شرح الموطأ عبد
الكريم الخضير بسم الله الرحمن الرحيم
شرح: الموطأ - كتاب الحدود (1)
باب: ما جاء في الرجم
الشيخ: عبد الكريم الخضير
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
سم.
بسم الله الرحمن الرحيم.
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا
محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
اللهم اغفر لشيخنا والسامعين والحاضرين برحمتك يا أرحم
الراحمين.
قال المؤلف -رحمه الله تعالى-:
كتاب الحدود
باب: ما جاء في الرجم
حدثنا مالك عن نافع عن عبد الله بن عمر -رضي الله عنه- أنه
قال: "جاءت اليهود إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم-
فذكروا له أن رجلاً منهم وامرأة زنيا، فقال لهم رسول الله
-صلى الله عليه وسلم-: ((ما تجدون في التوراة في شأن
الرجم؟ )) فقالوا: نفضحهم ويجلدون، فقال عبد الله بن سلام
-رضي الله عنه-: كذبتم إن فيها الرجم، فأتوا بالتوراة
فنشروها، فوضع أحدهم يده على آية الرجم، ثم قرأ ما قبلها
وما بعدها فقال له عبد الله بن سلام: ارفع يدك، فرفع يده
فإذا فيها آية الرجم، فقالوا: صدق يا محمد فيها آية الرجم،
فأمر بهما رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فرجما، فقال عبد
الله بن عمر -رضي الله عنهما-: "فرأيت الرجل يحني على
المرأة يقيها الحجارة".
قال مالك -رحمه الله-: يعني يحني يكب عليها حتى تقع
الحجارة عليه.
حدثني مالك -رحمه الله تعالى- عن يحيى بن سعيد عن سعيد بن
المسيب أن رجلاً من أسلم جاء إلى أبي بكر الصديق -رضي الله
عنه- فقال له: إن الآخر زنى، فقال ...
إن الأخر بالقصر.
(154/1)
فقال له: إن الأخر زنى، فقال له أبو بكر
-رضي الله عنه-: هل ذكرت هذا لأحد غيري؟ فقال: لا، فقال له
أبو بكر: فتب إلى الله، واستتر بستر الله، فإن الله يقبل
التوبة عن عباده، فلم تقرره نفسه حتى أتى عمر بن الخطاب
-رضي الله عنه-، فقال له مثل ما قال لأبي بكر، فقال له عمر
مثل ما قال له أبو بكر، فلم تقرره نفسه حتى جاء إلى رسول
الله -صلى الله عليه وسلم- فقال له: إن الأخر زنى، فقال
سعيد: فأعرض عنه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ثلاث
مرات، كل ذلك يعرض عنه رسول الله -صلى الله عليه وسلم-،
حتى إذا أكثر عليه بعث رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إلى
أهله، فقال: ((أيشتكي أم به جنة؟ )) فقالوا: يا رسول الله،
والله إنه لصحيح، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-:
((أبكر أم ثيب؟ )) فقالوا: بل ثيب يا رسول الله، فأمر به
رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فرجم.
حدثني مالك عن يحيى بن سعيد عن سعيد بن المسيب أنه قال:
بلغني أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال لرجل من أسلم
يقال له: هزال: ((يا هزال لو سترته بردائك لكان خيراً لك))
قال يحيى بن سعيد: فحدثت بهذا الحديث في مجلس فيه يزيد بن
نعيم بن هزال الأسلمي فقال يزيد: هزال جدي، وهذا الحديث
حق.
حدثني مالك عن ابن شهاب أنه أخبره أن رجلاً اعترف على نفسه
بالزنا على عهد رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وشهد على
نفسه أربع مرات، فأمر به رسول الله -صلى الله عليه وسلم-
فرجم.
قال ابن شهاب: فمن أجل ذلك يؤخذ الرجل باعترافه على نفسه.
حدثني مالك عن يعقوب بن زيد بن طلحة عن أبيه زيد بن طلحة
عن عبد الله بن أبي مليكة أنه أخبره أن امرأة جاءت إلى
رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فأخبرته أنها زنت وهي
حامل، فقال لها رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((اذهبي
حتى تضعي)) فلما وضعت جاءته، فقال لها رسول الله -صلى الله
عليه وسلم-: ((اذهبي حتى ترضعيه)) فلما أرضعته جاءته،
فقال: ((اذهبي فاستودعيه)) قال: فاستودعته، ثم جاءت فأمر
بها فرجمت.
(154/2)
حدثني مالك عن ابن شهاب عن عبيد الله بن
عبد الله بن عتبة بن مسعود عن أبي هريرة وزيد بن خالد
الجهني أنهما أخبراه أن رجلين اختصما إلى رسول الله -صلى
الله عليه وسلم-، فقال أحدهما: يا رسول الله اقض بيننا
بكتاب الله، وقال الآخر -وهو أفقههما-: أجل يا رسول الله
فاقض بيننا بكتاب الله، وأذن لي في أن أتكلم؟ قال:
((تكلم)) فقال: إن ابني كان عسيفاً على هذا فزنى بامرأته،
فأخبرني أن على ابني الرجم فافتديت منه بمائة شاة وبجارية
لي، ثم إني سألت أهل العلم فأخبروني أن ما على ابني جلد
مائة، وتغريب عام، وأخبروني أنما الرجم على امرأته، فقال
رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((أما والذي نفسي بيده
لأقضين بينكما بكتاب الله، أما غنمك وجاريتك فرد عليك))
وجلد ابنه مائة، وغربه عاماً، وأمر أنيساً الأسلمي أن يأتي
امرأة الآخر، فإن اعترفت رجمها، فاعترفت فرجمها.
قال مالك -رحمه الله-: والعسيف: الأجير.
حدثني مالك عن سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة -رضي
الله عنه- أن سعد بن عبادة -رضي الله عنه- قال لرسول الله
-صلى الله عليه وسلم-: أرأيت لو أني وجدت مع امرأتي رجلاً
أأمهله حتى آتي بأربعة شهداء؟ فقال رسول الله -صلى الله
عليه وسلم-: ((نعم)).
حدثني مالك عن ابن شهاب عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة
بن مسعود عن عبد الله بن عباس -رضي الله عنهما- أنه قال:
سمعت عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- يقول: "الرجم في كتاب
الله حق على من زنى من الرجال والنساء، فإذا أحصن ...
إذا أحصن، أذا أحصن.
أحسن الله إليك.
الرجم في كتاب الله حق على من زنى من الرجال والنساء إذا
أحصن، إذا قامت البينة، أو كان الحبل، أو الاعتراف".
حدثني مالك عن يحيى بن سعيد عن سليمان بن يسار عن أبي واقد
الليثي أن عمر بن الخطاب أتاه رجل وهو بالشام فذكر له أنه
وجد مع امرأته رجلاً، فبعث عمر بن الخطاب -رضي الله عنه-
أبا واقد الليثي إلى امرأته يسألها عن ذلك، فأتاها وعندها
نسوة حولها، فذكر لها الذي قال زوجها لعمر بن الخطاب،
وأخبرها أنها لا تؤخذ بقوله، وجعل يلقنها أشباه ذلك لتنزع،
فأبت أن تنزع، وتمت على الاعتراف، فأمر بها عمر فرجمت.
(154/3)
حدثني مالك عن يحيى بن سعيد عن سعيد بن
المسيب أنه سمعه يقول: لما صدر عمر بن الخطاب من منى أناخ
بالأبطح، ثم كوم كومة بطحاء، ثم طرح عليها رداءه واستلقى،
ثم مد يديه إلى السماء، فقال: اللهم كبرت سني، وضعفت قوتي،
وانتشرت رعيتي، فاقبضني إليك غير مضيع ولا مفرط، ثم قدم
المدينة فخطب الناس، فقال: أيها الناس قد سنت لكم السنن،
وفرضت لكم الفرائض، وتركتم على الواضحة، إلا أن تضلوا
بالناس يميناً وشمالاً، وضرب بإحدى يديه على الأخرى، ثم
قال: إياكم أن تهلكوا عن آية الرجم، أن يقول قائل: لا نجد
حدين في كتاب الله، فقد رجم رسول الله -صلى الله عليه
وسلم- ورجمنا، والذي نفسي بيده لولا أن يقول الناس: زاد
عمر بن الخطاب في كتاب الله تعالى لكتبتها: "الشيخ والشيخة
فارجموهما ألبتة" فإنا قد قرأناها.
قال مالك -رحمه الله-: قال يحيى بن سعيد: قال سعيد بن
المسيب: فما انسلخ ذو الحجة حتى قتل عمر -رحمه الله-.
قال يحيى: سمعت مالكاً يقول: قوله: الشيخ والشيخة يعني
الثيب والثيبة فارجموهما ألبتة.
وحدثني مالك أنه بلغه أن عثمان بن عفان أتي بامرأة قد ولدت
في ستة أشهر، فأمر بها أن ترجم، فقال له علي بن أبي طالب
-رضي الله عنه-: ليس ذلك عليها، إن الله -تبارك وتعالى-
يقول في كتابه: {وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلَاثُونَ
شَهْرًا} [(15) سورة الأحقاف] وقال: {وَالْوَالِدَاتُ
يُرْضِعْنَ أَوْلاَدَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ
أَرَادَ أَن يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ} [(233) سورة البقرة]
فالحمل يكون ستة أشهر، فلا رجم عليها، فبعث عثمان بن عفان
في أثرها فوجدها قد رجمت.
حدثني مالك أنه سأل ابن شهاب عن الذي يعمل عمل قوم لوط،
فقال ابن شهاب: عليه الرجم، أحصن أو لم يحصن.
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده
ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين،
أما بعد:
فيقول المؤلف -رحمه الله تعالى-:
بسم الله الرحمن الرحيم
كتاب الحدود
(154/4)
الكتاب مضى تعريفه مراراً، وأنه مصدر كتب
يكتب كتاباً وكتابة وكتباً، والحدود جمع حد، والمراد بها
ما يمنع ويفصل ويحجز بين شيئين، والحدود المشروعة لتمنع من
الوقوع في هذه المعاصي التي حددت لها، الحد المراد به
القدر المحدد شرعاً المرتب على معصية، لتمنع من الوقوع
فيها، أو من المعاودة إليها ممن وقع فيها، فالحدود إنما
شرعت لردع الجاني ولاعتبار غيره به؛ لئلا يقع في مثل ما
وقع فيه، والحدود المقدرة الزنا، والسرقة، والقذف، والخمر،
والردة، والسرقة.
الزنا، والقذف به، والسرقة، والشرب، والردة.
طالب: اللواط.
اللواط ملحق، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
حد وإلا قصاص؟
طالب: قصاص.
قصاص هذا.
طالب:. . . . . . . . .
قطع الطريق.
طالب:. . . . . . . . .
الساحر مرتد، نعم؟
طالب: التعزير.
لا، التعزير غير الحد، التعزير قسيم وليس بقسم.
هذه العقوبات المقدرة المحددة التي ثبتت فيها الحدود لا شك
أنها رتبت على جرائم تعد من كبائر الذنوب عند أهل العلم؛
لأن ضابط الكبيرة عندهم ما رتب عليه حد في الدنيا، أو توعد
عليه بدخول النار في الآخرة، وحرمان الجنة، أو جاء في حقه
اللعن، وغير ذلك من الضوابط التي ذكرها أهل العلم.
ثم بدأ بحد الزنا.
باب: ما جاء في الرجم
وهو الحد الأغلظ في جريمة الزنا؛ لأن الزاني لا يخلو إما
أن يكون محصناً فحده الرجم ثيباً، أو يكون بكراً فيكون حده
الجلد مع التغريب.
في حديث عبادة بن الصامت ((خذوا عني، خذوا عني، قد جعل
الله لهن سبيلاً، الثيب بالثيب جلد مائة والرجم، والبكر
بالبكر جلد مائة ونفي سنة)) فإذا زنا المحصن وهو من وطأ في
نكاح صحيح فإن حده الرجم، وإذا زنا غير المحصن وهو من لم
يطأ في نكاح صحيح، ولو وطئ بنكاح فاسد أو بزنا -نسأل الله
العافية- فلا يسمى ثيب، إنما يقال له: بكر، سواءً كان رجل
أو امرأة، أما من وطئ بنكاح صحيح هذا ثيب، ولو طلق من
ليلته، نعم؟
طالب:. . . . . . . . . الثيب بالثيبث. . . . . . . . .
جلد مائة والرجم إيه.
طالب:. . . . . . . . .
بيجي الكلام فيه، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
(154/5)
لا، لا ما يكفي، العقد ما يكفي، يعني لو
طلق قبل الدخول ليس بثيب، ولو طُلقت قبل الدخول ليست بثيب،
إنما الثيب من وطئ بنكاح صحيح.
طالب:. . . . . . . . .
أشمل نعم، هذا اصطلاح عند أهل العلم، اصطلاح خاص، وإلا
فحدود الله جاء فيها لا تعتدوها ولا تقربوها، فلا تتعدى
الحدود ولا تقرب، فما أمر به لا يتعدى، وما نهي عنه لا
يقرب، وهي أعم من أن تكون مقدرة أو غير مقدرة، لكن يراد
بها في مثل هذا الكتاب المقدرة، في مقابل التعزيرات، وفي
مقابل ما لا حد فيه ولا عقوبة له فيه في الدنيا.
باب: ما جاء في الرجم
(154/6)
أي في حكمه، والرجم المراد به رجم الزاني
المحصن بالحجارة حتى يموت، والحدود إنما شرعت لمصالح
عظيمة؛ لتطهير المجتمعات الإسلامية من هذه القاذورات، فلو
لم تشرع هذه الحدود لما وجد ما يردع الناس عن مقارفتها،
ولا اشترك الناس المسلمون وغيرهم، والحيوانات في اقتراف
هذه الجرائم وهذه القاذورات، وما يرمى به الإسلام بسبب
تشريع هذه الحدود من الهمجية ومن الوحشية هذا يقوله
المغرضون، دعاة الإباحية، الذين يسعون في الأرض الفساد،
ليستبيحوا محارم الناس وأموالهم ودماءهم، وإلا فمن الذي
يردع؟ يعني إذا كان في قول الله -جل وعلا-: {وَلَكُمْ فِي
الْقِصَاصِ حَيَاةٌ} [(179) سورة البقرة] ويقولون: إن
القتل وحشية، متى يرتدع القاتل إذا لم يقتل؟ ومتى يرتدع
غيره إذا لم يقتل الجاني؟ الناس لا يردعهم إلا الحزم،
والمناداة بالستر المطلق كما يقول بعضهم، نعم جاء في
الحديث الصحيح الستر على المسلم: ((من ستر مسلماً ستره
الله)) وجاء أيضاً إعراض النبي -صلى الله عليه وسلم- عن
ماعز ليستتر بستر الله، لكن هذا في حق من؟ في حق من حصلت
منه الهفوة أو الزلة، أما من اجترأ على حدود الله، واستمرأ
المعاصي، أو انتشرت هذه الجرائم في مجتمع من المجتمعات لا
يردعها إلا إقامة شرع الله، إقامة الحدود بعزم وحزم وجد،
ولذا لا يجوز للسلطان أن يعفو إذا بلغه الحد، فإن عفا فلا
عفا الله عنه، ومن ينادي بالستر المطلق لجميع الناس، وجميع
الأصناف هذا لا شك أنه توطئة للإباحية، وإلغاء لحدود الله
-جل وعلا-، وإلا فلماذا شرعت الحدود؟ إلا للقضاء على هذه
الجرائم، تقام الحدود ومع ذلك يقع ما يقع، فكيف بما لو
عطلت الحدود؟ كيف يأمن الناس على أنفسهم وعلى أموالهم وعلى
أعراضهم إذا عطلت هذه الحدود؟
(154/7)
فمن محاسن الشرع تشريع هذه الحدود بهذه
القوة وبهذه الصرامة، ولا شك أن الأمور تختلف من شخص إلى
شخص، هذه الحدود تدرأ بالشبهات، تختلف من شخص إلى شخص، ومن
مجتمع إلى مجتمع، فالشخص الذي تقع منه الهفوة والزلة
ويتوب، ويستتر بستر الله، هذا لا يبحث عنه، حتى لو اطلع
عليه، اطلع عليه من اطلع، وستر عليه يكون مأجوراً، ((من
ستر مسلماً في الدنيا ستره الله في الدنيا والآخرة)) لكن
أصحاب الجرائم، وأرباب المنكرات والسوابق مثل هؤلاء لا
يجوز الستر عليهم بحال، وكذا لو انتشرت الفواحش في بلد من
البلدان لا يستر على أحد، بل لا بد من أن يؤخذ الناس بعزم
وحزم، ولذا جاء قتل الشارب في المرة الرابعة، ((إذا شرب
فاجلدوه، ثم إذا شرب فاجلدوه، ثم إذا شرب فاجلدوه)) ثم في
الرابعة قال: ((اقتلوه)) ومن أهل العلم من يرى أنه منسوخ
الحد، ومنهم من يرى أنه محكم، فقتل المدمن شرعي، ومنهم من
يرى أنه تعزير كقول شيخ الإسلام ابن تيمية وابن القيم،
يقول: تعزير إذا استشرى الشرب في بلد من البلدان، ولم يردع
الناس الحد يقتل الشارب حتى يرتدع الناس، والله المستعان.
يقول: "حدثنا مالك عن نافع عن عبد الله بن عمر أنه قال:
"جاءت اليهود إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فذكروا
له أن رجلاً منهم وامرأة زنيا، فقال لهم رسول الله -صلى
الله عليه وسلم-: ((ما تجدون في التوراة في شأن الرجم؟ ))
" رجل وامرأة زنيا، والسياق يدل على أنهما إيش؟ أنهما
محصنان "فقال لهم رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((ما
تجدون في التوراة في شأن الرجم؟ )) " هذا يدل على أن
الكفار مخاطبون بفروع الشريعة، ويجري عليهم حكم الإسلام
إذا تحاكموا إلينا، وإذا تحاكموا إلى الحاكم المسلم هو
مخير بين أن يحكم بينهم أو أن يعرض عنهم.
"فقال لهم رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((ما تجدون في
التوراة في شأن الرجم؟ )) فقالوا: نفضحهم ويجلدون" يعني ما
في رجم في التوراة، فيه يفضحون، نفضحهم ويجلدون، يطاف بهم
في الأسواق، وتذكر معايبهم، ويقال: إنهم زنوا، ولا رجم "ثم
يجلدون" في بعض الطرق ما يدل على أنهم يسودون، تسود
وجوههم.
(154/8)
"نفضحهم ويجلدون، فقال عبد الله بن سلام
-وقد كان يهودياً ثم أسلم-: كذبتم إن فيها الرجم، فأتوا
بالتوراة فنشروها" كذبتم إن فيها الرجم، يعني في التوراة،
فالرجم ما توطأت عليه الشريعة الإسلامية مع شريعة موسى
-عليه السلام- "فأتوا بالتوراة فنشروها" قد يقول قائل: إن
الذي نفى وجود الرجم في التوراة اعتمد على نسخة محرفة،
مسحت منها آية الرجم، والذي أثبت اعتمد على الأصل أن الرجم
موجود في النسخ الموثقة الصحيحة، وإن كان فيها تحريف في
مسائل أخرى؛ لأن التحريف قديم عند اليهود وعند النصارى؛
لأنهم استحفظوا على الكتابين فما حفظوا، حرفوا وصحفوا
وزادوا ونقصوا، وكتابنا محفوظ، تكفل الله بحفظه فلم يحصل
له شيء إلى قيام الساعة.
"كذبتم إن فيها الرجم، فأتوا بالتوراة فنشروها" يعني
بسطوها وفتحوها وقلبوا في صفحاتها "فوضع أحدهم يده على آية
الرجم" اسمه: "عبد الله بن صوريا" كما في الصحيحين، وضع
يده على آية الرجم.
"ثم قرأ ما قبلها وما بعدها، فقال له عبد الله بن سلام:
ارفع يدك، فرفع يده فإذا فيها آية الرجم، فقالوا: صدق يا
محمد فيها آية الرجم" صدقوه بعد إيش؟ بعد أن فضحهم، بعد أن
اطلع على الحقيقة.
"فأمر بهما رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فرجما" لأنهم
جاءوا إلى النبي -عليه الصلاة والسلام- لأنهم يعرفون عنه
ما جاء في وصفه في كتبهم أنه نبي الرحمة، فقالوا: لعل
محمداً يأتي بشرع أخف من الرجم، يكتفي بالجلد، أو يكتفي
بتوبيخ، أو يكتفي بغرامة، أو يكتفي بتعزير بالمال أو نحوه،
ويسلمان؛ لأنه نبي الرحمة، لكنه نبي الرحمة وهذا عين
الرحمة، تطبيق الحدود هو عين الرحمة، التي جاء بها النبي
-عليه الصلاة والسلام-.
"فقالوا: صدق يا محمد" نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
يعني هل يحكمون بشرع الله بشرع محمد -عليه الصلاة والسلام-
أو بشرعهم هم؟ لأنه قال لهم: ((ما تجدون في التوراة في شأن
الرجم؟ )).
طالب:. . . . . . . . .
فماذا يصنع؟ لو كان في التوراة الجلد؟
طالب:. . . . . . . . .
(154/9)
وهو يحكم بينهم بحكم الله، لكن لعله مما
أخبر بأن الرجم موجود في شريعتهم، فأراد أن يقررهم
بشريعتهم، وإلا شرعهم منسوخ، لا يحكم به، ولا يتحاكم إليه،
لكنه أراد أن يقررهم بشرعهم، وإذا أردي الخصم بسلاحه كان
أنكى، وأقبل له، ويذعن أكثر مما لو كان بسلاح غيره.
"فإذا فيها آية الرجم، فقالوا: صدق يا محمد، فيها آية
الرجم" نعم؟
طالب: النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ((ما تجدون في
التوراة في شأن الرجم؟ )) ....
الحكم، في شأن الرجم، ((ما تجدون في التوراة في شأن الرجم؟
)) يعني في شأن هذا الحد، هم قالوا: ما فيه شيء، ما عندنا
شيء اسمه رجم، يفضحون أو يجلدون؟
طالب:. . . . . . . . .
يعني هو حكم عليه بالرجم ابتداءً، فماذا تجدون في شأن
الرجم؟ يعني ما سألهم عن حكم الزاني في شرعهم، ما قال: ما
حكم الزاني في شرعكم؟ إنما قال: ما تجدون في شأن الرجم، هو
محكوم عليه بالرجم.
طالب:. . . . . . . . .
نعم، إي نعم، إيه بلا شك.
طالب: سألهم على حالة ....
لأنه قال: ((ما تجدون في التوراة في شأن الرجم؟ )) أولاً:
ما في شك أن القصة فيها اختصار، وهي مبسوطة في الصحيحين
وغيرهما بأبسط من هذا، المقصود أن الرجم شرع محكم جاء به
موسى -عليه السلام-، وجاء به محمد الخاتم -عليه الصلاة
والسلام- "فقالوا: صدق يا محمد، فيها آية الرجم، فأمر بهما
رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فرجما" فدل على أن أهل
الكتاب تقام عليهم الحدود.
"فقال عبد الله بن عمر: "فرأيت الرجل يحني على المرأة
يقيها الحجارة" يحني بالحاء يعطف عليها وينثني، وبعض
الروايات: "يجني" وأكثر الرواة على أنها: "يجنأ عليها"
المعنى واحد، يجنأ عليها يعني يميل وينثني وينحني عليها
لكيلا تصاب بأذى.
"قال مالك: يعني يحني يكب عليها حتى تقع الحجارة عليه"
يعني يفديها بنفسه، والله المستعان.
طالب:. . . . . . . . .
إذا تُمكن منهم، وأعلنوا بالمخالفات تقام عليهم.
طالب:. . . . . . . . .
حتى من التزم بحكم الإسلام بلا شك تقام عليه، لكن لا
يطالبون بالواجبات، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
ما في شك أنها بعدها، لو لم يكن في شرعنا رجم، ما قال:
((ما تجدون في شأن الرجم؟ )).
طالب:. . . . . . . . .
(154/10)
معروف يعني حتى ... ، مبينة في حديث عبادة.
"حدثني مالك عن يحيى بن سعيد عن سعيد بن المسيب أن رجلاً
من أسلم" اسمه ماعز بن مالك "جاء إلى أبي بكر الصديق فقال
له: إن الأخر" يعني الأرذل المتأخر المؤخر "إن الأخر زنى،
فقال له أبو بكر: هل ذكرت هذا لأحد غيري؟ " يعني جاء في
بعض الروايات التصريح، قوله: إني زنيت، مثل هذا الأدب في
التعبير ألا ينسب الأمر المكروه إلى النفس، ومع ذلك تواطأ
الرواة على نقل قول ماعز: إني زنيت؛ لأن هذا وإن كان من
حيث الأسلوب خلاف الأدب المتقرر إلا أنه يترتب عليه حكم
شرعي، فلا بد من صريح الاعتراف، ولما كان الأمر غير لازم
في قصة أبي طالب قال: هو على ملة عبد المطلب، والرواة
يقولون كلهم: هو على ملة عبد المطلب، لكن هنا في إقامة حد،
والحد لا يقوم إلا بصريح الاعتراف.
"فقال: هل ذكرت ذلك لأحد غيري؟ فقال: لا، قال له أبو بكر:
فتب إلى الله، واستتر بستر الله، فإن الله يقبل التوبة عن
عباده" هذه هفوة وزلة وقعت من ماعز، وتاب إلى الله -جل
وعلا-، وأناب وصدق في توبته، وقدم نفسه، مثل هذا لو استتر
ما يلام، لكنه أراد العزيمة، ولم يكتفِ بالرخصة، أراد
العزيمة؛ لأن الحدود كفارات، وإنه الآن لينغمس في أنهار
الجنة، كما قال النبي -عليه الصلاة والسلام-، هذه عزيمة،
ولا يلام من طلب العزيمة، ومع ذلك يمكن أن يدل على الرخصة،
والدين فيه فسحة لمثل هذا.
"فقال أبو بكر: هل ذكرت هذا لأحد غيري؟ فقال: لا، فقال له
أبو بكر: فتب إلى الله، واستتر بستر الله، فإن الله يقبل
التوبة عن عباده، فلم تقرره نفسه" فلم تقرره: أي لم تمكنه
نفسه من الاستتار، والاكتفاء بالتوبة دون إقامة الحد
والتطهير؛ لأنه يريد الكفارة لما حصل من ذنبه، فالحدود
كفارات.
"لم تقرره نفسه حتى أتى عمر بن الخطاب، فقال له مثل ما قال
لأبي بكر، فقال له عمر مثل ما قال له أبو بكر، فلم تقرره
نفسه حتى جاء إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم-" ما
اطمأن، يعني النفس ما زال يحيك فيها إثم ما اقترف، فجاء
إلى أبي بكر، ثم إلى عمر، فلم تطمئن نفسه إلا بأن يسأل
النبي -عليه الصلاة والسلام-، ويعترف بين يديه، ويلتزم
باللازم.
(154/11)
"حتى جاء إلى رسول الله -صلى الله عليه
وسلم- فقال له: إن الأخر زنى، فقال سعيد: فأعرض عنه"
الحديث موصول في الصحيحين من حديث أبي هريرة -رضي الله
عنه- "فأعرض عنه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ثلاث
مرات، كل ذلك يعرض عنه رسول الله -صلى الله عليه وسلم-،
حتى إذا أكثر عليه" فتمت الإقرارات الأربعة، واستفهم عما
يمكن الاستفهام عنه مما يدرأ الحد "كل ذلك يعرض عنه رسول
الله -صلى الله عليه وسلم- حتى إذا أكثر عليه بعث رسول
الله -صلى الله عليه وسلم- إلى أهله، فقال: ((أيشتكي؟ )) "
يعني يشتكي من شيء يدرأ عنه الحد؟ ((أم به جنة؟ )) يعني
فيه جنون، والحدود والتكاليف، مناطها العقل، فإذا كان به
جنة فإنه يرتفع عنه الحد، وإذا كان يشتكي من شيء يدفع عنه
الحد مؤثر على العقل، يعني هل فيه جنون مرض؟ أو فيه جنون
بسبب تلبس الجنة به؟ سأل عنه النبي -عليه الصلاة والسلام-
وسأل: " ((ما تقولون في ماعز بن مالك؟ هل به من علة؟ ))
قالوا: ما رأيناه إلا وفي العقل، من صالحينا" وفي رواية
قال: ((استنكهوه)) شربت خمراً استنكهوه، فكل هذا ليدرأ عنه
الحد، ومثل هذا يشرع أن يدرأ عنه مثل هذا الحد؛ لأنه جاء
تائباً منيباً صادقاً في توبته، مقدماً نفسه، ومع ذلك أصر.
"فقالوا: يا رسول الله والله إنه لصحيح، فقال رسول الله
-صلى الله عليه وسلم-: ((أبكر أم ثيب؟ )) قالوا: بل ثيب يا
رسول الله، فأمر به رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فرجم"
ذهبوا به فرجموه، في رواية: حفر له حفيرة، والروايات
والألفاظ كثيرة في قصة ماعز إلا أن هذه خلاصتها، أنه اعترف
ولقن ولم يقبل، عُرض عليه ما يدرأ عنه الحد فلم يقبل
ارتكاباً للعزيمة، وليس هذا من عفو السلطان؛ لأنه لما
انتفت عنه جميع الشبهات أمر النبي -عليه الصلاة والسلام-
به فرجم.
طالب:. . . . . . . . .
لا، ما يسأل، ما سئل، ولو قال: إنه زنى بفلانة ...
طالب:. . . . . . . . .
نعم لا بد من اعترافها ما يكفي رميه بها، ولا يجلد حد
القذف؛ لأنه لم يأتِ قاذفاً، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
معروف بالإفساد أبداً، هذا لا بد من تطبيق حد الله عليه،
تطبيق الشرع عليه، مثل هذا يختلف وضعه عن وضع ماعز.
(154/12)
طالب:. . . . . . . . .
لا يقرر ولا يلقن، لا يضر ولا ينفع، مثل هذا يتوسط في
أمره، نعم؟
طالب: إذا. . . . . . . . . ذهب إلى السلطان أبلغ عنه ما
فعل، يعني يلزم أن يقام عليه الحد؟
واعترف كم؟
طالب: اعترف بالحادثة ....
يعني بحضور الناس أو بعدم حضورهم، يعني السلطان يحكم بعلمه
أو لا يحكم؟ السلطان لا يحكم بعلمه، لكن هذا إذا اعترف بين
الناس، وأقر أربع مرات، وشهد على نفسه أربع شهادات فرجم.
طالب:. . . . . . . . .
لا، لا أربع أربع مرتين يعني ثلاث مرات يعني بثلاثة مجالس،
أربع مرات، أو مرتين، ثنى على ذلك مرتين، يعني كرر، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
إي نعم لما أذلقته الحجارة فر، قال النبي -عليه الصلاة
والسلام-: ((لو تركتموه لعله يتوب)) وهو تائب من الأصل.
على كل حال مثل هذا لا يعني أن من طبق عليه الحد أن كل
إنسان بمنزلة ماعز، ماعز له ظروفه، وجاء تائب ومنيب،
والقضايا كل القضايا في عصره -عليه الصلاة والسلام- خمس،
يعني على طول مدة الرسالة ثلاثة وعشرين سنة، خمس قضايا،
قضايا الزنا، والآن يطنطنون ويقولون: إن المجتمعات لا بد
أن يقع فيها الهفوات، وعصر النبوة ما سلم، بينما وقع في
عصر النبوة مما يقع في عصرنا في بلادنا وفي غيرها أكثر
وأشد، هذه الخمس تحصل من شخص فضلاً عن بلد، أو عن ... ،
وبعضهم يقرر أن عشرة بالمائة هذه ما هي بظاهرة مقلقة، عشرة
بالمائة شيء يسير، يعني إذا كان الرياض خمسة ملايين
بخمسمائة ألف ما هي ظاهرة هذه، على كلامه -نسأل الله
السلامة والعافية- نعم؟
طالب: الأولى يا شيخ فيمن يقع في هذا أنه يستر على المسلم
... ؟
والله الأمر إليه، لكن إن ارتكب العزيمة كفرت سيئته،
الحدود كفارات، وإن استتر بستر الله، وأكثر من الحسنات،
وترك المعاصي، والتزم بشرع الله، واستكثر من القربات هذا
بعد أيضاً كله طيب.
طالب: في آخر الزمان يكثر الزنا عند المسلمين وإلا في
العالم ... ؟
جاء عموماً، جنسه.
طالب: أحسن الله إليك بالنسبة لقضية الزنا يطلق على من أتى
من القبل يشترط له ذلك أو من أي جهة .... ؟
(154/13)
الزنا الأصل القبل مع القبل، الإيلاج في
القبل هذا هو الزنا، والإيلاج في الدبر بالنسبة للذكور هذا
يسمونه اللواط، وبالنسبة للإناث إتيان المرأة مع دبرها
محرم إجماعاً، وهو اللوطية الصغرى كما يقول أهل العلم، فلا
شك في تحريمه.
طالب: سعيد بن المسيَب أو المسيِب؟
هو مشهور عند أهل العلم بالفتح، والدعوة التي تذكر عنه ما
تثبت، نعم؟
طالب: أحسن الله إليك من القاضي ....
لا، الحاكم هو القاضي، كل هؤلاء أعوان، الهيئات والشرط
أعوان، الحاكم والسلطان، السلطان نائبه القاضي، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
لا، لا إذا عفوا هذا تعاون على الإثم والعدوان، يعني مثل
هذا يأتي من باب آخر، نعم.
قال: "حدثني عن مالك عن يحيى بن سعيد عن سعيد بن المسيب
أنه قال: بلغني أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال
لرجل من أسلم" يعني من جماعة ماعز "يقال له هزال: ((يا
هزال لو سترته بردائك لكان خيراً لك)) " لو سترته بردائك
يعني حال الرجم؟
طالب: حال الزنا ....
((لو سترته بردائك لكان خيراً لك)) يعني هل يكنى بهذا عن
الستر على ماعز؟ نعم؟ عن الاعتراف ومنعته من الاعتراف، أو
أنه لو سترته بردائك حين إقامة الحد؟ أما بالنسبة للاعتراف
جاء هو بنفسه يعترف، يعني هل معنى هذا أن النبي -عليه
الصلاة والسلام- اطلع على أن هزالاً عرف الواقعة قبل مجيئه
إلى النبي -عليه الصلاة والسلام- وصرفه عن المجيء؟ هو يمكن
أن يكون كناية عن هذا، مو بصريح كناية عن هذا، أن يستتر
بالرداء ما يمنع من الاعتراف.
طالب: قد يكون من المصيب بجنون ....
يقول: نعم يقول: به جنون وهو ليس بمجنون؟ لا، لا ما يمكن
هذا.
طالب: في رواية النسائي: أن هزالاً كانت له جارية، وأن
ماعزاً وقع عليها فقال له هزال: انطلق إلى النبي -صلى الله
عليه وسلم-.
انطلق فأخبر أو أنطلق ... ؟
طالب: أنطلق وأخبر ....
يعني هو صاحب الجارية المزني بها؟
طالب: فانطلق فأخبره فأمر به فرجم.
على كل حال مسألة الستر بالرداء كناية عن صده عن الاعتراف،
والحيلولة دونه ودون هذا الاعتراف الذي ألزمه بالحد.
(154/14)
" ((لكان خيراً لك)) قال يحيى بن سعيد:
فحدثت بهذا الحديث في مجلس فيه يزيد بن نعيم بن هزال
الأسلمي فقال يزيد: هزال جدي وهذا الحديث حق" والحديث من
مراسيل سعيد، وهو موصول عند أبي داود.
قال: "حدثني مالك عن ابن شهاب أنه أخبره أن رجلاً اعترف
على نفسه بالزنا على عهد رسول الله -صلى الله عليه وسلم-،
وشهد على نفسه أربع مرات، فأمر به رسول الله -صلى الله
عليه وسلم- فرجم" يلزم الاعتراف أربع مرات أو يكفي
الاعتراف مرة واحدة؟
طالب:. . . . . . . . .
إيه لكنه مجمل، حديث ماعز صريح بالاعتراف أربع مرات،
وقياساً على الشهود الأربعة، وبهذا قال جمع من أهل العلم،
وهو الراجح، وأما من يقول بأنه يكفي الاعتراف مرة واحدة
وليس بأشد من القتل وغيرها من الحدود قياساً مع النص، يعني
في مقابل نص فهو فاسد الاعتبار.
جاء في الزنا الاعتراف الإجمالي من غير عدد، ولا شك أن
التفصيل يقضي على الإجمال.
"وشهد على نفسه أربع مرات، فأمر به رسول الله -صلى الله
عليه وسلم- فرجم" قال ابن شهاب: فمن أجل ذلك يؤخذ الرجل
باعترافه على نفسه.
ولا شك أن الاعتراف أقوى من البينة؛ لأن الإنسان أعرف
بنفسه، وأدرى بما حصل منه من غيره.
قال: "حدثني مالك عن يعقوب بن زيد بن طلحة عن أبيه زيد بن
طلحة عن عبد الله بن أبي مليكة" وبعض النسخ بدل عن ابن،
"ابن عبد الله بن أبي مليكه أنه أخبره أن امرأة جاءت إلى
رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فأخبرته أنها زنت وهي
حامل، فقال لها رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((اذهبي
حتى تضعي)) " يعني فلا ترجم الحامل، ولا يقام عليها الحد
حتى تضع الحمل؛ لئلا يتعدى الضرر إلى غيرها "فلما وضعته
جاءته، فقال لها رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((اذهبي
حتى ترضعيه)) " لأنه يتضرر برجمها قبل رضاعه "فلما أرضعته
جاءته، فقال: ((اذهبي فاستودعيه)) " أي: اجعليه عند من
يحفظه ويحضنه "قال: فاستودعته ثم جاءت، فأمر بها فرجمت" في
بعض الروايات: أنها جاءت به وفي يده كسرة خبز، على كل حال
مثل هذا لا بد منه، لا بد أن تؤجل الحامل حتى تضع، ثم
ترضع، فإذا وجد من يكفله فإنها يقام عليها الحد.
(154/15)
لو قالت: ما وجدت، استودعيه قالت: ما أجد
من أودعه عنده، يقام عليها حد وإلا ما يقام عليها حد؟
طالب:. . . . . . . . .
لأنه قال: ((اذهبي حتى ترضعيه)) ((اذهبي فتستودعيه)) الآن
الصيغة اختلفت، ما جعل الاستيداع غاية مثل ما جعل الوضع
والرضاعة؛ لأنه قال: ((اذهبي حتى تضعي)) يعني ما في إقامة
حتى تضعي ((اذهبي حتى ترضعيه)) يعني لا يقام الحد حتى
ترضعيه، ثم قال: ((اذهبي فاستودعيه)) قال: فاستودعته، ما
قال: اذهبي حتى تستودعيه، لا يقام الحد حتى ... ، لا
((اذهبي فاستودعيه)) يعني ضعيه عند أحد يكفله ويحضنه، ثم
جاءت فأمر بها فرجمت.
طالب: الآن هذه المرأة كانت محصنة؟
محصنة نعم.
طالب: طيب في غير المحصنة لو جاءت مثلاً وبها الحمل؟
يقال: حتى تضع؛ لأنه قد يسقط الحمل، ويتعدى الضرر.
طالب: والحد كيف يقام؟
جلد، جلد ما دامت بكر تجلد ولو حبلت.
(154/16)
قال: "حدثني مالك عن ابن شهاب عن عبيد الله
بن عبد الله بن عتبة بن مسعود عن أبي هريرة وزيد بن خالد
الجهني أنهما أخبراه أن رجلين اختصما إلى رسول الله -صلى
الله عليه وسلم-، فقال أحدهما: يا رسول الله اقض بيننا
بكتاب الله، وقال الآخر -وهو أفقههما-: أجل يا رسول الله
فاقض بيننا بكتاب الله، وأذن لي أن أتكلم؟ " من أين جاء
وصفه بالفقه؟ نعم كونه استأذن، أذن لي أن أتكلم "فقال:
((تكلم)) فقال: إن ابني كان عسيفاً على هذا" يعني أجيراً
عنده، ومعروف أن الأجير يعني يخالط المستأجر مخالطة تختلف
عن غيره، ولذا أكثر ما يوجد من المصائب والمشاكل في
المخالطة، الأجير والمستأجر، فتجد السائق له دالة على
البيت وأهل البيت أكثر من غيره، سائق الأسرة، وكذلك
الخادمة في الأسرة، يعني بينهم صلة ودالة ويمونون عليها
أكثر من غيرها، والتساهل جر المصائب والنكبات إلى البيوت،
فلا بد من الاحتياط، وإذا وجد هذا في عصر النبوة فكيف يأمن
الإنسان على نفسه وعلى ولده وبنته وزوجته؟! لا بد من أخذ
الاحتياط الشديد في هذا الباب؛ لأنها إذا وقعت المصيبة ما
يمكن أن تستدرك، العار لن يرتفع، نعم الإثم يجبه التوبة،
يجبه إقامة الحد، لكن العار، الألم يعتصر القلب مدى
الحياة، ومصائب وكوارث لا يمكن تصحيحها، كثيراً ما يسأل
يعني بسبب التساهل مع الخدم والسائقين، الأسئلة تكثر عن
مسألة الستر عن النفس، والإخبار بما حصل، أو لا يخبر عند
الخطبة؟ يعني إذا حصل من البنت هفوة وإلا زلة مع سائق أو
نحوه، تقول: هل أخبر الخاطب أو لا أخبره؟ هذه مسألة كارثة
حقيقة، إن أخبرت تعطلت، وإن لم تخبر غشت، وإذا علم الخاطب
فيما بعد ماذا يكون مصيره؟ وماذا يكون وضع أولاده فيما
بعد؟ كل هذه جرائم يصعب تصحيحها فالاحتياط هو الواجب، وهو
المتعين؛ لئلا يقع مثل هذا نسأل الله السلامة والعافية.
وأدخل على بعض الناس ممن هم محسوبين على الأخيار بسبب
تساهلهم، أدخل عليهم ما ليس منهم، وحصل من الخدم في البيوت
من عبث الصبيان والأولاد وما أشبه ذلك، كل هذا بسبب
التساهل، فعلى المسلم أن يكون حازماً، لا سيما فيما يتعلق
بالأعراض، الأموال أمرها سهل، الإشكال في الأعراض، والله
المستعان.
(154/17)
وهذا الأجير وهذا العسيف زنى بامرأة
مستأجره "فأخبرني" يعني الزوج، زوج المرأة المزني بها قال
لوالد العسيف: إن على ابني الرجم "فافتديت منه" يعني من
الرجم، بدل الرجم بمائة شاة وبجارية لي، ظن أن الحدود تباع
وتشترى لا، الحدود حق لله -جل وعلا- لا يتصرف فيها ولا
يتدخل، وأخذ البدل عنها لا شك أنه تغيير لشرع الله، وهذا
موجود في بعض البلدان -نسأل الله السلامة والعافية-.
"فافتديت منه بمائة شاة وبجارية لي، ثم إني سألت أهل العلم
فأخبروني" شوف لما أخبره هذا الجاهل بأن على ابنه الرجم
ذهب يفتدي من الرجم بمائة شاة وبجارية ليفدي ولده بذلك "ثم
إني سألت أهل العلم فأخبروني أن ما على ابني جلد مائة
وتغريب عام" هذا هو الصحيح، وتغريب عام ((البكر بالبكر جلد
مائة ونفي سنة)) ولا بد من النفي سنة في بلد يبعد عن بلده
أكثر من مسافة قصر، مسافة قصر فأكثر ليسمى تغريب، وقد يقول
قائل: إنه إذا غرب الزاني ذكراً كان أو أنثى، فإنه يفقد
أهله وعشيرته الذين يستحيي منهم، فقد يزيد شره، ولا شك أن
التغريب جزء من الحد لا يعطل بمثل هذه التعليلات، وإلا
فالحنفية لا يرون التغريب بمثل هذه الأمور، بهذه
التعليلات، وأيضاً لو كان المغرب امرأة لزم أن يغرب معها
المحرم، ومن أهل العلم من يرى أن السجن يقوم مقام التغريب،
المقصود أنه يحال بينه وبين وقوع الفاحشة مرة ثانية،
والمجال للاجتهاد لا سيما في السجن، وإن سجن في بلد يجتمع
فيه السجن مع التغريب كان أولى؛ لئلا يقع في الجريمة مرة
أخرى.
طالب:. . . . . . . . .
مثل هذا ما هو لهذا يا أخي، ينتقل إلى بلد يكون فيه أهل
الصلاح أكثر، ويبعد عن رفقة السوء، كما قيل للتائب الذي
قتل مائة: انتقل إلى بلد كذا فإنه ... ، من باب المشورة لا
على سبيل الإلزام.
"فأخبروني أنما الرجم على امرأته، فقال رسول الله -صلى
الله عليه وسلم-: ((أما والذي نفسي بيده لأقضين بينكما
بكتاب الله)) " يعني بحكم الله " ((أما غنمك وجاريتك فرد
عليك)) " يعني مردودة عليك، ولا يلزمك أن تبذل فداء لولدك،
ولا يقبل منك لو بذلت، وجلد ابنه مائة، وغربه عاماً "وأمر
أنيساً الأسلمي، فقال: واغدوا يا أنيس إلى امرأة هذا فإن
اعترفت فارجمها".
(154/18)
"وأمر أنيساً الأسلمي أن يأتي امرأة الآخر
فإن اعترفت رجمها، فاعترفت فرجمها" اعترفت الاعتراف
المعتبر في هذه الجريمة، وهي أن تعترف أربع مرات، كما جاء
في حديث ماعز المبين المفصل المفسر، فيرجع إليه، وليس فيه
أنه جلدها ولا أمر بجلدها، والقضايا التي ذكرت الخمس في
عصره -عليه الصلاة والسلام- ليس فيها أنه جلد، وفي حديث
عبادة وهو في الصحيح: ((الثيب بالثيب جلد مائة والرجم))
ولذا جمهور أهل العلم لا يرون الجلد بالنسبة للزاني
المحصن، وإنما يكتفى برجمه، والمعروف عند جمع من أهل العلم
منهم الحنابلة يرون الجلد، والجمع بين الجلد والرجم، وعلي
-رضي الله عنه- جلد شراحة يوم الخميس، ورجمها يوم الجمعة،
ولا شك أن حديث عبادة صريح في الموضوع، وما عداه فيه عدم
الذكر فقط، ما فيه نفي، فيه عدم الذكر، والحكم يثبت بخبر
واحد، فإذا لم يذكر حمل على الأحاديث التي فيها الذكر،
والحجة تقوم بخبر واحد، فالمرجح أنها تجلد، يجلد الزاني
المحصن ثم يرجم.
"حدثني مالك عن سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة أن
سعد بن عبادة -رضي الله عنه- قال لرسول الله -صلى الله
عليه وسلم-: أرأيت لو أني وجدت مع امرأتي رجلاً أأمهله حتى
آتي بأربعة شهداء؟ فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-:
((نعم)) ".
لا بد من الشهداء، وإلا لو أعطي الناس بدعاواهم لادعى أناس
أموال أناس ودماءهم، المقصود أن مثل هذا لا يترك لاجتهاد
الأفراد، فلو اكتفى بعلمه وقتله بمجرد وجوده مع امرأته، أو
مع ولده، أو مع بنته، ولو كان مستحقاً للقتل، بأن كان
زانياً محصناً، وتأكد من الفعلة بنفسه، لا يجوز له أن ينفذ
الحد؛ لأن هذا من حق السلطان، ولي الأمر، وهذا افتيات
عليه، ولو ترك المجال لأفراد الناس لكان من كانت بينه وبين
غيره خصومة أو مشاحنة يذهب به إلى بيته، ويدعي عليه ثم بعد
ذلك يقتله، ويقول: إنه وجده على بنته أو على امرأته، وليس
له ذلك، ولو كان مستحقاً للقتل بأن كان محصناً، وفي حديث
القذف في حديث اللعان، الرجل يجد مع امرأته رجلاً أيقتله
فتقتلونه؟ قال: ((نعم)) يقتل به، بلا شك؛ لأن هذا يفضي إلى
فوضى، لو أن كل إنسان ترك له الأمر ليحكم بنفسه وينفذ
بنفسه كانت الأمور فوضى.
(154/19)
"حتى آتي بأربعة شهداء" نعم لا بد أن يأتي
بأربعة شهداء، ولو نقصوا واحداً لجلدوا حد القذف.
قال: "حدثني مالك عن ابن شهاب عن عبيد الله بن عبد الله بن
عتبة بن مسعود عن عبد الله بن عباس أنه قال: سمعت عمر بن
الخطاب يقول: "الرجم في كتاب الله حق على من زنى من الرجال
والنساء، إذا أحصن إذا قامت البينة، أو كان الحبل، أو
الاعتراف".
في حديث العسيف وفي آخره: ((واغدوا يا أنيس إلى امرأة هذا
فإن اعترفت فارجمها)) فيه دليل على أن الحسبة من أعمال
الرجال، وليست من أعمال النساء، ولو كانت من أعمال النساء،
لقال: اغدي يا فلانة وفلانة وفلانة من الصالحات إلى امرأة
هذا؛ لأن الأمر متعلق بامرأة، إن اعترفت فارجموها، لا،
الحسبة من خصائص الرجال، وليس للنساء فيهن دخل، نعم للمرأة
أن تأمر وتنهى وتنكر على غيرها، لكن في مثل هذه المواطن
التي فيها التنفيذ هي من خصائص الرجال.
طالب:. . . . . . . . .
ما هو بوالد.
طالب:. . . . . . . . .
نعم؟ ويش فيه؟
طالب:. . . . . . . . .
ولو كان غني ويش الفرق؟
طالب:. . . . . . . . .
يكون ابنه خادم ولو كان غني؛ لأنه ما يلزمه أكثر من نفقته،
يكون أجير ويش المانع؟
طالب: الآن في مسألة الشخص ....
لا، لا بد من الرجوع إلى الإمام، إذا خولهم الإمام وقال:
من رأى منكم منكراً يغير يغير، وإلا فالتغيير باليد من
خصائص الإمام.
نعم إذا عرف أن الإمام لا ينكر ذلك، يعني كان الناس في
السابق ينكرون، ويعرفون أن الإمام لا يكره مثل هذا، إذا
عرفوا من حال الإمام أنه لا يكره مثل هذا ولا ينكره، لا
مانع، وهو الأصل؛ لأنهم يأتمرون بأمر نبوي، ((فليغيره
بيده)) لكن إذا عرفوا أن السلطان يمنع من هذا، لكن لا بد
أن يقوم بهذا الأمر أحد، هذا فرض كفاية، لا بد أن يقوم به
السلطان، من مهماته، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
والناس ....
طالب: وقام به بيده ...
لا شك أن مثل هذا، وأراد أن يتحمل الآثار المترتبة عليه
الأمر لا يعدوه، يتحمل ....
طالب:. . . . . . . . .
لكن يتحمل ما يأتيه من قبل السلطان، نعم؟
طالب: الطرف الأول هل يدخل في الحديث الطرف الأول إذا ذهب
إلى الوالي أن اليوم .... فإن اعترف .... ؟
(154/20)
مثل ما قال، يعني لو لم تعترف ما أقيم
عليها حد، ما يكفي أن يعترف عليها غيرها، ما يكفي، وسيأتي
ما يدل على أنها قد تصرف وتلقن ويستر عليها، يأتي ما يدل
على هذا، نعم؟
طالب: لو مثلاً أحد العبيد زنا بأمة ....
إيه لا ما يغرب العبد، العبد ينصف عليه العذاب ولا يغرب،
وجاء في الحديث: ((إذا زنت أمة أحدكم فليجلدها الحد ولا
يثرب عليها، ثم إذا زنت فليجلدها الحد ولا يثرب عليها، ثم
إذا زنت فليبعها ولو بضفير))
طالب: حتى لو كان محصن؟
نصف، نصف العذاب، فعليهن نصف ما على المحصنات من العذاب.
طالب: نعم محصن.
محصن محصن، الرجم لا يتبعض ولو كان محصناً.
طالب:. . . . . . . . .
على كل حال إن أراد أن يتحمل العزيمة، وإلا فالأصل أن
الأمر معلق بالاستطاعة.
يقول: "حدثني مالك عن ابن شهاب عن عبيد الله بن عبد الله
بن عتبة بن مسعود عن عبد الله بن عباس أنه قال: سمعت عمر
بن الخطاب يقول: "الرجم في كتاب الله حق على من زنى من
الرجال والنساء إذا أحصن إذا قامت البينة" حق في كتاب
الله، يعني الآية التي ذكرت في الصحيح المنسوخة اللفظ،
منسوخة التلاوة مع بقاء حكمها: "الشيخ والشيخة إذا زنيا
فارجموهما ألبتة" وستأتي.
"على من زنى من الرجال والنساء إذا أحصن إذا قامت البينة"
يعني شهد عليه أربعة" أو كان الحبل" يعني الحمل "أو
الاعتراف" يعني إذا حملت المرأة غير ذات زوج لا شك أنها
زانية، هذا من أقوى البينات، إذا حملت من غير زوج لا شك
أنها زانية، فهو يقوم مقام البينة، وكذلك إذا تقيأ الخمر
على ما سيأتي، فلا يمكن أن يتقيأها حتى يشربها، أو
الاعتراف على نفسه أربع مرات، فإنه يقام عليه الحد حينئذٍ.
(154/21)
قال: "حدثني مالك عن يحيى بن سعيد عن
سليمان بن يسار عن أبي واقد الليثي أن عمر بن الخطاب أتاه
رجل وهو بالشام فذكر له أنه وجد مع امرأته رجلاً، فبعث عمر
بن الخطاب أبا واقد الليثي إلى امرأته يسألها عن ذلك،
فأتاها وعندها نسوة حولها، فذكر لها الذي قال زوجها لعمر
بن الخطاب، وأخبرها أنها لا تؤخذ بقوله" يعني الاعتراف
عليها ما يكفي، يعني كون زوجها أخبر ما يكفي، لا بد من
اعترافها هي "وجعل يلقنها أشباه ذلك لتنزع" يعني لتنكر
وترجع عن الاعتراف "فأبت أن تنزع" أصرت على الاعتراف "وتمت
على الاعتراف" يعني ثبتت عليه "فأمر بها عمر فرجمت".
قال بعد ذلك: "حدثني مالك عن يحيى بن سعيد عن سعيد بن
المسيب أنه سمعه يقول: لما صدر عمر بن الخطاب من منى أناخ
بالأبطح" يعني لما انتهى حجه أناخ بالأبطح كما فعل النبي
-عليه الصلاة والسلام-، ثم كوم كومة بطحاء، ثم طرح عليها
رداءه واستلقى، يعني جعله له من البطحاء وساد، وجعل عليها
الرداء واستلقى، يجوز النوم مستلقياً إذا أمن من انكشاف
العورة، جاء النهي عن النوم مع الاستلقاء، ولا شك أنه
محمول على ما إذا خشي من انكشاف العورة.
"ثم مد يديه إلى السماء، فقال: اللهم كبرت سني" ثلاثة
وستين، أبو ثلاثة وستين يخطط لستين ثانيات، والله
المستعان، طول الأمل صحيح، كثير من الناس تخطيطه من قرار
التعيين ماذا يفعل بعد التقاعد؟ يخطط مشاريع تجارية،
وبعضهم في العلمية، بيألف إذا تقاعد بيسوي بيفعل ويترك،
نعم، حب الدنيا، شب ابن آدم ويشب منه خصلتان: حب الدنيا
وطول الأمل.
"اللهم كبرت سني، وضعفت قوتي، وانتشرت رعيتي" شعور
بالمسئولية "انتشرت رعيتي، فاقبضني إليك غير مضيع ولا
مفرط، ثم قدم المدينة" يعني بعد حجه "فخطب الناس، فقال:
أيها الناس قد سنت لكم السنن، وفرضت لكم الفرائض، وتركتم
على الواضحة" يعني ما في شيء يحتاج إلى بيان بعد موت النبي
-عليه الصلاة والسلام-، بين وبلغ البلاغ المبين الواضح،
إلا أن تضلوا بالناس يميناً وشمالاً؛ لأنكم حملة الدين،
يعني أنتم إن استقمتم استقام الناس، وإن ضللتم ضل الناس،
بكم يقتدون، أنتم حملة الدين، أنتم صحابة الرسول -عليه
الصلاة والسلام- ... إلى آخر ما قال.
(154/22)
"ثم ضرب بإحدى يديه على الأخرى، ثم قال:
إياكم" تحذير "أن تهلكوا عن آية الرجم، أن يقول القائل: لا
نجد حدين في كتاب الله" ما نجد إلا حد واحد وهو الجلد
{الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ
مِّنْهُمَا مِئَةَ جَلْدَةٍ} [(2) سورة النور] لا نجد إلا
واحد "يقول القائل: لا نجد حدين في كتاب الله، فقد رجم
رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ورجمنا معه، والذي نفسي
بيده" يقسم عمر -رضي الله عنه-، ويحلف من غير استحلاف على
أمر في غاية الأهمية "لولا أن يقول الناس: زاد عمر بن
الخطاب في كتاب الله تعالى لكتبتها: "الشيخ والشيخة
فارجموهما ألبتة" فإنا قد قرأناها".
هو يخشى الناس وإلا يخشى الله؟ لولا أن يقول الناس: زاد
عمر في كتاب الله تعالى لكتبتها، هو يخشى الناس وإلا يخشى
الله -جل وعلا-؟ يخشى الله -جل وعلا-، لكن من الناس من لا
يدرك مثل هذه الأمور فيقع في مثل ما يقع فيه، مثل هذا عمر
-رضي الله تعالى عنه- يخشى الله -جل وعلا-، والآية ثابتة
عنده، إلا أنه لم يؤمر بكتابتها في المصحف، وإلا فهي مما
أنزل على النبي -عليه الصلاة والسلام-، فإنا قد قرأناها.
"قال مالك: قال يحيى بن سعيد: قال سعيد بن المسيب: فما
انسلخ ذو الحجة" الحجة بكسر الحاء، عكس القَعَدة "فما
انسلخ ذو الحجة حتى قتل عمر -رحمه الله-" ورضي عنه وأرضاه.
"قال يحيى: سمعت مالكاً يقول: قوله: الشيخ والشيخة يعني
الثيب والثيبة فارجموهما ألبتة" يعني إذا زنيا، وهذه الآية
مما نسخ لفظه وبقي حكمه، نعم؟
طالب: إيش معنى ألبتة؟
ألبتة يعني بدون تردد، يعني من دون تردد، ألبتة، إعرابها؟
الهمزة همزة قطع، حال، يعني باتين في أمركم.
طالب:. . . . . . . . .
قطع، نعم.
(154/23)
"وحدثني مالك أنه بلغه أن عثمان بن عفان
أتي بامرأة قد ولدت في ستة أشهر، فأمر بها أن ترجم، فقال
له علي بن أبي طالب" يعني عثمان استقر في ذهنه كما استقر
في أذهان الناس كلهم، أن أقل الحمل تسعة أشهر؛ لأن هذا هو
الغالب، فلما ولدت لستة أشهر أمر بها أن ترجم، فقال له علي
بن أبي طالب، يعني تزوجت في محرم وولدت في آخر جماد، يعني
ستة أشهر، قبل رجب، أو على دخول رجب، ولدت في ستة أشهر،
استقر في أذهان الناس بناءً على العادة المطردة أن الحمل
مدته تسعة أشهر، فأمر بها أن ترجم؛ لأنها ثبت أن هذا
الوطء، وهذا الولد قبل النكاح.
"فقال له علي بن أبي طالب: ليس ذلك عليها" ليس عليها الرجم
"إن الله -تبارك وتعالى- يقول في كتابه: {وَحَمْلُهُ
وَفِصَالُهُ ثَلَاثُونَ شَهْرًا} [(15) سورة الأحقاف]
وقال: {وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلاَدَهُنَّ
حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَن يُتِمَّ
الرَّضَاعَةَ} [(233) سورة البقرة] " فإذا حسمنا الحولين
أربعة وعشرين من الثلاثين بقي ستة أشهر، فالدليل مستنبط من
آيتين "فالحمل يكون ستة أشهر، فلا رجم عليها" وهذا من فقه
علي -رضي الله عنه وأرضاه-، وعرف بذلك، لكن ليس هذا قدح
بعثمان؛ لأنه قد يخفى على الفاضل ما يعرفه المفضول، وخفي
على أبي بكر ما يعرفه غيره، وخفي على عمر ما عرفه أبو موسى
وأبو سعيد وغيرهم، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
نعم المقصود أنه قد يخفى على الفاضل ما يدركه المفضول،
فليس في هذا مطعن أو طعن في عثمان، لكنه أيضاً منقبة لعلي
بن أبي طالب -رضي الله عنه-، فبعث عثمان بن عفان في أثرها
فوجدها قد رجمت، لكن، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
إيه.
طالب:. . . . . . . . .
هذه لو قالت: ما زنيت ما حدت.
طالب:. . . . . . . . .
ويش هو؟
طالب:. . . . . . . . .
ليش؟
طالب:. . . . . . . . .
زوجها يريد؟
طالب:. . . . . . . . .
إيه يريدها نعم لقنها.
طالب:. . . . . . . . .
(154/24)
إيه هذيك حبلت من الزنا فلا بد من اللعان،
وهذه ما حبلت الطلاق يكفي يا أخي، فرق بين الأمرين، يعني
اللعان إنما يشرع لانتفاء الولد بالدرجة الأولى، يعني هل
كل من زنت امرأته يلزمه أن يخبر؟ ما عنده مندوحة، يطلقها
وينتهي الإشكال، لكن إذا حبلت لا بد من اللعان، لا بد أن
يخبر ويلاعن.
يقول: "فبعث عثمان بن عفان في أثرها فوجدها قد رجمت" الشرح
ويش يقول؟ الشارح بعد فرجمت؟
طالب: الجهني. . . . . . . . . عثمان في ستة أشهر، فانطلق
إلى عثمان، فأمر برجمها فقال له علي: أما سمعت الله يقول:
{وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلَاثُونَ شَهْرًا} [(15) سورة
الأحقاف] وقال: {وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ} [(14) سورة
لقمان] فلم نجد بقي إلا ستة أشهر، قال عثمان: والله ما
فطنت لهذا.
روى عبد الرزاق في المصنف عن الأسود الديلي قال: رفع إلى
عمر امرأة ولدت لستة أشهر، فسأل عنها أصحاب النبي -صلى
الله عليه وسلم- فقال علي: ألا ترى أنه يقول: {وَحَمْلُهُ
وَفِصَالُهُ ثَلَاثُونَ شَهْرًا} [(15) سورة الأحقاف]،
وقال: {وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ} [(14) سورة لقمان] فكان
الحمل ها هنا ستة أشهر فتركها، فلعل عثمان -رضي الله عنه-
لم يحضر هذه القصة في زمن ....
لكن الكلام على "فوجدها قد رجمت".
طالب:. . . . . . . . .
معروف إيه قبل، هذا قبل.
قال: "حدثني مالك أنه سأل ابن شهاب" يعني خطأ القاضي، خطأ
الحاكم إذا كان من أهل الاجتهاد فخطأه معفو عنه، والدية
تقع في بيت المال، معفو عنه، وإذا لم يكن من أهل الاجتهاد
أثم إثماً عظيماً؛ لأنه قتل من لا يستحق القتل.
"حدثني مالك أنه سأل ابن شهاب عن الذي يعمل عمل قوم لوط،
فقال ابن شهاب: عليه الرجم أحصن أو لم يحصن" والمسألة
خلافية بين أهل العلم في حد اللواط، والحنابلة عندهم أن حد
اللوطي كالزاني "وحد لوطي كزان" يعني إن كان محصناً يرجم،
وإن كان بكراً يجلد، ومنهم من يرى أنه يقتل على كل حال،
أحصن أو لم يحصن، ومنهم من يرى أنه يرجم، ومنهم من يرى أنه
يلقى من شاهق، ويتبع بالحجارة، ومنهم من يرى أنه يحرق
بالنار، ومنهم الحنفية يرون أن فيه التعزير، وليس فيه
الحد، وعلى كل حال ... ، نعم؟
طالب: الصحابة؟
(154/25)
الصحابة أجمعوا على قتله، لكن اختلفوا في
كيفية القتل، على كل حال المسألة خلافية، والمتجه هو
القتل، والله أعلم.
وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى
آله وصحبه أجمعين.
طالب:. . . . . . . . .
المرأة يحفر لها أستر لها.
طالب:. . . . . . . . .
أعمق إيه ....
(154/26)
بسم الله الرحمن الرحيم
شرح: الموطأ - كتاب الحدود (2)
باب: ما جاء فيمن اعترف على نفسه بالزنا - باب: جامع ما
جاء في حد الزنا - باب: ما جاء في المغتصبة - باب: الحد في
القذف والنفي والتعريض.
الشيخ: عبد الكريم الخضير
سم.
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا
محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
اللهم اغفر لشيخنا والحاضرين والسامعين برحمتك يا أرحم
الراحمين.
قال المؤلف -رحمه الله تعالى-:
باب: ما جاء فيمن اعترف على نفسه بالزنا
حدثني مالك عن زيد بن أسلم أن رجلاً اعترف على نفسه بالزنا
على عهد رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فدعا له رسول
الله -صلى الله عليه وسلم- بسوط، فأتي بسوط مكسور، فقال:
((فوق هذا)) فأتي بسوط جديد لم تقطع ثمرته، فقال: ((دون
هذا)) فأتي بسوط قد ركب به ولان، فأمر به رسول الله -صلى
الله عليه وسلم- فجلد، ثم قال: ((أيها الناس قد آن لكم أن
تنتهوا عن حدود الله، من أصاب من هذه القاذورات شيئاً
فليستتر بستر الله، فإنه من يبدي لنا صفحته نقم عليه كتاب
الله)).
وحدثني مالك عن نافع أن صفية بنت أبي عبيد أخبرته أن أبا
بكر الصديق أتي برجل قد وقع على جارية بكر فأحبلها، ثم
اعترف على نفسه بالزنا، ولم يكن أُحصن ....
أَحصن.
أحسن الله إليك.
ولم يكن أَحصن، فأمر به أبو بكر فجلد الحد، ثم نفي إلى
فدك.
قال مالك في الذي يعترف على نفسه بالزنا، ثم يرجع عن ذلك
ويقول: لم أفعل، وإنما كان ذلك مني على وجه كذا وكذا، لشيء
يذكره: إن ذلك يقبل منه، ولا يقام عليه الحد، وذلك أن الحد
الذي هو لله لا يؤخذ إلا بأحد وجهين، إما ببينة عادلة تثبت
على صاحبها، وإما باعتراف يقيم عليه حتى يقام عليه الحد،
فإن أقام على اعترافه أقيم عليه الحد.
قال مالك -رحمه الله-: الذي أدركت عليه أهل العلم أنه لا
نفي على العبيد إذا زنوا.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده
ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
فيقول: المؤلف -رحمه الله تعالى-:
باب: ما جاء فيمن اعترف على نفسه بالزنا
(155/1)
من اعترف على نفسه يحد كما تقدم في قصة
ماعز، وقصة العسيف، بالنسبة لاعتراف الرجال واعتراف النساء
كله سبب لإقامة الحد، فمن اعترف على نفسه بالزنا فإنه يحد،
إذا أقر واعترف وشهد على نفسه أربع شهادات، أقر أربعة
اعترافات يحد.
يقول -رحمه الله-: "حدثني مالك عن زيد بن أسلم أن رجلاً
اعترف على نفسه بالزنا على عهد رسول الله -صلى الله عليه
وسلم-" هذا ماعز أو غير ماعز؟
طالب: غير ماعز.
لماذا؟ هذا دعا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بسوط فأتي
بسوط، لا هذا فيه دليل على أنه بكر، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
طيب، والمحصن ما يجلد؟ نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
لا، لا اللي رجحناه أمس أنه يجلد، وعلي -رضي الله عنه- جلد
شراحة يوم الخميس، ورجمها يوم الجمعة، حديث عبادة صحيح
مفسر ما فيه أدنى إشكال، ما فيه إجمال، ولا إبهام ولا ...
، جلد مائة والرجم، يعني كون الجلد لم يذكر في الوقائع لا
يعني أنه لم يقع، فإذا ثبت الحكم بدليل شرعي لزم القول به،
كونه لا يذكر في قصص أخرى ما يلزم يا أخي.
(155/2)
يقول: "اعترف على نفسه بالزنا على عهد رسول
الله -صلى الله عليه وسلم-، فدعا له رسول الله -صلى الله
عليه وسلم-" يعني طلب من أجله "دعا له رسول الله -صلى الله
عليه وسلم- بسوط، فأتي بسوط مكسور" يعني لا يؤثر في
المجلود "فقال: ((فوق هذا)) فأتي بسوط جديد لم تقطع ثمرته"
يعني قوي، لم تقطع ثمرته يعني جديد، فيه عقده لم تذهب هذه
العقد من الاستعمال، كأنه قطع من الشجرة الآن، وقد روي
بالماء، هكذا يقول الشراح، لكن الذي يغلب على الظن أن
قوله: "لم تقطع ثمرته" مبالغة في جدته، كأن ثمرته عليه،
مبالغة في جدته كأنه أخذ من الشجرة الآن، فرق بين سوط
يابس، وبين سوط رطب، الرطب لا شك أنه أنكى، وأشد في الضرب،
وعلى كل حال بين هذين الوسط "فأتي بسوط جديد لم تقطع
ثمرته، فقال: ((دون هذا)) " يعني كأنه لم تقطع ثمرته
"فقال: ((دون هذا)) فأتي بسوط قد ركب به ولان" ركب به يعني
ركوب كل شيء بحسبه، واستعمال كل شيء بحسبه، ولبس كل شيء
بحسبه، يعني أنه مستعمل، الاستعمال أعم من الركوب، وقد
يقال: إنه ركب به الدابة، وضربت به، ركب به يعني اصطحب في
ركوب الدابة، واستعمل في ضربها فيكون مستعملاً، وقد يطلق
الفعل ولا يراد حقيقته، إنما يراد ما هو أعم من ذلك، فركب
استعمل، والحصير لبس يعني جلس عليه، ولبس كل شيء بحسبه.
(155/3)
"قد ركب به ولان، فأمر به رسول الله -صلى
الله عليه وسلم- فجلد، ثم قال: ((أيها الناس)) " خطب بهم
وقال: " ((أيها الناس قد آن لكم أن تنتهوا)) " والعادة في
مثل هذه المناسبة أن يحمد الله -جل وعلا-، ويثني عليه، ثم
يقول: أما بعد: ((أيها الناس قد آن لكم أن تنتهوا عن حدود
الله)) وهذا اختصار، أو لعله ذكر هذا لبيان الجواز أنه
يجوز أن تكون الخطبة بمراسمها الشرعية المعتادة، وقد يكون
هذا مجرد تنبيه على أمر من الأمور دون خطبة، ((أيها الناس
قد آن لكم أن تنتهوا عن حدود الله)) آن لكم: حان قوت
الانتهاء عن حدود الله؛ لأن الشرائع قد كملت، والحجة قد
بلغت، ولم يبق لأحد عذر، قد آن لكم أن تنتهوا عن حدود
الله، {أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَن تَخْشَعَ
قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ} [(16) سورة الحديد] وإذا
خشعت قلوبهم لذكر الله انتهت عن حدود الله.
((من أصاب من هذه القاذورات)) أي القبائح، كل ما يستقبح من
قول أو فعل قاذورات، لكن هذه التي فيها الحدود، وهو
المناسب لكتاب الحدود، أو يقال: أعم من ذلك مما يقتضي الحد
أو التعزير، ((من هذه القاذورات شيئاً فليستتر بستر الله،
فإنه من يبدي لنا صفحته)) يعني لا يستتر، بل يفضح نفسه،
ويأتي إلينا، وإن كان محموداً؛ لأنه قد تاب وأناب، والتوبة
تهدم ما كان قبلها، والحدود كفارات، ((فإنه من يبدي لنا
صفحته)) يعني يظهر لنا فعلته ((نقم عليه كتاب الله)) نقم
عليه الحد.
قال: "حدثني مالك عن نافع أن صفية بنت أبي عبيد" زوج عبد
الله بن عمر -رضي الله عنهما-، وهي أخت المختار ابن أبي
عبيد الذي ادعى النبوة "أن صفية بنت أبي عبيد أخبرته أن
أبا بكر الصديق أتي برجل قد ... " قد يقول قائل، هاه؟
طالب:. . . . . . . . .
إيش فيه؟
طالب:. . . . . . . . .
لا، ما هو موصول لكنه معروف يعني، هو الآن مرسل، والمرسل
حجة عند الإمام مالك -رحمه الله-، وهو موصول من طرق.
على كل حال الوسط معمول به في الشرع في جميع الأمور،
التوسط في الأمور مطلوب في جميعها.
(155/4)
"أن صفية بنت أبي عبيد" قلنا: إنها أخت
المختار بن أبي عبيد الذي ادعى النبوة، وهي زوج العبد
الصالح عبد الله بن عمر، قد يقول قائل: هذا ابن عمر على
شدة تحريه يتزوج هذه المرأة التي أخوها، وخال أولاده يدعي
النبوة؟! فلا ضير علينا أن نبحث عن الزوجة مهما كانت
أسرتها، أو مهما كان وضعها، أو مهما كانت تربيتها، نقول:
لا يا أخي، ادعاؤه النبوة طارئ، ولا شك أن الخال مؤثر،
وأهل الزوجة لهم أثر على الأولاد، وعليك أن تنتقي من الأسر
أطيبها، ومن النساء أفضلها، ((فاظفر بذات الدين تربت
يداك)) لكن إذا كانت دينة صينة، وأهلها أقل من المستوى
التي ترغبه وترتضيه، ووجد دونها في الديانة، ومستوى أهلها
أشد، أو أقرب إلى شرطك، فلا شك أن ذات الشأن هي الزوجة
نفسها، وأهلها مطلوب صلاحهم وحياطتهم وسترهم وصيانتهم، لكن
صاحبة الشأن هي المرأة، وبعض الناس يقول: ما دام ابن عمر
تزوج هذه المرأة وأخوها يدعي النبوة ما لنا شأن أننا نتزوج
المرأة التي يقع الاختيار عليها، والدعوة بابها مفتوح، لكن
ليعلم القائل: إن عمران بن حطان كان على المنهج السليم
المستقيم، ثم بعد ذلك تزوج امرأة من الخوارج فدعته فاستجاب
فصار من دعاتهم نسأل الله العافية، فيحتاط الإنسان لدينه،
والزوجة من أعظم من يؤثر على الزوج، كما أن الزوج له أثر
عظيم في حياة الزوجة، المسألة مغالبة الذي يغلب ينتصر على
صاحبه، فإذا كان لديها شيء مما يغري هذا الزوج مما يجعله
يتنازل، أقول: إذا كان في الزوجة ما يغريه بها، ويفتنه
بها، ويعلق قلبه بها لا شك أنه يتنازل، وقد شوهد هذا من
تأثير الزوجات على الأزواج والعكس، إذا كانت عندها ما
تستطيع التأثير عليه، ولو كان دونها في المستوى لا شك أنه
مع الوقت تحصل له الهداية بإذن الله، وقد يستمر ويتمادى في
ظلمه وطغيانه لنفسه ولغيره، وعلى كل حال الهداية بيد الله
-جل وعلا-، لكن على الإنسان أن يحرص على ذات الدين، فهي
وصية النبي -عليه الصلاة والسلام- لتعينه على أمر دينه
ودنياه.
(155/5)
"أن صفية بنت أبي عبيد أخبرته أن أبا بكر
الصديق أتي برجل قد وقع على جارية بكر فأحبلها، ثم اعترف
على نفسه بالزنا، ولم يكن أحصن" أحصن نفسه، ولا أحصن زوجة،
لم يطأ بنكاح صحيح فهو بكر.
"فأمر به أبو بكر فجلد الحد -مائة جلدة- ثم نفي إلى فدك"
أتي برجل يعني حر، فأقيم عليه الحد مائة جلدة ونفي، غرب
سنة، فالرجل يقال له: أحصن، ولذا قال: محصنين غير مسافحين،
وأما بالنسبة للمرأة فهي محصنة، ولذا قال: محصَنات، وما
قال محصِنات، وما سيأتي في الرواية التي تلي هذا، ولم
تحصِن بإسناد الإحصان إليها، باعتبار أن كل واحد من
الزوجين يحصن الآخر تكون به حصانة الآخر، ومع ذلك فالأصل
أن الذكر هو المحصِن، والمرأة محصَنة، وبذلك جاءت النصوص.
"قال مالك في الذي يعترف على نفسه بالزنا" نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
يقال: أحصنت، لكن يأتي في الباب الذي يليه، سئل عن الأمة
إذا زنت ولم تحصِن، وإلا فالأصل لم تحصَن؛ لأن اللائق
بالمرأة اسم المفعول، محصنات، واللائق بالرجل اسم الفاعل
محصنين.
"قال مالك في الذي يعترف على نفسه بالزنا".
طالب: أحسن الله إليك، حديث زيد بن أسلم .... مصلحة الستر
أعظم من مصلحة إقامة الحد؟
لا، هو على حسب إذا كان يغلب على ظنه أنه لا يعاود
المعصية، وأن حاله سوف تتبدل من هذا السيئ إلى أحسن يكون
الاستتار بستر الله أفضل له، لكن إذا غلب على ظنه أنه
يعاود هذه المعصية، وأنه لا يكون حاله أفضل، فلا شك أن
إقامة الحد عليه تطهير.
طالب: من حيث السياسة الشرعية .... هل يقال: إن مصلحة
الستر أفضل؟
مصلحة الستر من الشخص على نفسه؟
طالب: لا ...
على غيره؟
طالب: يعني خلاف الحسبة ....
هذا ذكرناه فيما سبق قلنا: إن من وقعت عليه هفوة أو زلة
مرة واحدة مثل هذا من ستر مسلماً ستره الله في الدنيا
والآخرة، أما أصحاب الجرائم، أصحاب السوابق مثل هؤلاء لا
بد من تطهيرهم، وإلا فتركهم والستر عليهم يفضي إلى تعطيل
الحدود.
(155/6)
"قال مالك -رحمه الله- في الذي يعترف على
نفسه بالزنا، ثم يرجع عن ذلك ويقول: لم أفعل، وإنما كان
ذلك مني على وجه كذا وكذا" يعتذر بشيء يذكره، يذكر عذراً
مقبولاً "إن ذلك يقبل منه" إذا أبدى عذراً مقبولاً يقبل
منه، يتذرع به، ولو كان كاذباً في نفس الأمر، المقصود أن
الناس ما لهم إلا الظاهر، هذا إذا اعتذر عن اعترافه السابق
لا يقام عليه حد، وإن ثبت عليه أقيم عليه حد "وإنما كان
ذلك مني على وجه كذا وكذا لشيء يذكره" يعني لعذر يقبله،
يذكره "إن ذلك يقبل منه" توكل سريرته إلى الله -جل وعلا-.
"ولا يقام عليه الحد، وذلك أن الحد الذي هو لله لا يؤخذ
إلا بأحد وجهين" يعني الزنا لا يثبت إلا بأحد أمرين: "إما
ببينة عادلة تثبت على صاحبها" من قيام أربعة شهداء يشهدون
بأنه زنا الزنا الكامل الحقيقي الإيلاج، "وإما باعتراف
يقيم عليه" ولا شك أن ثبوت الزنا بالبينة في غاية الصعوبة،
ولذلك أكثر القضايا وجل القضايا، بل جميع القضايا التي
حصلت في عصره -عليه الصلاة والسلام- كانت بالاعتراف "وإما
باعتراف يقيم عليه" يعني يثبت عليه ولا يرجع عنه "حتى يقام
عليه الحد، فإن أقام على اعترافه أقيم عليه الحد" يعني إن
ثبت على اعترافه يقيم عليه الحد.
"قال مالك: الذي أدركت عليه أهل العلم أنه لا نفي على
العبيد إذا زنوا" لماذا؟ لأن هذا إضرار بالسيد، وقطع
للمنافع المتعلقة بالرقيق، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
على كل حال التحاليل هذه قرائن ما هي ... ، ما تثبت به،
هذه قرائن، ما في إلا بينة واعتراف، ((بينة وإلا حد في
ظهرك)) نعم؟
طالب: .... ما هو الأصل هل يقال: الأصل الستر ... ؟
والله الأصل على حسب ما يحتف بهذا الرجل، وما يحيط
بالمجتمع، إذا كانت الجرائم كثيرة، والناس لا يردعهم إلا
إقامة الحدود، فالراجح أن يقام عليه الحد، ليرتدع غيره،
وإذا كان الغالب في الناس الصلاح والاستقامة وهذه الهفوات
نادرة يغلب الستر، نعم؟
أحسن الله إليك.
باب: جامع ما جاء في حد الزنا
(155/7)
حدثني مالك عن ابن شهاب عن عبيد الله بن
عبد الله بن عتبة بن مسعود عن أبي هريرة وزيد بن خالد
الجهني أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- سئل عن الأمة
إذا زنت ولم تحصن، فقال: ((إن زنت فاجلدوها، ثم إن زنت
فاجلدوها، ثم إن زنت فاجلدوها، ثم بيعوها ولو بضفير)).
قال ابن شهاب: لا أدري أبعد الثالثة أو الرابعة؟
قال يحيى: سمعت مالكاً يقول: والضفير الحبل.
وحدثني مالك عن نافع أن عبداً كان يقوم على رقيق الخمس،
وأنه استكره جارية من ذلك الرقيق، فوقع بها فجلده عمر بن
الخطاب -رضي الله عنه- ونفاه، ولم يجلد الوليدة لأنه
استكرهها.
وحدثني مالك عن يحيى بن سعيد أن سليمان بن يسار أخبره أن
عبد الله بن عياش بن أبي ربيعة المخزومي قال: أمرني عمر بن
الخطاب في فتية من قريش فجلدنا ولائد من ولائد الإمارة،
خمسين خمسين في الزنا.
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-:
بابُ جامع، أو بابٌ جامع، أو بابُ جامعٍ ما جاء في حد
الزنا:
قال: "حدثني مالك عن ابن شهاب عن عبيد الله بن عبد الله بن
عتبة بن مسعود عن أبي هريرة وزيد بن خالد الجهني أن رسول
الله -صلى الله عليه وسلم- سئل عن الأمة إذا زنت ولم تحصن"
قلنا: إن الأصل في النساء، واللائق بهن اسم المفعول،
فيقال: لم تحصَن، لكن باعتبار أنها صارت سبباً في إحصان
الزوج نسب إليها، وإلا فالنص محصنات، وفي الرجال: محصنين،
فهذا هو اللائق بالرجال اسم الفاعل، واللائق بالنساء اسم
المفعول.
"فقال: ((إن زنت فاجلدوها، ثم إن زنت فاجلدوها، ثم إن زنت
فاجلدوها، ثم بيعوها ولو بضفير)) " هذا الحديث متفق عليه،
في الصحيحين ((إذا زنت أمة أحدكم فليجلدها الحد، ولا يثرب
عليها)) يعني لا يزيد على الحد ولا بالكلام، الحد رادع،
((ثم إن زنت فليجلدها الحد ولا يثرب عليها، ثم إن زنت ...
)) إلى آخره.
(155/8)
يقول ابن شهاب: "لا أدري أبعد الثالثة أو
الرابعة؟ " يعني قوله: ((ثم بيعوها ولو بضفير)) إذا تكرر
منها الزنا صارت غير مرغوبة، ونزلت قيمتها، ولا يمكن أن
تصل قيمتها إلى الضفير إلا بإخبار المشتري بالعيب، هي بيعت
لعيب شرعي، وهو تكرر الزنا منها، وبهذا يستدل جمع من أهل
العلم على أنه لا بد من بيان العيب، بيان العيب للمشتري
بالنسبة للأمة، والخاطب بالنسبة للحرة، إذا وقع منها هذا
مثلها لا بد أن يخبر الخاطب، وأن عدم إخباره غش له، ولا شك
أن المسألة ينتابها أمران عظيمان:
إخبار الخاطب لا شك أنه يجعل هذه المرأة تجلس بدون زوج، إذ
لا يقدم على الزواج بها إلا شخص متنازل عن أمر مهم، يهتم
به أهل الصيانة والديانة، وعدم إخباره أمر عظيم أيضاً وهو
غش له، وغش لولده من بعده، والنساء السر عندهن ضعيف، مهما
كان السر عندها، وإن كان متعلقاً بها، ولو كان في ... ،
يترتب عليه مصيرها يمكن أن تتحدث في يوم من الأيام وتفلت
منها كلمة في وقت أنس تتكدر حياته، وتنقلب سعادته إلى
شقاء؛ لأن الناس لا يطيقون مثل هذا.
وعلى كل حال جمع من أهل العلم يرون أنه لا بد من الإخبار
اعتماداً على هذا الحديث؛ لأن الأمة مثل الزوجة موطوءة،
وعرض الرجل في أمته مثل عرضه في زوجته، عرضه معلق
بالموطوءة، سواءً كانت أو زوجة، وعلى هذا لا يمكن أن يصل
الثمن إلى هذا الحد، الضفير الحبل المضفور، حتى يخبر عن
العيب، ومنهم من يقول: إن قوله: ((ولو بضفير)) يعني أنك لا
بد تتخلص منها بأي قيمة كانت، ولا يلزم من ذلك الإخبار؛
لأنه ينافي الستر، وعلى كل حال هم القولان محل الاجتهاد،
وعلى كل من الأمرين يترتب أمر عظيم، والأسئلة تكثر من
النساء عند الخطبة، إذا خطبت هل تخبر أو لا تخبر؟ وبعضهن
راضية مطاوعة، وبعضهن مكرهة مغتصبة، وبعضهم مصرة، وبعضهن
تائبة.
على كل حال التوبة لا بد منها، والإخبار أمر اجتهادي،
والحديث دليل على أنه يخبر، وأيضاً السكوت غش -نسأل الله
السلامة والعافية-، وغش عظيم بالنسبة للخاطب، وبعض الناس
ولو نزل عن شرطها الذي تريده، أو نزل أبوها عن شرطه الذي
يريده، لا شك أنه يتنازل عن بعض الأمور؛ لأمر يحتاجه أو
يخطط له، أو ما أشبه ذلك.
(155/9)
امرأة تقول: إنها اغتصبت في صباها، ثم بعد
ذلك يطرق الخطاب الباب وتردهم، خشية من هذا، ولا تستطيع أن
تخبر، ولا تريد أن تغش، إلا أنه اتصل بها شخص ليس من أهل
البلد، ويريد منها أن تكفله ليقيم في البلد وكذا، وشيء من
هذا، وأخبرته فقبل، لكن أباها رفض، قال: ما أزوج واحد ما
هو من البلد، وهو لا يدري الأب، ما يدري عن شيء، فمشكلة
الإحراج من جميع الجهات، إحراج يعني الضرائب المترتبة على
هذه الجريمة يعني أمور لا تطاق، يعني كم من إنسان أصيب
ببلاء بمرض عضال بسبب مثل هذه التصرفات، فعلى الأولياء أن
يحفظوا من تحت أيديهم من بنات ومن زوجات، ومن أولاد حتى
الخادمات، هذه أمانة في عنقه، لا يجوز أن يفرط فيها، وكذلك
على الشباب والشابات أن يتحصنوا، ولا يتورطوا في مثل هذه
الأمور التي لا يمكن تصحيحها، فالأمر عظيم وخطير جداً، ولا
شك أن بعض الناس إما أن يصاب بانهيار أو تتدهور صحته، أو
يصاب بمرض عظيم عضال، وهذا حصل من بعض من حصل منهم بعض
التفريط، ويتركون المجال لأولادهم وبناتهم يسرحون ويمرحون
مع من يشاءون، هذا ما هو بصحيح، هذه أمانة في عنقك، نعم قد
يقول القائل: إن إغلاق الأبواب الآن ليس بالممكن، وإذا كان
الأب مشغول بعلمه، بوظيفته، بتعليمه، بعلمه، ثم بعد ذلك هل
هو يستطيع أن يقفل الأبواب كلما خرج؟ لكن إذا شدد الرقابة،
وعرف هؤلاء أن وراءهم من يتفقدهم أعين على ذلك، يعان على
ذلك، الإشكال في الإهمال والتفريط.
وإذا حصل شيء بعد الاحتياط ذمته تبرأ، إذا عمل جميع
الوسائل التي تقي أولاده وبناته من هذا الضرر هو تبرأ
ذمته، والله المستعان.
طالب:. . . . . . . . .
يعني في نظر الناس والآثار المترتبة عليه وإلا بذاته؟
طالب:. . . . . . . . .
نظر الشارع، النصوص تدل على أن الربا أعظم، حرب لله
ورسوله، هذا حرب لله ورسوله، وآكل الربا يبعث يوم القيامة
مجنون، نسأل الله السلامة والعافية.
طالب:. . . . . . . . .
ويش فيهم؟
طالب:. . . . . . . . .
(155/10)
عذاب عظيم -نسأل الله السلامة والعافية،
ويعذبون في ... ، كما جاء في حديث الرؤيا أنهم في تنانير
-نسأل الله العافية-، يعذبون في النار، الأمر ليس بالسهل،
لكن أيضاً ما جاء في الربا، وأن درهم الربا أشد من ثلاثين
أو ست وثلاثين زنية، وقد يقال: إن هذا للتنفير؛ لأن الناس
بصدد التساهل والتعامل في الربا، بينما الأعراض يحتاطون
لها، لكن لا شك أن كلاهما خطير ومن الموبقات الذنوب نسأل
الله العافية، من الكبائر.
طالب:. . . . . . . . .
محسن عند أهل العلم.
طالب:. . . . . . . . .
إي نعم محسن، إيه.
(155/11)
"قال ابن شهاب: لا أدري أبعد الثالثة أو
الرابعة؟ " لا يعني هذا أننا نرى تساهل الناس في الربا،
وننظر إلى من تساهل في عرضه أنه أمره أخف أو أهون لا، لا
شك أن الآثار العملية المترتبة على الزنا أعظم بكثير من
الآثار المترتبة على الربا، لكن شأن الربا خطير في
الإسلام، ((لعن الله آكل الربا وموكله وكاتبه وشاهديه))
وأيضاً: {الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لاَ يَقُومُونَ
إِلاَّ كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ
مِنَ الْمَسِّ} [(275) سورة البقرة] {فَأْذَنُواْ بِحَرْبٍ
مِّنَ اللهِ وَرَسُولِهِ} [(279) سورة البقرة] أمور عظيمة،
ليست بالسهلة، ومع ذلك جاء في الزنا حيث قرن بالشرك
والقتل، {وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا
آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ
اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ} [(68) سورة
الفرقان] كلها من عظائم الأمور هذه، لكن لا شك أن الآثار
المترتبة على الزنا أعظم، لذلك بعض الوعاظ قال كلمة ضحك
منها الحاضرون وهي في الحقيقة لها دلالتها، هو قال -هو
واعظ أقرب ما يكون إلى العامي- قال: يا الإخوان ترون
الدخان أسهل من الربا، الدخان إذا انتهيت تمضمض وانتهى
الإشكال، واستغفر وتب، والتوبة تهدم ما قبلها، ولا تعد إلى
ذلك، لكن الربا الذي بنيت عليه جسدك، وبنيت منه بيتك،
ونشأت عليه أولادك، هذا ويش يحله؟ فالأمور على حسب الآثار
المترتبة عليها، ((وكل جسد نبت على سحت فالنار أولى به))
نسأل الله العافية، وشأن الزنا عظيم، ليس بالسهل يعني، لا
يقال: والله نشوف الناس يتساهلون بالربا وهو أعظم من
الزنا، إذا. . . . . . . . . نتساهل لا لا أبداً.
طالب:. . . . . . . . .
والله كل معصية لها غريزة تدفعها، فقد يكون هذا غريزته
بالمال، وهذا غريزته تدفعه إلى الشهوة والجنس، وما أشبه
هذا، المقصود -نسأل الله السلامة والعافية-.
"قال ابن شهاب: لا أدري أبعد الثالثة أو الرابعة؟ " يعني
قال: ((ثم بيعوها ولو بضفير)).
"قال يحيى: سمعت مالكاً يقول: والضفير الحبل" الضفير الحبل
المضفور المجدول، والحبل إذا أدخل بعضه في بعض ثم صار
كضفيرة المرأة، يجدل مثل ضفيرة المرأة ليستعمل.
(155/12)
ثم قال: "وحدثني مالك عن نافع أن عبداً كان
يقوم على رقيق الخمس" السبايا "وأنه استكره جارية من ذلك
الرقيق، فوقع بها، فجلده عمر بن الخطاب ونفاه" جلده عمر
الحد نصف حد المحصن خمسين جلدة، ونفاه، وقلنا فيما تقدم:
إن الرقيق لا ينفى؛ لأن الضرر يلحق سيده، ولا شك أن مثل
هذا من عمر -رضي الله عنه- سياسة، كما نفى غيره من المعاصي
التي دون الزنا، عمر -رضي الله عنه- ينفي تعزيراً؛ لئلا
يفتتن أو يفتتن به "ونفاه ولم يجلد الوليدة؛ لأنها
مستكرهة" والمستكره لا حد عليه، والاستكراه أثره معفو عنه،
والمرأة يتصور منها الاستكراه على الزنا، يتصور من المرأة
الإكراه على الزنا، لكن هل يتصور من الرجل أن يكره على
الزنا؟ يتصور وإلا ما يتصور؟
طالب:. . . . . . . . .
المسألة خلافية بين أهل العلم، منهم من يقول: إنه لا
يتصور؛ لأنه إذا أكره هو بالفعل مكره، لا ينتشر، الأمر
بيده، ومنهم من يقول: لا، إذا رأى بارقة السيف وحصل له ما
حصل وخشي على نفسه، قال: أنا مكره، واستصحب هذا الإكراه
والإثم معفو عنه، يمكن.
على كل حال المكره لا شيء عليه، الله عفا عن أمتي .... وما
استكرهوا عليه.
"حدثني مالك عن يحيى بن سعيد أن سليمان بن يسار أخبره أن
عبد الله بن عياش بن أبي ربيعة المخزومي قال: أمرني عمر بن
الخطاب في فتية من قريش فجلدنا ولائد من ولائد الإمارة،
خمسين خمسين في الزنا" الولائد جمع وليدة وهي الإماء،
الوليدة الأمة، فجلدوها نصف ما على المحصنات، خمسين خمسين،
وهذا نص القرآن.
"أمرني عمر بن الخطاب في فتية من قريش فجلدنا ولائد من
ولائد الإمارة" لماذا لا يجلد النساء النساء، كما يقال:
إنما يطب النساء النساء، يطب الرجال الرجال، لماذا عمر جعل
الفتية يجلدون هؤلاء الإماء؟ نعم؟
طالب: الحسبة من عمل الرجال.
نعم؛ لأن الحسبة من عمل الرجال، التنفيذ والنيابة عن
الإمام إنما هو من عمل الرجال، نعم؟
أحسن الله إليك.
باب: ما جاء في المغتصبة
(155/13)
قال مالك -رحمه الله-: الأمر عندنا في
المرأة توجد حاملاً ولا زوج لها، فتقول: قد استكرهت، أو
تقول: تزوجت، إن ذلك لا يقبل منها، وإنها يقام عليها الحد،
إلا أن يكون لها على ما ادعت من النكاح بينة، أو على أنها
استكرهت، أو جاءت تدمى إن كانت بكراً، أو استغاثت حتى أتيت
....
أُتيت، أو استغاثت ....
أحسن الله إليك.
أو استغاثت حتى أتيت وهي على ذلك الحال، أو ما أشبه هذا من
الأمر الذي تبلغ فيه فضيحة نفسها، قال: فإن لم تأتِ بشيء
من هذا أقيم عليها الحد، ولم يقبل منها ما ادعت من ذلك.
قال مالك -رحمه الله-: والمغتصبة لا تنكح حتى تستبرئ نفسها
بثلاث حيض، قال: فإن ارتابت من حيضتها فلا تنكح حتى تستبرئ
نفسها من تلك الريبة.
تَنكح أو تُنكح ما في إشكال.
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-:
باب: ما جاء في المغتصبة
يعني المستكرهة.
(155/14)
"قال مالك: الأمر عندنا" يعني في بلده
وعلماء بلده، المدينة "في المرأة توجد حاملاً ولا زوج لها"
تقدم في قول عمر: "أو كان الحبل أو الاعتراف" توجد حاملاً
دليل على أنها زانية، إذا وجدت حاملاً ولا زوج لها، سواءً
كانت مختارة أو مكرهة، أو موطوءة بشبهة، فتقول: قد
استكرهت، أو تقول: تزوجت "إن ذلك لا يقبل منها" يعني
الدعاوى المجردة لا تكفي في تعطيل الحدود، نعم إذا دل دليل
على ذلك، وقامت قرينة تدل على صدقها لا يقام عليها الحد
"إن ذلك لا يقبل منها، وإنها يقام عليها الحد، إلا أن يكون
لها على ما ادعت من النكاح بينة" يؤتى بالشهود، إقامة
البينة على أنها تزوجت، تقبل معها البينة بالشهود "أو على
أنها استكرهت" تأتي ببينة على أنها استكرهت، أو تأتي
بقرينة، يقولون: القرنية أنها إذا استغاثت، أو جاءت تشتكي
لن تقدم على فضيحة نفسها، وهي طائعة مختارة، لن تقدم إلا
إذا كانت بالفعل مكرهة؛ لأن الفضيحة لا شك أنها تكون
بانتشار الخبر، وعلى هذا لو حصل إكراه مثلاً، وترتب على
الإخبار فضيحة، وإذا سكتت ما علم عنها، سواءً كانت من
الذكور أو من الإناث، بعض الناس يستروح إلى أنه إذا حصل ما
حصل فالستر في هذا أولى، لا سيما إذا كان الفاعل المكره
غير مقدور عليه؛ لأنه ما في فائدة، فعل وهرب، ولا يعرف من
هو، ولا ... ، فمثل هذا هل يقال: إنها تشتكي، ترفع أمرها
إلى الوالي، أو نقول: تستتر والأثر المترتب على ذلك يعني
من الفضيحة أعظم؟ وتتوب إن كانت اقترفت شيئاً من ذلك، أما
بالنسبة للمكرهة لا ذنب عليها؛ لأن الذنب عنها مرفوع، لكن
مسألة الستر هل هو أفضل أو الفضيحة؟ تكشف وتشتكي وتطالب.
(155/15)
لا شك أن النظر من جهتين: مصلحة عامة،
ومصلحة خاصة، يترتب على مثل هذا مصلحة عامة ومصلحة خاصة
متعارضتان، إن اشتكت حتى لو أقيم الحد على المكره، هل
يقاوم هذا الحد فضيحتها بين أهلها ومجتمعها؟ نعم؟ ما يقام
ولو أقيم الحد عليه، لكن المصلحة العامة لا شك أنها في
إقامة الحد على هذا المغتصب، يعني حصل بعض القضايا بحيث
جعلت ولي الأمر مع جميع أسرته يتركون البلد بالكلية
ينتقلون إلى بلد آخر؛ لأن الفضيحة والفعلة انتشرت ولو كانت
مكرهة أو مغتصبة، فهل يقدم في مثل هذا المصلحة العامة أو
الخاصة؟
يعني إذا قيل: إن هذا الولد أو هذه البنت اغتصبت ولا إثم
عليها، ولا حيلة لها، ولا، والفاعل نفترض افتراضاً أنه
معروف مثلاًً، هل يقال: يشتكى ومن أجل أن يردع ويردع غيره
أو يترك من أجل الفضيحة للمصلحة الخاصة؟ نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
كيف؟
طالب:. . . . . . . . .
افتراض أنه أقل الأحوال يعزر، أو يقرر فيعترف، لا سيما إذا
كان مع الأمر إكراه واغتصاب؛ لأن هذا شأنه عظيم في الشرع،
يعني إذا كانت مطاوعة هذه جريمة من الطرفين، لكن إذا ترتب
على ذلك امرأة عفيفة تكره على الزنا، ويفجر بها -نسأل الله
العافية- هذا الأمر خطير، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
إي والله إذا اقتضى نظر ولي الأمر ذلك يقتل، إيه، وقد حصل،
حصل قضايا قتل، يعني اغتصاب يقتل به، في بلدنا ولي الأمر
اقتضى نظره القتل فقتل.
طالب:. . . . . . . . .
ولا شك أن المصلحة العامة الحق العام مترتب بالمصلحة
العامة، لكن إذا رأى ولي الأمر أن هذه يعني نفترض أنها
رفعت الأمر وما تابعوا، ستراً على أنفسهم، يعني أعطوا
المسئولين خبر، وتركوا الموضوع يسري بنفسه، وما تابعوه،
على ولي الأمر أن يتابع في هذا، لا سيما إذا كان مع
استكراه؛ لأن انتشار الجريمة كارثة، إذا عرف هذا أنه يترك
ولا يطالب، مثل هذا يغريه فعله هذا على أن يتعدى شره،
ويكرر جريمته، وإذا أوقف عند حده من أول الأمر، انقطع
دابره، ودابر من يقتدي به.
طالب:. . . . . . . . .
لا هو افترض أنه بكر، غير محصن، فقتله على كل حال تعزير.
طالب:. . . . . . . . .
(155/16)
نقول: مثل هذا الأمر ينتابه أمران: الستر،
وفيه مصلحة خاصة، والإشهار والرفع إلى ولي الأمر لردع هذا
الجاني لا شك أنها مصلحة عامة، فهل نقدم هذه أو هذه؟ أو
هذا يختلف باختلاف الأشخاص؟ نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
لا شك أن الناس يقدرون مصالحهم، ويختلف أيضاً بمسألة
القدرة عليه، ومعرفة الجاني وعدم معرفته، يعني هل يحسن أن
يقال لامرأة اغتصبت ويقال لها: من الذي اغتصبك؟ وتقول:
والله لا أدري واحد هرب ولا أعرفه، ولا أدري ويش اسمه؟ ولا
... ، نعم؟ هل يقال لها: ارفعي أمرك على ولي الأمر؟ نعم؟
مثل هذه إلى الله المشتكى، يعني لا دليل يدل عليه بحيث
يؤخذ الحق منه، ويؤطر على الحق، أما إذا عرف واشتهر
بالجرائم وكذا، لا يمكن أن يستر عليه، تغلب المصلحة
العامة، ولا شك أن مثل هذه إذا حسنت نيتها بالقضاء على
دابر الفساد وأهله أن هذه تُعان بقية حياتها، ولا يكون
الأثر الذي تتوقعه.
"أو جاءت تدمى إن كانت بكراً، أو استغاثت حتى أتيت وهي على
ذلك الحال، أو ما أشبه هذا" هذه قرائن تدل على صدقها "أو
ما أشبه هذا من الأمر الذي تبلغ فيه فضيحة نفسها" لأنها لن
تفضح نفسها وهي مطاوعة، قال: "فإن لم تأتِ بشيء من هذا
أقيم عليها الحد، ولم يقبل منها ما ادعت من ذلك" لأن
الدعاوى المجردة لا يلتفت إليها.
"قال مالك: والمغتصبة لا تنكح حتى تستبرئ نفسها بثلاث حيض"
قال: "فإن ارتابت من حيضتها فلا تنكح حتى تستبرئ نفسها من
تلك الريبة" يعني تتأكد حتى تحيض ثلاث مرات.
يقول الموفق -رحمه الله- في المقنع: عدة الموطوءة بشبهة
عدة المطلقة، كذلك عدة المزني بها، يعني عدة المطلقة تكون
إيش؟ ثلاث حيض، ويقول: عدة الموطوءة بشبهة عدة المطلقة،
وكذلك عدة المزني بها، وعنه أنها تستبرأ بحيضة، وعنه أنها
تستبرأ بحيضة، في الحاشية حاشية المقنع للشيخ سليمان بن
عبد الله قوله: وعدة الموطوءة بشبهة، يعني ثلاث حيض
كالمطلقة، هذا المذهب، وهو من مفرداته، قاله في الإنصاف،
وكذلك الموطوءة في نكاح فاسد.
واختار الشيخ تقي الدين أن كل واحدة منهما تستبرأ بحيضة؛
لأن هذا ليس بطلاق، وإنما هو للعلم ببراءة الرحم، استبراء.
(155/17)
قوله: وكذلك عدة المزني بها، وهذا المذهب
وبه قال الحسن والنخعي، وهو من مفردات المذهب، وعنه تستبرأ
بحيضة أيضاً، وهو قول مالك، واختاره الحلواني، والشيخ تقي
الدين؛ لأن المقصود بها براءة الرحم.
قال: وعدة المطلقة ثلاث حيض المقصود بها أن يعلم براءة
الرحم بحيضة، لكن التكرار ثلاث مرات إنما هو لتطويل المدة
من أجل الرجعة، لكن أورد على هذا في البائن، طلاق البائن
المطلقة ثلاثاً، يقول: يكفي حيضة واحدة؟ لا؛ لأنها مطلقة
والنص يتناولها.
على كل حال الاستبراء هو الأصل، أنها ليست بمطلقة،
والمقصود من ذلك معرفة براءة الرحم، وأنها ليست بحامل،
وعلى هذا يظهر قوة قول من يقول: إن الحامل لا تحيض، إذ لو
كانت الحامل تحيض لما كان الحيض دليلاً على براءة رحمها،
لو كانت تحيض ما كان الحيض دليل على براءة رحمها.
طالب:. . . . . . . . .
من إيش؟
طالب:. . . . . . . . .
لا ما يكفي لا بد من الاستبراء، نعم.
أحسن الله إليك.
باب: الحد في القذف والنفي والتعريض
حدثني مالك عن أبي الزناد أنه قال: جلد عمر بن عبد العزيز
عبداً في فرية ثمانين، قال أبو الزناد: فسألت عبد الله بن
عامر بن ربيعة عن ذلك فقال: أدركت عمر بن الخطاب وعثمان بن
عفان والخلفاء كلهم جرا.
هلم جراً.
أحسن الله إليك.
أدركت عمر بن الخطاب وعثمان بن عفان والخلفاء هلم جراً،
فما رأيت أحداً جلد عبداً في فرية أكثر من أربعين.
حدثني مالك عن زريق بن حكيم الأيلي أن رجلاً يقال له:
مصباح استعان ابناً له فكأنه استبطأه، فلما جاءه قال له:
يا زان، قال زريق: فاستعداني عليه، فلما أردت أن أجلده،
قال ابنه: والله لئن جلدته لأبوءن على نفسي بالزنا، فلما
قال ذلك أشكل علي أمره، فكتبت فيه إلى عمر بن عبد العزيز
وهو الوالي يومئذٍ، أذكر له ذلك، فكتب إلى عمر أن أجزه
عفوه.
أن أجز عفوه.
أحسن الله إليك.
فكتب إلى عمر أن أجز عفوه، قال زريق: وكتبت إلى عمر بن عبد
العزيز أيضاً: أرأيت رجلاً افترى ...
افتري، افتري.
أحسن الله إليك.
(155/18)
أرأيت رجلاً افتري عليه أو على أبويه وقد
هلكا أو أحدهما، قال: فكتب إلي عمر إن عفا فأجز عفوه في
نفسه، وإن افتري على أبويه وقد هلكا أو أحدهما فخذ له
بكتاب الله، إلا أن يريد ستراً.
قال يحيى: سمعت مالكاً يقول: وذلك أن يكون الرجل المفترى
عليه يخاف إن كشف ذلك منه أن تقوم عليه بينة، فإذا كان على
ما وصفت فعفا جاز عفوه.
حدثني مالك عن هشام بن عروة عن أبيه أنه قال في رجل قذف
قوماً جماعة: إنه ليس عليه إلا حد واحد.
قال مالك -رحمه الله-: وإن تفرقوا فليس عليه إلا حد واحد.
حدثني مالك عن أبي الرجال محمد بن عبد الرحمن بن حارثة بن
النعمان الأنصاري ثم من بني النجار عن أمه عمرة بنت عبد
الرحمن أن رجلين استبا في زمان عمر بن الخطاب، فقال أحدهما
للآخر: والله ما أبي بزان، ولا أمي بزانية، فاستشار في ذلك
عمر بن الخطاب فقال قائل: مدح أباه وأمه، وقال الآخرون: قد
كان لأبيه وأمه مدح غير هذا، نرى أن تجلده الحد، فجلده عمر
الحد ثمانين.
قال مالك -رحمه الله-: لا حد عندنا إلا في نفي أو قذف أو
تعريض، يرى أن قائله إنما أراد بذلك نفياً أو قذفاً، فعلى
من قال ذلك الحد تاماً.
قال مالك -رحمه الله-: الأمر عندنا إذا نفى رجل رجلاً ...
أنه، أنه.
أحسن الله إليك.
قال مالك -رحمه الله-: الأمر عندنا أنه إذا نفى رجل رجلاً
من أبيه فإن عليه الحد، وإن كانت أم الذي نفي مملوكة فإن
عليه الحد.
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-:
باب: الحد في القذف
القذف بالزنا الصريح.
والنفي والتعريض
النفي أن يكون فلان ابناً فلان، والتعريض غير التصريح من
الكنايات ونحوها، أو الكلام الذي لازمه وقوع الفاحشة.
قال: "حدثني مالك عن أبي الزناد أنه قال: جلد عمر بن عبد
العزيز عبداً في فرية ثمانين" فحد القذف ثمانين
{فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً} [(4) سورة النور]
لكن هل ينصف على العبد أو لا ينصف كالزنا؟
عمر بن عبد العزيز جلد عبداً في فرية ثمانين فلم ينصف،
ولعله جلده الأربعين والأربعين الأخرى تعزير كما قيل في
الخمرِ.
(155/19)
"قال أبو الزناد: فسألت عبد الله بن عامر
بن ربيعة عن ذلك فقال: أدركت عمر بن الخطاب وعثمان بن عفان
والخلفاء هلم جراً" ابن الأنباري في الزاهر ذكر أصل هذه
الكلمة، وهو أن الإبل المحملة يجر بعضها بعضاً، ويسوق
بعضها بعضاً؛ لكونها متتابعة، يعني تتابع الخلفاء على هذا
الأمر.
"فما رأيت أحداً جلد عبداً في فرية أكثر من أربعين" لأن
هذا تنصيف، وهو مقتضى {فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى
الْمُحْصَنَاتِ مِنَ الْعَذَابِ} [(25) سورة النساء] فهل
يقاس الحدود بعضها على بعض؟ وأبو ثور يقول: لو سبقني أحد
إلى رجم العبد إذا زنا لقلت به؛ لأن النص في الأمة،
{فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنَ
الْعَذَابِ} [(25) سورة النساء] وإلحاق الذكر بالأنثى إنما
هو من باب القياس لعدم الفارق عند الجمهور، وهنا يقول: فما
رأيت أحداً جلد عبداً في فرية في قذف أكثر من أربعين.
وهذا هو مقتضى التنصيف، نعم.
اللهم صل وسلم على عبدك ورسولك.
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-:
"حدثني مالك عن زريق بن حكيم الأيلي أن رجلاً يقال له:
مصباح استعان ابناً له" يعني أرسله في أمر يعينه بإحضاره،
أو ما أشبه ذلك، فكأنه استبطأه، أو طلبه ليعينه على أمر
بين يديه "فكأنه استبطأه، فلما جاءه قال له: يا زان، قال
زريق: فاستعداني عليه" الولد استعدى زريقاً على أبيه، فلما
أردت أن أجلده ليقيم عليه الحد، زريق هذا ويش موقعه؟ إيش
قال عنه؟ نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
كيف؟
طالب:. . . . . . . . .
ما ذكر شيء، الشرح.
"فلما أردت أن أجلده، قال ابنه: والله لئن جلدته لأبوءن
على نفسي بالزنا" يعني لأعترف بالزنا، ثم بعد ذلك تجلد
لأنك جلدته وتعديت عليه، قال: "فلما قال ذلك أشكل علي
أمره" لأنه سمع، قامت الحجة على من لزمه الحد وهو الأب،
هذه شهادة لا بد من أدائها، لكن حد القذف يملكه المقذوف،
حق للمقذوف إن طالب به بالبينة أقيم، وإلا فالأمر لا
يعدوه.
(155/20)
قال: "فلما قال ذلك أشكل علي أمره، فكتبت
فيه إلى عمر بن عبد العزيز وهو الوالي يومئذ" هل هو الوالي
على المدينة أو الوالي العام؟ كان والياً على المدينة قبل
أن يتولى الخلافة "فكتبت فيه إلى عمر بن عبد العزيز وهو
الوالي يومئذ أذكر له ذلك، فكتب إلي عمر أن أجز عفوه" لأن
الحق له لا يعدوه، لا سيما وأن القاذف الأب، فإقامة الحد
على الأب من أجل الابن لا شك أن فيه نوع عقوق إذا طالب
الابن، وهو حق شرعي على كل حال، لكن الأمر لا يعدو المقذوف
لأنه له.
ينتابه أمران، لكن إذا رفع الحد، إذا رفع الأمر إلى ولي
الأمر وبلغ السلطان، وإن كان حقاً للمخلوق يجوز يتنازل
وإلا ما يجوز؟
طالب:. . . . . . . . .
لكن الأصل أن الحد هو للمقذوف، وفيه حق لله -جل وعلا- الذي
شرع هذا الحد، فإذا وصل الحد للسلطان فإنه لا يجوز له
العفو، وهذا داخل في عموم: ((أتشفع في حد من حدود الله؟ ))
وهذا حد، لكن هنا ما رفع إلى السلطان، إنما رفع على أساس
أنه فتوى، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
يعني إذا تنازل المسروق منه، والحق لا يعدوه، ممكن؟ ما
يمكن، هلا قبل أن تأتيني في رداء صفوان، صفوان سرق رداءه
في المسجد تحت رأسه، فلما اتجه إقامة الحد بقطع يد السارق
قال: لا، عفوت عنه، قال: ((هلا كان قبل أن تأتي)).
طالب:. . . . . . . . .
ويش هو؟
طالب:. . . . . . . . .
إيه هذا قصاص، هذا حق محض.
طالب:. . . . . . . . .
إلا.
طالب: ثم تراجع.
ثم تراجع قبل أن يصل إلى السلطان.
"قال زريق: وكتبت إلى عمر بن عبد العزيز أيضاً: أرأيت
رجلاً افتري عليه، أو على أبويه، وقد هلكا أو أحدهما" يعني
قذف الميت هل يأخذ حكم قذف الحي؟ يعني قذف الميت، يعني إذا
قال لشخص حي: يا زان، خلاص يجلد الحد، إذا قال: يا ابن
الزاني.
قال: "أرأيت رجلاً افتري عليه، أو على أبويه، وقد هلكا أو
أحدهما، قال: فكتب إلي عمر إن عفا فأجز عفوه في نفسه، وإن
افتري على أبويه وقد هلكا أو أحدهما فخذ له بكتاب الله،
إلا أن يريد ستراً" يعني يريد يتنازل؛ لأن العار اللاحق
بالقذف إنما يلحق الحي، الآن قذف شخص بعينه، إذا قال: زيد
بن فلان بن فلان زاني، أو قذف أهل بلد، أيهما أشد التخصيص
وإلا التعميم؟
(155/21)
طالب:. . . . . . . . .
والله الظاهر ما في نتيجة، واحد يقول: التخصيص، وواحد
يقول: التعميم.
أيهما أشد؟ لو قال: أهل البلد الفلاني زناة؟
طالب:. . . . . . . . .
نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
لا، وعموماً إذا جاء النص العام هو أضعف من الخاص، لما
يقال: أهل البلد الفلاني زناة، يعني ما يتجه إلى كل واحد
بعينه، وإذا قيل: فلان زان لا شك أن الاتهام بالقذف متجه
إلى شخصه، نعم هذا واحد في مقابل جماعة أيضاً من هذه
الحيثية يكون القذف الجماعي أشد، ويمكن أن يرجع في تأصيل
هذه المسألة إلى الفرق أيهما أشد إمراً أو نكراً؟ إمراً
أشد من نكراً؟ الآن قتل شخص محقق قيل فيه: نكراً، وتعريض
جمع من الناس للهلاك قيل فيه: إمراً، هذا شخص واحد وهؤلاء
جماعة عرضوا للهلاك، لكن ما هلكوا، أيهما أشد؟ احتمال أنهم
يهلكون، فيكون أعظم من قتل واحد، واحتمال أن ينجوا فيكون
قتل الواحد أشد من تعريضهم للهلاك، ولذا يختلف أهل العلم
أيهما أشد قوله: نكراً أو إمراً؟ فإذا كان إمراً أعظم من
نكراً قلنا: إن الضرر المظنون لحوقه بالجماعة أشد من الأمر
المتحقق وقوعه بالواحد، وإذا قلنا بالعكس قلنا: العكس.
ويمكن أن يخرج على هذا من المسائل الشيء الكثير، أحياناً
الإنسان يدرأ مفسدة عظمى لكنها مظنونة بمفسدة أقل منها
لكنها متحققة، يدرأ المفسدة العظمى لكن يمكن ما تصير،
وقوعها مظنون وليس بمتحقق، بمفسدة محققة الوقوع لكنها
دونها، يمكن أن تخرج على هذا، فهل ندفع المظنون بالمتحقق
وإن كان أعظم منه، أو نقول: علينا بالمحقق؟ قتل واحد خلاص
نكراً، وأولئك عرضوا للقتل لكن ما مات منهم أحد، وأيضاً
ندرأ المفسدة المحققة وإن ترتب على درأها تعريض لمفسدة
أعظم منها، لكنه مظنون، يمكن يقع أو لا يقع، ويخرج عليه
قذف الواحد وقذف الجماعة بلفظ واحد؛ لأن اللفظ العام لا
يفيد قطع، لكن إذا قال: فلان زنا، هل يحتمل؟ ما في احتمال،
وإذا قال: أهل البلد الفلاني زنوا هذا تعميم والتعميم
ضعيف، ما هو مثل التخصيص، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
فيه قوة من وجه، وضعف من وجه نعم، يعني نظير ذلك تعارض
المفهوم الخاص مع المنطوق العام، هذا له وجه قوة ووجه ضعف،
وهذا أيضاً كذلك.
(155/22)
طالب:. . . . . . . . .
عاد هذا يخفف قليلاً؛ لأن الله وصفهم بأنهم يقولون ما لا
يفعلون.
طالب:. . . . . . . . .
إيه، عاد مسألة الثبوت والاستمرار عاد هذه أمور خارجة عن
أصل المسألة، وإلا لقلنا: إن القذف المكتوب أعظم من القذف
المنطوق؛ لأن هذا كلام يطير به الهواء، وهذا مكتوب مسجل
مسطر، لا، هذه أمور هذه عوارض هذه ليست من أصل المسألة،
هذه عوارض.
طالب:. . . . . . . . .
يهجو قبيلة نعم؛ لأنهم كلهم عرضهم للكلام، كلهم تكلم فيهم،
نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
على كل حال قذف الجماعة أمره عظيم، ولذلك تركيب النكت على
البلدان هذا ليس بالسهل، يعني تعريض لمجموعة من الناس قد
يكون فيهم من أذكياء العالم، وتتهمهم ... ، يعني ركب على
بعض الجهات أشياء غير مقبولة أصلاً، وفاعلها ينبغي أن
يعزر، والله المستعان.
نأتي إلى مسألتنا:
"قال يحيى: سمعت مالكاً يقول: وذلك أن يكون الرجل المفترى
عليه يخاف إن كشف ذلك منه أن تقوم عليه بينة" لو قال: يا
زاني، قال: خلاص أنا أرفع أمرك، أنت قذفت، قال: ارفع، أنا
عندي شهود على ما أقول، يقول: "وذلك أن يكون الرجل المفترى
عليه يخاف إن كشف ذلك منه أن تقوم عليه بينة، فإن كان على
ما وصفت فعفا جاز عفوه" يعني بدلاً من أن يكون قذف يكون
إيش؟ زنا محقق بالبينة.
"حدثني مالك عن هشام بن عروة عن أبيه أنه قال في رجل قذف
قوماً جماعة: إنه ليس عليه إلا حد واحد.
قال مالك: وإن تفرقوا فليس عليه إلا حد واحد" يعني ما دام
قذفهم بلفظ واحد يكفي حد واحد، لكن لو قال: فلان زاني،
وفلان زاني، وفلان زاني، وعدد الجماعة، يكفي حد واحد؟ نعم؟
أو نقول: حدود تتداخل؟
طالب:. . . . . . . . .
نعم هذه حقوق المخلوقين مبنية على المشاحة، وكل واحد له
حقه إن طالب به حد عنه.
"حدثني مالك عن أبي الرجال محمد بن عبد الرحمن بن حارثة بن
النعمان الأنصاري ثم من بني النجار عن أمه عمرة بنت عبد
الرحمن أن رجلين استبا في زمن عمر بن الخطاب، فقال أحدهما
للآخر: والله ما أبي بزان" نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
"قال مالك: وإن تفرقوا فليس عليه إلا حد واحد" ذكرنا هذه.
(155/23)
"رجلين استبا في زمن عمر بن الخطاب، فقال
أحدهما للآخر: والله ما أبي بزان، ولا أمي بزانية، فاستشار
في ذلك عمر بن الخطاب فقال قائل: مدح أباه وأمه" مدحهما
بالعفة "وقال آخرون: قد كان لأبيه وأمه مدح غير هذا" يعني
المدح بمثل هذا الأسلوب لا شك أنه ذم بما يشبه المدح، يعني
هل يكفي أن يقول الشخص في حق أبيه: إنه ليس بزان؟ نعم؟
لأنه كأنه ينفي ما اتهم به، وهو ما حصل اتهام، يعني إذا
مدحت الكبير بمدح دونه بكثير هذا قدح، يعني إذا قيل: السيف
أمضى من العصا، ينقص قدره، وإذا قيل: فلان العالم الفلاني
يحفظ الفاتحة، من مناقبه أنه يحفظ الفاتحة، يعني من
الطرائف ترجم لشخص يعلم الناس الخير التفسير وكتب السنة
والعقائد منذ ستين سنة يعلمهم، ترجم له في كراسة فذكر من
أول مناقبه أنه مأذون أنكحة، ومن مناقبه أيضاً أنه يبدأ
بخطبة الحاجة، يعني ما هو بافتراض هذا حقيقة واقع، ومن
مناقبه قول فلان، يعني من صغار الطلاب، يعني بدون مبالغة
طالب ما أظنه جامعي، لكن أقل، إن فلاناً قال فيه: إنه بقية
السلف، هذه كلها تحط من قيمة الرجل، يعني هذه ترجمة اطلعت
عليها، بمثل هذا يترجم لهذا الرجل، هذا مدح وإلا ذم؟ هذا
ذم، يعني إذا ما وجد فيه إلا هذا الأمر معناه خلو من
المناقب، ما عنده شيء، فمثل هذا الكلام لا شك أنه يزري
بالممدوح.
الحين أبوه مات وقد يكون من خيار الناس يقول في مجلس: إن
أبوه ليس بزاني، يعني اللي ما انتبه ينتبه، أمور تجعل في
النفس أحاسيس ومشاعر تجاه هذا الأب، يمكن يريد أن ينفي
تهمة حاصلة، ومن باب: كاد المريب أن يقول: خذوني، فلا شك
أن هذا قدح وليس بمدح، نعم؟
طالب: يعني كأن يقول عن نفسه: أبي وأمي ليسا بزانيين كأنه
يقول: أبوك أنت ....
لا، هو إذا فهم هذا له حكمه، لكن الآن اللي عنده اللي
حاضرين اختلفوا.
طالب: استخدام التعريض أثناء النزاع .... يعني التعريض؟
(155/24)
التعريض إذا قصد بذلك الحط من خصمه، وفهم
الحاضرون هذا الأمر، ودلت القرائن على أنه يقصد صاحبه، لا
شك أن مثل هذا له حكمه، لكن الحاضرين قال قائل: مدح أباه
وأمه، وقال آخرون: قد كان لأبيه وأمه مدح غير هذا، يعني
مثلما قلنا في حق هذا العالم، يعني ما عنده إلا إنه مأذون
ينكح، يا أخي كونه يعلم الناس خمسين سنة هذا منقبة عظيمة
هذا، تكفيه عن كونه مأذون.
"قد كان لأبيه وأمه مدح غير هذا، نرى أن تجلده الحد، فجلده
عمر الحد ثمانين" يعني هذا تصريح وإلا تعريض؟ تعريض وليس
بتصريح "فجلده عمر الحد ثمانين" لماذا جلده ثمانين؟ لعظم
حق الوالد.
"قال مالك: لا حد عندنا إلا في نفي" يقول: لا أبداً لست
بولد لفلان، يعني من لازمه أنه ولد زنا "إلا في نفي أن
قذف" يعني صريح "أو تعريض، يرى أن قائله إنما أراد بذلك
نفياً أو قذفاً، فعلى من قال ذلك الحد تاماً" يعني التعريض
إذا أفهم السامع ما يفهمه اللفظ الصريح فالحد فيه تام،
وإذا لم يكن مفهماً مثل ما يفهم القذف الصريح فإنه لا يكون
تاماً.
"قال مالك: الأمر عندنا أنه إذا نفى رجل رجلاً من أبيه فإن
عليه الحد" يعني إذا استفاض بين الناس أن فلان ابن فلان،
والاستفاضة كافية في مثل هذا "إذا نفى رجل رجلاً من أبيه
فإن عليه الحد، وإن كانت أم الذي نفي مملوكة فإن عليه
الحد" يعني لا أثر للأم سواءً كانت حرة أو مملوكة، نعم؟
طالب: هناك ولد لفلان ....
يعني مثلما يقول الأب في بعض الحالات أنت ما أنت بولد لي،
أنا ما أنا أب لك، لا يريد بذلك النفي، وإنما يريد أن
يستثير العاطفة عنده.
طالب: لكن لو قيل في مجلس. . . . . . . . . هل يقام الحد
عليها وإلا .... ؟
وين؟
طالب: قد يفهم منها. . . . . . . . .
على كل حال إذا وجد من يفهم يعاقب عليها، إذا لم يوجد
فالأمر لا يعدو صاحبه، قد يفهم الذي قيل في حقه مثل هذا
أنها سب له، وقد يفهم أنها مدح لأبيه من غير تعرض لسبه هو.
اللهم صل وسلم على عبدك ورسولك ....
(155/25)
بسم الله الرحمن الرحيم
شرح: الموطأ - كتاب الحدود (3)
باب: ما لا حد فيه - باب: ما يجب فيه القطع - باب: ما جاء
في قطع الآبق والسارق.
الشيخ: عبد الكريم الخضير
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
واحد من الإخوان يقول: فهمنا أن المحصن لا يجلد، بل يكتفى
برجمه هذا صحيح وإلا لا؟
قلنا: إن الجمهور على أنه لا يجلد، بل يكتفى برجمه؛ لأن
الوقائع الخمس التي حصلت في عهده -عليه الصلاة والسلام-
ليس فيها إشارة إلى الجلد، لكن الصواب أنه يجمع بينهما
فيجلد ثم يرجم، بدليل حديث عبادة وهو صريح نص مفسر مفصل
مبين، ((جلد مائة والرجم)) وعلي -رضي الله عنه- جلد شراحة
يوم الخميس، ورجمها يوم الجمعة، هذا الذي قررناه، لا أذكر
أني قلت غير هذا الكلام، لكن بعض الإخوان يقول: إنا فهمنا
العكس، على كل حال يصحح الفهم.
سم.
أحسن الله إليك.
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا
محمد وآله وصحبه أجمعين.
اللهم اغفر لشيخنا والحاضرين والسامعين برحمتك يا أرحم
الراحمين.
قال المؤلف -رحمه الله تعالى-:
باب: ما لا حد فيه
قال مالك -رحمه الله-: إن أحسن ما سمع في الأمة يقع بها
الرجل، وله فيها شرك أنه لا يقام عليه الحد، وأنه يلحق بها
الولد، وتقوّم عليه الجارية حين حملت، فيعطى شركاؤه حصصهم
من الثمن، وتكون الجارية له.
قال مالك -رحمه الله-: وعلى هذا الأمر عندنا بالمدينة.
قال مالك -رحمه الله- في الرجل يحل للرجل جاريته: إنه إن
أصابها الذي أحلت له قومت عليه يوم أصابها حملت أو لم
تحمل، ودرئ عنه الحد بذلك، فإن حملت ألحق به الولد.
قال مالك -رحمه الله- في الرجل يقع على جارية ابنه أو
ابنته: إنه يدرأ عنه الحد، وتقام عليه الجارية حملت أو لم
تحمل.
حدثني مالك عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن أن عمر بن الخطاب
قال لرجل خرج بجارية لامرأته معه في سفر فأصابها فغارت
امرأته فذكرت ذلك لعمر بن الخطاب -رضي الله عنه-، فسأله عن
ذلك، فقال: وهبتها لي فقال عمر: "لتأتيني بالبينة أو
لأرمينك بالحجارة" قال: فاعترفت امرأته أنها وهبتها له.
(156/1)
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم
وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين،
أما بعد:
فيقول المؤلف -رحمه الله تعالى-:
باب: ما لا حد فيه
"قال مالك -رحمه الله-: إن أحسن ما سمع في الأمة يقع بها
الرجل وله فيها شرك" يعني له نصفها، له ربعها، له ثلثها،
له ثلثاها، المقصود أنه شريك فيها "أنه لا يقام عليه الحد"
لوجود الشبهة؛ لأنه يظن أنها ملك يمينه، وأنها أمته، وملك
اليمين والأمة إنما تتم إذا كانت كاملة، لكن الحد يدرأ
بمثل هذه الشبهة إذا ادعى أنها أمته باعتبار أن له نصيب
منها.
"أنه لا يقام عليه الحد، وأنه يلحق به الولد" كسائر نكاح
الشبهات، نكاح الشبهة يلحق به الولد، يلحق الولد بأبيه،
ولو أمر بتجديد العقد، ولو فرق بينهما لوجود الشبهة.
لو تزوج رجل امرأة فولدت منه أولاد، ثم تبين أنها أخته من
الرضاعة يفرق بينهما؛ لأنها أخته، والأولاد؟ الأولاد له،
ينسبون إليه؛ لأن النكاح نكاح شبهة، وهكذا في سائر الأنكحة
التي من هذا القبيل، هذا له شبهة ملك فوطئها على هذا
الأساس فيلحق به الولد.
طالب: يا شيخ بالنسبة لبعض الأنكحة المنهي عنها يعني هل
تلحق بالشبهة مثل نكاح الشغار أو المتعة، أو ما يسمى الآن
.... ؟
يعني على الخلاف في نكاح الشغار هل هو باطل أو غير باطل؟
نكاح المحلل هل هو باطل أو غير باطل؟ فنكح بالتحليل فحملت،
نكح مريداً التحليل، نكح شغار المسألة بين أهل العلم
خلافية، والصواب أنه باطل، لكن مع ذلك إذا ادعى أنه اقتدى
بإمام يرى صحة مثل هذا النكاح، وبنى على هذا الأمر، أو جهل
حقيقة الحال، وأن النكاح باطل شبهة يلحقون به، نكاح شبهة
يلحقون به.
من ظن أن نسكه قد تم، وأنه يجوز له أن يعقد، ثم عقد ودخل
بها وحملت منه، نقول: نكاح شبهة، وإن كان النكاح باطلاً،
لكن الأولاد يلحقون به.
(156/2)
يقول: "وأنه يلحق به الولد" وتقوم عليه
الجارية حين حملت، يعني وقت الحمل كم تسوى؟ فيعطى شركاؤه
حصصهم من الثمن، أن له الثلث، وقومت بثلاثة آلاف يعطي
شريكيه كل واحد ألف، وتكون خالصة له، "وتكون الجارية له"
يعني خالصة "وعلى هذا الأمر عندنا" يعني في بلدهم ومذهبهم
وهذا ظاهر أنه وطء شبهة، والولد يلحقون به، ويدرأ عنه
الحد، وتقوم عليه؛ لأنه أفسدها على شريكيه، صارت أم ولد
بالنسبة له، فأفسدها على شريكيه فيضمن نصيبهم منها، نعم هل
يفرق بين العالم والجاهل إذا ادعى أنه لا يدري أن هذا مجرد
ملك يمين؟ هناك دعوى تقبل ودعوى لا تقبل، هنا الدعوى
مقبولة، باعتبار أن له نصيب منها، لكن لو نكح أي مملوكة له
بمسمى ملك اليمين كما يذكر عن بعضهم في كتب الأدب من
المجان وغيرهم أنه نكح دابة له قال: هذه ملك يمين، أو
غلاماً له قال: هذا ملك يمين، مثل هذا لا يقبل مثل هذه
الدعاوى، هذه دعاوى باطلة، لكن مثل الصورة التي ذكرها
الإمام -رحمه الله تعالى- الدعوى ظاهرة، فهل يفرق بين من
علم ومن جهل؟ هو يعرف أنه لا يجوز له أن يطأ ما دام له
شركاء، وعرف ذلك، هل يدرأ عنه الحد أو لا يدرأ عنه الحد؟
نقول: له نصيب منها، له الثلث، أو يقام عليه من الحد بقدر
ما لشريكيه إن كان له النصف يدرأ عنه حد النصف؟ هل يمكن أن
يقال بمثل هذا؟ إذا كان له نصف الأمة يقال: عليه نصف حد؟
نعم؟ لا، إذا حرمت عليه يقام عليه الحد كامل، لكن شريطة أن
يعلم أنها لا تحل له.
(156/3)
"قال مالك في الرجل يحل للرجل جاريته: إنه
إن أصابها الذي أحلت له قومت عليه يوم أصابها" أهل العلم
يقولون: يسن القرض في كل شيء إلا في بني آدم، يعني ما تقرض
زيد من الناس جارية عندك قرض، لماذا؟ خشية عليها؛ لأنها
ليست محرماً له، فإذا أحلها له الرجل يحل للرجل جاريته أنه
إن أصابها الذي أحلت له قومت عليه يوم أصابها، كيف يحلها
له؟ يحل له وطئها أو يحل له منفعتها؟ إذا أحل المنفعة هل
هناك شبهة؟ نعم؟ ما في شبهة، إذا قال: تخدم في بيت آل
فلان، فجاء فلان فوطئها صاحب البيت هل هناك شبهة؟ ما في
شبهة، لكن إن أحل له وطئها، والمحل والمحل له كلاهما جاهل
في حقيقة الحال، لا شك أن مثل هذا شبهة، قال: الذي أحلها
له ممن يملك، هو يملك بضعها فأباحه له، أحل له الوطء فقط،
ما أوهبه إياها.
على كل حال يقول: "إنه إن أصابها الذي أحلت له قومت عليه
يوم أصابها، حملت أو لم تحمل، ودرئ عنه الحد بذلك، فإن
حملت ألحق به الولد لأنه وطء شبهة" تزوج اثنان أختين في
ليلة واحدة دخل بهما في ليلة واحدة، وهذا يقع، والأب وهو
يوصل الاثنين إلى الغرفتين غلط فأدخل هذا على زوجة أخيه،
والثاني على زوجة أخيه، فحصل الوطء، لا سيما وأن الناس في
السابق على المذهب الإجبار وعدم الرؤية، ما يدري ويش
زوجته؟ لأنها بنت فلان، صحيح هذه بنته، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
إيه بعضهم يعني ممن بقي على طبعه وطريقته، وسنة البلد
المعمول بها، لكنها تغيرت الأحوال الآن، تغيرت تغير جذري،
بل توسع الناس أكثر من ... ، ياليتهم لما اتبعوا الشرع
اقتصروا عليه، لا، زادوا عليه، المقصود أنه يحصل مثل هذا
وقد حصل، تزوج اثنان أختين، فأدخل كل واحد منهما على زوجة
الآخر، وحصل الوطء والحمل، ما الحل؟ نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
الآن الوطء وطء شبهة، والولد يلحق بأبيه، ثم بعد ذلك يفرق
بينهم، فإما أن يطلق كل واحد منهما زوجته، ويكون طلاقه لها
قبل الدخول، تحتاج إلى عدة وإلا ما تحتاج؟ ما تحتاج إلى
عدة.
الموطوءة بشبهة تحتاج إلى استبراء وإلا ما تحتاج؟ نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
(156/4)
إيه تقدم لنا بدرس الأمس أن عدتها عدة
المطلقة، لكن المطلقة في هذه الصورة قبل الدخول لا عدة
عليها، أما بالنسبة للاستبراء للعلم ببراءة الرحم لا بد
منه، ولو بحيضة، فإذا تبين الحمل فكيف يصنع كل واحد منهما؟
ينتظر تسعة أشهر؟ نعم؟ الآن المسألة افترضت في رجلين دخل
كل واحد منهما على زوجة أخيه، وحصل الوطء، وحصل الحمل،
الأولاد لهم، بلا شك؛ لأنهم أولاد شبهة، والوطء وطء شبهة،
ويقال لكل واحد منهما، طلق زوجتك، والطلاق حينئذٍ يكون قبل
الدخول، هذا إذا تطاوعا وإن اختلفا، قال: طلق، قال: أنا لا
أطلق، قال: واحد أنا لا أريد إلا زوجتي التي عقدت عليها،
ويش الحل؟
طالب:. . . . . . . . .
فإن تبين حملها تنتظر حتى تضع، ثم بعد ذلك تعود إليه، بعقد
جديد وإلا بالعقد الأول؟ بالعقد الأول، يلزمها أن تطهر من
النفاس وإلا ما يلزم؟ نعم؟ لا يلزم، بمجرد الوضع تخرج من
عدة الشبهة.
على كل حال يحصل مثل هذا، وإن تطاوعا بأن طلق كل واحد
منهما زوجته، وعقد على هاتين الزوجتين الموطوءتين بشبهة؛
لأنه لا يلزم عدة من النكاح الأول؛ لأنه قبل الدخول، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
إيه لا بد من استبراء.
طالب:. . . . . . . . .
لا، لا بد من استبراء في حالة الرفض، تبين حامل الولد له،
وأخوه طلقها قبل الدخول ما له عدة، فيعقد له من جديد.
"قال مالك في الرجل يقع على جارية ابنه أو ابنته: إنه يدرأ
عنه الحد" للحديث: ((أنت ومالك لأبيك)) فإذا تشبث بهذا،
وقال: جارية ابني جاريتي، وجارية ابنتي جاريتي، لا شك أنه
يدرأ عنه الحد، وتقوّم عليه الجارية حملت أو لم تحمل، وإذا
تنازل الابن عن قيمتها، أو البنت تنازلت عن قيمتها، فالأمر
لا يعدوهم.
ثم بعد ذلك قال: "حدثني مالك عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن
أن عمر بن الخطاب قال لرجل خرج بجارية لامرأته معه في سفر
فأصابها فغارت امرأته" جارية المرأة تحتاج إلى محرم في
السفر وإلا ما تحتاج؟
طالب:. . . . . . . . .
(156/5)
لكن ما زال الناس يملكون الجواري لهم
ولأولادهم ولنسائهم، المرأة تملك الجارية، فإذا أرادت أن
تسافر ما تصنع بها؟ تقول: ابحثوا لها عن محرم أبوها أو
أخوها، أو تزوج من أجل أن تسافر بها؟ أو ما زال الأمر عند
المسلمين على التسامح في مثل هذا يسافر؟ لكن شريطة أن تكون
معه سيدتها، هل أنكر عليه أنه خرج بجارية امرأته في السفر
فأصابها؟ هو المحظور من الإصابة وقد حصل، هل قال عمر -رضي
الله عنه-: لماذا لم تسافر بها بدون محرم لها؟ حصل إنكار
وإلا ما حصل؟ لأن بعض من ينتسب إلى العلم يقيس الخادمات
على الجواري، ويقول: يسافر بها من غير محرم، مع الأسرة،
وحكمها حكم الجارية، هل هذا القياس صحيح وإلا لا؟ ليس
صحيح؛ لأنهن أحرار، أحرار لا يجوز السفر بهن من غير محرم،
لكن إذا نظر الإنسان إلى مصلحة ومفسدة، هي جاءت ووصلت إلى
البلد لا يلزم أن في بقائها البلد يكون عندها محرم، إنما
يمتنع الخلوة في مسألة بقائها في البلد، أما السفر فلا بد
من المحرم.
الآن هي جاءت وعصت وخالفت، ومن أقدمها عصى وخالف وحصل
المقصود هنا، وأراد أن يسافر، جاءت العطلة، وقالوا: ما
إحنا بجالسين في الرياض، تترك في البيت وحدها أو يسافر
بها؟ يعني من باب ارتكاب أخف الضررين، ولا شك أن مثل هذا
يلجأ له لمثل هذه الظروف، وإلا فالأصل أن المقدمات إذا
كانت غير شرعية لا يرجى منها نتائج شرعية، فتكون هذه حالة
ضرورة وحاجة تقدر بقدرها، ما يتوسع فيها، يسافر بالخادمة
وهو مرتاح، لا، يسافر بها وهو على مخالفة شرعية، لكن هو
أمام الأمر الواقع، يرتكب أخف الضررين، وقد قال بهذا من
أهل العلم من قال، ومنهم من قال: أبداً، لا تسافر إلا
بمحرم على أي حال كان، نعم الضرورات تبيح المحظورات، يعني
لو مات المحرم في منتصف الطريق، نقول: تجلس بالبر ولا
تسافر إلا بمحرم، أو تسافر إلى أقرب بلد تأمن فيه على
نفسها؟ أو تسافر مع أهلها وذويها ومن تنتسب إليهم إلى أن
يأتي محرمها؟
(156/6)
سافر شخص من الوافدين مع زوجته من الرياض
إلى مكة، لما وصلوا منتصف الطريق حصل لهم حادث مات الزوج،
فكلم أخوها من بلده ليحضر، فلما وصلوا إلى ... ، حضر أخوها
إلى هذا المكان، وسافر بها ليكمل الطريق من أجل أن يصلوا
إلى مكة ثم إلى جدة، ثم يسافرون إلى بلدهم، في أثناء
الطريق حصل حادث ومات الأخ، نعم المسألة واقعة، فمثل هذه
الظروف لا شك أن لا بد لها من حل شرعي، لا يمكن أن يقال:
تمكث هذه في منتصف الطريق ولا أهل لها ولا أنيس، فمثل هذه
يطلب لها من الأقوال الأخرى، أو من القواعد العامة، أو من
قواعد الشرع العامة، هذه ضرورة، تجلس في البر بعد؟ لا، لا
هذه ضرورة.
طالب:. . . . . . . . .
إيه المسألة التي طرحت بالأمس وخرجت على نكراً وإمراً، لا
شك أن من المفاسد المحققة، محقق، لكنه مغمور في بحار
المفاسد المظنونة، فتتفاوت هذه المصالح والمفاسد، هناك
مفسدة يسيرة تكون مغمورة في مفسدة عظمى، وإن لم تكن محققة،
والعكس قد تكون المفسدة المحققة منكية، مع أن المفسدة
المظنونة عظيمة، لكن لا تغمر في بحارها هذه المفسدة
المحققة، فلا بد من النظر في المفسدتين قوة وضعفاً.
طالب:. . . . . . . . .
(156/7)
إيه ما في إشكال، ما في إلا أن مسألة
انتفاء الخلوة بس، إيه لكن إذا ما وجدوا أو قالوا:
يحتاجونها بأسفارهم، وبدل ما هي جالسة عند أسرة تسير معهم،
على كل حال للنظر في هذا مجال، وأهل العلم قد يفتون بشيء
من هذا، والله المستعان، وكل هذا نتيجة للمقدمات غير
الشرعية، يعني مع الأسف أنه يسافر الآن جمع من المدرسات مع
سائق ليس بمحرم لهن، وقد وجد من يفتيهن، لكن هذه مقدمة لا
شك أنها غير شرعية، وما العمل الذي يبيح ارتكاب مثل هذا
المحرم، هذا من أجل الكسب كما هو مقرر، ما عند الله لا
ينال بسخطه، يا أخي إذا كان ما هناك وظيفة إلا أن تسافر
بغير محرم بدون الوظيفة، ومع الأسف أنه من منتصف الليل
والسائق يدور بأحياء الرياض يجمع هذه المدرسات على طول
الرياض وعرضه ثم يخرج بهن مسافة مائتين كيلو أو أكثر أو
أقل، ثم يقول: لا نستطيع أن نقف في أثناء الطريق لأداء
الصلاة، أنا واحد ومعي عشر مدرسات خائف عليهن، فلا يصلون
إلا إذا وصلوا المدرسة بعد طلوع الشمس، ويسأل عن هذه
النتيجة، نقول: أبداً المقدمة مرفوضة شرعاً فكيف بالنتيجة؟
وهذا من شؤم المخالفة، يوقع في مثل هذه الأمور، والله
المستعان.
طالب:. . . . . . . . .
الإنسان يفتي بما يدين الله به، إذا كان المحرم شرط لوجوب
الحج ما تحج، لكن لو حجت وخالفت وعصت هو سقط عنها الواجب،
لكن لو قالت: هي مذهبها مذهب الشافعي -رحمه الله-، الغالب
اللي يجون من اندونيسيا وغيرهم على مذهب الإمام الشافعي
ويجيزون السفر مع جمع من النسوة، مع أمن الفتنة.
طالب:. . . . . . . . .
شوف العقد إذا خالف الشرع لاغي، كل شرط يخالف كتاب الله
فهو باطل، هذا باطل من حيث الجملة، لكن لو قيل: إن هذا
مذهبها، ولو كانت في بلدها جاءت مع نسوة، وتفتى في بلدها
بهذا، وتبرأ ذمتها بتقليد من أفتاها، هل نلزمها بما نعتقد؟
أو نقول: مذهبها يسعها وهم عايشين على هذا، والله
المستعان، المسألة تحتاج إلى أنظار ما هو بنظر، نعم، طيب.
(156/8)
يقول: "حدثني مالك عن ربيعة بن أبي عبد
الرحمن أن عمر بن الخطاب قال لرجل خرج بجارية لامرأته في
سفر فأصابها فغارت امرأته، فذكرت ذلك لعمر بن الخطاب،
فسأله عن ذلك، فقال: وهبتها لي" يعني تهبها له وتغار عليه،
يحصل وإلا ما يحصل؟ يحصل، يحصل نعم، تهبها له وتغار عليه
"فقال عمر: لتأتيني بالبينة أو لأرمينك بالحجارة" لأنه
محصن يحتاج إلى إقامة الحد عليه وهو الرجم، لكن لو ادعى أن
جارية زوجته جارية له، كما لو ادعى أن جارية ابنه أو جارية
ابنته في المسألة السابقة جارية له، يوافق وإلا ما يوافق؟
لا يوافق؛ لأن ولده وابنته هو وما يملك لأبيه، لكن الزوجة
لا.
بعض العامة يتحايل على الزوجة في مثل هذا، فامرأة طلبت من
زوجها أن يكتب البقرة باسمها، ما دام بقرة قالت: لازم تصير
لي، قال: تراها لك، قالت: لازم يكتب المطوع، وراحوا للمطوع
قال: اكتب أن البقرة لها، وهي والبقرة لي، هذا ما هو بشرعي
هذا، لن تكون له بحال من الأحوال، لكن حديث: ((أنت ومالك
لأبيك)) بالنسبة للولد والبنت هذا معروف وظاهر.
"أو لأرمينك بالحجارة، قال: فاعترفت امرأته أنها وهبتها
له" وهبتها له يعني قبل الوطء، لكن لو وهبتها له بعد الوطء
ينفع وإلا ما ينفع؟ ما ينفع، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
لا بد من هذا نعم، يقيدونه بهذا، نعم.
أحسن الله إليك.
باب: ما يجب فيه القطع
حدثني مالك عن نافع عن عبد الله بن عمر -رضي الله عنه- أن
رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قطع في مجن ثمنه ثلاثة
دراهم.
وحدثني عن مالك عن عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي حسين
المكي أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((لا قطع في
ثمر معلق، ولا في حريسة جبل، فإذا آواه المراح أو الجرين
فالقطع فيما يبلغ ثمن المجن)).
وحدثني عن مالك عن عبد الله بن أبي بكر عن أبيه عن عمرة
بنت عبد الرحمن أن سارقاً سرق في زمان عثمان أترجة فأمر
بها عثمان بن عفان أن تقوم، فقومت بثلاثة دراهم من صرف
اثني عشر درهماً بدينار، فقطع عثمان يده.
وحدثني عن مالك عن يحيى بن سعيد عن عمرة بنت عبد الرحمن عن
عائشة زوج النبي -صلى الله عليه وسلم- أنها قالت: "ما طال
عليّ وما نسيت، القطع في ربع دينار فصاعداً".
(156/9)
وحدثني عن مالك عن عبد الله بن أبي بكر بن
حزم عن عمرة بنت عبد الرحمن أنها قالت: خرجت عائشة -رضي
الله عنها- زوج النبي -صلى الله عليه وسلم- إلى مكة، ومعها
مولاتان لها، ومعها غلام لبني عبد الله بن أبي بكر الصديق،
فبعثت مع المولاتين ببرد مرجل قد خيط عليه خرقة خضراء،
قالت: فأخذ الغلام البرد ففتق عنه فاستخرجه، وجعل مكانه
لبداً أو فروة، وخاط عليه، فلما قدمت المولاتان المدينة
دفعتا ذلك إلى أهله، فلما فتقوا عنه وجدوا فيه اللبد، ولم
يجدوا البرد، فكلموا المرأتين فكلمتا عائشة زوج النبي -صلى
الله عليه وسلم-، أو كتبتا إليها، واتهمتا العبد، فسئل
العبد عن ذلك فاعترف، فأمرت به عائشة -رضي الله عنها- زوج
النبي -صلى الله عليه وسلم- فقطعت يده، وقالت عائشة:
"القطع في ربع دينار فصاعدا".
وقال مالك -رحمه الله-: أحب ما يجب فيه القطع إلي ثلاثة
دراهم، وإن ارتفع الصرف أو اتضع، وذلك أن رسول الله -صلى
الله عليه وسلم- قطع في مجن قيمته ثلاثة دراهم، وأن عثمان
بن عفان قطع في أترجة قومت بثلاثة دراهم، وهذا أحب ما سمعت
إلي في ذلك.
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-:
باب: ما يجب فيه القطع
(156/10)
يعني في السرقة، ما يجب فيه القطع، والقطع
حد للسرقة إذا توافرت الشروط، والسرقة أخذ المال خفية من
حرز، فإذا لم يكن ثم حرز فلا سرقة، وهل الحرز قيد شرعي
لمسمى السرقة، أو قيد لغوي؟ يعني على قولهم: من حرز، من حد
السرقة اللغوي، يعني لا تسمى سرقة لغة إلا إذا كان في حرز،
أو أنه مما أضافه الشرع لحقيقة السرقة الشرعية؟ ومعلوم أن
الحقائق الشرعية تأتي على الحقائق اللغوية، وتضيف لها بعض
القيود، فالحرز هل هو من إضافة الشرع لتسمية الفعل سرقة،
أو أنه من مسماها اللغوي؟ بعض اللغويين يقول هذا، يقول:
إنها لا تسمى سرقة إلا إذا كانت من حرز؛ لأن هناك فرق بين
النهبة، وبين السرقة، وبين الغصب، فرق بين هذه الأمور،
فالذي يؤخذ خفية لا شك أنه سرقة، لكن هل يشترط في ذلك
الحرز أو لا يشترط؟ ولا إشكال في كونه مشترطاً في الشرع،
وإن قال الظاهرية: إنه لا يشترط، الحرز، لكن عامة أهل
العلم على اشتراطه، وأن حرز كل شيء بحسبه، فالأموال لا بد
من الإغلاق عليها، بما تحفظ به عادة، وبهيمة الأنعام بما
تحفظ به غالباً، وهكذا سائر الأموال.
(156/11)
يختلف العلماء في السيارة، حرز السيارة هل
يكفي أن تكون مغلقة، مقفل الباب والزجاج، وتترك في الشارع
للمارة الرائح والغادي، أو لا بد من إحرازها في البيوت،
يعني لو جاء شخص وكسر زجاج السيارة وسرقها يقطع وإلا ما
يقطع؟ هل هذا حرزها؟ كما نقول في حرز الإبل أنه لو وضع
أربع خشبات وقرنها، قرن هذه الأخشاب ووضعها فيها، أنها
حرز؛ لأن هذا حرز مثلها، فهل حرز السيارات إبقاؤها خارج
البيوت أو لا بد من الإغلاق عليها؟ ولا يتيسر لكل الناس،
يعني ما كل الناس عندهم بيوت كبيرة واسعة تستوعب هذه
السيارات، ولا شك أن أبواب السيارات، إغلاق الأبواب
والزجاج يمنع من استعمالها إلا بقدر زائد على الاستعمال
الصحيح، الاستعمال الصحيح يمنع منه الباب والغلقة، بالزجاج
وغيره، لكن القدر الزائد على الاستعمال الصحيح الكسر وما
الكسر، هل هذا من مما يتيسر لسائر الناس؟ لا، لو ضاع
المفتاح لا بد من الكسر، فمثل هذا لعله كاف في إحرازها،
ولا شك أن من أهل العلم من أفتى أن وجودها في الشوارع ليس
بحرز، وأنه لا قطع فيها، لكن الذي يظهر -والله أعلم- أن
هذا حرزها، وحرز كل شيء بحسبه.
(156/12)
ما يجب فيه القطع، يعني المقدار المسروق،
متى يبلغ ما يجب فيه القطع؟ عامة أهل العلم على أنه في ربع
دينار أو ثلاثة دراهم، وكلاهما أصل، إذا سرق ما قيمته ربع
دينار قطع، إذا سرق ما قيمته ثلاثة دراهم قطع، إذا تفاوت
الصرف، يعني إذا كان الدينار اثنا عشر درهم، يستوي
الأمران، سواءً سرق فضة وإلا ذهب ما في فرق، لكن إذا تفاوت
الصرف بأن كان الدينار خمسة عشر درهماً، أو عشرة دراهم،
فكيف تقوم السلع؟ يعني سرق ما قيمته أربعة دراهم، لكن
سألنا عن الدينار فإذا به خمسة عشر، يقطع وإلا ما يقطع؟
يقطع، لماذا؟ لأن الأربعة أكثر من الربع دينار، أكثر وإلا
أقل؟ أكثر، لكن لو كان الدينار عشرين درهم، الأربعة خمس
ليست بربع، وحينئذٍ لا يقطع، فهل الأصل الدراهم بغض النظر
عن الدنانير، أو الدنانير بغض النظر عن الدراهم؟ أو كلاهما
أصل؟ وإذا اختلف المسروق قيمة بالنظر إلى الدراهم أو
الدنانير فكيف نعمل؟ الذي يظهر أن كلاً منهما أصل؛ لأن
كلاً منهما ورد في النصوص، لكن مع ذلك إذا سرق ما قيمته
أقل من ربع الدينار ولو زاد على ثلاثة دراهم فإنه إيش؟
يقطع وإلا ما يقطع؟ لا يقطع درءاًَ للحد بالشبهة، والعكس
لو سرق ما قيمته ربع دينار لكنه لا يبلغ ثلاثة دراهم،
بمعنى لو كان الدينار عشرة دراهم فإنه حينئذٍ لا يقطع،
ومنهم من يقول: الأصل الذهب، ومنهم من يقول: الأصل الفضة،
وكل على أصله، ومنهم من يرى أن النصاب خمسة دراهم، وقال:
لا تقطع الخمس إلا في خمس، ومنهم من يقيس اليد على الفرج
فيجعل النصاب عشرة دراهم؛ لأن عنده أن أقل الصداق عشرة
دراهم، وكل هذه الأقوال لا تستند إلى دليل، والأقوال كثيرة
في هذا.
على كل حال الذي تدل عليه النصوص الصريحة أنه ثلاثة دراهم
أو ربع دينار، كما في هذا الباب.
"حدثني مالك عن نافع عن عبد الله بن عمر أن رسول الله -صلى
الله عليه وسلم- قطع في مجن" المجن هو ما يجن المقاتل،
يعني يستره كالترس "ثمنه ثلاثة دراهم" فجعل المجن حد لما
يقطع فيه، فإذا بلغت قيمته قيمة المجن قطع فيه، فضلاً عن
كونه يزيد على ذلك.
(156/13)
قال: "وحدثني عن مالك عن عبد الله بن عبد
الرحمن بن أبي حسين المكي أن رسول الله -صلى الله عليه
وسلم- قال: ((لا قطع في ثمر معلق)) " معلق في شجره، التمر،
لو جذ من النخل ما قيمته ثلاثة دراهم أو ربع دينار لا قطع
فيه، ((في ثمر معلق، ولا في حريسة جبل)) وهي الدابة إذا
أواها الليل إلى جبل، ولجأت إليه فاحتمت به لا قطع؛ لأنه
ليس بحرز ((فإذا آواه المراح أو الجرين)) فإذا آواه المراح
الذي هو الموضع الذي يبيت فيه الإبل والغنم والبقر وبهيمة
الأنعام، أو الجرين الموضع الذي يجفف فيه الثمار ((فالقطع
فيما يبلغ ثمن المجن)) يعني ما دام على رؤوس النخل، وما
دام في الجبل يرعى فإنه لا قطع فيه، لكن إذا آواه المراح
وهو مكان المبيت المحوط بما يحفظ مثل هذه الدواب أو الجرين
الذي تجفف فيه الحبوب والثمار فحينئذٍ يكون القطع فيما
يبلغ النصاب، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
وجاء بالنسبة للثمار والحيطان أن المار له أن يأكل غير
متخذاً خبنة، له أن يأكل بفمه ولا يتخذ منه شيئاً، فهذه
الإباحة أن يأكل لا شك أنها شبهة تدفع عنه الحد، الثمر
المعلق على الشجرة ما فيه قطع، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
عاد إن كان محتاجاً له حكم، وإن كان غير محتاج ... ، إن
كان مفسد له حكم، وإن كان ... ، ينظر في كل إنسان بحسبه.
قال: "وحدثني عن مالك عن عبد الله بن أبي بكر عن أبيه عن
عمرة بنت عبد الرحمن أن سارقاً سرق في زمان عثمان أترجة"
الأترج معروف وإلا ما هو معروف؟ معروف يا الإخوان وإلا غير
معروف؟ يعني أقرب ما يكون إلى الليمون، الليمون الأصفر إلا
أن حجمه كبير، وقشره غليظ، "فأمر بها عثمان أن تقوم" كم
تسوى الأترجة؟ "فأمر بها عثمان أن تقوم، فقومت بثلاثة
دراهم من صرف اثني عشر درهماً بدينار، فقطع عثمان يده" هل
السرقة تمت وهي في الشجرة أو بعد جنيها ووضعها في المكان
الذي تحفظ به؟
طالب:. . . . . . . . .
بلا شك أنه بعد قطعها من الشجرة، وحفظها في مكانها اللائق
بها، وإلا ما دامت على الشجرة فلا قطع.
طالب:. . . . . . . . .
ورآه ما يوجد، يوجد.
طالب:. . . . . . . . .
وين؟
طالب: الناس ما يعرفون.
(156/14)
ها الحين ما يعرفون؛ لأنه شوي، وفي الحديث:
((مثل المؤمن يقرأ القرآن مثل الأترجة)) هاه؟
طالب:. . . . . . . . .
إيه معروف كان كثير جداً، وهو فاكهة الناس يعصر، ويضع عليه
شيء من السكر والماء ويشربونه، ويقطع شحم قشره ويوضع فيه،
أبو عبد الله يذكر هذه الأمور ما شاء الله عليه.
طالب:. . . . . . . . .
لا، لا ما هو إلى الآن، خلاص انتهى.
طالب:. . . . . . . . .
هو موجود لكن استعماله على الطريقة السابقة ما ...
طالب:. . . . . . . . .
إيه معروف، كان المسألة يعوزهم التمر فضلاً عن الفاكهة،
لكن يسر الله على المسلمين، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
هو موجود وجوده ما أحد ينكره، لكن استعماله على ما كان
الاستعمال عليه سابقاً أكثر ما يستعمل بهذه الطريقة أو مع
الحنيني، يعرف أبو عبد الله هذا، الآن استغنى الناس عنه
بالليمون، ووظيفته وظيفة الليمون، نعم كان الشحم الذي في
القشر؛ لأن القشر سميك، الظاهر أصفر هذا يلقى، يقشر ويلقى،
شحمه الأبيض وهو أيضاً سميك يقطع، فإذا عصر هذا الليمون
ووضع عليه الماء والسكر، وطرح فيه هذا الأبيض اللي هو شحم
القشر، وتشرّب من هذا الماء صار من أطيب الفواكه.
قال: "فقومت بثلاثة دراهم من صرف اثني عشر درهماً بدينار"
هذا يتوافق فيه الفضة مع الذهب، لكن لو كان قوبل ثلاثة
دراهم من صرف خمسة عشر درهم للدينار الواحد، يكون فيه قطع
وإلا ما في؟ ما فيه قطع، إلا على القول بأن الأصل الفضة.
"وحدثني عن مالك عن يحيى بن سعيد عن عمرة بنت عبد الرحمن
عن عائشة زوج النبي -صلى الله عليه وسلم- أنها قالت: "ما
طال علي وما نسيت" ما الداعي لهذا الكلام؟ لأنها عاشت بعد
النبي -عليه الصلاة والسلام- ما يقرب من نصف قرن "ما طال
علي وما نسيت، القطع في ربع دينار فصاعداً" وجاء عنها أنها
كانت تقول: "لا قطع في الشيء التافه" يعني الذي يقل عن
الربع دينار.
طالب:. . . . . . . . .
يعني قطع من الشجر وهو يزيد، الخبرة، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
طيب خضراء بعد، خضراء تبقى وتصفر، ما شاء الله، ترى الذي
يقرأ القرآن هو شُبه من حيث الرائحة والطعم، إيه لا يعني
أنه يكبر، بعد المسلمين تبي تكبر أنت بعد؟
(156/15)
طالب:. . . . . . . . .
لا، كان يعني هناك أشياء أبو عبد الله يدرك ريشة النعام
هذه إذا وضعوها في المصحف تكبر وإلا ما تكبر؟ إيه عندهم
تصورات كانت موجودة، لكن ما لها حقيقة هذه.
طالب:. . . . . . . . .
لا، لا هاه؟
طالب:. . . . . . . . .
إيه تنتفش لا سيما إذا سحبت بقوة، أبو عبد الله مخضرم يعرف
كل هذه الأمور ما شاء الله.
يقول: "وحدثني عن مالك عن عبد الله بن أبي بكر بن حزم عن
عمرة بنت عبد الرحمن أنها قالت: خرجت عائشة زوج النبي -صلى
الله عليه وسلم- إلى مكة، ومعها مولاتان لها، ومعها غلام
لبني عبد الله بن أبي بكر" لبني أخيها عبد الله بن أبي بكر
"فبعثت مع المولاتين ببرد مرجل" أو برد مرحل، وهذا الأكثر
بالحاء المهملة، يعني فيه تصاوير رحال التي توضع على ما
يركب "قد خيط عليه خرقة خضراء" هذا البرد خيطت عليه خرقة
خضراء "قالت: فأخذ الغلام البرد ففتق عنه فاستخرجه، وجعل
مكانه لبداً أو فروة" جعل مكانه شيء ثاني، أخذ البرد ووضع
مكانه لبداً، إما صوف أو شعر أو ما أشبه ذلك، أو قطن،
المهم أنه وضع فيه شيء يستوعب الظرف، أو فرو "وخاط عليه،
فلما قدمت المولاتان المدينة دفعتا ذلك إلى أهله" وهذه
جناية بلا شك وخيانة.
واحد من المشايخ جلس في مصر مدة طويلة يدرس، وهو في هذه
المدة ينتقي عيون الكتب، وجمعها في كراتين كثيرة جداً،
فلما بعثها وصلت إليه الكراتين بنفسها مكتوب عليها كتابته،
لكن هذه الكتب شيلت كلها ووضع مكانها القاموس العصري، ما
أدري يمكن ألف نسخة من القاموس العصري،. . . . . . . . .
بالمستودع وعبأ الكراتين وشال الكتب هذه، مثل صنيع الغلام
ذا، لكن أخذ الكتب وتغيير الكتب كارثة، وهذا يحصل أحياناً
في المكتبات العامة، يأتي اللص ويأخذ الكتاب النفيس، ويضع
في مكانه كتاباً آخر لا يسوى شيء بالنسبة له، لا شك أن هذه
خيانة مع كونها سرقة خيانة.
(156/16)
"وجعل مكانه لبداً أو فروة، وخاط عليه،
فلما قدمت المولاتان المدينة دفعتا ذلك إلى أهله" هو أمانة
يوصل إلى بني فلان "فلما فتقوا عنه وجدوا فيه اللبد ولم
يجدوا البرد، فكلموا المرأتين" يعني المولاتين، فكلمتا
عائشة زوج النبي -صلى الله عليه وسلم-؛ لأنها بالمدينة، أو
كتبتا إليها؛ لأنها لم تصل المدينة، واتهمتا العبد؛ لأنه
ما في معهما إلا هو "فسئل العبد عن ذلك فاعترف، فأمرت به
عائشة زوج النبي -صلى الله عليه وسلم- فقطعت يده" هذا دليل
على أن السيد يقيم الحد على مولاه، سواءً كان ذكر أو أنثى،
((إذا زنت أمة أحدكم فليجلدها الحد ولا يثرب عليها)) يقيم
الحد عليها ولو بالقطع، أما الأحرار فلا يقيم الحد عليهم
إلا السلطان.
"وقالت عائشة: "القطع في ربع دينار فصاعدا" لأنه قوم البرد
فإذا بقيمته أكثر من ربع دينار.
"وقال مالك: أحب ما يجب فيه القطع إلي ثلاثة دراهم، وإن
ارتفع الصرف أو اتضع" فجعل الأصل في النصاب الفضة، ارتفع
الصرف أو اتضع، يعني سواءً كان الدينار بعشرة دراهم أو
بعشرين درهماً، فالقطع في ثلاثة دراهم عملاً بحديث المجن،
وهذا رأي الإمام مالك.
"أحب ما يجب فيه القطع إلي ثلاثة دراهم، وإن ارتفع الصرف
أو اتضع، وذلك أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قطع في
مجن قيمته ثلاثة دراهم، وأن عثمان بن عفان قطع في أترجة
قومت بثلاثة دراهم، وهذا أحب ما سمعت إلي في ذلك" ومن أهل
العلم من يرى أن الأصل الذهب فلا يقطع إلا في ربع دينار،
ولو كان المسروق قيمته أكثر من ثلاثة دراهم ما لم تصل إلى
ربع دينار، ومنهم من يقول: إن كلاً منهما أصل برأسه.
طالب:. . . . . . . . .
كيف؟
طالب:. . . . . . . . .
الدرهم؟
طالب:. . . . . . . . .
الدرهم ويش يساوي من الريال؟ أنت إذا شفت ربع الدينار،
الدينار أربعة أسباع الجنيه، فربعه سبع الجنيه، ربع
الدينار سبع الجنيه، والجنيه الآن يمكن بخمسمائة وإلا
بستمائة؟ كم الجرام؟
طالب: خمسمائة وستين.
خمسمائة وستين الجنيه؟ خمسمائة وستين، سبعها؟ سبعة في
ثمانية كم؟
طالب:. . . . . . . . .
(156/17)
إي نعم ثمانين، يسرق البيضة فتقطع يده،
يسرق الحبل فتقطع يده، هذا على التنفير من السرقة والتحذير
منها، ومنهم من يقول: إن المراد بالبيضة البيضة تضع على
الرأس في الحرب، وقيمتها أكثر من ثلاثة دراهم، والحبل حبل
السفينة وقيمته أكثر، لكن السياق يأبى هذا التأويل.
نعم.
سم.
أحسن الله إليك.
باب: ما جاء في قطع الآبق
والسارق
حدثني عن مالك عن نافع أن عبداً لعبد الله بن عمر -رضي
الله عنه- سرق وهو آبق، فأرسل به عبد الله بن عمر إلى سعيد
بن العاص وهو أمير المدينة ليقطع يده، فأبى سعيد أن يقطع
يده، وقال: "لا تقطع يد الآبق السارق إذا سرق" فقال له عبد
الله بن عمر: "في أي كتاب الله وجدت هذا؟ ثم أمر به عبد
الله بن عمر فقطعت يده".
وحدثني عن مالك عن زريق بن حكيم أنه أخبره أنه أخذ عبداً
آبقاً قد سرق قال: فأشكل علي أمره، قال: فكتبت فيه إلى عمر
بن عبد العزيز أسأله عن ذلك وهو الوالي يومئذ، قال:
فأخبرته أنني كنت أسمع أن العبد الآبق إذا سرق وهو آبق لم
تقطع يده، قال: فكتب إلي عمر بن عبد العزيز نقيض كتابي،
يقول: كتبت إلي أنك كنت تسمع أن العبد الآبق إذا سرق لم
تقطع يده، وإن الله -تبارك وتعالى- يقول في كتابه:
{وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُواْ أَيْدِيَهُمَا
جَزَاء بِمَا كَسَبَا نَكَالاً مِّنَ اللهِ وَاللهُ
عَزِيزٌ حَكِيمٌ} [(38) سورة المائدة] فإن بلغت سرقته ربع
دينار فصاعداً فاقطع يده.
وحدثني عن مالك أنه بلغه أن القاسم بن محمد وسالم بن عبد
الله وعروة بن الزبير كانوا يقولون: "إذا سرق العبد الآبق
ما يجب فيه القطع قطع".
قال مالك -رحمه الله-: وذلك الأمر الذي لا اختلاف فيه
عندنا، أن العبد الآبق إذا سرق ما يجب فيه القطع قطع.
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-:
باب: ما جاء في قطع الآبق والسارق
في قطع الآبق والسارق كذا بالعطف كأنه عطف تفسير، كأن هذا
عطف تفسيري، قطع الآبق، الآبق يقطع بمجرد إباقه أو يقطع
إذا سرق؟ إذا سرق، والسارق لا شك أنه يقطع، يعني لو قلنا:
إن العطف على نية تكرار العامل، وقلنا: باب قطع الآبق وقطع
السارق يقطع بدون سرقة، والسارق يقطع بدون إباق.
(156/18)
قال الشارح شيء؟ شوف الترجمة.
هو لا شك أن الباب معقود للعبد إذا أبق عن سيده وسرق أثناء
إباقه.
الشبهة التي ترد على العبد الآبق إذا سرق أن السرقة
بالنسبة له الذي يدعوه إليها في الغالب الحاجة، فقد يقال:
إن هذا العبد البعيد عن سيده لا يجد من ينفق عليه، فيضطر
إلى السرقة، فيدرأ عنه الحد، ولا شك أن درأ الحد بالحاجة
عمر -رضي الله عنه- لم يقطع عام الرمادة للمجاعة والحاجة،
لكن هل هذا عزيمة وإلا رخصة؟ رخصة، والرخص لا تستعمل في حق
من عصى الله -جل وعلا-، ولذا الجمهور على أن العاصي في
سفره لا يترخص، والآبق عاصي، فيقطع إذا سرق، ويضيق عليه،
ولا يمكن من البقاء حال كونه آبقاً عن سيده، بل يضيق عليه
حتى يرجع إلى سيده، وقل مثل هذا في الولد إذا هرب عن
أبويه، لا يجوز إيوائه، وقد يقال بمثل هذا في العامل إذا
كانت إقامته غير نظامية، فلا شك أن المسألة ينتابها أمور،
يعني هؤلاء الذين يأتون بغير ... مع مخالفة النظام،
ويقيمون لا شك أنهم لا يجدون أعمال، لا يمكنون من العمل
بغير إقامة، وكثيراً ما يتعرضون لسؤال الناس من الصدقات
والزكوات، فإن أعطوا أعينوا على البقاء مع المخالفة، وإن
لم يعطوا حملوا على السرقة، يعني إذا لم يعطوا حملوا على
السرقة، وإن أعطوا أعينوا على هذه المخالفة، ففي مثل هذا
هل يقال بارتكاب أخف الضررين؟ وأن إقامتهم بدون إقامة
نظامية أسهل من كونهم يسطون على البيوت ويسرقون، أو أن عدم
إعانتهم على البقاء يضطرهم إلى الرجوع إلى بلدانهم؟ يعني
هذه ... ، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
(156/19)
لا هم في الغالب يأتون من أجل الكسب، من
أجل الرزق يأتون، فمثل هذا لا شك أنه ينتابه الأمران،
وكلاهما مُر، يعني لو فتح المجال للعمالة، وفتح الباب على
مصراعيه، وكل واحد تستر على عامل، لا شك أن هذا التنظيم
مثل هذا لمصلحة الناس؛ لأنه لو أعين مثل هذا ... ، العامل
الذي في كفالة شخص، وهو مسئول عنه وعن جميع تصرفاته؛ لأن
العمال يأتون من بلدان شتى، أعرافهم تختلف عن أعراف البلد،
وهناك عندهم أمور ليست بشيء في نظرهم، وهي عندنا عظائم،
وهناك أمور بالعكس اختلاف الأعراف لا شك أنه موجود، فإذا
ترك من دون رقيب أو هرب من كفيله وآواه شخص آخر وعطف عليه،
هذه أيضاً يعني لا بد من أن يكون أمام المسئولين، شخص
مسئول عن هذا الشخص، وإلا تكون المسألة فوضى.
يعني تصور أن عندنا من العمالة أكثر من خمسة ملايين مثلاً،
واضطربت أحوالهم، هذا هرب عن كفيله، وهذا استتر بمكان،
وهذا ... ، يعني معروفة أوضاعهم والتزامهم بالدين، وعدم
التزامهم، كثير منهم يأتي من بلدان شبه إباحية، فتركهم
بدون رقابة، وبدون حسيب، وبدون كفيل يكون مسئول عن
تصرفاتهم هذا فيه إخلال بالبلد، هذا ما فيه شك أن هذه
الأنظمة إنما سنت للمصلحة، روعي فيها المصالح، ولا شك أن
المصالح المرعية لها شأن في الشرع.
على كل حال هل من المصلحة أن يعطى هذا العامل لا سيما إذا
ظهرت عليه أمارات الصلاح، وأنه ما جعله يقيم إقامة غير
نظامية إلا الشدة التي طردته من بلده، لكن إن لم يعط ماذا
يصنع؟ لا شك أنه قد يضطر إلى سرقة أو انتهاب أو شيء من هذا
وقد حصل، فمثل هذه الأمور لا شك أنها تحتاج إلى دراسة
واعية ممن يقوم على هؤلاء، سواءً كان من المسئولين، أو من
غيرهم ممن يقدمهم إلى هذه البلاد.
يقول: "حدثني عن مالك عن نافع أن عبداً لعبد الله بن عمر
سرق وهو آبق، فأرسل به عبد الله بن عمر إلى سعيد بن العاص
وهو أمير المدينة ليقطع يده" الآن الأصل أن ابن عمر يقيم
عليه الحد؛ لأنه سيده، لكنه من باب احترام السلطان وصاحب
الأمر بعث به إليه.
(156/20)
"فأبى سعيد أن يقطع يده، وقال: "لا تقطع يد
الآبق السارق إذا سرق" لعل الشبهة في ذلك أنه يحتاج لبعده
عن سيده الذي ينفق عليه "إذا سرق، فقال له عبد الله بن
عمر: "في أي كتاب الله وجدت؟ " يعني عندك دليل على هذا
وإلا ما عندك إنما هو مجرد اجتهاد؟ "ثم أمر به عبد الله بن
عمر فقطعت يده" نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
وين؟
طالب:. . . . . . . . .
في أي كتاب الله وجدت هذا، في أي كتاب يعني من كتب الله
-جل وعلا-.
"فقطعت يده" الآن أيهما أفضل بالنسبة لعبد الله بن عمر أن
يبعث به إلى الوالي ويجتهد الوالي، ويكون اجتهاد ابن عمر
مخالف، أو من الأصل ابن عمر نفذ الحد وانتهى بدون ما يرفع؟
هو لا شك لو أنه اتفق الاجتهادان، وقطعت يده بأمر الوالي
أن هذا ما في شك أنه من باب احترام الوالي وتقديره وإن كان
الأصل أن الذي يقيم الحد السيد، لكن لما اختلف الاجتهاد؟
طالب:. . . . . . . . .
هو أصل المسألة مبنية على احترام الوالي صح وإلا لا؟
فاجتهاد الوالي ما وافق، فهل نقول: في مثل هذه الصورة أنت
تبي تجتهد وتحترم الوالي وتقدم هذا الرقيق إلى الوالي
ليقيم عليه الحد، ثم الوالي بعد ذلك يخالف اجتهادك، ثم
تخالف اجتهاد الوالي؟ فأنت من الأصل لا ترفع؛ لوجود هذا
الاحتمال؛ لأنه مع المخالفة ما الذي يكون نفسه الوالي؟ هل
يبي يحفظ لعبد الله بن عمر هذا التقدير أو يبي ينعكس
الوضع؟
طالب: يمكن ينعكس.
ما في شك أنه ينعكس؛ لأنه خالفه، لكن على كل حال الحق مقدم
على كل أحد، فمثل هذا يحتاج إلى معرفة هذا الشخص هل هو من
أهل الاجتهاد أو ليس من أهل الاجتهاد؟
طالب: يعني في زمان عبد الله بن عمر ما في والي يقيم
الحدود فأقامه عليه ....
لا، لا في والي، هذا سعيد أمير المدينة، هو أمير المدينة،
فدفع به عبد الله بن عمر إلى الوالي سعيد بن العاص ليقطع
يده، ما عنده تردد عبد الله بن عمر في أنه مستحق للقطع،
فدفع به إليه لا ليجتهد في أمره إنما ليقطع يده، فالذي حصل
أن الاجتهاد اختلف، اجتهاد الوالي عن اجتهاد ابن عمر، فرجع
ابن عمر إلى اجتهاده وهو أن الرقيق في مثل هذه الصورة
يقطع، تقطع يده؛ لأنه لا شبهة له.
(156/21)
"وحدثني عن مالك عن زريق بن حكيم أنه أخبره
أنه أخذ عبداً آبقاً قد سرق قال: فأشكل علي أمره" يعني
الشبهة واردة، الشبهة موجودة، الشبهة التي عرضت لسعيد بن
العاص عرضت هنا، مما يدل على أنها لها حظ من النظر، يعني
ما تفرد بها شخص، بل هي موجودة عند كثير من الناس أن العبد
الآبق قد يحتاج، وإذا سرق محتاجاً لا قطع عليه.
"قال: فكتبت فيه إلى عمر بن عبد العزيز أسأله عن ذلك، وهو
الوالي يومئذ" فمنهم من يقتضي نظره أنه يقطع، ولو كان
محتاجاً، ولو كان بعيداً عن سيده؛ لأنه لا يعان في معصيته
على السرقة، ولا تيسر أموره كالعاصي في بسفره، ومنهم من
يقول: إنه ما دام مستحق للإعانة، وهو محتاج فلا مانع من أن
يدرأ عنه الحد، وتكون حينئذٍ الجهة منفكة كالعاصي في سفره
هل له أن يأكل من الميتة إذا اضطر؟ هذه المسألة معروف قول
الجمهور لا، والحنفية يرون أن له أن يأكل، نعم؟
طالب: يا شيخ أحسن الله إليك ماذا يقال بإقامة الحد على
العبد الآبق عندما يسرق تأديباً لغيره حتى ما يأبق؟
هو مقتضى النظر نظر عمر بن عبد العزيز، ونظر عبد الله بن
عمر أنه يقطع، هذا الأصل فيه أنه يقطع، ولا يعان على
إباقه، فيردع هو ويردع من يريد الاقتداء به، هذا الاجتهاد
الذي حصل، لكن اجتهاد سعيد بن العاص واجتهاد غيره الذي في
هذا الحديث، فأشكل علي أمره ...
طالب: أنهم بحاجة إلى ذلك أصلاً.
نعم.
"فكتبت فيه إلى عمر بن عبد العزيز أسأله عن ذلك، وهو
الوالي يومئذٍ، قال: فأخبرته أنني كنت أسمع أن العبد الآبق
إذا سرق وهو آبق لم تقطع يده" يعني هذه الشبهة اشترك فيها
أكثر من شخص، يعني مال إليها واستروح إليها أكثر من شخص،
وهي شبهة ظاهرة أنه بعيد عن سيده الذي تلزمه نفقته فلا
تقطع يده للحاجة.
(156/22)
قال: "فكتب إلي عمر بن عبد العزيز نقيض
كتابي" يعني أنه تقطع يده؛ لأنه سارق، والآية تنطبق عليه،
يقول: "كتبت إلي أنك كنت تسمع أن العبد الآبق إذا سرق لم
تقطع يده، وأن الله -تبارك وتعالى- يقول في كتابه:
{وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُواْ أَيْدِيَهُمَا
جَزَاء بِمَا كَسَبَا نَكَالاً مِّنَ اللهِ} [(38) سورة
المائدة] أل هذه جنسية تشمل الآبق وغير الآبق، {وَاللهُ
عَزِيزٌ حَكِيمٌ} فإن بلغت سرقته النصاب ربع دينار فصاعداً
فاقطع يده.
قال: "وحدثني عن مالك أنه بلغه أن القاسم بن محمد وسالم بن
عبد الله وعروة بن الزبير" والثلاثة كلهم من الفقهاء
السبعة "كانوا يقولون: "إذا سرق العبد الآبق ما يجب فيه
القطع قطع" لأنه ما يوجد ما يستثنيه من النصوص.
"قال مالك: وذلك الأمر الذي لا اختلاف فيه عندنا" يعني هذا
مما نتفق عليه مع علماء بلدنا أن العبد الآبق إذا سرق ما
يجب فيه القطع قطع، وأنه لا يوجد ما يستثنيه من النصوص
التي توجب إقامة الحد عليه، والله أعلم.
وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى
آله وصحبه أجمعين.
(156/23)
بسم الله الرحمن الرحيم
شرح الموطأ - كتاب الحدود (4)
الشيخ: عبد الكريم بن عبد الله الخضير
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
سم.
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا
محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
اللهم اغفر لشيخنا والحاضرين والسامعين برحمتك يا أرحم
الراحمين.
قال المؤلف -رحمه الله تعالى-:
باب: ترك الشفاعة للسارق إذا
بلغ السلطان
وحدثني مالك عن ابن شهاب عن صفوان بن عبد الله بن صفوان أن
صفوان بن أمية قيل له: إنه من لم يهاجر هلك، فقدم صفوان بن
أمية المدينة، فنام في المسجد، وتوسد رداءه، فجاء سارق
فأخذ رداءه، فأخذ صفوان السارق، فجاء به إلى رسول الله
-صلى الله عليه وسلم-، فقال له رسول الله -صلى الله عليه
وسلم-: ((أسرقت رداء هذا؟ )) قال: نعم، فأمر به رسول الله
-صلى الله عليه وسلم- أن تقطع يده، فقال له صفوان: إني لم
أرد هذا يا رسول الله، هو عليه صدقة، فقال رسول الله -صلى
الله عليه وسلم-: ((فهلا قبل أن تأتيني به)).
وحدثني عن مالك عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن أن الزبير بن
العوام لقي رجلاً قد أخذ سارقاً، وهو يريد أن يذهب به إلى
السلطان، فشفع له الزبير ليرسله، فقال: لا، حتى أبلغ به
السلطان، فقال الزبير -رضي الله عنه-: "إذا بلغت به
السلطان فلعن الله الشافع والمشفع".
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده
ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
فيقول المؤلف -رحمة الله تعالى-:
باب: ترك الشفاعة للسارق إذا بلغ السلطان
(157/1)
الحدود إذا بلغت السلطان لا يجوز لأحد
كائناً من كان أن يشفع فيها، وأن يسعى في تعطيل حدود الله،
إذا بلغت السلطان فلا شفاعة، وفي الصحيح من حديث المرأة
التي كانت تستعير المتاع وتجحده، فلما رفعت على النبي
-عليه الصلاة والسلام- فأمر بقطع يدها شفع لها أسامة بن
زيد، كلّم النبي -عليه الصلاة والسلام- لمكانته منه، فهو
حب النبي -عليه الصلاة والسلام- وابن حبه، حتى قال الأعيان
والملأ من قريش، قالوا: لا يمكن أن يشفع إلا أسامة، كلموا
أسامة فكلم النبي -عليه الصلاة والسلام-، فأنكر عليه النبي
-عليه الصلاة والسلام-، ((أتشفع في حد من حدود الله؟ ))
غضب عليه، ((والله لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها))
فلا بد من تطبيق الحدود بقوة وحزم ليقطع دابر الفساد، ولا
يمكن أن يقضى على الفساد والمفسدين إلا بهذه الطريقة، وإلا
لو دخلت الواسطات والشفاعات في الحدود ما قام منها شيء،
ولآل الأمر إلى ما آل إليه بنو إسرائيل، إذا سرق فيهم
الضعيف قطعوه، وإذا سرق فيهم الشريف تركوه.
يقول: "إذا بلغ السلطان" السلطان هو ولي الأمر، الإمام
الأعظم، أو من ينوب منابه، ويقوم مقامه من القضاة ونحوهم،
وأما قبل ذلك فمن الأعوان والهيئات والشرط، وما أشبه ذلك،
لكن مع ذلك يجب أن يكون عفوهم وشفاعة الشافعين لديهم في
الأمور الممكنة، لا يشفعون للمفسدين، لأهل السوابق، وأهل
الجرائم هذا لا يجوز أن يشفع لهم، ولا يجوز أن يتركوا، وأن
يفلتوا من حكم الله -عز وجل-، أما إذا بلغت السلطان فلا
شفاعة لأحد كائناً من كان، ولا شفاعة في أحد كائناً من
كان.
(157/2)
يقول: "وحدثني عن مالك عن ابن شهاب عن
صفوان بن عبد الله بن صفوان أن صفوان بن أمية قيل له: إن
من لم يهاجر هلك" ولا شك أن الهجرة لها شأن عظيم في أول
الإسلام، الهجرة إلى النبي -عليه الصلاة والسلام- لها شأن
عظيم، واستمر حكمها على الوجوب إلى قيام الساعة من بلاد
الكفر إلى بلاد الإسلام "فقدم صفوان بن أمية المدينة"
مهاجراً، أول ما قدم ليس له بيت يؤويه "فنام في المسجد
وتوسد رداءه" توسد رداءه "فجاء سارق فأخذ الرداء من تحت
رأسه" وهذا حرز، كون الإنسان يتوسد الشيء، أو يتكئ عليه،
أو يجعله في جيبه هذا حرزه "فأخذ صفوان السارق، فجاء به
إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم-" ولا يدري ما العاقبة؟
وما النتيجة؟ يظن أن هذا حق مالي ثبت في ذمة هذا السارق
كسائر الديون، وسائر الحقوق يستخرج منه، ولا يدري أنه
يترتب عليه قطع يد "فقال له رسول الله -صلى الله عليه
وسلم-" ليقرره: ((أسرقت رداء هذا؟ )) يقوله للسارق "فقال:
نعم، فأمر به رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أن تقطع يده"
لأنها حق لله -جل وعلا-، وإن عفا المسروق منه، قد يعفو عن
المال، لكن لا يعفو عن الحد، ولذا في بعض الجهات من ولاة
أمور المسلمين بعض أهل الذمة سرق، فقيل له: كم دية اليد؟
قيل: نصف الدية، قال: هذه نصف الدية أنا. . . . . . . . .،
فاستلم نصف الدية التي قيمة اليد، فقطعها وأعطاها إياه،
قال: أنتم اشتريتم اليد، ما اشتريتم الحد، اشتريتم اليد
ولم تشتروا الحد، الحد لا يباع ولا يشترى، ولا يساوم عليه
"فقال له رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((أسرقت رداء
هذا؟ )) قال: نعم، فأمر به رسول الله -صلى الله عليه وسلم-
أن تقطع يده" هذا حكمه، الذي سرق ما يبلغ النصاب من حرزه
الذي أخذه خفية، فإنه يجب القطع حينئذٍ.
"فقال له صفوان: إني لم أرد هذا يا رسول الله" أنا لا أريد
القطع، أنا أريد أن يرد علي ردائي، لا أكثر ولا أقل "هو
عليه صدقة" تنازل عنه "فقال له رسول الله -صلى الله عليه
وسلم-: ((فهلا قبل أن تأتيني به)) ".
(157/3)
يعني لو تنازلت قبل ما تجي ما دورناك، لكن
ما دام بلغ الحد السلطان، فلا يجوز له حينئذٍ أن يعفو، جاء
في بعض الأخبار: إن عفا فلا عفا الله عنه، لا يجوز له أن
يعفو بحال عن الحدود بعد أن تصدر وتقرر بجميع متطلباتها.
قال: "وحدثني عن مالك عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن" ربيعة
الرأي شيخ الإمام مالك "أن الزبير بن العوام" نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
كل شيء بحسبه، كل شيء بحسبه، هذا حرز.
طالب:. . . . . . . . .
هذا الذي قررناه أنه حرز، حرز، نعم، هذا الذي قررناه
سابقاً.
طالب:. . . . . . . . .
على كل حال ترى القضاة عندهم فتوى أنه ليس بحرز، والسيارة
ليست بحرز، ولا يقطعون بها، معروف هذا، لكن مع ذلك المتجه
أنه حرز، يعني مع أن المسألة ما هي محل اتفاق بين أهل
العلم حتى من أهل العلم الكبار من يرى أنها حرز، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
على كل حال إذا أغلقت وأحكمت بزجاجها، وأقفالها هذا حرزها،
وأما المطالبة بأن تدخل في البيوت فليس كل أحد يملك البيت،
هذا عرفي، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
بل بعض الأموال تحفظ بما هو دون ذلك بكثير، المواشي تحفظ
بأخشاب تقرن بحبل، يحل هذا الحبل وتساق، هذا حرز، يقطع به،
نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
إيش فيه؟
طالب:. . . . . . . . .
النصاب ثلاثة دراهم، أو ربع دينار.
طالب:. . . . . . . . .
لا ما هو بأقل، الأترجة أكثر من ثلاثة دراهم فضلاً عن
الريال.
طالب:. . . . . . . . .
وين؟
طالب:. . . . . . . . .
ما يلزم أن يكون ... ، أن يعلم الحكم، لا صاحب المال ولا
السارق، وإذا عرف أن الحكم التحريم فلا يلزم أن يعرف ما
يترتب على الحكم.
طالب:. . . . . . . . .
ما يعرف أن السرقة محرمة؟
طالب: لا، يعرف يا شيخ.
خلاص انتهى، لا لو ما عرف أن في قطع، لو ما عرف، هذا حق
لله -جل وعلا-.
طالب: صاحب المال يا شيخ.
هو صاحب المال ليس له أن يطالب بالقطع، ليس له أن يطالب
إلا بماله.
طالب:. . . . . . . . .
القول معروف، لكن مع ذلك له ماله، هذا الأصل أن الأموال
تثبت بالذمم المتعدية.
(157/4)
قال: "وحدثني عن مالك عن ربيعة بن أبي عبد
الرحمن أن الزبير بن العوام لقي رجلاً قد أخذ سارقاً وهو
يريد أن يذهب به إلى السلطان، فشفع له الزبير ليرسله" شفع
له عند من أخذه، سواءً كان صاحب المال أو غير صاحب المال،
المقصود أنه من رفعه لولي الأمر ليحد، شفع له الزبير
"فقال: لا حتى أبلغ به السلطان، فقال الزبير: إذا بلغت به
السلطان فلعن الله الشافع والمشفع" انتهى، انتهى الموضوع
إذا بلغت السلطان، وهكذا ينبغي أن تؤخذ الأمور بجد، وأن
يؤخذ الكتاب بقوة، بدون تلاعب، أو تفريق بين الناس، أو
شفاعات، أو محسوبيات، أو وساطات، كل هذا لا يدخل في هذا
الباب، والله المستعان، نعم.
أحسن الله إليك.
باب: جامع القطع
حدثني مالك عن عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه أن رجلاً من
أهل اليمن أقطع اليد والرجل، قدم فنزل على أبي بكر الصديق
فشكا إليه أن عامل اليمن قد ظلمه، فكان يصلي من الليل
فيقول أبو بكر: وأبيك ما ليلك بليل سارق، ثم إنهم فقدوا
عقداً لأسماء بنت عميس امرأة أبي بكر الصديق، فجعل الرجل
يطوف معهم ويقول: اللهم عليك بمن بيت أهل هذا البيت
الصالح، فوجدوا الحلي عند صائغ زعم أن الأقطع جاءه به،
فاعترف به الأقطع، أو شهد عليه به، فأمر به أبو بكر الصديق
فقطعت يده اليسرى، وقال أبو بكر الصديق: والله لدعاؤه على
نفسه أشد عندي عليه من سرقته.
قال مالك: الأمر عندنا في الذي يسرق مراراً ثم يستعدى عليه
إنه ليس عليه إلا أن تقطع يده لجميع من سرق منه إذا لم يكن
أقيم عليه الحد، فإن كان قد أقيم عليه الحد قبل ذلك ثم سرق
ما يجب فيه القطع قطع أيضاً.
وحدثني مالك: إن أبا الزناد أخبره أن عاملاً لعمر بن عبد
العزيز أخذ ناساً في حرابة، ولم يقتلوا أحداً، فأراد أن
يقطع أيديهم أو يقتل، فكتب إلى عمر بن عبد العزيز في ذلك،
فكتب إليه عمر بن عبد العزيز: لو أخذت بأيسر ذلك.
(157/5)
وسمعت مالكاً يقول: الأمر عندنا في الذي
يسرق أمتعة الناس التي تكون موضوعة بالأسواق محرزة، قد
أحرزها أهلها في أوعيتهم، وضموا بعضها إلى بعض: إنه من سرق
من ذلك شيئاً من حرزه، فبلغ قيمته ما يجب فيه القطع فإن
عليه القطع كان صاحب المتاع عند متاعه أو لم يكن، ليلاً
ذلك أو نهاراً.
قال مالك –رحمه الله- في الذي يسرق ما يجب عليه فيه القطع
ثم يوجد معه ما سرق فيرد إلى صاحبه إنه تقطع يده.
قال مالك -رحمه الله-: "فإن قال قائل: كيف تقطع يده، وقد
أخذ المتاع منه، ودفع إلى صاحبه فإنما هو بمنزلة الشارب
يوجد منه ريح الشراب المسكر، وليس به سكر فيجلد الحد.
قال مالك -رحمه الله-: وإنما يجلد الحد في المسكر إذا
شربه، وإن لم يسكره، وذلك أنه إنما شربه ليسكره، فكذلك
تقطع يد السارق في السرقة التي أخذت منه، ولو لم ينتفع بها
ورجعت إلى صاحبها، وإنما سرقها حين سرقها ليذهب بها.
قال مالك -رحمه الله- في القوم يأتون إلى البيت فيسرقون
منه جميعاً، فيخرجون بالعدل يحملونه جميعاً، أو الصندوق أو
الخشبة أو بالمكتل، أو ما أشبه ذلك، مما يحمله القوم
جميعاً: إنهم إذا أخرجوا ذلك من حرزه وهم يحملونه جميعاً
فبلغ ثمن ما خرجوا به من ذلك ما يجب فيه القطع، وذلك ثلاثة
دراهم فصاعداً، فعليهم القطع جميعاً.
قال مالك -رحمه الله-: وإن خرج كل واحد منهم بمتاع على
حدته فمن خرج منهم بما تبلغ قيمته ثلاثة دراهم فصاعداً
فعليه القطع، ومن لم يخرج منهم بما تبلغ قيمته ثلاثة دراهم
فلا قطع عليه.
قال مالك -رحمه الله-: الأمر عندنا أنه إذا كانت دار رجل
مغلقة عليه، ليس معه فيها غيره فإنه لا يجب على من سرق
منها شيئاً القطع حتى يخرج به من الدار كلها، وذلك أن
الدار كلها هي حرزه، فإن كان معه في الدار ساكن غيره، وكان
كل إنسان منهم يغلق عليه بابه، وكانت حرزاً لهم جميعاً،
فمن سرق من بيوت تلك الدار شيئاً يجب فيه القطع فخرج به
إلى الدار، فقد أخرجه من حرزه إلى غير حرزه، ووجب عليه فيه
القطع.
(157/6)
قال مالك –رحمه الله-: والأمر عندنا في
العبد يسرق من متاع سيده أنه إن كان ليس من خدمه ولا ممن
يأمن على بيته، ثم دخل سراً فسرق من متاع سيده ما يجب فيه
القطع، فلا قطع عليه، وكذلك الأمة إذا سرقت من متاع سيدها
لا قطع عليها.
وقال في العبد لا يكون من خدمه ولا ممن يأمن على بيته فدخل
سراً فسرق من متاع امرأة سيده ما يجب فيه القطع إنه تقطع
يده.
قال: وكذلك أمة المرأة إذا كانت ليست بخادم لها، ولا
لزوجها، ولا ممن تأمن على بيتها فدخلت سراً فسرقت من متاع
سيدتها ما يجب فيه القطع فلا قطع عليها.
قال مالك -رحمه الله-: وكذلك أمة المرأة التي لا يكون من
خدمها ولا ممن تأمن على ...
لا تكون، لا تكون.
أحسن الله إليك.
تكون؟
تكون التي لا تكون.
وكذلك أمة المرأة التي لا تكون من خدمها ولا ممن تأمن على
بيتها فدخلت سراً، فسرقت من متاع زوج سيدتها ما يجب فيه
القطع أنها تقطع يدها.
قال مالك –رحمه الله-: وكذلك الرجل يسرق من متاع امرأته،
أو المرأة تسرق من متاع زوجها ما يجب فيه القطع، إن كان
الذي سرق كل واحد منهما من متاع صاحبه في بيت سوى البيت
الذي يغلقان عليهما، وكان في حرز سوى البيت الذي هما فيه،
فإن من سرق منهما من متاع صاحبه ما يجب فيه القطع فعليه
القطع فيه.
قال مالك –رحمه الله- في الصبي الصغير والأعجمي الذي لا
يفصح أنهما إذا سرقا من حرزهما أو غلقهما فعلى من سرقهما
القطع، وإن خرجا من حرزهما وغلقهما فليس على من سرقهما
قطع، قال: وإنما هو بمنزلة حريسة الجبل والثمر المعلق.
قال مالك -رحمه الله-: والأمر عندنا في الذي ينبش القبور
أنه إذا بلغ ما أخرج من القبر ما يجب فيه القطع فعليه فيه
القطع.
وقال مالك -رحمه الله-: وذلك أن القبر حرز لما فيه كما أن
البيوت حرز لما فيها، قال: ولا يجب عليه القطع حتى يخرج به
من القبر.
يقول المؤلف -رحمه الله-:
باب: جامع القطع
يعني الباب الذي يجمع مسائل متفرقة من مسائل القطع في
السرقة.
(157/7)
قال: "حدثني يحيى عن مالك عن عبد الرحمن بن
القاسم عن أبيه أن رجلاً من أهل اليمن أقطع اليد والرجل
قدم" كأنه سرق مرتين فقطعت يده اليمنى في المرة الأولى، ثم
رجله اليسرى في المرة الثانية "قدم المدينة من اليمن، فنزل
على أبي بكر الصديق" الخليفة "فشكا إليه أن عامل اليمن قد
ظلمه، فكان يصلي من الليل" ليغر الخليفة الراشد بتنسكه،
ويبرهن على ظلم من قطعه "فكان يصلي من الليل، فيقول أبو
بكر: وأبيك ما ليلك بليل سارق" يعني هذا عبد صالح يقوم من
الليل، كيف يتهم بسرقة؟ يعني الناس يحسنون الظن بالعابد
الذي يتعبد، يحسن الناس به الظن كثيراً، وهذا هو الأصل،
كما تقدم في كتاب الموطأ أن الإمام مالك -رحمه الله- خرج
لعبد الكريم بن أبي المخارق أبي أمية، وهو ضعيف، ومن شرطه
ألا يخرج إلا لثقة، فسئل، فقال: غرني بكثرة جلوسه في
المسجد.
لا شك أن الناس يغترون وينخدعون بمن ظاهره الصلاح، أو من
يزيد على غيره في هذا الصلاح، ولو ظاهراً، والسرائر إلى
الله -جل وعلا-، فلا شك أن التعامل إنما هو على الظاهر،
والسرائر موكولة إلى الله -جل وعلا-، هذا بالنسبة لغير
حقوق المخلوقين، يعني الأمور التي يكون فيها أكثر من طرف
لا يؤثر مثل هذا العمل على الحكم في هذه القضية، لا بد أن
تؤخذ بالعدل والمقدمات الشرعية، ثم تخرج النتائج شرعية،
أما الأمور التي ليس فيها أطراف فإنه يعمل فيها بالظاهر،
والأصل في المسلم العدالة، إذا لم يظهر منه علامات تدل على
فسقه، فإنه إنما يعمل بظاهره، وفي حقوق العباد يطلب فيها
التزكية، العدالة الباطنة، الخبرة الباطنة التي هي
التزكية، ولذا الرواة يُطلب من يزكيهم، الشهود يُطلب من
يزكيهم، لا بد، ولا يُكتفى بالظاهر إلا على قول من لا
يشترط مزيداً على الإسلام في الراوي، فهذا قول معروف عند
بعض أهل العلم.
(157/8)
على كل حال كان يصلي من الليل "فيقول أبو
بكر: وأبيك ما ليلك بليل سارق" هذا مشكل؛ لأن الذي يظهر أن
الواو واو قسم، وهو قسم بغير الله -جل وعلا-، وهذا شرك،
فهل يقال: إن الخليفة الراشد قصد به القسم؟ أو جرى على
لسانه هذا الكلام من غير إرادة كما يجاب بهذا عن بعض
الأحاديث التي جاء فيها القسم بغير الله؟ جاء ((أفلح وأبيه
إن صدق)) يقولون: هذا لا يقصد به التعظيم، وإنما هو شيء
يجري على اللسان دون قصد، بالنسبة للنصوص المرفوعة تُخرج
على أنها كانت قبل التحريم، أو كما جاء في صحيح مسلم:
((أفلح وأبيه إن صدق)) أن السهيلي قال: إنه وقف على نسخة
عتيقة من صحيح مسلم تصحفت فيها الكلمة، أصلها (والله)
فقصرت اللامان فأشبهت في الصورة وأبيه، وإلا أصلها (والله)
لكن هنا ماذا نقول: وأبيك؟ هل نقول: إنها أصلها والله ثم
تصحفت إلى أبيك؟ احتمال، ولا يظن بالخليفة الراشد أنه
يخالف ما جاء عن النبي -عليه الصلاة والسلام-، أو يقال: إن
أبا بكر .. ، يتصور أن أبا بكر -رضي الله عنه وأرضاه- ما
بلغه النهي؟ نعم؟ عمر -رضي الله عنه- أقسم بأبيه، فلما سمع
النهي كف، فهل نقول: إن أبا بكر ما بلغه النهي؟ احتمال؛
لأنه خفي عليه أشياء من النصوص، ما وجد عند غيره من صغار
الصحابة، ولا يشترط في الفاضل أن يكون أفضل من غيره من كل
وجه، أو أعلم من غيره في كل باب من أبواب الدين، هذا ما
يمكن، فاحتمال أن يكون ما بلغه النهي، احتمال أن تكون
مصحفة عن (والله) كما قال السهيلي في الحديث الآخر.
"ما ليلك بليل سارق" يعني الذي يصلي الليل هل يتصور منه
أنه يسرق؟ نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
ويش المانع؟ عندك أوجه منها؟ عندك أوجه منها؟ أو نقول:
يجوز القسم بغير الله؟
طالب:. . . . . . . . .
. . . . . . . . . اللي بعده، الصورة واحدة، ترى لو تأملت،
ما في نقط في وقتهم، في وقتهم ما في شيء اسمه نقط.
طالب:. . . . . . . . .
ويش تقول؟ مثل إيش؟
طالب:. . . . . . . . .
هذا تصحيف، الباء هذه بس لو رفعت اللام هذه، الباء والياء
لو رفعتا صارت والله.
طالب:. . . . . . . . .
إيه، لكن هذا إذا كان يعلم نعم فهو شرك، هذا شرك أمره عظيم
ما هو بسهل، من خير الأمة بعد نبيها.
(157/9)
طالب:. . . . . . . . .
نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
"يحيى عن مالك عن عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه أن رجلاً"
يعني القاسم بن محمد هل لقي أو لحق بجده؟ يعني أدرك جده؟
طالب:. . . . . . . . .
هذا ما في إشكال، الضعيف لا يتكلف اعتباره، لكن ويش سبب
الضعف؟
طالب:. . . . . . . . .
لا، هو ما فيه إلا إن كان القاسم بن محمد ما أدرك أبا بكر،
هو ما أدركه؟
طالب:. . . . . . . . .
إيه، إيه، أبوه محمد بن أبي بكر ولد عام حجة الوداع
بالمحرم، فإدراكه لأبيه محمد هذا نعم إدراكه لأبيه بعيد
يعني عمره سنتين، نعم، أو سنتين ونصف، ما يدرك، فضلاً عن
ابنه، وكون القاسم بن محمد يروي هذه القصة وهو لم يدركها
بصيغة (أن) أن رجلاً، هذا منقطع بلا شك؛ لأنه يذكر قصة لم
يدركها.
طالب:. . . . . . . . .
نعم هو تابعي بلا شك، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
معروف، معروف هذا، وقد يقولون: إننا لا نقصد التعظيم، هذه
حجتهم، والنسيان شيء يجري على ألسنتهم، ولذلك القول بأنه
شيء يجري على اللسان ضعيف، فما عندنا إلا أنه إن صح الخبر
ما بلغ أبا بكر، وإن صح النهي ما بلغ، وإلا مصحفة، ولا يظن
بخير الأمة بعد نبيها أنه يعرف النهي ويتعداه، وعلى كل حال
ما دام الخبر يرويه القاسم بن محمد، وهو لم يدرك جده،
بيقين لم يدرك جده، هو بيقين لم يدرك جده، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
قريبة ترى الشكل، الكاف قريبة، الكاف قريبة من الهاء؛ لأن
الهاء تكتب على صور كثيرة إذا كانت متطرفة، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
وين؟
طالب:. . . . . . . . .
لا هو بالنسبة لهذا الحديث ممكن، أما بالنسبة لحديث مسلم
والسهيلي إمام، وقد يقول: وقفت على نسخة عتيقة من صحيح
مسلم فيها: "وأبيه" انتهى الإشكال، يعني مجرد دعوى، لكن ما
دام وقف عليها ما هي بدعوة هذه حقيقة.
على كل حال القاسم بن محمد لم يدرك جده بيقين، فالخبر
منقطع، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
ويش هي؟
طالب:. . . . . . . . .
ما أظن، ما أظن، الواو. . . . . . . . . القسم.
(157/10)
"ما ليلك بليل سارق" يعني هذا الذي يقوم
الليل يتصور منه أن يسرق، والصلاة تنهى عن الفحشاء
والمنكر، وجيء إلى النبي -عليه الصلاة والسلام- فقيل له:
إن فلاناً يقوم الليل، ويفعل الفواحش بالنهار، قال: سينهاه
ما ذكرت، فقيام الليل لا شك أنه ينهى، والصلاة عموماًَ
تنهى عن الفحشاء والمنكر إذا أديت على الوجه الشرعي.
"ثم إنهم فقدوا عقداً لأسماء بنت عميس امرأة أبي بكر
الصديق" يعني القصة متصورة، يعني تصورها ممكن، يعني أن
السارق يلبس على الناس، وكذلك العاصي يلبس على الناس،
ويظهر نفسه مظهر البريء، فيقوم الليل، ويدعو على فعل من
هذه الجرائم "فجعل الرجل يطوف معهم ويقول" يطوف يبحث عن
هذا العقد، نعم، يبحث عنه، ولذلك الآن من حيل السراق الآن
أنه يسرق ثم يهرب، فإذا تبعه الناس اختلط بهم، وصار يبحث
عن السارق معهم، أمسكوه، امسكوه، وهو هو، فهذه من حيلهم.
يقول: "اللهم عليك بمن بيت أهل هذا البيت الصالح، فوجدوا
الحلي عند صائغ زعم أن الأقطع جاءه به، فاعترف به الأقطع
أو شهد عليه به فأمر به أبو بكر الصديق فقطعت يده اليسرى"
يعني اللفظ ويش فيه ما ينكر الآن؟ ما في إلا القسم بغير
الله -جل وعلا-، وإلا القصة يمكن أن تحصل، ولها نظائر "زعم
أن الأقطع جاء به، فاعترف به الأقطع أو شهد عليه به فأمر
به أبو بكر الصديق فقطعت يده" يعني دعوى الصائغ أن الذي
جاء به الأقطع تكفي وإلا ما تكفي؟ ما تكفي؛ لأنها قرينة،
إنما العبرة باعترافه، أو الشهادة عليه "فأمر به أبو بكر
الصديق فقطعت يده اليسرى، وقال أبو بكر الصديق: والله
لدعاؤه على نفسه أشد عندي عليه من سرقته" كيف يدعو على
نفسه؟! "اللهم عليك بمن بيت أهل هذا البيت الصالح" يعني
إذا كانت السرقة تفقده يده، فالدعوة قد تفقده نفسه.
"قال يحيى: قال مالك: الأمر عندنا في الذي يسرق مراراً"
نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
وين؟
طالب:. . . . . . . . .
إيه ما في وسيلة يتصرف فيه إلا بهذا، أنت تصور أنه لو دفنه
في مكانه إلى أن يقفل، ويرجع إلى بلده، ويبيعه هناك، أو
إلى وقت بحيث ينسى، تنسى فيه القصة، نعم، لكن من كان ديدنه
مثل هذا الأمر، ولو تصنع لا بد أن ينكشف، لا بد أن يفتضح.
(157/11)
"قال يحيى: قال مالك: الأمر عندنا في الذي
يسرق مراراً ثم يستعدى عليه إنه ليس عليه إلا أن تقطع يده
لجميع من سرق منه" يعني إذا سرق مراراً وما أقيم عليه الحد
في المرة الأولى والثانية والثالثة والعاشرة، في الحادية
عشرة، يقطع مرة وإلا مرار؟ مرة واحدة، الحدود تتداخل.
زنا مراراً وما قدر عليه إلا في المرة المائة مثلاً يحد
مرة واحدة.
"ثم يستعدى عليه إلا أن تقطع يده لجميع من سرق منه إذا لم
يكن أقيم عليه الحد" يعني لو أقيم عليه الحد قبل ذلك، ثم
سرق يقام عليه الحد مرة ثانية، يعني الحدود والكفارات كلها
تتداخل، إذا اتحدت أسبابها، ولم يحد من ارتكب الحد، أو
يكفر من ارتكب المخالفة التي تقتضي التكفير "إذا لم يكن
أقيم عليه الحد، فإن كان قد أقيم عليه الحد قبل ذلك ثم سرق
ما يجب فيه القطع قطع أيضاً" لأن التداخل إنما يكون إذا لم
يقم عليه الحد في المرة الأولى، أو لم يكفر الكفارة
المترتبة على ذنبه في المرة الأولى، أما إذا كفر في المرة
الأولى، أو أقيم عليه الحد في المرة الأولى فإنها حينئذٍ
لا تتداخل.
(157/12)
قال: "وحدثني عن مالك أن أبا الزناد أخبره
أن عاملاً لعمر بن عبد العزيز أخذ ناساً في حرابة" حدثني
عن مالك أن أبا الزناد أخبره أن عاملاً لعمر بن عبد العزيز
أخذ ناساً في حرابة، قطاع طريق، أخذهم "ولم يقتلوا أحداً"
قبل أن يتمكنوا من قتل أحد أخذوا "فأراد أن يقطع أيديهم أو
يقتل" أراد أن يقطع أو يقتل؛ لأن الآية آية الحرابة جاءت
بـ (أو) والخلاف في (أو) هذه هل هي للتخيير أو للتقسيم؟
فكونه تردد في معنى (أو) أراد أن يقطع أو يقتل، كتب إلى
عمر بن عبد العزيز لبراءة ذمته "في ذلك فكتب إليه عمر بن
عبد العزيز: لو أخذت بأيسر ذلك" يعني أيسر ما ذكر في
الآية، وهو إيش؟ النفي، النفي هؤلاء ما قتلوا أحداً، ولا
يدرى هل سرقوا المال أو ما سرقوا؟ المقصود أنهم لم يقتلوا
أحداً، فأراد أن يقطع أيديهم أو يقتل، تردد، فكتب إلى عمر
بن عبد العزيز في ذلك، فكتب إليه لو أخذت بأيسر ذلك، ما
دام ما قتلوا، ومثل هذا التصرف من هذا الخليفة الراشد
مناسب جداً لوقتهم؛ لأن الناس في وقته أمنوا على أنفسهم
وأعراضهم وأموالهم، ولم يذكر شيء مما يخل بالأمن؛ لإقامته
العدل بدقة، وبحزم بين الناس، فأمن الناس على أنفسهم
وأموالهم وأعراضهم، فما وجد مخالف في عهده -رحمه الله-،
فإذا أخذ الناس بأيسر الأمور في مثل هذا العصر هذا الأصل،
لكن لو كان الوضع يختلف كل يوم ممسوك مجموعة من الذين
يقطعون الطريق، ويحاربون الناس، ويتحصنون بالجبال والكهوف،
وما أشبه ذلك مثل هؤلاء الآية تحتمل؛ لأنها جاءت بـ (أو)
والاجتهاد بابه مفتوح، فلولي الأمر أن يستعمل الأشد في مثل
هذا، وتبعاً للاختلاف في معنى (أو) يختلف أهل العلم هل هي
للتقسيم؟ {إِنَّمَا جَزَاء الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللهَ
وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَادًا أَن
يُقَتَّلُواْ أَوْ يُصَلَّبُواْ أَوْ تُقَطَّعَ
أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُم مِّنْ خِلافٍ أَوْ يُنفَوْاْ
مِنَ الأَرْضِ} [(33) سورة المائدة] ويكون لكل حكم نظيره
مما يستحق هذا الحكم من فعل المحارب {أَن يُقَتَّلُواْ}
هذا إذا قتل ما في إشكال {أَوْ يُصَلَّبُواْ} إذا قتلوا
وسرقوا المال، وأخافوا الناس يصلبون، ومن لازم الصلب أن
يقتل بدون صلب، أو
(157/13)
يصلب بعد قتله أو قبله، وبعض أهل العلم أنه
يصلب قبل ثم يرمى بالسهام حتى يموت، فيقتل وهو مصلوب،
ومنهم من يقول: لا، يقتل ثم يصلب، {أَوْ تُقَطَّعَ
أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُم مِّنْ خِلافٍ} إذا سرقوا المال،
ولم يقتلوا أحداً تغلظ عليهم العقوبة نظراً لإخافتهم السبل
{أَوْ يُنفَوْاْ مِنَ الأَرْضِ} ويختلف أهل العلم في (أو)
هذه، وتبعاً للخلاف يختلف الحكم، فعندنا مثلاً في عند
الحنابلة في مختصر الخرقي يقول: "باب قطاع الطريق
والمحاربون هم الذين يعرضون للقوم بالسلاح في الصحراء
فيغصبونهم المال مجاهرة، فمن قتل منهم وأخذ المال قتل، وإن
عفا صاحب المال يعني قتل وصلب حتى يشتهر، ودفع إلى أهله،
يعني يقتل قتل وأخذ المال يقتل ويصلب، حتى يشتهر ويدفع إلى
أهله، ومن قتل منهم ولم يأخذ المال قتل ولم يصلب، ومن أخذ
المال ولم يقتل قطعت يده اليمنى، ثم رجله اليسرى في مقام
واحد، ثم حسما وخلي، ولا يقطع منهم إلا من أخذ ما يقطع
السارق بمثله، ونفيهم أن يشردوا، ولا يتركون يأوون في بلد،
فإن تابوا من قبل أن يُقدر عليهم سقطت عنهم حدود الله
تعالى، وأخذوا بحقوق الآدميين من الأنفس والجراح والأموال،
إلا أن يعفى لهم عنها.
الحافظ ابن كثير -رحمه الله- في الآية يقول: قوله:
{إِنَّمَا جَزَاء الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللهَ
وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَادًا أَن
يُقَتَّلُواْ أَوْ يُصَلَّبُواْ أَوْ تُقَطَّعَ
أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُم مِّنْ خِلافٍ أَوْ يُنفَوْاْ
مِنَ الأَرْضِ} [(33) سورة المائدة] الآية، المحاربة هي
المضادة والمخالفة، وهي صادقة على الكفر وعلى قطع الطريق،
وإخافة السبيل، وكذا الإفساد في الأرض يطلق على أنواع من
الشر، حتى قال كثير من السلف منهم سعيد بن المسيب: إن قبض
الدراهم والدنانير من الإفساد في الأرض، ما هو قبض هذا،
الظاهر أنه تزوير الدراهم والدنانير، أو قص الدراهم
والدنانير، يعني الأخذ منها؛ لأنها إنما بالوزن تكون، أو
قرض، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
كيف؟
طالب:. . . . . . . . .
كيف؟
طالب:. . . . . . . . .
(157/14)
لا، لا، الدراهم والدنانير عملات وزنها
معروف ذهب وفضة، الذي يقرضها بالمقراض ويقص منها هذا
تزوير، نعم.
قال: إن قبض الدراهم والدنانير من الإفساد في الأرض، الذي
يظهر أنها قرض، يعني قرضها بالمقراض، أو قصها والأخذ منها،
قال الله تعالى: {وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الأَرْضِ
لِيُفْسِدَ فِيِهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ
وَاللهُ لاَ يُحِبُّ الفَسَادَ} [(205) سورة البقرة] ثم
قال بعضهم: نزلت هذه الآية الكريمة في المشركين إلى أن
قال: والصحيح أن هذه الآية عامة في المشركين وغيرهم ممن
ارتكب هذه الصفات، كما رواه البخاري ومسلم من حديث أبي
قلابة واسمه عبد الله بن زيد الجرمي، ثم ذكر قصة العرنيين،
ثم قال: إنها نزلت فيهم الآية، ثم قد احتج بعموم هذه الآية
جمهور العلماء في ذهابهم إلى أن حكم المحاربة في الأمصار
وفي السبلان، يعني في السبل على السواء، يعني داخل الأمصار
وفي الطرق والصحاري، لقوله: {وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ
فَسَادًا} [(33) سورة المائدة] وهذا مذهب مالك والأوزاعي
والليث بن سعد والشافعي وأحمد بن حنبل، حتى قال مالك في
الذي يغتال الرجل فيخدعه حتى يدخله بيتاً فيقتله، ويأخذ ما
معه أن هذه محاربة، ودمه إلى السلطان لا إلى ولي المقتول،
ولا اعتبار بعفوه عنه في إسقاط القتل، وقال أبو حنيفة
وأصحابه: لا تكون المحاربة إلا في الطرقات، فأما في
الأمصار فلا؛ لأنه يلحقه الغوث إذا استغاث بخلاف الطريق
لبعده ممن يغيثه ويعينه.
قال ابن أبي طلحة عن ابن عباس في الآية: من شهر السلاح في
فئة الإسلام، وأخاف السبيل، ثم ظفر به وقدر عليه فإمام
المسلمين فيه بالخيار، إن شاء قتله، وإن شاء صلبه، وإن شاء
قطع يده ورجله، وهذا بناءً على أن (أو) للتخيير، وكذا قال
سعيد بن المسيب ومجاهد وعطاء والحسن البصري وإبراهيم
النخعي والضحاك، وروى ذلك كله أبو جعفر ابن جرير، وحكى
مثله عن مالك بن أنس، ومستند هذا القول أن ظاهر (أو)
للتخيير كما في نظائر ذلك من القرآن.
(157/15)
وبعد ذلك قال: وقال الجمهور: هذه الآية
منزلة على أحوال، الآن ذكر أنها للتخيير، ثم قال .. ، هذا
كلام ابن عباس وحكى مثله عن مالك، ثم قال: وقال الجمهور:
وهذه الآية منزلة على أحوال، كما قال أبو عبد الله الشافعي
عن ابن عباس في قطاع الطريق إذا قتلوا وأخذوا المال قتلوا
وصلبوا، وإذا قتلوا ولم يأخذوا المال قتلوا ولم يصلبوا،
وإذا أخذوا المال ولم يقتلوا قطعت أيديهم وأرجلهم من خلاف،
وإذا أخافوا السبيل ولم يأخذوا المال نفوا من الأرض.
ثم قال بعد ذلك في النفي: وقال آخرون: قال بعضهم ينفوا من
الأرض، قال بعضهم: هو أن يطلب حتى يقدر عليه فيقام عليه
الحد، أو يهرب من دار الإسلام، رواه ابن جرير عن ابن عباس
وأنس بن مالك ... إلى آخره، ثم قال: وقال آخرون أنه ينفى
من بلده إلى بلد آخر، يعني كما ينفى الزاني البكر، أو
يخرجه السلطان أو نائبه من معاملته بالكلية، وقال الشعبي:
ينفيه كما قال ابن هبيرة من عمله كله، يعني إلى إقليم آخر.
وقال عطاء الخراساني: ينفى من جند إلى جند سنين، ولا يخرج
من دار الإسلام؛ لأنه خطر عليه أن يرتد، وكذا قال سعيد بن
جبير وأبو الشعثاء والحسن والزهري والضحاك ومقاتل بن حيان
أنه ينفى ولا يخرج من أرض الإسلام، وقال آخرون: المراد
بالنفي ها هنا السجن، وهو قول أبي حنيفة وأصحابه، واختار
ابن جرير أن المراد بالنفي هنا أن يخرج من بلده إلى بلد
آخر فيسجن فيه، لا بد أن يسجن؛ لأنه لو ترك ما أمن على
تكرار هذه الجريمة.
"قال يحيى: وسمعت مالكاً يقول: الأمر عندنا في الذي يسرق
أمتعة الناس التي تكون موضوعة بالأسواق محرزة، قد أحرزها
أهلها في أوعيتهم، وضموا بعضها إلى بعض إنه من سرق من ذلك
شيئاً من حرزه، فبلغ قيمته ما يجب فيه القطع، فإن عليه
القطع كان صاحب المتاع عند متاعه أو لم يكن، ليلاً كان ذلك
أو نهاراً".
(157/16)
يعني عندهم أكياس، أصحاب العيش مثلاً
يحضرون هذا العيش في أكياس، وترص هذه الأكياس بعضها فوق
بعض في السوق، هؤلاء كأنهم أحرزوا أموالهم في هذه الأكياس،
فهل هذا حرز وإلا ليس بحرز؟ يقول: "الأمر عندنا في الذي
يسرق أمتعة الناس التي تكون موضوعة بالأسواق محرزة قد
أحرزها أهلها في أوعيتهم" يعني ليس في أماكن يغلق عليها،
إنما هي في الأوعية في أكياس "وضموا بعضها إلى بعض" يعني
رصوا هذه الأكياس بعضها إلى بعض "أنه من سرق من ذلك شيئاً
من حرزه فبلغ قيمته ما يجب فيه القطع فإن عليه القطع كان
صاحب المتاع عند متاعه أو لم يكن، ليلاً كان ذلك أو
نهاراً" يعني سواءً كان ذلك في الليل أو في النهار، يعني
على هذا أهل المحلات الذين يضعون أمتعتهم خارج محلاتهم لا
يلزمهم عسس، ولا يلزمهم حراس، ولا يلزمهم، هذه محرزة؛ لأن
بعض الناس يضيق محله ببضاعته ثم يرص بعض البضاعة بعضها على
بعض خارج الدكان، خارج المحل، يقول: هذا حرز، لكن الذي
يظهر -والله أعلم- أن مثل هذا ليس بحرز؛ لأنه متروك، يعني
لو جاء واحد بسيارته وأخذ له كيس من هذه الأكياس التي
مرمية ومركوم بعضها على بعض في السوق، يقال: أخذه من حرزه؟
لا هذا ليس بحرز.
"قال مالك في الذي يسرق ما يجب عليه فيه القطع، ثم يوجد
معه ما سرق فيرد إلى صاحبه إنه تقطع يده" يعني يرد إلى
صاحبه لأن هذا حق الآدمي، وأما القطع فإنه حق لله -جل
وعلا-، ما دام بلغ النصاب، وكان من حرزه.
"قال مالك: فإن قال قائل: كيف تقطع يده وقد أخذ المتاع
منه؟ " الآن المال أخذ منه كيف تقطع يده؟ قطع اليد في
مقابل إيش؟ في مقابل الجناية، وهي حق لله -جل وعلا-، وأما
المال إذا رد إلى صاحبه فانتهى حقه، يبقى أن حق الله -جل
وعلا- باق، ولا يجوز العفو عنه إذا وصل إلى السلطان.
"كيف تقطع يده وقد أخذ المتاع منه ودفع به إلى صاحبه؟ قال:
فإنما هو بمنزلة الشارب يوجد منه ريح الشراب المسكر وليس
به سكر فيجلد الحد" يعني إذا استنكه الإنسان الذي شرب
الخمر، فوجدت منه رائحة الخمر، ولو كان بعد إفاقته، ولو
كان ذلك بعد إفاقته، أو لم يسكر منه أصلاً لاعتياده على
ذلك، يقول: ما دام شرب فالحد مرتب على الشرب، فيحد.
(157/17)
قال: "وإنما يجلد الحد في المسكر إذا شربه
وإن لم يسكره" هو الأصل أن السكر والخمر ما يغطي العقل،
لكن قد يكون بعض الناس ممن اعتاد نسأل الله السلامة
والعافية الشرب، قد لا يغطي عقله ما يغطي عقول سائر الناس،
فإن هذا لا شك أنه يجلد الحد "وذلك أنه إنما شربه ليسكره،
فكذلك تقطع يد السارق في السرقة التي أخذت منه، ولو لم
ينتفع بها، ورجعت إلى صاحبها، وإنما سرقها حين سرقها ليذهب
بها" لينتفع بها، وإن أخذت منه فإن هذا على خلاف مقصوده
ومراده، ولو كان مقصوده أن يأخذها ويعيدها إلى صاحبها ما
صارت سرقة.
طالب:. . . . . . . . .
نعم إذا وجدت الإخافة فهي حرابة، فإن صحبها قتل أو سرقة
صار حرابة تامة، وإن وجد الإخافة فقط ولم توجد السرقة ولا
القتل هذه حرابة، وإن كانت ناقصة.
طالب:. . . . . . . . .
من ليش؟
طالب:. . . . . . . . .
هذه نهبة، ولا ينتهب نهبة وهو مؤمن، هذه نهبة، يعني السرقة
علانية نهبة، بعض الناس يدخل في المحلات فيسرق بفمه، يدخل
محل مكسرات ويأكل ما قيمته نصابين أو ثلاثة، ويمر هذا كأنه
يجربه، فإذا شبع خرج، هذه ليست بسرقة، لكنه يغرم، ويعز
أيضاً، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
ما قلنا: حرز هذه، هذه نهبة، يعني يعزر عليها.
المسألة التي يختلف فيها أهل العلم: جحد العارية التي جاء
فيها الحديث الصحيح، جحد العارية، يستعير المتاع ثم يجحده،
لا شك أن بالنسبة لحد أو تعريف السرقة ينطبق عليه وإلا ما
ينطبق؟ هل أخذ المال خفية؟ ما أخذه خفية، لكنه بحيث يصعب
على صاحب العارية المعير إقامة بينة على دعواه، ومن باب
ردع من يفعل مثل هذا قطع النبي -عليه الصلاة والسلام-
يدها.
(157/18)
"قال مالك في القوم يأتون إلى البيت
فيسرقون منه جميعاً" يدخل مجموعة خمسة ستة عشرة فيسرقون
شيئاً لا يستطيع حمله الشخص الواحد، يشتركون في حمله
"فيخرجون بالعدل يحملونه جميعاً" العدل الكيس الكبير الذي
فيه المتاع أو الطعام "أو الصندوق أو الخشبة أو بالمكتل أو
ما أشبه ذلك مما يحمله القوم جميعاً" يعني لا يستطيع
الواحد أو الاثنين، وإنما يحمله مجموعة "مما يحمله القوم
جميعاً: إنهم إذا أخرجوا ذلك من حرزه وهم يحملونه جميعاً،
فبلغ ثمن ما خرجوا به من ذلك ما يجب فيه القطع، وذلك ثلاثة
دراهم فصاعداً، فعليهم القطع جميعاً" لا يقال: إن قيمته
تقسم عليهم، فإذا بلغ نصيب كل واحد منهم نصاب يقطعون وإلا
فلا، لا، لكن لو كانت أمور مفرقة، ودخلوا جميعاً، وهذا سرق
جوال، وهذا سرق قلم، وهذا سرق كذا، وهذا كذا، ينظر فيما
سرقوا كل على حدة، لكن لو حملوها جميعاً، هذه الأمور التي
سرقت مجموعة في إناء واحد، في زنبيل واحد، واجتمعوا عليه
فحملوه واشتركوا فيه، يقطعون كلهم، لكن لو دخل العشرة وهذا
سرق قلم، وهذا سرق مسطرة، وهذا سرق جوال، وهذا سرق شيء،
ينظر فيما سرقوا، فكل واحد على حدة، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
لا، لا، الكلام في أخذها من حرزها، يعني لو سرقوا كل واحد
سرق قلم، وقيمة كل قلم درهم، ثم في النهاية لما أخرجوها من
الحرز قالوا: كل ها الأقلام لك يا فلان، يقطع؟ لا ما يقطع،
لكن لو كانت هذه الأقلام محزومة بحبل، ومحرزة في مكان،
وأخرجها واحد منهم عليه القطع.
هناك الأماكن العامة مثل المسجد مثلاً، لو جاء واحد وأخذ
الأجهزة في المسجد، وأقيامها عالية، يقطع وإلا ما يقطع؟
يعني سرق من بيت المال مثلاً؟
طالب:. . . . . . . . .
في شبهة، المسجد حرز وإلا ما هو بحرز؟
طالب:. . . . . . . . .
ومالكه شخص وإلا مآله إلى بيت المال؟ وغرمه على بيت المال؟
طالب:. . . . . . . . .
(157/19)
لكن غرمه على بيت المال، ومآله لو استغني
عنه يرجع إلى بيت المال، فهل يأخذ حكم بيت المال، ويقال:
له فيه شبهة وإلا لا؟ هو ما في شك أن القول بعدم القطع
معروف عند أهل العلم، سواءً كان من بيت المال أو من المسجد
أو الأماكن العامة من المدارس ونحوها، لكن من أهل العلم من
يجري القطع في مثل هذا من باب التعزير.
طالب: المراقب يا شيخ اللي يراقب للمجموعة يقطع معهم؟
إيش يراقب؟
طالب:. . . . . . . . .
وهو برع.
ينظر لهم.
طالب:. . . . . . . . .
لا، هذا يعزر؛ لأنه ما أخرج مال من حرزه، يعزر، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
التعزير بالقطع؟
طالب:. . . . . . . . .
ما يظهر، ما يظهر؛ لأنه لا يكون هناك فرق بين الحد
والتعزير في مثل هذا.
قال: "وإن خرج كل واحد منهم بمتاع على حدته فمن خرج منهم
بما تبلغ قيمته ثلاثة دراهم فصاعداً فعليه القطع" يعني سرق
قلم قيمته درهم هذا لا يقطع، لكن من سرق متاع قيمته ثلاثة
دراهم فأكثر مثل هذا يقطع، "ومن لم يخرج منهم بما تبلغ
قيمته ثلاثة دراهم فلا قطع عليه".
"قال يحيى: قال مالك: الأمر عندنا أنه إذا كانت دار رجل
مغلقة عليه" نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
وين؟
طالب:. . . . . . . . .
كل واحد سرق، إذا سرقوا مجموع كلهم مشتركون في هذا المجموع
الذي أكثر من نصاب، لكن واحد دخل وأخذ قلم ومشى، هذا ما
أخذ نصاب، سرقته مستقلة عن غيره.
طالب:. . . . . . . . .
ولو كان، ولو كان، ما دام ما سرق ما يبلغ النصاب لا قطع.
طالب:. . . . . . . . .
لا، لا، ما هم شركاء، حتى لو كانوا شركاء، لكن كل واحد
منهم سرق ما تبلغ قيمته نصاب هذا يقطع، واللي ما تبلغ
قيمته .. ، إلا على قول الظاهرية الذين لا يشترطون النصاب.
طالب:. . . . . . . . .
. . . . . . . . . ما عندهم إلا أقلام، بدرهم أمرها سهل.
طالب:. . . . . . . . .
هاه؟
طالب:. . . . . . . . .
يا رجال الله المستعان، الأمور الصريحة لو نفذت كفت، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
كيف؟
طالب:. . . . . . . . .
إي من أهل العلم من يقول: إنه يعزر، يشدد عليه في الحكم
ويقطع.
طالب:. . . . . . . . .
(157/20)
على كل حال مثل هذا أصل الخلاف موجود بين
أهل العلم، مال محرز يبلغ النصاب، ويش المانع من القطع
فيه؟ بغض النظر عن مالكه.
طالب:. . . . . . . . .
لا صفوان لو كان صاحي قلنا هذه نهبة، لكن نائم صفوان،
تختلف النهبة عن السرقة، وهذا ما هو بيأخذ خفية، الذي أخذ
الرداء خفية خشية أن ينتبه صاحبه.
"قال يحيى: قال مالك: الأمر عندنا أنه إذا كانت دار رجل
مغلقة عليه ليس معه فيها غيره فإنه لا يجب على من سرق منها
شيئاً القطع حتى يخرج به من الدار كلها" يعني لو طلع
المسروق من الغرفة إلى الصالة، أو من الصالة إلى الحوش يجب
قطع وإلا ما يجب قطع؟ ما يجب قطع حتى يخرجها من البيت، لما
وصل الحوش مُسك ما بعد طلع، هذا فيه قطع وإلا ما فيه؟ ما
في قطع، هذا إذا كان مستقلاً بالبيت، أما إذا كان البيت
مسكون من قبل مجموعة، كل شخص بغرفة، فأخرجه من الغرفة خلاص
يقطع، ولذا يقول: "فإنه لا يجب على من سرق منها شيئاً
القطع حتى يخرج به من الدار كلها، وذلك أن الدار كلها هي
حرزه، فإن كان معه في الدار ساكن غيره، وكان كل إنسان منهم
يغلق عليه بابه، وكانت حرزاً لهم جميعاً، فمن سرق من بيوت
تلك الدار" يعني من الغرف "من بيوت تلك الدار شيئاً يجب
فيه القطع، فخرج به إلى الدار" يعني من هذه الغرف "فقد
أخرجه من حرزه إلى غير حرزه، ووجب عليه فيه القطع" لأن
الصالة ما تصير حرز إذا كانت الغرف مشتركة، والحوش ما يصير
حرز إذا كانت الغرف مشتركة.
قال مالك –رحمه الله-: "والأمر عندنا في العبد يسرق من
متاع سيده أنه إن كان ليس من خدمه ولا ممن يأمن على بيته،
ثم دخل سراً فسرق من متاع سيده ما يجب فيه القطع فلا قطع
عليه" يعني هذا عبد لزيد من الناس وجعله يخدم فلان
بالأجرة، فدخل بيت سيده في يوم من الأيام وسرق، وهذا لا
يأمنه على بيته، "وليس ممن يخدمه، ثم دخل سراً فسرق من
متاع سيده ما يجب فيه القطع فلا قطع عليه، وكذلك الأمة إذا
سرقت من متاع سيدها لا قطع عليها" ويش الفرق بين كونه ممن
يأمنه ومن لا يأمنه؟ كونه يخدمه أو لا يخدمه؟
(157/21)
وقال في العبد: "لا يكون من خدمه ولا ممن
يأمن على بيته فدخل سراً فسرق من متاع امرأة سيده ما يجب
فيه القطع إنه تقطع يده" يعني الفرق هنا بين كونه مال
السيد أو مال زوجة السيد، إن سرق من مال سيده فلا قطع
عليه، وإن سرق من مال زوجة سيده قطع.
قال: "وكذلك أمة المرأة إذا كانت ليست بخادم لها ولا
لزوجها ولا ممن تأمن على بيتها فدخلت سراً، فسرقت من متاع
سيدتها ما يجب فيه القطع فلا قطع عليها" ويش الفرق بين
كونها مما يؤمن وممن لا يؤمن؟
طالب:. . . . . . . . .
الذي يؤمن لا يحذر منه، الذي يؤمن لا يحذر منه، نعم والذي
لا يؤمن يحذر منه، ويحترز منه.
"قال مالك: وكذلك أمة المرأة التي لا تكون من خدمها، ولا
ممن تأمن على بيتها، فدخلت سراً فسرقت من متاع زوج سيدتها
ما يجب فيه القطع أنها تقطع يدها" مثل المسألة السابقة.
"قال مالك: وكذلك الرجل يسرق من متاع امرأته أو المرأة
تسرق من متاع زوجها ما يجب فيه القطع إن كان الذي سرق كل
واحد منهما من متاع صاحبه في بيت سوى البيت الذي يغلقان
عليهما" يعني بيت خاص بالزوجة، وبيت خاص بالزوج، سرقت
الزوجة من البيت الخاص، أو الزوج من البيت الخاص لزوجته،
هذا له حكم، أما إذا سرق أحدهما من البيت المشترك بينهما
له حكم "إن كان الذي سرق كل واحد منهما من متاع صاحبه في
بيت سوى البيت الذي يغلقان عليهما، وكان في حرز سوى البيت
الذي هما فيه فإن من سرق منهما من متاع صاحبه ما يجب فيه
القطع فعليه القطع فيه" يعني ولو كانت زوجته، ولو كان
زوجها، لو كان المال لولده، أو سرق الولد من مال أبيه يقطع
وإلا ما يقطع؟ لا قطع، لماذا؟ لأن الولد وما يملك لأبيه،
والولد له شبهة في مال أبيه.
"قال مالك في الصبي الصغير والأعجمي الذي لا يفصحان أنهما
إذا سرقا من حرزهما أو غلقهما فعلى من سرقهما القطع" يعني
دخل بيت تسور بيت فأخذ صبي لا يتكلم، أو أعجمي لا يدرى ما
يقول، حيث لو وقف أمام التفتيش ما يدري كيف يخبرهم أنه
مسروق وإلا شيء، أو حتى رأى شخص من الناس ما يستطيع أن
يفهمه.
(157/22)
"إذا سرقا من حرزهما أو غلقهما فعلى من
سرقهما القطع" في الصبي الصغير والأعجمي، يعني من العبيد
أو من الأحرار؟ لأن السرقة خاصة بالأموال "وإن خرجا من
حرزهما وغلقهما" الباب مفتوح، وخرج هذا الصبي الصغير الذي
لا يتكلم أو لا ينطق بالعربية "فليس على من سرقهما قطع"
لأنه ما دام خرجا من باب البيت فليس بحرز.
"قال: وإنما هما بمنزلة حريسة الجبل والثمر المعلق" هذا
ليس من حرزه، وقد تقدم الكلام في حريسة الجبل، وهي التي
يأويها الليل إلى جبل تتحصن فيه، هو ليس بحرز، وكذلك الثمر
المعلق الذي ليس عليه سور.
"قال مالك: والأمر عندنا في الذي ينبش القبور أنه إذا بلغ
ما أخرج من القبر ما يجب فيه القطع فعليه فيه القطع" وهذا
يوجد في بعض الأزمان، وفي بعض الأماكن من ينبش القبور
ليسرق الأكفان، حتى أن منهم من يفتي بأن الأكفان تخرق؛
لتفسد على السراق، إذا خرقت ولوثت ما يسرقها السارق، ما
ينتفع بها، من أجل أن ... ، هذا موجود بكثرة في بعض العصور
وفي بعض البلدان، ويذكر هذا أيضاً في كتب الأدب والتواريخ،
نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
إذا سرق الميت وباعه لأهل الطب من أجل إيش؟ أن يشرح، يتمرن
عليه، هل يختلف فيما إذا كان حراً أو عبداً؟ لا يختلف،
الحكم لا يختلف، وهل يختلف فيما إذا كان مسلماً أو غير
مسلم؟ لا شك أن الأمر يختلف، يعني جيفة كافر مثل مسلم ميت
محترم؟ لا شك أن مثل هذا بالنسبة للقطع غير متجه؛ لأنه حر
لا يجوز بيعه، لكن فيه التعزير، التعزير الشديد.
"أنه إذا بلغ ما أخرج من القبر ما يجب فيه القطع فعليه فيه
القطع".
"قال مالك: وذلك أن القبر حرز لما فيه، كما أن البيوت حرز
لما فيها، قال: ولا يجب عليه القطع حتى يخرج به من القبر"
يعني لو قبض عليه وهو متلبس بهذه السرقة قبل أن يخرج من
القبر، كما لو قبض عليه وهو متلبس بالسرقة قبل أن يخرج من
البيت.
اللهم صل وسلم على عبدك ورسولك محمد وعلى آله وصحبه
أجمعين.
(157/23)
بسم الله الرحمن الرحيم
شرح: الموطأ - كتاب الحدود (5)
الشيخ: عبد الكريم بن عبد الله الخضير
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
سم.
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا
محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
اللهم اغفر لشيخنا والحاضرين والسامعين برحمتك يا أرحم
الراحمين.
قال المؤلف -رحمه الله تعالى-:
باب: ما ينهى أن ينبذ فيه
حدثني يحيى عن مالك عن نافع عن عبد الله بن عمر أن رسول
الله -صلى الله عليه وسلم- خطب الناس في بعض مغازيه، قال
عبد الله بن عمر: فأقبلت نحوه فانصرف قبل أن أبلغه، فسألت:
ماذا قال؟ فقيل لي: نهى أن ينبذ في الدباء والمزفت.
وحدثني مالك عن العلاء بن عبد الرحمن بن يعقوب عن أبيه عن
أبي هريرة أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- نهى أن ينبذ
في الدباء والمزفت.
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده
ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
قال -رحمه الله تعالى-:
باب: ما ينهى أن ينبذ فيه
يعني ما ينهى أن يبنذ فيه من الأوعية، جاء النهي عن النبيذ
في الدباء والمزفت والمقير والحنتم، وغير ذلك من الأواني
الصلبة التي لا تدل على تغير ما فيها، بخلاف الأسقية فإنه
إذا تغير ما فيها فإنها تنتفخ، أما الأوعية الصلبة لا
تتأثر إذا تغير ما في جوفها، فنهي عن الانتباذ فيها، ثم
بعد ذلك نسخ النهي، وجاز الانتباذ في كل وعاء، وصار المرد
في ذلك إلى الاشتداد إذا اشتد وغلى، وقذف بالزبد، ولو لم
يصل إلى حد الإسكار هذا يسمى نبيذ، لكنه ليس فيه الحد الذي
في الخمر ومحرم عند الجمهور؛ لأنه يغلب على الظن أنه يسكر،
لغلبة الظن أنه يسكر، ويجيزه الحنفية ما لم يصل إلى حد
الإسكار.
(158/1)
يقول: "حدثني يحيى عن مالك عن نافع عن عبد
الله بن عمر أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- خطب الناس
في بعض مغازيه، قال عبد الله بن عمر: فأقبلت نحوه" يعني
دنوت منه، ووجهت وجهي صوبه، "فانصرف قبل أن أبلغه" انصرف
قبل أن يصل إليه "فسألت ماذا قال؟ " يسأل ماذا قال؟ لأنه
لم يسمع، كان بعيداً عنه، فلما اقبل إليه ووصل إليه انصرف
النبي -عليه الصلاة والسلام- وانتهى من خطبته "فسالت ماذا
قال؟ " والسبب في ذلك البعد؛ لأنه لا يسمع ما قال، وهذا
أمر طبيعي أن البعيد لا يسمع الكلام، وإلا لو كان قريباً
ويسمع ثم يسأل ماذا قال؟ هذه صفة المنافقين {مَاذَا قَالَ
آنِفًا} [(16) سورة محمد] ومن نعم الله -جل وعلا- أنهم لا
يحفظون ما يسمعون؛ لأن الله طبع على قلوبهم، ولهذا بعض
المغرضين، وبعض من في قلوبهم مرض، يقولون: كيف نفرق بين
المنافق وغيره؟ كلهم هؤلاء الذين يروون الأحاديث كلهم
سمعوا النبي -عليه الصلاة والسلام-، فما الذي يدرينا أن
هذا منافق وهذا غير منافق؟ لا سيما في الصحابة المقلين،
الذين لا يعرفون، في الأعراب منهم، نعم المنافقون لا يثبت
في أذهانهم شيء مما يقوله النبي -عليه الصلاة والسلام-،
ويسمعون ويحضرون ثم يقولون: {مَاذَا قَالَ آنِفًا} [(16)
سورة محمد] لأن الله طبع على قلوبهم، وعلى هذا فلا .. ، لا
يوجد أدنى شك في النصوص التي تنقل لنا ممن سمع النبي -عليه
الصلاة والسلام- أنه صحابي، وأنه على الجادة، وأنه عدل؛
لأن بعض الناس مثلما ذكرنا يقول: ما الفرق بين أن يروي هذا
ويروي هذا؟ وفي الصحابة من يجالسهم حضراً وسفراً، ويحضر
مجامعهم وهو منافق، فلماذا لا يكون بعض هذه النصوص نقلت عن
طريق بعض المنافقين؟ نقول: أبداً، المنافق لا يمكن أن
يستقر في قلبه شيء من الحديث، أو مما يقوله النبي -عليه
الصلاة والسلام-.
(158/2)
"فأقبلت نحوه، فانصرف قبل أن أبلغه، فسألت
ماذا قال؟ فقيل لي: نهى أن ينبذ في الدباء والمزفت" الدباء
القرع كما هو معروف، والمزفت المطلي بالزفت، في بعض
الألفاظ المقير، يعني المطلي بالقار، وذكرنا في البداية
أنها إنما نهي عنها؛ لأنها أوانٍ صلبة، لا يتغير وضعها إذا
تغير ما في جوفها، بخلاف الأسقية من الأدم فإنها تنتفخ إذا
تغير ما فيها، وذكرنا سابقاً أيضاً أن النهي عن الانتباذ
بهذه الأوعية نسخ، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
كيف؟
طالب:. . . . . . . . .
عندهم، عندهم، الزفت والقار موجود.
طالب:. . . . . . . . .
الله أعلم عاد يمكن عندهم شيء من البترول يمكن أنه يطفح
على الأرض، يمكن ما هو بعيد.
طالب:. . . . . . . . .
ما في فرق الدباء هو القرع، ويقال له أيضاً: اليقطين، إلا
أنه أنواع، يعني بعضهم يطلق الدباء على .. ، القرعة مثلاً
يسميها المصري ...
طالب:. . . . . . . . .
لا، اليقطين هذا اللي نسميه النجد، تعرف النجد الطويل هذا،
في شيء طويل، وفي شيء عريض، في شيء قشره رخو، وفي شيء قشره
صلب، معروفة أنواعه.
طالب: اليقطين هو الدباء اللي يكون مجوف ما يبقى فيه شيء
...
هذا إذا جوف صار كذا.
طالب: لكن القرع ما يجوف.
لا، ممكن يجوف، ويش المانع؟
طالب:. . . . . . . . .
لا، لا إذا أخذ ما في جوفه صار مجوف.
طالب:. . . . . . . . .
على كل حال إذا فرقتم وإلا الشراح كلهم يقولون: الدباء هو
القرع، وقد يقال له: اليقطين في بعض الأقطار.
طالب:. . . . . . . . .
أعرف أن القرع هذا الذي عندنا ينقسم إلى قسمين: قرع نسميه
مصري، وقرع نجدي، المصري جوفه وشحمه أصفر، وذاك شحمه أبيض،
معروف هذا، فرق بينها، كله قرع، كله نسميه قرع، في أيضاً
قرع يأتي من الشرق، من المشرق، من الفلبين، ومن تلك
الجهات، هذا كله قرع، يعني فصيلة واحد، وإن اختلفت
الأنواع، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
إيش لون؟
طالب:. . . . . . . . .
(158/3)
قلنا: إنها أوعية صلبة ما يدرى هل تغير
اللي فيها وإلا ما تغير؟ ما هو بالقرع إذا أخذ ما في جوفه
صار مثل الخشب، أو أصلب من الخشب؟ ما يتغير اللي بوسطه
وأنت ما تدري، يمكن يسكر وأنت ما تدري، لكن الوعاء من
الأدم الأسقية إذا تغيرت في جوفه انتفخت؛ لأنها لينة.
قال: "وحدثني عن مالك عن العلاء بن عبد الرحمن بن يعقوب عن
أبيه عن أبي هريرة أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- نهى
أن ينبذ في الدباء والمزفت" على ما تقدم، والسبب في ذلك
مثلما قلنا: إنها أواني صلبة، لا يستدل بها على تغير ما في
جوفها، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
إلى التغير قبل الإسكار، التغير هذا يمنع عند الجمهور
خلافاً للحنفية، أما الإسكار فهو مجمع عليه، والسبب في
النهي عن المتغير قبل مرحلة الإسكار، نعم إذا غلا وقذف
بالزبد وتغير هذا لا شك أنه مظنة للإسكار، فالجمهور
يمنعونه لأنه مظنة، وضعوا المظنة موضع المئنة، كما يقول
أهل العلم، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
هذا بالنسبة للجائز، هذا النبي -عليه الصلاة والسلام-
ينتبذ له، الرسول -عليه الصلاة والسلام- ينتبذ له، فإذا
كان يوم واحد ما يتغير، لكن إذا جلس يومين ثلاث يتغير بلا
شك.
طالب:. . . . . . . . .
يعني ما غلا ولا قذف؟ لأن هذا يختلف باختلاف الظروف،
الشتاء يختلف عن الصيف، الشمس تختلف عن الظل وهكذا، فإذا
تغير هذا لا إشكال فيه أنه لا يجوز عند الجمهور خلافاً
للحنفية، لكن الثلاثة الأيام، وما زاد على اليوم أكثر من
يوم ثاني، يومين أو ثلاثة لا شك أنه مظنة للتغير، فالإنسان
لا يجرب، يقول: والله با أذوقه هو يسكر وإلا ما يسكر؟ ما
يصلح هذا؛ لأنك بين أمرين، بين محرم وبين الذي أقل أحواله
الشبهة، الشبهة القوية، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
ويش فيه؟
طالب:. . . . . . . . .
ويش هي السوبيا؟ هذا على طريقة اللي يصنعونها الآن
بالحوافظ والأواني المحكمة وإلا على طريقة .. ؟ نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
يتغير؟
طالب:. . . . . . . . .
لأكثر من يوم؟
طالب: يتغير يا شيخ.
(158/4)
هذا العنب، أما ما يعتصر من العنب فهذا
مجمع عليه بين الحنفية وغيرهم، ويفارقون الجمهور فيما عدا
العنب، وإذا كان أمره قريب أقل من يوم هذا ما يتغير إلا
إذا وضع عليه مواد ثانية فتغيره، فهو في الغالب ما ما
يتغير، ولذلك ينبذ للنبي -عليه الصلاة والسلام-، لكن أكثر
من ذلك مظنة للتغير فيمنع؛ لأنه مظنة للإسكار، نعم.
أحسن الله إليك.
باب: ما يكره أن ينبذ جميعاً
وحدثني يحيى عن مالك عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار أن
رسول الله -صلى الله عليه وسلم- نهى أن ينبذ البسر والرطب
جميعاً، والتمر والزبيب جميعاً.
وحدثني عن مالك عن الثقة عنده عن بكير بن عبد الله بن
الأشج عن عبد الرحمن بن الحباب الأنصاري عن أبي قتادة
الأنصاري -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه
وسلم- نهى أن يشرب التمر والزبيب جميعاً، والزهو والرطب
جميعاً.
قال مالك -رحمه الله-: وهو الأمر الذي لم يزل عليه أهل
العلم ببلدنا أنه يكره ذلك لنهي رسول الله -صلى الله عليه
وسلم- عنه.
يقول -رحمه الله تعالى-:
باب: ما يكره أن ينبذ جميعاً
يعني الخليط، يعني يخلط بين مادتين، تمر وعنب، بسر وزبيب،
نعم، أو مثل ما قال: التمر والزبيب والزهو والرطب جميعاً،
هذه يتفاعل بعضها مع بعض، فيسرع إليها التغير، هذه إذا
خلطت من أكثر من نوع تتفاعل بعضها مع بعض، ثم بعد ذلك يسرع
إليها التغير.
قال: "حدثني يحيى عن مالك عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار
أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- نهى أن ينبذ البسر
والرطب جميعاً" البسر: معروف، قبل أن يصير تمراً، البسر
والرطب، الرطب: اللين من التمر، جميعاً.
والتمر الجاف، مع الزبيب، وهو العنب إذا جف، ينبذ البسر
والرطب، بمعنى أنه يخلطا جميعاً فينبذان، ينقعان بالماء،
فلا شك أن التغير يسرع أكثر إلى النوعين منه إلى النوع
الواحد، والتمر والزبيب جميعاً؛ لما يخشى من تفاعل النوعين
مع بعض، فيتغير ثم يسكر وهو لا يشعر.
(158/5)
"وحدثني عن مالك عن الثقة عنده عن بكير بن
عبد الله بن الأشج" بعض الناس لا يهتم بهذا الأمر، إما رقة
في دينه، أو شحاً بماله، بعض الناس يتغير عنده المأكولات،
وقد تصل إلى حد الإسكار فيأكل منها لرقة في دينه، أو شح
بماله ما يلقيها ويرميها خشية أن يضطر لشراء غيرها، ولا شك
أن الدين هو رأس المال، إذا اشتبهت بشيء فارمه، لا تعرض
دينك للخلل لتوفير مالك، وبعض الناس تجد عنده التمر الذي
يصل، قد يصل إلى حد الإسكار تجده منذ أيام جالس، وأحياناً
بعض الناس ما يحسن صنع التمر، كنز التمر، يكثر عليه الماء،
ثم بعد ذلك يكون ليناً، ليناً زائداً، ثم يعرضه لأمر يجعله
يتغير بسرعة، حتى التمر الرطب إذا جاءه شيء من الماء، وطال
به الوقت يتغير ولا يستساغ، ما أدري كيف يستسيغون هذه
الأنبذة وهذه الأشربة المتغيرة؟ إذا تغير طعم التمر عن حد
الاعتدال لا يستساغ، فكيف يعمد الإنسان إلى هذه الأشياء،
وينتبذها ويطيل بقاءها حتى تتغير وتزبد؟! يعني من يقدم على
شرب شيء مزبد من التغير، والله المستعان، لكن {أَفَمَن
زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَنًا} [(8) سورة
فاطر] نعم الانتباذ ليوم أو ليلة وما أشبة ذلك، وضع التمر
في الماء أو الزبيب في الماء ليكون الماء حلواً، والتمر
إذا كانت فيه شيء من القساوة يلين، أو الزبيب أو شيء من
هذا لا بأس، وقد كان يصنع للنبي -عليه الصلاة والسلام- مثل
هذا، لكن الإشكال فيما إذا تغير، أنا ما أدري كيف يستسيغ
الإنسان يأكل شيء متغير؟ يعني هو فاسد في الحقيقة، إذا خرج
عن حد الاعتدال فسد، يعني إذا كان هذا النوع من الناس
اللحم إذا أنتن يأكل وإلا ما يأكل؟ ما يأكله، فكيف يقدم
على مثل هذا فيشربه ويأكله؟ مع أن اللحم إذا أنتن جاء فيه،
نعم؟ ((كله ما لم ينتن)) وأضيف النبي -عليه الصلاة
والسلام- على خبز شعير، وإهالة سنخة، يعني متغيرة، منتنة
قليلاً، فالمنهي عنه من المنتن الذي يضر بالصحة، فإذا كان
النتن شيئاً يسيراً لا يضر بالصحة فإن هذا لا يمنع منه،
فالنبي -عليه الصلاة والسلام- أكل من الإهالة السنخة.
طالب:. . . . . . . . .
ويش هو؟
طالب:. . . . . . . . .
علشان؟
طالب:. . . . . . . . .
الدمياطي وإلا ...
(158/6)
طالب:. . . . . . . . .
.... له ذوق عندهم، له طعم عندهم، الناس يتفاوتون، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
ويش ميزته هذا؟
طالب:. . . . . . . . .
التعتيق معروف من القدم، أبو نصر الفارابي جاور وطلق
الدنيا، وجاور في الحرم، في المسجد الحرام، وهو يقوم
الليل، ويصوم النهار، ويفطر على أفئدة الحملان، والخمر
المعتق، نسأل الله العافية، نسأل الله السلامة والعافية.
"وحدثني عن مالك عن الثقة عنده عن بكير بن عبد الله بن
الأشج" من المراد بالثقة؟ نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
لا، ابن الأعجم متقدم، متقدم عن هذا.
طالب:. . . . . . . . .
على كل حال يختلفون فيه، لكن إذا قال: عن بكير فالغالب على
الظن أنه ابن لهيعة "عن الثقة عنده" مالك من أهل التحري في
... ، والتشديد في نقد الرواة، فهل يكفي التوثيق مع
الإبهام أو لا يكفي؟ هو ما سماه، نعم؟ ما يكفي.
ومبهم التعديل ليس يكتفي ... به الخطيب والفقيه الصيرفي
التعديل على الإبهام لا يكفي، بل لا بد أن يذكر اسمه، لا
بد أن يسميه؛ لأنه قد يكون عنده ثقة، لكنه عند غيره ضعيف،
فلا يقبل الإبهام ولو صرح بأنه ثقة، ولو قال: إن جميع
أشياخه ثقات، ما يكفي؛ لأنهم قد يكونون ثقات عنده، وعند
غيره ضعفاء، لكن من يقلد الإمام مالك في الأحكام؟ المالكية
الذين يتبعون الإمام مالك، ويقلدونه في الأحكام، إذا قال:
حدثني الثقة يقبلون هذا التوثيق وإلا ما يقبلونه؟ يقبلونه؛
لأنهم يقلدون الإمام في الأحكام التي هي الغاية، فكيف لا
يقلدونه في التوثيق؟! وأما عند غيرهم فلا، لا بد أن يسمى.
طالب:. . . . . . . . .
وين؟
طالب:. . . . . . . . .
لا، لا، موصول، متصل، لكن في إسناده مجهول.
طالب:. . . . . . . . .
إذا جزمنا بذلك، لكن المسألة غلبة ظن؛ لأنهم يقولون: إذا
قال الثقة: عن فلان، الثقة عن فلان، الثقة عن فلان فهو
فلان أو فلان أو فلان، يختلف عندهم، هذه موجودة في كتب
المصطلح.
طالب:. . . . . . . . .
لا ما تجزم، ما تجزم.
(158/7)
"عن عبد الرحمن بن الحباب الأنصاري عن أبي
قتادة الأنصاري أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- نهى أن
يشرب التمر والزبيب جميعاً، والزهو والرطب جميعاً" التمر
الجاف والزبيب أيضاً الجاف من العنب، والزهو الذي بان لونه
من البسر والرطب اللين منه، والحديثان الأول والثاني
مخرجان في الصحيحين، يعني سواءً كان ثقة أو ليس بثقة،
فالمعول على ما في الصحيحين.
"قال مالك: وهو الأمر الذي لم يزل عليه أهل العلم ببلدنا،
أنه يكره ذلك لنهي رسول الله -صلى الله عليه وسلم عنه"
يعني مجرد الخلط يعني مجرد الخلط يكره، الآن عندهم اللي
يسمونه الكوكتيل، يجمعون فيه أنواع من الفواكه ويخلطونها
ويشربونها، هل تدخل في هذا أو لا تدخل؟ لكن الفساد يسرع
إليها أكثر، لو تركت تخمرت، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
جميع، لكنه يشرب فوراً.
طالب:. . . . . . . . .
إيه ما يترك حتى يتخمر.
طالب:. . . . . . . . .
لا ما يترك هذا لا بأس.
"قال مالك: وهو الأمر الذي لم يزل عليه أهل العلم ببلدنا
أنه يكره ذلك لنهي رسول الله -صلى الله عليه وسلم عنه-".
سم.
أحسن الله إليك.
باب: تحريم الخمر
وحدثني يحيى عن مالك عن ابن شهاب عن أبي سلمة بن عبد
الرحمن عن عائشة زوج النبي -صلى الله عليه وسلم- أنها
قالت: سئل رسول -صلى الله عليه وسلم- عن البتع، فقال: ((كل
شراب أسكر فهو حرام)).
وحدثني عن مالك عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار أن رسول
الله -صلى الله عليه وسلم- سئل عن الغبيراء، فقال: ((لا
خير فيها)) ونهى عنها، قال مالك –رحمه الله-: فسألت زيد بن
أسلم: ما الغبيراء؟ فقال: هي الأسكركة.
الأسْكَر، الأسْكَر.
أحسن الله إليك.
فقال: هي الأسكركة.
وحدثني عن مالك عن نافع عن عبد الله بن عمر -رضي الله
عنهما- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((من شرب
الخمر في الدنيا ثم لم يتب منها حرمها في الآخرة)).
يقول -رحمه الله تعالى-:
باب: تحريم الخمر
الخمر سبق تعريفه، وأنه ما خامر العقل وغطاه من أي مادة
كان.
(158/8)
"وحدثني يحيى عن مالك عن ابن شهاب عن أبي
سلمة بن عبد الرحمن عن عائشة زوج النبي -صلى الله عليه
وسلم- رضي الله تعالى عنها- أنها قالت: سئل رسول -صلى الله
عليه وسلم- عن البتع" البتع هو شراب العسل، سئل عنه، فأجاب
بالقاعدة العامة التي تشمله وتشمل غيره، فقال: ((كل شراب
أسكر فهو حرام)) شراب (كل) هذه من صيغ العموم، وشراب له
مفهوم أو لا مفهوم له؟ بمعنى أنه لو أسكر الطعام؟ نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
الآن البتع شراب العسل، هذا السؤال، فقال: ((كل شراب)) لأن
السؤال عن الشراب، فقال: ((كل شراب أسكر فهو حرام)) وأهل
العلم يقولون: إن السؤال معاد في الجواب حكماً، السؤال
معاد في الجواب، فكأنه سئل عن الأشربة، عن نوع من أنواع
الأشربة وهو البتع، فأجاب عن الأشربة، فقال: ((كل شراب
أسكر فهو حرام)) وعلى هذا لا يخرج الطعام إذا أسكر؛ لأن
السؤال عن الشراب، فهو جواب مطابق من جهة، غير مطابق من
جهة، من جهة الجواب بالشراب هنا مطابقة، ومن جهة التعميم
في الجواب والسؤال خاص عن نوع من الأشربة جاء عدم
المطابقة، ومن أهل العلم يقولون: لا بد من أن يكون الجواب
مطابق للسؤال، ومرادهم بذلك أن لا ينقص الجواب عن السؤال،
لا ألا يزيد عليه، وقد جاء في نصوص كثيرة من الكتاب والسنة
الجواب بما هو أعم وأشمل من السؤال، فكل شراب أسكر فهو
حرام.
قال: "وحدثني عن مالك عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار أن
رسول الله -صلى الله عليه وسلم- سئل عن الغبيراء" سئل عن
الغبيراء، الغبيراء كما قالوا: نبيذ الذرة "فقال: ((لا خير
فيها)) ونهى عنها" نبيذ الذرة، ونبيذ الشعير يسمى إيش؟
يعني الاسم المتعارف عليه الآن البيرة، يسمونها بيرة،
البيرة الشعير.
الغبيراء نبيذ الذرة، فقال: ((لا خير فيها)) ونهى عنها؛
لأنها تتغير، وأيضاً هل لها طعم وإلا لا طعم لها؟ يعني إذا
كان نبيذ التمر له طعم، نبيذ العنب، نبيذ الزبيب، نبيذ
البسر، نبيذ الزهو، الأنبذة المتخذة من الأطعمة الحلوة،
يعني فيها فائدة، وفيها لذة، لكن الغبيراء هذه قال النبي
-عليه الصلاة والسلام-: ((لا خير فيها)) يعني لا طعم لها،
ويسرع إليها التغير، وقد تسكر وشاربها لا يشعر، ونهى عنها.
(158/9)
"قال مالك: فسألت زيد بن أسلم" الراوي "ما
الغبيراء؟ " فقال: هي الإيش؟
طالب:. . . . . . . . .
لا، الأُسْكركة، الأسكركة، ويقال لها: السكركة أيضاً بدون
همزة.
"قال أبو عبيد: هي ضرب من الشراب يتخذه الحبش من الذرة
يسكر" يسكر، فإذا كان يسكر فهو خمر، سواءً سمي بهذا الاسم
أو بغيره، وجاء أن الناس في آخر الزمان يشربون الخمرة،
ويسمونها بغير اسمها، الآن يسمونها مشروبات روحية،
ويتداولونها في بعض بلاد المسلمين من غير نكير، نسأل الله
السلامة والعافية، ولهذا جاء التحذير والوعيد الشديد، ولعن
النبي -عليه الصلاة والسلام- في الخمر عشرة.
قال: "وحدثني عن مالك عن نافع عن عبد الله بن عمر -رضي
الله عنهما- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((من
شرب الخمر في الدنيا ثم لم يتب منها حرمها في الآخرة)) "
نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
يعني فيها طعم، أقل شيء أن فيها لذة، أقل الأحوال أن فيها
لذة كما هي، أن الخمر فيها منافع، نعم فيه منافع دنيوية،
لكن شرها وضررها أعظم.
طالب:. . . . . . . . .
إيش معنى التوبة؟ إذا تركها نادماً على ذلك، عازماً على
عدم العود إليها، وأقلع عن ذلك هذه هي التوبة، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
الأطياب، كل ما يسكر حكمه حكم الخمر، الذي يسكر حكمه حكم
الخمر.
يقول: ((من شرب الخمر في الدنيا)) نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
لا، هذه الذرة، الغبيراء الذرة، وأما الشعير فهو شراب
الشعير، أو نبيذ الشعير، يسمونه في العرف أو في الاستعمال
الحالي البيرة.
طالب:. . . . . . . . .
وين؟
طالب:. . . . . . . . .
إذا كان ما فيها أدنى نسبة من المسكر ما فيها إشكال -إن
شاء الله-.
طالب:. . . . . . . . .
وين؟
طالب:. . . . . . . . .
لا، هذه اللي ما نص عليه، لا سيما وأنه عرف بالعادة
المطردة أنه لا يغير ولا يسكر، ما في إشكال -إن شاء الله-.
يقول: ((من شرب الخمر في الدنيا ثم لم يتب منها حرمها في
الآخرة)) الجزاء من جنس العمل، كما أن من سمع الغناء في
الدنيا حرم سماع غناء الحور العين يوم القيامة، فالجزاء من
جنس العمل، فعلى الإنسان أن يتوب، من تلبس بمخالفة عليه أن
يتوب.
طالب:. . . . . . . . .
نعم؟
(158/10)
طالب:. . . . . . . . .
أيهم؟
طالب:. . . . . . . . .
ما هو في مسلم، في الصحيحين، في الصحيحين.
طالب:. . . . . . . . .
لا، لا، مالك عن نافع عن ابن عمر، في الصحيحين الحديث ما
في إشكال، نعم، نعم.
أحسن الله إليك.
باب: جامع تحريم الخمر
حدثني يحيى عن مالك عن زيد بن أسلم عن ابن وعلة المصري أنه
سأل عبد الله بن عباس عما يعصر من العنب، فقال ابن عباس:
أهدى رجل لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- راوية خمر، فقال
له رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((أما علمت أن الله
حرمها؟ )) قال: لا، فساره رجل إلى جنبه، فقال له رسول الله
-صلى الله عليه وسلم-: ((بم ساررته؟ )) فقال: أمرته أن
يبيعها، فقال له رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((إن
الذي حرم شربها حرم بيعها)) ففتح الرجل المزادتين حتى ذهب
ما فيهما.
وحدثني عن مالك عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة عن أنس
بن مالك -رضي الله عنه- أنه قال: كنت أسقي أبا عبيدة بن
الجراح وأبا طلحة الأنصاري وأبي بن كعب شراباً من فضيخ
وتمر، قال: فجاءهم آت، فقال: إن الخمر قد حرمت، فقال أبو
طلحة: يا أنس قم إلى هذه الجرار فاكسرها، قال: فقمت إلى
مهراس لنا فضربتها بأسفله حتى تكسرت.
وحدثني عن مالك عن داود بن الحصين عن واقد بن عمرو بن سعد
بن معاذ أنه أخبره عن محمود بن لبيد الأنصاري أن عمر بن
الخطاب حين قدم الشام شكا إليه أهل الشام وباء الأرض
وثقلها، وقالوا: لا يصلحنا إلا هذا الشراب، فقال عمر:
اشربوا هذا العسل، قالوا: لا يصلحنا العسل، فقال رجل من
أهل الأرض: هل لك أن نجعل لك من هذا الشراب شيئاً لا يسكر؟
قال: نعم، فطبخوه حتى ذهب منه الثلثان، وبقي الثلث، فأتوا
به عمر فأدخل فيه عمر إصبعه، ثم رفع يده فتبعها يتمطط،
فقال: هذا الطلاء، هذا مثل طلاء الإبل، فأمرهم عمر أن
يشربوه، فقال له عبادة بن الصامت: أحللتها والله، فقال
عمر: كلا والله، اللهم إني لا أحل لهم شيئاً حرمته عليهم،
ولا أحرم عليهم شيئاً أحللته لهم.
(158/11)
وحدثني عن مالك عن نافع عن عبد الله بن عمر
-رضي الله عنه- أن رجالاً من أهل العراق قالوا له: يا أبا
عبد الرحمن إنا نبتاع من ثمر النخل والعنب فنعصره خمراً
فنبيعها، فقال عبد الله بن عمر: إني أشهد الله عليكم
وملائكته ومن سمع من الجن والإنس أني لا آمركم أن تبيعوها
ولا تبتاعوها ولا تعصروها، ولا تشربوها ولا تسقوها، فإنها
رجس من عمل الشيطان.
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-:
باب: جامع تحريم الخمر
"حدثني يحيى عن مالك عن زيد بن أسلم عن ابن وعلة المصري
أنه سأل عبد الله بن عباس عما يعصر من العنب" عما يعصر من
العنب، وعصير العنب إذا أسكر هذا هو المجمع عليه، وإذا
تخمر، يعني النبيذ المتخذ من العنب إذا اشتد هذا مجمع
عليه، إنما الذي يبيحه الحنفية ما كان من غير العنب،
وينازعون في إطلاق الخمر على ما يسكر من غير العنب، نعم
يقولون: حرام، ومسكر، لكن ليس بخمر، فحقيقة الخمر ما يتخذ
من عصير العنب عند الحنفية، وعند الجمهور كل ما أسكر فهو
خمر، من أي مادة كان، وكما جاء في الحديث أن الخمرة حرمت
وسميت خمراً، وليس في المدينة عنب، إنما فيها التمر.
"فقال ابن عباس: أهدى رجل لرسول الله -صلى الله عليه وسلم-
راوية خمر" الراوية: هي المزادة الكبيرة، القربة الكبيرة
"فقال له رسول الله -صلى الله عليه وسلم-" لأنه يتروى بها
الماء، ينقل بها الماء "فقال له رسول الله -صلى الله عليه
وسلم-: ((أما علمت أن الله حرمها؟ )) قال: لا" يعني الرجل
ما بلغه تحريم الخمر، ولذلك أهداه للنبي -صلى الله عليه
وسلم- "قال: لا، فساره رجل إلى جنبه، فقال له رسول الله
-صلى الله عليه وسلم-: ((بم ساررته؟ )) فقال: أمرته أن
يبيعها" وهذا لا يدري أن الله إذا حرم شيئاً حرم ثمنه
"فقال له رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((إن الذي حرم
شربها حرم بيعها)) " فالذي لا يجوز استعماله لا يجوز بيعه،
فإذا عرف الصائغ أن هذا الرجل الذي يريد شراء خاتم إنما
يشتريه للاستعمال يجوز أن يبيعه وإلا ما يجوز؟ لا يجوز؛
لأنه حرام.
طالب: ولو كان غير مسلم؟
(158/12)
ولو كان غير مسلم، ولو قال: إنها لهم في
الدنيا؛ لأنهم مخاطبون في الفروع، لكنهم يستحلونها، إذا
عرف أن هذا الرجل يريد أن يشتري هذا المحرم للاستعمال لا
يجوز أن يتعاون معه بحال، إذا أراد أن يستأجر المحل ليبيع
فيه، أو يستعمل فيه ما حرم الله -جل وعلا- لا يجوز أن يؤجر
عليه؛ لأن هذا هو التعاون على الإثم والعدوان، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
المسألة مسألة غلبة ظن، يعني إذا غلب على ظنه أنه يستعمله
إذا سأله وقال: لا، يريد أن يفعل به كذا أو يلبسه نساءه أو
ما أشبه ذلك لا بأس، أما إذا غلب على ظنه أنه لا يستعمله
لا يحتاج سؤال.
"فقال له رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((إن الذي حرم
شربها حرم بيعها)) ففتح الرجل المزادتين حتى ذهب ما فيهما"
ولما حرمت الخمر كسرت الدنان، وشقت الأسقية، وسال الخمر في
سكك المدينة، ويستدل بهذا من يقول بطهارة الخمر؛ لأن إلقاء
النجاسات في طرق الناس محرم، ((اتقوا الملاعن)) فهذا منه،
ولو كانت نجسة ما أراقوها في الشوارع، في سكك المدينة،
يستدل بهذا من يقول بطهارتها، لكن القول بالتنجيس هو قول
عامة أهل العلم، حتى أنه نقل عليه الإجماع، وإن كان الدليل
لا ينهض، لكن مع ذلك لا شك أن مثل هذا الإطباق والاتفاق من
أهل العلم يورث عند طالب العلم وقفة، ويهاب مثل هذا
الكلام، لا نقول مثلما يقول الشوكاني -رحمه الله-: إن
دعاوى الإجماع التي يذكرها أهل العلم تجعل طالب العلم لا
يهاب الإجماع، لا، على طالب العلم أن يهاب الإجماع، يعني
ولو تخلف، لو خرق، لو وجد مخالف من نزر يسير، لا بد أن
يهاب الإجماع، يعني وعلى الإنسان أن يتهم نفسه، يعني فرق
بين دليل وجودي ودليل عدمي، يعني طالب العلم ينبغي أن يكون
مع الدليل يدور حيثما دار، فإذا وجد الدليل يتمسك به حتى
يجد ما يخالفه ويعارضه مما هو أقوى منه، لكن إذا عدم
الدليل ووجد قول لأهل العلم قوي في المسألة وتواطئوا عليه،
يتهم نفسه.
طالب:. . . . . . . . .
(158/13)
إيه في حالة، على حد علمنا، لكن أين الأئمة
الأربعة وأتباعهم؟ ما عندهم دليل؟ لا، الإنسان في الدليل
العدمي يتهم نفسه، لكن في دليل وجودي، وجدنا عند أبي حنيفة
القول بكذا، ووجدنا عند الثلاثة قول يخالف عند أبي حنيفة
دليل نقول بالدليل يا أخي؛ لأنه دليل وجودي بين أيدينا،
أما الدليل العدمي لا يمنع أن نتهم أنفسنا بعدم الوقوف
عليه.
طالب:. . . . . . . . .
على كلامه عينية نعم، يعني لا يمكن تطهيره إلا بالاستحالة
والتغير، إذا تخلل، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
ويش هو؟
طالب:. . . . . . . . .
كذلك الدم أيضاً نقل عليه الإجماع.
طالب:. . . . . . . . .
مثل؟
طالب:. . . . . . . . .
نعم، ويش فيه؟ هم أقوى ما يستدلون به أن عمر -رضي الله
عنه- صلى وجرحه يثعب، هذا مثل من حدثه دائم ... ، بيقف؟
مثل المستحاضة، يبي يصلي على حسب حاله.
قال: "وحدثني عن مالك" نعم؟
طالب: أحسن الله إليك: ألا يقال قوله. . . . . . . . . من
إراقة الخمر امتثالاً وليس. . . . . . . . .
هو ما في شك أن هذه مبادرة، مبادرة إلى الامتثال، لكن
أيضاً الامتثال لا يكون بارتكاب محظور، إلا أنه قد يغلب
الإنسان ومن مبادرته وشدة امتثاله أنه يخفى عليه الأمر
الأخر، لكن ينبه عليه، على كل حال المسألة معروفة عند أهل
العلم، ومن أرادها موجودة في مظانها.
قال: "وحدثني عن مالك عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة عن
أنس بن مالك أنه قال: كنت أسقي أبا عبيدة بن الجراح" يعني
هل يلام من شرب قبل التحريم؟ ما يلام، ما يلام من شرب قبل
التحريم، وإن كان العقل يأبى هذا، يعني كون الإنسان يخرج
مما شرفه الله به، وميزه على سائر المخلوقات وهو العقل إلى
ضده، لا شك أنه بالنسبة للعقل ملوم، لكن الناس يتعاطون
أشياء توارثوها من غير نظر ولا روية، وقد يكون فيها شيء
مما يدعو إليها من لذة وشبهها، الله أعلم، المقصود أن مثل
هذا لا يلام عليه ما دام قبل التحريم.
(158/14)
"كنت أسقي أبا عبيدة بن الجراح وأبا طلحة
الأنصاري وأبي بن كعب" خيار الأمة بعد نبيها، وبعد
الخلفاء، "وأبي بن كعب شراباً من فضيخ وتمر، فجاءهم آت
فقال: إن الخمر قد حرمت، فقال أبو طلحة: يا أنس قم إلى هذه
الجرار فاكسرها" مبادرة في الامتثال، يعني فرق بين امتثال
وامتثال، يعني لو غيرهم وبين أيديهم الشراب قالوا: هذا لا
بد نتأكد، وهذا مال، ونهى عن إضاعة المال، ونكمل ونسأل بعد
-إن شاء الله- ما يكون، لا، لا ما يمكن، الامتثال لا بد أن
يؤخذ الكتاب بقوة، يؤخذ بقوة، وإبراهيم -عليه السلام- لما
أمر بذبح ابنه تله للجبين، ما في خيرة، والله المستعان.
"يا أنس قم إلى هذه الجرار فاكسرها، قال: فقمت إلى مهراس
لنا فضربتها بأسفله حتى تكسرت" المهراس هو الذي يهرس به
الحب، يدق فيه الحب ويكسر ليكون جريشاً وإلا طحيناً؟ دقيق
وإلا جريش؟ جريش نعم؛ لأن الطحين لما يكون بالرحاء،
والجريش يكون بالمهراس.
(158/15)
قال: "وحدثني عن مالك عن داود بن الحصين عن
واقد بن عمرو بن سعد بن معاذ أنه أخبره عن محمود بن لبيد
الأنصاري أن عمر بن الخطاب حين قدم الشام شكا إليه أهل
الشام وباء الأرض وثقلها" وباء الأرض، الوباء: هو المرض
الذي ينتشر في الجو، ويتأثر به الناس، وثقلها، الوباء يورث
الثقل بلا شك، ثقل البدن "وقالوا: لا يصلحنا إلا هذا
الشراب، فقال عمر: اشربوا هذا العسل" الذي فيه شفاء للناس
"اشربوا هذا العسل، قالوا: لا يصلحنا العسل، فقال رجل من
أهل الأرض" يعني من أهل الشام "هل لك أن نجعل لك من هذا
الشراب شيئاً لا يسكر؟ " الشراب المشار إليه هو الذي يأتي
ذكره "لا يسكر، قال: نعم، فطبخوه حتى ذهب منه الثلثان وبقي
الثلث" معلوم أن الطبيخ إذا وضع على النار نعم يتبخر ماؤه،
ثم يغلظ "حتى ذهب منه الثلثان وبقي الثلث، فأتوا به عمر،
فأدخل فيه عمر إصبعه، ثم رفع يده فتبعها يتمطط" يتمطط يعني
يتمدد، تبعه وصار متصلاً من إصبعه إلى الإناء "يتمطط،
فقال: هذا الطلاء، هذا مثل طلاء الإبل" يعني الذي تطلى به
الإبل من القطران إذا أصابها الجرب "هذا مثل طلاء الإبل،
فأمرهم عمر أن يشربوه، فقال له عبادة بن الصامت: أحللتها
والله" ما دام أمرهم أن يشربوه مفاده أنها حلال، ولو كانت
حراماً ما أمرهم أن يشربوها، "فقال عمر: كلا والله، اللهم
إني لا أحل لهم شيئاً حرمته عليهم، ولا أحرم عليهم شيئاً
أحللته لهم" يعني كلام عبادة أوجد في نفس عمر -رضي الله
عنه- توقف، وهكذا ينبغي أن يكون المسلم لا سيما طالب العلم
إذا أفتى بشيء، ثم قيل له أو أورد عليه ما يجعله يتوقف
يتوقف، وإن أورد عليه ما يقتضي الرجوع يرجع.
"فقال عمر: كلا والله، اللهم إني لا أحل لهم شيئاً حرمته
عليهم، ولا أحرم عليهم شيئاً أحللته لهم" يعني شأنكم به،
افعلوا به ما شئتم، اصنعوا ما كنتم تصنعون، ما دام لا
يسكر، لكنه لم يصرح بإباحته لهم.
طالب:. . . . . . . . .
قال: أحللتها والله، فأمرهم عمر أن يشربوها، مقتضى أمره أن
يشربوها أنها حلال، فقال له عبادة ابن الصامت: أحللتها
والله.
طالب:. . . . . . . . .
(158/16)
فقال عمر: كلا والله، اللهم إني لا أحل لهم
شيئاً حرمته عليهم، اللهم إني لا أحل لهم شيئاً حرمته
عليهم، ولا أحرم عليهم شيئاً أحللته لهم.
مثلما قيل للنبي -عليه الصلاة والسلام- لما نهى عن الثوم
والبصل، فقال: رجل: أحرام هي يا رسول الله؟ قال: أنا لا
أحرم ما أحل الله، لكن قد يقتضي أو لأمر من الأمور يمنع
الإنسان من شرب شيء، أو من أكله وإن كان حلالاً في الأصل،
والعكس تبعاً للمصالح والمفاسد المترتبة عليه، فقد يمنع
بعض الناس من شرب اللبن؛ لأنه يضر بمعدته موجود عند بعض
الناس، بعض الناس يمنع من التمر، وهو حلال ما أحد يستطيع
يقول: إن التمر حرام، يمنع من الرز، يمنع من الخبز، يمنع
من شيء يضره، هو بعينه هو، ويبقى هو حلال، ومثل هذا إذا ما
دام لا يسكر، فالأصل أنه حلال.
طالب:. . . . . . . . .
إيه.
طالب:. . . . . . . . .
ما رد عليه عمر، ما رد عليهم؛ لأنهم جربوه وما استفادوا
منه؛ لأن العسل، العسل فيه شفاء بلا شك، فيه شفاء، وفيه
شفاء من وجع البطن على وجه الخصوص الذي ورد فيه النص، لكن
هل يلزم أن يكون فيه شفاء من كل شيء؟ ما يلزم.
طالب:. . . . . . . . .
هو الطلاء.
طالب:. . . . . . . . .
لا، لا هو الطلاء، إلا هذا الشراب يعنون الطلاء.
طالب:. . . . . . . . .
ألا نجعل لك من هذا الشراب شيئاً لا يسكر؟ قال: نعم، ما هو
الشراب الذي لا يسكر؟
طالب:. . . . . . . . .
بعد الطبخ، فهذا هو الذي عليه الإشارة، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
نعم، يعني مركز؟ جاف وإلا؟
طالب:. . . . . . . . .
إيه علشان، من أجل أن يقل حجمه.
طالب:. . . . . . . . .
إيه من أجل أن يقل حجمه، يعني لو عند الاستعمال يضاف إليه
أضعافه من الماء، لو أضيف في بلده بدل البرميل يصير عشرة
براميل.
طالب:. . . . . . . . .
إيه هذا الكلام، المقصود أنه ليقل حجمه، ولا يتأثر بنقص
الماء وزيادته، هو ما يتأثر، مثل الطلاء، هذا لما ذهب ثلثا
الماء ما تأثر.
طالب:. . . . . . . . .
وين؟
طالب:. . . . . . . . .
لا، هم قالوا: إنه ما يسكر، شيئاً لا يسكر، خبرهم، خبر
ثقات، فيهم عبادة بن الصامت خيار الناس.
طالب:. . . . . . . . .
(158/17)
لا، قبل خبرهم، إيه بس يبي يختبر هل هو
غليظ وإلا خفيف وإلا شيء؟ من باب الاختبار.
طالب:. . . . . . . . .
لا، لا، المهم ثم ليقرنه بطلاء الإبل.
قال: "وحدثني عن مالك عن نافع عن عبد الله بن عمر أن
رجالاً من أهل العراق قالوا له: يا أبا عبد الرحمن إنا
نبتاع من ثمر النخل والعنب فنعصره خمراً فنبيعها" فيه شخص
كبير السن في سوق التمر أثنى على شخص ثناءً زائداً في
مجلس، وقال: إن ذاك الشخص وهو ما عليه آثار الصلاح سمح في
بيعه وشرائه، يأتي إلي ويشتري ما يتبقى عندي من التمر بما
أطلبه من دراهم، هو يبقى عنده التمر الذي ما عاد يجي له
إلا ...
طالب:. . . . . . . . .
لا، ما هو بحشف، ليته حشف، اللي ما بقي عليه إلا ربع درجة
ويصير خمراً، فقيل له: يا ابن الحلال ذاك يستعمله خمر،
كبير سن ما يدري عن شيء هذا، وهو بالفعل لما تتبع وجد
هكذا.
يقول: "يا أبا عبد الرحمن إنا نبتاع من ثمر النخل والعنب
فنعصره خمراً فنبيعها، فقال عبد الله بن عمر: إني أشهد
الله عليكم وملائكته ومن سمع من الجن والإنس أني لا آمركم
أن تبيعوها ولا تبتاعوها، ولا تعصروها ولا تشربوها ولا
تسقوها، فإنها رجس من عمل الشيطان" هل يكفي أن يقول: لا
آمركم؟ بل لا بد أن ينهاهم، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
ويش هو؟
طالب:. . . . . . . . .
لا بد منه، لا يكفي عدم الأمر، يعني هذا الأسلوب ضعيف
بالنسبة لهذا الأمر، لكن قوله: "فإنها رجس من عمل الشيطان"
يبين المراد، وأنها محرمة، وأن بيعها وشراءها وعصرها
وشربها كله محرم، والله أعلم.
وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه
أجمعين.
(158/18)
بسم الله الرحمن الرحيم
شرح: الموطأ - كتاب الحدود (6)
الشيخ: عبد الكريم بن عبد الله الخضير
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
سم.
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا
محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
اللهم اغفر لشيخنا والحاضرين والسامعين برحمتك يا أرحم
الراحمين.
قال المؤلف -رحمه الله تعالى-:
باب: ما لا قطع فيه
وحدثني يحيى عن مالك عن يحيى بن سعيد عن محمد بن يحيى بن
حبان أن عبداً سرق ودياً من حائط رجل فغرسه في حائط سيده،
فخرج صاحب الودي يلتمس وديه، فوجده فاستعدى على العبد
مروان بن الحكم، فسجن مروان العبد، وأراد قطع يده، فانطلق
سيد العبد إلى رافع بن خديج فسأله عن ذلك، فأخبره أنه سمع
رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: ((لا قطع في ثمر ولا
كثر)) والكثر: الجمار، فقال الرجل: فإن مروان بن الحكم أخذ
غلاماً لي وهو يريد قطعه، وأنا أحب أن تمشي معي إليه
فتخبره بالذي سمعت من رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فمشى
معه رافع إلى مروان بن الحكم، فقال: أخذت غلاماً لهذا؟
فقال: نعم، فقال: فما أنت صانع به؟ قال: أردت قطع يده،
فقال له رافع: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول:
((لا قطع في ثمر ولا كثر)) فأمر مروان بالعبد فأرسل.
كثر، كثر بالثاء، معروف هذا، نعم.
حدثني مالك عن ابن شهاب عن السائب بن يزيد أن عبد الله بن
عمرو بن الحضرمي جاء بغلام له إلى عمر بن الخطاب، فقال له:
اقطع يد غلامي هذا فإنه سرق، فقال له عمر: ماذا سرق؟ فقال:
سرق مرآة لامرأتي ثمنها ستون درهماً، فقال عمر: أرسله فليس
عليه قطع، خادمكم سرق متاعكم.
وحدثني مالك عن ابن شهاب أن مروان بن الحكم أتي بإنسان قد
اختلس متاعاً، فأراد قطع يده، فأرسل إلى زيد بن ثابت يسأله
عن ذلك، فقال زيد بن ثابت: ليس في الخلسة قطع.
(159/1)
وحدثني مالك عن يحيى بن سعيد أنه قال:
أخبرني أبو بكر بن محمد بن عمرو بن حزم أنه أخذ نبطياً قد
سرق خواتم من حديد فحبسه ليقطع يده، فأرسلت إليه عمرة بنت
عبد الرحمن مولاة لها يقال لها: أمية، قال أبو بكر:
فجاءتني وأنا بين ظهراني الناس، فقالت: تقول لك خالتك
عمرة: يا ابن أختي أخذت نبطياً في شيء يسير ذكر لي فأردت
قطع يده؟ قلت: نعم، قالت: فإن عمرة تقول لك: لا قطع إلا في
ربع دينار فصاعداً، قال أبو بكر: فأرسلت النبطي.
قال مالك -رحمه الله-: والأمر المجتمع عليه عندنا في
اعتراف العبيد أنه من اعترف منهم على نفسه بشيء يقع الحد
والعقوبة فيه في جسده فإن اعترافه جائز عليه، ولا يتهم أن
يوقع على نفسه هلاكاً.
قال مالك -رحمه الله-.
ولا يتهم؟
أحسن الله إليك.
ولا يتهم أن يوقع على نفسه هلاكاً.
هكذا عندك؟ هذا؟
طالب: وين موقعها يا شيخ؟
ولا يتهم أن يوقع على نفسه هذا، لكن هلاكاً أوضح، هكذا كل
النسخ؟
طالب:. . . . . . . . .
هلاكاً محققة عندكم؟ من المحقق؟ ويش يقول؟
طالب:. . . . . . . . .
هلاكاً يقول؟ هو ظاهر، معناها واضح، وهي أظهر من هذا، وإن
كان هذا عوده على ما تقدم من العقوبة في جسده واضح يعني،
كلاهما واضح، لكن هلاكاً أوضح، سليم الهلالي محقق الكتاب؟
طالب:. . . . . . . . .
ويش يقول؟
طالب:. . . . . . . . .
هذا، على كل حال نقول: في نسخة هلاكاً، والمعنى واحد.
أحسن الله إليك.
قال مالك -رحمه الله-: وأما من اعترف منهم بأمر يكون غرماً
على سيده فإن اعترافه غير جائز على سيده.
قال مالك -رحمه الله-: ليس على الأجير ولا على الرجل
يكونان مع القوم يخدمانهم إن سرقاهم قطع؛ لأن حالهما ليست
بحال السارق، وإنما حالهما حال الخائن، وليس على الخائن
قطع.
قال مالك -رحمه الله- في الذي يستعير العارية فيجحدها إنه
ليس عليه قطع، وإنما مثل ذلك مثل رجل كان له على رجل دين
فجحده ذلك فليس عليه فيما جحده قطع.
قال مالك -رحمه الله-: الأمر المجتمع عليه عندنا في السارق
يوجد في البيت قد جمع المتاع، ولم يخرج به إنه ليس عليه
قطع، وإنما مثل ذلك كمثل رجل وضع بين يديه خمراً ليشربها
فلم يفعل، فليس عليه حد.
(159/2)
ومثل ذلك رجل جلس من امرأة مجلساً، وهو
يريد أن يصيبها حراماً، فلم يفعل، ولم يبلغ ذلك منها، فليس
عليه أيضاً في ذلك حد.
قال مالك -رحمه الله-: الأمر المجتمع عليه عندنا أنه ليس
في الخلسة قطع بلغ ثمنها ما يقطع فيه، أو لم يبلغ، والله
أعلم.
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده
ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
فيقول المؤلف -رحمه الله تعالى-:
باب: ما لا قطع فيه
قال: "وحدثني يحيى عن مالك عن يحيى بن سعيد عن محمد بن
يحيى بن حبان أن عبداً سرق ودياً من حائط رجل" قالوا:
الودي: هو النخل الصغار، يعني تؤخذ من الأرض أو من أماتها؟
طالب: من أماتها.
نعم؛ لأن النخلة يخرج منها فروع اثنين وثلاثة وخمسة أو
أكثر أو أقل، فسرق هذا من هذا النوع من النخل الصغار يقال
له في الخبر الودي "من حائط رجل، فغرسه في حائط سيده" ما
الذي يستفيده هذا العبد من هذه السرقة؟
طالب:. . . . . . . . .
نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
(159/3)
هو يحظى عند سيده، لكن وشر الناس من باع
دينه بدنيا غيره، لا شك أن مثل هذا نسأل الله العافية خاب
وخسر، خسر دنيا وأخرى، ومثل هذا كثير، تجد بعض الناس يقرب
ويقدم ليحظى عند من يريد الحظوة عنده من مدير أو رئيس أو
ما أشبه ذلك، يقدم له أمور محرمة، ثم في النهاية ينقلب
عليه، يعينه على ظلمه، ثم بعد ذلك يسلط عليه، وهذا
المسكين، هذا العبد الذي سرق وغرس في حائط سيده، الآن في
احتمال أن يكون تكون هذه السرقة بأمر من السيد، الآن العبد
والسيد كلاهما مجهول، يعني لو اتهمنا السيد بأنه أمر عبده
بهذا، هل يأثم من يتهمه؟ هو مجهول، والاحتمال قائم، والعبد
ينفذ، لكن هل يلزم السيد قطع باعتباره هو الآمر؟ وله الأمر
على هذا العبد أو لا يقطع؟ يعني لو أن شخصاً أمر شخص غير
مكلف بأمر فيه حد، أعطى طفلاً صغيراً وقال: اقتل فلان، أو
أعطى شخصاً مكلفاً آلة وقال: اقتل فلان، في الصورة الأولى
إذا كان المباشر غير مكلف ينتقل الحكم إلى المتسبب، وإذا
كان المباشر مكلفاً فإنه يؤاخذ به، يؤاخذ بجنايته، ولو كان
مأموراً، ولو هدد، ولو أكره على ذلك، إذا ترتب على ذلك
إزهاق روح، فليس حفظ نفسه بأولى من حفظ غيره، فإذا أكره
على القتل وأجبر عليه فإنه يضمن؛ لأنه هو المباشر، المتسبب
لا يترك، لكن ليس عليه حد، ما لم يشترك في المباشرة، وهنا
هذا العبد الذي سرق، إن كان بأمر سيده السيد بلا شك آثم،
قد يعزر، لكن المباشر هو العبد، وهو الذي عليه التبعة.
"فغرسه في حائط سيده، فخرج صاحب الودي يلتمس وديه فوجده"
بحث عنه في المزارع، وين يبي يودى هذا؟ نعم؟ يبي يغرس
بمزرعة، فبحث عنه في المزارع فوجده "فاستعدى على العبد
مروان بن الحكم" استعدى عليه يعني طلب منه أن ينصفه، مروان
بن الحكم "فسجن مروان العبد، وأراد قطع يده، فانطلق سيد
العبد إلى رافع بن خديج" الآن السيد يريد أن يسلم العبد من
القطع مع أنه محدث، فهل نقول: إن هذا قد آوى هذا المحدث
فتحل عليه اللعنة المرتبة على ذلك؟ نعم؟ الآن هذا ولي
الأمر هو الأمير مروان وأراد القطع، سجنه وأراد قطعه.
"فانطلق سيد العبد إلى رافع بن خديج، فسأله عن ذلك" نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
(159/4)
لا، الاحتمال قائم أنه عنده شبهة يريد أن
يتبين الحق، ويلتزم بالحق أياً كان، أو أنه يريد أن يدافع
عن هذا العبد.
على كل حال "انطلق سيد العبد إلى رافع بن خديج، فسأله عن
ذلك فأخبره أنه سمع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول:
((لا قطع في ثمر ولا كثر)) والكثر: الجمار" الآن الودي
حكمه حكم الجمار اللي هو شحم الكافور، الطلع، ((لا قطع في
ثمر ولا كثر)) والكثر الجمار، الجمار معروف أنه إذا قطع
تموت النخلة، ولا قطع فيه، والعلة في ذلك؟ ما العلة في هذا
أنه لا قطع فيه؟ أنه من حيث أنه يؤكل، ونعم؟
طالب:. . . . . . . . .
يمكن حتى الثمر يمكن ينتفع به، كلاهما ينتفع به، لكنه أذن
له أن يأكل غير متخذ خبنة.
"والثمر: الجمار، فقال الرجل: فإن مروان بن الحكم أخذ
غلاماً لي وهو يريد قطعه، وأنا أحب أن تمشي معي إليه
فتخبره بالذي سمعت من رسول الله -صلى الله عليه وسلم-،
فمشى معه رافع إلى مروان بن الحكم، فقال: أخذت غلاماً
لهذا؟ فقال: نعم، فقال: فما أنت صانع به؟ قال: أردت قطع
يده" لأنه سارق، قد سرق ما يزيد على النصاب "فقال له رافع:
سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: ((لا قطع في
ثمر ولا كثر)) فأمر مروان بالعبد فأرسل" أطلق هذا العبد،
ولم يقطع، لكن هل يبرأ بالكلية أو يلزمه رد ما سرق؟ وقد
يعزر؛ لأنه تعدى، ليس معنى هذا أنه إذا دفع عنه الحد، ودرء
عنه الحد أنه لا يأثم؛ لأنه سرق مال غيره، ولا يلزم من ذلك
أن يرد ما سرق، إن وجد بعينه أو بدله أو قيمته، ولا يلزم
من ذلك أن يسلم من التعزير، مروان امتثل، مروان من أهل
العلم كما هو معروف، وإن كانت الإمارة غيرت وأثرت عليه،
لكنه في الجملة هو من أهل العلم، أرسل هذا العبد امتثالاً
لهذا الخبر فلم يقطع، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
هو مأذون بالأكل من الثمر، إذا مر بحائط يأكل منه غير متخذ
خبنة، يعني ما يأخذ معه شيء، ما يخرج شيء معه، فما دام
مأذون بالأكل منه فلا قطع فيه، مثله يؤكل، الجمار يؤكل.
طالب: إلحاق العبد بالمال. . . . . . . . .
(159/5)
لا، لا، لا، هو مكلف، هو مثل ما يقال أهل
العلم يستعملون في الرقيق قياس الشبه، يعني هل يلحق
بالمكلف من الأحرار باعتبار أنه من بني آدم، وأن له إرادة،
وله قوة مدركة، عقل، مناط التكليف، أو أنه ملحق بالحيوانات
البهائم التي تباع وتشترى، هم نظروا إلى أن شبهه بالسلع
أكثر، فألحقوه بالسلع، لكن لا يعني أنه سلعة من كل وجه، لا
يجري عليه قلم التكليف؟ يجري عليه، إذاً التبعات تلحقه،
فمثلاً الجناية عليه مثل الجناية على السلع، وليست مثل
الجناية على بني آدم، تقوّم ويؤخذ الأرش وهكذا.
قال: "حدثني مالك عن ابن شهاب عن السائب بن يزيد أن عبد
الله بن عمرو بن الحضرمي جاء بغلام له إلى عمر بن الخطاب
فقال له: اقطع يد غلامي هذا" الأول بحث عن الأسباب التي
تعفي الغلام من القطع، والثاني ذهب بالغلام إلى عمر ليقطع،
فرق بين تصرف هذا وهذا "فإنه سرق" ولا شك أن الاحتمال أنه
دافع عنه في الحديث الأول الاحتمال قائم في كونه يريد أن
يدرأ عنه الحد ليسلم له، فتتوفر قيمته، أو أنه انقدح في
ذهنه شبهة، فأراد أن يستفهم ولا يعترض عن الحكم، وأيضاً
الخبر الثاني احتمال أن يكون تقديمه للعبد ليقطع لتبرأ
ذمته مقدماً في ذلك شرع الله على مصلحته؛ لأن بقاء العبد
سليماً سليم الأطراف أوفر في قيمته، مما إذا كان مقطوع بعض
الأطراف.
"فقال له عمر: ماذا سرق؟ فقال: سرق مرآة لامرأتي ثمنها
ستون درهماً" هل يمكن أن يقال: إن هذا بسبب تأثير المرأة
على الرجل، أنها قالت: ما دام سرق منا لا بد أن يقطع
وينكل؟ نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
"ثمنها ستون درهماً، فقال عمر: أرسله فليس عليه قطع،
خادمكم سرق متاعكم" الآن مثل هذا الخادم الذي يخدمهم، ولا
يحترزون منه، ويصل إلى ما لا يصل إليه غيره، فقد تكون هذه
المرآة في غير حرز مما يحرز عن هذا العبد، على كل حال هذا
كلام عمر "فقال عمر: أرسله فليس عليه قطع، خادمكم سرق
متاعكم" لكن لو كان المال محرز يقطع وإلا ما يقطع؟ نعم؟
يقطع كما يقطع الزوج إذا سرق من مال الزوجة المحرز عنه،
والعكس.
طالب:. . . . . . . . .
كيف؟
طالب: ولو كان مؤتمن؟
إيش لون مؤتمن؟
طالب:. . . . . . . . .
أمنوه، يعني على ما تقدم؟
(159/6)
طالب:. . . . . . . . .
لكن في مثل هذه الصورة المتوقع أنه لم تحرز عنه المرآة؛
لأنها لو أحرزت وأتمنوه على أموالهم لا شك أنه سارق يقطع،
نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
لا، وتقدم لنا نظير هذه الصورة إلا أنها محمولة على أنه
سرق من حرز.
طالب:. . . . . . . . .
إيه.
قال: "وحدثني مالك عن ابن شهاب أن مروان بن الحكم أتي
بإنسان قد اختلس متاعاً" الخلسة غير السرقة، اختلس متاعاً
دخل بإذن، دخل البيت، أو دخل المحل الدكان، إنسان دعي إلى
ضيافة، فلما راح صاحب البيت دخل إلى البيت ليحضر الطعام،
وجد هذا شيئاً نفيس اختلسه وضعه في جيبه، هذه خلسة، ومثل
هذا لو دخل المحل، وقال: عن إذنك التلفون، قال: اتفضل،
وجلس على الماسة، ويبي يتصل، وفتح الدرج، وأخذ ما خف، هذه
سرقة وإلا خلسة؟ مفتوح الدرج ما هو مقفول، لو كان مقفول
سرقة، لكن الدرج مفتوح، هذه خلسة.
طالب: اللي يسمونه نشال.
نعم؟
طالب: اللي يسمونه نشال.
هذيك نهبة النشال، علانية يأخذها، النهبة غير الخلسة.
"أتي بإنسان قد اختلس متاعاً، فأراد قطع يده، فأرسل إلى
زيد بن ثابت يسأله، فقال زيد بن ثابت: ليس في الخلسة قطع"
نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
لكنه علانية ظاهر قدام الناس، إيه.
طالب: الذي ذهب بالعبد إلى عمر ليقيم عليه الحد وقام هو. .
. . . . . . .
هو الأصل أنه يقيم، يقيم الحد بنفسه، لكن إذا كان الوالي
من مثل عمر، فلا شك أن براءة الذمة تكمن بإسلامه أو تسليمه
إلى عمر من حيث العلم، نعم العلم، ولا يساوره أدنى شك في
أن قطعه أو تركه شرعي، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
ما يلزم بعد أن تذكر القصة بتفصيلها، ما يلزم أن تذكر
القصة مفصلة، لكن إحنا نحمل على هذا.
طالب:. . . . . . . . .
إيه سرق متاعكم الذي يتمكن منه بحيث لا يرده عنه راد، ولا
يصده عنه صاد، وليس بحرز، واضح هذا.
"فأرسل إلى زيد بن ثابت يسأله عن ذلك، فقال زيد بن ثابت:
ليس في الخلسة قطع".
(159/7)
قال: "وحدثني مالك عن يحيى بن سعيد أنه
قال: أخبرني أبو بكر بن محمد بن عمرو بن حزم أنه أخذ
نبطياً قد سرق خواتم من حديد، فحبسه ليقطع يده، فأرسلت
إليه عمرة بنت عبد الرحمن مولاة لها يقال لها: أمية" الذي
يظهر من السياق أن الخواتم لا تصل قيمتها إلى النصاب "يقال
لها: أمية، قال أبو بكر: فجاءتني وأنا بين ظهراني الناس"
جاءت وهو جالس مع الناس "فقالت: تقول لك خالتك عمرة: يا
ابن أختي أخذت نبطياً في شيء يسير ذكر لي، فأردت قطع يده؟
قلت: نعم، قالت: فإن عمرة تقول لك: لا قطع إلا في ربع
دينار فصاعداً" فدل على أن قيمة الخواتم أقل من ربع
الدينار "قال أبو بكر: فأرسلت النبطي" يعني تركته، أطلقته،
وأطلقت سراحه.
"قال مالك -رحمه الله-: والأمر المجتمع عليه عندنا في
اعتراف العبيد أن من اعترف منهم على نفسه بشيء يقع الحد
والعقوبة فيه على جسده أو في جسده فإن اعترافه جائز عليه،
ولا يتهم أن يوقع على نفسه هذا" يعني هذا الضرر والعقوبة
على الجسد؛ لأن الإنسان قد يعترف بشيء له في اعترافه
مصلحة، وقد يعترف بشيء فيه على نفسه مضرة، وقد يعترف بشيء
أو يدعي شيئاً فيه مفسدة وفيه مصلحة، وقد يعترف أو يدعي
شيئاً لا مصلحة فيه ولا مفسدة، فالقسمة رباعية.
إذا اعترف بشيء عليه فيه الضرر، ولا ضرر على غيره يؤاخذ
باعترافه وإلا ما يؤاخذ؟ يؤاخذ، إذا اعترف بشيء له فيه
مصلحة ولا ضرر عليه لا بد من البينة، إذا كان الأمر
المعترف به يشتمل على مصلحة ومفسدة بالنسبة له يصدق في ما
فيه مضرته دون ما فيه مصلحته، وإذا اعترف بشيء لا مصلحة
فيه ولا مفسدة فالاعتراف وجوده وعدمه سواء.
لو ادعى شخص أنه شريف من نسل النبي -عليه الصلاة والسلام-
نصدقه من وجه ولا نوافقه من وجه، نمنعه من الزكاة، ولا
نعطيه من الخمس إلا ببينة؛ لأن هذا اعتراف على نفسه؛ لأن
الذي يعترف على نفسه يؤاخذ، اعترف على نفسه بما يضره، أما
إذا ادعى شيئاً ينتفع به دون مضرة عليه فلا بد فيه من
البينة.
(159/8)
هذا إن اعترف العبد على شيء يلحقه الضرر في
بدنه، هذا لا شك أنه يؤاخذ بهذا الاعتراف، ولا يتهم أن
يوقع على نفسه هلاكاً أو هذا، فإن اعترف على نفسه بأنه
سرق، وتوافرت الشروط يؤاخذ بهذا الاعتراف ولو تضرر السيد؛
لأن ضرره أكثر من ضرر السيد؛ لأنه قد يقال: إن سبب
الاعتراف إرادة الضرر بالسيد، نقول: لا، الضرر عليه واقع
أكثر من ضرر السيد، لكن لو اعترف أنه جنى جناية توجب
مالاً، وجناية العبد على سيده، يصدق وإلا ما يصدق؟
قال: "وأما من اعترف منهم بأمر يكون غرماً على سيده فإن
اعترافه غير جائز على سيده" إذاً يبقى للمجني عليه لإثبات
الجناية أن يأتي ببينة.
لو قال الصبي لأبيه: اشتر لي هذه الآلة، قال: أبي دباب
مثلاً، وقال أبوه: والله ما عندي استعداد أشتري لك دباب،
والدباب ضرره واضح على الأطفال في أبدانهم وفي سلوكهم
أيضاً، فاتفق مع شخص فقال له: نتفق أنا وإياك أني كسرت لك
متاع قيمته كذا، ويكون المال بيني وبينك نصفين، من أجل إذا
أخذت المال الكامل لك تعطيني نصفه أشتري به دباب، يصدق في
هذا الاعتراف وإلا ما يصدق؟
طالب: ما يصدق.
ما يصدق، لكن دعوى صاحب المتاع المكسور لا بد من إحضار
بينة، طيب افترض أن هذا ما استطاع أن يحضر بينة، تتجه
اليمين على من أنكر، من الذي يحلف الصبي وإلا وليه؟ يحلف
بإيش؟
طالب:. . . . . . . . .
يحلف على نفي العلم يكفي؟ نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
يعني تقف المسألة بسد، وإلا لا بد من حل شرعي؟ يعني هل
يقرر الصبي ويشدد عليه حتى ينفي، أو يقرر هذا الشخص الذي
ليس عنده بينة ويشدد عليه، ويخوف حتى يرجع وينكل عن دعواه،
فإن رجع وإلا تتجه اليمين على المدعى عليه؟ المدعى عليه لا
يستطيع أن يثبت ولا ينفي لأنه لم يحضر، فإن نكل عن اليمين
ردت إلى المدعي.
مثل هذه الدعاوى التي لازمها إلحاق الضرر بغير المدعي، أو
غير المقر لا شك أنها لا تقبل.
"وأما من اعترف منهم بأمر يكون غرماً على سيده فإن اعترافه
غير جائز على سيده".
(159/9)
"قال مالك: ليس على الأجير ولا على الرجل
يكونان مع القوم يخدمانهم إن سرقاهم قطع؛ لأن حالهما ليست
بحال السارق، وإنما حالهما حال الخائن، وليس على الخائن
قطع" لأنه في الغالب أنه مثل الخادم هذا والأجير أنه يمكن
من الوصول إلى هذا المال، أما إذا لم يمكن منه يخدم في
البيت، أجير يخدم في البيت، جئت بسباك وإلا كهربائي ووريته
اللي تحتاج من الأدوات الكهربائية، والدورات التي تحتاج
إلى صيانة، وأغلقت الأبواب على الأمتعة، فكسر باب وسرق،
نقول: هذا أجير ما يقطع؟ لا، لكن لو سرق من الآلات التي
أحضرت له ليصلحها، يقطع وإلا ما يقطع؟ هذه ليست سرقة،
وإنما هي خيانة، فرق بين هذا وهذا.
يقول: "ليس على الأجير ولا على الرجل يكونان مع القوم
يخدمانهم إن سرقاهم قطع؛ لأن حالهما ليست بحال السارق،
وإنما حالهما حال الخائن، وليس على الخائن قطع".
"قال مالك -رحمه الله- في الذي يستعير العارية فيجحدها:
إنه ليس عليه قطع، وإنما مثل ذلك مثل رجل كان له على رجل
دين فجحده ذلك، فليس عليه فيما جحده قطع" التنظير مطابق
وإلا غير مطابق؟
طالب:. . . . . . . . .
يعني استعار كتاب من زميله، استعار كتاب، ومع طول العهد
نسيه فجحده، قال: الكتاب كتابي، قال: لا ما هو بكتابك هذا
لي، كأنه في ذمته له دين، ومع طول المدة نسي، فجحده،
التنظير مطابق وإلا غير مطابق؟
طالب: مطابق.
مطابق، مطابق، لكن الذي يشكل على هذا ويعكر عليه الحديث،
الحديث في الصحيحين أن امرأة كانت تستعير متاعاً فتجحده،
فأمر النبي -عليه الصلاة والسلام- بقطعها، وقال: ((لو أن
فاطمة بنت محمد سرقت)) فدل على أن مثل هذا الصنيع حكمه حكم
السرقة، امرأة عرفت بكونها تسرق المتاع، وتكرر منها هذا
مراراً، فقال بعضهم: إنها لم تقطع من أجل جحد العارية
وإنما سرقت ...
طالب:. . . . . . . . .
(159/10)
لا، سرقت وكانت موصوفة بين الناس بأنها
تجحد المتاع، تستعير المتاع وتجحده، فكونها تستعير المتاع
وتجحده ليست هذه هي الجناية التي قطعت من أجلها، وإنما صار
وصفاً لها، سرقت وهي معروفة بهذا العمل، فقطعت من أجل
السرقة، ولم تقطع من أجل جحد العارية، وعلى كل حال المسألة
خلافية بين أهل العلم، والنص الظاهر في أنها قطعت من أجل؟
ظاهر النص أنها من أجل جحد العارية، وإن كان القول الثاني
أقعد، القول الثاني أنها لا تقطع في جحد العارية مثلما نظر
الإمام -رحمه الله تعالى- هنا، نعم، لكن إنما قُطعت هذه
المرأة لأنها اتصفت بكونها تستعير المتاع وتجحده، فكل من
رآها قال: هذه هي التي تستعير المتاع وتجحده، هذه المرأة
التي تستعير المتاع، لا تعيرونها، هذه المرأة التي تستعير
المتاع فتجحده، فسرقت في يوم من الأيام فقطعت من أجل
السرقة، لا من أجل جحد العارية، لكن ظاهر السياق يدل على
أنها إنما قطعت من أجل جحد العارية.
طالب:. . . . . . . . .
لا، لا التفريق هذا ما هو بظاهر، لكن يبقى أنها فعلت هذا
مرة أو مرتين أو عشر، يعني ما يفرق؛ لأنها لو تكرر منها
هذا العمل وما أقيم عليها الحد تتداخل كمن سرق مرة واحدة.
على كل حال هذه المسألة لا شك أنها الخلاف فيها قوي، وظاهر
سياق الحديث يدل على أنها إنما قطعت من أجل الجحد، لكن هل
سياق الخبر من أجل الجحد أو من أجل القطع؟ لأن هناك من
الدلالات ما هو دلالة أصلية ودلالة تبعية.
طالب:. . . . . . . . .
لا بد من هذا، والمسألة لا شك أنها معضلة، يعني شروط
السرقة ما تنطبق عليها، وجحد العارية إلى الخيانة أقرب منه
إلى السرقة، وليس على خائن قطع، فهل نقول: إن السياق إنما
سيق من أجل القطع، ولذا قال النبي -عليه الصلاة والسلام-:
((لو أن فاطمة بنت محمد سرقت)) والحقيقة الشرعية واللغوية
للسرقة لا تنطبق على جحد العارية، إنما الوصف المؤثر هو
السرقة، وهل يمكن أن يقال: إن القطع كان تعزيراً لتكرر
الأمر منها؟ نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
(159/11)
طيب، نقول: هل الوصف المؤثر في الحكم هنا
الذي هو القطع كونها تستعير المتاع وتجحده، أو كونها سرقت؛
لأنه قال: ((لو أن فاطمة بنت محمد سرقت)) فدل على أن هذه
سارقة، لو أن فاطمة -رضي الله عنها- وصلى الله وسلم على
محمد -عليه الصلاة والسلام- لو أنها فعلت مثل فعل هذه
المرأة سرقت لقطعت يدها، فدل على أن الوصف المؤثر هو
السرقة، وأما كونها تستعير المتاع وتجحده فإنما هو وصف
لزمها من تكراره، وهذه أقعد وأقرب إلى النصوص الأخرى، فجحد
العارية ليس من السرقة لا اللغوية ولا الشرعية ولا
العرفية، لا ينطبق عليه أي حقيقة من الحقائق.
لو أن شخصاً استعار كتاباً من زميله، استعار الروض المربع،
وقال: دامي أدرس في الكلية أبد، وإذا انتهيت وتخرجت أرده
عليك، درس في الكلية أربع سنوات، وقد رسب في بعض السنوات،
وصارت الكلية سبع سنوات، ونسي أنه لفلان، وقال: كتابي،
قال: ما عندي لك كتاب، نسي، طيب هذا كتابي وعليه ختمي،
ناظر اسمي عليه، الختم موجود، قال: لا، أنا شاريه منك، وقد
استعمل هذا الكتاب، وسبع سنوات، وعلق عليه، وكل من رآه
قال: هذا كتاب فلان، هذه المسألة فيها تعارض الأصل مع
الظاهر، الأصل أن الكتاب لصاحب الختم، والظاهر أنه ما دام
بيده مدة طويلة وفي مكتبته وفي بيته أنه له، فهنا تعارض
الأصل والظاهر، فلا بد من مرجح، الأصل أن الكتاب لفلان،
والظاهر أنه لمن هو بيده لا سيما مع طول المدة، واستعماله،
الكتاب استعمال الملاك، استعماله استعمال الملاك، فك
التجليد الأول، وجلده من جديد، وعلق عليه، وذاك يراه ولا
ينكر عليه، فنحتاج إلى مرجح في هذا التعارض، فإن كان من
عادة صاحب الختم أنه يبيع من كتبه ما زاد عن حاجته فيرجح
قول من هو بيده، عملاً بالظاهر، وإن كان ليس من عادته أن
يبيع، وإنما من عادته أن يعير فيترجح قول صاحب الأصل الذي
الختم، ختمه على كتابه.
"قال مالك: الأمر المجتمع عليه عندنا في السارق يوجد في
البيت" نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
(159/12)
والذي يظهر لي أنا أنه ما قطعت من أجل
الجحد؛ لأن الجحد لا ينطبق عليه اسم السرقة، والسرقة معروف
حكمها وحدها {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُواْ
أَيْدِيَهُمَا} [(38) سورة المائدة] والسرقة تعريفها لغة
وشرعاً وعرفاً يختلف عن جحد العارية.
"قال مالك: الأمر المجتمع عليه عندنا في السارق يوجد في
البيت قد جمع المتاع ولم يخرج به" يتردد على هذه الغرف
ويجمع، ويكومهن عند الباب من داخل ما هو من برع، على شان
إيش؟ هو موقف السيارة في الشارع الثاني، يبي إذا كمل جمعهن
جاب السيارة وشالهن، مُسك قبل أن يأتي بالسيارة، ويشيل
المتاع، هذا عليه قطع وإلا ما عليه قطع؟ ما عليه قطع، لكن
لو كان يجمع في الشارع عليه القطع.
يقول: "الأمر المجتمع عليه عندنا في السارق يوجد في البيت
قد جمع المتاع ولم يخرج به إنه ليس عليه قطع، وإنما مثل
ذلك كمثل رجل وضع بين يديه خمراً ليشربها فلم يفعل" لأن
الحد معلق بالشرب، وحد السرقة معلقة بالسرقة، ولم تتم "فلم
يفعل فليس عليه حد".
"ومثل ذلك رجل جلس من امرأة مجلساً" يعني مجلس الرجل من
زوجته، وهو يريد أن يصيبها حراماً فلم يفعل ولم يبلغ ذلك
منها فليس عليه أيضاً في ذلك حد.
لأن الحد مرتب على التقاء الختانين، على الإيلاج، وأما
بالنسبة للإثم فهو تبعاً للمانع الذي منعه المانع الذي
منعه من إخراج المتاع، ومن شرب المسكر، ومن الوقوع على هذه
المرأة، لو كان ذكر الله -جل وعلا- فتركها لله هذا يؤجر،
نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
الإيلاج وإلا التقاء الختانين؟ إذا جلس بين شعبها ثم جهدها
فقد وجب الغسل.
طالب:. . . . . . . . .
على كل حال بالتقاء الختانين، التغييب هذا عندهم بالتغييب.
"قال مالك: الأمر المجتمع عليه عندنا أنه ليس في الخلسة
قطع" وتقدم الخبر السابق "بلغ ثمنها ما يقطع فيه أو لم
يبلغ" سواءً اختلس ما قيمته ثلاثة دراهم أو ثلاثمائة درهم،
أو ثلاثة آلاف درهم، ما دام أخذها خلسة هذا ليس فيه قطع
كما تقدم.
سم.
أحسن الله إليك.
بسم الله الرحمن الرحيم
كتاب: الأشربة
باب: الحد في الخمر
(159/13)
وحدثني عن مالك عن ابن شهاب عن السائب بن
يزيد أنه أخبره أن عمر بن الخطاب خرج عليهم، فقال: إني
وجدت مع فلان ريح شراب، فزعم أنه شراب الطلاء، وأنه سائل
عما شرب، فإن كان يسكر جلدته، فجلده عمر الحد تاماً.
وحدثني مالك عن ثور بن زيد الديلي أن عمر بن الخطاب استشار
في الخمر يشربها الرجل، فقال له علي بن أبي طالب: نرى أن
تجلده ثمانين، فإنه إذا شرب سكر، وإذا سكر هذى، وإذا هذى
افترى، أو كما قال، فجلد عمر في الخمر ثمانين.
وحدثني عن مالك عن ابن شهاب أنه سئل عن حد العبد في الخمر،
فقال: بلغني أن عليه نصف حد الحر في الخمر، وأن عمر بن
الخطاب وعثمان بن عفان وعبد الله بن عمر قد جلدوا عبيدهم
نصف حد الحر في الخمر.
وحدثني مالك عن يحيى بن سعيد أنه سمع سعيد بن المسيب يقول:
ما من شيء إلا الله يحب أن يعفى عنه ما لم يكن حداً.
قال يحيى: قال مالك: والسنة عندنا أن كل من شرب شراباً
مسكراً فسكر أو لم يسكر فقد وجب عليه الحد.
نعم.
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-:
بسم الله الرحمن الرحيم
كتاب: الأشربة
الكتاب مر تعريفه مراراً، والأشربة جمع الشراب، وهو مما
يشرب من مباح أو حرام، وهو ما يقابل الطعام، الشراب هو
السائل، وضده المتماسك هو الطعام، والأشربة تشمل الأشربة
المباحة والمحرمة، إلا أنه يبحث في هذا الموضع الأشربة
المحرمة، مما يترتب عليه الحد، ومما لا يصل إلى ما يجب فيه
الحد.
يقول -رحمه الله تعالى-:
باب: الحد في الخمر
(159/14)
"حدثني مالك عن ابن شهاب عن السائب بن يزيد
أنه أخبره أن عمر بن الخطاب خرج عليهم، فقال: إني وجدت من
فلان ريح شراب، فزعم أنه شراب الطلاء" الطلاء يعني ما
يعتصر من الفواكه، ثم يطبخ، حتى يغلظ، فمنه ما يصل إلى حد
الإسكار إذا حبس بعد ذلك أياماً، ومنه ما لا يصل إلى حد
الإسكار إذا شرب فوراً، إلا أنه قد يعالج بمواد تحفظه،
وبطريقة تحفظه إلى أن يصل إلى حد الإسكار فيستمر الأيام
الطوال والأشهر ولا يسكر، ولو كان في الأصل مسكراً، مثل
عصير العنب إذا وضعت فيه المواد الحافظة، وأحكم تعليبه في
المعلبات الموجودة الآن لا يسكر، وغيره من الفواكه، لكن لو
لم يحكم غطاؤه، أو لم يوضع عليه بعض المواد التي تحفظه
الأصل فيه أنه مسكر، ولذا جاء تحريم النبيذ، ولو لم يصل
إلى حد الإسكار عند جمهور أهل العلم خلافاً لأبي حنيفة،
هنا الطلاء يطبخ من العصير، عصير الفواكه، وأكثر ما يكون
من التمر والعنب، سئل عنه فجاء بالقاعدة، الجواب القاعدة
العامة بغض النظر عن المادة التي استخلص منها، وإن كان
الحنفية يخصون الخمر حقيقة الخمر بالعنب، والجمهور ينظرون
إلى القاعدة الشرعية وهي الإسكار، فالخمر ما أسكر، وغطى
العقل سواءً كان من العنب أو من التمر أو من أي مادة كان،
ولو كان غراء مثلاً، أو كان حشيش مثلاً، أو غير ذلك،
فالحشيشة محرمة بالإجماع فيما نقله جمع من أهل العلم،
ومنهم شيخ الإسلام، وليست مادتها من العنب.
قد يقول قائل: إن البنج مثلاً يغطي العقل، ويستعمل بين
المسلمين من غير نكير؛ لماذا لا يرتب عليه الحد ويحرم
ويمنع؟ ليس فيه نشوة ولا طرب، والحاجة داعية إليه، فهو إلى
النوم أقرب، ولذلك هو جائز عند عامة أهل العلم.
"أنه أخبر أن عمر بن الخطاب خرج عليهم، فقال: إني وجدت من
فلان ريح شراب، فزعم أنه شراب الطلاء، وأنا سائل" إيش؟
"وأنا سائل عما شرب، فإن كان يسكر جلدته، فجلده عمر الحد
تاماً" لأنه وجد يسكر، فالمدار كله على الإسكار، العلة
المؤثرة هي الإسكار، وهو تغطية العقل، فإذا وجد بأي مادة
كانت.
(159/15)
"وحدثني عن مالك عن ثور بن زيد الديلي أن
عمر بن الخطاب استشار في الخمر يشربها الرجل" لأن الجلد في
أول الأمر كان أربعين جلدة، فلم يرتدع الناس "فاستشار عمر
-رضي الله تعالى عنه- الناس، فقال له علي بن أبي طالب: نرى
أن تجلده ثمانين" لماذا؟ قال: "لأنه إذا شرب سكر، وإذا سكر
هذى، وإذا هذى افترى، وحد الفرية ثمانون جلدة" حد الفرية
القذف ثمانون جلدة، أو كما قال، فجلد عمر في الخمر ثمانين.
ويختلف أهل العلم في حد الخمر هل هو الأربعون جلدة على ما
كان عليه في عهد النبي -عليه الصلاة والسلام- وعهد أبي
بكر، وصدر من خلافة عمر؟ أو هو الثمانون بما آل إليه الأمر
في عهد عمر واتفق عليه الصحابة؟ أو يقال: إن الحد الأربعون
والزيادة التعزير؟ المسألة خلافية بين أهل العلم، وعلى كل
حال الصحابة اتفقوا في عهد عمر على الثمانين، وكون
الأربعين الثانية حد أو تعزير، المسألة محل نظر، لكن
الأوجه من الاحتمالين أنها تعزير، والحد هو الذي استقر
عليه الأمر في عصر النبي -عليه الصلاة والسلام- وعهد أبي
بكر أنه أربعون جلدة، ثم زاد عمر أربعون جلدة تعزيراً.
والتعزير في الخمر لا يقتصر على الثمانين، بل لو وجدت هذه
الظاهرة وكثرت بين الناس، ولم يرتدع الناس بالثمانين لوصل
الحد إلى القتل، في حديث معاوية وغيره أن النبي -عليه
الصلاة والسلام- قال: ((إذا شرب الخمر فاجلدوه، ثم إذا
شربها فاجلدوه، ثم إذا شربها فاجلدوه، ثم إذا شربها
فاقتلوه)) مخرج في السنن عند الترمذي وغيره، والترمذي
-رحمه الله تعالى- يقول: ليس في كتابي مما أجمع على ترك
العمل به إلا هذا الحديث، وحديث جمع في المدينة بين
الصلاتين بلا .... نعم؟ ليس فيه مما أجمع على ترك العمل به
إلا هذين الحديثين.
هذا الحديث عند عامة أهل العلم منسوخ، ومن أهل العلم من
يرى أنه محكم، وأن كل من تكرر منه الشرب أربع مرات يقتل،
وللشيخ أحمد شاكر -رحمه الله- رسالة اسمها: كلمة الفصل في
قتل مدمن الخمر، وابن حزم يرى أنه أيضاً محكم، وابن العربي
أيضاً يميل إلى هذا، والسيوطي يميل إليه، وأنه يقتل في
المرة الرابعة، المدمن يقتل.
(159/16)
شيخ الإسلام ابن تيمية وابن القيم رأيهم
أنه لا مانع من قتله تعزيراً، لا على سبيل الحد، يقتل
تعزيراً، فإذا لم يرتدع الناس بالحد للإمام أن يقتله، ولعل
الفتوى بقتل المروج مروج المخدرات يرجع إلى مثل هذا؛ لأنه
من الإفساد في الأرض.
طالب:. . . . . . . . .
كلمة الفصل في قتل مدمن الخمر.
طالب:. . . . . . . . .
هو من سنة الخلفاء الراشدين بلا إشكال، وقد أمرنا
بالاقتداء به، مع أبي بكر، لكن فيما لم يوجد فيه مرفوع،
نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
الأربعين؟ إيه، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
إي نعم إيه.
طالب:. . . . . . . . .
لا، فيه جلد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أربعين، وجلد
أبو بكر أربعين.
طالب:. . . . . . . . .
والله على حسب، إذا قلنا: إنه تعزير لا بد من النظر من
جهات، النظر في المسألة من جهات.
طالب:. . . . . . . . .
إيه، إيه، هذا يدل على أنه تعزير، واحد أو اثنين يسكرون في
المجتمع ما يضر.
طالب:. . . . . . . . .
وين؟
طالب:. . . . . . . . .
يدل على حتى أن القتل تعزير وليس بحد، يدل على أن القتل
تعزير.
طالب:. . . . . . . . .
وبعضهم يقول: إن هذا ناسخ، ناسخ لحديث القتل، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
منهم من يقول: إنها إذا أفردت إذا كانت تسكر بحيث لو أفردت
يعني بمفردها تلحق، يعني لو خلصنا هذه النسبة بمفردها،
وشربها إنسان سكر يجلد، ومنهم من يقول: إنها استحالت فيما
خلطت معه، فلا توجب السكر، لكن هل تعتبر طاهرة وإلا نجسة؟
عامة أهل العلم على أن الخمرة نجسة، وعلى هذا يتقى ما فيه
نسبة الكحول المسكرة، بما لو أفردت.
طالب:. . . . . . . . .
إيه، لكن هل .. ؟ حرام لكن هل يوجب الحد؟ ما يوجب الحد إلا
إذا أسكر، من أهل العلم من يقول: إنها استحالت، وينه؟
راحت، كما لو وضعت نقطة نجاسة في ماء، سطل ماء، وهذا جار
على قول من يقول: إن الماء لا يتأثر إلا بالتغير، يعني
مجرد مخالطة الماء للنجاسة أو السائل للنجاسة لا تؤثر فيه
النجاسة إلا بالتغير.
طالب:. . . . . . . . .
وين؟
طالب:. . . . . . . . .
(159/17)
على القول بنجاسته هذا ظاهر، القول بطهارته
وأنه استحال، استحالت هذه النسبة اليسيرة في الماء، وأنه
.. ، على كل حال اتقاؤه اتقاء الشبهة، ولو كان واحد
بالمائة.
قال: "وحدثني عن مالك عن ابن شهاب أنه سئل عن حد العبد في
الخمر، فقال: بلغني أن عليه نصف حد الحر في الخمر" حد الحر
{فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً} [(4) سورة النور]
إذاً يكون حد العبد النصف الأربعون، "وأن عمر بن الخطاب
وعثمان بن عفان وعبد الله بن عمر قد جلدوا عبيدهم نصف حد
الحر في الخمر" وكفى بهؤلاء الأئمة عمر وعثمان وعبد الله
بن عمر مع أنهم من أهل التحري في هذا الباب، ومع ذلك جلدوا
عبيدهم نصف حد الحر، فدل على أن حد الخمر يتنصف كحد الزنا
والقذف.
قال: "وحدثني عن مالك عن يحيى بن سعيد أنه سمع سعيد بن
المسيب يقول: ما من شيء إلا الله يحب أن يعفى عنه ما لم
يكن حداً" الله -جل وعلا- عفو كريم، ويحب العافين عن
الناس، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
لا، يجلد أربعين.
الله -جل وعلا- يحب العافين عن الناس، وكل شيء يحب الله
-جل وعلا- أن يعفى عنه، ما لم يكن حداً؛ لأن تضييع الحدود
لا شك أنه مفسدة عظيمة، وتعطيل لشرع الله -جل وعلا-.
"قال يحيى: قال مالك: والسنة عندنا أن كل من شرب شراباً
مسكراً فسكر أو لم يسكر فقد وجب عليه الحد" لأن المدمن بعض
المدمنين يصل إلى مرحلة أنه لا يؤثر فيه الخمر، لا يؤثر
فيه، شرب ما يؤثر فيه، قد يقول قائل: إذا كان يعرف أنه لا
يؤثر فيه لماذا يشرب؟
طالب:. . . . . . . . .
نعم البدن إذا اعتاده لا يصبر عنه، وأيضاً من باب العقوبة
وإلا إذا كان لا يتلذذ به على حد زعمه، وإن كانت هذه لذة
مجانين، يعني تعطيل العقل الذي شرف الله به وكرم به بني
آدم، رفع هذه الميزة وهذا العقل الذي ميزه الله به عن
الحيوانات لا شك أنه سخف، وإن استعمل من شخصيات كبار من
المتقدمين والمتأخرين، لكن هذا لا شك أنه إلحاق للنفس
العاقلة بالمجانين وبالبهائم، لا شك أن هذا نقص في العقل،
وإن ادعى صاحبه أنه من أعقل الناس.
طالب:. . . . . . . . .
لا، المدمن، لا.
طالب:. . . . . . . . .
في بيته، هو اطلع عليه وإلا ما اطلع عليه؟
طالب:. . . . . . . . .
(159/18)
ما اطلع عليه بكيفه، أمره إلى الله -جل
وعلا-، عامة أهل العلم على نجاسته، وإن كان الدليل لا يقوى
على القول بنجاسته، لكن ما دام عامة أهل العلم عليه يمكن
عندهم شيء ما اطلعنا عليه.
طالب:. . . . . . . . .
والله الاحتياط اجتنابه.
في المناظرة التي حصلت عند محمود بن سبكتكين مناظرة بين
حنفي وإمام من أئمة الشافعية، محمود هذا كان حنفياً، فأراد
هذا الشافعي وأظنه القفال أراد أن يحول السلطان من مذهب
الحنفية إلى مذهب الشافعية، فأراد أن يصلي ركعتين عند
السلطان تجعله يترك مذهب أبي حنيفة، فدعا بنبيذ فتوضأ به،
النبيذ حلو، الحنفية يجيزون الوضوء بالنبيذ، فاجتمعت عليه
الحشرات، الذبان وغير الذبان، وجاء بجلد ميتة، وجعل مكان
السلخ إلى الظاهر والصوف والشعر إلى الداخل، فاجتمع عليه
من الحشرات أكثر، ثم بعد ذلك نقر ركعتين؛ لأن الطمأنينة
ليست بركن عند الحنفية، نقر ركعتين نقر، وبعد أن أنهى
التشهد أحدث، ما سلم، فمحمود سأل الحنفي قال: الصلاة صحيحة
عندكم وإلا ما هي بصحيحة؟ يعني مقتضى المذهب بالتجزئة لا
بالمجموع، يعني يمكن أبو حنيفة لو شاف هذا قال: صلاته
باطلة، نعم، بالتجزئة تصح، فتحول السلطان من مذهب أبي
حنيفة إلى مذهب الإمام الشافعي.
بعض من يدافع عن مذهب الحنفية يقول: ثم ماذا إذا توضأ
بنبيذ، النبيذ كحول، والكحول مطهر يزيد في الطهارة ولا
ينقصها، وعلى كل حال إن ثبتت القصة فلا شك أن اجتماع هذه
الأمور لا يقول به أبو حنيفة ولا من يقرب ولا يداني أبا
حنيفة، ما يمكن أن يقول أبو حنيفة بهذه الصورة مجتمعة بصحة
الصلاة، ولو صحح أفرادها؛ لأن بعض الأمور قد يغتفر بمفرده،
لكن إذا انضم إلى غيره لا يغتفر؛ لأن الحركة والحركتين
تغتفر عند جمهور أهل العلم، لكن إذا زاد منها هل يقال:
يغتفر؟ فكون الأمور التي ليست من هديه -عليه الصلاة
والسلام- يجتمع بعضها إلى بعض، ولو كانت مفرداتها قد يقول
بها بعض أهل العلم، أو يلزم بها إلزام، فلا شك أن مثل هذه
الصلاة لا تصحح.
طالب:. . . . . . . . .
السلام ما هو بواجب.
طالب:. . . . . . . . .
أحدث، ضرط، وخلاص وانتهى الإشكال، الله المستعان، وكل هذا
من باب التنفير.
(159/19)
|