت العاقبة للمتقين.
قال: "وقد بلغني أنه نفل في بعضها يوم حنين، وإنما ذلك على
وجه الاجتهاد من الإمام" الإمام موكول إليه هذا الأمر
ومنوط به، واجتهاده تحقيقاً للمصلحة، يعني إذا وكل مثل هذا
الأمر للإمام فإنه لا يجوز له أن يحكم فيه بالتشهي، بل لا
بد من تحري المصلحة العامة، وكثير من الأمور الشرعية مما
لا نص فيه يرد في ذلك إلى المصالح، مصالح المسلمين العامة،
وبعضهم يخلط في هذا الأمر، ويختلط عليه المصالح الخاصة مع
المصالح العامة، لكن في مثل هذه الأبواب على وجه الخصوص
التي فيها ما فيها من إزهاق النفوس لا بد أن ينظر فيه إلى
مصلحة الإسلام قبل مصلحة أي أحد كائناً من كان.
يقول: "وإنما ذلك على وجه الاجتهاد من الإمام في أول مغنم
وفيما بعده" نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
هو أربعة أخماسه للغانمين معروف، وخمسه كما جاء لله
ولرسوله ... إلى آخره، نعم.
أحسن الله إليك.
باب: القسم للخيل في الغزو
حدثني يحيى عن مالك أنه قال: بلغني أن عمر بن عبد العزيز
كان يقول: للفرس سهمان، وللرجل سهم. قال مالك -رحمه الله-:
ولم أزل أسمع ذلك.
قال يحيى: وسئل مالك عن رجل بأفراس كثيرة ...
يحضر بأفراس كثيرة.
أحسن الله إليك.
قال يحيى: وسئل مالك عن رجل يحضر بأفراس كثيرة فهل يقسم
لها كلها؟ فقال: لم أسمع بذلك، ولا أرى أن يقسم إلا لفرس
واحد الذي يقاتل عليه.
(92/3)
قال مالك: لا أرى البراذين والهجن إلا من
الخيل؛ لأن الله -تبارك وتعالى- قال في كتابه:
{وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا
وَزِينَةً} [(8) سورة النحل] وقال -عز وجل-: {وَأَعِدُّواْ
لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ
الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدْوَّ اللهِ وَعَدُوَّكُمْ}
[(60) سورة الأنفال] قال مالك: فأنا أرى البراذين والهجن
من الخيل إذا أجازها الوالي، وقد قال سعيد بن المسيب: وسئل
عن البراذين هل فيها من صدقة؟ فقال: وهل في الخيل من صدقة.
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-:
باب: القسم للخيل في الغزو
الغزاة إما ركبان وإما رجال مشاة، والركبان إما أن يكونوا
على الخيل أو على الإبل، ولكل حكمه، القسم للخيل .. ،
الراجل معروف له سهم، ولا يستحق أكثر من ذلك، أسوة بغيره،
والإبل تختلف عن الخيل، والخيل التي فيها النص حيث أعطي
صاحب الخيل الذي يغزو على فرس ثلاثة أسهم، والراجل سهم
واحد، للفارس سهم، وللفرس سهمان، هذا قول جمهور أهل العلم
لما دلت عليه الأحاديث الصحيحة.
أبو حنيفة -رحمه الله- يرى أنه للفرس سهم واحد ولصاحبه
سهم، ويقول: لا أفضل حيوان على إنسان مسلم،
هذا ليس من باب تفضيل الحيوان، وإنما تفضيل لصاحبه، معروف
أن الجهاد مما يحقق النصر فيما يتعلق في المال والإنفاق في
سبيل الله أكثر النصوص تدل عليه، أكثر من جهاد النفس،
الجهاد بالمال دلت النصوص عليه أكثر مما دل على الجهاد
بالنفس، ما يدل على أن الآلة لها دور كبير، والخيل على وجه
الخصوص خير ما يعين على القتال، وفي حكهما المستحدثات من
الآلات التي يفاد منها في هذا الباب.
أبو حنيفة يقول: الفارس له سهم، والفرس له سهم، يعني لا
يمكن أن يفضل حيوان على إنسان مسلم، لكن لو نظرنا إلى
النفع في هذا الباب بلا شك أن الفارس يمكن عن عشرة مشاة،
الرجل الذي على فرس يكون عن عشرة مشاة، فلا شك أن هذه
القسمة قسمة شرعية، ولا اعتراض لأحد عليها، ولا اجتهاد مع
النص، فيقسم للفرس سهمان، وللرجل سهم إن كان معه فرس حوز
ثلاثة أسهم، وإن كان بدونه فسهم واحد.
(92/4)
قال: "حدثني يحيى عن مالك أنه قال: بلغني
أن عمر بن عبد العزيز كان يقول: للفرس سهمان، وللرجل سهم"
في الصحيحين مالك عن نافع عن ابن عمر الحديث معروف، لكن
هذه طريقة مالك في إيثار المقاطيع والمراسيل على
الموصولات، فتجد الحديث مخرج في الصحيحين من طريق مالك،
موصول، وتجده في موطئه مرسل؛ لأنه يحتج بهذه المراسيل،
يحتج بها.
واحتج مالك كذا النعمانُ ... به وتابعوهما ودانوا
فتجده إذا وصل إلى التابعي انتهى خلاص، ما يضر البقية،
يحذف الصحابي أو يذكر ما في إشكال.
على كل الخبر صحيح، ولا إشكال فيه، وهو في الصحيحين.
"وسئل مالك عن رجل يحضر بأفراس كثيرة" شخص سمع هذا الكلام
للفرس سهمان، وللفارس يسهم يقول: ما دام الفرس له سهمان،
آخذ معي مائة من أجل أن يأخذ مائتي سهم وسهم، مائتي سهم
للمائة، وسهم، ولا شك أن مثل هذه إذا أعدها وربطها للجهاد
في سبيل الله أن أجره عظيم عليها، لكن هل يقسم له في فرس
لم يباشر به القتال؟ يقول: "وسئل مالك عن رجل يحضر بأفراس
كثيرة فهل يقسم لها كلها؟ فقال -رحمه الله-: لم أسمع بذلك"
يعني ما حصل هذا، ولم يصير فيه حكم، وإنما هو الأصل
الاجتهاد، اجتهاد الإمام.
قال: "ولا أرى أن يقسم إلا لفرس واحد" الذي فيه النص، الذي
يقاتل عليه الفارس.
"قال مالك: لا أرى البراذين والهجن إلا من الخيل" البراذين
واحد البرذون، وهو نوع من الخيل جافي الخلقة يستعمل في
السير في الأماكن الوعرة، ولحمل الأثقال، هذا البرذون،
وهذا ما ذكره شارح القاموس نقلاً عن شارح العراقية، شارح
القاموس نقله عن شارح العراقية، يعني عن السخاوي شارح
ألفية العراقي، شارح القاموس الزبيدي نقله عن السخاوي،
قال: وقال شارح العراقية كذا؛ لأنه مر في المصطلح في الجرح
بغير جارح قول شعبة: "رأيته يركض على برذون" هذا غير جارح،
ثم عرف البرذون ولا يوجد له تعريف غير هذا، يعني حسب
التتبع ما وجدنا غير هذا، فشارح القاموس استفاده من
السخاوي، ومن جاء بعدهم استفاده من شرح القاموس؛ لأنه هو
المظنة، في واحد يروح إلى فتح المغيث يبحث معنى البرذون هو
مظنة.
"لا أرى البراذين والهجن" الهجين، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
(92/5)
لا، لا الهجين الذي أبوه عربي وأمه ليست
عربية، الهجين الفرس الذي أبوه عربي وأمه ليست عربية،
والمقرف بالعكس، ويكون هذا أيضاً في بني آدم، قد يطلق على
بني آدم إذا كانت الأم عربية والأب غير عربي أو العكس قد
يطلقون عليه مثل هذا.
طالب:. . . . . . . . .
لا، الآن إدخال البراذين والهجن مع الخيل؛ لأنها لو كانت
غيرها لنص عليها.
طالب:. . . . . . . . .
لا، لكن شوف عطفها عليها في الآية: {وَالْخَيْلَ
وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا} [(8) سورة
النحل] ما قال: والخيل والبراذين والهجن، لا، العطف هنا
يقتضي المغايرة، الخيل ما نص على البراذين دل على أنها
تدخل في الخيل، ما نص على الهجن باعتبار أنها تدخل، لكن
البغال غير، والحمير غير، هذه وجهة قول مالك: لا أرى
البراذين والهجن إلا من الخيل؛ لأنها لو كانت من غيرها
لعطفت عليها كما عطفت البغال والحمير.
قال: "لأن الله -تبارك وتعالى- قال في كتابه: {وَالْخَيْلَ
وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً} [(8)
سورة النحل] " وبهذا يستدل الإمام أبو حنيفة على عدم أكل
لحوم الخيل، يقول: إن الله -جل وعلا- امتن بركوبها والتزين
بها، ولو كانت مما يؤكل لامتن بأكلها؛ لأن الأكل أعظم وجوه
الانتفاع، هذه حجته، لكن بالنسبة للخيل أعظم وجوه الانتفاع
الركوب وإلا الأكل؟ الركوب بلا شك، لأن الفائدة منها في
الركوب أكثر منها في الأكل، لو كانت أعظم وجوه الانتفاع
فيها الأكل ما صار لها ميزة، ((والخيل معقود في نواصيها
الخير إلى يوم القيامة)) جمل أفضل من خيل، وتجد الخيل يباع
بأضعاف كثيرة عن الجمل، فبهيمة الأنعام أعظم وجوه الانتفاع
بها هو الأكل، وأما بالنسبة للخيل والبغال والحمير
فالانتفاع بها إنما يكون بالركوب، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
(92/6)
لا، هذا مذهب أبي حنيفة، لكن ما يلزم أن
يكون من رآه من أهل تلك الجهات على مذهب أبي حنيفة، ما
يلزم أن يكون أهل البلد كلهم على مذهب واحد، ولما دخل
نيسابور وصلى معهم ورأوه لا يقبض يديه اتهموه بالرفض،
فأقاموا له وليمة وذبحوا له أرنب، فلما أكل قالوا: تأكل
أرنب وأنت شيعي؟! قال: لا، أنا لست بشيعي، قالوا: لماذا لا
تقبض؟ قال: أنا مالكي، الله المستعان.
وقال -عز وجل-: {وَأَعِدُّواْ لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم
مِّن قُوَّةٍ} [(60) سورة الأنفال] جاء تفسير القوة في
الحديث الصحيح: ((ألا إن القوة الرمي)) ولا شك أن هذا
تنصيص على بعض الأفراد، واللفظ أعم، ولا يقتضي تخصيص، إنما
ذكره للاهتمام به والعناية بشأنه، {وَأَعِدُّواْ لَهُم
مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ}
[(60) سورة الأنفال] فالخيل لا شك أن لها أثر كبير في هذه
المواطن، {تُرْهِبُونَ بِهِ عَدْوَّ اللهِ وَعَدُوَّكُمْ}
[(60) سورة الأنفال] تخوفونه به، لا شك أن الخيل لها هيبة،
لها هيبة في القلوب، يخوف بها العدو، وكذلك القوة، الذي لا
قوة له لا يهاب، الذي لا قوة عنده لا يهاب، بل يتسلط عليه
أضعف الناس، إذا عرف أنه ما عنده قوة تسلطوا عليه.
قال: "فأنا أرى البراذين والهجن من الخيل إذا أجازها
الوالي" يعني رد ذلك إلى اجتهاد الوالي، السلطان، القائد
"وقد قال سعيد بن المسيب وسئل عن البراذين هل فيها من
صدقة؟ فقال: وهل في الخيل من صدقة؟ " إذا كان الخيل ليس
فيها صدقة فالبراذين مثلها؛ لأنها نوع منها، خلافاً لمن
يرى الزكاة في الخيل، وهو مذهب من؟ مذهب أبي حنيفة،
والجمهور على أنه لا زكاة فيها إلا إذا أعدت للتجارة، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
حتى لو باشرت ....
طالب:. . . . . . . . .
لكن النص جاء في الفرس وصاحبه، النص جاء للفرس وصاحبه.
طالب:. . . . . . . . .
أنت افترض أن معه عشرة يعتقبها، ما أعطاها شخص يقاتل
عليها.
طالب:. . . . . . . . .
اللي باشر أعطي هذا المقاتل على شان إيش؟
طالب:. . . . . . . . .
كيف؟
طالب:. . . . . . . . .
(92/7)
لا، لا، أنت خرجت بعشرة أفراس، أو زيد من
الناس خرج بعشرة أفراس من أجل أن يقسم لها، لا أكثر ولا
أقل؛ لأنه لن يقاتل عليها كلها، إذا كان يتناوب واحد
ويتعاقب واحد دون الثاني هذه في حكم الواحد ما في إشكال،
لكن إذا خرج بها من أجل أن يقسم لها، فرق بين أن تكون عنده
وتطلب من قبل الإمام كما تطلب الآلات وغيرها، فيعطى عليها
أجرتها فقط، وأما كونه يخرج بها بنية أن يقسم لها ويقول:
اخرج يا فلان تعال هذا فرس، وأنت على ... ، لا ما يصلح.
طالب:. . . . . . . . .
إيه لكن أخرجه لله أو للمغنم في الأصل، يعني في الأصل
الباعث له ...
طالب:. . . . . . . . .
على كل حال هذا رأي الإمام، وله وجه.
اقرأ.
أحسن الله إليك.
باب: ما جاء في الغلول
وحدثني يحيى عن مالك عن عبد الرحمن بن سعيد عن عمرو بن
شعيب أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حين صدر من حنين،
وهو يريد الجعرانة سأله الناس حتى دنت به ناقته من شجرة،
فتشبكت بردائه حتى نزعته عن ظهره، فقال رسول الله -صلى
الله عليه وسلم-: ((ردوا علي ردائي، أتخافون أن لا أقسم
بينكم ما أفاء الله عليكم؟ والذي نفسي بيده لو أفاء الله
عليكم مثل سُمُر تهامة)) ...
سَمر، سَمر.
أحسن الله إليك.
((لو أفاء الله عليكم مثل سَمُر تهامة نعماً لقسمته بينكم،
ثم لا تجدوني بخيلاً ولا جباناً ولا كذاباً)) فلما نزل
رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قام في الناس، فقال:
((أدوا الخياط والمخيِط)) ...
المِخْيَط، المِخْيَط.
أحسن الله إليك.
فقال: ((أدوا الخياط والمخيَط، فإن الغلول عار ونار وشنار
على أهله يوم القيامة)) قال: ثم تناول من الأرض وبرة من
بعير أو شيئاً، ثم قال: ((والذي نفسي بيده ما لي مما أفاء
الله عليكم ولا مثل هذه إلا الخمس، والخمس مردود عليكم)).
وحدثني عن مالك عن يحيى بن سعيد عن محمد بن يحيى بن حبان
أن زيد بن خالد الجهني قال: توفي رجل من حنين ....
يوم حنين.
أحسن الله إليك.
(92/8)
توفي رجل يوم حنين وإنهم ذكروه لرسول الله
-صلى الله عليه وسلم- فزعم زيد أن رسول الله -صلى الله
عليه وسلم- قال: ((صلوا على صاحبكم)) فتغيرت وجوه الناس
لذلك، فزعم زيد أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال:
((إن صاحبكم قد غل في سبيل الله)) قال: ففتحنا متاعه
فوجدنا خرزات من خرز يهود ما تساوين درهمين.
وحدثني عن مالك عن يحيى بن سعيد عن عبد الله بن المغيرة بن
أبي بردة الكناني أنه بلغه أن رسول الله -صلى الله عليه
وسلم- أتى الناس في قبائلهم يدعو لهم، وأنه ترك قبيلة من
القبائل، قال: وإن القبيلة وجدوا في بردعة رجل منهم عقد
جزع غلولاً، فأتاهم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فكبر
عليهم كما يكبر على الميت.
وحدثني عن مالك عن ثور بن زيد الديلي عن أبي الغيث سالم
مولى ابن مطيع عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: خرجنا مع
رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عام خيبر، فلم نغنم ذهباً
ولا ورقاً إلا الأموال الثياب والمتاع، قال: فأهدى رفاعة
بن زيد لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- غلاماً أسود يقال
له: مدْعم، فوجه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إلى وادي
القرى، حتى إذا كنا بوادي القرى بينما مدعم يحط رحل رسول
الله -صلى الله عليه وسلم- إذ جاءه سهم عائر، فأصابه
فقتله، فقال: الناس هنيئاً له الجنة، فقال: رسول الله -صلى
الله عليه وسلم-: ((كلا والذي نفسي بيده، إن الشملة التي
أخذ يوم خيبر من المغانم لم تصبها المقاسم لتشتعل عليه
ناراً)) قال: فلما سمع الناس ذلك جاء رجل بشراك أو شراكين
إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فقال رسول الله -صلى
الله عليه وسلم-: ((شراك أو شراكان من نار)).
وحدثني عن مالك عن يحيى بن سعيد أنه بلغه عن عبد الله بن
عباس -رضي الله عنهما- أنه قال: ما ظهر الغلول في قوم قط
إلا ألقي في قلوبهم الرعب، ولا فشا الزنا في قوم قط إلا
كثر فيهم الموت، ولا نقص قوم المكيال والميزان إلا قطع
عنهم الرزق، ولا حكم قوم بغير الحق إلا فشا فيهم الدم، ولا
ختر قوم بالعهد إلا سلط الله عليهم العدو.
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-:
باب: ما جاء في الغلول
الغلول: الأخذ من الغنيمة قبل قسمتها.
(92/9)
قال: "حدثني يحيى عن مالك عن عبد ربه بن
سعيد عن عمرو بن شعيب أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-
حينما صدر من حنين" يعني رجع، وفي حكم الغلول الأخذ من
الأموال العامة بغير إذن من يملك الإذن، الموظف تجده يأخذ،
يأخذ القلم، يأخذ الدفتر، يأخذ الشيء اليسير، قد يستغل إذا
كان في مستودع أو في مكان لا يطلع عليه هذا غلول،
استعملناه على شيء فليأتنا بقليله وكثيرة، لا يجوز أن يأخذ
لنفسه شيئاً إلا بإذن من يملك الإذن، ويتساهل الناس في
استعمال الأمور العامة على غير وجهها، وفي غير مصلحة
العمل، يتساهلون، الأمور اليسيرة التي لا يستأذن فيها آحاد
الناس، وتستعمل بينهم من غير نكير، يعني وقع بقلم، وإلا
كتب رقم وإلا شيء، هذا ما يضر، يُسأل كثيراً عن شحن الجوال
سواءً كان في مكان الوظيفة، أو في المسجد، أو في غيره، شحن
الجوال نجد في المساجد الناس يشحنون جوالاتهم في أيام
الاعتكاف وغيرها، هذا كثير، ويرى ذلك في الحرمين بكثرة،
فهل يعفى عن مثل هذا الشيء اليسير أو نقول: إن هذا غلول
وإن كان قليلاً؟ يعني هل أنت إذا ذهبت إلى فلان من الناس
تزوره وأردت أن تشحن جوالك تستأذن وإلا ما تستأذن؟ احتمال
يأذن أو ما يأذن؟ نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
ما يتوقع أنه لا يأذن، والغالب أنه لا يحتاج مثل هذا إلى
إذن، ولا شك أن الورع في مثل هذه الأمور الترك، لكن إذا
احتاج وهو في المسجد يحتاج لذلك، فالأمر أرجو أن يكون فيه
سعة، لكن الورع ألا يشحن من المسجد، ولا من محل الدوام إلا
بإذن من يملك الإذن، هذا الورع، فالأمر في مثل هذا يسير،
لكن ما زاد على
ذلك لا بد من الإذن سواءً كان قليلاً أو كثيراً.
(92/10)
بعضهم يستعمل الهاتف ويكلم هناك مكالمات
عرف بين الناس التسامح فيها، المكالمات الداخلية تكلم من
غير استئذان سهل؛ لأنها لا تكلف، لكن المكالمات الخارجية
التي تحتاج إلى صفر، بعض الناس يقول: أنا والله ما أخذت
بجيبي شيء، من وزارة التعليم إلى وزارة المواصلات أو وزارة
الاتصالات أنا ما أخذت شيء، يعني مجرد من مكان إلى مكان،
دراهم انتقلت من مكان إلى مكان، وكلها تبع بيت المال، هل
هذا الكلام صحيح؟ لأنا سمعنا مثل هذا، يقول: أنا والله ما
أخذت بجيبي شيء، كلام يطير به الهواء، والدراهم إن أخذت من
وزارة التعليم إن كان مدرس، أو من وزارة العدل إن كان يعمل
في شيء من توابعها إلى وزارة الهاتف سابقاً، أظن ما زالت
وزارة الهاتف، الاتصالات ما هي تبع؟
على كل حال دعونا من هذا خلوه على النظام القديم، يعني
الآن صارت شركة، يقول: أنا ما صنعت شيء، والله نقلنا ها
الدراهم اليسيرة من وزارة العدل إلى وزارة الهاتف، والمصب
كله من وزارة المالية، كله من مؤسسة النقد وزارة المالية،
يقول: أنا ما أخذت شيء، نقول: لا، أخذت.
طالب:. . . . . . . . .
لكن في الجملة يعني الذي يغذيهم من؟ وزارة المالية تبع
مؤسسة النقد، ما راحت بعيد، لكن ما أنا بقرر هذا، أنا أقرر
وجهة نظره، أنا أقرر وجهة نظر من سمعت، والإشكال أنه يعني
عنده شيء من العلم، لكنه لا يجوز أن يقتدى به في مثل هذا،
هذا يبرر لنفسه أن يستعمل الأموال العامة بغير مبرر في
مصلحته الخاصة، وهذا ضرب من الغلول، ناهيك عمن يقول: أنا
والله هذا نصيبي من بيت المال، وأنا ما وصلني نصيبي ولا
كذا ولا كذا، وهذا الكلام يتذرع به كثير من الموظفين، بل
غير الموظفين قد يفعل مثل هذا، فنقول: هذا غلول لا بد من
إذن من يملك الإذن.
طالب:. . . . . . . . .
رئيسها إن كانت صلاحيته تصل إلى هذا الحد؛ لأن المصالح
معروفة، ما من رئيس إلا وفوقه رئيس.
طالب:. . . . . . . . .
هذا ما فيه إشكال، السلطان الأعظم عاد مفروغ منه.
على كل حال الصلاحيات محددة، في كل جهة محددة، يعرفون
صلاحياته، يعني الذي يملك إجازة يملك كذا يملك خارج دوام،
يملك انتداب، اللي يملك معروف يعني.
طالب:. . . . . . . . .
(92/11)
لا، أنت ها الموظف إذا كان يعرف أن هذا
ليست من صلاحيات مسئوله المباشر استئذانه مثل عدمه، ما
يملك.
طالب:. . . . . . . . .
يعني احتاجها في هذا الظرف، ويضع بدلها ما يساويها من كل
وجه، لا شك أن مثل هذا أيضاً تصرف؛ لأنه ما يقدر أن يأخذ
من أي واحد من الناس إلا بإذن.
قال: "أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حين صدر من حنين
وهو يريد الجعرانة سأله الناس" أن يقسم بينهم ما غنموا،
وضيقوا عليه -عليه الصلاة والسلام- من كثرة من يسأل "حتى
دنت به ناقته من شجرة، فتشبكت بردائه" وهو ما يستر الجزء
الأعلى من البدن، الشجرة هذه فيها شوك، وفيها أشياء يمسك
بالرداء "حتى نزعته عن ظهره، فقال رسول الله -صلى الله
عليه وسلم-: ((ردوا علي ردائي)) " هاتوا، وبعض الروايات
تدل على أنهم هم الذين سحبوا الرداء "فقال: ((ردوا علي
ردائي، أتخافون أن لا أقسم بينكم ما أفاء الله عليكم؟ )) "
هو -عليه الصلاة والسلام- يعطي عطاء من لا يخشى الفقر في
غير هذا الموضع الذي يجب القسمة فيه.
(92/12)
" ((والذي نفسي بيده)) " فيه إثبات اليد
لله -جل وعلا-، كثيراً ما يحلف النبي -عليه الصلاة
والسلام- بهذا، " ((لو أفاء الله عليكم مثل سَمُر تهامة
نعماً)) " سمر تهامة فيه كثرة كاثرة، فلو عدد هذه الأشجار
من السمر نعماً، إبل وبقر وغنم " ((لقسمته بينكم، ثم لا
تجدوني بخيلاً)) " النبي -عليه الصلاة والسلام- أجود
الناس، وقد يعطي للتأليف نعماً بين واديين كما فعل -عليه
الصلاة والسلام-، وقال -عليه الصلاة والسلام- في الحديث
الصحيح: ((ما يسرني أن لي مثل أحد ذهباً تأتي علي ثالثة
وعندي منه دينار إلا دينار أرصده دين)) مثل أحد ذهب ((إلا
أن أقول به هكذا وهكذا وهكذا)) فكيف بما أوجب الله قسمته "
((ثم لا تجدوني بخيلاً ولا جباناً ولا كذاباً)) " هذه صفات
ذميمة، والنبي -عليه الصلاة والسلام- من أبعد الناس عنها،
وهو الصادق المصدوق، وهو أشجع الناس، وأجود الناس -عليه
الصلاة والسلام- "فلما نزل رسول الله -صلى الله عليه وسلم-
قام في الناس، فقال: " ((أدوا الخياط والمخيط)) " الخياط:
هو الخيط، والمخيط الآلة الإبرة التي يخاط بها، ((فإن
الغلول عار)) عار في الدنيا ((ونار)) في الآخرة، ((وشنار))
يشمل الأمرين " ((على أهله يوم القيامة)) ثم تناول من
الأرض" وفي بعض الروايات: من ناقته "وبرة" واحدة الوبر،
وهو ما يغطي جلد الإبل "من بعير أو شيئاً، ثم قال" شيئاً
يسير نحو الوبرة أو قريب منها "ثم قال: ((والذي نفسي بيده
ما لي مما أفاء الله عليكم ولا مثل هذه)) " كثير منهم لا
يرونها ((ولا مثل هذه)) الوبرة ((إلا الخمس، والخمس مردود
عليكم)) الخمس المذكور في سورة الأنفال يرد عليهم أيضاً،
والله المستعان.
قال: "وحدثني عن مالك عن يحيى بن سعيد عن محمد بن يحيى بن
حبان أن زيد بن خالد الجهني قال: توفي رجل يوم حنين، وإنهم
ذكروه لرسول الله -صلى الله عليه وسلم-" في بعض الروايات:
يوم خيبر، وقال بعض الشراح: إن حنين مصحفة، والصواب خيبر،
بدليل قوله في آخر الخبر: "فوجدنا خرزات من خرز يهود"
واليهود إنما هم في خيبر لا في حنين.
(92/13)
قال: "وإنهم ذكروه لرسول الله -صلى الله
عليه وسلم-، فزعم زيد أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-
قال: ((صلوا على صاحبكم)) " الإمام لا يصلي على غال، ولا
على قاتل نفسه، ولا من عليه دين، كما قال النبي -عليه
الصلاة والسلام- ((صلوا على صاحبكم)) على المدين بثلاثة
دراهم، وإن كان فيما بعد قال: ((من ترك مالاً فلورثته، ومن
ترك ديناً فعلي)).
"وإنهم ذكروه لرسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فزعم زيد
أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((صلوا على
صاحبكم)) فتغيرت وجوه الناس لذلك" لأن كل واحد من الحاضرين
يظن أنه مثله، يخشى أن يقدم للصلاة، فيقول النبي -عليه
الصلاة والسلام-: ((صلوا على صاحبكم)) ما دامت العلة غير
معروفة، فالخوف حاصل.
"فتغيرت وجوه الناس لذلك، فزعم زيد أن رسول الله -صلى الله
عليه وسلم- قال: ((إن صاحبكم قد غل في سبيل الله)) " يعني
أخذ من الغنيمة قبل قسمتها، قال: "ففتحنا متاعه فوجدنا
خرزات من خرز يهود ما تساوين درهمين" الدرهم شيء يسير،
أمره يسير الدرهم، إذا نظرنا إلى أن النصاب مائتا درهم،
والمائتا درهم تعادل ستة وخمسين بالوزن ريالاً سعودياً من
الفضة، والريال من الفضة يعدل الآن بعشرين ريال، إيش تساوي
الدرهم؟
طالب:. . . . . . . . .
بهذا الحدود، يعني شيء يسير، ما يسوى مثل هذا الأمر.
طالب:. . . . . . . . .
ويش الدرهم؟
طالب:. . . . . . . . .
لا لا، النصاب، النصاب نعم، والدرهم الواحد إذا قسمت الألف
ومائتين على ... ، على كم؟ على المائتين، الدرهم يعادل
خمسة ريال أو خمسة ونصف؛ لأنه ما تصل إلى الألف المائتين.
على كل حال ليس المنظور إليه قدر الجريمة، بقدر ما ينظر
إليه لا سيما في هذا الموضع الذي الأصل فيه أن الإنسان
يقدم نفسه وماله وجميع ما يملك فداءً لدينه، ثم يكون
النتيجة العكس، ولهذا شدد في شأن الغلول.
"فوجدنا خرزات من خرز يهود ما تساوين درهمين".
طالب:. . . . . . . . .
إيه هذا في بعض الروايات، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
إيه هذه رواية أخرى يعني بعض روايات الموطأ فيها هذا وبعضه
هذا؛ لأن الموطأ مروي على روايات كثيرة.
(92/14)
قل: "وحدثني عن مالك" على كل حال الخبر
موصول في السنن، في السنن عند أبي داود والنسائي وابن
ماجه.
قال: "وحدثني عن مالك عن يحيى بن سعيد عن عبد الله بن
المغيرة بن أبي بردة الكناني أنه بلغه أن رسول الله -صلى
الله عليه وسلم- أتى الناس في قبائلهم يدعو لهم" يعني
جاهدوا معه فيكافئهم -عليه الصلاة والسلام- بالدعاء "يدعو
لهم، وأنه ترك قبيلة من القبائل، قال: وإن القبيلة وجدوا"
وجدوا في أنفسهم بسبب ترك الدعاء لهم "فبحثوا عن السبب،
ووجدوا في بردعة رجل" هي التي تجعل تحت الرحل، قماش يوضع
تحت الرحل "منهم عقد جزع" وكثير ما يقال: من جزع ظفار، خرز
يؤتى به من عمان "غلولاً، فأتاهم رسول الله -صلى الله عليه
وسلم- فكبر عليهم كما يكبر على الميت" هذا الخبر لا يسلم
متنه من نكارة، ما أدري مخرج عندكم وإلا؟
طالب:. . . . . . . . .
إيش قالوا في التخريج؟
طالب:. . . . . . . . .
إيه.
طالب:. . . . . . . . .
نكارة المتن في كونه -عليه الصلاة والسلام- ترك القبيلة
بكاملها، مع أن الذي غل واحد، الأمر الثاني أنه كبر عليهم
كما يكبر على الميت، كيف يكبر على قبيلة كما يكبر على
الميت؟ المتن فيه نكارة بلا شك.
في تخريج غير هذا؟
طالب:. . . . . . . . .
هين وابن عبد البر يقول: لم أجده مسنداً بوجه من الوجوه.
(92/15)
قال: "وحدثني عن مالك عن ثور بن زيد الديلي
عن أبي الغيث سالم مولى ابن مطيع عن أبي هريرة قال: خرجنا
مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عام خيبر، فلم نغنم
ذهباً ولا ورقاً إلا الأموال الثياب والمتاع" وبعض
الروايات: والثياب والمتاع "إلا الأموال الثياب والمتاع،
قال: فأهدى رفاعة بن زيد لرسول الله -صلى الله عليه وسلم-
غلاماً أسود يقال له: مدعم" جاء في بعض الروايات أن اسمه:
كركرة، ولا يمنع أن تكون قصة أخرى، أو يكون أحدهما اسم
والثاني لقب "فوجه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إلى
وادي القرى، حتى إذا كنا بوادي القرى" وهو الذي يفصل بين
بلاد العرب والشام "حتى إذا كنا بوادي القرى بينما مدعم
يحط رحل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إذ جاءه سهم عائر"
سهم عائر ما يدرى من أي جهة، "فأصابه فقتله، فقال: الناس
هنيئاً له الجنة" لأنه قتل في سبيل الله "فقال: رسول الله
-صلى الله عليه وسلم-: ((كلا والذي نفسي بيده إن الشملة
التي أخذ يوم خيبر من المغانم لم تصبها المقاسم لتشتعل
عليه ناراً)) " وهذا -نسأل الله العافية- يدل على عظم شأن
الغلول {وَمَن يَغْلُلْ يَأْتِ بِمَا غَلَّ يَوْمَ
الْقِيَامَةِ} [(161) سورة آل عمران] "قال: فلما سمع الناس
ذلك جاء رجل بشراك" السير الذي يوضع على القدم بالنسبة
للنعل "أو شراكين إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم-"
قال: خذ، لما سمع الوعيد -نسأل الله العافية- على الغلول،
جاء بشراك أو شراكين، لكن الرسول -عليه الصلاة والسلام-
قال: ((شراك أو شراكان من نار)) حينما جاء بهما جاء نادماً
خائفاً، والندم توبة، فهل معنى هذا أنه مع رده لهما ثبت في
حقه الحكم؟ ((شراك أو شراكان من نار)) وأن هذا يثبت في حقه
ولو ردهما، وأن الرد لا يقبل في الغلول، يقبل وإلا ما
يقبل؟ إذا جاء تائباً نادماً، نعم؟
(92/16)
هذا الأصل، القواعد العامة تدل على هذا،
وليس بأعظم من أشرك، التوبة تهدم ما قبلها كما في الحديث
الصحيح، والندم توبة، أو نقول: إن هذا جاء على جهة الزجر
والتشديد في شان الغلول لئلا تسول لأحد نفسه أن يغل، ثم
بعد ذلك إن اطلع عليه رد ما غل؟ وقال: إنه تائب، فأريد حسم
هذا الباب، ومن أجل ألا تحدث النفس الشخص أن يغل سواءً
ردها إن اطلع عليها، أو لم يردها، لكن حسماً لهذا الباب
بالكلية.
((شراك أو شراكان من نار)) نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
يعني قبل أن يردها يأمره، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
مدعم النبي -عليه الصلاة والسلام- ما عرف إلا بعد، نعم؟
شوف يقول: "يقال له: مدعم، فوجه رسول الله -صلى الله عليه
وسلم- إلى وادي القرى، حتى إذا كنا بوادي القرى بينما مدعم
يحط رحله" هو أخذها بخيبر، وقتل لما قفلوا.
طالب:. . . . . . . . .
إيه.
طالب:. . . . . . . . .
ما يدري إلا بعد -عليه الصلاة والسلام-.
طالب:. . . . . . . . .
لا، لا، إذا أضمرنا مثل هذا ما سلم لنا شيء.
سم.
طالب:. . . . . . . . .
باعتبار أنه لو لم يردها، يعني لو لم يردها لصارت عليه
ناراً مثل الشملة، على كل حال اللفظ محتمل وإرادة المبالغة
في التنفير من الغلول ظاهرة.
قال: "وحدثني عن مالك عن يحيى بن سعيد".
اتفضل.
طالب: يصرفون له سيارة من العمل ثم يصرفون له حقوق بنزين.
. . . . . . . .
لا، لا، يردها على الجهة، يعطيها من أجل أن يستعملها في
عمله، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
ذهابه ورجوعه حكمه سواء، كما في الذهاب إلى الجمعة والرجوع
الحكم واحد، إذا كان لا يخرجه إلا الجهاد، ولذلك لما حكموا
له بالشهادة ما أنكر عليهم النبي -عليه الصلاة والسلام-
إلا من أجل الغلول.
طالب:. . . . . . . . .
على كل حال إذا كان خروجه لا ينهزه إلا الجهاد فإلى أن
يرجع إلى بيته فهو مجاهد.
طالب:. . . . . . . . .
باعتبار الظاهر، مع أنه جاء النهي عن الجزم لأحد بالشهادة،
نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
هم حكموا عليه باعتبار الظاهر، وجاء ما يدل على إنكار
الجزم في نصوص أخرى، هاه؟
طالب:. . . . . . . . .
كلا من أجل الشملة لا من أجل الحكم، ويمكن أن البيان سابق.
(92/17)
على كل حال نكمل ما عندنا.
قال: "وحدثني عن مالك عن يحيى بن سعيد أنه بلغه عن عبد
الله بن عباس أنه قال: ما ظهر الغلول في قوم قط إلا ألقي
في قلوبهم الرعب" ألقي في قلوبهم الخوف والوجل والرعب من
العدو بسبب هذه المعصية؛ لأن أخشى ما يخشى على المجاهدين
أن تخونهم ذنوبهم، كما كان القواد من الصدر الأول يوصون
الجيوش والخليفة والسلطان يوصي القائد أن يحرص على ألا
تزاول المعاصي في الغزو؛ لأن هذا خير معين للعدو، فإذا وجد
الغلول قذف في قلوبهم الرعب، وإذا وجد الرعب حصلت الهزيمة.
"ولا فشا الزنا في قوم" يعني ظهر "قط إلا كثر فيهم الموت،
ولا نقص قوم المكيال والميزان إلا قطع عنهم الرزق" قطع
عنهم القطر من السماء {وَفِي السَّمَاء رِزْقُكُمْ وَمَا
تُوعَدُونَ} [(22) سورة الذاريات] "ولا حكم قوم بغير الحق"
يعني بغير ما أنزل الله "إلا فشا فيهم الدم" يعني القتل
"ولا ختر قوم" يعني نقضوا عهودهم "ولا ختر قوم بالعهد إلا
سلط الله عليهم العدو" كل هذه محرمات رتبت عليها هذه
العقوبات، نعم.
أحسن الله إليك.
باب: الشهداء في سبيل الله
وحدثني يحيى عن مالك عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة
-رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال:
((والذي نفسي بيده لوددت أني أقاتل في سبيل الله فأقتل، ثم
أحيا فأقتل، ثم أحيا فأقتل)).
فكان أبو هريرة يقول ثلاثاً: أشهد بالله.
وحدثني عن مالك عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة -رضي
الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((يضحك
الله إلى رجلين يقتل أحدهما الآخر كلاهما يدخل الجنة،
يقاتل هذا في سبيل الله فيقتل، ثم يتوب الله على القاتل
فيقاتل فيستشهد)).
وحدثني عن مالك عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة -رضي
الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((والذي
نفسي بيده لا يُكْلم أحد في سبيل الله، والله أعلم بمن
يكلم في سبيله إلا جاء يوم القيامة وجرحه يثعب دماً، اللون
لون دم، والريح ريح المسك)).
وحدثني عن مالك عن زيد بن أسلم أن عمر بن الخطاب -رضي الله
عنه- كان يقول: اللهم لا تجعل قتلي بيد رجل صلى لك سجدة
واحدة يحاجني بها عندك يوم القيامة.
(92/18)
وحدثني عن مالك عن يحيى بن سعيد عن سعيد بن
سعيد المقبري عن عبد الله بن أبي قتادة عن أبيه أنه قال:
جاء رجل إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال: يا رسول
الله إن قتلت في سبيل الله صابراً محتسباً مقبلاً غير مدبر
أيكفر الله عني خطاياي؟ فقال رسول الله -صلى الله عليه
وسلم-: ((كيف قلت؟ )) فأعاد عليه قوله، فقال له النبي -صلى
الله عليه وسلم-: ((نعم، إلا الدين، كذلك قال لي جبريل)).
وحدثني عن مالك عن أبي النضر مولى عمر بن عبيد الله أنه
بلغه أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال لشهداء أحد:
((هؤلاء أشهد عليهم)) فقال أبو بكر الصديق: ألسنا يا رسول
الله بإخوانهم، أسلمنا كما أسلموا، وجاهدنا كما جاهدوا؟
فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((بلى، ولكن لا أدري
ما تحدثون بعدي)) فبكى أبو بكر، ثم بكى، ثم قال: "أئنا
لكائنون بعدك؟! ".
وحدثني عن مالك عن يحيى بن سعيد قال: كان رسول الله -صلى
الله عليه وسلم- جالساً، وقبر يحفر بالمدينة، فاطلع رجل في
القبر، فقال: بئس مضجع المؤمن، فقال رسول الله -صلى الله
عليه وسلم-: ((بئس ما قلت)) فقال الرجل: إني لم أرد هذا يا
رسول الله، إنما أردت القتل في سبيل الله، فقال رسول الله
-صلى الله عليه وسلم-: ((لا مثل للقتل في سبيل الله ما على
الأرض بقعة هي أحب إلي أن يكون قبري بها منها)) ثلاث مرات،
يعني المدينة.
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-:
باب: الشهداء في سبيل الله
الشهداء: هم من يقتل في سبيل الله بغزو في الجهاد جهاد
الكفار، أو جهاد البغاة، أو المحاربين، أو من يشرع قتالهم،
هذا الشهيد الذي هو كما يقول أهل العلم: شهيد الدنيا التي
تثبت له أحكام الشهيد بحيث لا يغسل، ويدفن في ثيابه، ولا
يصلى عليه، وهناك شهيد آخرة لا شهيد دنيا، وجاء في النصوص
ما يدل على أن الغريق أو الحريق وصاحب الهدم والمبطون ومن
مات بالطاعون هؤلاء كلهم شهداء، لكنهم شهداء آخرة لا شهداء
دنيا، لا تثبت لهم أحكام الشهداء، فيغسلون ويكفنون ويصلى
عليهم كغيرهم من أموات المسلمين.
(92/19)
قد يكون الإنسان شهيد في الدنيا والآخرة،
وهو ما إذا كان مخلصاً لله -جل وعلا- في جهاده، ولم يأت
بما يمنع من الشهادة، قد يحكم له بالشهادة في الدنيا، ترتب
عليه أحكامها، وهو في الآخرة الله أعلم بنيته، لكن الناس
ما لهم إلا الظاهر، فيرتبون عليه أحكام الشهيد، إذا تحققت
له هذه الصورة، ويكون شهيد دينا وآخرة إذا تضافر الآمران
عنده بأن وافق ظاهره باطنه.
قال: "حدثني يحيى عن مالك عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي
هريرة أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((والذي
نفسي بيده)) " تكرر هذا القسم، وعرفنا أن النبي -عليه
الصلاة والسلام- كثيراً ما يقسم به، وفيه إثبات اليد لله
-جل وعلا- على ما يليق بجلاله وعظمته " ((والذي نفسي بيده
لوددت أني أقاتل في سبيل الله)) " أجاهد في سبيل الله
((فأقتل)) لما عرف -عليه الصلاة والسلام- من فضل الشهادة،
وفضل الشهداء ((ثم أحيا فأقتل)) يعني مرة ثانية ليزيد بذلك
أجره عند الله -جل وعلا- وثوابه ((ثم أحيا فأقتل)) ثلاثاً،
والنبي -عليه الصلاة والسلام- عنده الخبر أنه لن يقتل، لا
سيما بعد نزول قوله -جل وعلا-: {وَاللهُ يَعْصِمُكَ مِنَ
النَّاسِ} [(67) سورة المائدة] عنده خبر أنه لن يقتل،
(92/20)
لكن ما يلزم في باب التمني أن يتحقق، لا
يلزم أن تتحقق هذه الأمنية، وإنما يؤجر الإنسان على مجرد
الأمنية، فالذي يتمنى أن له مال ويفعل به مثلما فعل فلان
جاء في الحديث ((فهما في الأجر سواءً)) ولا يلزم من ذلك
تحقق الأمنية، ولو عرف الإنسان أنها لن تتحقق، شريطة ألا
يكون مما لا يليق به، تتمنى امرأة أن تكون رجل، أو رجل
يكون ملك، أو يكون نبي، هذا تعدي في الدعاء لا يمكن، أما
إذا سأل الله -جل وعلا- شيئاً ممكناً، أو تمنى على الله
-جل وعلا-، لو تمنى الإنسان أن لو كان صحابياً، رأى النبي
-عليه الصلاة والسلام- وجاهد معه وخدمه، وبذل نفسه دونه،
هل نقول: إن هذا داخل في آية النساء في النهي عن التمني؟
أو نقول: يؤجر على هذه الأمنية ولو جزم بأنه لا يقع؟ أهل
العلم على الثاني، بلا شك أنه يؤجر على هذه الأمنية، مع
أنه وما يدريه أن لو كان في زمنه -عليه الصلاة والسلام-
لفتن، صار من المنافقين، ما يدريك، ما تدري، فالخير كل
الخير أن يرضى الإنسان بما كتب الله له، ويسعى لخلاص نفسه
ونجاته.
يقول: "فكان أبو هريرة يقول ثلاثاً: أشهد بالله" يعني أني
سمعت هذا الكلام بلا شك ولا مرية من النبي -عليه الصلاة
والسلام-.
قال: "وحدثني عن مالك عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي
هريرة أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((يضحك الله
إلى رجلين)) " فيه إثبات الضحك لله -جل وعلا-، على ما يليق
بجلاله وعظمته ((يقتل أحدهما الآخر)) واحد مسلم وواحد
كافر، الكافر يقتل المسلم فيستشهد المسلم يدخل الجنة، ثم
يسلم الكافر، فيقاتل في سبيل الله فيقتل فيدخل الجنة
((يقتل أحدهما الآخر كلاهما يدخل الجنة، يقاتل هذا في سبيل
الله)) هذا المسلم ((فيقتل)) شهيد ((ثم يتوب الله على
القاتل)) والتوبة أعم من أن تكون بإسلام في حالة ما إذا
كان القاتل كافر الذي قتل المسلم، أو يكون هذا آثم، قاتل
نفس عمد ((ثم يتوب الله على القاتل فيقاتل فيستشهد)).
(92/21)
"وحدثني عن مالك عن أبي الزناد عن الأعرج
عن أبي هريرة أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال:
((والذي نفسي بيده لا يكلم)) " يعني لا يجرح ((أحد في سبيل
الله، والله أعلم بمن يكلم في سبيله)) النوايا وما في
القلوب لا يطلع عليه إلا علام الغيوب، قد يظهر للناس أنه
في سبيل الله، ومع ذلك الله -جل وعلا- يعرف السر وأخفى،
أنه ليس في سبيل الله، يعني يظهر للناس أنه في سبيل الله،
والله -جل وعلا- هو الذي يعلم حقائق الأمور وخفاياها
((والله أعلم بمن يكلم في سبيله إلا جاء يوم القيامة وجرحه
يثعب دماً)) يعني يجري دماً ((اللون لون دم)) أحمر
((والريح ريح المسك)).
قال: "وحدثني عن مالك عن زيد بن أسلم أن عمر بن الخطاب كان
يقول: اللهم لا تجعل قتلي بيد رجل صلى لك سجدة واحدة
يحاجني بها عندك يوم القيامة" وقد أجاب الله دعاءه فصار
قتله على يد رجل مجوسي أو نصراني، كنيته أبو لؤلؤة، واسمه
فيروز، غلام للمغيرة بن شعبة، استجاب الله دعاء عمر فصار
قتله على يد من لم يسجد لله سجدة، وإن كان بعض الطوائف
الضالة عند الرافضة يقولون: إنه من أولياء الله، ووضعوا
مشهد عنده، مشهد فيروز الشهيد، ويعبد من دون الله مع
الأسف، إنا لله وإنا إليه راجعون، يطاف به كما يطاف
بالبيت.
(92/22)
قال: "وحدثني عن مالك عن يحيى بن سعيد عن
سعيد بن أبي سعيد المقبري عن عبد الله بن أبي قتادة عن
أبيه أنه قال: جاء رجل إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم-
فقال: يا رسول الله إن قتلت في سبيل الله صابراً محتسباً"
يعني إذا توافرت هذه الشروط، قتلت وفي سبيل الله وصابر
ومحتسب "مقبلاً غير مدبر أيكفر الله عني خطاياي؟ فقال رسول
الله -صلى الله عليه وسلم-: ((نعم)) " الشهادة لا شك أنها
تكفر الخطايا "فلما أدبر الرجل ناداه رسول الله -صلى الله
عليه وسلم- أو أمر به فنودي" ناداه بنفسه يا فلان يا فلان،
أو قال: نادوه "فنودي، فقال له رسول الله -صلى الله عليه
وسلم-: ((كيف قلت؟ )) فأعاد عليه قوله، فقال له النبي -صلى
الله عليه وسلم-: ((نعم، إلا الدين)) " فالشهادة تكفر جميع
الذنوب كبائرها وصغارها ما عدا الدين، ومن أهل العلم من
يقول: جميع حقوق الآدميين التي هي من الديوان الذي لا تغفر
تلحق بالدين ((كذلك قال لي جبريل)) -عليه السلام-.
"وحدثني عن مالك عن أبي النضر" نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
الغريق؟
طالب:. . . . . . . . .
سيأتي الغزو في البحر وما يترتب عليه -إن شاء الله تعالى-.
(92/23)
"وحدثني عن مالك عن أبي النظر مولى عمر ...
" يفصلون في الدين، منهم من قال: من أخذ الدين من على
وجهه، ومحتاجاً له، أو مضطراً له، يختلف عمن أخذه تكثراً،
ويختلف عمن أخذه لا يريد سداده في تفاصيل في الشروح
ذكروها، لكن عموم اللفظ هنا يقتضي أن شأن الدين عظيم،
وكثير من الناس يتساهلون رجالاً ونساءً، الآن فتحت الأبواب
على جميع مصاريعها، امرأة تقول: إنها تملك أربعمائة
وثمانين ألف وتريد أن تشتري بيت تسكنه، قالت: فذهبت للبنك،
وقالوا: أعطينا الأربعمائة وثمانين مقدم، ونقسط عليك
الباقي لمدة ستة عشر عاماً، كل شهر سبعة آلاف، امرأة ما
عندها أحد، وهي تجد بيت مناسب بها اللي عندها أربعمائة
وثمانين، كل هذا من الافتتان بمظاهر الدنيا، وأما بالنسبة
للرجال كبار وصغار وشباب، ويتدين سيارة يمكن يفنى عمره ما
سدد، فضلاً عن البيوت، فسهلت أمور الديون، وليست بعلامة
خير، حيث يكون الناس كلهم أسرى لهذه البنوك أو للتجار أو
غيرها، وشأن الدين عظيم، فالشهادة تكفر كل شيء إلا الدين،
والإبقاء على عموم اللفظ هو الذي يحقق الهدف من التنفير من
الدين.
قال: "وحدثني عن مالك عن أبي النظر مولى عمر بن عبيد الله
أنه بلغه أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال لشهداء
أحد: ((هؤلاء أشهد عليهم)) " يعني شهادتهم ثابتة عندي، ما
عندي فيها أدنى شك، يعني بخلاف غيرهم، نواياهم وأمورهم إلى
الله -جل وعلا-، أما شهداء أحد هؤلاء مضمونون عنه -عليه
الصلاة والسلام-.
(92/24)
" ((أشهد عليهم)) فقال أبو بكر الصديق:
ألسنا يا رسول الله بإخوانهم؟ " يعني إحنا مثلهم ما تشهد
علينا؟ هو شهد له بالجنة "أسلمنا كما أسلموا، وجاهدنا كما
جاهدوا؟ فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((بلى، ولكن
لا أدري ما تحدثون بعدي)) " وهو بهذا الكلام يخاطب العموم،
وفي حديث الحوض يوجد ممن عاش معه -عليه الصلاة والسلام- من
ارتد، وأمور الردة معروفة، ويذادون عن الحوض، ويقال له
-عليه الصلاة والسلام-: إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك، وليس
في هذا مستمسك لمن يكفر جماهير الصحابة، ويكفر أبا بكر
وعمر ويحكم عليهم بالكفر هذا ليس ... ، النبي -عليه الصلاة
والسلام- شهد لهؤلاء الجلة بالجنة، فهناك من شهد له النبي
-عليه الصلاة والسلام- على وجه الخصوص، وهناك من شهدت لهم
النصوص بالعموم.
" ((ولكن لا أدري ما تحدثون بعدي)) فبكى أبو بكر، ثم بكى،
ثم قال: "أئنا لكائنون بعدك؟ " بكى من كونه يخلف بعد النبي
-عليه الصلاة والسلام-، ويود أن يكون مات قبل النبي -عليه
الصلاة والسلام-.
قال: "وحدثني عن مالك عن يحيى بن سعيد أنه قال: كان رسول
الله -صلى الله عليه وسلم- جالساً وقبر يحفر بالمدينة،
فاطلع رجل في القبر" يعني زيارة القبور والنظر فيها
والتأمل والاعتبار والادكار هذه من السنن المشروعة، بل جاء
الأمر بها، ((كنت نهيتكم عن زيارة القبور فزورها فإنها
تذكر الآخرة)) {أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ * حَتَّى
زُرْتُمُ الْمَقَابِرَ} [(1 - 2) سورة التكاثر].
قال: "فاطلع رجل" يعني نظر في داخل القبر "فقال: بئس مضجع
المؤمن" يعني بدلاً من الفراش الوثير، والغطاء الملائم
المريح يأتي إلى هذا! هو من منظور الدنيا، يعني لو أن
الإنسان بدلاً من أن ينام على فراش ينام على الأرض بدون
فراش، يقال لهذا: نعم المريح، وذاك يقال له: بئس، فهذا نظر
إليه من هذه الحيثية، من هذه النظرة، أن هذا منام ليس
بمريح "فقال: بئس مضجع المؤمن" وما يدريه أن منهم ممن يدفن
في هذه القبور يكون عليه هذا القبر روضة من رياض الجنة،
ويمد له مد البصر، ويفتح له باب إلى الجنة، وينعم في قبره،
ومنهم العكس من يعذب ويضيق عليه.
(92/25)
"فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-:
((بئس ما قلت)) فقال الرجل: إني لم أرد هذا يا رسول الله،
إنما أردت القتل في سبيل الله" معنى هذا الذي يظهر من
السياق، واعتذاره عما أراد أنه بئس هذا المضجع أن يدفن في
الحضر في بلده من غير جهاد، ونعم أن يقتل في سبيل الله في
ساحات القتال ويدفن هناك.
"قال: إنما أردت القتل في سبيل الله" يعني ما أردت ببئس
الكلام الأول القتل في سبيل الله، هذا ما يمكن يقوله عاقل
"إنما أردت القتل في سبيل الله، فقال رسول الله -صلى الله
عليه وسلم-: ((لا مثل للقتل في سبيل الله)) " ليس له نظير،
الذي يحقق الشهادة ((ما على الأرض بقعة هي أحب إلي أن يكون
قبري بها منها)) يعني من المدينة، في مثل هذا القبر، "ثلاث
مرات، يعني المدينة" وهذا لا شك أن الحديث من فضائل
المدينة، وجاء فيها فضائل كثيرة، وجاء أيضاً في فضائل مكة
ما هو أكثر، والجمهور على ترجيح مكة على المدينة، والإمام
مالك يرى العكس، ومن أئمة المالكية من يرجح مكة كابن عبد
البر وغيره، أبو عمر بن عبد البر يرجح مكة على المدينة
خلافاً لإمامه، والله أعلم.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
(92/26)
بسم الله الرحمن الرحيم
شرح: الموطأ – كتاب الجهاد (4)
باب: ما تكون فيه الشهادة - باب: العمل في غسل الشهيد -
باب: ما يكره من الشيء يجعل في سبيل الله
باب: الترغيب في الجهاد - باب: ما جاء في الخيل والمسابقة
بينها والنفقة في الغزو - باب: إحراز من أسلم من أهل الذمة
أرضه.
الشيخ: عبد الكريم الخضير
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
سم.
أحسن الله إليك.
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا
محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
اللهم اغفر لشيخنا والحاضرين والسامعين برحمتك يا أرحم
الراحمين.
قال المؤلف -رحمه الله تعالى-:
باب: ما تكون فيه الشهادة
حدثني يحيى عن مالك عن زيد بن أسلم أن عمر بن الخطاب -رضي
الله عنه- كان يقول: اللهم إني أسألك شهادة في سبيلك،
ووفاة ببلد رسولك.
وحدثني عن مالك عن يحيى بن سعيد أن عمر بن الخطاب -رضي
الله عنه- كان يقول: كرم المؤمن تقواه، ودينه حسبه،
ومروءته خلقه، والجرأة والجبن غرائز يضعها الله حيث شاء،
فالجبان يفر عن أبيه وأمه، والجريء يقاتل عما لا يئوب به
إلى رحله، والقتل حتف من الحتوف، والشهيد من احتسب نفسه
على الله.
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده
ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
فيقول المؤلف -رحمه الله تعالى-:
باب: ما تكون فيه الشهادة
ثم ذكر أثرين عن عمر بن الخطاب -رضي الله عنهما- ارتباطهما
بالترجمة اللهم إلا إذا كان المطلوب الرابط بينهما سؤال
الشهادة، الأول فيه سؤال الشهادة، وجاء فيه ما جاء أن من
طلب الشهادة صادقاً حصل له ثوابها وأجرها، وإن مات على
فراشه، والثاني ما فيه إلا أن الشهيد من احتسب نفسه، أخلص
في جهاد لله -جل وعلا-.
"ما تكون فيه" (في) هذه ظرفية وإلا غير ظرفية؟ سببية، "إني
أسألك الشهادة في سبيلك" يعني من أسباب أجر الشهادة سؤال
الشهادة، ومن أسباب نيل ثواب الشهادة احتساب هذه الشهادة
في سبيل الله -جل وعلا-.
في شيء من البعد يعني، لكن إذا حملت على أنها سببية كما
يقول بعض الشراح يعني الأسباب منها القريب، ومنها البعيد.
(93/1)
قال -رحمه الله-: "حدثني يحيى عن مالك عن
زيد بن أسلم أن عمر بن الخطاب كان يقول: اللهم إني أسألك
شهادة في سبيلك" يعني على المسلم أن يطلب الشهادة من الله
-جل وعلا- صادقاً في ذلك مخلصاً؛ لأنه ولو لم يقتل في سبيل
الله حصل له أجرها، قد ثبت عنه -عليه الصلاة والسلام- أن
من سأل الشهادة صادقاً في سؤاله نال ثوابها وأجرها، ولو
مات على فراشه.
"اللهم إني أسالك شهادة في سبيلك" لتكفر بها جميع الذنوب
إلا ما تقدم من الدين، فيقاس عليه حقوق الخلق، إن لم يرضهم
الله -جل وعلا- عن هذا الشهيد.
"ووفاة ببلد رسولك" -عليه الصلاة والسلام-، لا شك أن
الوفاة في المدينة لها ميزتها، فهي مهاجر النبي -عليه
الصلاة والسلام- ومهاجر أصحابه، وهي قاعدة الإسلام،
وعاصمته الأولى، وهي أفضل بقاع الأرض بعد مكة عند الجمهور،
وقبلها عند مالك -رحمه الله-.
"وفاة ببلد رسولك" -عليه الصلاة والسلام-، وقد حصل له ما
تمنى، قتل شهيداً وهو يصلي، ودفن ببلد الرسول -عليه الصلاة
والسلام- بل بجواره.
ثم بعد ذلك قال: "وحدثني عن مالك عن يحيى بن سعيد أن عمر
بن الخطاب كان يقول: كرم المؤمن تقواه"
{إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ} [(13)
سورة الحجرات] "ودينه حسبه" ((من بطأ به عمله لم يسرع به
نسبه)) فالدين هو العمل، ومروءته خلقه، الخلق الحسن
ومعاشرة الناس، ومعاملتهم بخلق حسن هذه المروءة الحقيقية
"والجرأة والجبن غرائز" صفات ثابتة في النفوس، وبعض الناس
مجبول على الجرأة، وبعضهم مجبول على الجبن، والخير في
الوسط، الجرأة مطلوبة في مواضع، وأيضاً هي مذمومة في مواضع
إذا زادت عن حدها.
(93/2)
"الجرأة والجبن غرائز يضعها الله حيث شاء،
فالجبان يفر عن أبيه وأمه" يتعرض أبوه وأمه للخطر ويفر
منهما، ولا يدافع عنهما، يحترق المنزل وأمه وأبوه بأمس
الحاجة إليه فيهرب ويتركهم، وبإمكانه أن يسعفهم أو ينقذهم
هذا جبان "فالجبان يفر عن أبيه وأمه، والجريء يقاتل عما لا
يئوب به إلى رحله" عما لا يستفيد منه، الجريء يقاتل عما لا
يئوب يعني لا يرجع به إلى رحله، لا يستفيد منه ألبتة،
وإنما قد يستفيد منه غيره، وقد لا يستفيد منه أحد، والجريء
يقاتل عما لا يئوب به إلى رحله، ولا شك أن الجرأة ممدوحة،
والشجاعة ممدوحة ما لم تتعدَ الحد المشروع، كما أن جميع
الخصال لها طرفا نقيض، والخير في الوسط.
"والقتل حتف من الحتوف" يعني سبب من أسباب الموت، نوع ولون
من ألوان الموت:
من لم يمت بالسيف مات بغيره ... تنوعت الأسباب والموت واحد
"والقتل حتف من الحتوف" يعني مما يتداوله الناس، قالوا:
فلان قتل، قالوا: ما يعرض نفسه للقتل، قالوا: فلان سقط من
شاهق، قال: لا يصعد شاهق، تردى في بئر قال: لا يقرب من
بئر، وهكذا إلى آخره، ثم قالوا: فلان مات على فراشه، هذا
ماذا يصنع؟ نعم؟ لا مفر ولا محيد {إِذَا جَاء أَجَلُهُمْ
فَلاَ يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلاَ يَسْتَقْدِمُونَ}
[(49) سورة يونس].
"والشهيد من احتسب نفسه على الله" يعني نذر نفسه لله خدمة
لدينه، سواءً كان بسنانه أو بلسانه أو ببدنه أو بماله
"مخلصاً في ذلك لله -جل وعلا-"، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
هو يولد على الفطرة، ويولد على ما تقتضيه الفطرة وهو
الوسط، يولد متوسط، فإما أن تكون المؤثرات تزيده من جانب
الشجاعة أو تزيده من جانب الجبن، نعم.
أحسن الله إليك.
باب: العمل في غسل الشهيد
حدثني يحيى عن مالك عن نافع عن عبد الله بن عمر -رضي الله
عنهما- أن عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- غسل وكفن وصلي
عليه، وكان شهيداً يرحمه الله.
وحدثني عن مالك أنه بلغه عن أهل العلم أنهم كانوا يقولون:
الشهداء في سبيل الله لا يغسلون، ولا يصلى على أحد منهم،
وإنهم يدفنون في الثياب التي قتلوا فيها.
قال يحيى: قال مالك -رحمه الله-: وتلك السنة فيمن قتل في
المعترك فلم يدرك حتى مات.
(93/3)
قال: وأما من حمل منهم فعاش ما شاء الله
بعد ذلك فإنه يغسل ويصلى عليه كما عمل بعمر بن الخطاب -رضي
الله عنه-.
يقول -رحمه الله تعالى-:
باب: العمل في غسل الشهيد
في غسل الشهيد ذكرنا في درس مضى أن الشهداء منهم من تثبت
له الأحكام كلها في الدنيا والآخرة، ومنهم من تثبت له
أحكام الدنيا دون الآخرة، ومنهم العكس.
عمر -رضي الله عنه- شهيد، قتل شهيداً، ومع ذلك غسل وكفن
وصلي عليه، فأحكام الدنيا لا تثبت لمثل عمر، وإن ثبتت له
الشهادة في الآخرة، لماذا؟ لأنه عاش بعد طعنه، عاش فإذا
عاش المقتول فإنه حينئذٍ لا يعامل في الدنيا معاملة
الشهيد، ومنهم من يقول: إن القتل وإن كان شهادة في مثل
الصورة التي قتل فيها عمر إلا أن المراد بالشهيد الذي جاءت
به النصوص وأن له أحكام في الدنيا تخصه إنما هو من قتل في
سبيل الله، في ساحة القتال، والقتال يبدأ من خروجه من
منزله إلى دخوله إليه، فذهابه جهاد، ورجوعه جهاد.
قال: "حدثني يحيى عن مالك عن نافع عن عبد الله بن عمر أن
عمر بن الخطاب غسل وكفن وصلي عليه، وكان شهيداً يرحمه
الله".
قال: "وحدثني عن مالك أنه بلغه عن أهل العلم أنهم كانوا
يقولون: الشهداء في سبيل الله لا يغسلون، ولا يصلى على أحد
منهم، وإنهم يدفنون في ثيابهم التي قتلوا فيها" هذه أحكام
الشهيد في الدنيا، لا يغسلون، كما فعل بشهداء أحد، لا
يغسلون ولا يصلى على أحد منهم، قد يقول قائل: حنظلة يقال
له: الغسيل، غسلته الملائكة وهو شهيد، لماذا؟ لأنه كان
جنباً.
"ولا يصلى على أحد منهم" النبي -عليه الصلاة والسلام- ثبت
في الحديث الصحيح أنه في آخر حياته صلى على شهداء أحد بعد
ثمان سنين، صلى عليهم كالمودع لهم، فمن يقول بأن الشهيد
يصلى عليه، قال: النبي -عليه الصلاة والسلام- صلى على
شهداء أحد وهذا ناسخ، ومنهم من يقول: لا يصلى عليه مطلقاً،
وعدم الصلاة عليه محكم، يقول: إن الصلاة على شهداء أحد
إنما هي صلاة لغوية مرهم ودعا لهم.
"ولا يصلى على أحد منهم، وإنهم يدفنون في ثيابهم التي
قتلوا فيها" المحرم إذا مات وهو محرم يكفن في ثوبيه،
والشهيد إذا مات وأثر الشهادة على ثيابه يدفن فيها.
(93/4)
"قال مالك: وتلك السنة فيمن قتل في
المعترك" يعني في المعركة "فلم يدرك حتى مات" أما إذا أدرك
ومكث مدة يعالج فيها ولو مات بعد ذلك فإنه لا يأخذ حكم
الشهيد في الدنيا، وإن كان عند الله شهيداً، على ما قرره
أهل العلم؛ لأنه مات بسبب المعركة.
قال: "وأما من حمل منهم فعاش ما شاء الله بعد ذلك فإنه
يغسل ويصلى عليه كما عمل بعمر بن الخطاب" يعني لو أن شخصاً
قتل في بيته، أو قتل في مسجد مثلاً وهو يصلي بالناس، كما
فعل عمر ومات فوراً، يعني مفهوم كلام الإمام أنه لو مات
عمر مات فوراً ما أدرك لما غسل ولا صلى عليه ولا ... ،
ودفن في ثيابه؛ لأنه قال: "وأما من حمل منهم فعاش ما شاء
الله بعد ذلك فإنه يغسل ويصلى عليه كما عمل بعمر بن
الخطاب" لكن لو أن أحداً قتل في المحراب كما صنع بعمر -رضي
الله عنه-، نعم عمر حياته كلها جهاد، لكن هناك جهاد تثبت
له الأحكام الذي هو قتال العدو، والمسلم في حياته كلها
جهاد، نقول: يستحق نصيب في سبيل الله المنصوص عليه في آية
الزكاة؟ وإن كانت حياته كلها جهاد بالمعنى العام، لكن
المراد به في هذه الأبواب بمعناه الخاص وهو قتال الأعداء؛
لأن مفهوم كلامه: "وأما من حمل منهم فعاش ما شاء الله بعد
ذلك فإنه يغسل ويصلى عليه كما عمل بعمر" مفهومه أنه لو أن
عمر مات فوراً في محرابه لما غسل ولا صلي عليه، وكفن في
ثيابه، لكن من قال بهذا من أهل العلم؟ نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
كما عمل بعمر بن الخطاب، هنا في أول الباب يقول: إن عمر
غسل أو كفن وصلي عليه، وكان شهيداً يرحمه الله، لماذا؟ نعم
لأنه عاش بعد ذلك، منصوص عليه في آخر الباب، ومفهومه أنه
لو لم يعش لما غسل ولما كفن ولا ما صلي عليه، هذا مفهومه،
لكن هل يوافق الإمام على هذا؟ أو أن المقتول مهما بلغ في
المنزلة في الإسلام والدفاع عن الإسلام والجهاد في سبيل
الله غير قتال العدو، غير قتال المعركة، قد تثبت له ما عند
الله، لا يحد، قد يثبت له أكثر مما يثبت للشهداء، لكن مع
ذلك أحكامه في الدنيا تختلف عن أحكام الشهداء؟ نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
لكن هذا ليس بمعركة مهما كان.
طالب:. . . . . . . . .
المقصود أنه عاش حياة مستقرة.
طالب:. . . . . . . . .
(93/5)
عموماً حياته مستقرة وعولج، ونقل عن مكانه.
طالب:. . . . . . . . .
نعم لو أصيب بغيبوبة يغمى متصل إلى أن مات هذا في حكم
الميت.
سم.
طالب:. . . . . . . . .
ترون الكلام ما ...
طالب:. . . . . . . . .
يغسل ويكفن ويصلى عليه عاش بعد ذلك، الكلام طويل، باقي في
الباب ... ، هاه؟
طالب:. . . . . . . . .
لا، ليس بضعيف صلى عليهم كالمودع لهم؟
طالب:. . . . . . . . .
لا، لا، لكن اختلفوا في معنى الصلاة، هذا أنت اللي تبحثه.
طالب:. . . . . . . . .
لا، لا، مقوى عند أهل العلم، واستدل به من يقول بأن
الشهداء يصلى عليهم، وفي بعض رواياته ما يدل على أنه كبر
عليهم، وهذا مما يقوي أنه يصلى، لكن هذه من خصائص أهل أحد.
على كل حال غداً -إن شاء الله- موعدك، نعم.
سم.
ودنا نكمل الباب يا الإخوان ما عندنا إلا اليوم وغداً،
اليوم تكملة الجهاد، وغداً الأيمان والنذور ما عندنا
غيرهم، فاتركونا يا الإخوان خلونا نكمل هذا؛ لأنه طال بنا
الموطأ وكثير من الإخوان يريدون إنهاءه على أي وجه.
طالب:. . . . . . . . .
من بعد -إن شاء الله- خليه بعد الدرس، نعم.
أحسن الله إليك.
باب: ما يكره من الشيء يجعل في
سبيل الله
حدثني يحيى عن مالك عن يحيى بن سعيد أن عمر بن الخطاب -رضي
الله عنه- كان يحمل في العام الواحد على أربعين ألف بعير،
يحمل الرجل إلى الشام على بعير، ويحمل الرجلين إلى العراق
على بعير، فجاءه رجل من أهل العراق فقال: احملني وسحيماً،
فقال له عمر بن الخطاب: نشدتك الله أسحيم زق؟ قال له: نعم.
يقول -رحمه الله تعالى-:
باب: ما يكره من الشيء يجعل في سبيل الله
يعني يستعمل في غير ما جعل له، يعني ما يكره من الشيء يعني
في استعماله في غير ما جعل له، أو يتوسع في استعماله من
غير ما حدد له.
(93/6)
قال: "حدثني يحيى عن مالك عن يحيى بن سعيد
أن عمر بن الخطاب كان يحمل في العام الواحد على أربعين ألف
بعير، يحمل الرجل إلى الشام على بعير، ويحمل الرجلين إلى
العراق على بعير" قالوا: لأن الطريق إلى الشام، أو القتال
في الشام أشد من القتال في العراق، أشد منه فاحتاج إلى أن
يستقل ببعير يحمله ويحمل متاعه بينما القتال في العراق
أسهل وأيسر طريق، على كل حال هذا صنيع عمر -رضي الله عنه
وأرضاه-.
"فجاءه رجل من أهل العراق" يريد أن يتحايل على عمر -رضي
الله عنه- فيستقل ببعير واحد وهو يريد القتال في العراق لا
الشام "فقال: احملني وسحيماً" يعني هذه تمشي سحيم اسم رجل،
تمشي على كثير من الناس، لكن عمر ما تمشي عليه -رضي الله
عنه- "احملني وسحيماً" يعني على بعير "فقال له عمر بن
الخطاب: نشدتك الله أسحيم زق؟ " يعني وعاء، مثل ما يوضع
فيه الماء أو اللبن أو الخمر، أصله زق وعاء الخمر "أسحيم
زق؟ قال له: نعم" نعم شايل معه قربة وبيحسبها حساب شخص،
قربة مثلاً وبيحسبه يخلي له مكان شخص، وعمر -رضي الله عنه-
ما يمشي عليه مثل هذه الحيل "أسحيم زق؟ قال له: نعم" فأردف
معه آخر؛ لأن هذه لا بد من العدل في مثل هذا، لكن قد يقول
قائل: إن هذا لا يمكن اطراده، لماذا؟ لأن البعير قد يحتمل
ثلاثة لقوته، وبعير لا يحتمل إلا واحد، وأيضاً الراكب
بعضهم الدابة لا تطيق إلا واحد، وبعضهم تطيق ثلاثة من
جنسه، لكن هذه قاعدة عامة يخرج عنها ما يخرج، لو جاء شخص
وزنه يزن ثلاثة مثلاً يبي يردف معه ثاني إلى العراق؟ لا
يمكن؛ لأن الدابة قد لا تطيق ذلك، وليست الدابة مثل الآلات
قد يقول قائل: التذاكر واحدة مثلاً، التذكرة واحدة سواءً
كان وزنه مائتين أو خمسين، يزن أربعة، نقول: لا، الدواب
تعامل معاملة يليق بها، ولذلك يجيزون، وقد حصل منه -عليه
الصلاة والسلام- أنه أردف ما يقرب من ثلاثين كما جمع ذلك
ابن منده، أردف على الدواب ما يقرب من ثلاثين، ويشترطون في
ذلك، كلهم يتفقون على أنه لا يجوز الإرداف على الدابة إلا
إذا كانت تطيق ذلك، بخلاف المراكب الآن السيارات والطائرات
والقاطرات يعني حسابها غير حساب الدواب، نعم.
أحسن الله إليك.
(93/7)
باب: الترغيب في
الجهاد
حدثني يحيى عن مالك عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة عن
أنس بن مالك -رضي الله عنه- قال: كان رسول الله -صلى الله
عليه وسلم- إذا ذهب إلى قباء يدخل على أم حرام بنت ملحان
فتطعمه، وكانت أم حرام تحت عبادة بن الصامت، فدخل عليها
رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يوماً فأطعمته وجلست تفلي
في رأسه، فنام رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يوماً، ثم
استيقظ وهو يضحك، قالت: فقلت: ما يضحكك يا رسول الله؟ قال:
((ناس من أمتي عرضوا علي غزاة في سبيل الله يركبون ثبج هذا
البحر ملوكاً على الأسرة)) أو ((مثل الملوك على الأسرة))
يشك إسحاق، قالت: فقلت له: يا رسول الله ادع الله أن
يجعلني منهم، فدعا لها ثم وضع رأسه فنام، ثم استيقظ يضحك،
قالت: فقلت له: يا رسول الله ما يضحكك؟ قال: ((ناس من أمتي
عرضوا علي غزاة في سبيل الله ملوكاً على الأسرة)) أو ((مثل
الملوك على الأسرة)) كما قال في الأولى، قالت: فقلت: يا
رسول الله ادع الله أن يجعلني منهم، فقال: ((أنت من
الأولين)) قال: فركبت البحر في زمان معاوية بن أبي سفيان،
فصرعت عن دابتها حين خرجت من البحر فهلكت.
وحدثني عن مالك عن يحيى بن سعيد عن أبي صالح السمان عن أبي
هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-
قال: ((لولا أن أشق على أمتي لأحببت أن لا أتخلف عن سرية
تخرج في سبيل الله، ولكني لا أجد ما أحملهم عليه، ولا
يجدون ما يتحملون عليه فيخرجون، ويشق عليهم أن يتخلفوا
بعدي، فوددت أني أقاتل في سبيل الله فأقتل ثم أَحيا
فأقتل)).
أُحيا، أُحيا.
أحسن الله إليك.
((أُحيا فأقتل، ثم أُحيا فأقتل)).
وحدثني عن مالك عن يحيى بن سعيد أنه قال: لما كان يوم أحد
قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((من يأتيني بخبر سعد
بن الربيع الأنصاري؟ )) فقال رجل: أنا يا رسول الله، فذهب
الرجل يطوف بين القتلى، فقال له سعد بن الربيع: ما شأنك؟
فقال له الرجل: بعثني إليك رسول الله -صلى الله عليه وسلم-
لآتيه بخبرك، قال: فاذهب إليه فاقرأه مني السلام، وأخبره
أني قد طعنت اثنتي عشرة طعنة، وأني قد أنفذْت مقاتلي ...
أُنفِذَت، أُنفِذَت.
أحسن الله إليك.
(93/8)
وإني قد أنفِذَت مقاتلي، وأخبر قومك أنه لا
عذر لهم عند الله إن قتل رسول الله -صلى الله عليه وسلم-،
وواحد منهم حي.
وحدثني عن مالك عن يحيى بن سعيد أن رسول الله -صلى الله
عليه وسلم- رغب في الجهاد، وذكر الجنة، ورجل من الأنصار
يأكل تمرات في يده، فقال: إني لحريص على الدنيا إن جلست
حتى أفرغ منهن، فرمى ما في يده، فحمل بسيفه فقاتل حتى قتل.
وحدثني عن مالك عن يحيى بن سعيد عن معاذ بن جبل أنه قال:
الغزو غزوان، فغزو تنفق فيه الكريمة، ويباشر فيه الشريك
...
يياسر.
أحسن الله إليك.
فغزو تنفق فيه الكريمة، ويياسر فيه الشريك، ويطاع فيه ذو
الأمر، ويجتنب فيه الفساد، فذلك الغزو خير كله، وغزو لا
تنفق فيه الكريمة، ولا يياسر فيه الشريك، ولا يطاع فيه ذو
الأمر، ولا يجتنب فيه الفساد، فذلك الغزو لا يرجع صاحبه
كفافاً.
نعم يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-:
باب: الترغيب في الجهاد
وسبقت هذه الترجمة في أول الكتاب.
هذا يقول: حديث صلاة النبي -صلى الله عليه وسلم- على شهداء
أحد بعد ثمان سنين كالمودع للأحياء والأموات متفق عليه
رواه الشيخان.
باب: الترغيب في الجهاد
هذه الترجمة سبقت في أول الكتاب كتاب الجهاد بحروفها،
والإمام أورد أحاديث تختلف عما أورده هنا، لكن لو ضم هذه
الترجمة إلى تلك لكان أولى، وعرفنا أن في ترتيب الموطأ
باعتباره من أوائل المنصفات لا بد أن يستدرك عليه ما
يستدرك، وهذه طبيعة كل عمل يبدأ به يبدأ في أول الأمر
يحتاج إلى شيء من الاستكمال سواءً كان في جمعه أو في
ترتيبه، على كل حال يقول الإمام:
باب: الترغيب في الجهاد
(93/9)
قال: "حدثني يحيى عن مالك عن إسحاق بن عبد
الله بن أبي طلحة عن أنس بن مالك" يعني عم إسحاق لأمه
"قال: كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إذا ذهب إلى
قباء يدخل على أم حرام بنت ملحان فتطعمه، وكانت أم حرام
تحت عبادة بن الصامت" مقتضى الحال -لأن الواو حالية- أنها
في ذلك الوقت تحت عبادة بن الصامت، مع أن الخلاف معروف هل
تزوجها في ذلك الوقت أو بعد ذلك؟ أو أنه تزوجها ثم طلقها
ثم تزوجها بعد ذلك؟ هذا كلام معروف، لكن الخبر لا يحتاج
إلى مثل هذا، يعني الخبر في مفاده، وما أورد من أجله لا
يحتاج إلى تحقيق مثل هذا.
"وكانت أم حرام تحت عبادة بن الصامت، فدخل عليها رسول الله
-صلى الله عليه وسلم- يوماً فأطعمته وجلست تفلي في رأسه"
يعني تبحث عن الهوام والدواب والقمل هذه طريقة الفلي البحث
في الشعر، وهذه لا شك أنه لا يفعلها إلا المحارم، فمنهم من
يقول: إنها خالته من الرضاعة، والذي حققه ابن حجر في قضايا
كثيرة في مثل هذا الموضع وقبله ابن عبد البر لكن ابن حجر
كلامه صريح، وجمعه أكثر أن النبي -عليه الصلاة والسلام- لا
حجاب عنه، فالذين يستدلون على الاختلاط أو على الخلوة أو
ما أشبه ذلك بما حصل منه -عليه الصلاة والسلام-، أولاً: لا
أحد مثل الرسول -عليه الصلاة والسلام- فهو معصوم، الأمر
الثاني: أن المحرر والمحقق عند أهل العلم أنه لا حجاب عنه،
وعلى هذا خلوته بالنساء لا شيء فيه.
اللهم صل وسلم ... نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
. . . . . . . . . تشريع هذا، تشريع؛ لأنه يحتاج إلى
البيعة فيما بعد، فلو صافح صوفح مثله، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
لا، لا ما يلزم منه هذا، إلا المستقر أن الشيطان حريص على
إضلال بني آدم وإغوائهم، وحصل من بعضهم ما هو أعظم من ذلك،
وإن لم يكونوا عاد في النهاية ممن وقر القلب في قلبه من
خيار الصحابة، إنما من الأعراب أو من المنافقين أو ما أشبه
ذلك؛ لأن مثل هذا يحرص عليه النبي -عليه الصلاة والسلام-
لاجتثاث ما قد يعلق في القلوب.
(93/10)
"وجلست تفلي في رأسه، فنام رسول الله -صلى
الله عليه وسلم- يوماً، ثم استيقظ وهو يضحك، قالت: فقلت:
ما يضحكك يا رسول الله؟ قال: ((ناس من أمتي عرضوا علي غزاة
في سبيل الله يركبون ثبج هذا البحر)) " يعني بعده، يكون
وضعهم بعد وفاته -عليه الصلاة والسلام-، ((عرضوا علي غزاة
في سبيل الله)) وهذا لا شك أنه يسره أن تستمر أمته في تخطي
خطاه -عليه الصلاة والسلام- في جهاد الكفار، وفي الالتزام
بالدين، ((يركبون ثبج هذا البحر)) يعني وسطه، وسط البحر،
ثبج البحر وسطه، ويقال له: قاموس البحر، قاموس البحر وسطه،
القاموس المحيط يعني وسط البحر المحيط من كل جانب.
ثبج هذا البحر يقولون: إن ابن دقيق العيد -رحمه الله- ولد
على ثبج البحر بساحل ينبع، ولذلك يكتب بخطه في نهاية نسبه
الثبجي، بخطه الثبجي، يكتب بخطه الثبجي نسبة إلى ثبج
البحر؛ لأنه ولد على ثبج البحر بساحل ينبع، وبعض المترجمين
لابن دقيق العيد قال: إنه يكتب بخطه المختلط المشوش الذي
مثل ثبج البحر فجعل الوصف للخط.
" ((يركبون ثبج هذا البحر، ملوكاً على الأسرة)) أو ((مثل
الملوك على الأسرة)) يشك إسحاق" بن عبد الله بن أبي طلحة
راوي الحديث، هل قال هذا أو قال النبي -عليه الصلاة
والسلام-؟ "قالت: فقلت له: يا رسول الله ادع الله أن
يجعلني منهم، فدعا لها" ومعلوم أن النساء ليس عليهن جهاد،
يعني لم يكتب عليهن، ولا يجب عليهن الجهاد، لكن إذا شاركت
قد شارك بعض الصحابيات فيما يناسبهن من أعمال.
(93/11)
"ادع الله أن يجعلني منهم، فدعا لها، ثم
وضع رأسه فنام، ثم استيقظ يضحك، قالت: فقلت له: يا رسول
الله ما يضحكك؟ قال: ((ناس من أمتي عرضوا علي غزاة في سبيل
الله)) " الأوائل في البحر " ((عرضوا علي غزاة في سبيل
الله ملوكاً على الأسرة)) أو ((مثل الملوك على الأسرة)) "
كما قال في الأولى، وهؤلاء في البر يقاتلون قيصر وكسرى
"فقالت: يا رسول الله ادع الله أن يجعلني منهم؟ فقال:
((أنت من الأولين)) قال: فركبت البحر في زمان معاوية" يعني
في ولايته وخلافته بعد مقتل علي -رضي الله عنه- بعد
الأربعين، ومنهم من يقول: في زمن ولاية معاوية على الجهاد
في عصر عثمان بن عفان -رضي الله عنه-، لكن اللفظ كالصريح
أنه في عهده وولايته.
"فصرعت عن دابتها حين خرجت من البحر فهلكت" وهي في سبيل
الله، فهي ملحقة بمن غزا في البحر.
قال: "وحدثني عن مالك عن يحيى بن سعيد عن أبي صالح السمان
عن أبي هريرة أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال:
((لولا أن أشق على أمتي لأحببت أن لا أتخلف عن سرية تخرج
في سبيل الله)) " وذلك لفضل الجهاد وعظم أجره " ((ولكني لا
أجد ما أحملهم عليه، ولا يجدون ما يتحملون عليه فيخرجون،
ويشق عليهم أن يتخلفوا بعدي)) " يعني جلوسه -عليه الصلاة
والسلام- بالمدينة، وإرساله بالسرايا، وتخلفه عن بعضها لا
شك أنه شفقة على أمته، ورحمة بهم؛ لأنه يشق عليهم أن
يتخلفوا عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- " ((فوددت أني
أقاتل في سبيل الله فأقتل، ثم أحيا فأقتل، ثم أحيا فأقتل))
" وتمني الشهادة تقدم الكلام فيه.
(93/12)
ثم قال: "وحدثني عن مالك عن يحيى بن سعيد
أنه قال: لما كان يوم أحد" كان هذه تامة "قال رسول الله
-صلى الله عليه وسلم-: ((من يأتيني بخبر سعد بن الربيع
الأنصاري؟ )) " وذلك أنه رأى -عليه الصلاة والسلام- أن
السهام وعدتها اثنا عشر سهماً متجهة إليه، بعضهم يقول في
الرؤيا، وبعضهم يقول في اليقضة "فقال رجل" هو أبي بن كعب
على ما جاء في بعض الروايات، وقيل: محمد بن مسلمة كما في
بعضها، وقيل: زيد بن ثابت، أبي كعب أو محمد بن مسلمة أو
زيد بن ثابت، ولعل النبي -عليه الصلاة والسلام- أرسلهم
واحداً بعد الآخر أو أرسلهم دفعة واحدة ما في ما يمنع من
هذا "فقال رجل: أنا يا رسول الله، فذهب الرجل" فذهب الرجل
النكرة أعيدت معرفة نفسها نعم، النكرة إذا أعيدت معرفة فهي
عينها {كَمَا أَرْسَلْنَا إِلَى فِرْعَوْنَ رَسُولًا *
فَعَصَى فِرْعَوْنُ الرَّسُولَ} [(15 - 16) سورة المزمل]
هو واحد، لكن لو أعيدت نكرة صارت غيرها.
"يطوف بين القتلى، فقال له سعد بن الربيع: ما شأنك؟ "
انتبه به "فقال له: ما شأنك؟ فقال له الرجل: بعثني إليك
رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لآتيه بخبرك، قال: فاذهب
إليه" فاقرأه، أو فأقرئه؟ الأصل فأقرئه "مني السلام" منهم
من يقول: إن قوله: أقرئه لا يكون إلا في السلام المكتوب
الذي يقرأ، لكن في حديث إبراهيم -عليه السلام- لما قال
للنبي -عليه الصلاة والسلام-: ((أقرأ أمتك مني السلام،
وأخبرهم أن الجنة قيعان)) يدل على أنه يطلق على ما هو أعم
من المكتوب، اقرأ عليهم سواءً من حفظك أو من المكتوب.
"وأخبره أني قد طعنت اثنتي عشرة طعنة، وأني قد أنفذت
مقاتلي" يعني أصيبت المقاتل، يعني وصلت هذه السهام إلى
المقاتل، ونفذت في الجوف.
"وأخبر قومك أنه لا عذر لهم عند الله إن قتل رسول الله
-صلى الله عليه وسلم-، وواحد منهم حي" بل على كل واحد منهم
أن يفدي النبي -عليه الصلاة والسلام- بنفسه، ولا عذر له أن
يعيش بعد النبي -عليه الصلاة والسلام-.
(93/13)
قال: "وحدثني عن مالك عن يحيى بن سعيد أن
رسول الله -صلى الله عليه وسلم- رغب في الجهاد، وذكر
الجنة" يعني الأعمال التي فيها نصوص المسلم يبادر إليها،
لا شك أن المسلم عليه أن يبادر إليها، يظهر هذا جلياً في
أعمال الخير وأبواب الخير الكثيرة تجد عمل من الأعمال فيه
نص الناس يتسابقون إليه، على سبيل المثال عمارة المساجد،
عمارة مسجد كل الناس تتابع وتتدافع على الإنفاق عليه،
لماذا؟ لأن فيه نص، لكن لو قيل: هنا مشروع جامعة إسلامية
تعلم العلم الشرعي على طريقة السلف، وعلى منهاج السلف،
وعلى هديهم، تجد بعض الناس ما فيها نص يعني ... ، وقد يكون
أثرها أكثر من أثر المسجد الذي لا تدعو الحاجة إليه،
فالنبي -عليه الصلاة والسلام- يرغب في الجهاد، ويذكر الجنة
من يتأخر عن مثل هذا؟ ولذا رجل من الأنصار يقال له: عمير
بن الحمام يأكل تمرات في يده، فقال: إني لحريص على الدنيا
إن جلست حتى أفرغ منهن، تمرات يعني لا تستغرق يمكن دقيقة
واحدة، إن أكملت هذه الدقيقة أنا حريص على الدنيا، إني
لحريص على الدنيا إن جلست حتى أفرغ منهن، فرمى ما في يده
فحمل بسيفه، يعني على العدو، فقاتل حتى قتل -رضي الله عنه
وأرضاه-.
قال: "وحدثني عن مالك عن يحيى بن سعيد عن معاذ بن جبل أنه
قال: الغزو غزوان، فغزو تنفق فيه الكريمة" يعني تنفق فيه
كرائم الأموال، يبذل الإنسان فيه بطيب نفس أحب ما يحب،
يبتغي بذلك وجه الله -جل وعلا-، هذا يدل على إخلاصه، هذا
يدل على حرصه على هذا العمل الخير "تنفق فيه الكريمة،
ويياسر فيه الشريك" يعني تجد بعض الناس يجتمعون خمسة ستة
ثلاثة أربعة يشتركون في أن يخدم بعضهم بعضاً، يعني يجمعون
النفقة من الجميع فيما يسمى إيش؟ النهد، يعني المجموعة
يسمونها العوام قطة، الكل يدفع مبلغ من المال يياسر فيه
الشريك، أنت والله ما معك إلا مائة، معك خمسمائة خمسمائة،
يياسر فيه الشريك بدون مشاحة، وبدون حساب دقيق، وأنت أكلت
أكثر مني، وأنا أكلت أقل منك، وأنت ما أدري ويش؟ هذه
مشاحة، هذا يعاسر فيه الشريك، لكن المطلوب أن يياسر
الشريك.
(93/14)
"ويطاع فيه ذو الأمر" يعني المسئول عن
المجموعة، المسئول عن الجهاد لا بد من طاعته، وإذا حصل
اختلاف عليه فالنتيجة لا شك أنها الهزيمة، إذا لم تجتمع
الكلمة تحت لواء واحد فالفشل، إذا تنازعوا لا شك أنهم
يفشلون {وَلاَ تَنَازَعُواْ فَتَفْشَلُواْ} [(46) سورة
الأنفال].
"ويطاع فيه ذو الأمر، ويجتنب فيه الفساد" الفساد بجميع
صوره وأشكاله "فذلك الغزو خير كله" يعني إذا اشتمل على هذه
الخصال فهو خير "من أن يخرج الإنسان من بيته إلى أن يرجع
إليه" وغزو لا تنفق فيه الكريمة، طلب نفقة في هذا الغزو
فزيد من الناس تبرع بأفضل جمل عنده، وآخر تبرع بناقة قد
تكون جرباء، تكون هزيلة، هذا لا تنفق فيه الكريمة، بينما
زيد أنفق الكريمة.
(93/15)
"ولا يياسر فيه الشريك" يعني يعاسر ويشاحن
ويشاد "ولا يطاع فيه ذو الأمر، ولا يجتنب فيه الفساد" عكس
الأول "فذلك الغزو لا يرجع صاحبه كفافاً" ولذلك المحاسبة
لا بد منها؛ لأن بعض الناس يقصد لعمل الخير ويترك جميع
أعماله ويتفرغ لهذا العمل، ثم إذا حاسب نفسه لم يرجع
كفافاً، تجد الإنسان يجاور في العشر الأواخر من رمضان،
ويصوم هناك، ويصلي، وعلى الجنائز، والصلاة بمائة ألف صلاة،
ويترك أهله وماله وولده هناك ليتفرغ للعبادة، ثم إذا حاسب
نفسه، إذا مرت امرأة أتبعها بصره، وإذا مر شخص أطلق عليه
لسانه، هذا إذا حاسب نفسه ويش يرجع؟ يرجع كفاف؟ هذا لا
يرجع كفاف، ولو ضوعفت الصلاة بمائة ألف، لكن على الإنسان
أن يحفظ نفسه، وينظر إلى الميزان الشرعي فيحاسب نفسه،
((حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا)) كمن إنسان أطلق هذه
الأمور وارتكب ما ارتكب في مسيرته الخيرة، قد تجده مثلاً
طالب علم، يهاجر لطلب العلم، ثم بعد ذلك يقع في أشياء قد
تغطي ما قصده، وليس معنى هذا أن يتذرع بمثل هذه الأمور
لترك الواجبات، يقال: حج الفريضة؟ يقول: أنا والله ما
أستطيع الحج فيه اختلاط وفي نساء، وفي كذا، نقول: لا، أنت
مثل الذي يقول: ائذن لي ولا تفتني، الواجبات ما فيها خيرة
لأحد، لكن في النفل تقول: والله أروح أعتمر، ويمكن في كذا
في تبرج في ما أدري إيش؟ أنت لك أن تحاسب نفسك، ولا يكون
هذا من أبواب تلبيس الشيطان عليك؛ لأن بعض الناس يلبس عليه
الشيطان في مثل هذه الأمور بظنون أو أوهام لا حقيقة لها،
لكن إذا غلب على ظنك أنك لا تملك نفسك عن المحرم في هذه
الأماكن لا تروح يا أخي إلا فيما أوجب الله عليك، "فذلك
الغزو لا يرجع فيه صاحبه كفافاً".
سم.
أحسن الله إليك.
باب: ما جاء في الخيل
والمسابقة بينها والنفقة في الغزو
حدثني يحيى عن مالك عن نافع عن عبد الله بن عمر -رضي الله
عنهما- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((الخيل في
نواصيها الخير إلى يوم القيامة)).
(93/16)
وحدثني عن مالك عن نافع عن عبد الله بن عمر
-رضي الله عنهما- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- سابق
بين الخيل التي قد أضمرت من الحفياء، وكان أمدها ثنية
الوداع، وسابق بين الخيل التي لم تضمر من الثنية إلى مسجد
بني زريق، وأن عبد الله بن عمر كان ممن سابق بها.
وحدثني عن مالك عن يحيى بن سعيد أنه سمع سعيد بن المسيب
يقول: ليس برهان الخيل بأس إذا دخل فيها محلل، فإذا سبق
أخذ السبق، وإن سبق لم يكن عليه شيء.
وحدثني عن مالك عن يحيى بن سعيد أن رسول الله -صلى الله
عليه وسلم- رئي وهو يمسح وجه فرسه بردائه، فسئل عن ذلك
فقال: ((إني عوتبت الليلة في الخيل)).
وحدثني عن مالك عن حميد الطويل عن أنس بن مالك -رضي الله
عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حين خرج إلى خيبر
أتاها ليلاً، وكان إذا أتى قوماً بليل لم يغر حتى يصبح،
فلما أصبح خرجت يهود بمساحيهم ومكاتلهم، فلما رأوه قالوا:
محمد والله، محمد والخميس، فقال رسول الله -صلى الله عليه
وسلم-: ((الله أكبر خربت خيبر، إنا إذا نزلنا بساحة قوم
فساء صباح المنذرين)).
وحدثني عن مالك عن ابن شهاب عن حميد بن عبد الرحمن بن عوف
عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه
وسلم- قال: ((من أنفق زوجين في سبيل الله نودي في الجنة يا
عبد الله هذا خير، فمن كان من أهل الصلاة دعي من باب
الصلاة، ومن كان من أهل الجهاد دعي من باب الجهاد، ومن كان
من أهل الصدقة دعي من باب الصدقة، ومن كان من أهل الصيام
دعي من باب الريان)) فقال أبو بكر الصديق: يا رسول الله ما
على من يدعى من هذه الأبواب من ضرورة؟ فهل يدعى أحد من هذه
الأبواب كلها؟ قال: ((نعم، وأرجو أن تكون منهم)).
اقرأ الباب الذي يليه، اقرأ بقية الكتاب.
باب: إحراز من أسلم من أهل
الذمة أرضه
قال يحيى: سئل مالك عن إمام قبْل الجزية ...
قبِلَ.
أحسن الله إليك.
(93/17)
قال يحيى: سئل مالك عن إمام قبِل الجزية من
قوم فكانوا يعطونها أرأيت من أسلم منهم أتكون له أرضه، أو
تكون للمسلمين ويكون لهم ماله؟ فقال مالك -رحمه الله-: ذلك
يختلف: أما أهل الصلح فإن من أسلم منهم فهو أحق بأرضه
وماله، وأما أهل العنوة الذين أخذوا عنوة فمن أسلم منهم
فإن أرضه وماله للمسلمين؛ لأن أهل العنوة قد غلبوا على
بلادهم، وصارت فيئاً للمسلمين، وأما أهل الصلح فإنهم قد
منعوا أموالهم وأنفسهم حتى صالحوا عليها، فليس عليهم إلا
ما صالحوا عليه.
باب: الدفن في قبر واحد من ضرورة، وإنفاذ أبي بكر -رضي
الله عنه- عدَّة رسول الله ...
عِدَة، عِدَة.
أحسن الله إليك.
وإنفاذ أبي بكر -رضي الله عنه- عدَة رسول الله -صلى الله
عليه وسلم- بعد وفاة رسول الله -صلى الله عليه وسلم-.
حدثني يحيى عن مالك عن عبد الرحمن [بن عبد الله بن عبد
الرحمن] بن أبي صعصعة أنه بلغه أن عمرو بن الجموح وعبد
الله بن عمر الأنصاريين.
ابن عمرو، ابن عمرو
أحسن الله إليك.
وعبد الله بن عمرو الأنصاريين ثم السلميين كانا قد حفر
السيل قبرهما، وكان قبرهما مما يلي السيل، وكانا في قبر
واحد، وهما ممن استشهد يوم أحد، فحفر عنهما ليغيِرا من
مكانهما ...
ليغيَرا، ليغيَرا.
أحسن الله إليك.
فحفر عنهما ليغيَرا من مكانهما، فوجدا لم يتغيرا كأنهما
ماتا بالأمس، وكان أحدهما قد جرح فوضع يده على جرحه، فدفن
وهو كذلك فأميطت يده عن جرحه، ثم أرسلت فرجعت كما كانت،
وكان بين أحد وبين يوم حُفر عنهما ست وأربعون سنة.
قال يحيى: قال مالك: لا بأس أن يدفن الرجلان والثلاثة في
قبر واحد من ضرورة، ويجعل الأكبر مما يلي القبلة.
وحدثني عن مالك عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن أنه قال: قدم
على أبي بكر الصديق مال من البحرين فقال: من كان له عند
رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وأي ...
وأْيٌ وأْيٌ.
أحسن الله إليك.
فقال: من كان له عند رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وأْيٌ
أو عدة فليأتني؟ فجاءه جابر بن عبد الله فحفن له ثلاث
حفنات.
هذا واحد من الإخوان يقول: بمناسبة قرب الانتهاء من شرح
الموطأ الذي دام قرابة خمس سنوات.
خمس وإلا أربع؟ نسأل الله النفع والقبول.
(93/18)
يقول: فإنكم وعدتم طلابكم بحلقات كيف يبني
طالب العلم مكتبته بوعدين، رأينا الأول، ونحن في انتظار
الثاني، أما الأول يقول: فهو إنشاء مكتبة في شرق الرياض
وتم ذلك، بفضل الله واستفدنا منها.
يعني المكتبة التي في الجامع.
وأما الثاني فهو إضافة المذهب الحنبلي لشرح الموطأ المسمى
المسوى للدهلوي؛ ليكون بذلك فقه مقارن في المذاهب الأربعة،
وما زلنا متشوقين لما وعدتم.
انتهى وقته، يعني هذا لو ذكر به في أول الأمر صحيح، لكن في
هذا الوقت بعد الفراغ من الموطأ يعني نعود إليه مرة ثانية
نقرر المذهب الحنبلي؟ هذا صحيح الكلام الذي ذكره الأخ، وهو
في غاية الأهمية؛ لأن طريقة الدهلوي في المسوى الأصل موطأ
محمد حنفي، وأصل الأصل مذهب مالك، والدهلوي حنفي، فهو
اجتمع فيه المذهب المالكي باعتبار أن الموطأ لمالك، وأيضاً
موطأ محمد، والشارح حنفي، وأيضاً أضاف مذهب الشافعي، وما
بقي إلا مذهب الحنابلة، وهذا الذي وعدنا به ونسيناه، لكن
ليس هذا وقته، انتهى.
طالب:. . . . . . . . .
هو قرئ ما في شك، قرئ المسوى، وأخذنا منه قطعة، وكنا نضيف
إليه المذهب الحنبلي، لكن المفترض أننا لو انتبهنا لمثل
هذا وأضفنا، لكنه يحتاج إلى عناء وتعب، والمذهب الحنبلي
بين يدي الإخوان معروف يعني وتفقهوا عليه، ولا يشكل عليهم
-إن شاء الله تعالى-.
يقول -رحمه الله تعالى-:
باب: ما جاء في الخيل والمسابقة بينها والنفقة في الغزو
قال: "حدثني يحيى عن مالك عن نافع عن عبد الله بن عمر أن
رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((الخيل في نواصيها
الخير إلى يوم القيامة)) " والخير أعم من أن يكون المال،
كما في آية الوصية {إِنْ تَرَكَ خَيْراً} [البقرة: 180]
المقصود به المال، لكن هنا أعم من أن يكون المال، فهذا خبر
من الذي لا ينطق عن الهوى، والحديث متفق عليه.
(93/19)
((في نواصيها الخير إلى يوم القيامة)) قد
يقول قائل: والله ويش أستفيد إذا ربط خيل عندي في البيت أو
في المزرعة أو في الاستراحة ولا يغزا عليها، ولا يقضى
عليها حاجة، والسيارات يعني تقوم مقامها بل أكثر، ولا يمكن
أن يحتاج إليها في المستقبل، والعلم عند الله -جل وعلا-؟
لكن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ((إلى يوم القيامة))
وليس هذا إلا للخيل، كما جاء في هذا الخبر، لا يشاركها فيه
لا إبل ولا سيارات ولا طائرات ولا غيرها، وعلى هذا لو أن
إنساناً صاحب جدة ومقدرة ربط خيل وتمرن عليه، وركبه
أحياناً، وربطه عنده وأنفق عليه تحقيقاً لهذا الخبر أجر
عليه، ورأى من الخير الذي وعد به ما رأى، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
ويش فيه؟
طالب:. . . . . . . . .
لثلاثة، الخيل لثلاثة كما سبق.
المقصود كما تقدم ((الخيل لثلاثة لرجل أجر، ولرجل ستر،
ولرجل وزر)) على كل حال الأمور بمقاصدها.
قال: "وحدثني عن مالك عن نافع عن عبد الله بن عمر أن رسول
الله -صلى الله عليه وسلم- سابق بين الخيل التي قد أضمرت
من الحفياء، وكان أمدها ثنية الوداع" أضمرت يعني أشبعت مدة
ثم أجيعت، أشبعت ثم أجيعت، ثم حبست في مكان قد يكون فيه
شيء من الدفء، وجللت لتعرق فتضمر حينئذٍ، فيجعل لها برنامج
تضمير من أجل أن تكون سريعة العدو؛ لتسبق غيرها.
"وكان أمدها ثنية الوداع" من الحفياء إلى ثنية الوداع،
يعني ما يقرب من خمسة أميال أو ستة "وسابق بين الخيل التي
لم تضمر من الثنية إلى مسجد بني زريق" أقل؛ لأن كل شيء
يعامل بحسبه، وما زال السباق يراعي هذا ويراعي هذا "إلى
مسجد بني زريق" قالوا: فيه جواز إضافة المساجد إلى
الأشخاص، أو إلى القبائل، أو إلى المحلات، وأما قوله -جل
وعلا-: {وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ} [(18) سورة الجن]
الذي اعترض بعضهم على هذه التسمية بالآية، فالمراد أنها
إنما تبنى ليعبد الله -جل وعلا- فيها، ويقصد بها وجه الله،
ولا يمنع أن تكون التسمية للتمييز بين هذه المساجد،
كالأسماء الأعلام بالنسبة لها.
"إلى مسجد بني زريق، وأن عبد الله بن عمر كان ممن سابق
بها" هو حدث عن نفسه أنه سابق، ودخل هذا
(93/20)
السباق فدل على مشروعيته، وما يصنع الآن من
أنواع الرياضات بالنسبة لهذه الرياضة العريقة الأصيلة
الإسلامية، بل العربية قبل الإسلام وبعده، المقصود أنها
مما يشرع، وخير ما يصنع، لكن ينبغي أن يكون المتسابق عليها
ممن يعد للجهاد، يعني من المسلمين.
قال: "وحدثني عن مالك عن يحيى بن سعيد أنه سمع سعيد بن
المسيب يقول: ليس برهان الخيل بأس إذا دخل فيها محلل، فإن
سبق أخذ السبق، وإن سبق لم يكن عليه شيء" يعني لا يكون
قمار يكون من الطرفين، يكون من الطرفين يصير قمار، إن
سبقتك فلك كذا، وإن سبقتني فلك كذا، لا، يكون من طرف واحد
بحيث لا يخضع للحظ لئلا يشبه القمار، والسبق عموماً الذي
يرتب عليه الأجر خاص بما جاء فيه الحصر، ((لا سبق إلا في
خف، أو نصل أو حافر)) الزيادة الموضوعة ((جناح)) هذه معروف
خبرها أنها موضوعة، لا تثبت عن النبي -عليه الصلاة
والسلام-، وما عدا ذلك لا يؤخذ عليه السبق.
شيخ الإسلام ابن تيمية ونصر كلامه ابن القيم في الفروسية
وغيرها ألحقوا العلم في الجهاد، فقالوا: فيه سبق، وما عدا
ذلك يبقى على المنع؛ لأن الأسلوب أسلوب حصر، ((لا سبق
إلا)).
طالب: أحسن الله إليك، لو جعلت جائزة من أصحاب الخيول من
يسبق يحصل على الجائزة؟
على كل حال لا يخضع للغنم والغرم، إما أن يغنم بدون غرم أو
لا شيء.
طالب: يجعل مبلغ محدد كلهم أربعة خمسة أشخاص تجعل لهم هذه
الجائزة لمن سبق.
نفس الشيء صارت غنم وغرم، ما ينفع هذا، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
شوف، وإن سُبق لم يكن عليه شيء، الذين جمعوا صار عليه شيء
الذي سبق.
"وحدثني عن مالك عن يحيى بن سعيد أن رسول الله -صلى الله
عليه وسلم- رئي وهو يمسح وجه فرسه بردائه، فسئل عن ذلك
فقال: ((إني عوتبت الليلة في الخيل)) " الخبر مخرج؟ إيش
يقول؟
طالب:. . . . . . . . .
كلام ابن عبد البر مرسل، ووصله ابن عبد البر من طريق ...
إلى آخره، مخرج، يعني رواه غير مالك؟
طالب:. . . . . . . . .
هو عن يحيى عن أنس، وعند مالك مرسل، وقلنا مراراً: إن مالك
قد يميل إلى الإرسال أكثر من الوصل، فيروى الحديث من طريقه
في الصحيحين موصول، ويودعه في الموطأ مرسل، وذلكم لأن
المرسل حجة عنده.
(93/21)
يقول: ((إني عوتبت الليلة في الخيل)) يعني
كأنه أهملها -عليه الصلاة والسلام-، أو صار منه شيء من ذلك
لانشغاله بما هو أهم عنده في تقديره -عليه الصلاة
والسلام-، فأمر بإكرامها.
طالب:. . . . . . . . .
إيش يقول؟
طالب:. . . . . . . . .
عندنا أيضاً يقول: وصله ابن عبد البر، يعني في الشروح:
قال: وصله ابن عبد البر من طريق عبيد الله بن عمرو الفهري
عن مالك عن يحيى يعني ابن سعيد المذكور هنا عن أنس، وإذا
قلنا: إن السند عن مالك عن يحيى بن سعيد عن أنس صحيح بلا
إشكال.
قال: "وحدثني عن مالك عن حميد الطويل عن أنس بن مالك أن
رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حين خرج إلى خيبر، في
أوائل سنة سبع من الهجرة، أتاها ليلاً، وكان إذا أتى قوماً
بليل لم يغر حتى يصبح" أتاها ليلاً فنام دونها، عرس دونها،
وكان النبي -عليه الصلاة والسلام- هذه عادته يمهل حتى
يصبح، فإن سمع أذاناً كف، وإن لم يسمع الأذان أغار -عليه
الصلاة والسلام-.
"وكان إذا أتى قوماً بليل لم يغر حتى يصبح، فخرجت يهود
بمساحيهم ومكاتلهم" كان اليهود يترقبون مجيء النبي -عليه
الصلاة والسلام- في كل لحظة، فكانوا في كل يوم يخرجون
بسلاحهم، في هذا اليوم خرجوا بمساحيهم ومكاتلهم ليقضي الله
أمراً كان مفعولاً "إلى حروثهم ومزارعهم" ما خرجوا بالسلاح
"فلما رأوه قالوا: محمد والله، محمد والخميس" الخميس
الجيش؛ لأنه يشتمل على خمس فرق، ميمنة وميسرة، ومقدمة
ومؤخرة التي هي الساقة والقلب، مقدمة ومؤخرة التي هي
الساقة، والميمنة والميسرة والقلب، هذه خمسة في الجهات
الأربع مع القلب، لكن في شرح الزرقاني وغيره قال: سمي
خميساً للخمسة أقسام ميمنة وميسرة ومقدمة وقلب وجناحان،
تصير ستة ما تصير خمسة، وما معنى الجناحين مع وجود الميمنة
والميسرة؟ هما جناحان، فكلامه فيه شيء من، يحتاج إلى تأمل.
"فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((الله أكبر)) "
التكبير مشروع في مثل هذه الأحوال ((خربت خيبر)) وهذا
تفاءل بخراب ديار الأعداء ((إنا إذا نزلنا بساحة قوم فساء
صباح المنذرين)) ومنهم من يقول: إن هذا تفاءل منه -عليه
الصلاة والسلام- وتوقع، ومنهم من يقول: إنه بالوحي.
(93/22)
قال: "وحدثني عن مالك عن ابن شهاب عن حميد
بن عبد الرحمن بن عوف عن أبي هريرة أن رسول الله -صلى الله
عليه وسلم- قال: ((من أنفق زوجين في سبيل الله)) " يعني
دفع في سبيل الله، وسبيل الله أعم من أن يكون في هذا
الجهاد، إلا أن إدخاله في هذا الباب في هذا الكتاب يجعل
المرجح الجهاد، مع أنه منصوص على باب الجهاد، يعني فالحديث
مطابق يعني لكتاب الجهاد.
((من أنفق زوجين)) يعني اثنين صنفين أو شيئين من صنف واحد،
يعني وجدت سائل تعطيه ريالين مثلاً، أو قطعتين من فئة
واحدة، اثنتين من فئة خمسة، أو اثنتين من فئة عشرة، أو ما
أشبه ذلك، هذان زوجان، ومنهم من يقول: تعطيه صنفان، تعطيه
من الدراهم وتعطيه من المتاع أو الطعام مثلاً، على كل حال
النفقة في سبيل الله على أي وجه كانت مطلوبة، لكن من أنفق
زوجين بدلاً من أن ينفق شيء واحد ينفق اثنين لا شك أن هذا
يدل على طيب نفسه.
(93/23)
((نودي في الجنة يا عبد الله هذا خير)) هذا
الذي صنعته خير، خير بلا شك، وأفضل من إنفاق زوج واحد،
((فمن كان من أهل الصلاة دعي من باب الصلاة)) الأعمال
الكبرى في الإسلام كل واحد منها له باب يخصه من الأبواب
الثمانية، من كان من أهل الصلاة دعي من باب الصلاة، يعني
الغالب عليه في حياته الصلاة وإن كان يصوم، وإن كان يذكر،
وإن كان يجاهد، وإن كان له نصيب من التلاوة، لكن الغالب
عليه الصلاة؛ لأن الناس يتفاوتون، وبعض الناس مستعد يصلي
في اليوم مائة ركعة، لكنه ليس بمستعد أن ينفق، ليس عنده
استعداد أن يجلس فيقرأ، أو يتعلم أو يعلم، هذا من أهل
الصلاة، شخص مستعد أن يصوم صوم داود، لكن تشق عليه الصلاة،
أو تشق عليه الذكر والتلاوة، أو يشق عليه كذا، هذا من أهل
الصيام، شخص مستعد أن يأخذ سيفه ويركب فرسه طول عمره يجاهد
في سبيل الله، لكن ما عنده استعداد يصلي أو يقرأ أو يجلس،
وبعض الناس طبيعته حركي، الحركة عنده أيسر عليه من الجلوس،
وبعض الناس العكس يؤثر البقاء في مكانه، ويزاول من الأعمال
ما يناسب الجلوس، وذكرنا مراراً أن بعض الناس عنده استعداد
يقرأ ثلاث ساعات متواصلة قرآن، لكن تشق عليه سجدة التلاوة؛
لأن العبادات متنوعة، وهذا من نعم الله -جل وعلا- أن نوع
العبادات ليأخذ كل شخص من الأعمال ما يناسبه مثل ما قلنا
سابقاً: الواجبات ما عليها مساومة، مطلوبة من الجميع، لكن
هذا في النوافل، تجد هذا الغالب عليه الصلاة يدعى من باب
الصلاة.
((ومن كان من أهل الجهاد دعي من باب الجهاد، ومن كان من
أهل الصدقة دعي من باب الصدقة، ومن كان من أهل الصيام دعي
من باب الريان)) ما قال من باب الصيام، قال: ((من باب
الريان)) لمناسبة الصيام الذي يؤثر في النفس العطش.
"فقال أبو بكر الصديق: يا رسول الله ما على من يدعى من هذه
الأبواب من ضرورة؟ " يعني هل في أحد يدعى؟ أو يمكن أن يدعى
من هذه الأبواب أحد "فهل يدعى أحد من هذه الأبواب كلها؟
قال: ((نعم، وأرجو أن تكون منهم)) وهل يمكن أن يدخل شخص
واحد من أبواب ثمانية أو يخير؟ يعني هل يدخل مع باب ثم
يخرج ثم يدخل مع الثاني ثم يخرج أو يخير يقال: هذه الأبواب
الثمانية ادخل من أيها شئت؟ هذا هو الظاهر.
(93/24)
طالب:. . . . . . . . .
الفرض ما فيه مساومة، ولا يتميز به أحد، هذا للناس كلهم،
لكن الإكثار من النوافل هو الذي يقتضي أن يدعى من هذا
الباب.
قال -رحمه الله تعالى- .... هاه؟
طالب:. . . . . . . . .
هي ثمانية، من الثمانية.
طالب:. . . . . . . . .
هو باب خامس لكن أيضاً كونه أيمن نسبي، فكل واحد منها أيمن
بالنسبة للذي هو عن يساره، تكلموا عن هذا أهل العلم، على
كل حال هي ثمانية.
باب: إحراز من أسلم من أهل
الذمة أرضه
من أهل الذمة أسلم لكن هل قبل الهزيمة؟ يعني أثناء التخيير
قبل الغزو يخيرون بين أن يسلموا أو يدفعوا الجزية أو
يقاتلوا، من أسلم هذا يحرز ماله قبل القتال، لكن من أسلم
بعد الغزو وبعد الهزيمة، هل يحرز ماله؟ قال: "باب إحراز من
أسلم" هذا مطلق سواءً كان قبل أو بعد والإمام يفصل "من أهل
الذمة أرضه".
"سئل مالك عن إمام قبِل الجزية من قوم فكانوا يعطونها"
يعني ما ترددوا فيها "أرأيت من أسلم منهم أتكون له أرضه،
أو تكون للمسلمين ويكون لهم ماله؟ فقال مالك: ذلك يختلف:
أما أهل الصلح" يعني بدون قتال، صولحوا على أرضهم، وصاروا
يدفعون العشر، صولحوا على أرضهم، ويدفعون ما فرض عليهم، ثم
أسلم، هذا له حكم، لكن من قوتل، وغنم المسلمون أرضه،
وجعلوها بيده يعمل بها بأجرة، كما كان شأن أهل خيبر له
حكم.
(93/25)
قال: "أما أهل الصلح فإن من أسلم منهم فهو
أحق بأرضه وماله، وأما أهل العنوة" الذين أخذوا عنوة
بقتال، "فمن أسلم منهم فإن أرضه وماله للمسلمين" قال: "لأن
أهل العنوة قد غلبوا على بلادهم" يعني ففاتتهم أخذت من
أيديهم، وحينئذٍ لا ترجع عليهم إلا إذا أعادها الإمام
نظراً للمصلحة كما فعل بغنائم حنين -عليه الصلاة والسلام-
"وصارت فيئاً للمسلمين" في فتح مكة مثلاً من أهل العلم من
يرى أنها فتحت عنوة، وعلى هذا لا يجوز بيع دورها ولا
تأجيرها، هي للمسلمين كلهم، ولا يجوز أن يوضع عليها أبواب،
من جاء من خارج مكة يسكن في أي مكان شاء، ومنهم من يقول:
إنها فتحت صلحاً، وكان أهلها أحق بها، ولا يمنع أن تفتح
عنوة، والقتال حصل، وأبيحت للنبي -عليه الصلاة والسلام-
ساعة من نهار، ولا يمنع مع ذلك أن يمن النبي -عليه الصلاة
والسلام- على أهلها بممتلكاتهم وعقارهم كما من عليهم
برقابهم.
"وأما أهل الصلح فإنهم قد منعوا أموالهم وأنفسهم" يعني
بهذا الصلح وبهذا الاتفاق وبهذا العقد منعوا أموالهم
وأنفسهم "حتى صالحوا عليها، فليس عليهم إلا ما صالحوا
عليه".
باب: الدفن في قبر واحد من
ضرورة
باب الدفن في قبر واحد، يعني أكثر من شخص يدفنون في قبر
واحد من ضرورة، وإلا فالأصل أن لكل مسلم يموت له قبره
الخاص، ولا يجوز دفن اثنين في قبر واحد إلا لضرورة "وإنفاذ
أبي بكر -رضي الله عنه- عدة رسول الله -صلى الله عليه
وسلم-" يعني من وعده النبي -عليه الصلاة والسلام- بشيء
أنفذه أبو بكر، فالمسألة عدِة وليست عدَّة، ومن ذلكم كتاب
(عِدَة الصابرين) أو عُدة؟ بعضهم يقول: عُدة الصابرين
وعِدة، يعني ما وعدهم الله -جل وعلا-.
"عدة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بعد وفاته" بعد وفاة
رسول الله -صلى الله عليه وسلم-.
(93/26)
قال: "حدثني يحيى عن مالك عن عبد الرحمن بن
أبي صعصعة أنه بلغه أن عمرو بن الجموح وعبد الله بن عمرو"
بن حرام، والد جابر بن عبد الله "الأنصاريين ثم السلميين"
هما من بني سلمة، وبنو سلمة عند النسب يقال: سلمي؛ لأن كل
مكسور الثاني يفتح في النسب، سلِمة سلمي، ما يقال: سلِمي،
لا تتوالى كسرات كثيرة ما يصلح، نمِرة نمري، كأبي عمر الذي
تكرر عندنا ابن عبد البر النمري، النسبة إلى ملك، ملَكي،
ما يقال: ملِكي، مثلها، هذه قاعدة عند أهل العلم.
قال: "ثم السلميين، كانا قد حفر السيل قبرهما" يعني جاء
السيل فاجتاح القبور، ومنها القبر الذي فيه هذين الصحابيين
"وكان قبرهما مما يلي السيل، وكانا في قبر واحد، وهما ممن
استشهد يوم أحد" السنة الثالثة يعني بعد ستة وأربعين سنة
حفر قبرهما "وكان قبرهما مما يلي السيل، وكانا في قبر
واحد، وهما ممن استشهد يوم أحد، فحفر عنهما ليغيَرا من
مكانهما" على شان ما يصيرون في طريق السيل، كل ما جاء سيل
اجتاح القبر، نبشا فغير مكانهما "فوجدا لم يتغيرا كأنهما
ماتا بالأمس" القريب، وهكذا الأرض لا تأكل أجساد الشهداء،
ومن باب أولى الأنبياء "وكان أحدهما قد جرح فوضع يده على
جرحه" واضع يده ماسك الدم لا يخرج بيده، فوضع يده على جرحه
"فدفن وهو كذلك، فأميطت يده عن جرحه" أزيلت، لما أزيلت خرج
الدم، "فأميطت يده عن جرحه ثم أرسلت فرجعت كما كانت، وكان
بين أحد وبين يوم حفر عنهما ست وأربعون سنة" وهذا مما يبين
فضل الشهادة والقتل في سبيل الله.
"قال مالك: لا بأس أن يدفن الرجلان والثلاثة في قبر واحد
من ضرورة" إما لكثرة الأموات، أو لضيق الأرض مثلاً "ويجعل
الأكبر مما يلي القبلة" امتثالاً لقوله -عليه الصلاة
والسلام-: ((كبر كبر)) فالسن له دور في مثل هذا.
(93/27)
قال: "حدثني عن مالك عن ربيعة بن أبي عبد
الرحمن أنه قال: قدم على أبي بكر الصديق مال من البحرين،
فقال: "من كان له عند رسول الله -صلى الله عليه وسلم-
وأيٌ" وأي ضمان، ضمن له رسول الله -عليه الصلاة والسلام-
كذا، أو وعده بشيء، إذا جاءنا مال من الصدقة أو من كذا
أعطيناك كذا "وأي أو عدة فليأتني؟ " لأن الخليفة يقوم مقام
النبي -عليه الصلاة والسلام-، والخليفة الثاني يقوم مقام
الخليفة الذي قبله، فهذه العدات وهذه الضمانات لا تضيع
بتغير الخلفاء، بل الضمان قائم إذا كان شرعياً.
"فليأتني، فجاءه جابر بن عبد الله" وكان قد وعده النبي
-عليه الصلاة والسلام- أن يعوضه ويعطيه شيء من المال "فحفن
له ثلاث حفنات" تنفيذاً لعدة النبي -عليه الصلاة والسلام-،
والله أعلم.
وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى
آله وصحبه أجمعين.
(93/28)
|