شرح النووي على مسلم

(كِتَاب الْحَيْضِ)
(بَاب مُبَاشَرَةِ الْحَائِضِ فَوْقَ الْإِزَارِ)
فِيهِ (عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ كَانَ إِحْدَانَا إِذَا كَانَتْ حَائِضًا أَمَرَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

(3/202)


أَنْ تَأْتَزِرَ فِي فَوْرِ حَيْضَتِهَا ثُمَّ يُبَاشِرَهَا قَالَتْ وَأَيُّكُمْ يَمْلِكُ إِرْبَهُ كَمَا كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَمْلِكُ إِرْبَهُ) وَفِيهِ (مَيْمُونَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُبَاشِرُ نِسَاءَهُ فَوْقَ الْإِزَارِ وَهُنَّ حُيَّضٌ) هَكَذَا وَقَعَ فِي الْأُصُولِ فِي الرِّوَايَةِ فِي الْكِتَابِ عَنْ عَائِشَةَ كَانَ إِحْدَانَا مِنْ غَيْرِ تَاءٍ فِي كَانَ وَهُوَ صَحِيحٌ فَقَدْ حَكَى سِيبَوَيْهِ فِي كِتَابِهِ فِي بَابِ مَا جَرَى مِنَ الْأَسْمَاءِ الَّتِي هِيَ مِنَ الْأَفْعَالِ وَمَا أَشْبَهَهَا مِنَ الصِّفَاتِ مَجْرَى الْفِعْلِ قَالَ وَقَالَ بَعْضُ الْعَرَبِ قَالَ امْرَأَةٌ فَهَذَا نَقْلُ الْإِمَامِ هَذِهِ الصِّيغَةَ أنه يجوز حذف التاء من فعل ماله فَرْجٌ مِنْ غَيْرِ فَصْلٍ وَقَدْ نَقَلَهُ أَيْضًا الْإِمَامُ أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ خَرُوفٍ فِي شَرْحِ الْجُمَلِ وَذَكَرَهُ آخَرُونَ وَيَجُوزُ أَنْ تَكُونَ كَانَ هُنَا الَّتِي لِلشَّأْنِ وَالْقِصَّةِ أَيْ كَانَ الْأَمْرُ أَوِ الْحَالُ ثُمَّ ابْتَدَأَتْ فَقَالَتْ إِحْدَانَا إِذَا كَانَتْ حَائِضًا أَمَرَهَا وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَقَوْلُهَا فِي فَوْرِ حَيْضَتِهَا هُوَ بِفَتْحِ الْفَاءِ وَإِسْكَانِ الرَّاءِ مَعْنَاهُ مُعْظَمُهَا وَوَقْتُ كَثْرَتِهَا وَالْحَيْضَةُ بِفَتْحِ الْحَاءِ أَيْ الْحَيْضُ وَقَوْلُهَا أَنْ تَأْتَزِرَ مَعْنَاهُ تَشُدُّ ازار تَسْتُرُ سُرَّتَهَا وَمَا تَحْتَهَا إِلَى الرُّكْبَةِ فَمَا

(3/203)


تَحْتَهَا وَقَوْلُهَا وَأَيُّكُمْ يَمْلِكُ إِرْبَهُ أَكْثَرُ الرِّوَايَاتِ فِيهِ بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ مَعَ إِسْكَانِ الرَّاءِ وَمَعْنَاهُ عُضْوُهُ الَّذِي يَسْتَمْتِعُ بِهِ أَيْ الْفَرْجُ وَرَوَاهُ جَمَاعَةٌ بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَالرَّاءِ وَمَعْنَاهُ حَاجَتُهُ وَهِيَ شَهْوَةُ الْجِمَاعِ وَالْمَقْصُودُ أَمَلَكُكُمْ لِنَفْسِهِ فَيَأْمَنُ مَعَ هَذِهِ الْمُبَاشَرَةِ الْوُقُوعَ فِي الْمُحَرَّمِ وَهُوَ مُبَاشَرَةُ فَرْجِ الْحَائِضِ وَاخْتَارَ الْخَطَّابِيُّ هَذِهِ الرِّوَايَةَ وَأَنْكَرَ الْأُولَى وَعَابَهَا عَلَى الْمُحَدِّثِينَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَأَمَّا الْحَيْضُ فَأَصْلُهُ فِي اللُّغَةِ السَّيَلَانُ وَحَاضَ الْوَادِي إِذَا سَالَ قَالَ الْأَزْهَرِيُّ وَالْهَرَوِيُّ وَغَيْرُهُمَا مِنَ الْأَئِمَّةِ الْحَيْضُ جَرَيَانُ دَمِ الْمَرْأَةِ فِي أَوْقَاتٍ مَعْلُومَةٍ يُرْخِيهِ رَحِمُ الْمَرْأَةِ بَعْدَ بُلُوغِهَا وَالِاسْتِحَاضَةُ جَرَيَانُ الدَّمِ فِي غَيْرِ أَوَانِهِ قَالُوا وَدَمُ الْحَيْضِ يَخْرُجُ مِنْ قَعْرِ الرَّحِمِ وَدَمُ الِاسْتِحَاضَةِ يَسِيلُ مِنَ الْعَاذِلِ بِالْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ وَكَسْرُ الذَّالِ الْمُعْجَمَةِ وَهُوَ عِرْقٌ فَمُهُ الَّذِي يَسِيلُ مِنْهُ فِي أَدْنَى الرَّحِمِ دُونَ قَعْرِهِ قَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ يُقَالُ حَاضَتِ الْمَرْأَةُ تَحِيضُ حَيْضًا وَمَحِيضًا وَمَحَاضًا فَهِيَ حَائِضٌ بِلَا هَاءٍ هَذِهِ اللُّغَةُ الْفَصِيحَةُ الْمَشْهُورَةُ وَحَكَى الْجَوْهَرِيُّ عَنِ الْفَرَّاءِ حَائِضَةٌ بِالْهَاءِ وَيُقَالُ حَاضَتْ وَتَحَيَّضَتْ وَدَرَسَتْ وَطَمَثَتْ وَعَرَكَتْ وَضَحِكَتْ وَنَفِسَتْ كُلُّهُ بِمَعْنًى وَاحِدٍ وَزَادَ بَعْضُهُمْ أَكْبَرَتْ وَأَعْصَرَتْ بِمَعْنَى حَاضَتْ وَأَمَّا أَحْكَامُ الْبَابِ فَاعْلَمْ أَنَّ مُبَاشَرَةَ الْحَائِضِ أَقْسَامٌ أَحَدُهَا أَنْ يُبَاشِرَهَا بِالْجِمَاعِ فِي الْفَرْجِ فَهَذَا حَرَامٌ بِإِجْمَاعِ الْمُسْلِمِينَ بِنَصِّ الْقُرْآنِ الْعَزِيزِ وَالسُّنَّةِ الصَّحِيحَةِ قَالَ أَصْحَابُنَا وَلَوِ اعْتَقَدَ مُسْلِمٌ حِلَّ جِمَاعِ الْحَائِضِ فِي فَرْجِهَا صَارَ كَافِرًا مُرْتَدًّا وَلَوْ فَعَلَهُ إِنْسَانٌ غَيْرُ مُعْتَقِدٍ حِلَّهُ فَإِنْ كَانَ نَاسِيًا أَوْ جَاهِلًا بِوُجُودِ الْحَيْضِ أَوْ جَاهِلًا بِتَحْرِيمِهِ أَوْ مُكْرَهًا فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ وَلَا كَفَّارَةَ وَإِنْ وَطِئَهَا عَامِدًا عَالِمًا بِالْحَيْضِ وَالتَّحْرِيمِ مُخْتَارًا فَقَدِ ارْتَكَبَ مَعْصِيَةً كَبِيرَةً نَصَّ الشَّافِعِيُّ عَلَى أَنَّهَا كَبِيرَةٌ وَتَجِبُ عَلَيْهِ التَّوْبَةُ وَفِي وُجُوبِ الْكَفَّارَةِ قَوْلَانِ لِلشَّافِعِيِّ أَصَحُّهُمَا وَهُوَ الْجَدِيدُ وَقَوْلُ مَالِكٍ وَأَبِي حَنِيفَةَ وَأَحْمَدَ فِي إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ وَجَمَاهِيرِ السَّلَفِ أَنَّهُ لَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ وَمِمَّنْ ذهب إليه من السلف عطاء وبن أَبِي مُلَيْكَةَ وَالشَّعْبِيُّ وَالنَّخَعِيُّ وَمَكْحُولٌ وَالزُّهْرِيُّ وَأَبُو الزِّنَادِ وَرَبِيعَةُ وَحَمَّادُ بْنُ أَبِي سُلَيْمَانَ وَأَيُّوبُ السِّخْتِيَانِيُّ وَسُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ وَاللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ رَحِمَهُمُ اللَّهُ تَعَالَى أَجْمَعِينَ وَالْقَوْلُ الثَّانِي وَهُوَ الْقَدِيمُ الضَّعِيفُ أَنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ وَهُوَ مَرْوِيٌّ عن بن عَبَّاسٍ وَالْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ وَسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ وَقَتَادَةَ وَالْأَوْزَاعِيِّ وَإِسْحَاقَ وَأَحْمَدَ فِي الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ عَنْهُ وَاخْتَلَفَ هَؤُلَاءِ فِي الْكَفَّارَةِ فَقَالَ الْحَسَنُ وَسَعِيدٌ عِتْقُ رَقَبَةٍ وَقَالَ الْبَاقُونَ دِينَارٌ أَوْ نِصْفُ دِينَارٍ عَلَى اخْتِلَافٍ مِنْهُمْ فِي الْحَالِ الَّذِي يَجِبُ فِيهِ الدِّينَارُ وَنِصْفُ الدِّينَارِ هَلِ الدِّينَارُ فِي أَوَّلِ الدَّمِ وَنِصْفُهُ فِي آخِرِهِ أَوِ الدِّينَارُ فِي زَمَنِ الدَّمِ

(3/204)


ونصفه بعد انقطاعه وتعلقوا بحديث بن عَبَّاسٍ الْمَرْفُوعِ مَنْ أَتَى امْرَأَتَهُ وَهِيَ حَائِضٌ فَلْيَتَصَدَّقْ بِدِينَارٍ أَوْ نِصْفِ دِينَارٍ وَهُوَ حَدِيثٌ ضعيف باتفاق الحفاظ فالصواب ألا كَفَّارَةَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ الْقِسْمُ الثَّانِي الْمُبَاشَرَةُ فِيمَا فَوْقَ السُّرَّةِ وَتَحْتَ الرُّكْبَةِ بِالذَّكَرِ أَوْ بِالْقُبْلَةِ أَوِ الْمُعَانَقَةِ أَوِ اللَّمْسِ أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ وَهُوَ حَلَالٌ بِاتِّفَاقِ الْعُلَمَاءِ وَقَدْ نَقَلَ الشَّيْخُ أبو حامد الاسفراينى وَجَمَاعَةٌ كَثِيرَةٌ الْإِجْمَاعَ عَلَى هَذَا وَأَمَّا مَا حُكِيَ عَنْ عُبَيْدَةَ السَّلْمَانِيِّ وَغَيْرِهِ مِنْ أَنَّهُ لا يباشر شيئا منها بشئ مِنْهُ فَشَاذٌّ مُنْكَرٌ غَيْرُ مَعْرُوفٍ وَلَا مَقْبُولٍ وَلَوْ صَحَّ عَنْهُ لَكَانَ مَرْدُودًا بِالْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ الْمَشْهُورَةِ الْمَذْكُورَةِ فِي الصَّحِيحَيْنِ وَغَيْرِهِمَا فِي مُبَاشَرَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَوْقَ الْإِزَارِ وَإِذْنِهِ فِي ذَلِكَ بِإِجْمَاعِ الْمُسْلِمِينَ قَبْلَ الْمُخَالِفِ وَبَعْدَهُ ثُمَّ إِنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يكون على الموضع الذى يستمتع به شئ مِنَ الدَّمِ أَوْ لَا يَكُونَ هَذَا هُوَ الصَّوَابُ الْمَشْهُورُ الَّذِي قَطَعَ بِهِ جَمَاهِيرُ أَصْحَابِنَا وَغَيْرُهُمْ مِنَ الْعُلَمَاءِ لِلْأَحَادِيثِ الْمُطْلَقَةِ وَحَكَى الْمُحَامِلِيُّ مِنْ أَصْحَابِنَا وَجْهًا لِبَعْضِ أَصْحَابِنَا أَنَّهُ يَحْرُمُ مُبَاشَرَةُ مَا فَوْقَ السُّرَّةِ وَتَحْتَ الرُّكْبَةِ إِذَا كان عليه شئ مِنْ دَمِ الْحَيْضِ وَهَذَا الْوَجْهُ بَاطِلٌ لَا شَكَّ فِي بُطْلَانِهِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ الْقِسْمُ الثَّالِثُ الْمُبَاشَرَةُ فِيمَا بَيْنَ السُّرَّةِ وَالرُّكْبَةِ فِي غَيْرِ الْقُبُلِ وَالدُّبُرِ وَفِيهَا ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ لِأَصْحَابِنَا أَصَحُّهَا عند جماهيرهم وأشهرها فِي الْمَذْهَبِ أَنَّهَا حَرَامٌ وَالثَّانِي أَنَّهَا لَيْسَتْ بِحَرَامٍ وَلَكِنَّهَا مَكْرُوهَةٌ كَرَاهَةَ تَنْزِيهٍ وَهَذَا الْوَجْهُ أَقْوَى مِنْ حَيْثُ الدَّلِيلُ وَهُوَ الْمُخْتَارُ وَالْوَجْهُ الثَّالِثُ إِنْ كَانَ الْمُبَاشِرُ يَضْبِطُ نَفْسَهُ عَنِ الْفَرْجِ وَيَثِقُ مِنْ نَفْسِهِ بِاجْتِنَابِهِ إِمَّا لِضَعْفِ شَهْوَتِهِ وَإِمَّا لِشِدَّةِ وَرَعِهِ جَازَ وَإِلَّا فَلَا وهذا الوجه حسن قاله أبوالعباس الْبَصْرِيُّ مِنْ أَصْحَابِنَا وَمِمَّنْ ذَهَبَ إِلَى الْوَجْهِ الْأَوَّلِ وَهُوَ التَّحْرِيمُ مُطْلَقًا مَالِكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَهُوَ قَوْلُ أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ مِنْهُمْ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ وَشُرَيْحٌ وَطَاوُسٌ وَعَطَاءٌ وَسُلَيْمَانُ بْنُ يَسَارٍ وَقَتَادَةُ وَمِمَّنْ ذَهَبَ إِلَى الْجَوَازِ عِكْرِمَةُ وَمُجَاهِدٌ وَالشَّعْبِيُّ وَالنَّخَعِيُّ وَالْحَكَمُ وَالثَّوْرِيُّ وَالْأَوْزَاعِيُّ وَأَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ وَمُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ وَأَصْبَغُ وَإِسْحَاقُ بْنُ راهويه وأبو ثور وبن الْمُنْذِرِ وَدَاوُدُ وَقَدْ قَدَّمْنَا أَنَّ هَذَا الْمَذْهَبَ أَقْوَى دَلِيلًا وَاحْتَجُّوا بِحَدِيثِ أَنَسٍ الْآتِي اصْنَعُوا كل شئ إِلَّا النِّكَاحَ قَالُوا وَأَمَّا اقْتِصَارُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي مُبَاشَرَتِهِ عَلَى مَا فَوْقَ الْإِزَارِ فَمَحْمُولٌ عَلَى الِاسْتِحْبَابِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَاعْلَمْ أَنَّ تَحْرِيمَ الْوَطْءِ وَالْمُبَاشَرَةِ عَلَى قَوْلِ مَنْ يُحَرِّمُهُمَا يَكُونُ فِي مُدَّةِ الْحَيْضِ وَبَعْدَ انْقِطَاعِهِ إِلَى أَنْ تَغْتَسِلَ أَوْ تَتَيَمَّمَ إِنْ عَدِمَتِ الْمَاءَ بِشَرْطِهِ هَذَا مَذْهَبُنَا وَمَذْهَبُ مَالِكٍ وَأَحْمَدَ وَجَمَاهِيرِ السَّلَفِ

(3/205)


وَالْخَلَفِ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ إِذَا انْقَطَعَ الدَّمُ لِأَكْثَرِ الْحَيْضِ حَلَّ وَطْؤُهَا فِي الْحَالِ وَاحْتَجَّ الْجُمْهُورُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى وَلَا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ

(باب الِاضْطِجَاعِ مَعَ الْحَائِضِ فِي لحاف واحد)
فيه حَدِيثُ مَيْمُونَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ (كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَضْطَجِعُ مَعِي وَأَنَا حَائِضٌ وَبَيْنِي وَبَيْنَهُ ثَوْبٌ) وَفِيهِ أُمُّ سَلَمَةَ قَالَتْ (بَيْنَا أَنَا مُضْطَجِعَةٌ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في الْخَمِيلَةِ إِذْ حِضْتُ فَانْسَلَلْتُ فَأَخَذْتُ ثِيَابَ حِيضَتِي فَقَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَفِسْتِ قُلْتُ نَعَمْ فَدَعَانِي فَاضْطَجَعْتُ مَعَهُ فِي الْخَمِيلَةِ) الْخَمِيلَةُ بِفَتْحِ الْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ وَكَسْرِ الْمِيمِ قَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ الْخَمِيلَةُ وَالْخَمِيلُ بِحَذْفِ الْهَاءِ هِيَ الْقَطِيفَةُ وَكُلُّ ثَوْبٍ لَهُ خَمْلٌ من أى شئ كَانَ وَقِيلَ هِيَ الْأَسْوَدُ مِنَ الثِّيَابِ وَقَوْلُهَا انْسَلَلْتُ أَيْ ذَهَبْتُ فِي خُفْيَةٍ وَيَحْتَمِلُ ذَهَابُهَا أنها خافت وصول شئ

(3/206)


مِنَ الدَّمِ إِلَيْهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أو تقذرت نفسها ولم ترتربصها لِمُضَاجَعَتِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوْ خَافَتْ أَنْ يَطْلُبَ الِاسْتِمْتَاعَ بِهَا وَهِيَ عَلَى هَذِهِ الْحَالَةِ الَّتِي لَا يُمْكِنُ فِيهَا الِاسْتِمْتَاعُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَقَوْلُهَا فَأَخَذْتُ ثِيَابَ حِيضَتِي هِيَ بِكَسْرِ الْحَاءِ وَهِيَ حَالَةُ الْحَيْضِ أَيْ أَخَذْتُ الثِّيَابَ الْمُعَدَّةَ لِزَمَنِ الْحَيْضِ هَذَا هُوَ الصَّحِيحُ الْمَشْهُورُ الْمَعْرُوفُ فِي ضَبْطِ حِيضَتِي فِي هَذَا الْمَوْضِعِ قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ وَيُحْتَمَلُ فَتْحُ الْحَاءِ هُنَا أَيْضًا أَيِ الثِّيَابُ الَّتِي أَلْبَسُهَا فِي حَالِ حِيضَتِي فَإِنَّ الْحَيْضَةَ بِالْفَتْحِ هِيَ الْحَيْضُ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (أَنَفِسْتِ) هُوَ بِفَتْحِ النُّونِ وَكَسْرِ الْفَاءِ وَهَذَا هُوَ الْمَعْرُوفُ فِي الرِّوَايَةِ وَهُوَ الصَّحِيحُ الْمَشْهُورُ فِي اللُّغَةِ أَنَّ نَفِسْتِ بِفَتْحِ النُّونِ وَكَسْرِ الْفَاءِ مَعْنَاهُ حَاضَتْ وَأَمَّا فِي الْوِلَادَةِ فَيُقَالُ نَفُسَتْ بِضَمِّ النُّونِ وَكَسْرِ الْفَاءِ أَيْضًا وَقَالَ الْهَرَوِيُّ فِي الْوِلَادَةِ نَفُسَتْ بِضَمِّ النُّونِ وَفَتْحِهَا وَفِي الْحَيْضِ بِالْفَتْحِ لَا غَيْرُ وَقَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ رِوَايَتُنَا فِيهِ فِي مُسْلِمٍ بِضَمِّ النُّونِ هُنَا قَالَ وَهِيَ رِوَايَةُ أَهْلِ الْحَدِيثِ وَذَلِكَ صَحِيحٌ وَقَدْ نَقَلَ أَبُو حَاتِمٍ عَنِ الْأَصْمَعِيِّ الْوَجْهَيْنِ فِي الْحَيْضِ وَالْوِلَادَةِ وَذَكَرَ ذَلِكَ غَيْرُ وَاحِدٍ وَأَصْلُ ذَلِكَ كُلِّهِ خُرُوجُ الدَّمِ وَالدَّمُ يُسَمَّى نَفَسًا وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَأَمَّا أَحْكَامُ الْبَابِ فَفِيهِ جَوَازُ النَّوْمِ مَعَ الْحَائِضِ وَالِاضْطِجَاعِ مَعَهَا فِي لِحَافٍ وَاحِدٍ إِذَا كَانَ هُنَاكَ حَائِلٌ يَمْنَعُ مِنْ مُلَاقَاةِ الْبَشَرَةِ فِيمَا بَيْنَ السُّرَّةِ وَالرُّكْبَةِ أَوْ يَمْنَعُ الْفَرْجَ وَحْدَهُ عِنْدَ مَنْ لَا يُحَرِّمُ إِلَّا الْفَرْجَ قَالَ الْعُلَمَاءُ لَا تُكْرَهُ مُضَاجَعَةُ الْحَائِضِ وَلَا قُبْلَتُهَا وَلَا الِاسْتِمْتَاعُ بِهَا فِيمَا فَوْقَ السُّرَّةِ وَتَحْتَ الرُّكْبَةِ وَلَا يُكْرَهُ وَضْعُ يَدِهَا في شئ مِنَ الْمَائِعَاتِ وَلَا يُكْرَهُ غَسْلُهَا رَأْسَ زَوْجِهَا أَوْ غَيْرَهُ مِنْ مَحَارِمِهَا وَتَرْجِيلُهُ وَلَا يُكْرَهُ طَبْخُهَا وَعَجْنُهَا وَغَيْرُ ذَلِكَ مِنَ الصَّنَائِعِ وَسُؤْرُهَا وَعَرَقُهَا طَاهِرَانِ وَكُلُّ هَذَا مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَقَدْ نَقَلَ الْإِمَامُ أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ فِي كِتَابِهِ فِي مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ وَإِجْمَاعِ الْمُسْلِمِينَ عَلَى هَذَا كُلِّهِ وَدَلَائِلُهُ مِنَ السُّنَّةِ ظَاهِرَةٌ مَشْهُورَةٌ وَأَمَّا قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ في المحيض ولا تقربوهن حتى يطهرن فَالْمُرَادُ اعْتَزِلُوا وَطْأَهُنَّ وَلَا تَقْرَبُوا وَطْأَهُنَّ وَاللَّهُ أعلم

(3/207)


(باب جواز غسل الحائض رأس زوجها وترجيله وَطَهَارَةِ سُؤْرِهَا وَالِاتِّكَاءِ فِي حِجْرِهَا وَقِرَاءَةِ الْقُرْآنِ فِيهِ)
فِيهِ حَدِيثُ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ (كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا اعْتَكَفَ يُدْنِي إِلَيَّ رَأْسَهُ فَأُرَجِّلُهُ وَكَانَ لَا يَدْخُلُ الْبَيْتَ إِلَّا لِحَاجَةِ الْإِنْسَانِ) وَفِي رِوَايَةٍ فَأُغَسِّلُهُ وَفِيهِ حَدِيثُ مُنَاوَلَةِ الْخُمْرَةِ وَغَيْرُهُ قَدْ تَقَدَّمَ مَقْصُودُ فِقْهِ هَذَا الْبَابِ فِي الَّذِي قَبْلَهُ وَتَرْجِيلُ الشَّعْرِ تَسْرِيحُهُ وَهُوَ نحو قولها فَاغْسِلْهُ وَأَصْلُ الِاعْتِكَافِ فِي اللُّغَةِ الْحَبْسُ وَهُوَ فِي الشَّرْعِ حَبْسُ النَّفْسِ فِي الْمَسْجِدِ خَاصَّةً مَعَ النِّيَّةِ وَقَوْلُهَا وَهُوَ مُجَاوِرٌ أَيْ مُعْتَكِفٌ وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ فَوَائِدُ كَثِيرَةٌ تَتَعَلَّقُ بِالِاعْتِكَافِ وَسَيَأْتِي فِي بَابِهِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَمِمَّا تَقَدَّمَهُ أَنَّ فِيهِ أَنَّ الْمُعْتَكِفَ إِذَا خَرَجَ بَعْضُهُ مِنَ الْمَسْجِدِ كَيَدِهِ وَرِجْلِهِ وَرَأْسِهِ لَمْ يَبْطُلِ اعْتِكَافُهُ وَأَنَّ مَنْ حَلَفَ أَنْ لَا يَدْخُلَ دَارًا أَوْ لَا يَخْرُجَ مِنْهَا فَأَدْخَلَ أَوْ أَخْرَجَ بَعْضَهُ لَا يَحْنَثُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَفِيهِ جَوَازُ اسْتِخْدَامِ الزَّوْجَةِ فِي الْغَسْلِ وَالطَّبْخِ وَالْخَبْزِ وَغَيْرِهَا بِرِضَاهَا وَعَلَى هَذَا تَظَاهَرَتْ دَلَائِلُ السُّنَّةِ وَعَمَلِ السَّلَفِ وَإِجْمَاعِ الْأُمَّةِ وَأَمَّا

(3/208)


بِغَيْرِ رِضَاهَا فَلَا يَجُوزُ لِأَنَّ الْوَاجِبَ عَلَيْهَا تَمْكِينُ الزَّوْجِ مِنْ نَفْسِهَا وَمُلَازَمَةُ بَيْتِهِ فَقَطْ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَقَوْلُهَا (قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَاوِلِينِي الْخُمْرَةَ مِنَ الْمَسْجِدِ فَقُلْتُ إِنِّي حَائِضٌ فَقَالَ إِنَّ حَيْضَتَكِ لَيْسَتْ فِي يَدِكِ) أَمَّا الْخُمْرَةُ فَبِضَمِّ الْخَاءِ وَإِسْكَانِ الْمِيمِ قَالَ الْهَرَوِيُّ وَغَيْرُهُ هِيَ هَذِهِ السَّجَّادَةُ وَهِيَ مَا يَضَعُ عَلَيْهِ الرَّجُلُ جُزْءَ وَجْهِهِ فِي سُجُودِهِ مِنْ حَصِيرٍ أَوْ نَسِيجَةٍ مِنْ خُوصٍ هَكَذَا قَالَهُ الْهَرَوِيُّ وَالْأَكْثَرُونَ وَصَرَّحَ جَمَاعَةٌ مِنْهُمْ بِأَنَّهَا لَا تَكُونُ إِلَّا هَذَا الْقَدْرَ وَقَالَ الْخَطَّابِيُّ هِيَ السَّجَّادَةُ يَسْجُدُ عَلَيْهَا الْمُصَلِّي وَقَدْ جَاءَ فِي سُنَنِ أَبِي دَاوُدَ عن بن عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ جَاءَتْ فَأْرَةٌ فَأَخَذَتْ تَجُرُّ الْفَتِيلَةَ فَجَاءَتْ بِهَا فَأَلْقَتْهَا بَيْنَ يَدَيْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى الْخُمْرَةِ الَّتِي كَانَ قَاعِدًا عَلَيْهَا فَأَحْرَقَتْ مِنْهَا مِثْلَ مَوْضِعِ دِرْهَمٍ فَهَذَا تَصْرِيحٌ بِإِطْلَاقِ الخمرة على مازاد على قدر الوجه وسمت

(3/209)


خُمْرَةٌ لِأَنَّهَا تُخَمِّرُ الْوَجْهَ أَيْ تُغَطِّيهِ وَأَصْلُ التَّخْمِيرِ التَّغْطِيَةُ وَمِنْهُ خِمَارُ الْمَرْأَةِ وَالْخَمْرُ لِأَنَّهَا تُغَطِّي الْعَقْلَ وَقَوْلُهَا مِنَ الْمَسْجِدِ قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ مَعْنَاهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَهَا ذَلِكَ مِنَ الْمَسْجِدِ أَيْ وَهُوَ فِي الْمَسْجِدِ لِتُنَاوِلِهُ إِيَّاهَا مِنْ خَارِجِ الْمَسْجِدِ لَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَهَا أَنْ تُخْرِجَهَا لَهُ مِنَ الْمَسْجِدِ لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ فِي الْمَسْجِدِ مُعْتَكِفًا وَكَانَتْ عَائِشَةُ فِي حُجْرَتِهَا وَهِيَ حَائِضٌ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّ حَيْضَتَكِ لَيْسَتْ فِي يَدِكِ فَإِنَّمَا خَافَتْ مِنْ إِدْخَالِ يَدِهَا الْمَسْجِدَ وَلَوْ كَانَ أَمَرَهَا بِدُخُولِ الْمَسْجِدِ لَمْ يَكُنْ لِتَخْصِيصِ الْيَدِ مَعْنًى وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَأَمَّا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّ حَيْضَتَكِ لَيْسَتْ فِي يَدِكِ فَهُوَ بِفَتْحِ الْحَاءِ هَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ فِي الرِّوَايَةِ وَهُوَ الصَّحِيحُ وَقَالَ الْإِمَامُ أَبُو سُلَيْمَانَ الْخَطَّابِيُّ الْمُحَدِّثُونَ يَقُولُونَهَا بِفَتْحِ الْحَاءِ وَهُوَ خَطَأٌ وَصَوَابُهَا بِالْكَسْرِ أَيِ الْحَالَةَ وَالْهَيْئَةَ وَأَنْكَرَ الْقَاضِي عِيَاضٌ هَذَا عَلَى الْخَطَّابِيِّ وَقَالَ الصَّوَابُ هُنَا مَا قَالَهُ الْمُحَدِّثُونَ مِنَ الْفَتْحِ لِأَنَّ الْمُرَادَ الدَّمُ وَهُوَ الْحَيْضُ بِالْفَتْحِ بِلَا شَكٍّ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيْسَتْ فِي يَدِكَ مَعْنَاهُ أَنَّ النَّجَاسَةَ الَّتِي يُصَانُ الْمَسْجِدُ عَنْهَا وَهِيَ دَمُ

(3/210)


الْحَيْضِ لَيْسَتْ فِي يَدِكَ وَهَذَا بِخِلَافِ حَدِيثِ أُمِّ سَلَمَةَ فَأَخَذْتُ ثِيَابَ حِيضَتِي فَإِنَّ الصَّوَابَ فِيهِ الْكَسْرُ هَذَا كَلَامُ الْقَاضِي عِيَاضٍ وَهَذَا الَّذِي اخْتَارَهُ مِنَ الْفَتْحِ هُوَ الظَّاهِرُ هُنَا وَلِمَا قَالَهُ الْخَطَّابِيُّ وَجْهٌ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَقَوْلُهَا وتعرق الْعَرْقَ هُوَ بِفَتْحِ الْعَيْنِ وَإِسْكَانِ الرَّاءِ وَهُوَ الْعَظْمُ الَّذِي عَلَيْهِ بَقِيَّةٌ مِنْ لَحْمٍ هَذَا هُوَ الْأَشْهَرُ فِي مَعْنَاهُ وَقَالَ أَبُو عُبَيْدٍ هُوَ الْقَدْرُ مِنَ اللَّحْمِ وَقَالَ الْخَلِيلُ هُوَ الْعَظْمُ بِلَا لَحْمٍ وَجَمْعُهُ عُرَاقٌ بِضَمِّ الْعَيْنِ وَيُقَالُ عَرَقْتَ الْعَظْمَ وَتَعَرَّقْتَهُ وَاعْتَرَقْتَهُ إِذَا أَخَذْتُ عَنْهُ اللَّحْمَ بِأَسْنَانِكَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهَا (كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَتَّكِئُ فِي حِجْرِي وَأَنَا حَائِضٌ فَيَقْرَأُ الْقُرْآنَ) فِيهِ جَوَازُ قِرَاءَةِ الْقُرْآنِ مُضْطَجِعًا وَمُتَّكِئًا عَلَى الْحَائِضِ وَبِقُرْبِ مَوْضِعِ النَّجَاسَةِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ (وَلَمْ يُجَامِعُوهُنَّ فِي الْبُيُوتِ) أَيْ لَمْ يُخَالِطُوهُنَّ وَلَمْ يُسَاكِنُوهُنَّ فِي بَيْتٍ وَاحِدٍ قَوْلُهُ تَعَالَى وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ في المحيض أما المحيض الْأَوَّلُ فَالْمُرَادُ بِهِ الدَّمُ وَأَمَّا الثَّانِي فَاخْتُلِفَ فِيهِ فَمَذْهَبُنَا أَنَّهُ الْحَيْضُ وَنَفَسُ الدَّمِ

(3/211)


وَقَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ هُوَ الْفَرْجُ وَقَالَ الْآخَرُونَ هُوَ زَمَنُ الْحَيْضِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ (فَجَاءَ اسيد بن حُضَيْرٍ) هُمَا بِضَمِّ أَوَّلُهُمَا وَحُضَيْرٌ بِالْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَفَتْحِ الضَّادِ الْمُعْجَمَةِ قَوْلُهُ (وَجَدَ عَلَيْهِمَا) أَيْ غضب

(باب المذي)
فيه (محمد بن الْحَنَفِيَّةِ عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ كنت رجلا مذاء فكنت ستحيي أن سَأَلَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِمَكَانِ ابْنَتِهِ فَأَمَرْتُ الْمِقْدَادَ بْنَ الْأَسْوَدِ فَسَأَلَهُ فَقَالَ يَغْسِلُ ذَكَرَهُ وَيَتَوَضَّأُ) وَفِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى (مِنْهُ الْوُضُوءُ) وَفِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى

(3/212)


(تَوَضَّأْ وَانْضِحْ فَرْجَكَ) فِي الْمَذْيِ لُغَاتٌ مَذْيٌ بفتح الميم واسكان الذال ومذى بكسر الذال وتشديد الياء ومذى بكسر الذال وتخفيف الياء فالأوليان مشهورتان أولاهما أَفْصَحُهُمَا وَأَشْهَرُهُمَا وَالثَّالِثَةُ حَكَاهَا أَبُو عَمْرٍو الزَّاهِدُ عن بن الاعرابي ويقال مذي وأمذي ومدي الثالثة بالتشديد والمذي ماء أبيض دقيق لَزِجٌ يَخْرُجُ عِنْدَ شَهْوَةٍ لَا بِشَهْوَةٍ وَلَا دَفْقٍ وَلَا يَعْقُبُهُ فُتُورٌ وَرُبَّمَا لَا يُحَسُّ بِخُرُوجِهِ وَيَكُونُ ذَلِكَ لِلرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ وَهُوَ فِي النِّسَاءِ أَكْثَرُ مِنْهُ فِي الرِّجَالِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَأَمَّا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (وَانْضِحْ فَرْجَكَ) فَمَعْنَاهُ اغْسِلْهُ فَإِنَّ النَّضْحَ يَكُونُ غَسْلًا وَيَكُونُ رَشًّا وَقَدْ جَاءَ فِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى يَغْسِلُ ذَكَرَهُ فَيَتَعَيَّنُ حَمْلُ النَّضْحِ عَلَيْهِ وَانْضِحْ بِكَسْرِ الضَّادِ وَقَدْ تَقَدَّمَ بَيَانُهُ قَوْلُهُ كُنْتُ رَجُلًا مَذَّاءً أَيْ كَثِيرَ الْمَذْيِ وَهُوَ بِفَتْحِ الْمِيمِ وَتَشْدِيدِ الذَّالِ وَبِالْمَدِّ وَأَمَّا حُكْمُ خُرُوجِ الْمَذْيِ فَقَدْ أَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ عَلَى أَنَّهُ لَا يُوجِبُ الْغُسْلَ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ وَالْجَمَاهِيرُ يُوجِبُ الْوُضُوءَ لِهَذَا الْحَدِيثِ وَفِي الْحَدِيثِ مِنَ الْفَوَائِدِ أَنَّهُ لَا يُوجِبَ الْغُسْلَ وَأَنَّهُ يُوجِبُ الْوُضُوءَ وَأَنَّهُ نَجَسٌ وَلِهَذَا أَوْجَبَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غَسْلَ الذَّكَرِ وَالْمُرَادُ بِهِ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وَالْجَمَاهِيرِ غَسْلُ مَا أَصَابَهُ الْمَذْيُ لَا غَسْلُ جَمِيعِ الذَّكَرِ وَحُكِيَ عَنْ مَالِكٍ وَأَحْمَدَ فِي رِوَايَةٍ عَنْهُمَا إِيجَابُ غَسْلِ جَمِيعِ الذَّكَرِ وَفِيهِ أَنَّ الِاسْتِنْجَاءَ بِالْحَجَرِ إِنَّمَا يَجُوزُ الِاقْتِصَارُ عَلَيْهِ فِي النَّجَاسَةِ الْمُعْتَادَةِ وَهِيَ الْبَوْلُ وَالْغَائِطُ أَمَّا النَّادِرُ كَالدَّمِ وَالْمَذْيِ وَغَيْرِهِمَا فَلَا بُدَّ فِيهِ مِنَ الْمَاءِ وَهَذَا أَصَحُّ الْقَوْلَيْنِ في مذهبنا وللقائل الْآخَرُ بِجَوَازِ الِاقْتِصَارِ فِيهِ عَلَى الْحَجَرِ قِيَاسًا عَلَى الْمُعْتَادِ أَنْ يُجِيبَ عَنْ هَذَا الْحَدِيثِ بِأَنَّهُ خُرِّجَ عَلَى الْغَالِبِ فِيمَنْ هُوَ فِي بَلَدٍ أَنْ يَسْتَنْجِيَ بِالْمَاءِ أَوْ يَحْمِلُهُ عَلَى الِاسْتِحْبَابِ وَفِيهِ جَوَازُ الِاسْتِنَابَةِ فِي الِاسْتِفْتَاءِ وَأَنَّهُ يَجُوزُ الِاعْتِمَادُ عَلَى الْخَبَرِ الْمَظْنُونِ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى الْمَقْطُوعِ بِهِ لِكَوْنِ عَلِيٍّ اقْتَصَرَ عَلَى قَوْلِ الْمِقْدَادِ مَعَ تَمَكُّنِهِ مِنْ سُؤَالِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَّا أَنَّ هَذَا قَدْ يُنَازَعُ فِيهِ وَيُقَالُ فَلَعَلَّ عَلِيًّا كَانَ حَاضِرًا مَجْلِسَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقْتَ السُّؤَالِ وَإِنَّمَا

(3/213)


اسْتَحْيَا أَنْ يَكُونَ السُّؤَالُ مِنْهُ بِنَفْسِهِ وَفِيهِ اسْتِحْبَابُ حُسْنِ الْعِشْرَةِ مَعَ الْأَصْهَارِ وَأَنَّ الزَّوْجَ يستحب له أن لا يذكر بِجِمَاعِ النِّسَاءِ وَالِاسْتِمْتَاعِ بِهِنَّ بِحَضْرَةِ أَبِيهَا وَأَخِيهَا وَابْنِهَا وَغَيْرِهِمْ مِنْ أَقَارِبِهَا وَلِهَذَا قَالَ عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَكُنْتُ أَسْتَحْيِي أَنْ أَسْأَلَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِمَكَانِ ابْنَتِهِ مَعْنَاهُ أَنَّ الْمَذْيَ يَكُونُ غَالِبًا عِنْدَ مُلَاعَبَةِ الزَّوْجَةِ وَقُبْلَتِهَا وَنَحْوِ ذَلِكَ مِنْ أَنْوَاعِ الِاسْتِمْتَاعِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ فِي الْإِسْنَادِ الْأَخِيرِ مِنَ الْبَابِ (وَحَدَّثَنِي هَارُونُ بْنُ سَعِيدٍ الْأَيْلِيُّ وأحمد بن عيسى قالا حدثنا بن وَهْبٍ قَالَ أَخْبَرَنِي مَخْرَمَةُ بْنُ بُكَيْرٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي سليمان بن يسار عن بن عَبَّاسٍ قَالَ قَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ أَرْسَلْنَا الْمِقْدَادُ) هَذَا الْإِسْنَادُ مِمَّا اسْتَدْرَكَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ وَقَالَ قَالَ حَمَّادُ بْنُ خَالِدٍ سَأَلْتُ مَخْرَمَةَ هَلْ سَمِعْتَ مِنْ أَبِيكَ فَقَالَ لَا وَقَدْ خَالَفَهُ اللَّيْثُ عَنْ بُكَيْرٍ فَلَمْ يَذْكُرْ فِيهِ بن عَبَّاسٍ وَتَابَعَهُ مَالِكٌ عَنْ أَبِي النَّضْرِ هَذَا كَلَامُ الدَّارَقُطْنِيِّ وَقَدْ قَالَ النَّسَائِيُّ أَيْضًا فِي سُنَنِهِ مَخْرَمَةُ لَمْ يَسْمَعْ مِنْ أَبِيهِ شَيْئًا وَرَوَى النَّسَائِيُّ هَذَا الْحَدِيثَ مِنْ طُرُقٍ وَبَعْضُهَا طَرِيقُ مُسْلِمٍ هَذِهِ الْمَذْكُورَةُ وَفِي بَعْضِهَا عَنِ اللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ عَنْ بُكَيْرٍ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ قَالَ أَرْسَلَ عَلِيٌّ الْمِقْدَادَ هَكَذَا أَتَى بِهِ مُرْسَلًا وَقَدِ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي سَمَاعِ مَخْرَمَةَ مِنْ أَبِيهِ فَقَالَ مَالِكٌ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قُلْتُ لِمَخْرَمَةَ مَا حَدَّثْتَ بِهِ عَنْ أَبِيكَ سَمِعْتَهُ مِنْهُ فَحَلَفَ بِاللَّهِ لَقَدْ سَمِعْتُهُ قَالَ مَالِكٌ وَكَانَ مَخْرَمَةُ رَجُلًا صَالِحًا وَكَذَا قَالَ مَعْنُ بْنُ عِيسَى إِنَّ مَخْرَمَةَ سَمِعَ مِنْ أَبِيهِ وَذَهَبَ جَمَاعَاتٌ إِلَى أَنَّهُ لَمْ يَسْمَعْهُ قَالَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ لَمْ يَسْمَعْ مَخْرَمَةُ مِنْ أَبِيهِ شَيْئًا إِنَّمَا يَرْوِي من كتاب أبيه وقال يحيىبن معين وبن أَبِي خَيْثَمَةَ يُقَالُ وَقَعَ إِلَيْهِ كِتَابُ أَبِيهِ وَلَمْ يَسْمَعْ مِنْهُ وَقَالَ مُوسَى بْنُ سَلَمَةَ قُلْتُ لِمَخْرَمَةَ حَدَّثَكَ أَبُوكَ فَقَالَ لَمْ أُدْرِكْ أَبِي وَلَكِنْ هَذِهِ كُتُبُهُ وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ مَخْرَمَةُ صَالِحُ الْحَدِيثِ إِنْ كَانَ سَمِعَ مِنْ أَبِيهِ وَقَالَ عَلِيُّ بْنُ الْمَدِينِيِّ وَلَا أَظُنُّ مَخْرَمَةَ سَمِعَ مِنْ أَبِيهِ كِتَابَ سُلَيْمَانَ بْنِ يسار ولعله سمع الشئ الْيَسِيرَ وَلَمْ أَجِدْ أَحَدًا بِالْمَدِينَةِ يُخْبِرُ عَنْ مخرمة أنه كان يقول في شئ مِنْ حَدِيثِهِ سَمِعْتُ أَبِي وَاللَّهُ أَعْلَمُ فَهَذَا كَلَامُ أَئِمَّةِ هَذَا الْفَنِّ وَكَيْفَ كَانَ فَمَتْنُ الْحَدِيثِ صَحِيحٌ مِنَ الطُّرُقِ الَّتِي ذَكَرَهَا مُسْلِمٌ قيل هَذِهِ الطَّرِيقِ وَمِنَ الطَّرِيقِ الَّتِي ذَكَرَهَا غَيْرُهُ والله أعلم

(3/214)


(بَابُ غَسْلِ الْوَجْهِ وَالْيَدَيْنِ إِذَا اسْتَيْقَظَ مِنَ النوم)
فيه (بن عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَامَ مِنَ اللَّيْلِ فَقَضَى حَاجَتَهُ ثُمَّ غَسَلَ وَجْهَهُ وَيَدَيْهِ ثُمَّ نَامَ) الظَّاهِرُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ أَنَّ الْمُرَادَ بِقَضَاءِ الْحَاجَةِ الْحَدَثُ وَكَذَا قَالَهُ الْقَاضِي عِيَاضٌ وَالْحِكْمَةُ فِي غَسْلِ الْوَجْهِ إِذْهَابُ النُّعَاسِ وَآثَارِ النَّوْمِ وَأَمَّا غسل اليد فقال القاضي لعله كان لشئ نَالَهُمَا وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ أَنَّ النَّوْمَ بَعْدَ الِاسْتِيقَاظِ فِي اللَّيْلِ لَيْسَ بِمَكْرُوهٍ وَقَدْ جَاءَ عَنْ بَعْضِ زُهَّادِ السَّلَفِ كَرَاهَةُ ذَلِكَ وَلَعَلَّهُمْ وَلَعَلَّهُمْ أَرَادُوا مَنْ لَمْ يَأْمَنِ اسْتِغْرَاقَ النَّوْمِ بِحَيْثُ يُفَوِّتُهُ وَظِيفَتَهُ وَلَا يَكُونُ مُخَالِفًا لِمَا فَعَلَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَإِنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَأْمَنُ مِنْ فَوَاتِ أَوْرَادِهِ وَوَظِيفَتِهِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ

(باب جَوَازِ نَوْمِ الْجُنُبِ وَاسْتِحْبَابِ الْوُضُوءِ لَهُ)
(وَغَسْلِ الْفَرْجِ إِذَا أَرَادَ أَنْ يَأْكُلَ أَوْ يَشْرَبَ أَوْ يَنَامَ أَوْ يُجَامِعَ) فِيهِ حَدِيثُ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا (أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إِذَا أَرَادَ أَنْ يَنَامَ وهو جنب

(3/215)


توضأ وضوءه للصلاة قبل أن ينام) وفى رِوَايَةٍ (إِذَا كَانَ جُنُبًا فَأَرَادَ أَنْ يَأْكُلَ أَوْ يَنَامَ تَوَضَّأَ وُضُوءَهُ لِلصَّلَاةِ) وَفِي رِوَايَةِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ (يَا رَسُولَ اللَّهِ أَيَرْقُدُ أَحَدُنَا وَهُوَ جُنُبٍ قَالَ نَعَمْ إِذَا تَوَضَّأَ) وَفِي رِوَايَةٍ (نَعَمْ لِيَتَوَضَّأْ ثُمَّ لْيَنَمْ حَتَّى يَغْتَسِلَ إِذَا شَاءَ) وَفِي رِوَايَةٍ (تَوَضَّأْ وَاغْسِلْ ذَكَرَكَ ثُمَّ نَمْ) وَفِي رِوَايَةٍ

(3/216)


(إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كَانَ إِذَا كَانَ جُنُبًا رُبَّمَا اغْتَسَلَ فَنَامَ وَرُبَّمَا تَوَضَّأَ فَنَامَ) وَفِي رِوَايَةٍ (إِذَا أَتَى أَحَدُكُمْ أَهْلَهُ ثُمَّ أَرَادَ أَنْ يَعُودَ فَلْيَتَوَضَّأْ بَيْنَهُمَا وُضُوءًا) وَفِي رِوَايَةٍ (أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَطُوفُ عَلَى نِسَائِهِ بِغُسْلٍ وَاحِدٍ) حَاصِلُ الْأَحَادِيثِ كُلِّهَا أَنَّهُ يَجُوزُ لِلْجُنُبِ أَنْ يَنَامَ وَيَأْكُلَ وَيَشْرَبَ وَيُجَامِعَ قَبْلَ الِاغْتِسَالِ وَهَذَا مُجْمَعٌ عَلَيْهِ وَأَجْمَعُوا عَلَى أن بدن الجنب وغرقه طَاهِرَانِ وَفِيهَا أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ أَنْ يَتَوَضَّأَ وَيَغْسِلَ فَرْجَهُ لِهَذِهِ الْأُمُورِ كُلِّهَا وَلَا سِيَّمَا إِذَا أَرَادَ جِمَاعَ مَنْ لَمْ يُجَامِعْهَا فَإِنَّهُ يَتَأَكَّدُ اسْتِحْبَابُ غَسْلِ ذَكَرِهِ وَقَدْ نَصَّ أَصْحَابُنَا أَنَّهُ يُكْرَهُ النَّوْمُ وَالْأَكْلُ وَالشُّرْبُ وَالْجِمَاعُ قَبْلَ الْوُضُوءِ وَهَذِهِ الْأَحَادِيثُ تَدُلُّ عَلَيْهِ وَلَا خِلَافَ عِنْدَنَا أَنَّ هَذَا الْوُضُوءَ لَيْسَ بِوَاجِبٍ وَبِهَذَا قَالَ مالك والجمهور وذهب بن حَبِيبٍ مِنْ أَصْحَابِ مَالِكٍ إِلَى وُجُوبِهِ

(3/217)


وَهُوَ مَذْهَبُ دَاوُدَ الظَّاهِرِيِّ وَالْمُرَادُ بِالْوُضُوءِ وُضُوءُ الصلاة الكامل وأما حديث بن عَبَّاسٍ الْمُتَقَدِّمُ فِي الْبَابِ قَبْلِهِ فِي الِاقْتِصَارِ عَلَى الْوَجْهِ وَالْيَدَيْنِ فَقَدْ قَدَّمْنَا أَنَّ ذَلِكَ لَمْ يَكُنْ فِي الْجَنَابَةِ بَلْ فِي الْحَدَثِ الْأَصْغَرِ وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي إِسْحَاقَ السَّبِيعِيِّ عَنِ الْأَسْوَدِ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَنَامُ وَهُوَ جُنُبٌ وَلَا يَمَسَّ مَاءً رَوَاهُ أَبُو داود والترمذى والنسائى وبن مَاجَهْ وَغَيْرُهُمْ فَقَالَ أَبُو دَاوُدَ عَنْ يَزِيدَ بْنِ هَارُونَ وَهَمَ أَبُو إِسْحَاقَ فِي هَذَا يَعْنِي فِي قَوْلِهِ لَا يَمَسُّ مَاءً وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ يَرَوْنَ أَنَّ هَذَا غَلَطٌ مِنْ أَبِي إِسْحَاقَ وَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ طَعَنَ الْحُفَّاظُ فِي هَذِهِ اللَّفْظَةِ فَبَانَ بِمَا ذَكَرْنَاهُ ضَعْفُ الْحَدِيثِ وَإِذَا ثبت ضعفه لم يبق فيه ما يعترض به على ما قدمناه ولوصح لَمْ يَكُنْ أَيْضًا مُخَالِفًا بَلْ كَانَ لَهُ جَوَابَانِ أَحَدُهُمَا جَوَابُ الْإِمَامَيْنِ الْجَلِيلَيْنِ أَبِي الْعَبَّاسِ بْنِ شُرَيْحٍ وَأَبِي بَكْرٍ الْبَيْهَقِيِّ أَنَّ الْمُرَادَ لَا يَمَسَّ مَاءً لِلْغُسْلِ وَالثَّانِي وَهُوَ عِنْدِي حَسَنٌ أَنَّ الْمُرَادَ أَنَّهُ كَانَ فِي بَعْضِ الْأَوْقَاتِ لَا يَمَسَّ مَاءً أَصْلًا لِبَيَانِ الْجَوَازِ إِذْ لَوْ وَاظَبَ عَلَيْهِ لَتُوُهِّمَ وُجُوبُهُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَأَمَّا طَوَافُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى نِسَائِهِ بِغُسْلٍ وَاحِدٍ فَيَحْتَمِلُ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَتَوَضَّأُ بَيْنَهُمَا أَوْ يَكُونُ الْمُرَادُ بَيَانَ جَوَازِ تَرْكِ الْوُضُوءِ وَقَدْ جَاءَ فِي سُنَنِ أَبِي دَاوُدَ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ طَافَ عَلَى نِسَائِهِ ذَاتَ لَيْلَةٍ يَغْتَسِلُ عِنْدَ هَذِهِ وَعِنْدَ هَذِهِ فَقِيلَ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَلَا تَجْعَلُهُ غُسْلًا وَاحِدًا فَقَالَ هَذَا أَزْكَى وَأَطْيَبُ وَأَطْهَرُ قَالَ أَبُو دَاوُدَ وَالْحَدِيثُ الْأَوَّلُ أَصَحُّ قُلْتُ وَعَلَى تَقْدِيرِ صِحَّتِهِ يَكُونُ هَذَا فِي وَقْتٍ وَذَاكَ فِي وَقْتٍ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي حِكْمَةِ هَذَا الْوُضُوءِ فَقَالَ أَصْحَابُنَا لِأَنَّهُ يُخَفِّفُ الْحَدَثَ فَإِنَّهُ يَرْفَعُ الْحَدَثَ عَنْ أَعْضَاءِ الْوُضُوءِ وَقَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْمَازِرِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ اخْتُلِفَ فِي تَعْلِيلِهِ فَقِيلَ لِيَبِيتَ عَلَى إِحْدَى الطَّهَارَتَيْنِ خَشْيَةَ أَنْ يَمُوتَ فِي مَنَامِهِ وَقِيلَ بَلْ لَعَلَّهُ أَنْ يَنْشَطَ إِلَى الْغُسْلِ إِذَا نَالَ الْمَاءُ أَعْضَاءَهُ قَالَ الْمَازِرِيُّ وَيَجْرِي هَذَا الْخِلَافُ فِي وُضُوءِ الْحَائِضِ قَبْلَ أَنْ تَنَامَ فَمَنْ عَلَّلَ بِالْمَبِيتِ عَلَى طَهَارَةٍ اسْتَحَبَّهُ لَهَا هَذَا كَلَامُ الْمَازِرِيِّ وَأَمَّا أَصْحَابُنَا فَإِنَّهُمْ مُتَّفِقُونَ عَلَى أَنَّهُ لَا يُسْتَحَبُّ الْوُضُوءُ لِلْحَائِضِ وَالنُّفَسَاءِ لِأَنَّ الْوُضُوءَ لَا يُؤَثِّرُ فِي حَدَثِهِمَا فَإِنْ كَانَتِ الْحَائِضُ قَدِ انْقَطَعَتْ حَيْضَتُهَا صَارَتْ كَالْجُنُبِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَأَمَّا طَوَافُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى نِسَائِهِ بِغُسْلٍ وَاحِدٍ فَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّهُ كَانَ بِرِضَاهُنَّ أَوْ بِرِضَى صَاحِبَةِ النَّوْبَةِ إِنْ كَانَتْ نَوْبَةً وَاحِدَةً وَهَذَا التَّأْوِيلُ يَحْتَاجُ إِلَيْهِ مَنْ يَقُولُ كَانَ الْقَسْمُ وَاجِبًا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الدَّوَامِ كَمَا يَجِبُ عَلَيْنَا وَأَمَّا مَنْ لَا يُوجِبُهُ فَلَا يَحْتَاجُ إِلَى تَأْوِيلٍ فَإِنَّ لَهُ أَنْ يَفْعَلَ مَا يَشَاءُ

(3/218)


وَهَذَا الْخِلَافُ فِي وُجُوبِ الْقَسْمِ هُوَ وَجْهَانِ لِأَصْحَابِنَا وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَفِي هَذِهِ الْأَحَادِيثِ الْمَذْكُورَةِ فِي الْبَابِ أَنَّ غُسْلَ الْجَنَابَةِ لَيْسَ عَلَى الْفَوْرِ وَإِنَّمَا يَتَضَيَّقُ عَلَى الْإِنْسَانِ عِنْدَ الْقِيَامِ إِلَى الصَّلَاةِ وَهَذَا بِإِجْمَاعِ الْمُسْلِمِينَ وَقَدِ اخْتَلَفَ أصحابنا فى الموجب لغسل الجنابة هل هو حُصُولُ الْجَنَابَةِ بِالْتِقَاءِ الْخِتَانَيْنِ أَوْ إِنْزَالُ الْمَنِيِّ أَمْ هُوَ الْقِيَامُ إِلَى الصَّلَاةِ أَمْ هُوَ حُصُولُ الْجَنَابَةِ مَعَ الْقِيَامِ إِلَى الصَّلَاةِ فِيهِ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ لِأَصْحَابِنَا وَمَنْ قَالَ يَجِبُ بِالْجَنَابَةِ قَالَ هُوَ وُجُوبٌ مُوَسَّعٌ وَكَذَا اخْتَلَفُوا فِي مُوجِبِ الْوُضُوءِ هَلْ هُوَ الْحَدَثُ أَمِ الْقِيَامُ إِلَى الصَّلَاةِ أَمِ الْمَجْمُوعُ وَكَذَا اخْتَلَفُوا فِي الْمُوجِبِ لِغُسْلِ الْحَيْضِ هَلْ هُوَ خُرُوجُ الدَّمِ أَمِ انْقِطَاعِهِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَأَمَّا مَا يَتَعَلَّقُ بِأَسَانِيدِ الْبَابِ فقوله قال بن الْمُثَنَّى فِي حَدِيثِهِ حَدَّثَنَا الْحَكَمُ سَمِعْتُ إِبْرَاهِيمَ يحدث معناه قال بن الْمُثَنَّى فِي رِوَايَتِهِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرٍ عَنْ شُعْبَةَ قَالَ شُعْبَةُ حَدَّثَنَا الْحَكَمُ قَالَ سَمِعْتُ إِبْرَاهِيمَ يُحَدِّثُ وَفِي الرِّوَايَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ شُعْبَةُ عَنِ الْحَكَمِ عَنْ إِبْرَاهِيمَ وَالْمَقْصُودُ أَنَّ الرِّوَايَةَ الثَّانِيَةَ أَقْوَى مِنَ الْأُولَى فَإِنَّ الْأُولَى بِعَنْ عَنْ وَالثَّانِيَةَ بِحَدَّثَنَا وَسَمِعْتُ وَقَدْ عَلِمَ أَنَّ حَدَّثَنَا وَسَمِعْتُ أَقْوَى مِنْ عَنْ وَقَدْ قَالَتْ جَمَاعَةٌ مِنَ الْعُلَمَاءِ إِنَّ عَنْ لَا تَقْتَضِي الِاتِّصَالَ وَلَوْ كَانَتْ مِنْ غَيْرِ مُدَلِّسٍ وَقَدْ قَدَّمْنَا إِيضَاحَ هَذَا فِي الْفُصُولِ وَفِي مَوَاضِعَ كَثِيرَةٍ بَعْدَهَا وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَفِيهِ مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي بَكْرٍ الْمُقَدَّمِيُّ هُوَ بِفَتْحِ الدَّالِ الْمُشَدَّدَةِ مَنْسُوبٌ إِلَى جَدِّهِ مُقَدَّمٍ وَقَدْ تَقَدَّمَ بَيَانُهُ مَرَّاتٍ وَفِيهِ أَبُو الْمُتَوَكِّلِ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ هُوَ أَبُو الْمُتَوَكِّلِ النَّاجِيُّ وَاسْمُهُ عَلِيُّ بْنُ داود وقيل بن داود بِضَمِّ الدَّالِ مَنْسُوبٌ إِلَى بَنِي نَاجِيَةَ قَبِيلَةٍ مَعْرُوفَةٍ وَاللَّهُ أَعْلَمُ

(بَابُ وُجُوبِ الْغُسْلِ عَلَى الْمَرْأَةِ بِخُرُوجِ الْمَنِيِّ مِنْهَا)
فِيهِ (أَنَّ أُمَّ سُلَيْمٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعِنْدَهُ عَائِشَةُ رَضِيَ الله عنها

(3/219)


يَا رَسُولَ اللَّهِ الْمَرْأَةُ تَرَى مَا يَرَى الرَّجُلُ فِي الْمَنَامِ فَتَرَى مِنْ نَفْسِهَا مَا يَرَى الرَّجُلُ مِنْ نَفْسِهِ فَقَالَتْ عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا يَا أُمَّ سُلَيْمٍ فَضَحْتِ النِّسَاءَ تَرِبَتْ يَمِينُكِ قَوْلُهَا تَرِبَتْ يَمِينُكِ خَيْرٌ فَقَالَ لِعَائِشَةَ بَلْ أَنْتِ فَتَرِبَتْ يَمِينُكِ نَعَمْ فَلْتَغْتَسِلْ يَا أُمَّ سُلَيْمٍ إِذَا رَأَتْ ذَلِكَ) وَفِي الْبَابِ الْمَذْكُورِ الرِّوَايَاتُ الْبَاقِيَةُ وَسَتَمُرَّ عَلَيْهَا إِنْ شَاءَ اللَّهِ تَعَالَى اعْلَمْ أَنَّ الْمَرْأَةَ إِذَا خَرَجَ مِنْهَا الْمَنِيُّ وَجَبَ عَلَيْهَا الْغُسْلُ كَمَا يَجِبُ عَلَى الرَّجُلِ بِخُرُوجِهِ وَقَدْ أَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى وُجُوبِ الْغُسْلِ عَلَى الرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ بِخُرُوجِ الْمَنِيِّ أَوْ إِيلَاجِ الذَّكَرِ فِي الْفَرْجِ وَأَجْمَعُوا عَلَى وُجُوبِهِ عَلَيْهَا بِالْحَيْضِ وَالنِّفَاسِ وَاخْتَلَفُوا فِي وُجُوبِهِ عَلَى مَنْ وَلَدَتْ وَلَمْ تَرَ دَمًا أَصْلًا وَالْأَصَحُّ عِنْدَ أَصْحَابِنَا وُجُوبُ الْغُسْلِ وَكَذَا الْخِلَافُ فِيمَا إِذَا أَلْقَتْ مُضْغَةً أَوْ عَلَقَةً وَالْأَصَحُّ وُجُوبُ الْغُسْلِ وَمَنْ لَا يُوجِبُ الْغُسْلَ يُوجِبُ الْوُضُوءَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ ثُمَّ إِنَّ مَذْهَبَنَا أَنَّهُ يَجِبُ الْغُسْلَ بِخُرُوجِ الْمَنِيِّ سَوَاءٌ كَانَ بِشَهْوَةٍ وَدَفْقٍ أَمْ بِنَظَرٍ أَمْ فِي النَّوْمِ أَوْ فِي الْيَقَظَةِ وَسَوَاءٌ أَحَسَّ بِخُرُوجِهِ أَمْ لَا وَسَوَاءٌ خَرَجَ مِنَ الْعَاقِلِ أَمْ مِنَ الْمَجْنُونِ ثُمَّ إِنَّ الْمُرَادَ بِخُرُوجِ الْمَنِيِّ أَنْ يَخْرُجَ إِلَى الظَّاهِرِ أَمَّا مَا لَمْ يَخْرُجْ فَلَا يَجِبُ الْغُسْلُ وَذَلِكَ بِأَنْ يَرَى النَّائِمُ أَنَّهُ يُجَامِعُ وَأَنَّهُ قَدْ أَنْزَلَ ثُمَّ يَسْتَيْقِظُ فَلَا يَرَى شَيْئًا فَلَا غُسْلَ عَلَيْهِ بِإِجْمَاعِ المسلمين وكذا لو اضطرب بدنه لمبادى خُرُوجِ الْمَنِيِّ فَلَمْ يَخْرُجْ وَكَذَا لَوْ نَزَلَ الْمَنِيُّ إِلَى أَصْلِ الذَّكَرِ ثُمَّ لَمْ يَخْرُجْ فَلَا غُسْلَ وَكَذَا لَوْ صَارَ الْمَنِيُّ فِي وَسَطِ الذَّكَرِ وَهُوَ فِي صَلَاةِ فَأَمْسَكَ بِيَدِهِ عَلَى ذَكَرِهِ فَوْقَ حَائِلٍ فَلَمْ يَخْرُجِ الْمَنِيُّ حَتَّى سَلَّمَ مِنْ صَلَاتِهِ صَحَّتْ صَلَاتُهُ فَإِنَّهُ مازال مُتَطَهِّرًا حَتَّى خَرَجَ وَالْمَرْأَةُ كَالرَّجُلِ فِي هَذَا إِلَّا أَنَّهَا إِذَا كَانَتْ ثَيِّبًا فَنَزَلَ الْمَنِيُّ إِلَى فَرْجِهَا وَوَصَلَ الْمَوْضِعَ الَّذِي يَجِبُ عَلَيْهَا غَسْلُهُ فِي الْجَنَابَةِ وَالِاسْتِنْجَاءِ وَهُوَ الَّذِي يَظْهَرُ حَالَ قُعُودِهَا لِقَضَاءِ الْحَاجَةِ وَجَبَ عَلَيْهَا الْغُسْلُ بوصول المنى إلى ذلك موضع لِأَنَّهُ فِي حُكْمِ الظَّاهِرِ وَإِنْ كَانَتْ بِكْرًا لَمْ يَلْزَمْهَا مَا لَمْ يَخْرُجْ مِنْ فَرْجِهَا لِأَنَّ دَاخِلَ فَرْجِهَا كَدَاخِلِ إِحْلِيلِ الرَّجُلِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَأَمَّا أَلْفَاظُ الْبَابِ وَمَعَانِيهِ فَفِيهِ أُمُّ سُلَيْمٍ وَهِيَ أُمُّ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ وَاخْتَلَفُوا فِي اسْمِهَا فَقِيلَ اسْمُهَا سَهْلَةُ وَقِيلَ مُلَيْكَةُ وقيل رميثة وقيل أنيفة ويقال الرميضا

(3/220)


وَالْغُمَيْصَا وَكَانَتْ مِنْ فَاضِلَاتِ الصَّحَابِيَّاتِ وَمَشْهُورَاتِهِنَّ وَهِيَ أُخْتُ أُمِّ حَرَامٍ بِنْتِ مِلْحَانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَأَمَّا قَوْلُ عَائِشَةَ رَضِيَ الله عنها فضحت النساء فمعناه حَكَيْتِ عَنْهُنَّ أَمْرًا يُسْتَحَيَا مِنْ وَصْفِهِنَّ بِهِ وَيَكْتُمْنَهُ وَذَلِكَ أَنَّ نُزُولَ الْمَنِيِّ مِنْهُنَّ يَدُلُّ عَلَى شِدَّةِ شَهْوَتِهِنَّ لِلرِّجَالِ وَأَمَّا قَوْلُهَا تَرِبَتْ يَمِينُكِ فَفِيهِ خِلَافٌ كَثِيرٌ مُنْتَشِرٌ جِدًّا لِلسَّلَفِ والخلف من الطوائف كلها ولأصح الْأَقْوَى الَّذِي عَلَيْهِ الْمُحَقِّقُونَ فِي مَعْنَاهُ أَنَّهَا كلمة أصلها افتقرت ولكن العرب اعتادت استعماله غَيْرَ قَاصِدَةٍ حَقِيقَةَ مَعْنَاهَا الْأَصْلِيِّ فَيَذْكُرُونَ تَرِبَتْ يَدَاكَ وَقَاتَلَهُ اللَّهُ مَا أَشْجَعَهُ وَلَا أُمَّ لَهُ وَلَا أَبَ لَكَ وَثَكِلَتْهُ أُمُّهُ وَوَيْلُ أمه وما أشبه هذا من ألفاظهم يقولنها عند انكار الشئ أو الزجر عنه أزجر عَنْهُ أَوِ الذَّمِّ عَلَيْهِ أَوِ اسْتِعْظَامِهِ أَوِ الْحَثُّ عَلَيْهِ أَوِ الْإِعْجَابِ بِهِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَأَمَّا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِعَائِشَةَ بَلْ أَنْتِ فَتَرِبَتْ يَمِينُكِ فَمَعْنَاهُ أَنْتِ أَحَقُّ أَنْ يُقَالَ لَكِ هَذَا فَإِنَّهَا فَعَلَتْ مَا يَجِبُ عَلَيْهَا مِنَ السُّؤَالِ عَنْ دِينِهَا فَلَمْ تَسْتَحِقَّ الْإِنْكَارَ وَاسْتَحْقَقْتِ أَنْتِ الْإِنْكَارَ لِإِنْكَارِكِ مَا لا انكار فيه وأما قوله قَوْلُهَا تَرِبَتْ يَمِينُكِ خَيْرٌ فَكَذَا وَقَعَ فِي أَكْثَرِ الْأُصُولِ وَهُوَ تَفْسِيرٌ وَلَمْ يَقَعْ هَذَا التَّفْسِيرُ فِي كَثِيرٍ مِنَ الْأُصُولِ وَكَذَلِكَ ذَكَرَ الِاخْتِلَافَ فِي إِثْبَاتِهِ وَحَذْفِهِ الْقَاضِي عِيَاضٌ ثُمَّ اخْتَلَفَ الْمُثْبِتُونَ فِي ضَبْطِهِ فَنَقَلَ صَاحِبُ الْمَطَالِعِ وَغَيْرُهُ عَنِ الْأَكْثَرِينَ أَنَّهُ خَيْرٌ بِإِسْكَانِ الْيَاءِ الْمُثَنَّاةِ مِنْ تَحْتُ ضِدَّ الشَّرِّ وَعَنْ بَعْضِهِمْ أَنَّهُ خَبَرٌ بِفَتْحِ الْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ قَالَ الْقَاضِي عياض وهذا الثانى ليس بشئ قُلْتُ كِلَاهُمَا صَحِيحٌ فَالْأَوَّلُ مَعْنَاهُ لَمْ تُرِدْ بِهَذَا شَتْمًا وَلَكِنَّهَا كَلِمَةٌ تَجْرِي عَلَى اللِّسَانِ وَمَعْنَى الثَّانِي أَنَّ هَذَا لَيْسَ بِدُعَاءٍ بَلْ هُوَ خَبَرٌ لَا يُرَادُ حَقِيقَتُهُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ (حَدَّثَنَا عَبَّاسُ بْنُ الْوَلِيدِ حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ) هُوَ عَبَّاسٌ بِالْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ وَالسِّينِ الْمُهْمَلَةِ وَصَحَّفَهُ بَعْضُ الرُّوَاةِ لِكِتَابِ مُسْلِمٍ فَقَالَ عَيَّاشٌ بِالْيَاءِ الْمُثَنَّاةِ وَالشِّينِ الْمُعْجَمَةِ وَهُوَ غَلَطٌ صَرِيحٌ فَإِنَّ عَيَّاشًا بِالْمُعْجَمَةِ هُوَ عَيَّاشُ بْنُ الْوَلِيدِ الرَّقَّامُ الْبَصْرِيُّ وَلَمْ يَرْوِ عَنْهُ مُسْلِمٌ شَيْئًا وَرَوَى عَنْهُ الْبُخَارِيُّ

(3/221)


وأما عباس بالمهملة فهو بن الْوَلِيدِ الْبَصْرِيُّ التُّرْسِيُّ وَرَوَى عَنْهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ جَمِيعًا وَهَذَا مِمَّا لَا خِلَافَ فِيهِ وَكَانَ غَلَطُ هَذَا الْقَائِلِ وَقَعَ لَهُ مِنْ حَيْثُ إِنَّهُمَا مُشْتَرَكَانِ فِي الْأَبِ وَالنَّسَبِ وَالْعَصْرِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ (فَقَالَتْ أُمُّ سُلَيْمٍ وَاسْتَحْيَيْتُ مِنْ ذَلِكَ) هَكَذَا هُوَ فِي الْأُصُولِ وَذَكَرَ الْحَافِظُ أَبُو عَلِيٍّ الْغَسَّانِيُّ أَنَّهُ هَكَذَا فِي أَكْثَرِ النُّسَخِ وَأَنَّهُ غُيِّرَ فِي بَعْضِ النُّسَخِ فَجُعِلَ فَقَالَتْ أُمُّ سَلَمَةَ وَالْمَحْفُوظُ مِنْ طُرُقٍ شَتَّى أُمُّ سَلَمَةَ قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ وَهَذَا هُوَ الصَّوَابُ لِأَنَّ السَّائِلَةَ هِيَ أُمُّ سُلَيْمٍ وَالرَّادَّةُ عَلَيْهَا أُمُّ سَلَمَةَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ وَعَائِشَةُ فِي الْحَدِيثِ الْمُتَقَدِّمِ وَيَحْتَمِلُ أَنَّ عَائِشَةَ وَأُمَّ سَلَمَةَ جَمِيعًا أَنْكَرَتَا عَلَيْهَا وَإِنْ كَانَ أَهْلُ الحديث يقولون الصحيح هنا أم سلمة لعائشة وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (فَمِنْ أَيْنَ يَكُونُ الشَّبَهُ) مَعْنَاهُ أَنَّ الْوَلَدَ مُتَوَلِّدٌ مِنْ مَاءِ الرَّجُلِ وَمَاءِ الْمَرْأَةِ فَأَيُّهُمَا غَلَبَ كَانَ الشَّبَهُ لَهُ وَإِذَا كَانَ لِلْمَرْأَةِ مَنِيٌّ فَإِنْزَالُهُ وَخُرُوجُهُ مِنْهَا مُمْكِنٌ وَيُقَالُ شِبْهٌ وَشَبَهٌ لُغَتَانِ مَشْهُورَتَانِ إِحْدَاهُمَا بِكَسْرِ الشِّينِ وَإِسْكَانِ الْبَاءِ وَالثَّانِيَةُ بِفَتْحِهِمَا وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (إِنَّ مَاءَ الرَّجُلِ غَلِيظٌ أَبْيَضُ وَمَاءُ الْمَرْأَةِ رَقِيقٌ أَصْفَرُ) هَذَا أَصْلٌ عَظِيمٌ فِي بَيَانِ صِفَةِ الْمَنِيِّ وَهَذِهِ صِفَتُهُ فِي حَالِ السَّلَامَةِ وَفِي الْغَالِبِ قَالَ الْعُلَمَاءُ مَنِيُّ الرَّجُلِ فِي حَالِ الصِّحَّةِ أَبْيَضُ ثَخِينٌ يَتَدَفَّقُ فِي خُرُوجِهِ دَفْقَةً بَعْدَ دَفْقَةٍ وَيَخْرُجُ بشهوة ويتلذذ بِخُرُوجِهِ وَإِذَا خَرَجَ اسْتَعْقَبَ خُرُوجَهُ فُتُورًا وَرَائِحَةً كَرَائِحَةِ طَلْعِ النَّخْلِ وَرَائِحَةُ الطَّلْعِ قَرِيبَةٌ مِنْ رَائِحَةِ الْعَجِينِ وَقِيلَ تُشْبِهُ رَائِحَتُهُ رَائِحَةُ الْفَصِيلِ وقيل إذا يبس كان رَائِحَتُهُ كَرَائِحَةِ الْبَوْلِ فَهَذِهِ صِفَاتُهُ وَقَدْ يُفَارِقُهُ بَعْضُهَا مَعَ بَقَاءِ مَا يَسْتَقِلُّ بِكَوْنِهِ مَنِيًّا وَذَلِكَ بِأَنْ يَمْرَضْ فَيَصِيرُ مَنِيُّهُ رَقِيقًا أَصْفَرَ أَوْ يَسْتَرْخِيَ وِعَاءُ الْمَنِيِّ فَيَسِيلُ مِنْ غَيْرِ الْتِذَاذٍ وَشَهْوَةٍ أَوْ يَسْتَكْثِرُ مِنَ الْجِمَاعِ فَيَحْمَرَّ ويصير كماء اللحم وربما خرج دما غبيطا وَإِذَا خَرَجَ الْمَنِيُّ أَحْمَرَ فَهُوَ طَاهِرٌ مُوجِبٌ لِلْغُسْلِ كَمَا لَوْ كَانَ أَبْيَضَ ثُمَّ إِنَّ خَوَاصَّ الْمَنِيِّ الَّتِي عَلَيْهَا الِاعْتِمَادُ فِي كَوْنِهِ مَنِيًّا ثَلَاثٌ أَحَدُهَا الْخُرُوجُ بِشَهْوَةٍ مَعَ

(3/222)


الفتور عقبه والثانية الرائحة التي شبه الطَّلْعِ كَمَا سَبَقَ الثَّالِثُ الْخُرُوجُ بِزُرَيْقٍ وَدَفْقٍ وَدَفَعَاتٍ وَكُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْ هَذِهِ الثَّلَاثِ كَافِيَةٌ فِي إِثْبَاتِ كَوْنِهِ مَنِيًّا وَلَا يُشْتَرَطُ اجْتِمَاعُهَا فيه واذا لم يوجد شئ مِنْهَا لَمْ يُحْكَمْ بِكَوْنِهِ مَنِيًّا وَغَلَبَ عَلَى الظَّنِّ كَوْنُهُ لَيْسَ مَنِيًّا هَذَا كُلُّهُ فِي مَنِيِّ الرَّجُلِ وَأَمَّا مَنِيُّ الْمَرْأَةِ فَهُوَ أَصْفَرُ رَقِيقٌ وَقَدْ يَبْيَضُّ لِفَضْلِ قُوَّتِهَا وَلَهُ خَاصِّيَّتَانِ يُعْرَفُ بِوَاحِدَةٍ مِنْهُمَا إِحْدَاهُمَا أَنَّ رَائِحَتَهُ كَرَائِحَةِ مَنِيِّ الرَّجُلِ وَالثَّانِيَةُ التَّلَذُّذُ بِخُرُوجِهِ وَفُتُورُ شَهْوَتِهَا عَقِبَ خُرُوجِهِ قَالُوا وَيَجِبُ الْغُسْلُ بِخُرُوجِ الْمَنِيِّ بِأَيِّ صِفَةٍ وَحَالٍ كَانَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (فَمِنْ أَيِّهِمَا عَلَا أَوْ سَبَقَ يَكُونُ مِنْهُ الشَّبَهُ) وَفِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى (إِذَا عَلَا مَاؤُهَا مَاءَ الرَّجُلِ وَإِذَا عَلَا مَاءُ الرَّجُلِ مَاءَهَا) قَالَ الْعُلَمَاءُ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِالْعُلُوِّ هُنَا السَّبْقُ وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ الْكَثْرَةُ وَالْقُوَّةُ بِحَسَبِ كَثْرَةِ الشَّهْوَةِ وَقَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَمِنْ أَيِّهِمَا عَلَا هَكَذَا هُوَ فِي الْأُصُولِ فَمِنْ أَيِّهِمَا بِكَسْرِ الْمِيمِ وَبَعْدَهَا نُونٌ سَاكِنَةٌ وَهِيَ الْحَرْفُ الْمَعْرُوفُ وَإِنَّمَا ضَبَطْتُهُ لِئَلَّا يُصَحَّفَ بِمَنِيٍّ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ (حَدَّثَنَا دَاوُدُ بْنُ رُشَيْدٍ) هُوَ بِضَمِّ الرَّاءِ وَفَتْحِ الشِّينِ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (إِذَا كَانَ مِنْهَا مَا يَكُونُ مِنَ الرَّجُلِ فَلْتَغْتَسِلْ) مَعْنَاهُ إِذَا خَرَجَ مِنْهَا الْمَنِيُّ فَلْتَغْتَسِلْ كَمَا أَنَّ الرَّجُلَ إِذَا خَرَجَ مِنْهُ الْمَنِيُّ اغْتَسَلَ وَهَذَا مِنْ حُسْنِ الْعِشْرَةِ وَلُطْفِ الْخِطَابِ وَاسْتِعْمَالُ اللَّفْظِ الْجَمِيلِ مَوْضِعَ اللَّفْظِ الَّذِي يُسْتَحَيَا مِنْهُ فِي الْعَادَةِ وَاللَّهُ أعلم قولها (إن الله لا يستحي من الحق

(3/223)


قَالَ الْعُلَمَاءُ مَعْنَاهُ لَا يَمْتَنِعُ مِنْ بَيَانِ الْحَقِّ وَضَرْبِ الْمَثَلِ بِالْبَعُوضَةِ وَشِبْهِهَا كَمَا قَالَ سبحانه وتعالى أن الله لا يستحي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلًا مَا بَعُوضَةً فَمَا فَوْقَهَا فَكَذَا أَنَا لَا أَمْتَنِعُ مِنْ سُؤَالِي عَمَّا أَنَا مُحْتَاجَةٌ إِلَيْهِ وَقِيلَ مَعْنَاهُ إِنَّ اللَّهَ لَا يَأْمُرُ بِالْحَيَاءِ فِي الْحَقِّ وَلَا يُبِيحُهُ وَإِنَّمَا قَالَتْ هَذَا اعْتِذَارًا بَيْنَ يَدَيْ سُؤَالِهَا عما دعت الحاجة إليه مما تستحي النِّسَاءُ فِي الْعَادَةِ مِنَ السُّؤَالِ عَنْهُ وَذِكْرَهُ بِحَضْرَةِ الرِّجَالِ فَفِيهِ أَنَّهُ يَنْبَغِي لِمَنْ عَرَضَتْ لَهُ مَسْأَلَةٌ أَنْ يَسْأَلَ عَنْهَا وَلَا يَمْتَنِعَ مِنَ السُّؤَالِ حَيَاءً مِنْ ذِكْرِهَا فَإِنَّ ذَلِكَ لَيْسَ بِحَيَاءٍ حَقِيقِيٍّ لِأَنَّ الْحَيَاءَ خَيْرٌ كُلُّهُ وَالْحَيَاءُ لَا يَأْتِي إِلَّا بِخَيْرٍ وَالْإِمْسَاكُ عَنِ السُّؤَالِ فِي هَذِهِ الْحَالِ لَيْسَ بِخَيْرٍ بَلْ هُوَ شَرٌّ فَكَيْفَ يَكُونُ حَيَاءً وَقَدْ تَقَدَّمَ إِيضَاحُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فِي أَوَائِلِ كِتَابِ الْإِيمَانِ وَقَدْ قَالَتْ عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا نِعْمَ النِّسَاءُ نِسَاءُ الْأَنْصَارِ لَمْ يَمْنَعهُنَّ الْحَيَاءُ أَنْ يَتَفَقَّهْنَ فِي الدِّينِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَالَ أَهْلُ العربية يقال استحيا بياء قبل الألف يستحي بِيَاءَيْنِ وَيُقَالُ أَيْضًا يَسْتَحِي بِيَاءٍ وَاحِدَةٍ فِي الْمُضَارِعِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ (قَالَتْ عَائِشَةُ فَقُلْتُ لَهَا أُفٍّ لَكِ) مَعْنَاهُ اسْتِحْقَارًا لَهَا وَلِمَا تَكَلَّمَتْ بِهِ وَهِيَ كَلِمَةٌ تُسْتَعْمَلُ فِي الِاحْتِقَارِ وَالِاسْتِقْذَارِ وَالْإِنْكَارِ قَالَ الْبَاجِيُّ وَالْمُرَادُ بِهَا

(3/224)


هُنَا الْإِنْكَارُ وَأَصْلُ الْأُفِّ وَسَخُ الْأَظْفَارِ وَفِي أُفٍّ عَشْرُ لُغَاتٍ أُفِّ وَأُفَّ وَأُفُّ بِضَمِّ الْهَمْزَةِ مَعَ كَسْرِ الْفَاءِ وَفَتْحِهَا وَضَمِّهَا بِغَيْرِ تَنْوِينٍ وَبِالتَّنْوِينِ فَهَذِهِ السِّتَّةُ وَالسَّابِعَةُ إِفَّ بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ وَفَتْحِ الْفَاءِ وَالثَّامِنَةُ أُفْ بِضَمِّ الْهَمْزَةِ وَإِسْكَانِ الْفَاءِ وَالتَّاسِعَةُ أُفِّي بِضَمِّ الْهَمْزَةِ وَبِالْيَاءِ وَأُفِّهْ بِالْهَاءِ وَهَذِهِ اللُّغَاتُ مَشْهُورَاتٌ ذَكَرَهُنَّ كُلَّهُنَّ بن الْأَنْبَارِيِّ وَجَمَاعَاتٌ مِنَ الْعُلَمَاءِ وَدَلَائِلُهَا مَشْهُورَةٌ وَمِنْ أخصرها ما ذكره الزجاج وبن الْأَنْبَارِيِّ وَاخْتَصَرَهُ أَبُو الْبَقَاءِ فَقَالَ مَنْ كَسَرَ بَنَاهُ عَلَى الْأَصْلِ وَمَنْ فَتَحَ طَلَبَ التَّخْفِيفَ وَمَنْ ضَمَّ أَتْبَعَ وَمَنْ نَوَّنَ أَرَادَ التَّنْكِيرَ وَمَنْ لَمْ يُنَوِّنْ أَرَادَ التَّعْرِيفَ وَمَنْ خَفَّفَ الْفَاءَ حَذَفَ أَحَدَ الْمِثْلَيْنِ تَخْفِيفًا وَقَالَ الْأَخْفَشُ وبن الْأَنْبَارِيِّ فِي اللُّغَةِ التَّاسِعَةِ بِالْيَاءِ كَأَنَّهُ إِضَافَةٌ إِلَى نَفْسِهِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ (عَنْ مُسَافِعِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ) هُوَ بِضَمِّ الْمِيمِ وَبِالسِّينِ الْمُهْمَلَةِ وَبِكَسْرِ الْفَاءِ قَوْلُهَا (تَرِبَتْ يَدَاكَ وَأُلَّتْ) هُوَ بِضَمِّ الْهَمْزَةِ وَفَتْحِ اللَّامِ الْمُشَدَّدَةِ وَإِسْكَانِ التَّاءِ هَكَذَا الرِّوَايَةُ فِيهِ وَمَعْنَاهُ أَصَابَتْهَا الْأَلَّةُ بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَتَشْدِيدِ اللَّامِ وَهِيَ الْحَرْبَةُ وَأَنْكَرَ بَعْضُ الْأَئِمَّةِ هَذَا اللَّفْظَ وَزَعَمَ أَنَّ صَوَابَهُ أَلِلْتِ بِلَامَيْنِ الْأُولَى مَكْسُورَةٌ وَالثَّانِيَةُ سَاكِنَةٌ وَبِكَسْرِ التَّاءِ وَهَذَا الْإِنْكَارُ فَاسِدٌ بَلْ مَا صَحَّتْ بِهِ الرِّوَايَةُ صَحِيحٌ وَأَصْلُهُ أَلِلَتْ بِكَسْرِ اللَّامِ الْأُولَى وَفَتْحِ الثَّانِيَةِ وَإِسْكَانِ التَّاءِ كَرَدَّتْ أَصْلُهُ رَدَدِتَ وَلَا يَجُوزُ فَكُّ هَذَا الْإِدْغَامِ إِلَّا مَعَ الْمُخَاطَبِ وَإِنَّمَا وَحَّدَ أَلَّتْ مَعَ تَثْنِيَةِ يَدَاكِ لِوَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ أَرَادَ الْجِنْسَ وَالثَّانِي صَاحِبَةُ الْيَدَيْنِ أَيْ وَأَصَابَتْكِ

(3/225)


الْأَلَّةُ فَيَكُونُ جَمْعًا بَيْنَ دُعَاءَيْنِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ

(باب بَيَانِ صِفَةِ مَنِيِّ الرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ وَأَنَّ الولد مخلوق من مائها)
فِيهِ حَدِيثُ ثَوْبَانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي قِصَّةِ الْحَبْرِ الْيَهُودِيِّ وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي الْبَابِ الَّذِي قَبْلَهُ بَيَانُ صِفَةِ الْمَنِيِّ وَأَمَّا الْحَبْرُ فهو بفتح الحاء وكسرها لغتان مشهورتان وهو الْعَالِمُ قَوْلُهُ (حَدَّثَنِي أَبُو أَسْمَاءَ الرَّحَبِيُّ) هُوَ بِفَتْحِ الرَّاءِ وَالْحَاءِ وَاسْمُهُ عَمْرُو بْنُ مَرْثَدٍ الشَّامِيُّ الدِّمَشْقِيُّ قَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ بْنُ زَيْدٍ كَانَ أَبُو أَسْمَاءَ الرَّحَبِيُّ مِنْ رَحَبَةِ دِمَشْقٍ قَرْيَةٍ مِنْ قُرَاهَا بَيْنَهَا وَبَيْنَ دِمَشْقٍ مِيلٌ رَأَيْتُهَا عَامِرَةً وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ (فَنَكَتَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِعُودٍ) هُوَ بِفَتْحِ النُّونِ وَالْكَافِ وَبِالتَّاءِ الْمُثَنَّاةِ مِنْ فَوْقُ وَمَعْنَاهُ يَخُطُّ بِالْعُودِ فِي الْأَرْضِ وَيُؤَثِّرُ بِهِ فِيهَا وَهَذَا يَفْعَلُهُ الْمُفَكِّرُ وَفِي هَذَا دَلِيلٌ عَلَى جَوَازِ فِعْلِ مِثْلِ هَذَا وَأَنَّهُ لَيْسَ مُخِلًّا بِالْمُرُوءَةِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

(3/226)


(هُمْ فِي الظُّلْمَةِ دُونَ الْجِسْرِ) هُوَ بِفَتْحِ الْجِيمِ وَكَسْرِهَا لُغَتَانِ مَشْهُورَتَانِ وَالْمُرَادُ بِهِ هُنَا الصراط قوله صلى الله عليه وسلم (فَمَنْ أَوَّلُ النَّاسِ إِجَازَةً) هُوَ بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ وَبِالزَّايِ وَمَعْنَاهُ جَوَازًا وَعُبُورًا قَوْلُهُ (فَمَا تُحْفَتُهُمْ) هِيَ بِإِسْكَانِ الْحَاءِ وَفَتْحِهَا لُغَتَانِ وَهِيَ مَا يُهْدَى إِلَى الرَّجُلِ وَيُخَصُّ بِهِ وَيُلَاطَفُ وَقَالَ إِبْرَاهِيمُ الْحَلَبِيُّ هِيَ طَرَفُ الْفَاكِهَةِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (زِيَادَةُ كَبِدِ النُّونِ) هُوَ النُّونُ بِنُونَيْنِ الْأُولَى مَضْمُومَةٌ وَهُوَ الْحُوتُ وَجَمْعُهُ نِينَانٌ وَفِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى (زَائِدَةُ كبد النون) والزيادة والزائدة شئ وَاحِدٌ وَهُوَ طَرَفُ الْكَبِدِ وَهُوَ أَطْيَبُهَا قَوْلُهُ (فَمَا غِذَاؤُهُمْ) رُوِيَ عَلَى وَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا بِكَسْرِ الْغَيْنِ وَبِالذَّالِ الْمُعْجَمَةِ وَالثَّانِي بِفَتْحِ الْغَيْنِ وَبِالدَّالِ الْمُهْمَلَةِ قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ هَذَا الثَّانِي هُوَ الصَّحِيحُ وَهُوَ رِوَايَةُ الْأَكْثَرِينَ قَالَ وَالْأَوَّلُ لَيْسَ بشئ قُلْتُ وَلَهُ وَجْهٌ وَتَقْدِيرُهُ مَا غِذَاؤُهُمْ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ وَلَيْسَ الْمُرَادُ وَالسُّؤَالُ عَنْ غِذَائِهِمْ دَائِمًا وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ (عَلَى إِثْرِهَا) بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ مَعَ إِسْكَانِ الثَّاءِ وَبِفَتْحِهِمَا جَمِيعًا لُغَتَانِ مَشْهُورَتَانِ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (مِنْ عَيْنٍ فِيهَا تُسَمَّى سَلْسَبِيلَا) قَالَ جَمَاعَةٌ مِنْ أَهْلِ اللُّغَةِ وَالْمُفَسِّرِينَ السَّلْسَبِيلُ اسْمٌ لِلْعَيْنِ وَقَالَ مُجَاهِدٌ وَغَيْرُهُ هِيَ شَدِيدَةُ الْجَرْيِ وَقِيلَ هِيَ السلسة اللَّيِّنَةُ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (أَذْكَرَا بِإِذْنِ اللَّهِ وَآنَثَا بِإِذْنِ اللَّهِ) مَعْنَى الْأَوَّلِ

(3/227)


كَانَ الْوَلَدُ ذَكَرًا وَمَعْنَى الثَّانِي كَانَ أُنْثَى وقوله آنَثَا بِالْمَدِّ فِي أَوَّلِهِ وَتَخْفِيفِ النُّونِ وَقَدْ رُوِيَ بِالْقَصْرِ وَتَشْدِيدِ النُّونِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ

(باب صِفَةِ غُسْلِ الْجَنَابَةِ)
قَالَ أَصْحَابُنَا كَمَالُ غُسْلِ الْجَنَابَةِ أَنْ يَبْدَأَ الْمُغْتَسِلُ فَيَغْسِلُ كَفَّيْهِ ثَلَاثًا قَبْلَ إِدْخَالِهِمَا فِي الْإِنَاءِ ثُمَّ يَغْسِلُ مَا عَلَى فَرْجِهِ وَسَائِرِ بَدَنِهِ مِنَ الْأَذَى ثُمَّ يَتَوَضَّأُ وُضُوءَهُ لِلصَّلَاةِ بِكَمَالِهِ ثُمَّ يُدْخِلُ أَصَابِعَهُ كُلَّهَا فِي الْمَاءِ فَيَغْرِفُ غُرْفَةً يُخَلِّلُ بِهَا أُصُولَ شَعْرِهِ مِنْ رَأْسِهِ وَلِحْيَتِهِ ثُمَّ يَحْثِي عَلَى رَأْسِهِ ثَلَاثَ حَثَيَاتٍ وَيَتَعَاهَدَ مَعَاطِفَ بَدَنِهِ كَالْإِبْطَيْنِ وَدَاخِلِ الْأُذُنَيْنِ وَالسُّرَّةِ وَمَا بَيْنَ الْأَلْيَتَيْنِ وَأَصَابِعِ الرِّجْلَيْنِ وَعُكَنِ الْبَطْنِ وَغَيْرَ ذَلِكَ فَيُوَصِّلُ الْمَاءَ إِلَى جَمِيعِ ذَلِكَ ثُمَّ يُفِيضُ عَلَى رَأْسِهِ ثَلَاثَ حَثَيَاتٍ ثُمَّ يُفِيضُ الْمَاءَ عَلَى سائر جَسَدِهِ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ يُدَلِّكُ فِي كُلِّ مَرَّةٍ مَا تَصِلُ إِلَيْهِ يَدَاهُ مِنْ بَدَنِهِ وَإِنْ كَانَ يَغْتَسِلُ فِي نَهَرٍ أَوْ بِرْكَةٍ انْغَمَسَ فِيهَا ثَلَاثَ مَرَّاتٍ وَيُوصِلُ الْمَاءَ إِلَى جَمِيعِ بَشَرَتِهِ وَالشُّعُورِ الْكَثِيفَةِ وَالْخَفِيفَةِ وَيَعُمُّ بِالْغُسْلِ ظَاهِرَ الشَّعْرِ وَبَاطِنَهُ وَأُصُولَ مَنَابِتِهِ وَالْمُسْتَحَبُّ أَنْ يَبْدَأَ بِمَيَامِنِهِ وَأَعَالِي بَدَنِهِ وَأَنْ يَكُونَ مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةِ وَأَنْ يَقُولَ بَعْدَ الْفَرَاغِ أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ

(3/228)


إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ وَيَنْوِيَ الْغُسْلَ مِنْ أَوَّلِ شُرُوعِهِ فِيمَا ذَكَرْنَاهُ وَيَسْتَصْحِبَ النِّيَّةَ إِلَى أَنْ يَفْرُغَ مِنْ غُسْلِهِ فَهَذَا كَمَالُ الْغُسْلِ وَالْوَاجِبُ مِنْ هَذَا كُلِّهِ النِّيَّةُ فِي أَوَّلِ مُلَاقَاةِ أَوَّلِ جُزْءٍ مِنَ الْبَدَنِ لِلْمَاءِ وَتَعْمِيمِ الْبَدَنِ شَعْرِهِ وَبَشَرِهِ بِالْمَاءِ وَمِنْ شَرْطِهِ أَنْ يَكُونَ الْبَدَنُ طَاهِرًا مِنَ النَّجَاسَةِ وَمَا زَادَ عَلَى هَذَا مِمَّا ذَكَرْنَاهُ سُنَّةٌ وَيَنْبَغِي لِمَنِ اغْتَسَلَ مِنْ إِنَاءٍ كَالْإِبْرِيقِ وَنَحْوِهِ أَنْ يَتَفَطَّنَ لِدَقِيقَةٍ قَدْ يَغْفُلُ عَنْهَا وَهِيَ أَنَّهُ إِذَا اسْتَنْجَى وَطَهَّرَ مَحَلَّ الِاسْتِنْجَاءِ بِالْمَاءِ فَيَنْبَغِي أَنْ يَغْسِلَ مَحَلَّ الِاسْتِنْجَاءِ بَعْدَ ذَلِكَ بِنِيَّةِ غُسْلِ الْجَنَابَةِ لِأَنَّهُ إِذَا لَمْ يَغْسِلْهُ الْآنَ رُبَّمَا غَفَلَ عَنْهُ بَعْدَ ذَلِكَ فَلَا يَصِحُّ غَسْلُهُ لِتَرْكِ ذَلِكَ وَإِنْ ذَكَرَهُ احْتَاجَ إِلَى مَسِّ فَرْجِهِ فَيَنْتَقِضُ وُضُوءُهُ أَوْ يَحْتَاجُ إِلَى كُلْفَةٍ فِي لَفِّ خِرْقَةٍ عَلَى يَدِهِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ هَذَا مَذْهَبُنَا وَمَذْهَبُ كَثِيرِينَ مِنَ الْأَئِمَّةِ وَلَمْ يُوجِبْ أَحَدٌ مِنَ الْعُلَمَاءِ الدَّلْكَ فِي الْغُسْلِ وَلَا فِي الْوُضُوءِ إِلَّا مَالِكٌ وَالْمُزَنِيُّ وَمَنْ سِوَاهُمَا يَقُولُ هُوَ سُنَّةٌ لَوْ تَرَكَهُ صَحَّتْ طَهَارَتُهُ فِي الْوُضُوءِ وَالْغُسْلِ وَلَمْ يُوجِبْ أَيْضًا الْوُضُوءَ فِي غُسْلِ الْجَنَابَةِ إِلَّا دَاوُدَ الظَّاهِرِيَّ وَمَنْ سِوَاهُ يَقُولُونَ هُوَ سُنَّةٌ فَلَوْ أَفَاضَ الْمَاءَ عَلَى جَمِيعِ بَدَنِهِ مِنْ غَيْرِ وُضُوءٍ صَحَّ غُسْلُهُ وَاسْتَبَاحَ بِهِ الصَّلَاةَ وَغَيْرَهَا وَلَكِنَّ الْأَفْضَلَ أَنْ يَتَوَضَّأَ كَمَا ذَكَرْنَا وَتَحْصُلُ الْفَضِيلَةُ بِالْوُضُوءِ قَبْلَ الْغُسْلِ أَوْ بَعْدَهُ وَإِذَا تَوَضَّأَ أَوَّلًا لَا يَأْتِي بِهِ ثَانِيًا فَقَدِ اتَّفَقَ الْعُلَمَاءُ عَلَى أَنَّهُ لَا يُسْتَحَبُّ وُضُوءَانِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ فَهَذَا مُخْتَصَرُ مَا يَتَعَلَّقُ بِصِفَةِ الْغُسْلِ وَأَحَادِيثُ الْبَابِ تَدُلُّ عَلَى مُعْظَمِ مَا ذَكَرْنَاهُ وَمَا بَقِيَ فَلَهُ دَلَائِلُ مَشْهُورَةٌ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَاعْلَمْ أَنَّهُ جَاءَ فِي رِوَايَاتِ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ وَمُسْلِمٍ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَوَضَّأَ وُضُوءَهُ لِلصَّلَاةِ قَبْلَ إِفَاضَةِ الْمَاءِ عَلَيْهِ فَظَاهِرُ هَذَا أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَكْمَلَ الْوُضُوءَ بِغَسْلِ الرِّجْلَيْنِ وَقَدْ جَاءَ فِي أَكْثَرِ رِوَايَاتِ مَيْمُونَةَ تَوَضَّأَ ثُمَّ أَفَاضَ الْمَاءَ عَلَيْهِ ثُمَّ تَنَحَّى فَغَسَلَ رِجْلَيْهِ وَفِي رِوَايَةٍ مِنْ حَدِيثِهَا رَوَاهَا الْبُخَارِيُّ تَوَضَّأَ وُضُوءَهُ لِلصَّلَاةِ غَيْرَ قَدَمَيْهِ ثُمَّ أَفَاضَ الْمَاءَ عَلَيْهِ ثُمَّ نَحَّى قَدَمَيْهِ فَغَسَلَهُمَا وَهَذَا تَصْرِيحٌ بِتَأْخِيرِ الْقَدَمَيْنِ وَلِلشَّافِعِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَوْلَانِ أَصَحُّهُمَا وَأَشْهَرُهُمَا وَالْمُخْتَارُ مِنْهُمَا أَنَّهُ يُكْمِلُ وُضُوءَهُ بِغَسْلِ الْقَدَمَيْنِ وَالثَّانِي أَنَّهُ يُؤَخِّرُ غَسْلَ الْقَدَمَيْنِ فَعَلَى الْقَوْلِ الضَّعِيفِ يَتَأَوَّلُ رِوَايَاتِ عَائِشَةَ وَأَكْثَرَ رِوَايَاتِ مَيْمُونَةَ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِوُضُوءِ الصَّلَاةِ أَكْثَرَهُ وَهُوَ مَا سِوَى الرِّجْلَيْنِ كَمَا بَيَّنَتْهُ مَيْمُونَةُ فِي رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ فَهَذِهِ الرِّوَايَةُ صَرِيحَةٌ وَتِلْكَ الرِّوَايَةُ مُحْتَمِلَةٌ لِلتَّأْوِيلِ فَيُجْمَعُ بَيْنَهُمَا بِمَا ذَكَرْنَاهُ وَأَمَّا عَلَى الْمَشْهُورِ الصَّحِيحِ فَيُعْمَلُ بِظَاهِرِ الرِّوَايَاتِ الْمَشْهُورَةِ الْمُسْتَفِيضَةِ عَنْ عَائِشَةَ وَمَيْمُونَةَ جَمِيعًا فِي تَقْدِيمِ وُضُوءِ

(3/229)


الصَّلَاةِ فَإِنَّ ظَاهَرَهُ كَمَالُ الْوُضُوءِ فَهَذَا كَانَ الْغَالِبَ وَالْعَادَةَ الْمَعْرُوفَةَ لَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَكَانَ يُعِيدُ غَسْلَ الْقَدَمَيْنِ بَعْدَ الْفَرَاغِ لِإِزَالَةِ الطِّينِ لَا لِأَجْلِ الْجَنَابَةِ فَتَكُونُ الرِّجْلُ مَغْسُولَةً مَرَّتَيْنِ وَهَذَا هُوَ الْأَكْمَلُ الْأَفْضَلُ فَكَانَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُوَاظِبُ عَلَيْهِ وَأَمَّا رِوَايَةُ الْبُخَارِيِّ عَنْ مَيْمُونَةَ فَجَرَى ذَلِكَ مَرَّةً أَوْ نَحْوَهَا بَيَانًا لِلْجَوَازِ وَهَذَا كَمَا ثَبَتَ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَوَضَّأَ ثَلَاثًا ثَلَاثًا وَمَرَّةً مَرَّةً فَكَانَ الثَّلَاثُ فِي مُعْظَمِ الْأَوْقَاتِ لِكَوْنِهِ الْأَفْضَلُ وَالْمَرَّةُ فِي نَادِرٍ مِنَ الْأَوْقَاتِ لِبَيَانِ الْجَوَازِ وَنَظَائِرُ هَذَا كَثِيرَةٌ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَأَمَّا نِيَّةُ هَذَا الْوُضُوءِ فَيَنْوِي بِهِ رَفْعَ الْحَدَثِ الْأَصْغَرِ إِلَّا أَنْ يَكُونَ جُنُبًا غَيْرَ مُحْدِثٍ فَإِنَّهُ يَنْوِي بِهِ سُنَّةَ الْغُسْلِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ فَيُدْخِلُ أَصَابِعَهُ فِي أُصُولِ الشَّعْرِ إِنَّمَا فَعَلَ ذَلِكَ لِيُلَيِّنَ الشَّعْرَ وَيُرَطِّبْهُ فيسهل مُرُورُ الْمَاءِ عَلَيْهِ قَوْلُهُ (حَتَّى إِذَا رَأَى أنه قد استبرأ حفن على

(3/230)


رأسه ثلاث حَفَنَاتٍ) مَعْنَى اسْتَبْرَأَ أَيْ أَوْصَلَ الْبَلَلَ إِلَى جَمِيعِهِ وَمَعْنَى حَفَنَ أَخَذَ الْمَاءَ بِيَدَيْهِ جَمِيعًا قَوْلُهَا (أَدْنَيْتُ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غُسْلَهُ مِنَ الْجَنَابَةِ) هُوَ بِضَمِّ الْغَيْنِ وَهُوَ الْمَاءُ الَّذِي يُغْتَسَلُ بِهِ قَوْلُهَا (ثُمَّ ضَرَبَ بِيَدِهِ الْأَرْضَ فَدَلَكَهَا دَلْكًا شَدِيدًا) فِيهِ أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ لَلْمُسْتَنْجِي بِالْمَاءِ إِذَا فَرَغَ أَنْ يَغْسِلُ يَدَهُ بِتُرَابٍ أَوْ أُشْنَانٍ أَوْ يَدْلُكُهَا بِالتُّرَابِ أَوْ بِالْحَائِطِ لِيَذْهَبَ الِاسْتِقْذَارُ مِنْهَا قَوْلُهَا (ثُمَّ أَفْرَغَ عَلَى رَأْسِهِ ثَلَاثَ حَفَنَاتٍ مِلْءَ كفه) هكذا هو في الأصول الَّتِي بِبِلَادِنَا كَفِّهِ بِلَفْظِ الْإِفْرَادِ وَكَذَا نَقَلَهُ الْقَاضِي عِيَاضٌ عَنْ رِوَايَةِ الْأَكْثَرِينَ وَفِي رِوَايَةِ الطَّبَرِيِّ كَفَّيْهِ بِالتَّثْنِيَةِ وَهِيَ مُفَسِّرَةٌ لِرِوَايَةِ الْأَكْثَرِينَ وَالْحَفْنَةُ مِلْءُ الْكَفَّيْنِ جَمِيعًا قَوْلُهَا (ثُمَّ أَتَيْتُهُ بِالْمِنْدِيلِ فَرَدَّهُ) فِيهِ اسْتِحْبَابُ تَرْكِ تَنْشِيفِ الْأَعْضَاءِ وَقَدِ اخْتَلَفَ عُلَمَاءُ أَصْحَابِنَا فِي تَنْشِيفِ الْأَعْضَاءِ فِي الْوُضُوءِ وَالْغُسْلِ عَلَى خَمْسَةِ أَوْجُهٍ أَشْهَرُهَا أَنَّ الْمُسْتَحَبَّ تَرْكُهُ وَلَا يُقَالُ فِعْلُهُ مَكْرُوهٌ وَالثَّانِي أَنَّهُ مَكْرُوهٌ وَالثَّالِثُ أَنَّهُ مُبَاحٌ يَسْتَوِي فِعْلُهُ وَتَرْكُهُ وَهَذَا هُوَ الَّذِي نَخْتَارُهُ فَإِنَّ الْمَنْعَ وَالِاسْتِحْبَابَ يَحْتَاجُ إِلَى دَلِيلٍ ظَاهِرٍ وَالرَّابِعُ أَنَّهُ مُسْتَحَبٌّ لِمَا فِيهِ مِنَ الِاحْتِرَازِ عَنِ الْأَوْسَاخِ وَالْخَامِسُ يُكْرَهُ فِي الصَّيْفِ دُونَ الشِّتَاءِ هَذَا مَا ذَكَرَهُ أَصْحَابُنَا وَقَدِ اخْتَلَفَ الصَّحَابَةُ وَغَيْرُهُمْ فِي التَّنْشِيفِ عَلَى ثَلَاثَةِ مَذَاهِبَ أَحَدُهَا أَنَّهُ لَا بَأْسَ بِهِ فِي الْوُضُوءِ وَالْغُسْلِ وَهُوَ قَوْلُ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ وَالثَّوْرِيِّ وَالثَّانِي مكروه فيهما وهو قول بن عمر وبن أَبِي لَيْلَى وَالثَّالِثُ يُكْرَهُ فِي الْوُضُوءِ دُونَ الغسل وهو قول بن عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا وَقَدْ جَاءَ فِي تَرْكِ التَّنْشِيفِ هَذَا الْحَدِيثُ وَالْحَدِيثُ الْآخَرُ فِي الصَّحِيحِ أَنَّهُ

(3/231)


صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

(اغْتَسَلَ وَخَرَجَ وَرَأْسُهُ يَقْطُرُ مَاءً وَأَمَّا فِعْلُ التَّنْشِيفِ فَقَدْ رَوَاهُ جَمَاعَةٌ مِنَ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ مِنْ أَوْجُهٍ لَكِنَّ أَسَانِيدَهَا ضَعِيفَةٌ قَالَ التِّرْمِذِيُّ لَا يَصِحُّ فِي هَذَا الْبَابِ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى الله عليه وسلم شئ وَقَدِ احْتَجَّ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ عَلَى إِبَاحَةِ التَّنْشِيفِ بِقَوْلِ مَيْمُونَةَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ وَجَعَلَ يَقُولُ بِالْمَاءِ هَكَذَا يَعْنِي يَنْفُضُهُ قَالَ فَإِذَا كَانَ النَّفْضُ مُبَاحًا كَانَ التَّنْشِيفُ مِثْلُهُ أَوْ أَوْلَى لِاشْتِرَاكِهِمَا فِي إِزَالَةِ الْمَاءِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَأَمَّا المنديل فبكسر الميم وهو معروف وقال بن فَارِسٍ لَعَلَّهُ مَأْخُوذٌ مِنَ النَّدْلِ وَهُوَ النَّقْلُ وَقَالَ غَيْرُهُ هُوَ مَأْخُوذٌ مِنَ النَّدْلِ وَهُوَ الْوَسَخُ لِأَنَّهُ يُنْدَلُ بِهِ وَيُقَالُ تَنَدَّلْتُ بِالْمِنْدِيلِ قَالَ الْجَوْهَرِيُّ وَيُقَالُ أَيْضًا تَمَنْدَلْتُ بِهِ وَأَنْكَرَهَا الْكِسَائِيُّ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهَا (وَجَعَلَ يَقُولُ بِالْمَاءِ هَكَذَا يَعْنِي يَنْفُضُهُ) فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ نَفْضَ الْيَدِ بَعْدَ الْوُضُوءِ وَالْغُسْلِ لَا بَأْسَ بِهِ وَقَدِ اخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِيهِ عَلَى أَوْجُهٍ أَشْهَرُهَا أَنَّ الْمُسْتَحَبَّ تَرْكُهُ وَلَا يُقَالُ أَنَّهُ مَكْرُوهٌ وَالثَّانِي أَنَّهُ مَكْرُوهٌ وَالثَّالِثُ أَنَّهُ مُبَاحٌ يَسْتَوِي فِعْلُهُ وَتَرْكُهُ وَهَذَا هُوَ الْأَظْهَرُ الْمُخْتَارُ فَقَدْ جَاءَ هَذَا الْحَدِيثُ الصَّحِيحُ فِي الْإِبَاحَةِ ولم يثبت في النهي شئ أَصْلًا وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ (وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى الْعَنَزِيُّ) هُوَ بِفَتْحِ الْعَيْنِ وَالنُّونِ وَبِالزَّايِ)

(3/232)


قولها (دعا بشئ نَحْوَ الْحِلَابِ) هُوَ بِكَسْرِ الْحَاءِ وَتَخْفِيفِ اللَّامِ وَآخِرُهُ بَاءٌ مُوَحَّدَةٌ وَهُوَ إِنَاءٌ يُحْلَبُ فِيهِ وَيُقَالُ لَهُ الْمِحْلَبُ أَيْضًا بِكَسْرِ الْمِيمِ قَالَ الْخَطَّابِيُّ هُوَ إِنَاءٌ يَسَعُ قَدْرَ حَلْبَةِ نَاقَةٍ وَهَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ الصَّحِيحُ الْمَعْرُوفُ فِي الرِّوَايَةِ وَذَكَرَ الْهَرَوِيُّ عَنِ الْأَزْهَرِيِّ أَنَّهُ الْجُلَّابُ بِضَمِّ الْجِيمِ وَتَشْدِيدِ اللَّامِ قَالَ الْأَزْهَرِيُّ وَأَرَادَ بِهِ مَاءَ الْوَرْدِ وَهُوَ فَارِسِيٌّ مُعَرَّبٌ وَأَنْكَرَ الْهَرَوِيُّ هَذَا وَقَالَ أَرَاهُ الْحِلَابَ وَذَكَرَ نَحْوَ مَا قَدَّمْنَاهُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ

(3/233)


(باب القدر المستحب من الماء في غسل الْجَنَابَةِ)
(وَغُسْلِ الرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ فِي إِنَاءٍ وَاحِدٍ وَغُسْلِ أَحَدِهِمَا بِفَضْلِ الْآخَرِ) أَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى أَنَّ الْمَاءَ الَّذِي يُجْزِئُ فِي الْوُضُوءِ وَالْغُسْلِ غَيْرُ مُقَدَّرٍ بَلْ يَكْفِي فِيهِ الْقَلِيلُ وَالْكَثِيرُ إِذَا وُجِدَ شَرْطُ الْغُسْلِ وَهُوَ جَرَيَانُ الْمَاءِ عَلَى الْأَعْضَاءِ قَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَقَدْ يَرْفُقُ بِالْقَلِيلِ فَيَكْفِي وَيَخْرُقُ بِالْكَثِيرِ فَلَا يكفي قال العلماء والمستحب ان لاينقص في الغسل عن صاع ولافي الْوُضُوءِ عَنْ مُدٍّ وَالصَّاعُ خَمْسَةُ أَرْطَالٍ وَثُلُثٌ بِالْبَغْدَادِيِّ وَالْمُدُّ رِطْلٌ وَثُلُثٌ ذَلِكَ مُعْتَبَرٌ عَلَى التقريب لاعلى التَّحْدِيدِ وَهَذَا هُوَ الصَّوَابُ الْمَشْهُورُ وَذَكَرَ جَمَاعَةٌ مِنْ أَصْحَابِنَا وَجْهًا لِبَعْضِ أَصْحَابِنَا أَنَّ الصَّاعَ هُنَا ثَمَانِيَةُ أَرْطَالٍ وَالْمُدُّ رِطْلَانِ وَأَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ عَلَى النَّهْيِ عَنِ الْإِسْرَافِ فِي الْمَاءِ وَلَوْ كان على شاطيء الْبَحْرِ وَالْأَظْهَرُ أَنَّهُ مَكْرُوهٌ كَرَاهَةَ تَنْزِيهٍ وَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا الْإِسْرَافُ حَرَامٌ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَأَمَّا تَطْهِيرُ الرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ مِنْ إِنَاءٍ وَاحِدٍ فَهُوَ جَائِزٌ بِإِجْمَاعِ الْمُسْلِمِينَ لِهَذِهِ الْأَحَادِيثِ الَّتِي فِي الْبَابِ وَأَمَّا تَطْهِيُرُ الْمَرْأَةِ بِفَضْلِ الرَّجُلِ فَجَائِزٌ بِالْإِجْمَاعِ أَيْضًا وَأَمَّا تَطْهِيرُ الرَّجُلِ بِفَضْلِهَا فَهُوَ جَائِزٌ عِنْدَنَا وَعِنْدَ مَالِكٍ وَأَبِي حَنِيفَةَ وَجَمَاهِيرِ الْعُلَمَاءِ سَوَاءٌ خَلَتْ بِهِ أَوْ لَمْ تَخْلُ قَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا وَلَا كَرَاهَةَ فِي ذَلِكَ لِلْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ الْوَارِدَةِ بِهِ وَذَهَبَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ وَدَاوُدُ إِلَى أَنَّهَا إِذَا خَلَتْ بِالْمَاءِ وَاسْتَعْمَلَتْهُ لَا يَجُوزُ لِلرَّجُلِ اسْتِعْمَالُ فَضْلِهَا وَرُوِيَ هذاعن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَرْجِسَ وَالْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ وَرُوِيَ عَنْ أَحْمَدَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى كَمَذْهَبِنَا وَرُوِيَ عن الحسن

(4/2)


وَسَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ كَرَاهَةُ فَضْلِهَا مُطْلَقًا وَالْمُخْتَارُ مَا قَالَهُ الْجَمَاهِيرُ لِهَذِهِ الْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ فِي تَطْهِيرِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَعَ أَزْوَاجِهِ وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَسْتَعْمِلُ فَضْلَ صَاحِبِهِ وَلَا تَأْثِيرَ لِلْخَلْوَةِ وَقَدْ ثَبَتَ فِي الْحَدِيثِ الْآخَرِ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اغْتَسَلَ بِفَضْلِ بَعْضِ أَزْوَاجِهِ رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ وَأَصْحَابُ السُّنَنِ قَالَ التِّرْمِذِيُّ هُوَ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ وَأَمَّا الْحَدِيثُ الَّذِي جَاءَ بِالنَّهْيِ وَهُوَ حَدِيثُ الْحَكَمِ بْنِ عَمْرٍو فَأَجَابَ الْعُلَمَاءُ عَنْهُ بِأَجْوِبَةٍ أَحَدُهَا أَنَّهُ ضَعِيفٌ ضَعَّفَهُ أَئِمَّةُ الْحَدِيثِ مِنْهُمُ الْبُخَارِيُّ وَغَيْرُهُ الثَّانِي أَنَّ الْمُرَادَ النَّهْيُ عَنْ فَضْلِ أَعْضَائِهَا وَهُوَ الْمُتَسَاقِطُ مِنْهَا وَذَلِكَ مُسْتَعْمَلٌ الثَّالِثُ أَنَّ النَّهْيَ لِلِاسْتِحْبَابِ وَالْأَفْضَلِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ (الْفَرَقُ) قَالَ سُفْيَانُ هُوَ ثَلَاثَةُ آصُعٍ أَمَّا كَوْنُهُ ثَلَاثَةَ آصُعٍ فَكَذَا قَالَهُ الْجَمَاهِيرُ وَهُوَ بِفَتْحِ الْفَاءِ وَفَتْحِ الرَّاءِ وَإِسْكَانِهَا لغتان حكاهما بن دُرَيْدٍ وَجَمَاعَةٌ غَيْرُهُ وَالْفَتْحُ أَفْصَحُ وَأَشْهَرُ وَزَعَمَ الْبَاجِيُّ أَنَّهُ الصَّوَابُ وَلَيْسَ كَمَا قَالَ بَلْ هُمَا لُغَتَانِ وَأَمَّا قَوْلُهُ ثَلَاثَةُ آصُعٍ فَصَحِيحٌ فَصِيحٌ وَقَدْ جَهِلَ مَنْ أَنْكَرَ هَذَا وَزَعَمَ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ إِلَّا أَصْوُعٌ وَهَذِهِ مِنْهُ غَفْلَةٌ بَيِّنَةٌ أَوْ جَهَالَةٌ ظَاهِرَةٌ فَإِنَّهُ يَجُوزُ أَصْوُعٌ وَآصُعٌ فَالْأَوَّلُ هُوَ الْأَصْلُ وَالثَّانِي عَلَى الْقَلْبِ فَتُقَدَّمُ الْوَاوُ عَلَى الصَّادِ وَتُقْلَبُ أَلِفًا وَهَذَا كَمَا قَالُوا آدُرٌ وَشِبَهَهُ وَفِي الصَّاعِ لغتان التذكير والتأنيث ويقال صاع وصوع بفتح الصَّادِ وَالْوَاوِ وَصُوَاعٌ ثَلَاثُ لُغَاتٍ وَأَمَّا قَوْلُهَا كَانَ يَغْتَسِلُ مِنَ الْفَرَقِ فَلَفْظَةُ مِنْ هُنَا الْمُرَادُ بِهَا بَيَانُ الْجِنْسِ وَالْإِنَاءِ الَّذِي يُسْتَعْمَلُ الْمَاءُ مِنْهُ وَلَيْسَ الْمُرَادُ أَنَّهُ يَغْتَسِلُ بِمَاءِ الْفَرَقِ بِدَلِيلِ الْحَدِيثِ الْآخَرِ كُنْتُ أَغْتَسِلُ أَنَا وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ قَدَحٍ يُقَالُ لَهُ الْفَرَقُ وَبِدَلِيلِ الْحَدِيثِ الْآخَرِ يَغْتَسِلُ بِالصَّاعِ قَوْلُهُ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَغْتَسِلُ فِي الْقَدَحِ هَكَذَا هُوَ فِي الْأُصُولِ فِي الْقَدَحِ وَهُوَ صَحِيحٌ وَمَعْنَاهُ مِنَ الْقَدَحِ قَوْلُهُ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ قَالَ دَخَلْتُ عَلَى عَائِشَةَ أَنَا وَأَخُوهَا مِنَ الرَّضَاعَةِ فَسَأَلَهَا عَنْ غُسْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ الْجَنَابَةِ فَدَعَتْ بِإِنَاءٍ قَدْرَ الصَّاعِ فَاغْتَسَلَتْ وَبَيْنَنَا وَبَيْنِهَا سِتْرٌ فَأَفْرَغَتْ عَلَى رَأْسِهَا ثَلَاثًا قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى ظَاهِرُ الْحَدِيثِ

(4/3)


أَنَّهُمَا رَأَيَا عَمَلَهَا فِي رَأْسِهَا وَأَعَالِي جَسَدِهَا مِمَّا يَحِلُّ لِذِي الْمَحْرَمِ النَّظَرُ إِلَيْهِ مِنْ ذَاتِ الْمَحْرَمِ وَكَانَ أَحَدُهُمَا أَخَاهَا مِنَ الرَّضَاعَةِ كَمَا ذُكِرَ قِيلَ اسْمُهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يزيد وكان أبوسلمة بن أُخْتِهَا مِنَ الرَّضَاعَةِ أَرْضَعَتْهُ أُمُّ كُلْثُومٍ بِنْتُ أَبِي بَكْرٍ قَالَ الْقَاضِي وَلَوْلَا أَنَّهُمَا شَاهَدَا ذَلِكَ وَرَأَيَاهُ لَمْ يَكُنْ لِاسْتِدْعَائِهَا الْمَاءَ وَطَهَارَتِهَا بِحَضْرَتِهِمَا مَعْنَى إِذْ لَوْ فَعَلَتْ ذَلِكَ كُلَّهُ فِي سِتْرٍ عَنْهُمَا لَكَانَ عَبَثًا وَرَجَعَ الْحَالُ إِلَى وَصْفِهَا لَهُ وَإِنَّمَا فَعَلَتِ السِّتْرَ لِيَسْتَتِرَ أَسَافِلُ الْبَدَنِ وَمَا لَا يَحِلُّ لِلْمَحْرَمِ نَظَرُهُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَالرَّضَاعَةُ وَالرَّضَاعُ بِفَتْحِ الرَّاءِ وَكَسْرِهَا فِيهِمَا لُغَتَانِ الْفَتْحُ أَفْصَحُ وَفِي هَذَا الَّذِي فَعَلَتْهُ عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا دَلَالَةٌ عَلَى اسْتِحْبَابِ التَّعْلِيمِ بِالْوَصْفِ بِالْفِعْلِ فَإِنَّهُ أَوْقَعُ فِي النَّفْسِ مِنَ الْقَوْلِ وَيَثْبُتُ فِي الْحِفْظِ مَا لايثبت بِالْقَوْلِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ (وَكَانَ أَزْوَاجُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَأْخُذْنَ مِنْ رؤوسهن حَتَّى تَكُونَ كَالْوَفْرَةِ) الْوَفْرَةُ أَشْبَعُ وَأَكْثَرُ مِنْ اللُّمَّةِ وَاللُّمَّةُ مَا يَلِمُّ بِالْمَنْكِبَيْنِ مِنَ الشَّعْرِ قَالَهُ الْأَصْمَعِيُّ وَقَالَ غَيْرُهُ الْوَفْرَةُ أَقَلُّ مِنَ اللُّمَّةِ وَهِيَ مَا لَا يُجَاوِزُ الْأُذُنَيْنِ وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ الْوَفْرَةُ

(4/4)


مَا عَلَى الْأُذُنَيْنِ مِنَ الشَّعْرِ قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى الْمَعْرُوفُ أَنَّ نِسَاءَ الْعَرَبِ إِنَّمَا كُنَّ يَتَّخِذْنَ الْقُرُونَ وَالذَّوَائِبَ وَلَعَلَّ أَزْوَاجَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَعَلْنَ هَذَا بَعْدَ وَفَاتِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِتَرْكِهِنَّ التَّزَيُّنَ وَاسْتِغْنَائِهِنَّ عَنْ تَطْوِيلِ الشَّعْرِ وَتَخْفِيفًا لمؤنة رؤوسهن وَهَذَا الَّذِي ذَكَرَهُ الْقَاضِي عِيَاضٌ مِنْ كَوْنِهِنَّ فَعَلْنَهُ بَعْدَ وَفَاتِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لافي حَيَاتِهِ كَذَا قَالَهُ أَيْضًا غَيْرُهُ وَهُوَ مُتَعَيِّنٌ ولايظن بِهِنَّ فِعْلُهُ فِي حَيَاتِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى جَوَازِ تَخْفِيفِ الشُّعُورِ لِلنِّسَاءِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهَا (وَنَحْنُ جُنُبَانِ) هَذَا جَارٍ عَلَى إِحْدَى اللُّغَتَيْنِ فِي الْجُنُبِ أَنَّهُ يُثَنَّى وَيُجْمَعُ فَيُقَالُ جُنُبٌ وَجُنُبَانِ وَجَنِبُونَ وَأَجْنَابٌ وَاللُّغَةُ الْأُخْرَى رَجُلٌ جُنُبٌ وَرَجُلَانِ جُنُبٌ وَرِجَالٌ جُنُبٌ وَنِسَاءٌ جُنُبٌ بِلَفْظٍ وَاحِدٍ قَالَ اللَّهُ تعالى وإن كنتم جنبا وقال تعالى ولا جنبا الْآيَةُ وَهَذِهِ اللُّغَةُ أَفْصَحُ وَأَشْهَرُ وَيُقَالُ فِي الْفِعْلِ أَجْنَبَ الرَّجُلُ وَجُنِبَ بِضَمِّ الْجِيمِ وَكَسْرِ النُّونِ وَالْأُولَى أَفْصَحُ وَأَشْهَرُ وَأَصْلُ الْجَنَابَةِ فِي اللُّغَةِ الْبُعْدُ وَتُطْلَقُ عَلَى الَّذِي وَجَبَ عَلَيْهِ غُسْلٌ بِجِمَاعٍ أَوْ خُرُوجِ مَنِيٍّ لِأَنَّهُ يَجْتَنِبُ الصَّلَاةَ وَالْقِرَاءَةَ وَالْمَسْجِدَ وَيَتَبَاعَدُ عَنْهَا وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ (عَنْ عِرَاكِ) هُوَ بِكَسْرِ الْعَيْنِ وَتَخْفِيفِ الرَّاءِ قَوْلُهُ (إِنَّ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا كَانَتْ تَغْتَسِلُ هِيَ وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي إِنَاءٍ وَاحِدٍ يَسَعُ ثَلَاثَةَ أَمْدَادٍ) وَفِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى

(4/5)


(مِنْ إِنَاءٍ وَاحِدٍ تَخْتَلِفُ أَيْدِينَا فِيهِ) قَدْ ذَكَرَ الْقَاضِي فِي تَفْسِيرِ الرِّوَايَةِ الْأُولَى وَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَنْفَرِدُ فِي اغْتِسَالِهِ بِثَلَاثَةِ أَمْدَادٍ وَالثَّانِي أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِالْمُدِّ هُنَا الصَّاعَ وَيَكُونَ مُوَافِقًا لِحَدِيثِ الْفَرَقِ وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ هَذَا وَقَعَ فِي بَعْضِ الْأَحْوَالِ وَاغْتَسَلَا مِنْ إِنَاءٍ يَسَعُ ثَلَاثَةَ أَمْدَادٍ وَزَادَهُ لَمَّا فَرَغَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ ثُمَّ إِنَّهُ وَقَعَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ (ثَلَاثَةُ أَمْدَادٍ أَوْ قَرِيبًا مِنْ ذَلِكَ) وَفِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى كَانَ يَغْتَسِلُ مِنْ إِنَاءٍ وَاحِدٍ هُوَ الْفَرَقُ وَفِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى فَدَعَتْ بِإِنَاءٍ قَدْرَ الصَّاعِ فَاغْتَسَلَتْ بِهِ وَفِي الْأُخْرَى (كَانَ يَغْتَسِلُ بِخَمْسِ مَكَاكِيكَ وَيَتَوَضَّأُ بِمَكُّوكٍ) وَفِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى (يُغَسِّلُهُ الصَّاعُ وَيُوَضِّئُهُ الْمُدُّ) وَفِي الْأُخْرَى (يَتَوَضَّأُ بِالْمُدِّ وَيَغْتَسِلُ بِالصَّاعِ إِلَى خَمْسَةِ أَمْدَادٍ) قَالَ الْإِمَامُ الشَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُ مِنَ الْعُلَمَاءِ الْجَمْعُ بَيْنَ هَذِهِ الرِّوَايَاتِ أَنَّهَا كَانَتِ اغْتِسَالَاتٍ فِي أَحْوَالٍ وُجِدَ فِيهَا أكثر ما استعمله وأقله فدل على انه لاحد فِي قَدْرِ مَاءِ الطَّهَارَةِ يَجِبُ اسْتِيفَاؤُهُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ عَنْ أَبِي الشَّعْثَاءَ اسْمُهُ جَابِرُ بْنُ زَيْدٍ قَوْلُهُ عِلْمِي وَالَّذِي يَخْطُرُ عَلَى

(4/6)


بَالِي أَنَّ أَبَا الشَّعْثَاءَ أَخْبَرَنِي يُقَالُ يَخْطُرُ بِضَمِّ الطَّاءِ وَكَسْرِهَا لُغَتَانِ الْكَسْرُ أَشْهَرُ مَعْنَاهُ يَمُرُّ وَيَجْرِي وَالْبَالُ الْقَلْبُ وَالذِّهْنُ قَالَ الْأَزْهَرِيُّ يُقَالُ خَطَرَ بِبَالِي وَعَلَى بَالِي كَذَا يَخْطِرُ خُطُورًا إِذَا وَقَعَ ذَلِكَ فِي بَالِكَ وَهَمِّكَ قَالَ غَيْرُهُ الْخَاطِرُ الْهَاجِسُ وَجَمْعُهُ خَوَاطِرُ وَهَذَا الْحَدِيثُ ذَكَرَهُ مُسْلِمٌ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى مُتَابَعَةً لاانه قَصَدَ الِاعْتِمَادَ عَلَيْهِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَبْرٍ) وَفِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى (عن بن جَبْرٍ) هَذَا كُلُّهُ صَحِيحٌ وَقَدْ أَنْكَرَهُ عَلَيْهِ بعض الائمة وقال صوابه بن جَابِرٍ وَهَذَا غَلَطٌ مِنْ هَذَا الْمُعْتَرِضِ بَلْ يُقَالُ فِيهِ جَابِرٌ وَجَبْرٌ وَهُوَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَابِرِ بْنِ عَتِيكٍ وَمِمَّنْ ذَكَرَ الْوَجْهَيْنِ فِيهِ الْإِمَامُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْبُخَارِيُّ وَأَنَّ مِسْعَرًا وَأَبَا الْعُمَيْسِ وَشُعْبَةَ وَعَبْدَ اللَّهِ بْنَ عِيسَى يَقُولُونَ فِيهِ جَبْرٌ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ (كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَغْتَسِلُ بِخَمْسِ مَكَاكِيكَ وَيَتَوَضَّأُ بِمَكُّوكٍ) وَفِي رِوَايَةٍ بِخَمْسِ مُكَاكِيَّ بِتَشْدِيدِ الْيَاءِ والمكوك بِفَتْحِ الْمِيمِ وَضَمِّ الْكَافِ الْأُولَى وَتَشْدِيدِهَا وَجَمْعُهُ مَكَاكِيكَ وَمَكَاكِيَّ وَلَعَلَّ الْمُرَادَ بِالْمَكُّوكِ هُنَا الْمُدُّ كَمَا قَالَ فِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى يَتَوَضَّأُ بِالْمُدِّ وَيَغْتَسِلُ بِالصَّاعِ إِلَى خَمْسَةِ أَمْدَادٍ

(4/7)


قَوْلُهُ (حَدَّثَنَا أَبُو رَيْحَانَةَ عَنْ سَفِينَةَ) اسْمُ أَبِي رَيْحَانَةَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَطَرٍ وَيُقَالُ زِيَادُ بْنُ مَطَرٍ وَأَمَّا سَفِينَةُ فَهُوَ صَاحِبُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَوْلَاهُ يُقَالُ اسْمُهُ مِهْرَانُ بْنُ فَرُّوخَ وَقِيلَ اسْمُهُ بَحْرَانُ وَقِيلَ رُومَانُ وَقِيلَ قَيْسٌ وَقِيلَ عُمَيْرٌ وَقِيلَ شُنْبَةُ بِإِسْكَانِ النُّونِ بَعْدَ الشِّينِ وَبَعْدَهَا بَاءٌ مُوَحَّدَةٌ كُنْيَتُهُ الْمَشْهُورَةُ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ وَقِيلَ أَبُو الْبَخْتَرِيِّ قِيلَ سَبَبُ تَسْمِيَتِهِ سَفِينَةَ أَنَّهُ حَمَلَ مَتَاعًا كَثِيرًا لِرُفْقَةٍ فِي الْغَزْوِ فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْتَ سَفِينَةُ قَوْلُهُ (حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ حدثنا بن عُلَيَّةَ ح وَحَدَّثَنِي عَلِيُّ بْنُ حُجْرٍ حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ عَنْ أَبِي رَيْحَانَةَ عَنْ سَفِينَةَ قَالَ أَبُو بَكْرٍ صَاحِبُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَغْتَسِلُ بِالصَّاعِ وَيَتَطَهَّرُ بِالْمُدِّ وفي حديث بن حُجْرٍ أَوْ قَالَ وَيُطَهِّرُهُ الْمُدُّ قَالَ وَكَانَ كَبِرَ وَمَا كُنْتُ أَثِقُ بِحَدِيثِهِ) قَوْلُهُ صَاحِبِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هُوَ بِخَفْضِ صَاحِبٍ صِفَةٌ لِسَفِينَةَ وَأَبُو بَكْرٍ الْقَائِلُ هو بن أَبِي شَيْبَةَ يَعْنِي مُسْلِمٌ أَنَّ أَبَا بَكْرِ بْنَ أَبِي شَيْبَةَ وَصَفَهُ وَعَلِيُّ بْنُ حُجْرٍ لَمْ يَصِفْهُ بَلِ اقْتَصَرَ عَلَى قَوْلِهِ عَنْ سَفِينَةَ وَأَمَّا قَوْلُهُ وَقَدْ كَانَ كَبِرَ فَهُوَ بِكَسْرِ الْبَاءِ وَمَا كُنْتُ أَثِقُ بِحَدِيثِهِ هَكَذَا هُوَ فِي أَكْثَرِ الْأُصُولِ أَثِقُ بِكَسْرِ الثَّاءِ الْمُثَلَّثَةِ مِنَ الْوُثُوقِ الَّذِي هُوَ الِاعْتِمَادُ وَرَوَاهُ جَمَاعَةٌ وَمَا كُنْتُ أَيْنِقُ بِيَاءٍ مُثَنَّاةٍ تَحْتُ ثُمَّ نُونٍ أَيْ أُعْجَبُ بِهِ وَأَرْتَضِيهِ وَالْقَائِلُ وَقَدْ كَانَ كَبِرَ هُوَ أَبُو

(4/8)


رَيْحَانَةَ وَالَّذِي كَبِرَ هُوَ سَفِينَةُ وَلَمْ يَذْكُرْ مُسْلِمٌ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى حَدِيثَهَ هَذَا مُعْتَمِدًا عَلَيْهِ وَحْدَهُ بَلْ ذَكَرَهُ مُتَابَعَةً لِغَيْرِهِ مِنَ الْأَحَادِيثِ الَّتِي ذَكَرَهَا وَاللَّهُ أَعْلَمُ

(باب اسْتِحْبَابِ افاضة الماء على الرأس وغيره ثلاثا)
فيه (سُلَيْمَانُ بْنُ صُرَدٍ) هُوَ بِضَمِّ الصَّادِ وَفَتْحِ الرَّاءِ وَبِالدَّالِ الْمُهْمَلَاتِ وَهُوَ مَصْرُوفٌ وَهُوَ صَحَابِيٌّ مَشْهُورٌ وَقَوْلُهُ (تَمَارَوْا فِي الْغُسْلِ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) أَيْ تَنَازَعُوا فِيهِ فَقَالَ بَعْضُهُمْ صِفَتُهُ كَذَا وَقَالَ آخَرُونَ كَذَا وَفِيهِ جَوَازُ الْمُنَاظَرَةِ وَالْمُبَاحَثَةِ فِي الْعِلْمِ وَفِيهِ جَوَازُ مُنَاظَرَةِ الْمَفْضُولِينَ بِحَضْرَةِ الْفَاضِلِ وَمُنَاظَرَةِ الْأَصْحَابِ بِحَضْرَةِ إِمَامِهِمْ وَكَبِيرِهِمْ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (أَمَّا أَنَا فَإِنِّي أُفِيضُ عَلَى رأسي ثلاث أكف) المراد ثلاث حَفَنَاتٍ كُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ مِلْءُ الْكَفَّيْنِ جَمِيعًا وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ اسْتِحْبَابُ إِفَاضَةِ الْمَاءِ عَلَى الرَّأْسِ ثَلَاثًا وَهُوَ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَأَلْحَقَ بِهِ أَصْحَابُنَا سَائِرَ الْبَدَنِ قِيَاسًا عَلَى الرَّأْسِ وَعَلَى أَعْضَاءِ الْوُضُوءِ وَهُوَ أَوْلَى بِالثَّلَاثِ مِنَ الْوُضُوءِ فَإِنَّ الْوُضُوءَ مَبْنِيٌّ عَلَى التَّخْفِيفِ وَيَتَكَرَّرُ فَإِذَا اسْتُحِبَّ فِيهِ الثَّلَاثُ فَفِي الْغُسْلِ أَوْلَى وَلَا نَعْلَمُ فِي هَذَا خِلَافًا إِلَّا مَا انْفَرَدَ بِهِ الْإِمَامُ أَقْضَى الْقُضَاةِ أَبُو الْحَسَنِ الْمَاوَرْدِيُّ صَاحِبُ الْحَاوِي مِنْ أَصْحَابِنَا فَإِنَّهُ قَالَ لَا يُسْتَحَبُّ التَّكْرَارُ فِي الْغُسْلِ وَهَذَا شَاذٌّ مَتْرُوكٌ وَقَدْ قَدَّمْنَا فِي الْبَابِ قَبْلَهُ بَيَانُ أَقَلِّ الغسل

(4/9)


وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ (وَحَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى وَإِسْمَاعِيلُ بْنُ سَالِمٍ قَالَا أَخْبَرَنَا هُشَيْمٌ عَنْ أَبِي بِشْرٍ عَنْ أَبِي سُفْيَانَ عَنْ جَابِرٍ) ثم قال مسلم بعد هذا قال بن سَالِمٍ فِي رِوَايَتِهِ حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ قَالَ حَدَّثَنَا أَبُو بِشْرٍ هَذَا فِيهِ فَائِدَةٌ عَظِيمَةٌ مِنْ دَقَائِقِ هَذَا الْعِلْمِ وَلَطَائِفِهِ وَهِيَ مُصَرِّحَةٌ بِغَزَارَةِ عِلْمِ مُسْلِمٍ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَدَقِيقِ نَظَرِهِ وَهِيَ أَنَّ هُشَيْمًا رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى مُدَلِّسٌ وَقَدْ قَالَ فِي الرِّوَايَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ عَنْ أَبِي بشر والمدلس اذا قال عن لايحتج به الا اذا أثبت سماعه ذلك الحديث من ذلك الشخص الَّذِي عَنْعَنَ عَنْهُ فَبَيَّنَ مُسْلِمٌ أَنَّهُ ثَبَتَ سماعه من جهة اخرى وهي رواية بن سالم فانه قال فيها اخبرنا ابوبشر وَقَدْ قَدَّمْنَا مَرَّاتٍ بَيَانَ مِثْلِ هَذِهِ الدَّقِيقَةِ وَاسْمُ أَبِي بِشْرٍ جَعْفَرُ بْنُ إِيَاسٍ وَهُوَ جَعْفَرُ بْنُ أَبِي وَحْشِيَّةَ وَاسْمُ أَبِي سُفْيَانَ هَذَا طَلْحَةُ بْنُ نَافِعٍ وَقَدْ تَقَدَّمَ بَيَانُهُ والله اعلم

(باب حكم ضفائر المغتسله)
فِيهِ حَدِيثُ أُمِّ سَلَمَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ (قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي امْرَأَةٌ أَشُدُّ ضَفْرَ رَأْسِي

(4/10)


أَفَأَنْقُضُهُ لِغُسْلِ الْجَنَابَةِ قَالَ لَا إِنَّمَا يَكْفِيكِ أَنْ تَحْثِي عَلَى رَأَسِكِ ثَلَاثَ حَثَيَاتٍ ثُمَّ تُفِيضِينَ عَلَيْكِ الْمَاءَ فَتَطْهُرِينَ) وَفِي رِوَايَةٍ فَأَنْقُضُهُ لِلْحَيْضِ وَالْجَنَابَةِ وَفِيهِ حَدِيثُ عَائِشَةَ بِنَحْوِ مَعْنَاهُ قَوْلُهَا أَشُدُّ ضَفْرَ رَأْسِي هُوَ بِفَتْحِ الضَّادِ وَإِسْكَانِ الْفَاءِ هَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ الْمَعْرُوفُ فِي رِوَايَةِ الْحَدِيثِ وَالْمُسْتَفِيضِ عِنْدَ الْمُحَدِّثِينَ وَالْفُقَهَاءِ وَغَيْرِهِمْ ومعناه أحكم فتل شعري وقال الامام بن بري فِي الْجُزْءِ الَّذِي صَنَّفَهُ فِي لَحْنِ الْفُقَهَاءِ مِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُمْ فِي حَدِيثِ أُمِّ سَلَمَةَ أَشُدُّ ضَفْرَ رَأْسِي يَقُولُونَهُ بِفَتْحِ الضَّادِ وَإِسْكَانِ الْفَاءِ وَصَوَابُهُ ضَمُّ الضَّادِ وَالْفَاءِ جَمْعُ ضَفِيرَةٍ كَسَفِينَةٍ وَسُفُنٌ وَهَذَا الَّذِي أَنْكَرَهُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى لَيْسَ كَمَا زَعَمَهُ بَلِ الصَّوَابُ جَوَازُ الْأَمْرَيْنِ وَلِكُلٍّ مِنْهُمَا مَعْنًى صَحِيحٌ وَلَكِنْ يَتَرَجَّحُ مَا قَدَّمْنَاهُ لِكَوْنِهِ الْمَرْوِيَّ الْمَسْمُوعَ فِي الرِّوَايَاتِ الثَّابِتَةِ الْمُتَّصِلَةِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (تَحْثِي عَلَى رَأَسَكِ ثَلَاثَ حَثَيَاتٍ) هِيَ بِمَعْنَى الْحَفَنَاتِ فِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى وَالْحَفْنَةُ مِلْءُ الْكَفَّيْنِ مِنْ أَيِّ شَيْءٍ كَانَ وَيُقَالُ حَثَيْتُ وَحَثَوْتُ بِالْيَاءِ وَالْوَاوِ لُغَتَانِ مَشْهُورَتَانِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَاسْمُ أُمِّ سَلَمَةَ هِنْدُ وَقِيلَ رَمَكَةُ وَلَيْسَ بِشَيْءٍ قَوْلُهَا فِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى (فَأَنْقُضُهُ لِلْحَيْضَةِ) هِيَ بِفَتْحِ الْحَاءِ

(4/11)


وَاللَّهُ أَعْلَمُ أَمَّا أَحْكَامُ الْبَابِ فَمَذْهَبُنَا وَمَذْهَبُ الْجُمْهُورِ أَنَّ ضَفَائِرَ الْمُغْتَسِلَةِ إِذَا وَصَلَ الْمَاءُ إِلَى جَمِيعِ شَعْرِهَا ظَاهِرِهِ وَبَاطِنِهِ مِنْ غَيْرِ نَقْضٍ لَمْ يَجِبْ نَقْضُهَا وَإِنْ لَمْ يَصِلْ إِلَّا بِنَقْضِهَا وَجَبَ نَقْضُهَا وَحَدِيثُ أُمِّ سَلَمَةَ مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّهُ كَانَ يَصِلُ الْمَاءَ إِلَى جَمِيعِ شَعْرِهَا مِنْ غَيْرِ نَقْضٍ لِأَنَّ إِيصَالَ الْمَاءِ وَاجِبٌ وَحُكِيَ عَنِ النَّخَعِيِّ وُجُوبُ نَقْضِهَا بكل حال عن الْحَسَنِ وَطَاوُسٍ وُجُوبُ النَّقْضِ فِي غُسْلِ الْحَيْضِ دون الجنابه ودليلنا حديث أم سلمه واذا كَانَ لِلرَّجُلِ ضَفِيرَةٌ فَهُوَ كَالْمَرْأَةِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَاعْلَمْ أَنَّ غُسْلَ الرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ مِنَ الْجَنَابَةِ وَالْحَيْضِ وَالنِّفَاسِ وَغَيْرِهَا مِنَ الْأَغْسَالِ الْمَشْرُوعَةِ سَوَاءٌ فِي كُلِّ شَيْءٍ إِلَّا مَا سَيَأْتِي فِي الْمُغْتَسِلَةِ مِنَ الْحَيْضِ وَالنِّفَاسِ أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ لَهَا أَنْ تَسْتَعْمِلَ فِرْصَةً مِنْ مِسْكٍ وَقَدْ تَقَدَّمَ بَيَانُ صِفَةِ الْغُسْلِ بِكَمَالِهَا فِي الْبَابِ السَّابِقِ فَإِنْ كَانَتِ الْمَرْأَةُ بِكْرًا لَمْ يَجِبْ إِيصَالُ الْمَاءِ إِلَى دَاخِلِ فَرْجِهَا وَإِنْ كَانَتْ ثَيِّبًا وَجَبَ إِيصَالُ الْمَاءِ إِلَى مَا يَظْهَرُ فِي حَالِ قُعُودِهَا لِقَضَاءِ الْحَاجَةِ لِأَنَّهُ صَارَ فِي حُكْمِ الظَّاهِرِ هَكَذَا نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ وَجَمَاهِيرُ أصحابنا وقال بعض أصحابنا لايجب عَلَى الثَّيِّبِ غَسْلُ دَاخِلِ الْفَرْجِ وَقَالَ بَعْضُهُمْ يَجِبُ ذَلِكَ فِي غُسْلِ الْحَيْضِ وَالنِّفَاسِ وَلَا يَجِبُ فِي غُسْلِ الْجَنَابَةِ وَالصَّحِيحُ الْأَوَّلُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَأَمَّا أَمْرُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا بنقض النساء رؤوسهن إِذَا اغْتَسَلْنَ فَيُحْمَلُ عَلَى أَنَّهُ أَرَادَ إِيجَابَ ذلك عليهن ويكون ذلك في شعور لايصل إِلَيْهَا الْمَاءُ أَوْ يَكُونُ مَذْهَبًا لَهُ أَنَّهُ يَجِبُ النَّقْضُ بِكُلِّ حَالٍ كَمَا حَكَيْنَاهُ عَنِ النَّخَعِيِّ وَلَا يَكُونُ

(4/12)


بَلَغَهُ حَدِيثُ أُمِّ سَلَمَةَ وَعَائِشَةَ وَيَحْتَمِلُ أَنَّهُ كَانَ يَأْمُرُهُنَّ عَلَى الِاسْتِحْبَابِ وَالِاحْتِيَاطِ لَا لِلْإِيجَابِ والله تعالى أعلم

(باب استحباب استعمال المغتسله من الحيض فرصة من مسك)
(

في موضع الدم)
قَدْ قَدَّمْنَا فِي الْبَابِ الَّذِي قَبْلَهُ أَنَّ صِفَةَ غُسْلِ الْمَرْأَةِ وَالرَّجُلِ سَوَاءٌ وَتَقَدَّمَ بَيَانُ ذَلِكَ مُسْتَوْفًى وَالْمُرَادُ فِي هَذَا الْبَابِ بَيَانُ أَنَّ السُّنَّةَ فِي حَقِّ الْمُغْتَسِلَةِ مِنَ الْحَيْضِ أن تأخذ شيأ مِنْ مِسْكٍ فَتَجْعَلَهُ فِي قُطْنَةٍ أَوْ خِرْقَةٍ أَوْ نَحْوِهَا وَتُدْخِلَهَا فِي فَرْجِهَا بَعْدَ اغْتِسَالِهَا وَيُسْتَحَبُّ هَذَا لِلنُّفَسَاءِ أَيْضًا لِأَنَّهَا فِي مَعْنَى الْحَائِضِ وَذَكَرَ الْمَحَامِلِيُّ مِنْ أَصْحَابِنَا فِي كِتَابهِ الْمُقْنِعُ أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ لِلْمُغْتَسِلَةِ مِنَ الْحَيْضِ وَالنِّفَاسِ أَنْ تُطَيِّبَ جَمِيعَ الْمَوَاضِعِ الَّتِي أَصَابَهَا الدَّمُ مِنْ بَدَنِهَا وَهَذَا الَّذِي ذَكَرَهُ مِنْ تَعْمِيمِ مَوَاضِعِ الدَّمِ مِنَ الْبَدَنِ غَرِيبٌ لَا أَعْرِفُهُ لِغَيْرِهِ بَعْدَ الْبَحْثِ عَنْهُ وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي الْحِكْمَةِ فِي اسْتِعْمَالِ الْمِسْكِ فَالصَّحِيحُ الْمُخْتَارُ الَّذِي قَالَهُ الْجَمَاهِيرُ مِنْ أَصْحَابِنَا وَغَيْرِهِمْ أَنَّ الْمَقْصُودَ بِاسْتِعْمَالِ الْمِسْكِ تَطْيِيبُ الْمَحَلِّ وَدَفْعُ الرَّائِحَةِ الْكَرِيهَةِ وَحَكَى أَقْضَى الْقُضَاةِ الْمَاوَرْدِيُّ مِنْ أَصْحَابِنَا وَجْهَيْنِ لِأَصْحَابِنَا أَحَدُهُمَا هَذَا وَالثَّانِي أَنَّ الْمُرَادَ كَوْنُهُ أَسْرَعَ إِلَى عُلُوقِ الْوَلَدِ قَالَ فَإِنْ قُلْنَا بِالْأَوَّلِ فَفَقَدَتِ الْمِسْكَ اسْتَعْمَلَتْ مَا يَخْلُفُهُ فِي طِيبِ الرَّائِحَةِ وَإِنْ قُلْنَا بِالثَّانِي اسْتَعْمَلَتْ مَا قَامَ مَقَامَهُ فِي ذَلِكَ مِنَ الْقُسْطِ وَالْأَظْفَارِ وَشِبْهِهِمَا قَالَ وَاخْتَلَفُوا فِي وَقْتِ اسْتِعْمَالِهِ فَمَنْ قَالَ بِالْأَوَّلِ قَالَ تَسْتَعْمِلُهُ بَعْدَ الْغُسْلِ وَمَنْ قَالَ بِالثَّانِي قَالَ قَبْلَهُ هَذَا آخِرُ كَلَامِ الْمَاوَرْدِيِّ وَهَذَا الَّذِي حَكَاهُ مِنِ اسْتِعْمَالِهِ قَبْلَ الْغُسْلِ لَيْسَ بِشَيْءٍ وَيَكْفِي فِي إِبْطَالِهِ رِوَايَةُ مُسْلِمٍ فِي الْكِتَابِ فِي قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم تأخذ إحداكن ماءها وسدرتها فتطهر فَتُحْسِنُ الطُّهُورَ ثُمَّ تَصُبُّ عَلَى رَأْسِهَا فَتَدْلُكُهُ ثُمَّ تَصُبُّ عَلَيْهَا الْمَاءَ ثُمَّ تَأْخُذُ فِرْصَةً مُمَسَّكَةً فَتَطَّهَّرُ بِهَا وَهَذَا نَصٌّ فِي اسْتِعْمَالِ الْفِرْصَةَ بَعْدَ الْغُسْلِ وَأَمَّا قَوْلُ مَنْ قَالَ ان المراد الاسراع في العلوق فضعيف أوباطل فانه

(4/13)


عَلَى مُقْتَضَى قَوْلِهِ يَنْبَغِي أَنْ يُخَصُّ بِهِ ذَاتُ الزَّوْجِ الْحَاضِرِ الَّذِي يُتَوَقَّعُ جِمَاعُهُ فِي الْحَالِ وَهَذَا شَيْءٌ لَمْ يَصِرْ إِلَيْهِ أَحَدٌ نَعْلَمُهُ وَإِطْلَاقُ الْأَحَادِيثِ يَرُدُّ عَلَى مَنِ الْتَزَمَهُ بَلِ الصَّوَابُ أَنَّ الْمُرَادَ تَطَيُّبُ الْمَحَلِّ وَإِزَالَةُ الرَّائِحَةِ الْكَرِيهَةِ وَأَنَّ ذَلِكَ مُسْتَحَبٌّ لِكُلِّ مُغْتَسِلَةٍ من الحيض اوالنفاس سَوَاءٌ ذَاتَ الزَّوْجِ وَغَيْرَهَا وَتَسْتَعْمِلُهُ بَعْدَ الْغُسْلِ فَإِنْ لَمْ تَجِدْ مِسْكًا فَتَسْتَعْمِلُ أَيَّ طِيبٍ وَجَدَتْ فَإِنْ لِمْ تَجِدْ طِيبًا اسْتُحِبَّ لَهَا اسْتِعْمَالُ طِينٍ أَوْ نَحْوِهِ مِمَّا يُزِيلُ الْكَرَاهَةَ نَصَّ عَلَيْهِ أَصْحَابُنَا فَإِنْ لَمْ تَجِدْ شَيْئًا مِنْ هَذَا فَالْمَاءُ كَافٍ لَهَا لَكِنْ إِنْ تَرَكَتِ التَّطَيُّبَ مَعَ التَّمَكُّنِ مِنْهُ كُرِهَ لَهَا وَإِنْ لَمْ تَتَمَكَّنْ فَلَا كَرَاهَةَ فِي حَقِّهَا وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَأَمَّا الْفِرْصَةُ فَهِيَ بِكَسْرِ الْفَاءِ واسكان الراء وبالصاد المهمله وهي القطعة والمسك بِكَسْرِ الْمِيمِ وَهُوَ الطِّيبُ الْمَعْرُوفُ هَذَا هُوَ الصَّحِيحُ الْمُخْتَارُ الَّذِي رَوَاهُ وَقَالَهُ الْمُحَقِّقُونَ وَعَلَيْهِ الْفُقَهَاءُ وَغَيْرُهُمْ مِنَ أَهْلِ الْعُلُومِ وَقِيلَ مَسْكٌ بِفَتْحِ الْمِيمِ وَهُوَ الْجِلْدُ أَيْ قِطْعَةُ جِلْدٍ فِيهِ شَعْرٌ ذَكَرَ الْقَاضِي عِيَاضٌ أَنَّ فَتْحَ الميم هي رواية الاكثرين وقال أبوعبيد وبن قُتَيْبَةَ إِنَّمَا هُوَ قُرْضَةٌ مِنْ مَسْكٍ بِقَافٍ مَضْمُومَةٍ وَضَادٍ مُعْجَمَةٍ وَمَسْكٍ بِفَتْحِ الْمِيمِ أَيْ قِطْعَةٌ مِنْ جِلْدٍ وَهَذَا كُلُّهُ ضَعِيفٌ وَالصَّوَابُ مَا قَدَّمْنَاهُ وَيَدُلُّ عَلَيْهِ الرِّوَايَةُ الْأُخْرَى الْمَذْكُورَةُ فِي الْكِتَابِ فِرْصَةٌ مُمَسَّكَةٌ وَهِيَ بِضَمِّ الْمِيمِ الْأُولَى وَفَتْحِ الثَّانِيَةِ وَفَتْحِ السِّينِ الْمُشَدَّدَةِ أَيْ قِطْعَةٌ مِنْ قُطْنٍ أَوْ صُوفٍ أَوْ خِرْقَةٍ مُطَيَّبَةٍ بِالْمِسْكِ كَمَا قَدَّمْنَا بَيَانَهُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (تَطَّهَّرِي بِهَا وسبحان اللَّهِ) قَدْ قَدَّمْنَا أَنَّ سُبْحَانَ اللَّهِ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ وَأَمْثَالِهِ يُرَادُ بِهَا التَّعَجُّبُ وَكَذَا لااله إِلَّا اللَّهُ وَمَعْنَى التَّعَجُّبِ هُنَا كَيْفَ يَخْفَى مثل هذا الظاهر الذي لايحتاج الْإِنْسَانُ فِي فَهْمِهِ إِلَى فِكْرٍ وَفِي هَذَا جَوَازُ التَّسْبِيحِ عِنْدَ التَّعَجُّبِ مِنَ الشَّيْءِ وَاسْتِعْظَامِهِ وَكَذَلِكَ يَجُوزُ عِنْدَ التَّثَبُّتِ عَلَى الشَّيْءِ وَالتَّذَكُّرِ بِهِ وَفِيهِ اسْتِحْبَابُ اسْتِعْمَالِ الْكِنَايَاتِ فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِالْعَوْرَاتِ وَقَدْ تَقَدَّمَ بَيَانُ هَذِهِ الْقَاعِدَةِ مَرَّاتٍ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

(4/14)


(تَتَبَّعِي بِهَا آثَارَ الدَّمِ) قَالَ جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ يَعْنِي بِهِ الْفَرْجَ وَقَدْ قَدَّمْنَا عَنِ الْمَحَامِلِيِّ أَنَّهُ قَالَ تُطَيِّبُ كُلَّ مَوْضِعٍ أَصَابَهُ الدَّمُ مِنْ بَدَنِهَا وَفِي ظَاهِرِ الْحَدِيثِ حُجَّةٌ لَهُ قَوْلُهُ (حَدَّثَنَا حَبَّانُ حَدَّثَنَا وُهَيْبُ) هُوَ حَبَّانُ بِفَتْحِ الْحَاءِ وَبِالْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ وَهُوَ حَبَّانُ بْنُ هِلَالٍ قَوْلُهُ (غُسْلُ الْمَحِيضِ) هُوَ الْحَيْضُ وَقَدْ تَقَدَّمَ بَيَانُهُ وَاضِحًا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم (تأخذ إحداكن ماءها وسدرتها فتطهر فتحسن الطُّهُورَ ثُمَّ تَصُبُّ عَلَى رَأْسِهَا فَتَدْلُكُهُ دَلْكًا شَدِيدًا ثُمَّ تَصُبُّ عَلَيْهَا الْمَاءَ) قَالَ الْقَاضِي عياض رحمه الله تعالى التطهر الاول تطهر مِنَ النَّجَاسَةِ وَمَا مَسَّهَا مِنْ دَمِ الْحَيْضِ هكذا قال القاضي وَالْأَظْهَرُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ أَنَّ الْمُرَادَ بِالتَّطَهُّرِ الْأَوَّلِ الْوُضُوءُ كَمَا جَاءَ فِي صِفَةِ غُسْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَدْ قَدَّمْنَا فِي أَوَّلِ كِتَابِ الْوُضُوءِ بَيَانَ مَعْنَى تَحْسِينِ الطُّهْرِ وَهُوَ اتمامه بهيأته فَهَذَا الْمُرَادُ بِالْحَدِيثِ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم (حتى تبلغ شؤن رَأْسِهَا) هُوَ بِضَمِّ الشِّينِ الْمُعْجَمَةِ وَبَعْدَهَا هَمْزَةٌ ومعناه أصول شعر رأسها وأصول الشؤن الْخُطُوطُ الَّتِي فِي عَظْمِ الْجُمْجُمَةِ وَهُوَ مُجْتَمَعُ شُعَبِ عِظَامِهَا الْوَاحِدُ مِنْهَا شَأْنٌ قَوْلُهُ قَالَتْ عَائِشَةُ كَأَنَّهَا تُخْفِي ذَلِكَ تَتْبَعِينَ أَثَرَ الدَّمِ مَعْنَاهُ قَالَتْ لَهَا كَلَامًا خَفِيًّا

(4/15)


تسمعه المخاطبة لايسمعه الْحَاضِرُونَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهَا (دَخَلَتْ أَسْمَاءُ بِنْتُ شَكَلٍ) هُوَ شَكَلٌ بِالشِّينِ الْمُعْجَمَةِ وَالْكَافِ الْمَفْتُوحَتَيْنِ هَذَا هُوَ الصَّحِيحُ الْمَشْهُورُ وَحَكَى صَاحِبُ الْمَطَالِعِ فِيهِ إِسْكَانُ الْكَافِ وَذَكَرَ الْخَطِيبُ الْحَافِظُ أَبُو بَكْرٍ الْبَغْدَادِيُّ فِي كِتَابِهِ الْأَسْمَاءُ الْمُبْهَمَةُ وَغَيْرُهُ مِنَ الْعُلَمَاءِ أَنَّ اسْمَ هَذِهِ السَّائِلَةِ أَسْمَاءُ بِنْتُ يَزِيدَ بْنِ السَّكَنِ الَّتِي كَانَ يُقَالُ لَهَا خَطِيبَةُ النِّسَاءِ وَرَوَى الْخَطِيبُ حَدِيثًا فِيهِ تَسْمِيَتُهَا بِذَلِكَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ

(باب الْمُسْتَحَاضَةِ وَغُسْلِهَا وَصَلَاتِهَا)
فِيهِ (أَنَّ فَاطِمَةَ بِنْتَ أَبِي حُبَيْشٍ رضي الله عنها قالت يارسول الله إني امرأة أستحاض

(4/16)


فَلَا أَطْهُرَ أَفَأَدْعُ الصَّلَاةَ فَقَالَ لَا إِنَّمَا ذَلِكَ عِرْقٌ وَلَيْسَ بِالْحَيْضَةِ فَإِذَا أَقْبَلَتِ الْحَيْضَةُ فَدَعِي الصَّلَاةَ وَإِذَا أَدْبَرَتْ فَاغْسِلِي عَنْكِ الدَّمَ وَصَلِّي) وَفِيهِ غَيْرُهُ مِنَ الْأَحَادِيثِ قَدْ قَدَّمْنَا أَنَّ الِاسْتِحَاضَةَ جَرَيَانُ الدَّمِ مِنْ فَرْجِ الْمَرْأَةِ فِي غَيْرِ أَوَانِهِ وَأَنَّهُ يَخْرُجُ مِنْ عِرْقٍ يُقَالُ لَهُ الْعَاذِلُ بِالْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ وَكَسْرِ الذَّالِ الْمُعْجَمَةِ بِخِلَافِ دَمِ الْحَيْضِ فَإِنَّهُ يَخْرُجُ مِنْ قَعْرِ الرَّحِمِ وَأَمَّا حُكْمُ الْمُسْتَحَاضَةِ فَهُوَ مَبْسُوطٌ فِي كُتُبِ الْفِقْهِ أَحْسَنَ بَسْطٍ وَأَنَا أُشِيرُ إِلَى أَطْرَافٍ مِنْ مَسَائِلِهَا فَاعْلَمْ أَنَّ الْمُسْتَحَاضَةَ لَهَا حُكْمُ الطَّاهِرَاتِ فِي مُعْظَمِ الْأَحْكَامِ فَيَجُوزُ لِزَوْجِهَا وَطْؤُهَا فِي حَالِ جَرَيَانِ الدَّمِ عِنْدَنَا وعند جمهور العلماء حكاه بن المنذر في الاشراق عن بن عباس وبن الْمُسَيِّبِ وَالْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ وَعَطَاءٍ وَسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ وَقَتَادَةَ وَحَمَّادِ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ وَبَكْرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْمُزَنِيِّ وَالْأَوْزَاعِيِّ وَالثَّوْرِيِّ وَمَالِكٍ وَإِسْحَاقَ وابي ثور قال بن الْمُنْذِرِ وَبِهِ أَقُولُ قَالَ وَرَوَيْنَا عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّهَا قَالَتْ لَا يَأْتِيهَا زَوْجُهَا وَبِهِ قَالَ النَّخَعِيُّ وَالْحَكَمُ وَكَرِهَهُ ابْنُ سيرين وقال أحمد لايأتيها الاأن يَطُولَ ذَلِكَ بِهَا وَفِي رِوَايَةٍ عَنْهُ رَحِمَهُ الله تعالى أنه لايجوز وَطْؤُهَا إِلَّا أَنْ يَخَافَ زَوْجُهَا الْعَنَتَ وَالْمُخْتَارُ مَا قَدَّمْنَاهُ عَنِ الْجُمْهُورِ وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ مَا رَوَى عِكْرِمَةُ عَنْ حَمْنَةَ بِنْتِ جَحْشٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّهَا كَانَتْ مُسْتَحَاضَةً وَكَانَ زَوْجُهَا يُجَامِعُهَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَالْبَيْهَقِيُّ وَغَيْرُهُمَا بِهَذَا اللَّفْظِ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ قَالَ الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ قال بن عَبَّاسٍ الْمُسْتَحَاضَةُ يَأْتِيهَا زَوْجُهَا إِذَا صَلَّتْ الصَّلَاةُ أَعْظَمُ وَلِأَنَّ الْمُسْتَحَاضَةَ كَالطَّاهِرَةِ فِي الصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ وَغَيْرِهِمَا فَكَذَا فِي الْجِمَاعِ وَلِأَنَّ التَّحْرِيمَ إِنَّمَا يَثْبُتُ بِالشَّرْعِ وَلَمْ يَرِدِ الشَّرْعُ بِتَحْرِيمِهِ وَاللَّهُ أعلم وأما الصلاة والصيام والاعتكاف وقرآة الْقُرْآنِ وَمَسُّ الْمُصْحَفِ وَحَمْلُهُ وَسُجُودُ التِّلَاوَةِ وَسُجُودُ الشُّكْرِ وَوُجُوبُ الْعِبَادَاتِ عَلَيْهَا فَهِيَ فِي كُلِّ ذَلِكَ كَالطَّاهِرَةِ وَهَذَا مُجْمَعٌ عَلَيْهِ وَإِذَا أَرَادَتِ الْمُسْتَحَاضَةُ الصَّلَاةَ فَإِنَّهَا تُؤْمَرُ بِالِاحْتِيَاطِ فِي طَهَارَةِ الْحَدَثِ وَطَهَارَةِ النَّجَسِ فَتَغْسِلُ فَرْجَهَا قَبْلَ الْوُضُوءِ وَالتَّيَمُّمِ إِنْ كَانَتْ تَتَيَمَّمُ وَتَحْشُو فَرْجَهَا بِقُطْنَةٍ أوخرقة رفعا للنجاسة

(4/17)


أَوْ تَقْلِيلًا لَهَا فَإِنْ كَانَ دَمُهَا قَلِيلًا يَنْدَفِعُ بِذَلِكَ وَحْدَهُ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهَا غَيْرَهُ وَإِنْ لَمْ يَنْدَفِعْ شَدَّتْ مَعَ ذَلِكَ عَلَى فَرْجِهَا وَتَلَجَّمَتْ وَهُوَ أَنْ تَشُدَّ عَلَى وَسَطِهَا خِرْقَةً أَوْ خَيْطًا أَوْ نَحْوَهُ عَلَى صُورَةِ التِّكَّةِ وَتَأْخُذَ خِرْقَةً أُخْرَى مَشْقُوقَةَ الطَّرَفَيْنِ فَتُدْخِلَهَا بَيْنَ فَخِذَيْهَا وَأَلْيَتَيْهَا وَتَشُدَّ الطَّرَفَيْنِ بِالْخِرْقَةِ الَّتِي فِي وَسَطِهَا أَحَدَهُمَا قُدَّامَهَا عِنْدَ صُرَّتِهَا وَالْآخَرَ خَلْفَهَا وَتُحْكِمَ ذَلِكَ الشَّدَّ وَتُلْصِقَ هَذِهِ الْخِرْقَةَ الْمَشْدُودَةَ بَيْنِ الْفَخِذَيْنِ بِالْقُطْنَةِ الَّتِي عَلَى الْفَرْجِ إِلْصَاقًا جَيِّدًا وَهَذَا الْفِعْلُ يُسَمَّى تَلَجُّمًا وَاسْتِثْفَارًا وَتَعْصِيبًا قَالَ أَصْحَابُنَا وَهَذَا الشَّدُّ وَالتَّلَجُّمُ وَاجِبٌ إِلَّا فِي مَوْضِعَيْنِ أَحَدِهِمَا أَنْ يُتَأَذَّى بِالشَّدِّ وَيَحْرِقَهَا اجْتِمَاعُ الدَّمِ فَلَا يَلْزَمُهَا لِمَا فِيهِ مِنَ الضَّرَرِ وَالثَّانِي أَنْ تَكُونَ صَائِمَةً فَتَتْرُكُ الْحَشْوَ فِي النَّهَارِ وَتَقْتَصِرُ عَلَى الشَّدِّ قَالَ أَصْحَابُنَا وَيَجِبُ تَقْدِيمُ الشَّدِّ وَالتَّلَجُّمِ عَلَى الْوُضُوءِ وَتَتَوَضَّأُ عَقِيبَ الشَّدِّ مِنْ غَيْرِ إِمْهَالٍ فَإِنْ شَدَّتْ وَتَلَجَّمَتْ وَأَخَّرَتِ الْوُضُوءَ وَتَطَاوَلَ الزَّمَانُ فَفِي صحة وضوئها وجهان الاصح أنه لايصح واذا استوثقت بالشد علىالصفة الَّتِي ذَكَرْنَاهَا ثُمَّ خَرَجَ مِنْهَا دَمٌ مِنْ غَيْرِ تَفْرِيطٍ لَمْ تَبْطُلْ طَهَارَتُهَا وَلَا صَلَاتُهَا ولها أن تصلي بعد فرضها ماشاءت مِنَ النَّوَافِلِ لِعَدَمِ تَفْرِيطِهَا وَلِتَعَذُّرِ الِاحْتِرَازِ عَنْ ذَلِكَ أَمَّا إِذَا خَرَجَ الدَّمُ لِتَقْصِيرِهَا فِي الشد أوزالت الْعِصَابَةُ عَنْ مَوْضِعِهَا لِضَعْفِ الشَّدِّ فَزَادَ خُرُوجُ الدَّمِ بِسَبَبِهِ فَإِنَّهُ يَبْطُلُ طُهْرُهَا فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ فِي أَثْنَاءِ صَلَاةٍ بَطَلَتْ وَإِنْ كَانَ بَعْدَ فَرِيضَةٍ لَمْ تَسْتَبِحِ النَّافِلَةَ لِتَقْصِيرِهَا وَأَمَّا تَجْدِيدُ غَسْلِ الْفَرْجِ وَحَشْوِهِ وَشَدِّهِ لِكُلِّ فَرِيضَةٍ فَيُنْظَرُ فِيهِ إِنْ زَالَتِ الْعِصَابَةُ عَنْ مَوْضِعهَا زَوَالًا لَهُ تَأْثِيرٌ أَوْ ظَهَرَ الدَّمُ عَلَى جَوَانِبِ الْعِصَابَةِ وَجَبَ التَّجْدِيدُ وَإِنْ لَمْ تَزُلِ الْعِصَابَةُ عَنْ مَوْضِعِهَا وَلَا ظَهَرَ الدَّمُ فَفِيهِ وَجْهَانِ لِأَصْحَابِنَا أَصَحُّهُمَا وُجُوبُ التَّجْدِيدِ كَمَا يَجِبُ تَجْدِيدُ الْوُضُوءِ ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ مَذْهَبَنَا أَنَّ الْمُسْتَحَاضَةَ لَا تُصَلِّي بِطَهَارَةٍ وَاحِدَةٍ أَكْثَرَ مِنْ فَرِيضَةٍ وَاحِدَةٍ مُؤَدَّاةٍ كَانَتْ أَوْ مَقْضِيَّةٍ وَتَسْتَبِيحُ مَعَهَا مَا شَاءَتْ مِنَ النَّوَافِلِ قَبْلَ الْفَرِيضَةِ وَبَعْدَهَا وَلَنَا وَجْهٌ أَنَّهَا لَا تَسْتَبِيحُ أَصْلًا لِعَدَمِ ضَرُورَتِهَا إِلَيْهَا النَّافِلَةِ وَالصَّوَابُ الْأَوَّلُ وَحُكِيَ مِثْلُ مَذْهَبِنَا عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ وَسُفْيَانِ الثوري وأحمد وابي ثور وقال أبوحنيفه طَهَارَتُهَا مُقَدَّرَةٌ بِالْوَقْتِ فَتُصَلِّي فِي الْوَقْتِ بِطَهَارَتِهَا الْوَاحِدَةِ مَا شَاءَتْ مِنَ الْفَرَائِضِ الْفَائِتَةِ وَقَالَ ربيعة ومالك وداود دم الاستحاضة لاينقض الْوُضُوءَ فَإِذَا تَطَهَّرَتْ فَلَهَا أَنْ تُصَلِّيَ بِطَهَارَتِهَا ماشاءت مِنَ الْفَرَائِضِ إِلَى أَنْ تُحْدِثَ بِغَيْرِ الِاسْتِحَاضَةِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَالَ أَصْحَابُنَا وَلَا يَصِحُّ وُضُوءُ المستحاضة لفريضة قبل دخول وقتها وقال ابوحنيفه يَجُوزُ وَدَلِيلُنَا أَنَّهَا طَهَارَةُ ضَرُورَةٍ فَلَا تَجُوزُ قَبْلَ وَقْتِ الْحَاجَةِ

(4/18)


قَالَ أَصْحَابُنَا وَإِذَا تَوَضَّأَتْ بَادَرَتْ إِلَى الصَّلَاةِ عَقِبَ طَهَارَتِهَا فَإِنْ أَخَّرَتْ بِأَنْ تَوَضَّأَتْ فِي أَوَّلِ الْوَقْتِ وَصَلَّتْ فِي وَسَطِهِ نُظِرَ إِنْ كَانَ التَّأْخِيرُ لِلِاشْتِغَالِ بِسَبَبٍ مِنْ أَسْبَابِ الصَّلَاةِ كَسَتْرِ الْعَوْرَةِ وَالْأَذَانِ وَالْإِقَامَةِ وَالِاجْتِهَادُ فِي الْقِبْلَةِ وَالذَّهَابِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَعْظَمِ وَالْمَوَاضِعِ الشَّرِيفَةِ وَالسَّعْي فِي تَحْصِيلِ سُتْرَةٍ تُصَلِّي إِلَيْهَا وَانْتِظَارِ الْجُمُعَةِ وَالْجَمَاعَةِ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ جَازَ عَلَى الْمَذْهَبِ الصحيح المشهور ولنا وجه أنه لايجوز وَلَيْسَ بِشَيْءٍ وَأَمَّا إِذَا أَخَّرَتْ بِغَيْرِ سَبَبٍ مِنْ هَذِهِ الْأَسْبَابِ وَمَا فِي مَعْنَاهَا فَفِيهِ ثلاثة أوجه أصحها لايجوز وتبطل طهارتها والثاني يجوز ولاتبطل طَهَارَتُهَا وَلَهَا أَنْ تُصَلِّيَ بِهَا وَلَوْ بَعْدَ خُرُوجِ الْوَقْتِ وَالثَّالِثُ لَهَا التَّأْخِيرُ مَا لَمْ يَخْرُجْ وَقْتُ الْفَرِيضَةِ فَإِنْ خَرَجَ الْوَقْتُ فَلَيْسَ لَهَا أَنْ تُصَلِّيَ بِتِلْكَ الطَّهَارَةِ فَإِذَا قُلْنَا بالاصح وانها إذا أخرت لاتستبيح الْفَرِيضَةَ فَبَادَرَتْ فَصَلَّتِ الْفَرِيضَةَ فَلَهَا أَنْ تُصَلِّيَ النَّوَافِلَ مَا دَامَ وَقْتُ الْفَرِيضَةِ بَاقِيًا فَإِذَا خَرَجَ وَقْتُ الْفَرِيضَةِ فَلَيْسَ لَهَا أَنْ تُصَلِّيَ بَعْدَ ذَلِكَ النَّوَافِلَ بِتِلْكَ الطَّهَارَةِ عَلَى أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَالَ أَصْحَابُنَا وَكَيْفِيَّةُ نِيَّةِ الْمُسْتَحَاضَةِ فِي وُضُوئِهَا أَنْ تَنْوِيَ اسْتِبَاحَةَ الصَّلَاةِ وَلَا تَقْتَصِرُ عَلَى نِيَّةِ رَفْعِ الْحَدَثِ وَلَنَا وَجْهٌ أَنَّهُ يُجْزِئُهَا الِاقْتِصَارُ عَلَى نِيَّةِ رَفْعِ الْحَدَثِ وَوَجْهٌ ثَالِثٌ أَنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهَا الْجَمْعُ بَيْنَ نِيَّةِ اسْتِبَاحَةِ الصَّلَاةِ وَرَفْعِ الْحَدَثِ وَالصَّحِيحُ الْأَوَّلُ فَإِذَا تَوَضَّأَتِ الْمُسْتَحَاضَةُ اسْتَبَاحَتِ الصَّلَاةَ وَهَلْ يُقَالُ ارْتَفَعَ حَدَثُهَا فِيهِ أَوْجُهٌ لِأَصْحَابِنَا الْأَصَحُّ أنه لايرتفع شَيْءٌ مِنْ حَدَثِهَا بَلْ تَسْتَبِيحُ الصَّلَاةَ بِهَذِهِ الطَّهَارَةِ مَعَ وُجُودِ الْحَدَثِ كَالْمُتَيَمِّمِ فَإِنَّهُ مُحْدِثٌ عِنْدَنَا وَالثَّانِي يَرْتَفِعُ حَدَثُهَا السَّابِقُ وَالْمُقَارِنُ لِلطَّهَارَةِ دُونَ الْمُسْتَقْبَلِ وَالثَّالِثُ يَرْتَفِعُ الْمَاضِي وَحْدَهُ وَاعْلَمْ أنه لايجب عَلَى الْمُسْتَحَاضَةِ الْغُسْلُ لِشَيْءٍ مِنَ الصَّلَاةِ وَلَا فِي وَقْتٍ مِنَ الْأَوْقَاتِ إِلَّا مَرَّةً وَاحِدَةً فِي وَقْتِ انْقِطَاعِ حَيْضِهَا وَبِهَذَا قَالَ جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ مِنَ السَّلَفِ وَالْخَلَفِ وَهُوَ مَرْوِيٌّ عَنْ علي وبن مسعود وبن عَبَّاسٍ وَعَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَهُوَ قَوْلُ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ وَأَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ وَمَالِكٍ وَأَبِي حَنِيفَةَ وَأَحْمَدَ وَرُوِيَ عَنِ بن عمر وبن الزُّبَيْرِ وَعَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ أَنَّهُمْ قَالُوا يَجِبُ عَلَيْهَا أَنْ تَغْتَسِلَ لِكُلِّ صَلَاةٍ وَرُوِيَ هذا أيضا عن علي وبن عَبَّاسٍ وَرُوِيَ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهَا قَالَتْ تَغْتَسِلُ كُلَّ يَوْمٍ غُسْلًا وَاحِدًا وَعَنِ الْمُسَيِّبِ وَالْحَسَنِ قَالَا تَغْتَسِلُ مِنْ صَلَاةِ الظُّهْرِ إِلَى صَلَاةِ الظُّهْرِ دَائِمًا وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَدَلِيلُ الْجُمْهُورِ أَنَّ الاصل عدم الوجوب فلايجب إِلَّا مَا وَرَدَ الشَّرْعُ بِإِيجَابِهِ وَلَمْ يَصِحَّ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ أَمَرَهَا بِالْغُسْلِ إِلَّا مَرَّةً وَاحِدَةً عِنْدَ انْقِطَاعِ حَيْضِهَا وَهُوَ قَوْلُهُ

(4/19)


صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

(إِذَا أَقْبَلَتِ الْحَيْضَةُ فَدَعِي الصَّلَاةَ وَإِذَا أَدْبَرَتْ فَاغْتَسِلِي وَلَيْسَ فِي هَذَا مَا يَقْتَضِي تَكْرَارُ الْغُسْلِ وَأَمَّا الْأَحَادِيثُ الْوَارِدَةُ فِي سُنَنِ أَبِي دَاوُدَ وَالْبَيْهَقِيِّ وَغَيْرِهِمَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَهَا بِالْغُسْلِ فَلَيْسَ فِيهَا شَيْءٌ ثَابِتٌ وَقَدْ بَيَّنَ الْبَيْهَقِيُّ وَمَنْ قَبْلَهُ ضَعْفَهَا وَإِنَّمَا صَحَّ فِي هَذَا مَا رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِمَا أَنَّ أُمَّ حَبِيبَةَ بِنْتَ جَحْشٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا اسْتُحِيضَتْ فَقَالَ لَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّمَا ذَلِكَ عِرْقٌ فَاغْتَسِلِي ثُمَّ صَلِّي فَكَانَتْ تَغْتَسِلُ عِنْدَ كُلِّ صَلَاةٍ قَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى إِنَّمَا أَمَرَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن تَغْتَسِلَ وَتُصَلِّي وَلَيْسَ فِيهِ أَنَّهُ أَمَرَهَا أَنْ تَغْتَسِلَ لِكُلِّ صَلَاةٍ قَالَ وَلَا شَكَّ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى أَنَّ غُسْلَهَا كَانَ تَطَوُّعًا غَيْرَ مَا أُمِرَتْ بِهِ وَذَلِكَ وَاسِعٌ لَهَا هَذَا كَلَامُ الشَّافِعِيِّ بِلَفْظِهِ وَكَذَا قَالَ شَيْخُهُ سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ وَاللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ وَغَيْرُهُمَا وَعِبَارَاتُهُمْ مُتَقَارِبَةٌ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَاعْلَمْ أنَّ الْمُسْتَحَاضَةَ عَلَى ضَرْبَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنْ تَكُونَ تَرَى دَمًا لَيْسَ بِحَيْضٍ وَلَا يُخْلَطُ بِالْحَيْضِ كَمَا إِذَا رَأَتْ دُونَ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ وَالضَّرْبُ الثَّانِي أَنْ تَرَى دَمًا بَعْضُهُ حَيْضٌ وَبَعْضُهُ لَيْسَ بِحَيْضٍ بأن كانت ترى دما متصلا دائما أومجاوزا لِأَكْثَرِ الْحَيْضِ وَهَذِهِ لَهَا ثَلَاثَةُ أَحْوَالٍ أَحَدُهَا أَنْ تَكُونَ مُبْتَدِأَةً وَهِيَ الَّتِي لَمْ تَرَ الدَّمَ قَبْلَ ذَلِكَ وَفِي هَذَا قَوْلَانِ لِلشَّافِعِيِّ أَصَحُّهُمَا تُرَدُّ إِلَى يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ وَالثَّانِي إِلَى سِتٍّ أَوْ سَبْعٍ وَالْحَالُ الثَّانِي أَنْ تَكُونَ مُعْتَادَةً فَتُرَدُّ إِلَى قَدْرِ عَادَتِهَا فِي الشَّهْرِ الَّذِي قَبْلَ شَهْرِ اسْتِحَاضَتِهَا وَالثَّالِثُ أَنْ تَكُونَ مُمَيِّزَةً تَرَى بَعْضَ الْأَيَّامِ دَمًا قَوِيًّا وَبَعْضَهَا دَمًا ضَعِيفًا كَالدَّمِ الْأَسْوَدِ وَالْأَحْمَرِ فَيَكُونُ حَيْضُهَا أيام ألاسود بشرط أن لاينقص الْأَسْوَدُ عَنْ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ وَلَا يَزِيدَ عَلَى خمسة عشر يوما ولاينقص الْأَحْمَرُ عَنْ خَمْسَةَ عَشَرَ وَلِهَذَا كُلِّهِ تَفَاصِيلٌ معروفة لانرى الْإِطْنَابَ فِيهَا هُنَا لِكَوْنِ هَذَا الْكِتَابِ لَيْسَ مَوْضُوعًا لِهَذَا فَهَذِهِ أَحْرُفٌ مِنْ أُصُولِ مَسَائِلِ الْمُسْتَحَاضَةِ أَشَرْتُ إِلَيْهَا وَقَدْ بَسَطْتُهَا بِشَوَاهِدِهَا وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهَا مِنَ الْفُرُوعِ الْكَثِيرَةِ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ (فَاطِمَةُ بِنْتُ أَبِي حُبَيْشٍ) هُوَ بِحَاءٍ مُهْمَلَةٍ مَضْمُومَةٍ ثُمَّ بَاءٍ مُوَحَّدَةٌ مَفْتُوحَةٌ ثُمَّ يَاءٌ مُثَنَّاةٌ مِنْ تَحْتُ سَاكِنَةٍ ثم)

(4/20)


شِينٍ مُعْجَمَةٍ وَاسْمُ أَبِي حُبَيْشٍ قَيْسُ بْنُ الْمُطَّلِبِ بْنِ أَسَدِ بْنِ عَبْدِ الْعُزَّى بْنِ قصي واما قوله في الرِّوَايَةُ الْأُخْرَى (فَاطِمَةُ بِنْتُ أَبِي حُبَيْشِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ بْنِ أَسَدٍ) فَكَذَا وَقَعَ فِي الاصول بن عَبْدِ الْمُطَّلِبِ وَاتَّفَقَ الْعُلَمَاءُ عَلَى أَنَّهُ وَهْمٌ وَالصَّوَابُ فَاطِمَةُ بِنْتُ أَبِي حُبَيْشِ بْنِ الْمُطَّلِبِ بِحَذْفِ لَفْظَةِ عَبْدٍ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَأَمَّا قَوْلُهُ (امْرَأَةٌ مِنَّا) فَمَعْنَاهُ مِنْ بَنِي أَسَدٍ وَالْقَائِلُ هُوَ هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ أَوْ أَبُوهُ عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ بْنِ الْعَوَّامِ بْنِ خُوَيْلِدِ بْنِ أَسَدِ بْنِ عَبْدِ الْعُزَّى وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهَا فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي امْرَأَةٌ أُسْتَحَاضُ فَلَا أَطْهُرُ أَفَأَدَعُ الصَّلَاةَ فَقَالَ لَا فِيهِ ان المستحاضة تصلى أبدا الافي الزَّمَنِ الْمَحْكُومِ بِأَنَّهُ حَيْضٌ وَهَذَا مُجْمَعٌ عَلَيْهِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ وَفِيهِ جَوَازُ اسْتِفْتَاءِ مَنْ وَقَعَتْ لَهُ مَسْأَلَةٌ وَجَوَازُ اسْتِفْتَاءِ الْمَرْأَةِ بِنَفْسِهَا وَمُشَافَهَتِهَا الرِّجَالَ فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِالطَّهَارَةِ وَأَحْدَاثِ النِّسَاءِ وَجَوَازُ اسْتِمَاعِ صَوْتِهَا عِنْدَ الْحَاجَةِ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّمَا ذَلِكَ عِرْقٌ وَلَيْسَ بِالْحَيْضَةِ أَمَّا عِرْقٌ فَهُوَ بِكَسْرِ الْعَيْنِ وَإِسْكَانِ الرَّاءِ وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ هَذَا الْعِرْقَ يُقَالُ لَهُ الْعَاذِلُ بِكَسْرِ الذَّالِ الْمُعْجَمَةِ وَأَمَّا الْحَيْضَةُ فَيَجُوزُ فِيهَا الْوَجْهَانِ الْمُتَقَدِّمَانِ اللَّذَانِ ذَكَرْنَاهُمَا مَرَّاتٍ أَحَدُهُمَا مَذْهَبُ الْخَطَّابِيِّ كَسْرُ الْحَاءِ أَيِ الْحَالَةَ وَالثَّانِي وَهُوَ الْأَظْهَرُ فَتْحُ الْحَاءِ أَيِ الْحَيْضَ وَهَذَا الْوَجْهُ قَدْ نَقَلَهُ الْخَطَّابِيُّ عَنْ أَكْثَرِ الْمُحَدِّثِينَ أَوْ كُلِّهِمْ كَمَا قَدَّمْنَاهُ عَنْهُ وَهُوَ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ مُتَعَيِّنٌ أَوْ قَرِيبٌ مِنَ الْمُتَعَيِّنِ فَإِنَّ الْمَعْنَى يَقْتَضِيهِ لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَرَادَ إِثْبَاتَ الِاسْتِحَاضَةِ وَنَفْيَ الْحَيْضِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَأَمَّا مَا يَقَعُ فِي كَثِيرٍ مِنْ كُتُبِ الْفِقْهِ إِنَّمَا ذَلِكَ عِرْقٌ انْقَطَعَ وَانْفَجَرَ فهي زيادة لاتعرف فِي الْحَدِيثِ وَإِنْ كَانَ لَهَا مَعْنًى وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَإِذَا أَقْبَلَتِ الْحَيْضَةُ فَدَعِي الصَّلَاةَ يَجُوزُ فِي الْحَيْضَةِ هُنَا الْوَجْهَانِ فَتْحُ الْحَاءِ وَكَسْرُهَا جَوَازًا حَسَنًا وَفِي هَذَا نَهْيٌ لَهَا عَنِ الصَّلَاةِ فِي زَمَنِ الْحَيْضِ وَهُوَ نَهْيُ تَحْرِيمٍ وَيَقْتَضِي فَسَادَ الصَّلَاةِ هُنَا بِإِجْمَاعِ الْمُسْلِمِينَ وَسَوَاءٌ فِي هَذِهِ الصَّلَاةِ الْمَفْرُوضَةِ وَالنَّافِلَةِ لِظَاهِرِ الْحَدِيثِ وَكَذَلِكَ يَحْرُمُ عَلَيْهَا الطَّوَافُ وَصَلَاةُ الْجِنَازَةِ وَسُجُودُ التِّلَاوَةِ وَسُجُودُ الشُّكْرِ وَكُلُّ هَذَا مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَقَدْ أَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ عَلَى أَنَّهَا لَيْسَتْ مُكَلَّفَةً بِالصَّلَاةِ وَعَلَى

(4/21)


أنه لاقضاء عَلَيْهَا وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَإِذَا أَدْبَرَتْ فَاغْسِلِي عَنْكِ الدَّمَ وَصَلِّي الْمُرَادُ بِالْإِدْبَارِ انْقِطَاعُ الْحَيْضِ وَمِمَّا يَنْبَغِي أَنْ يُعْتَنَى بِهِ مَعْرِفَةُ عَلَامَةِ انْقِطَاعِ الْحَيْضِ وَقَلَّ مَنْ أَوْضَحَهُ وَقَدِ اعْتَنَى بِهِ جَمَاعَةٌ مِنْ أَصْحَابِنَا وَحَاصِلُهُ أَنَّ عَلَامَةَ انْقِطَاعِ الْحَيْضِ وَالْحُصُولِ فِي الطُّهْرِ أَنْ يَنْقَطِعَ خُرُوجُ الدَّمِ وَالصُّفْرَةِ وَالْكُدْرَةِ وَسَوَاءٌ خَرَجَتْ رُطُوبَةٌ بَيْضَاءُ أَمْ لَمْ يخرج شيء أصلا قال البيهقي وبن الصَّبَّاغِ وَغَيْرُهُمَا مِنْ أَصْحَابِنَا التَّرِيَّةُ رُطُوبَةٌ خَفِيفَةٌ لاصفرة فيها ولاكدره تكون على القطنه أثر لالون قَالُوا وَهَذَا يَكُونُ بَعْدَ انْقِطَاعِ دَمِ الْحَيْضِ قُلْتُ هِيَ التَّرِيَّةُ بِفَتْحِ التَّاءِ الْمُثَنَّاةِ مِنْ فَوْقُ وَكَسْرِ الرَّاءِ وَبَعْدَهَا يَاءٌ مُثَنَّاةٌ مِنْ تَحْتُ مُشَدَّدَةٌ وَقَدْ صَحَّ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا مَا ذَكَرَهُ الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ عنها أنها قالت للنساء لاتعجلن حَتَّى تَرَيْنَ الْقَصَّةَ الْبَيْضَاءَ تُرِيدُ بِذَلِكَ الطُّهْرَ والقصة بِفَتْحِ الْقَافِ وَتَشْدِيدِ الصَّادِ الْمُهْمَلَةِ وَهِيَ الْجَصُّ شُبِّهَتِ الرُّطُوبَةُ النَّقِيَّةُ الصَّافِيَةُ بِالْجَصِّ قَالَ أَصْحَابُنَا إِذَا مَضَى زَمَنُ حَيْضَتِهَا وَجَبَ عَلَيْهَا أَنْ تغتسل في الحال لاول صلاة تدركها ولايجوز لَهَا أَنْ تَتْرُكَ بَعْدَ ذَلِكَ صَلَاةً وَلَا صوما ولا يمتنع زوجها من وطئها ولاتمتنع مِنْ شَيْءٍ يَفْعَلُهُ الطَّاهِرُ وَلَا تَسْتَظْهِرُ بِشَيْءٍ أَصْلًا وَعَنْ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ رِوَايَةٌ أَنَّهَا تَسْتَظْهِرُ بِالْإِمْسَاكِ عَنْ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ بَعْدَ عَادَتِهَا وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ الْأَمْرُ بِإِزَالَةِ النَّجَاسَةِ وَأَنَّ الدَّمَ نَجِسٌ وَأَنَّ الصَّلَاةَ تَجِبُ لِمُجَرَّدِ انْقِطَاعِ الْحَيْضِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ (وَفِي حَدِيثِ حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ زِيَادَةُ حَرْفٍ تَرَكْنَا ذِكْرَهُ) قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ الْحَرْفُ الَّذِي تَرَكَهُ هُوَ قَوْلُهُ اغْسِلِي عَنْكِ الدَّمَ وَتَوَضَّئِي ذَكَرَ هَذِهِ الزِّيَادَةَ النَّسَائِيُّ وَغَيْرُهُ وَأَسْقَطَهَا مُسْلِمٌ لِأَنَّهَا مِمَّا انْفَرَدَ بِهِ حَمَّادُ قَالَ النَّسَائِيُّ لَا نَعْلَمُ أَحَدًا قَالَ وَتَوَضَّئِي فِي الْحَدِيثِ غَيْرُ حَمَّادٍ يَعْنِي وَاللَّهُ أَعْلَمُ فِي حَدِيثِ هِشَامٍ وَقَدْ رَوَى أَبُو دَاوُدَ وَغَيْرُهُ ذِكْرَ الْوُضُوءِ مِنْ رِوَايَةِ عَدِيِّ بْنِ أَبِي ثَابِتٍ وَحَبِيبِ بْنِ أَبِي ثَابِتٍ وَأَيُّوبَ بْنِ أَبِي مَكِينٍ قَالَ أَبُو دَاوُدَ وَكُلُّهَا ضَعِيفَةٌ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ (اسْتَفْتَتْ أُمُّ حَبِيبَةَ بِنْتُ جَحْشٍ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَفِي رِوَايَةٍ (بِنْتُ جحش) ولم

(4/22)


يَذْكُرْ أُمَّ حَبِيبَةَ وَفِي رِوَايَةٍ (أُمُّ حَبِيبَةَ بنت جحش ختنة رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَكَانَتْ تَحْتَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ) وَذَكَرَ الْحَدِيثَ وَفِيهِ (قَالَتْ عَائِشَةُ فَكَانَتْ تَغْتَسِلُ فِي مِرْكَنٍ فِي حُجْرَةِ أُخْتِهَا زَيْنَبَ بِنْتِ جَحْشٍ) وَفِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى (أَنَّ ابْنَةَ جَحْشٍ كَانَتْ تُسْتَحَاضُ) هَذِهِ الْأَلْفَاظُ هَكَذَا هِيَ ثَابِتَةٌ فِي الْأُصُولِ وَحَكَى الْقَاضِي عِيَاضٌ فِي الرِّوَايَةِ الْأَخِيرَةِ أَنَّهُ وَقَعَ فِي نُسْخَةِ أَبِي الْعَبَّاسِ الرَّازِيِّ أَنَّ زَيْنَبَ بِنْتَ جَحْشٍ قَالَ الْقَاضِي اخْتَلَفَ أَصْحَابُ الْمُوَطَّأِ فِي هَذَا عَنْ مَالِكٍ وَأَكْثَرُهُمْ يَقُولُونَ زَيْنَبُ بِنْتُ جَحْشٍ وَكَثِيرٌ مِنَ الرُّوَاةِ يَقُولُونَ عَنِ ابْنَةِ جَحْشٍ وَهَذَا هوالصواب وَبَيَّنَ الْوَهْمَ فِيهِ قَوْلُهُ وَكَانَتْ تَحْتَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ وَزَيْنَبُ هِيَ أُمُّ الْمُؤْمِنِينَ ولم يَتَزَوَّجْهَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ قَطُّ إِنَّمَا تَزَوَّجَهَا أَوَّلًا زَيْدُ بْنُ حَارِثَةَ ثُمَّ تَزَوَّجَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالَّتِي كَانَتْ تَحْتَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ هِيَ أُمُّ حَبِيبَةَ أُخْتُهَا وَقَدْ جَاءَ مُفَسَّرًا عَلَى الصَّوَابِ فِي قَوْلِهِ خَتَنَةُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَتَحْتَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ وَفِي قَوْلِهِ كَانَتْ تَغْتَسِلُ فِي بَيْتِ أُخْتِهَا زَيْنَبَ قَالَ أَبُو عُمَرَ بْنُ عَبْدِ الْبَرِّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى قِيلَ إِنَّ بَنَاتَ جَحْشٍ الثَّلَاثَ زَيْنَبَ وَأُمَّ حَبِيبَةَ وَحَمْنَةَ زَوْجَ طَلْحَةِ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ كُنَّ يَسْتَحِضْنَ كُلُّهُنَّ وَقِيلَ إِنَّهُ لَمْ يَسْتَحِضْ مِنْهُنَّ إِلَّا أُمُّ حَبِيبَةَ وَذَكَرَ الْقَاضِي يُونُسُ بْنُ مُغِيثٍ فِي كتابه الموعب فِي شَرْحِ الْمُوَطَّأِ مِثْلَ هَذَا وَذَكَرَ أَنَّ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ اسْمُهَا

(4/23)


زَيْنَبُ وَلُقِّبَتْ إِحْدَاهُنَّ حَمْنَةُ وَكُنِّيَتِ الْأُخْرَى أُمُّ حَبِيبَةَ وَإِذَا كَانَ هَذَا هَكَذَا فَقَدْ سَلِمَ مَالِكٌ مِنَ الْخَطَأِ فِي تَسْمِيَةِ أُمِّ حَبِيبَةَ زَيْنَبَ وَقَدْ ذَكَرَ الْبُخَارِيُّ مِنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّ امْرَأَةً مِنْ أَزْوَاجِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَفِي رِوَايَةٍ أَنَّ بَعْضَ أُمَّهَاتِ الْمُؤْمِنِينَ وَفِي أُخْرَى أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اعْتَكَفَ مَعَ بَعْضِ نِسَائِهِ وَهِيَ مُسْتَحَاضَةٌ هَذَا آخِرُ كَلَامِ الْقَاضِي وَأَمَّا قَوْلُهُ أُمُّ حَبِيبَةَ فَقَدْ قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ قَالَ إِبْرَاهِيمُ الْحَرْبِيُّ الصَّحِيحُ أَنَّهَا أُمُّ حَبِيبٍ بِلَا هَاءٍ وَاسْمُهَا حَبِيبَةُ قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ قَوْلُ الْحَرْبِيِّ صَحِيحٌ وَكَانَ مِنْ أَعْلَمِ النَّاسِ بِهَذَا الشَّأْنِ قَالَ غَيْرُهُ وَقَدْ رُوِيَ عَنْ عَمْرَةَ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ أُمَّ حَبِيبٍ وَقَالَ أَبُو عَلِيٍّ الْغَسَّانِيُّ الصَّحِيحُ أَنَّ اسْمَهَا حَبِيبَةُ قَالَ وكذلك قاله الحميدي عن سفيان وقال بن الْأَثِيرِ يُقَالُ لَهَا أُمُّ حَبِيبَةَ وَقِيلَ أُمُّ حَبِيبٍ قَالَ وَالْأَوَّلُ أَكْثَرُ وَكَانَتْ مُسْتَحَاضَةً قَالَ وَأَهْلُ السِّيَرِ يَقُولُونَ الْمُسْتَحَاضَةُ أُخْتُهَا حَمْنَةُ بِنْتُ جحش قال بن عَبْدِ الْبَرِّ الصَّحِيحُ أَنَّهُمَا كَانَتَا تُسْتَحَاضَانِ قَوْلُهُ إِنَّ أُمَّ حَبِيبَةَ بِنْتَ جَحْشٍ خَتَنَةَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَتَحْتَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ اسْتُحِيضَتْ أَمَّا قَوْلُهُ خَتَنَةُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَهُوَ بِفَتْحِ الْخَاءِ وَالتَّاءِ الْمُثَنَّاةِ مِنْ فَوْقُ وَمَعْنَاهُ قَرِيبَةُ زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ الْأَخْتَانُ جَمْعُ خَتَنٍ وَهُمْ أَقَارِبُ زَوْجَةِ الرَّجُلِ وَالْأَحْمَاءُ أَقَارِبُ زَوْجِ الْمَرْأَةِ وَالْأَصْهَارُ يَعُمُّ الْجَمِيعَ وَأَمَّا قَوْلُهُ وَتَحْتَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ فَمَعْنَاهُ أَنَّهَا زَوْجَتُهُ فَعَرَّفَهَا بِشَيْئَيْنِ أَحَدُهُمَا كَوْنُهَا أُخْتَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ زَيْنَبَ بِنْتِ جَحْشٍ زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالثَّانِي كَوْنُهَا زَوْجَةَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ وَأَمَّا وَالِدُهَا جَحْشٌ فَهُوَ بِفَتْحِ الْجِيمِ وَإِسْكَانِ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَبِالشِّينِ الْمُعْجَمَةِ قَوْلُهُ فِي رِوَايَةِ مُحَمَّدِ بن سلمة المرادي (عن بن وهب عن عمرو بن الحرث عن بن شِهَابٍ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ وَعَمْرَةَ بِنْتِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ عَائِشَةَ) هَكَذَا وَقَعَ فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ وَعَمْرَةَ وهو الصواب وكذلك رواه بن أَبِي ذِئْبٍ الزُّهْرِيُّ عَنْ عُرْوَةَ وَعَمْرَةَ وَكَذَلِكَ رَوَاهُ يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ الْأَنْصَارِيُّ عَنْ عُرْوَةَ وَعَمْرَةَ كَمَا رَوَاهُ الزُّهْرِيُّ وَخَالَفَهُمَا الْأَوْزَاعِيُّ فَرَوَاهُ عن الزهري عن عروة عن عمرة بعن جعل عروة راويا عن عمر وَأَمَّا قَوْلُ مُسْلِمٍ بَعْدَ هَذَا حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ عَمْرَةَ عَنْ عَائِشَةَ هَكَذَا هُوَ فِي الْأُصُولِ وَكَذَا نَقَلَهُ الْقَاضِي عِيَاضٌ عَنْ جَمِيعِ رُوَاةِ مُسْلِمٍ إِلَّا السَّمَرْقَنْدِيَّ

(4/24)


فَإِنَّهُ جَعَلَ عُرْوَةَ مَكَانَ عَمْرَةَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قوله ص (وَلَكِنَّ هَذَا عِرْقٌ فَاغْتَسِلِي وَصَلِّي) وَفِي الرِّوَايَةِ الاخرى (امكثي قدرما كَانَتْ تَحْبِسُكِ حَيْضَتُكِ ثُمَّ اغْتَسِلِي وَصَلِّي) فِي هَذَيْنِ اللَّفْظَيْنِ دَلِيلٌ عَلَى وُجُوبِ الْغُسْلِ عَلَى الْمُسْتَحَاضَةِ إِذَا انْقَضَى زَمَنُ الْحَيْضِ وَإِنْ كَانَ الدَّمُ جَارِيًا وَهَذَا مُجْمَعٌ عَلَيْهِ وَقَدْ قَدَّمْنَا بيناه قَوْلُهُ (فَكَانَتْ تَغْتَسِلُ فِي مِرْكَنٍ) هُوَ بِكَسْرِ الْمِيمِ وَفَتْحِ الْكَافِ وَهُوَ الْإِجَانَةُ الَّتِي تُغْسَلُ فيها الثياب قوله (حتى تعلوا حُمْرَةُ الدَّمِ الْمَاءَ) مَعْنَاهُ أَنَّهَا كَانَتْ تَغْتَسِلُ فِي الْمِرْكَنِ فَتَجْلِسُ فِيهِ وَتَصُبُّ عَلَيْهَا الْمَاءَ فَيَخْتَلِطُ الْمَاءُ الْمُتَسَاقِطُ عَنْهَا بِالدَّمِ فَيَحْمَرُّ الْمَاءُ ثم انه لابد انها كانت تنظف بَعْدَ ذَلِكَ عَنْ تِلْكَ الْغُسَالَةِ الْمُتَغَيِّرَةِ

(4/25)


قَوْلُهُ (رَأَيْتَ مِرْكَنَهَا مَلْآنَ) هَكَذَا هُوَ فِي الْأُصُولِ بِبِلَادِنَا وَذَكَرَ الْقَاضِي عِيَاضٌ أَنَّهُ رُوِيَ أَيْضًا مَلْأَى وَكِلَاهُمَا صَحِيحٌ الْأَوَّلُ عَلَى لَفْظِ الْمِرْكَنِ وَهُوَ مُذَكَّرٌ وَالثَّانِي عَلَى مَعْنَاهُ وَهُوَ الاجانة والله أعلم

(باب وجوب قضاء الصوم على الحائض دون الصلاة)
قَوْلُهَا (فَنُؤْمَرُ بِقَضَاءِ الصَّوْمِ وَلَا نُؤْمَرُ بِقَضَاءِ الصَّلَاةِ) هَذَا الْحُكْمُ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ أَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ على أن الحائض والنفساء لاتجب عَلَيْهِمَا الصَّلَاةُ وَلَا الصَّوْمُ فِي الْحَالِ وَأَجْمَعُوا على أنه لايجب عَلَيْهِمَا قَضَاءُ الصَّلَاةِ وَأَجْمَعُوا عَلَى أَنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِمَا قَضَاءُ الصَّوْمِ قَالَ الْعُلَمَاءُ وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ الصَّلَاةَ كَثِيرَةٌ مُتَكَرِّرَةٌ فَيَشُقُّ قَضَاؤُهَا بِخِلَافِ الصَّوْمِ فَإِنَّهُ يَجِبُ فِي السَّنَةِ مَرَّةً وَاحِدَةً وَرُبَّمَا كَانَ الْحَيْضُ يَوْمًا أَوْ يَوْمَيْنِ قَالَ أَصْحَابُنَا كُلُّ صَلَاةٍ تَفُوتُ فِي زَمَنِ الْحَيْضِ لاتقضي إِلَّا رَكْعَتَيِ الطَّوَافِ قَالَ الْجُمْهُورُ مِنْ أَصْحَابِنَا وَغَيْرِهمْ وَلَيْسَتِ الْحَائِضُ مُخَاطَبَةً بِالصِّيَامِ فِي زَمَنِ الْحَيْضِ وَإِنَّمَا يَجِبُ عَلَيْهَا الْقَضَاءُ بِأَمْرٍ جَدِيدٍ وَذَكَرَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا وَجْهًا أَنَّهَا مُخَاطَبَةٌ بِالصِّيَامِ فِي حَالِ الْحَيْضِ وَتُؤْمَرُ بِتَأْخِيرِهِ كَمَا يُخَاطَبُ المحدث بالصلاة وان كانت لاتصح مِنْهُ فِي زَمَنِ الْحَدَثِ وَهَذَا الْوَجْهُ لَيْسَ بِشَيْءٍ فَكَيْفَ يَكُونُ

(4/26)


الصِّيَامُ وَاجِبًا عَلَيْهَا وَمُحَرَّمًا عَلَيْهَا بِسَبَبٍ لَا قُدْرَةَ لَهَا عَلَى إِزَالَتِهِ بِخِلَافِ الْمُحْدِثِ فَإِنَّهُ قَادِرٌ عَلَى إِزَالَةِ الْحَدَثِ قَوْلُهُ (عَنِ أبِي قِلَابَةَ) هُوَ بِكَسْرِ الْقَافِ وَتَخْفِيفِ اللَّامِ وَبِالْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ وَاسْمُهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ زَيْدٍ وَقَدْ تَقَدَّمَ بَيَانُهُ قَوْلُهُ (عَنْ يَزِيدَ الرِّشْكِ) هُوَ بِكَسْرِ الرَّاءِ وَإِسْكَانِ الشِّينِ الْمُعْجَمَةِ وَهُوَ يَزِيدُ بْنُ أَبِي يَزِيدَ الضُّبَعِيُّ مَوْلَاهُمِ الْبَصْرِيُّ أَبُو الْأَزْهَرِيِّ وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي سَبَبِ تَلْقِيبِهِ بِالرِّشْكِ فَقِيلَ مَعْنَاهُ بِالْفَارِسِيَّةِ الْقَاسِمُ وَقِيلَ الْغَيُورُ وَقِيلَ كَثِيرُ اللِّحْيَةِ وَقِيلَ الرِّشْكُ بِالْفَارِسِيَّةِ اسْمٌ لِلْعَقْرَبِ فَقِيلَ لِيَزِيدَ الرِّشْكُ لِأَنَّ الْعَقْرَبَ دَخَلَتْ فِي لحيته فمكثت فيها ثلاثة ايام وهو لايدري بِهَا لِأَنَّ لِحْيَتَهُ كَانَتْ طَوِيلَةً عَظِيمَةً جِدًّا حَكَى هَذِهِ الْأَقْوَالَ صَاحِبُ الْمَطَالِعِ وَغَيْرُهُ وَحَكَاهَا أَبُو عَلِيٍّ الْغَسَّانِيُّ وَذَكَرَ هَذَا الْقَوْلَ الْأَخِيرَ بِإِسْنَادِهِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهَا (حَرُورِيَّةٌ أَنْتِ) هُوَ بِفَتْحِ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَضَمِّ الرَّاءِ الْأُولَى وَهِيَ نِسْبَةٌ إِلَى حَرُورَاءَ وَهِيَ قَرْيَةٌ بِقُرْبِ الْكُوفَةِ قَالَ السَّمْعَانِيُّ هُوَ مَوْضِعٌ عَلَى مِيلَيْنِ مِنَ الْكُوفَةِ كَانَ أَوَّلُ اجْتِمَاعِ الْخَوَارِجِ بِهِ قَالَ الْهَرَوِيُّ تَعَاقَدُوا فِي هَذِهِ الْقَرْيَةِ فَنَسَبُوا إِلَيْهَا فَمَعْنَى قَوْلِ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا إِنَّ طَائِفَةً مِنَ الْخَوَارِجِ يُوجِبُونَ عَلَى الْحَائِضِ قَضَاءَ الصَّلَاةِ الْفَائِتَةِ فِي زَمَنِ الْحَيْضِ وَهُوَ خِلَافُ إِجْمَاعِ الْمُسْلِمِينَ وَهَذَا الِاسْتِفْهَامُ الَّذِي اسْتَفْهَمَتْهُ عَائِشَةُ هُوَ اسْتِفْهَامُ إِنْكَارٍ أَيْ هَذِهِ طَرِيقَةُ الْحَرُورِيَّةِ وَبِئْسَتِ الطَّرِيقَةُ قَوْلُهَا (كَانَتْ إِحْدَانَا تَحِيْضُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثم لاتؤمر بقضاء) معناه لايأمرها النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْقَضَاءِ مَعَ عِلْمِهِ بِالْحَيْضِ وَتَرْكِهَا الصَّلَاةَ فِي زَمَنِهِ وَلَوْ كَانَ الْقَضَاءُ وَاجِبًا لَأَمَرَهَا بِهِ قَوْلُهَا أَفَأَمَرَهُنَّ أَنْ يَجْزِينَ) هُوَ بِفَتْحِ الْيَاءِ وَكَسْرِ الزَّايِ

(4/27)


غَيْرَ مَهْمُوزٍ وَقَدْ فَسَّرَهُ مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ فِي الْكِتَابِ أَنَّ مَعْنَاهُ يَقْضِينَ وَهُوَ تَفْسِيرٌ صحيح يقال جزى يجزئ أَيْ قَضَى وَبِهِ فَسَّرُوا قَوْلَهُ تَعَالَى لَا تجزى نفس عن نفس شيئا وَيُقَالُ هَذَا الشَّيْءُ يَجْزِي عَنْ كَذَا أَيْ يَقُومُ مَقَامَهُ قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ وَقَدْ حَكَى بعضهم فيه الهمز والله أعلم

(باب تستر المغتسل بثوب ونحوه)
قَوْلُهُ (عَنْ أَبِي النَّضْرِ أَنَّ أَبَا مُرَّةَ مَوْلَى أُمِّ هَانِئٍ) وَفِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى (أَنَّ أبا مرة مولى عقيل) أما ابوالنضر فَاسْمُهُ سَالِمُ بْنُ أَبِي أُمَيَّةَ الْقُرَشِيُّ التَّيْمِيُّ الْمَدَنِيُّ مَوْلَى عُمَرَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ التَّيْمِيَّ وَأَمَّا أَبُو مُرَّةَ فَاسْمُهُ يَزِيدُ وَهُوَ مَوْلَى أُمِّ هَانِئٍ وَكَانَ يَلْزَمُ أَخَاهَا عَقِيلًا فَلِهَذَا نَسَبَهُ فِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى إِلَى وَلَائِهِ وَأَمَّا أُمُّ هَانِئٍ فَاسْمُهَا فَاخِتَةُ وَقِيلَ فَاطِمَةُ وَقِيلَ هِنْدُ كُنِّيَتْ بِابْنِهَا هَانِئِ بْنِ هُبَيْرَةَ بْنِ عَمْرٍو وَهَانِئٌ بِهَمْزِ آخِرِهِ أَسْلَمَتْ أمُّ هَانِئٍ فِي يَوْمِ الْفَتْحِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَوْلُهَا (ذَهَبْتُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عام الفتح فوجدته يغتسل وفاطمة ابنته تَسْتُرهُ بِثَوْبٍ) هَذَا فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى جَوَازِ اغتسال

(4/28)


الْإِنْسَانِ بِحَضْرَةِ امْرَأَةٍ مِنْ مَحَارِمِهِ إِذَا كَانَ يحول بَيْنَهُ وَبَيْنهَا سَاتِرٌ مِنْ ثَوْبٍ وَغَيْرِهِ قَوْلُهَا (ثُمَّ صَلَّى ثَمَانِ رَكَعَاتٍ سُبْحَةَ الضُّحَى) هَذَا اللَّفْظُ فِيهِ فَائِدَةٌ لَطِيفَةٌ وَهِيَ أَنَّ صَلَاةَ الضُّحَى ثَمَانِ رَكَعَاتٍ وَمَوْضِعُ الدَّلَالَةِ كَوْنُهَا قَالَتْ سُبْحَةُ الضُّحَى وَهَذَا تَصْرِيحٌ بِأَنَّ هَذَا سُنَّةٌ مُقَرَّرَةٌ مَعْرُوفَةٌ وَصَلَّاهَا بِنِيَّةِ الضُّحَى بِخِلَافِ الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى صَلَّى ثَمَانِ رَكَعَاتٍ وَذَلِكَ ضُحًى فَإِنَّ مِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَوَهَّمُ مِنْهُ خِلَافَ الصَّوَابِ فَيَقُولُ لَيْسَ فِي هَذَا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الضُّحَى ثَمَانِ رَكَعَاتٍ وَيَزْعُمُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى فِي هَذَا الْوَقْتِ ثَمَانِ رَكَعَاتٍ بِسَبَبِ فَتْحِ مَكَّةَ لَا لِكَوْنِهَا الضُّحَى فَهَذَا الْخَيَالُ الَّذِي يَتَعَلَّقُ بِهِ هَذَا القائل في هذا اللفظ لايتأتى لَهُ فِي قَوْلِهَا سُبْحَةَ الضُّحَى وَلَمْ تَزَلِ النَّاسُ قَدِيمًا وَحَدِيثًا يَحْتَجُّونَ بِهَذَا الْحَدِيثِ عَلَى أثبات الضحى ثمان ركعات والله أعلم والسبحة بِضَمِّ السِّينِ وَإِسْكَانِ الْبَاءِ هِيَ النَّافِلَةُ سُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِلتَّسْبِيحِ الَّذِي فِيهَا قَوْلُهُ (فَصَلَّى ثَمَانِ سَجَدَاتٍ) الْمُرَادُ ثَمَانِ رَكَعَاتٍ وَسُمِّيَتِ الرَّكْعَةُ سَجْدَةً لِاشْتِمَالِهَا عَلَيْهَا وَهَذَا مِنْ بَابِ تَسْمِيَةِ الشَّيْءِ بِجُزْئِهِ قَوْلُهُ (أَخْبَرَنَا مُوسَى الْقَارِئُ) هُوَ بِهَمْزِ آخِرِهِ مَنْسُوبٌ إِلَى الْقِرَاءَةِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ

(4/29)


(باب تَحْرِيمِ النَّظَرِ إِلَى الْعَوْرَاتِ)
فِيهِ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (لَا يَنْظُرُ الرَّجُلُ إِلَى عَوْرَةِ الرَّجُلِ وَلَا الْمَرْأَةُ إِلَى عَوْرَةِ الْمَرْأَةِ وَلَا يُفْضِي الرَّجُلُ إِلَى الرَّجُلِ فِي ثوب واحد ولاتفضي الْمَرْأَةُ إِلَى الْمَرْأَةِ فِي الثَّوْبِ الْوَاحِدِ) وَفِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى (عُرْيَةُ الرَّجُلِ وَعُرْيَةُ الْمَرْأَةِ) ضَبَطْنَا هَذِهِ اللَّفْظَةَ الْأَخِيرَةَ عَلَى ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ عِرْيَةٌ بِكَسْرِ الْعَيْنِ وَإِسْكَانِ الرَّاءِ وَعُرْيَةٌ بِضَمِّ الْعَيْنِ وَإِسْكَانِ الرَّاءِ وَعُرَيَّةٌ بِضَمِّ الْعَيْنِ وَفَتْحِ الرَّاءِ وَتَشْدِيدِ الْيَاءِ وَكُلُّهَا صَحِيحَةٌ قَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ عُرْيَةُ الرَّجُلِ بِضَمِّ الْعَيْنِ وَكَسْرِهَا هِيَ مُتَجَرَّدَةٌ وَالثَّالِثَةُ عَلَى التَّصْغِيرِ وَفِي الْبَابِ زَيْدُ بْنُ الْحُبَابِ وَهُوَ بِضَمِّ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَبِالْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ الْمُكَرَّرَةِ الْمُخَفَّفَةِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَأَمَّا أَحْكَامُ الْبَابِ فَفِيهِ تَحْرِيمُ نَظَرِ الرَّجُلِ إِلَى عَوْرَةِ الرَّجُلِ والمرأة إلى عورة المرأة وهذا لاخلاف فِيهِ وَكَذَلِكَ نَظَرُ الرَّجُلِ إِلَى عَوْرَةِ الْمَرْأَةِ وَالْمَرْأَةِ إِلَى عَوْرَةِ الرَّجُلِ حَرَامٌ بِالْإِجْمَاعِ وَنَبَّهَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِنَظَرِ الرَّجُلِ إِلَى عَوْرَةِ الرَّجُلِ عَلَى نَظَرِهِ إِلَى عَوْرَةِ الْمَرْأَةِ وَذَلِكَ بِالتَّحْرِيمِ أَوْلَى وَهَذَا التَّحْرِيمُ فِي حَقِّ غيرألازواج وَالسَّادَةِ أَمَّا الزَّوْجَانِ فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا النَّظَرُ إِلَى عَوْرَةِ صَاحِبِهِ جَمِيعِهَا إِلَّا الْفَرْجَ نَفْسَهُ فَفِيهِ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ لِأَصْحَابِنَا أَصَحُّهَا أَنَّهُ مَكْرُوهٌ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا النَّظَرُ إِلَى فَرْجِ صَاحِبِهِ مِنْ غَيْرِ حَاجَةٍ وَلَيْسَ بِحَرَامٍ وَالثَّانِي أَنَّهُ حَرَامٌ عَلَيْهِمَا وَالثَّالِثُ أَنَّهُ حَرَامٌ عَلَى الرَّجُلِ مَكْرُوهٌ لِلْمَرْأَةِ وَالنَّظَرُ إِلَى بَاطِنِ فَرْجِهَا أَشَدُّ كَرَاهَةً وَتَحْرِيمًا وَأَمَّا السَّيِّدُ مَعَ أَمَتِهِ فَإِنْ كان يملك

(4/30)


وَطْأَهَا فَهُمَا كَالزَّوْجَيْنِ وَإِنْ كَانَتْ مُحَرَّمَةً عَلَيْهِ بِنَسَبٍ كَأُخْتِهِ وَعَمَّتِهِ وَخَالَتِهِ أَوْ بِرَضَاعٍ أَوْ مُصَاهَرَةٍ كَأُمِّ الزَّوْجَةِ وَبِنْتِهَا وَزَوْجَةِ ابْنِهِ فَهِيَ كَمَا إِذَا كَانَتْ حُرَّةً وَإِنْ كَانَتِ الْأَمَةُ مَجُوسِيَّةً أَوْ مُرْتَدَّةً أَوْ وَثَنِيَّةً أَوْ مُعْتَدَّةً أَوْ مُكَاتَبَةً فَهِيَ كَالْأَمَةِ الْأَجْنَبِيَّةِ وَأَمَّا نَظَرُ الرَّجُلِ إِلَى مَحَارِمِهِ وَنَظَرُهُنَّ إِلَيْهِ فَالصَّحِيحُ أَنَّهُ يُبَاحُ فِيمَا فَوْقَ السُّرَّةِ وَتَحْتَ الرُّكْبَةِ وَقِيلَ لا يحل الا مايظهر فِي حَالِ الْخِدْمَةِ وَالتَّصَرُّفِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَأَمَّا ضَبْطُ الْعَوْرَةِ فِي حَقِّ الْأَجَانِبِ فَعَوْرَةُ الرَّجُلِ مَعَ الرَّجُلِ مَا بَيْنَ السُّرَّةِ وَالرُّكْبَةِ وَكَذَلِكَ الْمَرْأَةِ مَعَ الْمَرْأَةِ وَفِي السُّرَّةِ وَالرُّكْبَةِ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ لِأَصْحَابِنَا أَصَحُّهَا لَيْسَتَا بِعَوْرَةٍ وَالثَّانِي هُمَا عَوْرَةٌ وَالثَّالِثُ السُّرَّةُ عَوْرَةٌ دُونَ الرُّكْبَةِ وَأَمَّا نَظَرُ الرَّجُلِ إِلَى الْمَرْأَةِ فَحَرَامٌ فِي كُلِّ شَيْءٍ مِنْ بَدَنِهَا فَكَذَلِكَ يَحْرُمُ عَلَيْهَا النَّظَرُ إِلَى كُلِّ شَيْءٍ مِنْ بَدَنِهِ سَوَاءٌ كَانَ نَظَرُهُ وَنَظَرُهَا بِشَهْوَةٍ أَمْ بِغَيْرِهَا وَقَالَ بَعْضُ اصحابنا لايحرم نَظَرُهَا إِلَى وَجْهِ الرَّجُلِ بِغَيْرِ شَهْوَةٍ وَلَيْسَ هَذَا الْقَوْلُ بِشَيْءٍ وَلَا فَرْقَ أَيْضًا بَيْنَ الْأَمَةِ وَالْحُرَّةِ إِذَا كَانَتَا أَجْنَبِيَّتَيْنِ وَكَذَلِكَ يَحْرُمُ عَلَى الرَّجُلِ النَّظَرُ إِلَى وَجْهِ الْأَمْرَدِ إِذَا كَانَ حَسَنَ الصُّورَةِ سَوَاءٌ كَانَ نَظَرُهُ بِشَهْوَةٍ أَمْ لَا سَوَاءٌ أَمِنَ الْفِتْنَةَ أَمْ خَافَهَا هَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ الصَّحِيحُ الْمُخْتَارُ عِنْدَ الْعُلَمَاءِ الْمُحَقِّقِينَ نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ وَحُذَّاقُ أَصْحَابِهِ رَحِمَهُمُ اللَّهُ تَعَالَى وَدَلِيلُهُ أَنَّهُ فِي مَعْنَى الْمَرْأَةِ فَإِنَّهُ يُشْتَهَى كَمَا تُشْتَهَى وَصُورَتُهُ فِي الْجَمَالِ كَصُورَةِ الْمَرْأَةِ بَلْ رُبَّمَا كَانَ كَثِيرٌ مِنْهُمْ أحْسَنَ صُورَةً مِنْ كَثِيرٍ مِنَ النِّسَاءِ بَلْ هُمْ فِي التَّحْرِيمِ أَوْلَى لِمَعْنًى آخَرَ وَهُوَ أَنَّهُ يَتَمَكَّنُ فِي حَقِّهِمْ مِنْ طُرُقِ الشَّرِّ مالا يَتَمَكَّنُ مِنْ مِثْلِهِ فِي حَقِّ الْمَرْأَةِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَهَذَا الَّذِي ذَكَرْنَاهُ فِي جَمِيعِ هَذِهِ الْمَسَائِلِ مِنْ تَحْرِيمِ النَّظَرِ هُوَ فِيمَا إِذَا لَمْ تَكُنْ حَاجَةٌ أَمَّا إِذَا كَانَتْ حَاجَةٌ شرعية فيجوز النظر كما فِي حَالَةِ الْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ وَالتَّطَبُّبِ وَالشَّهَادَةِ وَنَحْوِ ذَلِكَ وَلَكِنْ يَحْرُمُ النَّظَرُ فِي هَذِهِ الْحَالِ بِشَهْوَةٍ فَإِنَّ الْحَاجَةَ تُبِيحُ النَّظَرَ لِلْحَاجَةِ إِلَيْهِ وَأَمَّا الشَّهْوَةُ فَلَا حَاجَةَ إِلَيْهَا قَالَ أَصْحَابُنَا النَّظَرُ بِالشَّهْوَةِ حَرَامٌ عَلَى كُلِّ أَحَدٍ غَيْرَ الزَّوْجِ وَالسَّيِّدِ حَتَّى يَحْرُمَ عَلَى الْإِنْسَانِ النَّظَرُ إِلَى أُمِّهِ وَبِنْتِهِ بِالشَّهْوَةِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَأَمَّا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم ولايفضي الرَّجُلُ إِلَى الرَّجُلِ فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ وَكَذَلِكَ فِي الْمَرْأَةِ مَعَ الْمَرْأَةِ فَهُوَ نَهْيُ تَحْرِيمٍ إِذَا لَمْ يَكُنْ بَيْنَهُمَا حَائِلٌ وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى تَحْرِيمِ لَمْسِ عَوْرَةِ غَيْرِهِ بِأَيِّ مَوْضِعٍ مِنْ بَدَنِهِ كَانَ وَهَذَا مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَهَذَا مِمَّا تَعُمُّ بِهِ الْبَلْوَى وَيَتَسَاهَلُ فِيهِ كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ بِاجْتِمَاعِ النَّاسِ فِي الْحَمَّامِ فَيَجِبُ عَلَى الْحَاضِرِ فِيهِ أَنْ يَصُونَ بَصَرَهُ وَيَدَهُ وَغَيْرَهَا عَنْ عَوْرَةِ غَيْرِهِ وَأَنْ يَصُونَ عَوْرَتَهُ عَنْ بَصَرِ غَيْرِهِ وَيَدِ غَيْرِهِ مِنْ قَيِّمٍ وَغَيْرِهِ وَيَجِبُ عَلَيْهِ إِذَا رَأَى مَنْ يُخِلُّ بِشَيْءٍ مِنْ هَذَا أَنْ يُنْكِرَ عَلَيْهِ قَالَ الْعُلَمَاءُ وَلَا يَسْقُطُ عَنْهُ الْإِنْكَارُ

(4/31)


بِكَوْنِهِ يَظُنُّ أَنْ لَا يُقْبَلَ مِنْهُ بَلْ يَجِبُ عَلَيْهِ الْإِنْكَارُ إِلَّا أَنْ يَخَافَ عَلَى نَفْسِهِ وَغَيْرِهِ فِتْنَةً وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَأَمَّا كَشْفُ الرَّجُلِ عَوْرَتَهُ فِي حَالِ الْخَلْوَةِ بِحَيْثُ لَا يَرَاهُ آدَمِيٌّ فَإِنْ كَانَ لِحَاجَةٍ جَازَ وَإِنْ كَانَ لِغَيْرِ حَاجَةٍ فَفِيهِ خِلَافُ الْعُلَمَاءِ فِي كَرَاهَتِهِ وَتَحْرِيمِهِ وَالْأَصَحُّ عِنْدَنَا أَنَّهُ حَرَامٌ وَلِهَذِهِ الْمَسَائِلِ فُرُوعٌ وَتَتِمَّاتٌ وَتَقْيِيدَاتٌ مَعْرُوفَةٌ فِي كُتُبِ الْفِقْهِ وَأَشَرْنَا هُنَا إِلَى هَذِهِ الْأَحْرُفِ لِئَلَّا يَخْلُوَ هَذَا الْكِتَابُ مِنَ أَصْلِ ذَلِكَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ

(باب جَوَازِ الِاغْتِسَالِ عُرْيَانًا فِي الْخَلْوَةِ)
فِيهِ قِصَّةُ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ وَقَدْ قَدَّمْنَا فِي الْبَابِ السَّابِقِ أَنَّهُ يَجُوزُ كَشْفُ الْعَوْرَةِ فِي مَوْضِعِ الْحَاجَةِ فِي الْخَلْوَةِ وَذَلِكَ كَحَالَةِ الِاغْتِسَالِ وَحَالِ الْبَوْلِ وَمُعَاشَرَةِ الزَّوْجَةِ وَنَحْوِ ذَلِكَ فَهَذَا كُلُّهُ جَائِزٌ فِيهِ التَّكَشُّفُ فِي الْخَلْوَةِ وَأَمَّا بِحَضْرَةِ النَّاسِ فَيَحْرُمُ كَشْفُ الْعَوْرَةِ فِي كُلِّ ذَلِكَ قَالَ الْعُلَمَاءُ وَالتَّسَتُّرُ بِمِئْزَرٍ وَنَحْوِهِ فِي حَالِ الِاغْتِسَالِ فِي الْخَلْوَةِ أَفْضَلُ مِنَ التَّكَشُّفِ وَالتَّكَشُّفُ جَائِزٌ مُدَّةَ الْحَاجَةِ فِي الْغُسْلِ وَنَحْوِهِ وَالزِّيَادَةُ عَلَى قَدْرِ الْحَاجَةِ حَرَامٌ عَلَى الْأَصَحِّ كَمَا قَدَّمْنَا فِي الْبَابِ السَّابِقِ أَنَّ سَتْرَ الْعَوْرَةِ فِي الْخَلْوَةِ وَاجِبٌ عَلَى الْأَصَحِّ إِلَّا فِي قَدْرِ الْحَاجَةِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَمَوْضِعُ الدَّلَالَةِ مِنْ هَذَا الْحَدِيثِ أَنَّ مُوسَى عَلَيْهِ الصلاة والسلام اغْتَسَلَ فِي الْخَلْوَةِ عُرْيَانًا وَهَذَا يَتِمُّ عَلَى قَوْلِ مَنْ يَقُولُ مِنَ أَهْلِ الْأُصُولِ إِنَّ شَرْعَ مَنْ قَبْلَنَا شَرْعٌ لَنَا وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (كانت بنواسرائيل يغتسلون عراة ينظر بعضهم إلى سوءة بَعْضٍ) يَحْتَمِلُ أَنَّ هَذَا كَانَ جَائِزًا فِي شَرْعِهِمْ وَكَانَ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ يَتْرُكُهُ تَنَزُّهًا وَاسْتِحْبَابًا وَحَيَاءً وَمُرُوءَةً وَيَحْتَمِلُ

(4/32)


أَنَّهُ كَانَ حَرَامًا فِي شَرْعِهِمْ كَمَا هُوَ حَرَامٌ فِي شَرْعِنَا وَكَانُوا يَتَسَاهَلُونَ فِيهِ كَمَا يتساهل فيه كثيرون من أهل شرعنا والسوءة هِيَ الْعَوْرَةُ سُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِأَنَّهُ يَسُوءُ صَاحِبَهَا كَشْفُهَا وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ (إِنَّهُ آدَرُ) هُوَ بِهَمْزَةٍ مَمْدُودَةٍ ثُمَّ دَالٍ مُهْمَلَةٍ مَفْتُوحَةٍ ثُمَّ رَاءٍ مُخَفَّفَتَيْنِ قَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ هُوَ عَظِيمُ الْخُصْيَتَيْنِ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَجَمَحَ موسى عليه السلام باثره) جمع مُخَفَّفُ الْمِيمِ مَعْنَاهُ جَرَى أَشَدَّ الْجَرْيِ وَيُقَالُ بِإِثْرِهِ بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ مَعَ إِسْكَانِ الثَّاءِ وَيُقَالُ أَثَرُهُ بِفَتْحِهِمَا لُغَتَانِ مَشْهُورَتَانِ تَقَدَّمَتَا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (حَتَّى نُظِرَ إِلَيْهِ) هُوَ بِضَمِّ النُّونِ وَكَسْرِ الظَّاءِ مَبْنِيٌّ لِمَا لَمْ يُسَمَّ فَاعِلُهُ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (فَطَفِقَ بِالْحَجَرِ ضَرْبًا) هُوَ بِكَسْرِ الْفَاءِ وَفَتْحِهَا لُغَتَانِ مَعْنَاهُ جَعَلَ وَأَقْبَلَ وَصَارَ مُلْتَزِمًا لِذَلِكَ وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ أرَادَ مُوسَى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِضَرْبِ الْحَجَرِ إِظْهَارَ مُعْجِزَةٍ لِقَوْمِهِ بِأَثَرِ الضَّرْبِ فِي الْحَجَرِ وَيَحْتَمِلُ أَنَّهُ أُوحِيَ إِلَيْهِ أَنْ يَضْرِبَهُ لِإِظْهَارِ الْمُعْجِزَةِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قوله (انه بالحجر ندب) هوبفتح النُّونِ وَالدَّالِ وَهُوَ الْأَثَرُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ

(باب الِاعْتِنَاءِ بِحِفْظِ الْعَوْرَةِ)
قَوْلُهُ (عَنْ جَابِرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ لَمَّا بُنِيَتِ الْكَعْبَةُ ذَهَبَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) إِلَى آخِرِهِ

(4/33)


هَذَا الْحَدِيثُ مُرْسَلُ صَحَابِيٍّ وَقَدْ قَدَّمْنَا أَنَّ الْعُلَمَاءَ مِنَ الطَّوَائِفِ مُتَّفِقُونَ عَلَى الِاحْتِجَاجِ بِمُرْسَلِ الصَّحَابِيِّ إِلَّا مَا انْفَرَدَ بِهِ الْأُسْتَاذُ أَبُو إِسْحَاقَ الاسفرايني مِنْ أَنَّهُ لَا يُحْتَجُّ بِهِ وَقَدْ تَقَدَّمَ دَلِيلُ الْجُمْهُورِ فِي الْفُصُولِ الْمَذْكُورَةِ فِي أَوَّلِ الْكِتَابِ وَسُمِّيَتِ الْكَعْبَةُ كَعْبَةً لِعُلُوِّهَا وَارْتِفَاعِهَا وَقِيلَ لِاسْتِدَارَتِهَا وَعُلُوِّهَا وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ (اجْعَلْ إِزَارَكَ عَلَى عَاتِقِكَ مِنَ الْحِجَارَةِ) مَعْنَاهُ لِيَقِيَكَ الْحِجَارَةَ أَوْ مِنْ أَجْلِ الْحِجَارَةِ وَقَدْ قَدَّمْنَا فِي كِتَابِ الْإِيمَانِ أَنَّ الْعَاتِقَ مَا بَيْنَ الْمَنْكِبِ وَالْعُنُقِ وَجَمْعُهُ عَوَاتِقُ وَعُتُقٌ وَعُتْقٌ وَهُوَ مُذَكَّرٌ وَقَدْ يُؤَنَّثُ قَوْلُهُ (فَخَرَّ إِلَى الْأَرْضِ وَطَمَحَتْ عَيْنَاهُ إِلَى السَّمَاءِ) مَعْنَى خَرَّ سَقَطَ وَطَمَحَتْ بِفَتْحِ الطَّاءِ وَالْمِيمِ أَيِ ارْتَفَعَتْ وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ بَيَانُ بَعْضِ مَا أَكْرَمَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وتعالى

(4/34)


بِهِ رَسُولَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ مَصُونًا مَحْمِيًّا فِي صِغَرِهِ عَنِ الْقَبَائِحِ وَأَخْلَاقِ الْجَاهِلِيَّةِ وَقَدْ تَقَدَّمَ بَيَانُ عِصْمَةِ الْأَنْبِيَاءِ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ فِي كِتَابِ الْإِيمَانِ وَجَاءَ فِي رِوَايَةٍ فِي غَيْرِ الصَّحِيحَيْنِ أَنَّ الْمَلَكَ نَزَلَ فَشَدَّ عَلَيْهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِزَارَهُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَا تَمْشُوا عُرَاةً) هُوَ نَهْيُ تَحْرِيمٍ كَمَا تَقَدَّمَ فِي الباب السابق والله أعلم

(باب التستر عند البول قَوْلُهُ)
(شَيْبَانُ بْنُ فَرُّوخَ) هُوَ بِفَتْحِ الْفَاءِ وَتَشْدِيدِ الرَّاءِ الْمَضْمُومَةِ وَبِالْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ غَيْرُ مَصْرُوفٍ لِكَوْنِهِ أَعْجَمِيًّا وَقَدْ تَقَدَّمَ بَيَانُهُ مَرَّاتٍ قَوْلُهُ (عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَسْمَاءَ الضُّبَعِيُّ) هُوَ بِضَمِّ الضَّادِ الْمُعْجَمَةِ وَفَتْحِ الْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ قَوْلُهُ (وَكَانَ أَحَبَّ مَا اسْتَتَرَ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِحَاجَتِهِ هَدَفٌ أَوْ حَائِشُ نَخْلٍ) يَعْنِي حَائِطَ نَخْلٍ أَمَّا الْهَدَفُ فَبِفَتْحِ الْهَاءِ وَالدَّالِ وَهُوَ مَا ارْتَفَعَ مِنَ الْأَرْضِ وَأَمَّا حَائِشُ النَّخْلِ فَبِالْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَالشِّينِ الْمُعْجَمَةِ وَقَدْ فَسَّرَهُ فِي الْكِتَابِ بِحَائِطِ النَّخْلِ وَهُوَ الْبُسْتَانُ وَهُوَ تَفْسِيرٌ صَحِيحٌ وَيُقَالُ فِيهِ أَيْضًا حَشٌّ وَحُشٌّ بِفَتْحِ الْحَاءِ وَضَمِّهَا وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ مِنَ الْفِقْهِ اسْتِحْبَابُ الِاسْتِتَارِ عِنْدَ قَضَاءِ الْحَاجَةِ بِحَائِطٍ أَوْ هَدَفٍ أَوْ وَهْدَةٍ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ بِحَيْثُ يَغِيبُ جَمِيعُ شَخْصِ الْإِنْسَانِ عَنْ أَعْيُنِ النَّاظِرِينَ وَهَذِهِ سُنَّةٌ متأكده والله أعلم

(4/35)


(باب بيان أن الجماع كان في أول الاسلام لا يوجب الغسل إلا أن ينزل المني)
(وبيان نسخه وأن الغسل يجب بالجماع) اعْلَمْ أَنَّ الْأُمَّةَ مُجْتَمِعَةٌ الْآنَ عَلَى وُجُوبِ الْغُسْلِ بِالْجِمَاعِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهُ إِنْزَالٌ وَعَلَى وُجُوبِهِ بِالْإِنْزَالِ وَكَانَ جَمَاعَةٌ مِنَ الصَّحَابَةِ على أنه لايجب الا بالأنزال ثم رجع بعضهم وانتقد الاجماع بعد الاخرين وَفِي الْبَابِ حَدِيثُ إِنَّمَا الْمَاءُ مِنَ الْمَاءِ مع حَدِيثِ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الرَّجُلِ يَأْتِي أهله ثم لاينزل قَالَ يَغْسِلُ ذَكَرَهُ وَيَتَوَضَّأُ وَفِيهِ الْحَدِيثُ الْآخَرُ إِذَا جَلَسَ أَحَدُكُمْ بَيْنَ شُعَبِهَا الْأَرْبَعِ ثُمَّ جَهَدَهَا فَقَدْ وَجَبَ عَلَيْهِ الْغُسْلُ وَإِنْ لَمْ يُنْزِلْ قَالَ الْعُلَمَاءُ الْعَمَلُ عَلَى هَذَا الْحَدِيثِ وَأَمَّا حَدِيثُ الْمَاءُ مِنَ الْمَاءِ فَالْجُمْهُورُ مِنَ الصَّحَابَةِ وَمَنْ بَعْدَهمْ قَالُوا إِنَّهُ مَنْسُوخٌ وَيَعْنُونَ بِالنَّسْخِ أَنَّ الْغُسْلَ مِنَ الْجِمَاعِ بِغَيْرِ إِنْزَالٍ كان ساقطا ثم صار واجبا وذهب بن عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَغَيْرُهُ إِلَى أَنَّهُ لَيْسَ مَنْسُوخًا بَلِ الْمُرَادُ بِهِ نَفْيُ وُجُوبِ الْغُسْلِ بِالرُّؤْيَةِ فِي النَّوْمِ إِذَا لَمْ يُنْزِلْ وَهَذَا الْحُكْمُ بَاقٍ بِلَا شَكٍّ وَأَمَّا حَدِيثُ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ فَفِيهِ جَوَابَانِ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ مَنْسُوخٌ وَالثَّانِي أَنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى مَا إِذَا بَاشَرَهَا فِيمَا سِوَى الْفَرْجِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ (خَرَجْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى قُبَاءَ) هُوَ بِضَمِّ الْقَافِ مَمْدُودٌ مُذَكَّرٌ مَصْرُوفٌ هَذَا هُوَ الصَّحِيحُ الَّذِي عَلَيْهِ الْمُحَقِّقُونَ وَالْأَكْثَرُونَ وَفِيهِ لُغَةٌ أُخْرَى أَنَّهُ مُؤَنَّثٌ غَيْرُ مَصْرُوفٍ وَأُخْرَى أَنَّهُ مَقْصُورٌ قَوْلُهُ (عِتْبَانُ بْنُ مَالِكٍ) هُوَ بِكَسْرِ الْعَيْنِ عَلَى

(4/36)


الْمَشْهُورِ وَقِيلَ بِضَمِّهَا وَقَدْ قَدَّمْنَاهُ فِي كِتَابِ الْإِيمَانِ قَوْلُهُ (حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُعَاذٍ الْعَنْبَرِيُّ حَدَّثَنَا الْمُعْتَمِرُ حَدَّثَنَا أَبِي حَدَّثَنَا أَبُو الْعَلَاءِ بْنُ الشِّخِّيرِ قَالَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَنْسَخُ حَدِيثَهُ بَعْضُهُ بَعْضًا كَمَا يَنْسَخُ الْقُرْآنَ بَعْضُهُ بَعْضًا) هَذَا الْإِسْنَادُ كُلُّهُ بَصْرِيُّونَ إِلَّا أَبَا الْعَلَاءِ فَإِنَّهُ كوفي وأبو الْعَلَاءِ اسْمُهُ يَزِيدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الشِّخِّيرِ بِكَسْرِ الشِّينِ وَالْخَاءِ الْمُعْجَمَتَيْنِ وَالْخَاءِ الْمُشَدَّدَةِ وأبوالعلاء تَابِعِيٌّ وَمُرَادُ مُسْلِمٍ بِرِوَايَتِهِ هَذَا الْكَلَامَ عَنْ أَبِي الْعَلَاءِ أَنَّ حَدِيثَ الْمَاءِ مِنَ الْمَاءِ مَنْسُوخٌ وَقَوْلُ أَبِي الْعَلَاءِ أَنَّ السُّنَّةَ تَنْسَخُ السُّنَّةَ هَذَا صَحِيحٌ قَالَ الْعُلَمَاءُ نَسْخُ السُّنَّةِ بِالسُّنَّةِ يَقَعُ عَلَى أَرْبَعَةِ أَوْجُهٍ أَحَدُهَا نَسْخُ السُّنَّةِ الْمُتَوَاتِرَةِ بِالْمُتَوَاتِرَةِ وَالثَّانِي نَسْخُ خَبَرِ الْوَاحِدِ بِمِثْلِهِ وَالثَّالِثُ نَسْخُ الْآحَادِ بِالْمُتَوَاتِرَةِ وَالرَّابِعُ نَسْخُ الْمُتَوَاتِرِ بِالْآحَادِ فَأَمَّا الثَّلَاثَةُ الْأُوَلُ فَهِيَ جَائِزَةٌ بِلَا خِلَافٍ وَأَمَّا الرَّابِعُ فَلَا يَجُوزُ عِنْدَ الْجَمَاهِيرِ وَقَالَ بَعْضُ أَهْلِ الظَّاهِرِ يَجُوزُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (إِذَا أُعْجِلْتَ أَوْ أُقْحِطْتَ فَلَا غُسْلَ عَلَيْكَ) وَفِي رواية بن بَشَّارٍ (أُعْجِلْتَ أَوْ أُقْحِطْتَ) أَمَّا أُعْجِلْتَ فَهُوَ فِي الْمَوْضِعَيْنِ بِضَمِّ الْهَمْزَةِ وَإِسْكَانِ الْعَيْنِ وَكَسْرِ الْجِيمِ أَمَّا أَقَحَطْتَ فَهُوَ فِي الْأُولَى بِفَتْحِ الهمزة والحاء وفي رواية بن بَشَّارٍ بِضَمِّ الْهَمْزَةِ وَكَسْرِ الْحَاءِ مِثْلُ أُعْجِلْتَ وَالرِّوَايَتَانِ صَحِيحَتَانِ وَمَعْنَى الْإِقْحَاطِ هُنَا عَدَمُ إِنْزَالِ الْمَنِيِّ وَهُوَ اسْتِعَارَةٌ مِنْ قُحُوطِ الْمَطَرِ وَهُوَ انحباسه وقحوط

(4/37)


الْأَرْضِ وَهُوَ عَدَمُ إِخْرَاجِهَا النَّبَاتَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ (ثُمَّ يُكْسِلُ) ضَبَطْنَاهُ بِضَمِّ الْيَاءِ وَيَجُوزُ فَتْحُهَا يُقَالُ أَكْسَلَ الرَّجُلُ فِي جِمَاعِهِ إِذَا ضَعُفَ عَنِ الْإِنْزَالِ وَكَسِلَ أَيْضًا بِفَتْحِ الْكَافِ وَكَسْرِ السِّينِ وَالْأَوَّلُ أَفْصَحُ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم (يغسل ماأصابه مِنَ الْمَرْأَةِ) فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى نَجَاسَةِ رُطُوبَةِ فَرْجِ الْمَرْأَةِ وَفِيهَا خِلَافٌ مَعْرُوفٌ وَالْأَصَحُّ عِنْدَ بَعْضِ أَصْحَابِنَا نَجَاسَتُهَا وَمَنْ قَالَ بِالطَّهَارَةِ يَحْمِلُ الْحَدِيثَ عَلَى الِاسْتِحْبَابِ وَهَذَا هُوَ الْأَصَحُّ عِنْدَ أَكْثَرِ أَصْحَابِنَا وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ (حَدَّثَنِي أَبِي عن الملى عن الملى يعني بقوله الملى عَنِ الْمَلِيِّ أَبُو أَيُّوبَ) هَكَذَا هُوَ فِي الْأُصُولِ أَبُو أَيُّوبَ

(4/38)


بِالْوَاوِ وَهُوَ صَحِيحٌ وَالْمَلِيُّ الْمُعْتَمَدُ عَلَيْهِ الْمَرْكُونُ إِلَيْهِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ (إِذَا جَامَعَ وَلَمْ يمن) هوبضم الْيَاءِ وَإِسْكَانِ الْمِيمِ هَذِهِ اللُّغَةُ الْفَصِيحَةُ وَبِهَا جَاءَتِ الرِّوَايَةُ وَفِيهِ لُغَةٌ ثَانِيَةٌ بِفَتْحِ الْيَاءِ وَالثَّالِثَةُ بِضَمِّ الْيَاءِ مَعَ فَتْحِ الْمِيمِ وَتَشْدِيدِ النُّونِ يُقَالُ أَمْنَى وَمَنَى وَمَنَّى ثَلَاثُ لُغَاتٍ حَكَاهَا أَبُو عَمْرٍو الزَّاهِدُ وَالْأُولَى أَفْصَحُ وَأَشْهَرُ وَبِهَا جَاءَ الْقُرْآنُ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى أَفَرَأَيْتُمْ ما تمنون قَوْلُهُ (أَبُو غَسَّانَ الْمِسْمَعِيُّ) هُوَ بِفَتْحِ الْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ وَتَشْدِيدِ السِّينِ الْمُهْمَلَةِ وَيَجُوزُ صَرْفُهُ وَتَرْكُ صَرْفِهِ وَالْمِسْمَعِيُّ بِكَسْرِ الْمِيمِ الْأُولَى وَفَتْحِ الثَّانِيَةِ وَاسْمُهُ مَالِكُ بْنُ عَبْدِ الْوَاحِدِ وَقَدْ تَقَدَّمَ بَيَانُهُ مَرَّاتٍ لَكِنِّي أُنَبِّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى مِثْلِهِ لِطُولِ الْعَهْدِ بِهِ كَمَا شَرَطْتُهُ فِي الْخُطْبَةِ قوله (أبورافع عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ) اسْمُ أَبِي رَافِعٍ نُفَيْعٌ وَقَدْ تَقَدَّمَ أَيْضًا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (إِذَا قَعَدَ بَيْنَ شُعَبِهَا الْأَرْبَعِ ثُمَّ جَهَدَهَا) وَفِي رِوَايَةِ (أَشْعُبِهَا

(4/39)


اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي الْمُرَادِ بِالشُّعَبِ الْأَرْبَعِ فَقِيلَ هِيَ الْيَدَانِ وَالرِّجْلَانِ وَقِيلَ الرِّجْلَانِ وَالْفَخِذَانِ وَقِيلَ الرِّجْلَانِ وَالشَّفْرَانِ وَاخْتَارَ الْقَاضِي عِيَاضٌ أَنَّ الْمُرَادَ شُعَبُ الْفَرْجِ الْأَرْبَعُ وَالشُّعَبُ النَّوَاحِي وَاحِدَتُهَا شُعْبَةٌ وَأَمَّا مَنْ قَالَ أَشْعُبِهَا فَهُوَ جَمْعُ شُعَبٍ وَمَعْنَى جَهَدَهَا حَفَرَهَا كَذَا قَالَهُ الْخَطَّابِيُّ وَقَالَ غَيْرُهُ بَلَغَ مَشَقَّتَهَا يُقَالُ جَهِدْتُهُ وَأَجْهَدْتُهُ بَلَغْتُ مَشَقَّتَهُ قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى الْأَوْلَى أَنْ يَكُونَ جَهَدَهَا بِمَعْنَى بَلَغَ جَهْدَهُ فِي الْعَمَلِ فِيهَا وَالْجَهْدُ الطَّاقَةُ وَهُوَ إِشَارَةٌ إِلَى الْحَرَكَةِ وَتَمَكُّنِ صُورَةِ الْعَمَلِ وَهُوَ نَحْوُ قَوْلِ مَنْ قَالَ حَفَرَهَا أَيْ كَدَّهَا بِحَرَكَتِهِ والافأي مَشَقَّةٍ بَلَغَ بِهَا فِي ذَلِكَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَمَعْنَى الْحَدِيثِ أَنَّ إِيجَابَ الْغُسْلِ لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى نُزُولِ الْمَنِيِّ بَلْ مَتَى غَابَتِ الْحَشَفَةُ فِي الْفَرْجِ وَجَبَ الْغُسْلُ عَلَى الرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ وَهَذَا لَا خِلَافَ فِيهِ الْيَوْمَ وَقَدْ كَانَ فِيهِ خِلَافٌ لِبَعْضِ الصَّحَابَةِ

(4/40)


ومن بعدهم ثم انعقد الاجماع على ماذكرناه وَقَدْ تَقَدَّمَ بَيَانُ هَذَا قَالَ أَصْحَابُنَا وَلَوْ غَيَّبَ الْحَشَفَةَ فِي دُبُرِ امْرَأَةٍ أَوْ دُبُرِ رَجُلٍ أَوْ فَرْجِ بَهِيمَةٍ أَوْ دُبُرِهَا وَجَبَ الْغُسْلُ سَوَاءٌ كَانَ الْمَوْلَجُ فِيهِ حَيًّا أَوْ مَيِّتًا صَغِيرًا أَوْ كَبِيرًا وَسَوَاءٌ كَانَ ذَلِكَ عَنْ قَصْدٍ أَمْ عَنْ نِسْيَانٍ وَسَوَاءٌ كَانَ مُخْتَارًا أَوْ مُكْرَهًا أَوِ اسْتَدْخَلَتِ الْمَرْأَةُ ذَكَرَهُ وَهُوَ نَائِمٌ وَسَوَاءٌ انْتَشَرَ الذَّكَرُ أَمْ لَا وَسَوَاءٌ كَانَ مَخْتُونًا أَمْ أَغْلَفَ فَيَجِبُ الْغُسْلُ فِي كُلِّ هَذِهِ الصُّوَرِ عَلَى الْفَاعِلِ وَالْمَفْعُولِ بِهِ إِلَّا إِذَا كَانَ الْفَاعِلُ أَوِ الْمَفْعُولُ به صبيا أو صبية فإنه لايقال وَجَبَ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ لَيْسَ مُكَلَّفًا وَلَكِنْ يُقَالُ صَارَ جُنُبًا فَإِنْ كَانَ مُمَيِّزًا وَجَبَ عَلَى الْوَلِيِّ أَنْ يَأْمُرَهُ بِالْغُسْلِ كَمَا يَأْمُرَهُ بِالْوُضُوءِ فَإِنْ صَلَّى مِنْ غَيْرِ غُسْلٍ لَمْ تَصِحَّ صَلَاتُهُ وَإِنْ لَمْ يَغْتَسِلْ حَتَّى بَلَغَ وَجَبَ عَلَيْهِ الْغُسْلُ وَإِنْ اغْتَسَلَ فِي الصِّبَى ثُمَّ بَلَغَ لَمْ يَلْزَمْهُ إِعَادَةُ الْغُسْلِ قَالَ أَصْحَابُنَا وَالِاعْتِبَارُ فِي الْجِمَاعِ بِتَغْيِيبِ الْحَشَفَةِ مِنْ صَحِيحِ الذَّكَرِ بِالِاتِّفَاقِ فَإِذَا غَيَّبَهَا بِكَمَالِهَا تَعَلَّقَتْ بِهِ جَمِيعُ الْأَحْكَامِ وَلَا يُشْتَرَطُ تَغْيِيبُ جَمِيعِ الذَّكَرِ بِالِاتِّفَاقِ وَلَوْ غَيَّبَ بَعْضَ الْحَشَفَةِ لَا يَتَعَلَّقُ بِهِ شَيْءٌ مِنَ الْأَحْكَامِ بِالِاتِّفَاقِ إِلَّا وَجْهًا شَاذًّا ذَكَرَهُ بَعْضُ أَصْحَابِنَا أَنَّ حُكْمَهُ حُكْمُ جَمِيعِهَا وَهَذَا الْوَجْهُ غَلَطٌ مُنْكَرٌ مَتْرُوكٌ وَأَمَّا إِذَا كَانَ الذَّكَرُ مَقْطُوعًا فَإِنْ بَقِيَ مِنْهُ دُونَ الْحَشَفَةِ لَمْ يَتَعَلَّقْ بِهِ شَيْءٌ مِنَ الْأَحْكَامِ وَإِنْ كَانَ الْبَاقِي قَدْرَ الْحَشَفَةِ فَحَسْبُ تَعَلَّقَتِ الْأَحْكَامُ بِتَغْيِيبِهِ بِكَمَالِهِ وَإِنْ كَانَ زَائِدًا عَلَى قَدْرِ الْحَشَفَةِ فَفِيهِ وَجْهَانِ مَشْهُورَانِ لِأَصْحَابِنَا أَصَحُّهُمَا أَنَّ الْأَحْكَامَ تَتَعَلَّقُ بِقَدْرِ الْحَشَفَةِ مِنْهُ والثاني لايتعلق شيء من الاحكام الابتغييب جَمِيعِ الْبَاقِي وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَلَوْ لَفَّ عَلَى ذَكَرِهِ خِرْقَةً وَأَوْلَجَهُ فِي فَرْجِ امْرَأَةٍ فَفِيهِ ثلاثه اوجه لاصحابنا الصحيح مِنْهَا وَالْمَشْهُورُ أَنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِمَا الْغُسْلُ وَالثَّانِي لايجب لِأَنَّهُ أَوْلَجَ فِي خِرْقَةٍ وَالثَّالِثُ إِنْ كَانَتِ الْخِرْقَةُ غَلِيظَةً تَمْنَعُ وُصُولَ اللَّذَّةِ وَالرُّطُوبَةِ لَمْ يجب الغسل والاوجب وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَلَوِ اسْتَدْخَلَتِ الْمَرْأَةُ ذَكَرَ بَهِيمَةٍ وَجَبَ عَلَيْهَا الْغُسْلُ وَلَوِ اسْتَدْخَلَتْ ذَكَرًا مَقْطُوعًا فَوَجْهَانِ أَصَحُّهُمَا يَجِبُ عَلَيْهَا الْغُسْلُ قَوْلُهَا (عَلَى الْخَبِيرِ سَقَطْتَ) مَعْنَاهُ صَادَفْتَ خَبِيرًا بِحَقِيقَةِ مَا سَأَلْتَ عَنْهُ عَارِفًا بِخَفِيِّهِ وَجَلِيِّهِ حَاذِقًا فِيهِ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (وَمَسَّ

(4/41)


الْخِتَانُ الْخِتَانَ فَقَدْ وَجَبَ الْغُسْلُ) قَالَ الْعُلَمَاءُ مَعْنَاهُ غَيَّبْتَ ذَكَرَكَ فِي فَرْجِهَا وَلَيْسَ الْمُرَادُ حَقِيقَةَ الْمَسِّ وَذَلِكَ أَنَّ خِتَانَ الْمَرْأَةِ فِي أعلى الفرج ولايمسه الذَّكَرُ فِي الْجِمَاعِ وَقَدْ أَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ عَلَى أَنَّهُ لَوْ وَضَعَ ذَكَرَهُ عَلَى خِتَانِهَا وَلَمْ يُولِجْهُ لَمْ يَجِبِ الْغُسْلُ لَا عَلَيْهِ وَلَا عَلَيْهَا فَدَلَّ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ مَا ذَكَرْنَاهُ وَالْمُرَادُ بِالْمُمَاسَّةِ الْمُحَاذَاةُ وَكَذَلِكَ الرِّوَايَةُ الْأُخْرَى إِذَا الْتَقَى الْخِتَانَانِ أَيْ تَحَاذَيَا قَوْلُهُ (عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ أُمِّ كُلْثُومٍ عَنْ عَائِشَةَ) أُمُّ كُلْثُومٍ هَذِهِ تَابِعِيَّةٌ وَهِيَ بِنْتُ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَهَذَا مِنْ رِوَايَةِ الْأَكَابِرِ عَنِ الْأَصَاغِرِ فَإِنَّ جَابِرًا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ صَحَابِيٌّ وَهُوَ أَكْبَرُ مِنْ أُمِّ كُلْثُومٍ سِنًّا وَمَرْتَبَةً وَفَضْلًا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَجْمَعِينَ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنِّي لَأَفْعَلُ ذَلِكَ أَنَا وَهَذِهِ ثُمَّ نَغْتَسِلُ) فِيهِ جَوَازُ ذِكْرِ مِثْلِ هَذَا بِحَضْرَةِ الزَّوْجَةِ إِذَا تَرَتَّبَتْ عَلَيْهِ مَصْلَحَةٌ وَلَمْ يَحْصُلْ بِهِ أَذًى وَإِنَّمَا قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِهَذِهِ الْعِبَارَةِ لِيَكُونَ أَوْقَعَ فِي نَفْسِهِ وَفِيهِ أَنَّ فِعْلَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلْوُجُوبِ وَلَوْلَا ذَلِكَ لَمْ يَحْصُلْ جَوَابُ السَّائِلِ

(باب الوضوء مما مست النار)
ذَكَرَ مُسْلِمٌ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى فِي هَذَا الْبَابِ الْأَحَادِيثَ الْوَارِدَةَ بِالْوُضُوءِ مِمَّا مَسَّتِ النَّارُ ثُمَّ عَقَّبَهَا بِالْأَحَادِيثِ الْوَارِدَةِ بِتَرْكِ الْوُضُوءِ مِمَّا مَسَّتِ النَّارُ فَكَأَنَّهُ يُشِيرُ إِلَى أَنَّ الْوُضُوءَ مَنْسُوخٌ وَهَذِهِ عَادَةُ مُسْلِمٍ وَغَيْرِهِ مِنْ

(4/42)


أَئِمَّةِ الْحَدِيثِ يَذْكُرُونَ الْأَحَادِيثَ الَّتِي يَرَوْنَهَا مَنْسُوخَةً ثُمَّ يُعَقِّبُونَهَا بِالنَّاسِخِ وَقَدِ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي قوله صلى الله عليه وسلم توضؤوا مِمَّا مَسَّتِ النَّارُ فَذَهَبَ جَمَاهِيرُ الْعُلَمَاءِ مِنَ السلف والخلف إلى انه لاينتقض الْوُضُوءُ بِأَكْلِ مَا مَسَّتْهُ النَّارُ مِمَّنْ ذَهَبَ إِلَيْهِ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَعُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ وَعُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ وَعَلِيُّ بن أبي طالب وعبد الله بن مسعود وأبو الدرداء وبن عَبَّاسٍ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ وَأَنَسُ بْنُ مَالِكٍ وَجَابِرُ بْنُ سَمُرَةَ وَزَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ وَأَبُو مُوسَى وَأَبُو هُرَيْرَةَ وَأُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ وَأَبُو طَلْحَةَ وَعَامِرُ بْنُ رَبِيعَةَ وَأَبُو أُمَامَةَ وَعَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَجْمَعِينَ وَهَؤُلَاءِ كُلُّهُمْ صَحَابَةٌ وَذَهَبَ إِلَيْهِ جَمَاهِيرُ التَّابِعِينَ وَهُوَ مَذْهَبُ مَالِكٍ وَأَبِي حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ وَإِسْحَاقَ بْنِ رَاهَوَيْهِ وَيَحْيَى بْنِ يَحْيَى وَأَبِي ثَوْرٍ وَأَبِي خَيْثَمَةَ رَحِمَهُمُ اللَّهُ وَذَهَبَ طَائِفَةٌ إِلَى وُجُوبِ الْوُضُوءِ الشَّرْعِيِّ وُضُوءِ الصَّلَاةِ بِأَكْلِ مَا مَسَّتْهُ النَّارُ وَهُوَ مَرْوِيٌّ عَنْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ وَالْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ وَالزُّهْرِيِّ وَأَبِي قِلَابَةَ 2وَأَبِي مجلر واحتج هؤلاء بحديث توضؤوا مِمَّا مَسَّتْهُ النَّارُ وَاحْتَجَّ الْجُمْهُورُ بِالْأَحَادِيثِ الْوَارِدَةِ بِتَرْكِ الْوُضُوءِ مِمَّا مَسَّتْهُ النَّارُ وَقَدْ ذَكَرَ مُسْلِمٌ هُنَا مِنْهَا جُمْلَةً وَبَاقِيهَا فِي كُتُبِ أَئِمَّةِ الْحَدِيثِ الْمَشْهُورَةِ وَأَجَابُوا عَنْ حَدِيثِ الْوُضُوءِ مِمَّا مَسَّتِ النَّارُ بِجَوَابَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ مَنْسُوخٌ بِحَدِيثِ جَابِرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ كَانَ آخِرَ الْأَمْرَيْنِ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَرْكُ الْوُضُوءِ مِمَّا مَسَّتِ النَّارُ وَهُوَ حَدِيثٌ صَحِيحٌ رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ وَغَيْرُهُمَا مِنْ أَهْلِ السُّنَنِ بِأَسَانِيدِهِمُ الصَّحِيحَةِ وَالْجَوَابُ الثَّانِي أَنَّ الْمُرَادَ بِالْوُضُوءِ غَسْلُ الْفَمِ وَالْكَفَّيْنِ ثُمَّ إِنَّ هَذَا الْخِلَافَ الَّذِي حَكَيْنَاهُ كَانَ فِي الصَّدْرِ الْأَوَّلِ ثُمَّ أَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ بَعْدَ ذلك على أنه لايجب الْوُضُوءُ بِأَكْلِ مَا مَسَّتْهُ

(4/43)


النَّارُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ فِي أَوَّلِ الْبَابِ (قال قال بن شِهَابٍ أَخْبَرَنِي عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ هِشَامٍ) كَذَا هُوَ فِي جَمِيعِ الْأُصُولِ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ وَكَذَا نَقَلَهُ الْحَافِظُ أَبُو عَلِيٍّ الْغَسَّانِيُّ عَنْ جَمَاعَةٍ رُوَاةِ الْكِتَابِ قَالَ أبو علي وفي نسخه بن الحذاء مما أصلح بيده فافسده قال بن شِهَابٍ فَأَخْبَرَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ جَعَلَ عَبْدَ اللَّهِ مَوْضِعَ عَبْدِ الْمَلِكِ قَالَ أَبُو عَلِيٍّ وَالصَّوَابُ عَبْدُ الْمَلِكِ وَكَذَا رَوَاهُ الْجَلُودِيُّ وَكَذَلِكَ هُوَ فِي نُسْخَةِ أَبِي زَكَرِيَّا عن بن مَاهَانَ وَكَذَلِكَ رَوَاهُ الزُّبَيْدِيُّ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ وَهُوَ أَخُو عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ (إِنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ إِبْرَاهِيمَ بْنِ قَارِظٍ) هَكَذَا هُوَ فِي مُسْلِمٍ هُنَا وَفِي بَابِ الْجُمُعَةِ وَالْبُيُوعِ وَوَقَعَ فِي بَابِ الْجُمُعَةِ من كتاب مسلم من رواية بن جُرَيْجٍ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ قَارِظٍ وكلاهما قَدْ قِيلَ وَقَدِ اخْتَلَفَ الْحُفَّاظُ فِيهِ عَلَى هَذَيْنِ الْقَوْلَيْنِ فَصَارَ إِلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا جَمَاعَةٌ كَثِيرَةٌ وَقَارِظٌ بِالْقَافِ وَكَسْرِ الرَّاءِ وَبِالظَّاءِ الْمُعْجَمَةِ قَوْلُهُ (إِنَّهُ وَجَدَ أَبَا هُرَيْرَةَ يَتَوَضَّأُ عَلَى الْمَسْجِدِ فَقَالَ إِنَّمَا أَتَوَضَّأُ مِنَ أَثْوَارِ أَقِطٍ أَكَلْتُهَا) قَالَ الْهَرَوِيُّ وَغَيْرُهُ الْأَثْوَارُ جَمْعُ ثَوْرٍ وَهُوَ الْقِطْعَةُ مِنَ الْأَقِطِ وَهُوَ بِالثَّاءِ الْمُثَلَّثَةِ وَالْأَقِطُ مَعْرُوفٌ وَهُوَ مِمَّا مَسَّتْهُ النَّارُ قَوْلُهُ (يَتَوَضَّأُ عَلَى الْمَسْجِدِ) دَلِيلٌ عَلَى جَوَازِ الوضوء في المسجد وقد نقل بن المنذر اجماع العلماء على جوازه مالم يؤذ به

(4/44)


أَحَدًا قَوْلُهُ (أَكَلَ عَرْقًا) هُوَ بِفَتْحِ الْعَيْنِ وَإِسْكَانِ الرَّاءِ وَهُوَ الْعَظْمُ عَلَيْهِ قَلِيلٌ مِنَ اللَّحْمِ وَقَدْ تَقَدَّمَ بَيَانُهُ فِي آخِرِ كِتَابِ الْإِيمَانِ مَبْسُوطًا قَوْلُهُ (يَحْتَزُّ مِنْ كَتِفِ شَاةٍ) فِيهِ جَوَازُ قَطْعِ اللَّحْمِ بِالسِّكِّينِ وَذَلِكَ تَدْعُو إِلَيْهِ الْحَاجَةُ لِصَلَابَةِ اللَّحْمِ أَوْ كِبَرِ الْقِطْعَةِ قَالُوا وَيُكْرَهُ مِنْ غَيْرِ حَاجَةٍ قَوْلُهُ (فَدُعِيَ إِلَى الصَّلَاةِ فَقَامَ فَطَرَحَ السِّكِّينَ وَصَلَّى وَلَمْ يَتَوَضَّأْ) فِي هَذَا دَلِيلٌ عَلَى جَوَازِ بَلِ اسْتِحْبَابِ اسْتِدْعَاءِ الْأَئِمَّةِ إِلَى الصَّلَاةِ إِذَا حَضَرَ وَقْتُهَا وَفِيهِ أَنَّ الشَّهَادَةَ عَلَى النَّفْيِ تُقْبَلُ إِذَا كَانَ الْمَنْفِيُّ مَحْصُورًا مِثْلَ هَذَا وَفِيهِ أَنَّ الْوُضُوءَ مِمَّا مَسَّتِ النَّارُ لَيْسَ بِوَاجِبٍ وَفِي السِّكِّينِ لُغَتَانِ التَّذْكِيرُ وَالتَّأْنِيثُ

(4/45)


يُقَالُ سِكِّينٌ جَيِّدٌ وَجَيِّدَةٌ سُمِّيَتْ سِكِّينًا لِتَسْكِينِهَا حَرَكَةَ الْمَذْبُوحِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ (عَنْ أَبِي غَطَفَانَ عَنْ أَبِي رَافِعٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ أَشْهَدُ لَكُنْتُ أَشْوِي لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَطْنَ الشَّاةِ ثُمَّ صَلَّى وَلَمْ يَتَوَضَّأْ) أَمَّا أَبُو غَطَفَانَ بِفَتْحِ الْغَيْنِ المعجمة والطاء المهملة فهو بن طَرِيفٍ الْمُرِّيُّ الْمَدَنِيُّ قَالَ الْحَاكِمُ أَبُو أَحْمَدَ لايعرف اسْمُهُ قَالَ وَيُقَالُ فِي كُنْيَتِهِ أَيْضًا أَبُو مَالِكٍ وَأَمَّا أَبُو رَافِعٍ فَهُوَ مَوْلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَاسْمُهُ أَسْلَمُ وَقِيلَ إِبْرَاهِيمُ وَقِيلَ هُرْمُزُ وَقِيلَ ثَابِتٌ وَقَوْلُهُ بَطْنَ الشَّاةِ يَعْنِي الْكَبِدَ وَمَا مَعَهُ مِنْ حَشْوِهَا وَفِي الْكَلَامِ حَذْفٌ تَقْدِيرُهُ أَشْوِي بَطْنَ الشاه فيأكل منه ثم يصلي ولايتوضأ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ (إِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَرِبَ لَبَنًا ثُمَّ دَعَا بِمَاءٍ فَتَمَضْمَضَ وَقَالَ إِنَّ لَهُ دَسَمًا) فِيهِ اسْتِحْبَابُ الْمَضْمَضَةِ مِنْ شُرْبِ اللَّبَنِ قَالَ الْعُلَمَاءُ وَكَذَلِكَ غَيْرُهُ مِنَ الْمَأْكُولِ وَالْمَشْرُوبِ تُسْتَحَبُّ لَهُ الْمَضْمَضَةُ وَلِئَلَّا تَبْقَى مِنْهُ بَقَايَا يَبْتَلِعُهَا فِي حَالِ الصَّلَاةِ وَلِتَنْقَطِعَ لُزُوجَتُهُ وَدَسَمُهُ وَيَتَطَهَّرَ فَمُهُ وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي اسْتِحْبَابِ غَسْلِ الْيَدِ قَبْلَ الطَّعَامِ وَبَعْدَهُ وَالْأَظْهَرُ اسْتِحْبَابُهُ أَوَّلًا إِلَّا أَنْ يَتَيَقَّنَ من نَظَافَةَ الْيَدِ مِنَ النَّجَاسَةِ وَالْوَسَخِ وَاسْتِحْبَابِهِ بَعْدَ الفراغ الا أن لايبقى عَلَى الْيَدِ أَثَرُ الطَّعَامِ بِأَنْ كَانَ يَابِسًا وَلَمْ يَمَسُّهُ بِهَا وَقَالَ مَالِكٌ رَحِمَهُ اللَّهُ تعالى لا يستحب غسل اليدللطعام إِلَّا أَنْ يَكُونَ عَلَى الْيَدِ أَوَّلًا قَذَرٌ وَيَبْقَى عَلَيْهَا بَعْدَ الْفَرَاغِ رَائِحَةٌ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ (وَحَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ عِيسَى قَالَ

(4/46)


حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ وَهْبٍ وَأَخْبَرَنِي عَمْرٌو) هَكَذَا هُوَ فِي الْأُصُولِ وَأَخْبَرَنِي عَمْرٌو بِالْوَاوِ فِي وَأَخْبَرَنِي وَهِيَ وَاوُ الْعَطْفِ وَالْقَائِلُ وَأَخْبَرَنِي عَمْرٌو هو بن وَهْبٍ وَإِنَّمَا أَتَى بِالْوَاوِ أَوَّلًا لِأَنَّهُ سَمِعَ مِنْ عَمْرٍو أَحَادِيثَ فَرَوَاهَا وَعَطَفَ بَعْضَهَا عَلَى بعض فقال إبن وهب أخبرني عمروبكذا وَأَخْبَرَنِي عَمْرٌو بِكَذَا وَعَدَّدَ تِلْكَ الْأَحَادِيثَ فَسَمِعَ احمد بن عيسى لفظ بن وَهْبٍ هَكَذَا بِالْوَاوِ فَأَدَّاهُ أَحْمَدُ بْنُ عِيسَى كما سمعه فقال حدثنا بن وَهْبٍ قَالَ يَعْنِي ابْنَ وَهْبٍ وَأَخْبَرَنِي عَمْرٌو وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرِو بن حلحله هو بالحائين الْمُهْمَلَتَيْنِ الْمَفْتُوحَتَيْنِ بَيْنَهُمَا اللَّامُ السَّاكِنَةُ قَوْلُهُ (وَفِيهِ أن بن عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا شَهِدَ ذَلِكَ مِنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) هَذَا فِيهِ فَائِدَةٌ لَطِيفَةٌ وَذَلِكَ أَنَّ الرِّوَايَةَ الْأُولَى فِيهَا عن بن عَبَّاسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَمَعَ ثِيَابَهُ وَلَيْسَ فِيهَا أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ رَأَى هَذِهِ الْقَضِيَّةَ فَيَحْتَمِلُ أَنَّهُ رَآهَا وَيَحْتَمِلُ أَنَّهُ سَمِعَهَا مِنْ غَيْرِهِ وَعَلَى تَقْدِيرِ أَنْ يَكُونَ سَمِعَهَا مِنْ غَيْرِهِ يَكُونُ مُرْسَلَ صَحَابِيٍّ وَقَدْ مَنَعَ الِاحْتِجَاجَ بِهِ الْأُسْتَاذُ أَبُو إِسْحَاقَ ألاسفرايني وَالصَّوَابُ قَوْلُ الْجُمْهُورِ الِاحْتِجَاجُ بِهِ فَلَمَّا كَانَتْ هَذِهِ الرِّوَايَةُ مُحْتَمِلَةً هَذَا الَّذِي ذَكَرْنَاهُ نَبَّهَ

(4/47)


مُسْلِمٌ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى عَلَى مَا يُزِيلُ هذا كله فقال شهد بن عَبَّاسٍ ذَلِكَ وَاللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ

(باب الْوُضُوءِ مِنْ لُحُومِ الْإِبِلِ)
فِي إِسْنَادِهِ (مَوْهَبُ) هُوَ بِفَتْحِ الْهَاءِ وَالْمِيمِ وَفِيهِ أَشْعَثُ بْنُ أَبِي الشَّعْثَاءِ هُمَا بِالثَّاءِ الْمُثَلَّثَةِ وَاسْمُ أَبِي الشَّعْثَاءِ سُلَيْمُ بْنُ أَسْوَدَ أَمَّا أَحْكَامُ الْبَابِ فاختلف العلماء في أكل لحوم الجزور وذهب الاكثرون إلى أنه لاينقض الْوُضُوءَ مِمَّنْ ذَهَبَ إِلَيْهِ الْخُلَفَاءُ الْأَرْبَعَةُ الرَّاشِدُونَ أبو بكر وعمر وعثمان وعلي وبن مسعود وابي بن كعب وبن عَبَّاسٍ وَأَبُو الدَّرْدَاءِ وَأَبُو طَلْحَةَ وَعَامِرُ بْنُ رَبِيعَةَ وَأَبُو أُمَامَةَ وَجَمَاهِيرُ التَّابِعِينَ وَمَالِكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيُّ وَأَصْحَابُهُمْ وَذَهَبَ إِلَى انْتِقَاضِ الْوُضُوءِ بِهِ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ وَإِسْحَاقُ بْنُ رَاهَوَيْهِ وَيَحْيَى بْنُ يَحْيَى وَأَبُو بَكْرِ بْنُ الْمُنْذِرِ وبن خُزَيْمَةَ وَاخْتَارَهُ الْحَافِظُ أَبُو بَكْرٍ الْبَيْهَقِيُّ وَحُكِيَ عَنِ أَصْحَابِ الْحَدِيثِ مُطْلَقًا وَحُكِيَ عَنْ جَمَاعَةٍ مِنَ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَجْمَعِينَ وَاحْتَجَّ هَؤُلَاءِ بِحَدِيثِ الْبَابِ وَقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَعَمْ فَتَوَضَّأَ مِنْ لُحُومِ الْإِبِلِ

(4/48)


وَعَنِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ قَالَ سُئِلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ الْوُضُوءِ مِنْ لُحُومِ الْإِبِلِ فَأَمَرَ بِهِ قَالَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَإِسْحَاقُ بْنُ رَاهَوَيْهِ صَحَّ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي هَذَا حَدِيثَانِ حَدِيثُ جَابِرٍ وَحَدِيثُ الْبَرَاءِ وَهَذَا الْمَذْهَبُ أَقْوَى دَلِيلًا وَإِنْ كَانَ الْجُمْهُورُ عَلَى خِلَافِهِ وَقَدْ أجَابَ الْجُمْهُورُ عَنْ هَذَا الْحَدِيثِ بِحَدِيثِ جَابِرٍ كَانَ آخِرَ الْأَمْرَيْنِ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَرْكُ الْوُضُوءِ مِمَّا مَسَّتِ النَّارُ وَلَكِنْ هَذَا الْحَدِيثُ عَامٌّ وَحَدِيثُ الْوُضُوءِ مِنْ لُحُومِ الْإِبِلِ خَاصٌّ وَالْخَاصُّ مُقَدَّمٌ عَلَى الْعَامِّ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَأَمَّا إِبَاحَتُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الصَّلَاةَ فِي مَرَابِضِ الْغَنَمِ دُونَ مَبَارِكِ الْإِبِلِ فَهُوَ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَالنَّهْيُ عَنْ مَبَارِكِ الْإِبِلِ وَهِيَ أَعْطَانُهَا نَهْيُ تَنْزِيهٍ وَسَبَبُ الْكَرَاهَةِ مَا يُخَافُ مِنْ نِفَارِهَا وَتَهْوِيشِهَا عَلَى الْمُصَلِّي وَاللَّهُ أَعْلَمُ

(باب الدَّلِيلِ عَلَى أَنَّ مَنْ تَيَقَّنَ الطَّهَارَةَ ثُمَّ شك في الحدث)
(فله يصلي بطهارته تلك) فيه قَوْلُهُ (شُكِيَ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الرَّجُلُ يُخَيَّلُ إِلَيْهِ أَنَّهُ يَجِدُ الشَّيْءَ في الصلاة قال لاينصرف حَتَّى يَسْمَعَ صَوْتًا أَوْ يَجِدَ رِيحًا (قَوْلُهُ يُخَيَّلُ إِلَيْهِ الشَّيْءُ يَعْنِي خُرُوجَ الْحَدَثِ مِنْهُ وَقَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى يَسْمَعَ صَوْتًا أَوْ يَجِدَ رِيحًا مَعْنَاهُ يَعْلَمُ وُجُودَ أَحَدِهِمَا وَلَا يُشْتَرَطُ السَّمَاعُ وَالشَّمُّ بِإِجْمَاعِ الْمُسْلِمِينَ وَهَذَا الْحَدِيثُ أَصْلٌ مِنْ أصُولِ الْإِسْلَامِ وَقَاعِدَةٌ عَظِيمَةٌ مِنْ قَوَاعِدِ الْفِقْهِ وَهِيَ أَنَّ الْأَشْيَاءَ يُحْكَمُ بِبَقَائِهَا عَلَى أُصُولِهَا حَتَّى يُتَيَقَّنَ خِلَافُ ذَلِكَ وَلَا يَضُرُّ الشَّكُّ الطَّارِئُ عَلَيْهَا فَمِنْ ذَلِكَ مَسْأَلَةُ الْبَابِ الَّتِي وَرَدَ فِيهَا الْحَدِيثُ وَهِيَ أَنَّ مَنْ تَيَقَّنَ الطَّهَارَةَ وَشَكَّ فِي الْحَدَثِ حُكِمَ بِبَقَائِهِ عَلَى الطَّهَارَةِ وَلَا فَرْقَ بَيْنَ حُصُولِ هَذَا الشَّكِّ فِي نَفْسِ الصَّلَاةِ وَحُصُولِهِ خَارِجَ الصَّلَاةِ هَذَا مَذْهَبُنَا وَمَذْهَبُ جَمَاهِيرِ الْعُلَمَاءِ مِنَ السَّلَفِ وَالْخَلَفِ وَحُكِيَ عَنْ مَالِكٍ

(4/49)


رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى رِوَايَتَانِ إِحْدَاهُمَا أَنَّهُ يَلْزَمُهُ الْوُضُوءُ إِنْ كَانَ شَكُّهُ خَارِجَ الصَّلَاةِ وَلَا يَلْزَمُهُ إِنْ كَانَ فِي الصَّلَاةِ وَالثَّانِيَةُ يَلْزَمُهُ بِكُلِّ حَالٍ وَحُكِيَتِ الرِّوَايَةُ الْأُولَى عَنِ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ وَهُوَ وَجْهٌ شَاذٌّ مَحْكِيٌّ عَنْ بَعْضِ اصحابنا وليس بشيء قال اصحابنا ولافرق فِي الشَّكِّ بَيْنَ أَنْ يَسْتَوِيَ الِاحْتِمَالَانِ فِي وُقُوعِ الْحَدَثِ وَعَدَمِهِ أَوْ يَتَرَجَّحَ أَحَدُهُمَا أَوْ يَغْلِبَ عَلَى ظَنِّهِ فَلَا وُضُوءَ عَلَيْهِ بِكُلِّ حَالٍ قَالَ أَصْحَابُنَا وَيُسْتَحَبُّ لَهُ أَنْ يَتَوَضَّأَ احتياطا فلوتوضأ احْتِيَاطًا وَدَامَ شَكُّهُ فَذِمَّتُهُ بَرِيئَةٌ وَإِنْ عَلِمَ بَعْدَ ذَلِكَ أَنَّهُ كَانَ مُحْدِثًا فَهَلْ تُجْزِيهِ تِلْكَ الطَّهَارَةُ الْوَاقِعَةُ فِي حَالِ الشَّكِّ فِيهِ وجهان لاصحابنا اصحهما عندهم أنه لاتجزيه لِأَنَّهُ كَانَ مُتَرَدِّدًا فِي نِيَّتِهِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَأَمَّا إِذَا تَيَقَّنَ الْحَدَثَ وَشَكَّ فِي الطَّهَارَةِ فَإِنَّهُ يَلْزَمُهُ الْوُضُوءُ بِإِجْمَاعِ الْمُسْلِمِينَ وَأَمَّا إِذَا تَيَقَّنَ أَنَّهُ وُجِدَ مِنْهُ بَعْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ مَثَلًا حَدَثٌ وَطَهَارَةٌ وَلَا يَعْرِفُ السَّابِقُ مِنْهُمَا فإن كان لايعرف حَالَهُ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ لَزِمَهُ الْوُضُوءُ وَإِنْ عَرَفَ حَالَهُ فَفِيهِ أَوْجُهٌ لِأَصْحَابِنَا أَشْهَرُهُمَا عِنْدَهُمْ أَنَّهُ يَكُونُ بِضِدِّ مَا كَانَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ فَإِنْ كَانَ قَبْلهَا مُحْدِثًا فَهُوَ الْآنَ مُتَطَهِّرٌ وَإِنْ كَانَ قَبْلَهَا مُتَطَهِّرًا فَهُوَ الْآنَ مُحْدِثٌ وَالثَّانِي وَهُوَ الْأَصَحُّ عِنْدَ جَمَاعَاتٍ مِنَ الْمُحَقِّقِينَ أَنَّهُ يَلْزَمُهُ الْوُضُوءُ بِكُلِّ حَالٍ وَالثَّالِثُ يَبْنِي عَلَى غَالِبِ ظَنِّهِ وَالرَّابِعُ يَكُونُ كَمَا كَانَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَلَا تَأْثِيرَ لِلْأَمْرَيْنِ الْوَاقِعَيْنِ بَعْدَ طُلُوعِهَا هَذَا الْوَجْهُ غَلَطٌ صَرِيحٌ وَبُطْلَانُهُ أَظْهَرُ مِنْ أنْ يُسْتَدَلَّ عَلَيْهِ وَإِنَّمَا ذَكَرْتُهُ لِأُنَبِّهَ عَلَى بُطْلَانِهِ لِئَلَّا يَغْتَرَّ بِهِ وَكَيْفَ يَحْكُمُ بِأَنَّهُ عَلَى حَالِهِ مَعَ تَيَقُّنِ بُطْلَانِهَا بِمَا وَقَعَ بَعْدَهَا وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَمِنْ مَسَائِلِ الْقَاعِدَةِ الْمَذْكُورَةِ أَنَّ مَنْ شَكَّ فِي طَلَاقِ زَوْجَتِهِ أَوْ عِتْقِ عَبْدِهِ أَوْ نَجَاسَةِ الْمَاءِ الطَّاهِرِ أَوْ طَهَارَةِ النَّجَسِ أَوْ نَجَاسَةِ الثَّوْبِ أَوِ الطَّعَامِ أَوْ غَيْرِهِ أَوْ أنَّهُ صَلَّى ثَلَاثَ رَكَعَاتٍ أَوْ أرْبَعًا أَوْ أنَّهُ ركع وسجد أم لا أوأنه نَوَى الصَّوْمَ أَوِ الصَّلَاةَ أَوِ الْوُضُوءَ أَوِ الاعتكاف وهوفي أَثْنَاءِ هَذِهِ الْعِبَادَاتِ وَمَا أَشْبَهَ هَذِهِ الْأَمْثِلَةَ فَكُلُّ هَذِهِ الشُّكُوكِ لَا تَأْثِيرَ لَهَا وَالْأَصْلُ عَدَمُ هَذَا الْحَادِثِ وَقَدِ اسْتَثْنَى الْعُلَمَاءُ مَسَائِلَ مِنْ هَذِهِ الْقَاعِدَةِ وَهِيَ مَعْرُوفَةٌ فِي كُتُبِ الفقه لايتسع هَذَا الْكِتَابُ لِبَسْطِهَا فَإِنَّهَا مُنْتَشِرَةٌ وَعَلَيْهَا اعْتِرَاضَاتٌ وَلَهَا أَجْوِبَةٌ وَمِنْهَا مُخْتَلَفٌ فِيهِ فَلِهَذَا حَذَفْتُهَا هُنَا وَقَدْ أوْضَحْتُهَا بِحَمْدِ اللَّهِ تَعَالَى فِي بَابِ مَسْحِ الْخُفِّ وَبَابِ الشَّكِّ فِي نَجَاسَةِ الْمَاءِ مِنَ الْمَجْمُوعِ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ وَجَمَعْتُ فِيهَا مُتَفَرِّقَ كَلَامِ الْأَصْحَابِ وَمَا تَمَسُّ إِلَيْهِ الْحَاجَةُ مِنْهَا وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ (عَنْ سَعِيدٍ وَعَبَّادِ بْنِ تَمِيمٍ عَنْ عَمِّهِ شُكِيَ إِلَى النبي صلى الله عليه وسلم الرجل يخيل إِلَيْهِ الشَّيْءَ فِي الصَّلَاةِ) ثُمَّ قَالَ مُسْلِمٌ فِي آخِرِ الْحَدِيثِ

(4/50)


قَالَ أَبُو بَكْرٍ وَزُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ فِي رِوَايَتِهِمَا هُوَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ زَيْدٍ) مَعْنَى هَذَا أَنَّ فِي رِوَايَةِ أَبِي بَكْرٍ وَزُهَيْرٍ سَمَّيَا عَمَّ عَبَّادِ بْنِ تَمِيمٍ فَإِنَّهُ رَوَاهُ أولا عن سعيد هو بن الْمُسَيِّبِ وَعَنْ عَبَّادِ بْنِ تَمِيمٍ عَنْ عَمِّهِ وَلَمْ يُسَمِّهِ فَسَمَّاهُ فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ فَقَالَ هَذَا الْعَمُّ هُوَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ زَيْدٍ وهو بن زَيْدِ بْنِ عَاصِمٍ وَهُوَ رَاوِي حَدِيثِ صِفَةِ الْوُضُوءِ وَحَدِيثِ صَلَاةِ الِاسْتِسْقَاءِ وَغَيْرِهِمَا وَلَيْسَ هُوَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدِ بْنِ عَبْدِ رَبِّهِ الذي أري الأذان وقوله شكى هوبضم الشين وكسر الكاف والرجل مَرْفُوعٌ وَلَمْ يُسَمِّ هُنَا الشَّاكِيَ وَجَاءَ فِي رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ أَنَّ السَّائِلَ هُوَ عَبْدُ اللَّهِ بن زيد الراوي وينبغي أن لايتوهم بِهَذَا أَنَّهُ شَكَى مَفْتُوحَةُ الشِّينِ وَالْكَافِ وَيَجْعَلَ الشَّاكِيَ هُوَ عَمَّهُ الْمَذْكُورَ فَإِنَّ هَذَا الْوَهْمَ غَلَطٌ وَاللَّهُ أَعْلَمُ

(بَابُ طَهَارَةِ جُلُودِ الْمَيْتَةِ بِالدِّبَاغِ)
فِيهِ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الشَّاةِ الْمَيِّتَةِ (هَلَّا أَخَذْتُمْ إهَابَهَا فَدَبَغْتُمُوهُ فَانْتَفَعْتُمْ بِهِ فَقَالُوا إِنَّهَا مَيْتَةٌ

(4/51)


فَقَالَ إِنَّمَا حَرُمَ أَكْلُهَا وَفِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى (هَلَّا انْتَفَعْتُمْ بِجِلْدِهَا قَالُوا إِنَّهَا مَيْتَةٌ فَقَالَ إِنَّمَا حَرُمَ أَكْلُهَا) وَفِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى (أَلَا أَخَذْتُمْ إهَابَهَا فَاسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ) وَفِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى (ألا انتفعتم

(4/52)


بِإِهَابِهَا) وَفِي الْحَدِيثِ الْآخَرِ (إِذَا دُبِغَ الْإِهَابُ فقد طهر) وفي الرواية الاخرى (عن بن وعلة قال سألت بن عَبَّاسٍ قُلْتُ إِنَّا نَكُونُ بِالْمَغْرِبِ فَيَأْتِينَا الْمَجُوسُ بِالْأَسْقِيَةِ فِيهَا الْمَاءُ وَالْوَدَكُ فَقَالَ اشْرَبْ فَقُلْتُ

(4/53)


أرأي تراه فقال بن عَبَّاسٍ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ دِبَاغُهُ طَهُورُهُ) اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي دِبَاغِ جُلُودِ الْمَيْتَةِ وَطَهَارَتِهَا بِالدِّبَاغِ عَلَى سَبْعَةِ مَذَاهِبَ أَحَدُهَا مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ أَنَّهُ يَطْهُرُ بِالدِّبَاغِ جَمِيعُ جُلُودِ الْمَيْتَةِ إِلَّا الْكَلْبَ وَالْخِنْزِيرَ وَالْمُتَوَلِّدَ مِنْ أَحَدِهِمَا وَغَيْرِهِ وَيَطْهُرُ بِالدِّبَاغِ ظَاهِرُ الْجِلْدِ وَبَاطِنِهِ وَيَجُوزُ اسْتِعْمَالُهُ فِي الْأَشْيَاءِ الْمَائِعَةِ وَالْيَابِسَةِ وَلَا فَرْقَ بَيْنَ مَأْكُولِ اللَّحْمِ وَغَيْرِهِ وَرُوِيَ هَذَا الْمَذْهَبُ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا والمذهب الثاني لايطهر شَيْءٌ مِنَ الْجُلُودِ بِالدِّبَاغِ وَرُوِيَ هَذَا عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ وَابْنِهِ عَبْدِ اللَّهِ وَعَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَهُوَ أَشْهَرُ الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ أَحْمَدَ وَإِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ مَالِكٍ وَالْمَذْهَبُ الثَّالِثُ يَطْهُرُ بِالدِّبَاغِ جِلْدُ مَأْكُولِ اللَّحْمِ وَلَا يَطْهُرُ غيره وهومذهب الاوزاعي وبن الْمُبَارَكِ وَأَبِي ثَوْرٍ وَإِسْحَاقَ بْنِ رَاهَوَيْهِ وَالْمَذْهَبُ الرَّابِعُ يَطْهُرُ جُلُودُ جَمِيعِ الْمَيْتَاتِ إِلَّا الْخِنْزِيرَ وَهُوَ مَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ وَالْمَذْهَبُ الْخَامِسُ يَطْهُرُ الْجَمِيعُ إِلَّا أَنَّهُ يَطْهُرُ ظَاهِرُهُ دُونَ بَاطِنِهِ وَيُسْتَعْمَلُ فِي الْيَابِسَاتِ دُونَ الْمَائِعَاتِ وَيُصَلَّى عَلَيْهِ لافيه وَهَذَا مَذْهَبُ مَالِكٍ الْمَشْهُورُ فِي حِكَايَةِ أَصْحَابِهِ عَنْهُ وَالْمَذْهَبُ السَّادِسُ يَطْهُرُ الْجَمِيعُ وَالْكَلْبُ وَالْخِنْزِيرُ ظَاهِرًا وَبَاطِنًا وَهُوَ مَذْهَبُ دَاوُدَ وَأَهْلِ الظَّاهِرِ وَحُكِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ وَالْمَذْهَبُ السَّابِعُ أَنَّهُ ينتفع بجلود الميتة وان لم تدبغ ويجوزاستعمالها فِي الْمَائِعَاتِ وَالْيَابِسَاتِ وَهُوَ مَذْهَبُ الزُّهْرِيِّ وَهُوَ وَجْهٌ شَاذٌّ لِبَعْضِ أَصْحَابِنَا لَا تَفْرِيعَ عَلَيْهِ وَلَا الْتِفَاتَ إِلَيْهِ وَاحْتَجَّتْ كُلُّ طَائِفَةٍ مِنَ أَصْحَابِ هَذِهِ الْمَذَاهِبِ بِأَحَادِيثَ وَغَيْرِهَا وَأَجَابَ بَعْضُهُمْ عَنْ دَلِيلِ بَعْضٍ وَقَدْ أوْضَحْتُ دَلَائِلَهُمْ فِي أَوْرَاقٍ مِنْ شَرْحِ الْمُهَذَّبِ وَالْغَرَضُ هُنَا بَيَانُ الاحكام والاستنباط من الحديث وفي حديث بن وعلة عن بن عَبَّاسٍ دَلَالَةٌ لِمَذْهَبِ الْأَكْثَرِينَ أَنَّهُ يَطْهُرُ ظَاهِرُهُ وَبَاطِنُهُ فَيَجُوزُ اسْتِعْمَالُهُ فِي الْمَائِعَاتِ فَإِنَّ جُلُودَ مَا ذَكَّاهُ الْمَجُوسُ نَجِسَةٌ وَقَدْ نُصَّ عَلَى طَهَارَتِهَا بِالدِّبَاغِ وَاسْتِعْمَالِهَا فِي الْمَاءِ وَالْوَدَكِ وَقَدْ يَحْتَجُّ الزُّهْرِيُّ بِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَلَا انْتَفَعْتُمْ بِإِهَابِهَا وَلَمْ يَذْكُرْ دِبَاغَهَا وَيُجَابُ عَنْهُ بِأَنَّهُ مُطْلَقٌ وَجَاءَتِ الرِّوَايَاتُ الْبَاقِيَةُ بِبَيَانِ الدِّبَاغِ وَأَنَّ دِبَاغَهُ طَهُورُهُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَاخْتَلَفَ أَهْلُ اللُّغَةِ فِي الْإِهَابِ فَقِيلَ هُوَ الْجِلْدُ مُطْلَقًا وَقِيلَ هُوَ الْجِلْدُ قَبْلَ الدِّبَاغِ فَأَمَّا بَعْدَهُ فَلَا يُسَمَّى إِهَابًا وَجَمْعُهُ أَهَبٌ بِفَتْحِ الهمزة والهاء وبضمهما لغتان ويقال طَهَرَ الشَّيْءُ وَطَهُرَ بِفَتْحِ الْهَاءِ وَضَمِّهَا لُغَتَانِ والفتح أفصح والله أعلم

(4/54)


(

فصل)
يَجُوزُ الدِّبَاغُ بِكُلِّ شَيْءٍ يُنَشِّفُ فَضَلَاتِ الْجِلْدِ وَيُطَيِّبُهُ وَيَمْنَعُ مِنْ وُرُودِ الْفَسَادِ عَلَيْهِ وَذَلِكَ كَالشَّتِّ وَالشَّبِّ وَالْقَرْظِ وَقُشُورِ الرُّمَّانِ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ مِنَ الْأَدْوِيَةِ الطَّاهِرَةِ وَلَا يَحْصُلُ بِالتَّشْمِيسِ عِنْدَنَا وَقَالَ أَصْحَابُ أَبِي حَنِيفَةَ يَحْصُلُ وَلَا يَحْصُلُ عِنْدَنَا بِالتُّرَابِ وَالرَّمَادِ وَالْمِلْحِ عَلَى الْأَصَحِّ فِي الْجَمِيعِ وَهَلْ يَحْصُلُ بِالْأَدْوِيَةِ النَّجِسَةِ كَذَرْقِ الْحَمَامِ وَالشَّبِّ الْمُتَنَجِّسِ فِيهِ وَجْهَانِ أَصَحُّهُمَا عِنْدَ الْأَصْحَابِ حُصُولُهُ وَيَجِبُ غَسْلُهُ بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنَ الدِّبَاغِ بِلَا خِلَافٍ وَلَوْ كَانَ دَبْغُهُ بِطَاهِرٍ فَهَلْ يَحْتَاجُ إِلَى غَسْلِهِ بَعْدَ الْفَرَاغِ فِيهِ وَجْهَانِ وَهَلْ يُحْتَاجُ إِلَى اسْتِعْمَالِ الْمَاءِ فِي أَوَّلِ الدِّبَاغِ فِيهِ وَجْهَانِ قَالَ أَصْحَابُنَا وَلَا يَفْتَقِرُ الدِّبَاغُ إِلَى فِعْلِ فَاعِلٍ فَلَوْ أطَارَتِ الرِّيحُ جِلْدَ مَيْتَةٍ فَوَقَعَ فِي مَدْبَغِهِ طَهُرَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَإِذَا طَهُرَ بِالدِّبَاغِ جَازَ الِانْتِفَاعُ بِهِ بِلَا خِلَافٍ وَهَلْ يَجُوزُ بَيْعُهُ فِيهِ قَوْلَانِ لِلشَّافِعِيِّ أَصَحُّهُمَا يَجُوزُ وَهَلْ يَجُوزُ أَكْلُهُ فِيهِ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ أَوْ أقْوَالٍ أَصَحُّهَا لَا يَجُوزُ بِحَالٍ وَالثَّانِي يَجُوزُ وَالثَّالِثُ يَجُوزُ أَكْلُ جِلْدِ مَأْكُولِ اللَّحْمِ وَلَا يَجُوزُ غَيْرُهُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَإِذَا طَهُرَ الْجِلْدُ بِالدِّبَاغِ فَهَلْ يَطْهُرُ الشَّعْرُ الَّذِي عَلَيْهِ تَبَعًا لِلْجِلْدِ إِذَا قُلْنَا بِالْمُخْتَارِ فِي مَذْهَبِنَا إِنَّ شَعْرَ الْمَيْتَةِ نَجِسٌ فيه قولان للشافعي أصحهما واشهرهما لايطهر لأن الدباغ لايؤثر فِيهِ بِخِلَافِ الْجِلْدِ قَالَ أَصْحَابُنَا لَا يَجُوزُ اسْتِعْمَالُ جِلْدِ الْمَيْتَةِ قَبْلَ الدِّبَاغِ فِي الْأَشْيَاءِ الرَّطْبَةِ وَيَجُوزُ فِي الْيَابِسَاتِ مَعَ كَرَاهَتِهِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (إِنَّمَا حَرُمَ أَكْلُهَا) رُوِّينَاهُ عَلَى وَجْهَيْنِ حَرُمَ بِفَتْحِ الحاء وضم الراء وحرم بِضَمِّ الْحَاءِ وَكَسْرِ الرَّاءِ الْمُشَدَّدَةِ فِي هَذَا اللَّفْظِ دَلَالَةٌ عَلَى تَحْرِيمِ أَكْلِ جِلْدِ الْمَيْتَةِ وَهُوَ الصَّحِيحُ كَمَا قَدَّمْتُهُ وَلِلْقَائِلِ الْآخَرِ أَنْ يَقُولَ الْمُرَادُ تَحْرِيمُ لَحْمِهَا وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ (قال ابو بكر وبن أَبِي عُمَرَ فِي حَدِيثِهِمَا عَنْ مَيْمُونَةَ) يَعْنِي انهما ذكرا في روايتهما ان بن عَبَّاسٍ رَوَاهُ عَنْ مَيْمُونَةَ قَوْلُهُ (إِنَّ دَاجِنَةَ كَانَتْ) هِيَ بِالدَّالِ الْمُهْمَلَةِ وَالْجِيمِ وَالنُّونِ قَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ وَدَاجِنُ الْبُيُوتِ مَا أَلِفَهَا مِنَ الطَّيْرِ وَالشَّاةِ وَغَيْرِهِمَا وَقَدْ دَجَنَ فِي بَيْتِهِ إِذَا أَلْزَمَهُ وَالْمُرَادُ بِالدَّاجِنَةِ هُنَا الشَّاةُ قَوْلُهُ (عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ وَعْلَةَ السَّبَئِيُّ) هُوَ بِفَتْحِ الْوَاوِ وَإِسْكَانِ الْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ وَالسَّبَئِيُّ بِفَتْحِ السِّينِ الْمُهْمَلَةِ وَبَعْدَهَا الْبَاءُ الْمُوَحَّدَةُ ثُمَّ الْهَمْزَةُ ثُمَّ يَاءُ النَّسَبِ قَوْلُهُ بِمِثْلِهِ يَعْنِي حَدِيثَ يَحْيَى بْنِ يَحْيَى هَكَذَا هُوَ فِي الْأُصُولِ يَعْنِي بِالْيَاءِ الْمُثَنَّاةِ مِنْ تَحْتِ وَلَعَلَّهُ مِنْ كَلَامِ الرَّاوِي عَنْ مُسْلِمٍ وَلَوْ رُوِيَ بِالنُّونِ فِي أَوَّلِهِ عَلَى أَنَّهُ مِنْ كَلَامِ مُسْلِمٍ لَكَانَ حَسَنًا وَلَكِنْ لَمْ يُرْوَ قَوْلُهُ (إِنَّ أَبَا الْخَيْرِ) هُوَ بِالْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ وَاسْمُهُ مَرْثَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْيَزَنِيُّ بِفَتْحِ الْيَاءِ وَالزَّايِ وَقَوْلُهُ

(4/55)


(يَأْتُونَا بِالسِّقَاءِ يَجْعَلُونَ فِيهِ الْوَدَكَ) هَكَذَا هُوَ فِي الْأُصُولِ بِبِلَادِنَا يَجْعَلُونَ بِالْعَيْنِ بَعْدَ الْجِيمِ وَكَذَا نَقَلَهُ الْقَاضِي عِيَاضٌ عَنْ أكْثَرِ الرُّوَاةِ قَالَ وَرَوَاهُ بَعْضُهُمْ يَجْمُلُونَ بِالْمِيمِ وَمَعْنَاهُ يُذِيبُونَ يُقَالُ بِفَتْحِ الْيَاءِ وَضَمِّهَا لُغَتَانِ يُقَالُ جَمَلْتَ الشَّحْمَ وَأَجْمَلْتَهُ أَذَبْتَهُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ (رَأَيْتُ على بن وَعْلَةَ السَّبَئِيَّ فَرْوًا) هَكَذَا هُوَ فِي النُّسَخِ فروا وهوالصحيح الْمَشْهُورُ فِي اللُّغَةِ وَجَمْعُ الْفَرْوِ فِرَاءٌ كَكَعْبٍ وَكِعَابٍ وَفِيهِ لُغَةٌ قَلِيلَةٌ أَنَّهُ يُقَالُ فَرْوَةٌ بالهاء كما يقولها العامة حكاها بن فَارِسٍ فِي الْمُجْمَلِ وَالزُّبَيْدِيُّ فِي مُخْتَصَرِ الْعَيْنِ قَوْلُهُ (فَمَسِسْتُهُ) هُوَ بِكَسْرِ السِّينِ الْأُولَى عَلَى الْأَخِيرَةِ الْمَشْهُورَةِ وَفِي لُغَةٍ قَلِيلَةٍ بِفَتْحِهَا فَعَلَى الْأَوَّلِ الْمُضَارِعِ يَمَسُّهُ بِفَتْحِ الْمِيمِ وَعَلَى الثَّانِيَةِ بِضَمِّهَا وَاللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ

(بَابُ التَّيَمُّمِ)
التَّيَمُّمُ فِي اللُّغَةِ هُوَ الْقَصْدُ قَالَ الْإِمَامُ أَبُو مَنْصُورٍ الْأَزْهَرِيُّ التَّيَمُّمُ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ الْقَصْدُ يُقَالُ تَيَمَّمْتُ فُلَانًا وَيَمَّمْتُهُ وَتَأَمَّمْتُهُ وَأَمَمْتُهُ أَيْ قَصَدْتُهُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَاعْلَمْ أَنَّ التَّيَمُّمَ ثَابِتٌ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَإِجْمَاعِ الْأُمَّةِ وَهُوَ خِصِّيصَةٌ خَصَّ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى بِهِ هَذِهِ الْأُمَّةَ زَادَهَا اللَّهُ تَعَالَى شَرَفًا وَأَجْمَعَتِ الْأُمَّةُ عَلَى أَنَّ التَّيَمُّمَ لَا يَكُونُ إِلَّا فِي الْوَجْهِ واليدين سواء كان عن حدث أصغر أوأكبر وَسَوَاءٌ تَيَمَّمَ عَنِ الْأَعْضَاءِ كُلِّهَا أَوْ بَعْضِهَا وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي كَيْفِيَّةِ التَّيَمُّمِ فَمَذْهَبُنَا وَمَذْهَبُ الْأَكْثَرِينَ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ ضَرْبَتَيْنِ ضَرْبَةٍ لِلْوَجْهِ وَضَرْبَةٍ لِلْيَدَيْنِ إِلَى الْمِرْفِقَيْنِ وَمِمَّنْ قَالَ بِهَذَا مِنَ الْعُلَمَاءِ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ وَالْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ وَالشَّعْبِيُّ وَسَالِمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ وَسُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ وَمَالِكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ وَآخَرُونَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَجْمَعِينَ وَذَهَبَتْ طَائِفَةٌ إِلَى أَنَّ الْوَاجِبَ ضَرْبَةٌ وَاحِدَةٌ لِلْوَجْهِ وَالْكَفَّيْنِ وَهُوَ مَذْهَبُ عَطَاءٍ وَمَكْحُولٍ وَالْأَوْزَاعِيِّ وَأَحْمَدَ واسحاق وبن الْمُنْذِرِ وَعَامَّةِ أَصْحَابِ الْحَدِيثِ وَحُكِيَ عَنِ الزُّهْرِيِّ أَنَّهُ يَجِبُ مَسْحُ الْيَدَيْنِ إِلَى الْإِبْطَيْنِ هَكَذَا حَكَاهُ عَنْهُ أَصْحَابُنَا فِي كُتُبِ الْمَذْهَبِ وَقَدْ قَالَ الْإِمَامُ أَبُو سُلَيْمَانَ الْخَطَّابِيُّ لَمْ يَخْتَلِفْ أحد من العلماء في انه لايلزم مسح ماوراء المرفقين وحكى أصحابنا ايضا عن بن سِيرِينَ أَنَّهُ قَالَ لَا يُجْزِيهِ أَقَلُّ مِنْ ثَلَاثِ ضَرَبَاتٍ ضَرْبَةٍ

(4/56)


لِلْوَجْهِ وَضَرْبَةٍ ثَانِيَةٍ لِكَفَّيْهِ وَثَالِثَةٍ لِذِرَاعَيْهِ وَأَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ عَلَى جَوَازِ التَّيَمُّمِ عَنِ الْحَدَثِ الْأَصْغَرِ وَكَذَلِكَ أَجْمَعَ أَهْلُ هَذِهِ الْأَعْصَارِ وَمَنْ قَبْلَهُمْ عَلَى جَوَازِهِ لِلْجُنُبِ وَالْحَائِضِ وَالنُّفَسَاءِ وَلَمْ يُخَالِفْ فِيهِ أَحَدٌ مِنَ الْخَلَفِ وَلَا أَحَدٌ مِنَ السَّلَفِ إِلَّا مَا جَاءَ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا وَحُكِيَ مِثْلُهُ عَنْ إِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ الْإِمَامِ التَّابِعِيِّ وَقِيلَ إِنَّ عُمَرَ وَعَبْدَ اللَّهِ رَجَعَا عَنْهُ وَقَدْ جَاءَتْ بِجَوَازِهِ لِلْجُنُبِ الْأَحَادِيثُ الصَّحِيحَةُ الْمَشْهُورَةُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَإِذَا صَلَّى الْجُنُبُ بِالتَّيَمُّمِ ثُمَّ وَجَدَ الْمَاءَ وَجَبَ عَلَيْهِ الِاغْتِسَالُ بِإِجْمَاعِ الْعُلَمَاءِ إِلَّا مَا حُكِيَ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْإِمَامِ التَّابِعِيِّ أَنَّهُ قَالَ لَا يَلْزَمُهُ وَهُوَ مَذْهَبٌ مَتْرُوكٌ بِإِجْمَاعِ مَنْ قَبْلَهُ وَمَنْ بَعْدَهُ وَبِالْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ الْمَشْهُورَةِ فِي أَمْرِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلْجُنُبِ بِغَسْلِ بَدَنِهِ إِذَا وَجَدَ الْمَاءَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَيَجُوزُ لِلْمُسَافِرِ وَالْمُعْزِبِ فِي الْإِبِلِ وَغَيْرِهِمَا أَنْ يُجَامِعَ زَوْجَتَهُ وَإِنْ كَانَا عَادِمَيْنِ لِلْمَاءِ وَيَغْسِلَانِ فَرْجَيْهِمَا وَيَتَيَمَّمَانِ وَيُصَلِّيَانِ وَيَجْزِيهِمَا التَّيَمُّمُ وَلَا إِعَادَةَ عَلَيْهِمَا إِذَا غَسَلَا فَرْجَيْهِمَا فَإِنْ لَمْ يَغْسِلِ الرَّجُلُ ذَكَرَهُ وَمَا أَصَابَهُ مِنَ الْمَرْأَةِ وَصَلَّى بِالتَّيَمُّمِ عَلَى حَالِهِ فَإِنْ قُلْنَا إِنَّ رُطُوبَةَ فَرْجِ الْمَرْأَةِ نَجِسَةٌ لَزِمَهُ إِعَادَةُ الصَّلَاةِ وَإِلَّا فَلَا يَلْزَمُهُ الْإِعَادَةُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَأَمَّا إِذَا كَانَ عَلَى بَعْضِ أَعْضَاءِ الْمُحْدِثِ نَجَاسَةٌ فَأَرَادَ التَّيَمُّمَ بَدَلًا عَنْهَا فَمَذْهَبُنَا وَمَذْهَبُ جُمْهُورِ الْعُلَمَاءِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ وَقَالَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى يَجُوزُ أَنْ يَتَيَمَّمَ إِذَا كَانَتِ النَّجَاسَةُ عَلَى بَدَنِهِ وَلَمْ يَجُزِ إِذَا كَانَتْ عَلَى ثَوْبِهِ وَاخْتَلَفَ أَصْحَابُهُ فِي وُجُوبِ إِعَادَةِ هذه الصلاة وقال بن الْمُنْذِرِ كَانَ الثَّوْرِيُّ وَالْأَوْزَاعِيُّ وَأَبُو ثَوْرٍ يَقُولُونَ يَمْسَحُ مَوْضِعَ النَّجَاسَةِ بِتُرَابٍ وَيُصَلِّي وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَأَمَّا إِعَادَةُ الصَّلَاةِ الَّتِي يَفْعَلُهَا بِالتَّيَمُّمِ فَمَذْهَبُنَا أنه لايعيد إِذَا تَيَمَّمَ لِلْمَرَضِ أَوِ الْجِرَاحَةِ وَنَحْوهِمَا وَأَمَّا إِذَا تَيَمَّمَ لِلْعَجْزِ عَنِ الْمَاءِ فَإِنْ كَانَ فِي مَوْضِعٍ يُعْدَمُ فِيهِ الْمَاءُ غَالِبًا كَالسَّفَرِ لَمْ تَجِبُ الْإِعَادَةُ وَإِنْ كَانَ فِي مَوْضِعٍ لَا يَعْدَمُ فِيهِ الْمَاءَ إِلَّا نَادِرًا وَجَبَتِ الْإِعَادَةُ عَلَى الْمَذْهَبِ الصَّحِيحِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَأَمَّا جِنْسُ مَا يُتَيَمَّمُ بِهِ فَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِيهِ فذهب الشافعي وأحمد وبن الْمُنْذِرِ وَدَاوُدُ الظَّاهِرِيُّ وَأَكْثَرُ الْفُقَهَاءِ إِلَى أَنَّهُ لايجوز التَّيَمُّمُ إِلَّا بِتُرَابٍ طَاهِرٍ لَهُ غُبَارٌ يَعْلَقُ بِالْعُضْوِ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَمَالِكٌ يَجُوزُ التَّيَمُّمُ بِجَمِيعِ أَنْوَاعِ الْأَرْضِ حَتَّى بِالصَّخْرَةِ الْمَغْسُولَةِ وَزَادَ بَعْضُ أَصْحَابِ مَالِكٍ فَجَوَّزَهُ بِكُلِّ مَا اتَّصَلَ بِالْأَرْضِ مِنَ الْخَشَبِ وَغَيْرِهِ وَعَنْ مَالِكٍ فِي الثَّلْجِ رِوَايَتَانِ وَذَهَبَ الْأَوْزَاعِيُّ وَسُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ إِلَى أَنَّهُ يَجُوزُ بِالثَّلْجِ وَكُلِّ مَا عَلَى الْأَرْضِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَأَمَّا حُكْمُ التَّيَمُّمِ فَمَذْهَبُنَا وَمَذْهَبُ الاكثرين أنه لايرفع الْحَدَثَ بَلْ يُبِيحُ الصَّلَاةَ

(4/57)


فيستبيح به فريضة وماشاء من النوافل ولايجمع بَيْنَ فَرِيضَتَيْنِ بِتَيَمُّمٍ وَاحِدٍ وَإِنْ نَوَى بِتَيَمُّمِهِ الْفَرْضَ اسْتَبَاحَ الْفَرِيضَةَ وَالنَّافِلَةَ وَإِنْ نَوَى النَّفْلَ اسْتَبَاحَ النَّفْلَ وَلَمْ يَسْتَبِحْ بِهِ الْفَرْضَ وَلَهُ أَنْ يُصَلِّيَ عَلَى جَنَائِزَ بِتَيَمُّمٍ وَاحِدٍ وَلَهُ أَنْ يُصَلِّيَ بِالتَّيَمُّمِ الْوَاحِدِ فَرِيضَةً وَجَنَائِزَ وَلَا يَتَيَمَّمُ قَبْلَ دُخُولِ وَقْتِهَا وَإِذَا رَأَى الْمُتَيَمِّمُ لِفَقْدِ الْمَاءِ مَاءً وَهُوَ فِي الصَّلَاةِ لَمْ تَبْطُلْ صَلَاتُهُ بَلْ لَهُ أَنْ يُتِمَّهَا إِلَّا إِذَا كَانَ مِمَّنْ تَلْزَمُهُ الْإِعَادَةُ فَإِنَّ صَلَاتَهُ تَبْطُلُ بِرُؤْيَةِ الْمَاءِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ (عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في بَعْضِ أَسْفَارِهِ) فِيهِ جَوَازُ مُسَافَرَةِ الزَّوْجِ بِزَوْجَتِهِ الْحُرَّةِ قَوْلُهَا (حَتَّى إِذَا كَانَ بِالْبَيْدَاءِ أَوْ بِذَاتِ الْجَيْشِ انْقَطَعَ عِقْدٌ لِي فَأَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى الْتِمَاسِهِ وَأَقَامَ النَّاسُ مَعَهُ وَلَيْسَ مَعَهُمْ مَاءٌ وَلَيْسُوا عَلَى مَاءٍ) وَفِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى

(4/58)


(عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهَا اسْتَعَارَتْ مِنْ أَسْمَاءَ قِلَادَةً فَهَلَكَتْ) أَمَّا الْبَيْدَاءُ فَبِفَتْحِ الْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ فِي أَوَّلِهَا وَبِالْمَدِّ وَأَمَّا ذَاتُ الْجَيْشِ فَبِفَتْحِ الْجِيمِ وَإِسْكَانِ الْيَاءِ وَبِالشِّينِ الْمُعْجَمَةِ وَالْبَيْدَاءُ وَذَاتُ الْجَيْشِ مَوْضِعَانِ بَيْنَ الْمَدِينَةِ وَخَيْبَرَ وَأَمَّا الْعِقْدُ فَهُوَ بِكَسْرِ الْعَيْنِ وَهُوَ كُلُّ مَا يُعْقَدُ وَيُعَلَّقُ في العنق فيسمى عقدا أو قلاده وَأَمَّا قَوْلُهَا عِقْدٌ لِي وَفِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى اسْتَعَارَتْ مِنَ أَسْمَاءَ قِلَادَةً فَلَا مُخَالَفَةَ بَيْنَهُمَا فَهُوَ فِي الْحَقِيقَةِ مِلْكٌ لِأَسْمَاءَ وَأَضَافَتْهُ فِي الرِّوَايَةِ إِلَى نَفْسِهَا لِكَوْنِهِ فِي يَدِهَا وَقَوْلُهَا فَهَلَكَتْ مَعْنَاهُ ضَاعَتْ وَفِي هَذَا الْفَصْلِ مِنَ الْحَدِيثِ فَوَائِدُ مِنْهَا جَوَازُ الْعَارِيَةِ وَجَوَازُ عَارِيَةِ الْحُلِيِّ وَجَوَازُ الْمُسَافَرَةِ بِالْعَارِيَةِ إِذَا كَانَ بِإِذْنِ الْمُعِيرِ وَجَوَازُ اتِّخَاذِ النِّسَاءِ الْقَلَائِدَ وَفِيهِ الِاعْتِنَاءُ بِحِفْظِ حُقُوقِ الْمُسْلِمِينَ وَأَمْوَالِهِمْ وَإِنْ قَلَّتْ وَلِهَذَا أَقَامَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى الْتِمَاسِهِ وَجَوَازِ الْإِقَامَةِ فِي مَوْضِعٍ لَا مَاءَ فِيهِ وَإِنْ احْتَاجَ إِلَى التَّيَمُّمِ وَفِيهِ غَيْرُ ذَلِكَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهَا (فَعَاتَبَنِي أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَقَالَ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَقُولَ وَجَعَلَ يَطْعُنُ بِيَدِهِ فِي خَاصِرَتِي) فيه تَأْدِيبِ الرَّجُلِ وَلَدَهُ بِالْقَوْلِ وَالْفِعْلِ وَالضَّرْبِ وَنَحْوِهِ وَفِيهِ تَأْدِيبُ الرَّجُلِ ابْنَتَهُ وَإِنْ كَانَتْ كَبِيرَةً مُزَوَّجَةً خَارِجَةً عَنْ بَيْتِهِ وَقَوْلُهَا يَطْعُنُ هُوَ بِضَمِّ الْعَيْنِ وَحُكِيَ فَتْحِهَا وَفِي الطَّعْنِ فِي الْمَعَانِي عَكْسُهُ قَوْلُهُ (فَقَالَ أُسَيْدُ بْنُ حُضَيْرٍ) هُوَ بِضَمِّ الْهَمْزَةِ وَفَتْحِ السِّينِ وَحُضَيْرٌ بِضَمِّ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَفَتْحِ الضَّادِ الْمُعْجَمَةِ وَهَذَا وَإِنْ كَانَ ظَاهِرًا فَلَا يَضُرُّ بَيَانُهُ لِمَنْ لَا يَعْرِفُهُ قَوْلُهَا (فَبَعَثْنَا الْبَعِيرَ الَّذِي كُنْتُ عَلَيْهِ فَوَجَدْنَا الْعِقْدَ تَحْتَهَ) كَذَا وَقَعَ هُنَا وَفِي رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ فَبَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجُلًا فَوَجَدَهَا وَفِي رِوَايَةٍ رَجُلَيْنِ وَفِي رِوَايَةٍ نَاسًا وَهِيَ قَضِيَّةٌ وَاحِدَةٌ قَالَ الْعُلَمَاءُ الْمَبْعُوثُ هُوَ أُسَيْدُ بْنُ حُضَيْرٍ وَأَتْبَاعٌ لَهُ فَذَهَبُوا فَلَمْ يَجِدُوا شَيْئًا ثُمَّ وَجَدَهَا أُسَيْدُ بَعْدَ رُجُوعِهِ تَحْتَ الْبَعِيرِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قوله (فصلوابغير وُضُوءٍ) فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ مَنْ عَدِمَ الْمَاءَ وَالتُّرَابَ يُصَلِّي عَلَى حَالِهِ وَهَذِهِ

(4/59)


الْمَسْأَلَةُ فِيهَا خِلَافٌ لِلسَّلَفِ وَالْخَلَفِ وَهِيَ أَرْبَعَةُ أَقْوَالٍ لِلشَّافِعِيِّ أَصَحُّهَا عِنْدَ أَصْحَابِنَا أَنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يُصَلِّيَ وَيَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يُعِيدَ الصَّلَاةَ أَمَّا الصَّلَاةُ فَلِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَإِذَا أَمَرْتُكُمْ بِأَمْرٍ فَأْتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ وَأَمَّا الْإِعَادَةُ فَلِأَنَّهُ عُذْرٌ نَادِرٌ فَصَارَ كَمَا لَوْ نَسِيَ عُضْوًا مِنَ أَعْضَاءِ طَهَارَتِهِ وَصَلَّى فَإِنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ الْإِعَادَةُ وَالْقَوْلُ الثَّانِي لَا يَجِبُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَلَكِنْ يُسْتَحَبُّ وَيَجِبُ الْقَضَاءُ سَوَاءٌ صَلَّى أَمْ لَمْ يُصَلِّ وَالثَّالِثُ يَحْرُمُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ لِكَوْنِهِ مُحْدِثًا وَيَجِبُ الْإِعَادَةُ وَالرَّابِعُ يَجِبُ الصَّلَاةُ وَلَا يَجِبُ الْإِعَادَةُ وَهَذَا مَذْهَبُ الْمُزَنِيِّ وَهُوَ أَقْوَى الْأَقْوَالِ دَلِيلًا وَيُعَضِّدهُ هَذَا الْحَدِيثُ وَأَشْبَاهُهُ فَإِنَّهُ لَمْ يُنْقَلْ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِيجَابَ إِعَادَةِ مِثْلِ هَذِهِ الصَّلَاةِ وَالْمُخْتَارُ أَنَّ الْقَضَاءَ إِنَّمَا يَجِبُ بِأَمْرٍ جَدِيدٍ وَلَمْ يَثْبُتِ الْأَمْرُ فَلَا يَجِبُ وَهَكَذَا يَقُولُ الْمُزَنِيُّ فِي كُلِّ صَلَاةٍ وَجَبَتْ فِي الْوَقْتِ عَلَى نَوْعٍ مِنَ الْخَلَلِ لَا تَجِبُ إِعَادَتُهَا وَلِلْقَائِلِينَ بِوُجُوبِ الْإِعَادَةِ أَنْ يُجِيبُوا عَنْ هَذَا الْحَدِيثِ بِأَنَّ الْإِعَادَةَ لَيْسَتْ عَلَى الْفَوْرِ وَيَجُوزُ تَأْخِيرُ الْبَيَانِ إِلَى وَقْتِ الْحَاجَةِ عَلَى الْمُخْتَارِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ تَعَالَى فتيمموا صعيدا طيبا اخْتُلِفَ فِي الصَّعِيدِ عَلَى مَا قَدَّمْنَاهُ فِي أَوَّلِ الْبَابِ فَالْأَكْثَرُونَ عَلَى أَنَّهُ هُنَا التُّرَابُ وَقَالَ الْآخَرُونَ هُوَ جَمِيعُ مَا صَعِدَ عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ وَأَمَّا الطَّيِّبُ فَالْأَكْثَرُونَ عَلَى أَنَّهُ الطَّاهِرُ وَقِيلَ الْحَلَالُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَاحْتَجَّ أَصْحَابُنَا بِهَذِهِ الْآيَةِ عَلَى أَنَّ الْقَصْدَ إِلَى الصَّعِيدِ وَاجِبٌ قَالُوا فَلَوْ أَلْقَتِ الرِّيحُ عَلَيْهِ تُرَابًا فمسح به وجهه لم يجزئه بل لابد مِنْ نَقْلِهِ مِنَ الْأَرْضِ أَوْ غَيْرِهَا

(4/60)


وَفِي الْمَسْأَلَةِ فُرُوعٌ كَثِيرَةٌ مَشْهُورَةٌ فِي كُتُبِ الْفِقْهِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ (لَأَوْشَكَ إِذَا بَرَدَ عَلَيْهِمُ الْمَاءُ أَنْ يَتَيَمَّمُوا) مَعْنَى أَوْشَكَ قَرُبَ وَأَسْرَعَ وَقَدْ زَعَمَ بَعْضُ أَهْلِ اللُّغَةِ أَنَّهُ لَا يُقَالُ أَوْشَكَ وَإِنَّمَا يُسْتَعْمَلُ مُضَارِعًا فَيُقَالُ يُوشِكُ كَذَا وَلَيْسَ كَمَا زَعَمَ هَذَا الْقَائِلُ بَلْ يُقَالُ أَوْشَكَ أَيْضًا وَمِمَّا يَدُلُّ عَلَيْهِ هَذَا الْحَدِيثُ مَعَ أَحَادِيثَ كَثِيرَةٍ فِي الصَّحِيحِ مِثْلِهِ وَقَوْلُهُ بَرَدَ هُوَ بِفَتْحِ الْبَاءِ وَالرَّاءِ وَقَالَ الْجَوْهَرِيُّ بَرُدَ بِضَمِّ الرَّاءِ وَالْمَشْهُورُ الْفَتْحُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّمَا كَانَ يَكْفِيكَ أَنْ تَقُولَ كَذَا) وَضَرَبَ بِيَدَيْهِ إِلَى الْأَرْضِ فَنَفَضَ يَدَيْهِ فَمَسَحَ وَجْهَهُ وَكَفَّيْهِ فِيهِ دَلَالَةٌ لِمَذْهَبِ مَنْ يَقُولُ يَكْفِي ضَرْبَةٌ وَاحِدَةٌ لِلْوَجْهِ وَالْكَفَّيْنِ جَمِيعًا وَلِلْآخَرِينَ أَنْ يُجِيبُوا عَنْهُ بِأَنَّ الْمُرَادَ هُنَا صُورَةُ الضَّرْبِ لِلتَّعْلِيمِ وَلَيْسَ الْمُرَادُ بَيَانَ جَمِيعِ مَا يَحْصُلُ بِهِ التَّيَمُّمُ وَقَدْ أَوْجَبَ اللَّهُ تَعَالَى غَسْلَ الْيَدَيْنِ إِلَى الْمَرْفِقَيْنِ فِي الْوُضُوءِ ثُمَّ قَالَ تعالى في التيمم فامسحوا بوجوهكم وأيديكم وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْيَدَ الْمُطْلَقَةَ هُنَا هِيَ الْمُقَيَّدَةُ فِي الْوُضُوءِ فِي أَوَّلِ الْآيَةِ فَلَا يُتْرَكُ هَذَا الظَّاهِرُ إِلَّا بِصَرِيحٍ وَاللَّهُ أَعْلَمُ

(4/61)


وَقَوْلُهُ فَنَفَضَ يَدَهُ قَدِ احْتَجَّ بِهِ مَنْ جوز التيمم بالحجارة وما لاغبار عليه قالوا اذا لَوْ كَانَ الْغُبَارُ مُعْتَبَرًا لَمْ يَنْفُضِ الْيَدَ وَأَجَابَ الْآخَرُونَ بِأَنَّ الْمُرَادَ بِالنَّفْضِ هُنَا تَخْفِيفُ الْغُبَارِ الْكَثِيرِ فَإِنَّهُ يُسْتَحَبُّ إِذَا حَصَلَ عَلَى الْيَدِ غُبَارٌ كَثِيرٌ أَنْ يُخَفَّفَ بِحَيْثُ يَبْقَى مَا يَعُمُّ الْعُضْوَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ (عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبْزَى) هُوَ بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَإِسْكَانِ الباء الموحدة وبعدها زاي ثم باء وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ صَحَابِيٌّ قَوْلُهُ (فَقَالَ عُمَرُ اتَّقِ اللَّهَ تَعَالَى يَا عَمَّارُ قَالَ إِنْ شِئْتَ لَمْ أُحَدِّثْ بِهِ) مَعْنَاهُ قَالَ عُمَرُ لِعَمَّارٍ اتَّقِ اللَّهَ تَعَالَى فِيمَا تَرْوِيهِ وَتَثَبَّتْ فَلَعَلَّكَ نَسِيتَ أَوِ اشْتَبَهَ عَلَيْكَ الْأَمْرُ وَأَمَّا قَوْلُ عَمَّارٍ إِنْ شِئْتَ لَمْ أُحَدِّثْ بِهِ فَمَعْنَاهُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ إِنْ رَأَيْتَ الْمَصْلَحَةَ فِي إِمْسَاكِي عَنِ التَّحْدِيثِ بِهِ رَاجِحَةً عَلَى مَصْلَحَةِ تَحْدِيثِي بِهِ أَمْسَكْتُ فَإِنَّ طَاعَتَكَ وَاجِبَةٌ عَلَيَّ فِي غَيْرِ الْمَعْصِيَةِ وَأَصْلُ تَبْلِيغِ هَذِهِ السُّنَّةِ وَأَدَاءِ الْعِلْمِ قَدْ حَصَلَ فَإِذَا

(4/62)


أمسك بعد هذا لايكون دَاخِلًا فِيمَنْ كَتَمَ الْعِلْمَ وَيَحْتَمِلُ أَنَّهُ أَرَادَ إِنْ شِئْتَ لَمْ أُحَدِّثْ بِهِ تَحْدِيثًا شَائِعًا بِحَيْثُ يَشْتَهِرُ فِي النَّاسِ بَلْ لَا أُحَدِّثُ بِهِ إِلَّا نَادِرًا وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَفِي قِصَّةِ عَمَّارٍ جَوَازُ الِاجْتِهَادِ فِي زَمَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَإِنَّ عَمَّارًا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ اجْتَهَدَ فِي صِفَةِ التَّيَمُّمِ وَقَدِ اخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا وَغَيْرُهُمْ مِنْ أَهْلِ الْأُصُولِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ عَلَى ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ أَصَحُّهَا يَجُوزُ الِاجْتِهَادُ فِي زَمَنِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِحَضْرَتِهِ وفي غير حضرته والثاني لايجوز بحال والثالث لايجوز بِحَضْرَتِهِ وَيَجُوزُ فِي غَيْرِ حَضْرَتِهِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ (وَرَوَى اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ رَبِيعَةَ) هَكَذَا وَقَعَ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ مِنْ جَمِيعِ الرِّوَايَاتِ مُنْقَطِعًا بَيْنَ مُسْلِمٍ وَاللَّيْثِ وَهَذَا النَّوْعُ يُسَمَّى مُعَلَّقًا وَقَدْ تَقَدَّمَ بَيَانُهُ وَإِيضَاحُ هَذَا الْحَدِيثِ وَغَيْرِهِ مِمَّا فِي مَعْنَاهُ فِي الْفُصُولِ السَّابِقَةِ فِي مُقَدِّمَةِ الْكِتَابِ وَذَكَرْنَا أن في صحيح مسلم أربعة عشر أواثني عَشَرَ حَدِيثًا مُنْقَطِعَةً هَكَذَا وَبَيَّنَّاهَا وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ فِي حَدِيثِ اللَّيْثِ هَذَا (أَقْبَلْتُ أَنَا وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ يَسَارٍ مَوْلَى مَيْمُونَةَ) هَكَذَا هُوَ فِي أُصُولِ صَحِيحِ مُسْلِمٍ قَالَ أَبُو عَلِيٍّ الْغَسَّانِيُّ وَجَمِيعُ الْمُتَكَلِّمِينَ عَلَى أَسَانِيدِ مُسْلِمٍ قَوْلُهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ خَطَأٌ صَرِيحٌ وَصَوَابُهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يَسَارٍ وَهَكَذَا رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَأَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ وَغَيْرُهُمْ عَلَى الصَّوَابِ فَقَالُوا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يَسَارٍ قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ وَوَقَعَ فِي رِوَايَتِنَا صَحِيحَ مُسْلِمٍ مِنْ طَرِيقِ السَّمَرْقَنْدِيِّ عَنِ الْفَارِسِيِّ عَنِ الْجُلُودِيِّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يَسَارٍ عَلَى الصَّوَابِ وَهُمْ أَرْبَعَةُ إِخْوَةٍ عَبْدُ اللَّهِ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ وَعَبْدُ الْمَلِكِ وَعَطَاءٌ مَوْلَى مَيْمُونَةَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ (دَخَلْنَا عَلَى أَبِي الْجَهْمِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ الصِّمَّةِ) أَمَّا الصِّمَّةُ فَبِكَسْرِ الصَّادِ الْمُهْمَلَةِ وَتَشْدِيدِ الْمِيمِ وَأَمَّا أَبُو الْجَهْمِ فَبِفَتْحِ الْجِيمِ وَبَعْدَهَا هَاءٌ سَاكِنَةٌ هَكَذَا هُوَ فِي مُسْلِمٍ وَهُوَ غَلَطٌ وَصَوَابُهُ مَا وَقَعَ فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ وَغَيْرِهِ

(4/63)


أَبُو الْجُهَيْمِ بِضَمِّ الْجِيمِ وَفَتْحِ الْهَاءِ وَزِيَادَةِ يَاءٍ هَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ فِي كُتُبِ الْأَسْمَاءِ وَكَذَا ذَكَرَهُ مُسْلِمٌ فِي كِتَابِهِ فِي أَسْمَاءِ الرِّجَالِ وَالْبُخَارِيُّ فِي تَارِيخِهِ وَأَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ وَغَيْرُهُمْ وَكُلُّ مَنْ ذَكَرَهُ مِنَ الْمُصَنِّفِينَ فِي الْأَسْمَاءِ وَالْكُنَى وَغَيْرُهُمَا وَاسْمُ أَبِي الْجُهَيْمِ عَبْدُ اللَّهِ كَذَا سَمَّاهُ مُسْلِمٌ فِي كِتَابِ الْكُنَى وكذا سماه أيضا غيره والله أعلم وأعلم أَنَّ أَبَا الْجُهَيْمِ هَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ أَيْضًا فِي حَدِيثِ الْمُرُورِ بَيْنَ يَدَيِ الْمُصَلِّي وَاسْمُهُ عبد الله بن الحارث بن الصمة الأنصاري الْبُخَارِيُّ وَهُوَ غَيْرُ أَبِي الْجَهْمِ الْمَذْكُورِ فِي حَدِيثِ الْخَمِيصَةِ وَالْأَنْبِجَانِيَّةِ ذَلِكَ بِفَتْحِ الْجِيمِ بِغَيْرِ يَاءٍ وَاسْمُهُ عَامِرُ بْنُ حُذَيْفَةَ بْنِ غَانِمٍ الْقُرَشِيُّ الْعَدَوِيُّ مِنْ بَنِي عَدِيِّ بْنِ كَعْبٍ وَسَنُوَضِّحُهُ فِي مَوْضِعِهِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى قَوْلُهُ (أَقْبَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ نَحْوِ بِئْرِ جَمَلٍ) هُوَ بِفَتْحِ الْجِيمِ وَالْمِيمِ وَرِوَايَةِ النَّسَائِيِّ بِئْرُ الْجَمَلِ بِالْأَلِفِ وَاللَّامِ وَهُوَ مَوْضِعٌ بِقُرْبِ الْمَدِينَةِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ (أَقْبَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ نَحْوِ بِئْرِ جَمَلٍ) فَلَقِيَهُ رَجُلٌ فَسَلَّمَ عَلَيْهِ فَلَمْ يَرُدَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى أَقْبَلَ عَلَى الْجِدَارِ فَمَسَحَ وَجْهَهُ وَيَدَيْهِ ثُمَّ رَدَّ عَلَيْهِ السَّلَامَ هَذَا الْحَدِيثُ مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ عَادِمًا لِلْمَاءِ حَالَ التَّيَمُّمِ فَإِنَّ التَّيَمُّمَ مَعَ وُجُودِ الْمَاءِ لَا يَجُوزُ لِلْقَادِرِ عَلَى اسْتِعْمَالِهِ وَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَضِيقَ وَقْتُ الصَّلَاةِ وَبَيْنَ أَنْ يَتَّسِعَ وَلَا فَرْقَ أَيْضًا بَيْنَ صَلَاةِ الْجِنَازَةِ وَالْعِيدِ وَغَيْرِهِمَا هَذَا مَذْهَبُنَا وَمَذْهَبُ الْجُمْهُورِ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَجُوزُ أَنْ يَتَيَمَّمَ مَعَ وُجُودِ الْمَاءِ لِصَلَاةِ الْجِنَازَةِ وَالْعِيدِ إِذَا خَافَ فَوْتَهُمَا وَحَكَى الْبَغَوِيُّ مِنْ أَصْحَابِنَا عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِنَا أَنَّهُ إِذَا خَافَ فَوْتَ الْفَرِيضَةِ لِضِيقِ الْوَقْتِ صَلَّاهَا بِالتَّيَمُّمِ ثُمَّ تَوَضَّأَ وَقَضَاهَا وَالْمَعْرُوفُ الْأَوَّلُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ جَوَازُ التيمم بالجدارإذا كَانَ عَلَيْهِ غُبَارٌ وَهَذَا جَائِزٌ عِنْدَنَا وَعِنْدَ الْجُمْهُورِ مِنَ السَّلَفِ وَالْخَلَفِ وَاحْتَجَّ بِهِ مَنْ جَوَّزَ التَّيَمُّمَ بِغَيْرِ التُّرَابِ وَأَجَابَ الْآخَرُونَ بِأَنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى جِدَارٍ عَلَيْهِ تُرَابٌ وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى جَوَازِ التَّيَمُّمِ لِلنَّوَافِلِ وَالْفَضَائِلِ كَسُجُودِ التِّلَاوَةِ وَالشُّكْرِ وَمَسِّ الْمُصْحَفِ وَنَحْوِهَا كَمَا يَجُوزُ لِلْفَرَائِضِ وَهَذَا مَذْهَبُ الْعُلَمَاءِ كَافَّةً إِلَّا وَجْهًا شَاذًّا منكرا لبعض

(4/64)


أصحابنا أنه لايجوز التَّيَمُّمُ إِلَّا لِلْفَرِيضَةِ وَلَيْسَ هَذَا الْوَجْهُ بِشَيْءٍ فَإِنْ قِيلَ كَيْفَ تَيَمَّمَ بِالْجِدَارِ بِغَيْرِ إِذْنِ مَالِكِهِ فَالْجَوَابُ أَنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّ هَذَا الجدار كان مباحا أومملوكا لِإِنْسَانٍ يَعْرِفُهُ فَأَدَلَّ عَلَيْهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَتَيَمَّمَ بِهِ لِعِلْمِهِ بِأَنَّهُ لَا يَكْرَهُ مَالِكُهُ ذَلِكَ وَيَجُوزُ مِثْلَ هَذَا وَالْحَالَةُ هَذِهِ لِآحَادِ النَّاسِ فَالنَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوْلَى وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ (إِنَّ رَجُلًا مَرَّ وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

(يَبُولُ فَسَلَّمَ فَلَمْ يَرُدَّ عَلَيْهِ) فِيهِ أَنَّ المسلم في هذا الحال لايستحق جَوَابًا وَهَذَا مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ قَالَ أَصْحَابُنَا وَيُكْرَهُ أَنْ يُسَلِّمَ عَلَى الْمُشْتَغِلِ بِقَضَاءِ حَاجَةِ الْبَوْلِ وَالْغَائِطِ فَإِنْ سَلَّمَ عَلَيْهِ كُرِهَ لَهُ رَدُّ السَّلَامِ قَالُوا وَيُكْرَهُ لِلْقَاعِدِ عَلَى قَضَاءِ الْحَاجَةِ أَنْ يَذْكُرَ اللَّهَ تَعَالَى بِشَيْءٍ مِنَ الْأَذْكَارِ قَالُوا فَلَا يُسَبِّحُ وَلَا يُهَلِّلُ وَلَا يَرُدُّ السَّلَامَ وَلَا يُشَمِّتُ الْعَاطِسَ وَلَا يَحْمَدُ اللَّهَ تَعَالَى إِذَا عَطَسَ وَلَا يَقُولُ مِثْلَ مَا يَقُولُ الْمُؤَذِّنُ قَالُوا وَكَذَلِكَ لَا يَأْتِي بِشَيْءٍ مِنْ هَذِهِ الْأَذْكَارِ فِي حَالِ الْجِمَاعِ وَإِذَا عَطَسَ فِي هَذِهِ الْأَحْوَالِ يَحْمَدُ اللَّهَ تَعَالَى فِي نَفْسِهِ وَلَا يُحَرِّكُ بِهِ لِسَانَهُ وَهَذَا الَّذِي ذَكَرْنَاهُ مِنْ كَرَاهَةِ الذِّكْرِ فِي حَالِ الْبَوْلِ وَالْجِمَاعِ هُوَ كَرَاهَةُ تَنْزِيهٍ لَا تَحْرِيمٍ فَلَا إِثْمَ عَلَى فَاعِلِهِ وَكَذَلِكَ يُكْرَهُ الْكَلَامُ عَلَى قَضَاءِ الْحَاجَةِ بِأَيِّ نَوْعٍ كَانَ مِنْ أَنْوَاعِ الْكَلَامِ وَيُسْتَثْنَى مِنْ هَذَا كُلِّهِ مَوْضِعُ الضَّرُورَةِ كَمَا إِذَا رَأَى ضَرِيرًا يَكَادُ أَنْ يَقَعَ فِي بِئْرٍ أَوْ رَأَى حَيَّةً أَوْ عَقْرَبًا أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ يَقْصِدُ إِنْسَانًا أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ فَإِنَّ الْكَلَامَ فِي هَذِهِ الْمَوَاضِعِ لَيْسَ بِمَكْرُوهٍ بَلْ هُوَ وَاجِبٌ وَهَذَا الَّذِي ذَكَرْنَاهُ مِنَ الْكَرَاهَةِ فِي حَالِ الِاخْتِيَارِ هُوَ مذهبنا ومذهب الاكثرين وحكاه بن المنذر عن بن عَبَّاسٍ وَعَطَاءٍ وَسَعِيدٍ الْجُهَنِيِّ وَعِكْرِمَةَ رَضِيَ اللَّهُ عنهم وحكى عن ابراهيم النخعي وبن سِيرِينَ أَنَّهُمَا قَالَا لَا بَأْسَ بِهِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ)

(باب الدَّلِيلِ عَلَى أَنَّ الْمُسْلِمَ لَا يَنْجُسُ)
فِيهِ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (سبحان الله أن المؤمن لاينجس) وفي الرواية الاخرى (إن المسلم لاينجس

(4/65)


هَذَا الْحَدِيثُ أَصْلٌ عَظِيمٌ فِي طَهَارَةِ الْمُسْلِمِ حَيًّا وَمَيِّتًا فَأَمَّا الْحَيُّ فَطَاهِرٌ بِإِجْمَاعِ الْمُسْلِمِينَ حَتَّى الْجَنِينُ إِذَا أَلْقَتْهُ أُمُّهُ وَعَلَيْهِ رُطُوبَةُ فَرْجِهَا قَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا هُوَ طَاهِرٌ بِإِجْمَاعِ الْمُسْلِمِينَ قَالَ وَلَا يَجِيءُ فِيهِ الْخِلَافُ الْمَعْرُوفُ فِي نَجَاسَةِ رُطُوبَةِ فَرْجِ الْمَرْأَةِ وَلَا الْخِلَافُ الْمَذْكُورُ فِي كُتُبِ أَصْحَابِنَا فِي نَجَاسَةِ ظَاهِرِ بَيْضِ الدَّجَاجِ وَنَحْوِهِ فَإِنَّ فِيهِ وَجْهَيْنِ بِنَاءً عَلَى رُطُوبَةِ الْفَرْجِ هَذَا حُكْمُ الْمُسْلِمِ الْحَيِّ وَأَمَّا الْمَيِّتُ فَفِيهِ خِلَافٌ لِلْعُلَمَاءِ وَلِلشَّافِعِيِّ فِيهِ قَوْلَانِ الصَّحِيحُ مِنْهُمَا أَنَّهُ طَاهِرٌ وَلِهَذَا غُسِّلَ وَلِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّ الْمُسْلِمَ لَا يَنْجُسُ وَذَكَرَ الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ عَنِ بن عَبَّاسٍ تَعْلِيقًا الْمُسْلِمُ لَا يَنْجُسُ حَيًّا وَلَا مَيِّتًا هَذَا حُكْمُ الْمُسْلِمِ وَأَمَّا الْكَافِرُ فَحُكْمُهُ فِي الطَّهَارَةِ وَالنَّجَاسَةِ حُكْمُ الْمُسْلِمِ هَذَا مَذْهَبُنَا وَمَذْهَبُ الْجَمَاهِيرِ مِنَ السَّلَفِ وَالْخَلَفِ وَأَمَّا قَوْلُ الله عز وجل انما المشركون نجس فَالْمُرَادُ نَجَاسَةُ الِاعْتِقَادِ وَالِاسْتِقْذَارِ وَلَيْسَ الْمُرَادُ أَنَّ أَعْضَاءَهُمْ نَجِسَةٌ كَنَجَاسَةِ الْبَوْلِ وَالْغَائِطِ وَنَحْوِهِمَا فَإِذَا ثَبَتَتْ طَهَارَةُ الْآدَمِيِّ مُسْلِمًا كَانَ أَوْ كَافِرًا فَعِرْقُهُ وَلُعَابُهُ وَدَمْعُهُ طَاهِرَاتٌ سَوَاءٌ كَانَ مُحْدِثًا أَوْ جُنُبًا أَوْ حَائِضًا أَوْ نُفَسَاءَ وَهَذَا كُلُّهُ بِإِجْمَاعِ الْمُسْلِمِينَ كَمَا قَدَّمْتُهُ فِي بَابِ الْحَيْضِ وَكَذَلِكَ الصِّبْيَانُ أَبْدَانُهُمْ وَثِيَابُهُمْ وَلُعَابُهُمْ مَحْمُولَةٌ على الطهارة حتى تتيقن النجاسة فتجوزالصلاة فِي ثِيَابِهِمْ وَالْأَكْلُ مَعَهُمْ مِنَ الْمَائِعِ إِذَا غمسوا أَيْدِيَهُمْ فِيهِ وَدَلَائِلُ هَذَا كُلِّهِ مِنَ السُّنَّةِ وَالْإِجْمَاعِ مَشْهُورَةٌ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ اسْتِحْبَابُ احْتِرَامِ أَهْلِ الْفَضْلِ وَأَنْ يُوَقِّرَهُمْ جَلِيسُهُمْ وَمُصَاحِبُهُمْ فَيَكُونَ عَلَى أَكْمَلِ الْهَيْئَاتِ وَأَحْسَنِ الصِّفَاتِ وَقَدِ اسْتَحَبَّ الْعُلَمَاءُ لِطَالِبِ الْعِلْمِ أَنْ يُحَسِّنَ حَالَهُ فِي حَالِ مُجَالَسَةِ شَيْخِهُ فَيَكُونَ مُتَطَهِّرًا مُتَنَظِّفًا بِإِزَالَةِ الشُّعُورِ الْمَأْمُورِ بِإِزَالَتِهَا وَقَصِّ الْأَظْفَارِ وَإِزَالَةِ الرَّوَائِحِ الْكَرِيهَةِ وَالْمَلَابِسِ الْمَكْرُوهَةِ وَغَيْرِ ذَلِكَ فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ إجْلَالِ الْعِلْمِ وَالْعُلَمَاءِ وَاللَّهُ أعلم وفي هذا الحديث أيضا من

(4/66)


مِنَ الْآدَابِ أَنَّ الْعَالِمَ إِذَا رَأَى مِنْ تَابِعِهِ أَمْرًا يَخَافُ عَلَيْهِ فِيهِ خِلَافَ الصَّوَابِ سَأَلَهُ عَنْهُ وَقَالَ لَهُ صَوَابَهُ وَبَيَّنَ لَهُ حُكْمَهُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَأَمَّا أَلْفَاظُ الْبَابِ فَفِيهِ قوله صلى الله عليه وسلم (المؤمن لاينجس) يُقَالُ بِضَمِّ الْجِيمِ وَفَتْحِهَا لُغَتَانِ وَفِي مَاضِيهِ لُغَتَانِ نَجِسَ وَنَجُسَ بِكَسْرِ الْجِيمِ وَضَمِّهَا فَمَنْ كَسَرَهَا فِي الْمَاضِي فَتَحَهَا فِي الْمُضَارِعِ وَمَنْ ضَمَّهَا فِي الْمَاضِي ضَمَّهَا فِي الْمُضَارِعِ أَيْضًا وَهَذَا قِيَاسٌ مُطَّرِدٌ مَعْرُوفٌ عِنْدَ أَهْلِ الْعَرَبِيَّةِ إِلَّا أَحْرُفًا مُسْتَثْنَاةً مِنَ الْمَكْسُورِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَفِيهِ قَوْلُهُ فَانْسَلَّ أَيْ ذَهَبَ فِي خُفْيَةٍ) وَفِيهِ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (سُبْحَانَ اللَّهِ إِنَّ الْمُؤْمِنَ لَا يَنْجُسُ) وَقَدْ قَدَّمْنَا فِي مَوَاضِعَ أَنَّ سُبْحَانَ اللَّهِ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ وَشِبْهِهِ يُرَادُ بِهَا التَّعَجُّبُ وَبَسَطْنَا الْكَلَامَ فِيهِ فِي بَابِ وُجُوبِ الْغُسْلِ عَلَى الْمَرْأَةِ إِذَا أَنْزَلَتِ الْمَنِيَّ وَفِيهِ قَوْلُهُ (فَحَادَ عَنْهُ) أَيْ مَالَ وَعَدَلَ وَفِيهِ أَبُو رَافِعٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَاسْمُ أَبِي رَافِعٍ نُفَيْعٌ وَفِيهِ أَبُو وَائِلٍ وَاسْمُهُ شَقِيقُ بْنُ سَلَمَةَ وَأَمَّا مَا يَتَعَلَّقُ بِأَسَانِيدِ الْبَابِ فَفِيهِ قَوْلُ مُسْلِمٍ فِي الْإِسْنَادِ الثَّانِي (وَحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَأَبُو كُرَيْبٍ قَالَا حَدَّثَنَا وَكِيعٌ عَنْ مِسْعَرٍ عَنْ وَاصِلٍ عَنْ أَبِي وَائِلٍ عَنْ حُذَيْفَةَ) هَذَا الْإِسْنَادُ كُلُّهُ كُوفِيُّونَ إِلَّا أَنَّ حُذَيْفَةَ كَانَ مُعْظَمُ مُقَامِهِ بِالْمَدَائِنِ وَأَمَّا قَوْلُهُ فِي الْإِسْنَادِ الْأَوَّلِ (حَدَّثَنِي زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ قَالَ حُمَيْدٌ حَدَّثَنَا ح وَحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ واللفظ له قال حدثنا إسماعيل بن عُلَيَّةَ عَنْ حُمَيْدٍ الطَّوِيلِ عَنْ أَبِي رَافِعٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ) فَقَدْ يَلْتَبِسُ عَلَى بَعْضِ النَّاسِ قَوْلُهُ قَالَ حُمَيْدٌ حَدَّثَنَا وَلَيْسَ فِيهِ مَا يُوجِبُ اللَّبْسُ عَلَى مَنْ لَهُ أَدْنَى اشْتِغَالٍ بِهَذَا الْفَنِّ فَإِنَّ أَكْثَرَ مَا فِيهِ أَنَّهُ قَدَّمَ حُمَيْدًا عَلَى حَدَّثَنَا وَالْغَالِبُ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ حَدَّثَنَا حُمَيْدٌ فَقَالَ هُوَ حُمَيْدٌ حَدَّثَنَا وَلَا فَرْقَ بَيْنَ تَقْدِيمِهِ وَتَأْخِيرِهِ فِي الْمَعْنَى وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَأَمَّا قَوْلُهُ عَنْ حُمَيْدٍ عَنْ أَبِي رَافِعٍ فَهَكَذَا هُوَ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ فِي جَمِيعِ النُّسَخِ قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ قَالَ الْإِمَامُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْمَازِرِيُّ هَذَا الْإِسْنَادُ مُنْقَطِعٌ إِنَّمَا يَرْوِيهِ حُمَيْدٌ عَنْ بَكْرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْمُزَنِيِّ عَنْ أَبِي رَافِعٍ هَكَذَا أخرجه البخاري وأبوبكر بْنُ أَبِي شَيْبَةَ

(4/67)


فِي مُسْنَدِهِ وَهَذَا كَلَامُ الْقَاضِي عَنِ الْمَازِرِيِّ وَكَمَا أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ عَنْ حُمَيْدٍ عَنْ بَكْرٍ عَنْ أَبِي رَافِعٍ كَذَلِكَ أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ والترمذي والنسائي وبن مَاجَهْ وَغَيْرُهُمْ مِنَ الْأَئِمَّةِ وَلَا يَقْدَحُ هَذَا فِي أَصْلِ مَتْنِ الْحَدِيثِ فَإِنَّ الْمَتْنَ ثَابِتٌ عَلَى كُلِّ حَالٍ مِنْ رِوَايَةِ أَبِي هُرَيْرَةَ ومن رواية حذيفة والله أعلم

(باب ذكر الله تعالى في حال الجنابة وغيرها)
قَوْلُ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا (كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَذْكُرُ اللَّهَ تَعَالَى عَلَى كُلِّ أَحْيَانِهِ) هَذَا الْحَدِيثُ أَصْلٌ فِي جَوَازِ ذِكْرِ اللَّهِ تَعَالَى بِالتَّسْبِيحِ وَالتَّهْلِيلِ وَالتَّكْبِيرِ وَالتَّحْمِيدِ وَشَبَهِهَا مِنَ الْأَذْكَارِ وَهَذَا جَائِزٌ بِإِجْمَاعِ الْمُسْلِمِينَ وَإِنَّمَا اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي جَوَازِ قِرَاءَةِ الْقُرْآنِ لِلْجُنُبِ وَالْحَائِضِ فَالْجُمْهُورُ عَلَى تَحْرِيمِ الْقِرَاءَةِ عَلَيْهِمَا جَمِيعًا وَلَا فَرْقَ عِنْدَنَا بَيْنَ آيَةٍ وَبَعْضِ آيَةٍ فَإِنَّ الْجَمِيعَ يَحْرُمُ وَلَوْ قَالَ الجنب بسم الله أو الحمدلله وَنَحْوَ ذَلِكَ إِنْ قَصَدَ بِهِ الْقُرْآنَ حَرُمَ عَلَيْهِ وَإِنْ قَصَدَ بِهِ الذِّكْرَ أَوْ لَمْ يَقْصِدْ شَيْئًا لَمْ يَحْرُمْ وَيَجُوزُ لِلْجُنُبِ وَالْحَائِضِ أَنْ يُجْرِيَا الْقُرْآنَ عَلَى قُلُوبِهِمَا وَأَنْ يَنْظُرَا في المصحف ويستحب لهما اذاأرادا الِاغْتِسَالَ أَنْ يَقُولَا بِسْمِ اللَّهِ عَلَى قَصْدِ الذِّكْرِ وَاعْلَمْ أَنَّهُ يُكْرَهُ الذِّكْرُ فِي حَالَةِ الْجُلُوسِ عَلَى الْبَوْلِ وَالْغَائِطِ وَفِي حَالَةِ الْجِمَاعِ وَقَدْ قَدَّمْنَا بَيَانَ هَذَا قَرِيبًا فِي آخِرِ بَابِ التَّيَمُّمِ وَبَيَّنَّا الْحَالَةَ الَّتِي تُسْتَثْنَى مِنْهُ وَذَكَرْنَا هُنَاكَ اخْتِلَافَ الْعُلَمَاءِ فِي كَرَاهَتِهِ فَعَلَى قَوْلِ الْجُمْهُورِ أَنَّهُ مَكْرُوهٌ يَكُونُ الْحَدِيثُ مَخْصُوصًا بِمَا سِوَى هَذِهِ الْأَحْوَالِ وَيَكُونُ مُعْظَمُ الْمَقْصُودِ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَذْكُرُ اللَّهَ تَعَالَى مُتَطَهِّرًا وَمُحْدِثًا وَجُنُبًا وَقَائِمًا وَقَاعِدًا وَمُضْطَجِعًا وَمَاشِيًا وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ فِي إِسْنَادِ حَدِيثِ الْبَابِ (حَدَّثَنَا الْبَهِيُّ عَنْ عُرْوَةَ) هُوَ بفتح الباء الموحده وكسرالهاء وَتَشْدِيدِ الْيَاءِ وَهُوَ لَقَبٌ لَهُ وَاسْمُهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ بَشَّارٍ قَالَ يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ وَأَبُو عَلِيٍّ الْغَسَّانِيُّ وَغَيْرُهُمَا قَالَا وَهُوَ مَعْدُودٌ فِي الطَّبَقَةِ الْأُولَى مِنَ الْكُوفِيِّينَ وَكُنْيَتُهُ أَبُو مُحَمَّدٍ وَهُوَ مَوْلَى مُصْعَبِ بْنِ الزُّبَيْرِ وَاللَّهُ أعلم

(4/68)


(باب جَوَازِ أَكْلِ الْمُحْدِثِ الطَّعَامَ وَأَنَّهُ لَا كَرَاهَةَ فِي ذَلِكَ)
(وَأَنَّ الْوُضُوءَ لَيْسَ عَلَى الْفَوْرِ) اعْلَمْ أَنَّ الْعُلَمَاءَ مُجْمِعُونَ عَلَى أَنَّ لِلْمُحْدِثِ أَنْ يَأْكُلَ وَيَشْرَبَ وَيَذْكُرَ اللَّهَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى وَيَقْرَأَ الْقُرْآنَ وَيُجَامِعَ وَلَا كَرَاهَةَ فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ وَقَدْ تَظَاهَرَتْ عَلَى هَذَا كُلِّهِ دَلَائِلُ السُّنَّةِ الصَّحِيحَةِ الْمَشْهُورَةِ مَعَ إِجْمَاعِ الْأُمَّةِ وَقَدْ قَدَّمْنَا أَنَّ أَصْحَابَنَا رَحِمَهُمُ اللَّهُ تَعَالَى اخْتَلَفُوا فِي وَقْتِ وُجُوبِ الْوُضُوءِ هَلْ هُوَ بِخُرُوجِ الْحَدَثِ وَيَكُونُ وُجُوبًا مُوَسَّعًا أَمْ لَا يَجِبُ إِلَّا بِالْقِيَامِ إِلَى الصَّلَاةِ أَمْ يَجِبُ بِالْخُرُوجِ وَالْقِيَامِ فِيهِ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ أَصَحُّهَا عِنْدَهُمُ الثَّالِثُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ (وَأُتِيَ بِطَعَامٍ فقيل له ألا توضأ فقال لم أصلي فَأَتَوَضَّأَ) أَمَّا لِمَ فَبِكَسْرِ اللَّامِ وَفَتْحِ الْمِيمِ وأصلي بِإِثْبَاتِ الْيَاءِ فِي آخِرِهِ وَهُوَ اسْتِفْهَامُ إِنْكَارٍ وَمَعْنَاهُ الْوُضُوءُ يَكُونُ لِمَنْ أَرَادَ الصَّلَاةَ وَأَنَا لَا أُرِيدُ أَنْ أُصَلِّيَ الْآنَ وَالْمُرَادُ بِالْوُضُوءِ الوضوء

(4/69)


الشَّرْعِيُّ وَحَمَلَهُ الْقَاضِي عِيَاضٌ عَلَى الْوُضُوءِ اللُّغَوِيِّ وَجَعَلَ الْمُرَادَ غَسْلَ الْكَفَّيْنِ وَحَكَى اخْتِلَافَ الْعُلَمَاءِ فِي كَرَاهَتِهِ غَسْلَ الْكَفَّيْنِ قَبْلَ الطَّعَامِ وَاسْتِحْبَابِهِ وَحَكَى الْكَرَاهَةَ عَنْ مَالِكٍ وَالثَّوْرِيِّ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى وَالظَّاهِرُ مَا قَدَّمْنَاهُ أَنَّ الْمُرَادَ الْوُضُوءُ الشرعي والله سبحانه وتعالى اعلم

(باب ما يقال اذا أراد دخول الخلاء)
قَوْلُهُ (كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا دَخَلَ الْخَلَاءَ قَالَ اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ الْخُبْثِ وَالْخَبَائِثِ) وَفِي رِوَايَةٍ إِذَا دَخَلَ الْكَنِيفَ وَفِي رِوَايَةٍ (أَعُوذُ بِاللَّهِ مِنَ الْخُبْثِ وَالْخَبَائِثِ

(4/70)


أَمَّا الْخَلَاءُ فَبِفَتْحِ الْخَاءِ وَالْمَدِّ وَالْكَنِيفُ بِفَتْحِ الْكَافِ وَكَسْرِ النُّونِ وَالْخَلَاءُ وَالْكَنِيفُ وَالْمِرْحَاضُ كُلُّهَا مَوْضِعُ قَضَاءِ الْحَاجَةِ وَقَوْلُهُ إِذَا دَخَلَ مَعْنَاهُ إِذَا أَرَادَ الدُّخُولَ وَكَذَا جَاءَ مُصَرِّحًا بِهِ فِي رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ قَالَ كَانَ إِذَا أَرَادَ أَنْ يَدْخُلَ وَأَمَّا الْخُبُثُ فَبِضَمِّ الْبَاءِ وَإِسْكَانِهَا وَهُمَا وَجْهَانِ مَشْهُورَانِ فِي رِوَايَةِ هَذَا الْحَدِيثِ وَنَقَلَ الْقَاضِي عِيَاضٌ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى أَنَّ أَكْثَرَ رِوَايَاتِ الشُّيُوخِ الْإِسْكَانُ وَقَدْ قَالَ الْإِمَامُ أَبُو سُلَيْمَانَ الْخَطَّابِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى الْخُبُثُ بِضَمِّ الْبَاءِ جَمَاعَةُ الْخَبِيثِ وَالْخَبَائِثُ جَمْعُ الْخَبِيثَةِ قَالَ يُرِيدُ ذُكْرَانَ الشَّيَاطِينِ وَإِنَاثَهُمْ قَالَ وَعَامَّةُ الْمُحَدِّثِينَ يَقُولُونَ الْخُبْثُ بِإِسْكَانِ الْبَاءِ وَهُوَ غَلَطٌ وَالصَّوَابُ الضَّمُّ هَذَا كَلَامُ الْخَطَّابِيِّ وَهَذَا الَّذِي غَلَّطَهُمْ فِيهِ لَيْسَ بِغَلَطٍ وَلَا يَصِحُّ إِنْكَارُهُ جَوَازَ الْإِسْكَانِ فَإِنَّ الْإِسْكَانَ جَائِزٌ عَلَى سَبِيلِ التَّخْفِيفِ كَمَا يُقَالُ كُتُبٌ وَرُسُلٌ وَعُنُقٌ وَأُذُنٌ وَنَظَائِرَهُ فَكُلُّ هَذَا وَمَا أَشْبَهَهُ جَائِزٌ تَسْكِينُهُ بِلَا خِلَافٍ عِنْدَ أَهْلِ الْعَرَبِيَّةِ وَهُوَ بَابٌ معروف من أبواب التصريف لايمكن إِنْكَارُهُ وَلَعَلَّ الْخَطَّابِيُّ أَرَادَ الْإِنْكَارَ عَلَى مَنْ يَقُولُ أَصْلُهُ الْإِسْكَانُ فَإِنْ كَانَ أَرَادَ هَذَا فَعِبَارَتُهُ مُوهِمَةٌ وَقَدْ صَرَّحَ جَمَاعَةٌ مِنَ أَهْلِ الْمَعْرِفَةِ بِأَنَّ الْبَاءَ هُنَا سَاكِنَةٌ مِنْهُمُ الْإِمَامُ أبوعبيد إِمَامُ هَذَا الْفَنِّ وَالْعُمْدَةُ فِيهِ وَاخْتَلَفُوا فِي مَعْنَاهُ فَقِيلَ هُوَ الشَّرُّ وَقِيلَ الْكُفْرُ وَقِيلَ الخبث الشياطين والخبائث المعاصي قال بن الْأَعْرَابِيِّ الْخُبْثُ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ الْمَكْرُوهُ فَإِنْ كَانَ مِنَ الْكَلَامِ فَهُوَ الشَّتْمُ وَإِنْ كَانَ مِنَ الْمِلَلِ فَهُوَ الْكُفْرُ وَإِنْ كَانَ مِنَ الطَّعَامِ فَهُوَ الْحَرَامُ وَإِنْ كَانَ مِنَ الشَّرَابِ فَهُوَ الضَّارُّ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَهَذَا الْأَدَبُ مُجْمَعٌ عَلَى اسْتِحْبَابِهِ وَلَا فَرْقَ فِيهِ بَيْنَ الْبُنْيَانِ وَالصَّحْرَاءِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ

(باب الدَّلِيلِ عَلَى أَنَّ نَوْمَ الْجَالِسِ لَا يَنْقُضُ الْوُضُوءَ)
فِيهِ قَوْلُ مُسْلِمٍ (وَحَدَّثَنَا شَيْبَانُ بْنُ فَرُّوخَ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ عَنْ أَنَسٍ قَالَ أُقِيمَتِ الصَّلَاةُ وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُنَاجِي الرَّجُلَ) وَفِي رِوَايَةٍ (نَجِيٌّ لِرَجُلٍ فَمَا قَامَ إِلَى الصَّلَاةِ

(4/71)


حتى نام القوم) قال مسلم (حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُعَاذٍ الْعَنْبَرِيُّ حَدَّثَنَا أَبِي حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ صُهَيْبٍ سَمِعَ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أُقِيمَتِ الصَّلَاةُ وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُنَاجِي رَجُلًا فَلَمْ يَزَلْ يُنَاجِيهِ حَتَّى نَامَ أَصْحَابُهُ ثُمَّ جَاءَ فَصَلَّى بِهِمْ) قَالَ مُسْلِمٌ (وَحَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ حَبِيبٍ الْحَارِثِيُّ حَدَّثَنَا خَالِدٌ وَهُوَ بن الْحَارِثِ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ قَتَادَةَ قَالَ سَمِعْتُ أَنَسًا يَقُولُ كَانَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَنَامُونَ ثُمَّ يُصَلُّونَ وَلَا يتوضؤون قَالَ قُلْتُ سَمِعْتُهُ مِنْ أَنَسٍ قَالَ إِي وَاللَّهِ) هَذِهِ الْأَسَانِيدُ الثَّلَاثَةُ رِجَالُهَا بَصْرِيُّونَ كُلُّهُمْ وَقَدْ قَدَّمْنَا مَرَّاتٍ أَنَّ شُعْبَةَ وَاسِطِيٌّ بَصْرِيٌّ وَقَدْ قَدَّمْنَا بَيَانَ كَوْنِ فَرُّوخَ وَالِدِ شَيْبَانَ لَا يَنْصَرِفُ لِلْعُجْمَةِ وَقَدْ قَدَّمْنَا بَيَانَ الْفَائِدَةِ في قوله وهو بن الْحَارِثِ وَأَوْضَحْنَا ذَلِكَ فِي الْفُصُولِ الْمُتَقَدِّمَةِ وَفِي مَوَاضِعَ بَعْدَهَا وَأَمَّا قَوْلُهُ قُلْتُ سَمِعْتُهُ مِنْ أَنَسٍ قَالَ إِي وَاللَّهِ مَعَ أَنَّهُ قَالَ أَوَّلًا سَمِعْتُ أَنَسًا فَأَرَادَ بِهِ الِاسْتِثْبَاتَ فَإِنَّ قَتَادَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ كَانَ مِنَ الْمُدَلِّسِينَ وَكَانَ شُعْبَةُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى مِنْ أَشَدِّ الناس ذما للتدليس وكان يقول الزنى أَهْوَنُ مِنَ التَّدْلِيسِ وَقَدْ تَقَرَّرَ أَنَّ الْمُدَلِّسَ إِذَا قَالَ عَنْ لَا يُحْتَجُّ بِهِ وَإِذَا قَالَ سَمِعْتُ احْتُجَّ بِهِ عَلَى الْمَذْهَبِ الصَّحِيحِ الْمُخْتَارِ فَأَرَادَ شُعْبَةُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى الِاسْتِثْبَاتَ مِنْ قَتَادَةَ فِي لَفْظِ السَّمَاعِ وَالظَّاهِرُ أَنَّ قَتَادَةَ عَلِمَ ذَلِكَ مِنْ حَالِ شُعْبَةَ وَلِهَذَا حَلَفَ بِاللَّهِ تَعَالَى وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَأَمَّا قَوْلُهُ نَجِيٌّ لِرَجُلٍ فَمَعْنَاهُ مُسَارٌّ لَهُ وَالْمُنَاجَاةُ التَّحْدِيثُ سرا ويقال رجل نجى رجلان ونجى وَرِجَالٌ نَجِيٌّ بِلَفْظٍ وَاحِدٍ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى

(4/72)


وقربناه نجيا وقال تعالى خلصوا نجيا وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَأَمَّا فِقْهُ الْحَدِيثِ فَفِيهِ جَوَازُ مُنَاجَاةِ الرَّجُلِ بِحَضْرَةِ الْجَمَاعَةِ وَإِنَّمَا نُهِيَ عَنْ ذَلِكَ بِحَضْرَةِ الْوَاحِدِ وَفِيهِ جَوَازُ الْكَلَامِ بَعْدَ اقامة الصلاة لاسيما فِي الْأُمُورِ الْمُهِمَّةِ وَلَكِنَّهُ مَكْرُوهٌ فِي غَيْرِ الْمُهِمِّ وَفِيهِ تَقْدِيمُ الْأَهَمِّ فَالْأَهَمِّ مِنَ الْأُمُورِ عِنْدَ ازْدِحَامِهَا فَإِنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّمَا نَاجَاهُ بَعْدَ الْإِقَامَةِ فِي أَمْرٍ مُهِمٍّ مِنْ أُمُورِ الدِّينِ مَصْلَحَتُهُ رَاجِحَةٌ عَلَى تَقْدِيمِ الصَّلَاةِ وَفِيهِ أَنَّ نَوْمَ الْجَالِسِ لَا يَنْقُضُ الْوُضُوءَ وَهَذِهِ هِيَ الْمَسْأَلَةُ الْمَقْصُودَةُ بِهَذَا الْبَابِ وَقَدِ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِيهَا عَلَى مَذَاهِبَ أَحَدُهَا أَنَّ النَّوْمَ لَا يَنْقُضُ الْوُضُوءَ عَلَى أَيِّ حَالٍ كَانَ وَهَذَا مَحْكِيٌّ عَنْ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ وَسَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ وَأَبِي مِجْلَزٍ وَحُمَيْدٍ الْأَعْرَجِ وَشُعْبَةَ وَالْمَذْهَبُ الثَّانِي أَنَّ النَّوْمَ يَنْقُضُ الْوُضُوءَ بِكُلِّ حَالٍ وَهُوَ مَذْهَبُ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ وَالْمُزَنِيِّ وَأَبِي عُبَيْدٍ الْقَاسِمِ بْنِ سَلَّامٍ وَإِسْحَاقَ بْنِ رَاهَوَيْهِ وَهُوَ قَوْلٌ غَرِيبٌ لِلشَّافِعِيِّ قَالَ بن الْمُنْذِرِ وَبِهِ أَقُولُ قَالَ وَرُوِيَ مَعْنَاهُ عَنِ بن عَبَّاسٍ وَأَنَسٍ وَأَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَالْمَذْهَبُ الثَّالِثُ أَنَّ كَثِيرَ النَّوْمِ يَنْقُضُ بِكُلِّ حَالٍ وَقَلِيلُهُ لَا يَنْقُضُ بِحَالٍ وَهَذَا مَذْهَبُ الزُّهْرِيِّ وَرَبِيعَةَ وَالْأَوْزَاعِيِّ وَمَالِكٍ وَأَحْمَدَ فِي إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْهُ وَالْمَذْهَبُ الرَّابِعُ أَنَّهُ إِذَا نَامَ عَلَى هَيْئَةٍ مِنْ هَيْئَاتِ الْمُصَلِّينَ كَالرَّاكِعِ وَالسَّاجِدِ والقائم والقاعد لاينتقض وضوؤه سَوَاءٌ كَانَ فِي الصَّلَاةِ أَوْ لَمْ يَكُنْ وَإِنْ نَامَ مُضْطَجِعًا أَوْ مُسْتَلْقِيًا عَلَى قَفَاهُ انْتَقَضَ وَهَذَا مَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ وَدَاوُدَ وَهُوَ قَوْلٌ لِلشَّافِعِيِّ غَرِيبٌ وَالْمَذْهَبُ الْخَامِسُ أَنَّهُ لَا يَنْقُضُ إِلَّا نَوْمُ الرَّاكِعِ وَالسَّاجِدِ رُوِيَ هَذَا عَنْ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى والمذهب السادس أنه لا ينقض الانوم السَّاجِدِ وَرُوِيَ أَيْضًا عَنْ أَحْمَدَ رَضِيَ اللَّهُ عنه والمذهب السابع أنه لاينقض النَّوْمَ فِي الصَّلَاةِ بِكُلِّ حَالٍ وَيَنْقُضُ خَارِجَ الصَّلَاةِ وَهُوَ قَوْلٌ ضَعِيفٌ لِلشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَالْمَذْهَبُ الثَّامِنُ أَنَّهُ إِذَا نَامَ جَالِسًا مُمَكِّنًا مَقْعَدَتَهُ مِنَ الْأَرْضِ لَمْ يُنْتَقَضْ وَإِلَّا انْتُقِضَ سَوَاءٌ قَلَّ أَوْ كَثُرَ سَوَاءٌ كَانَ فِي الصَّلَاةِ أَوْ خَارِجِهَا وَهَذَا مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ وَعِنْدَهُ أَنَّ النَّوْمَ لَيْسَ حَدَثًا فِي نَفْسِهِ وَإِنَّمَا هُوَ دَلِيلٌ عَلَى خُرُوجِ الرِّيحِ فَإِذَا نَامَ غَيْرَ مُمَكِّنٍ الْمَقْعَدَةَ غَلَبَ عَلَى الظَّنِّ خُرُوجُ الرِّيحِ فَجَعَلَ

(4/73)


الشَّرْعُ هَذَا الْغَالِبَ كَالْمُحَقَّقِ وَأَمَّا إِذَا كَانَ مُمَكِّنًا فَلَا يَغْلِبُ عَلَى الظَّنِّ الْخُرُوجُ وَالْأَصْلُ بَقَاءُ الطَّهَارَةِ وَقَدْ وَرَدَتْ أَحَادِيثُ كَثِيرَةٌ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ يُسْتَدَلُّ بِهَا لِهَذِهِ الْمَذَاهِبِ وَقَدْ قَرَّرْتُ الْجَمْعَ بَيْنَهَا وَوَجْهُ الدَّلَالَةِ مِنْهَا فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ وَلَيْسَ مَقْصُودِي هُنَا الْإِطْنَابُ بَلِ الْإِشَارَةُ إِلَى الْمَقَاصِدِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَاتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ زَوَالَ الْعَقْلِ بِالْجُنُونِ وَالْإِغْمَاءِ وَالسُّكْرِ بِالْخَمْرِ أَوِ النَّبِيذِ أَوِ الْبَنْجِ أَوِ الدَّوَاءِ يَنْقُضُ الْوُضُوءَ سَوَاءٌ قَلَّ أَوْ كَثُرَ سَوَاءٌ كَانَ ممكن المقعدة أوغير مُمَكِّنِهَا قَالَ أَصْحَابُنَا وَكَانَ مِنْ خَصَائِصِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ لاينتقض وضوؤه بالنوم مضطجعا للحديث الصحيح عن بن عَبَّاسٍ قَالَ نَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى سَمِعْتُ غَطِيطَهُ ثُمَّ صَلَّى وَلَمْ يَتَوَضَّأْ وَاللَّهُ أَعْلَمُ (فَرْعٌ) قَالَ الشَّافِعِيُّ والأصحاب لاينقض الوضوء بالنعاس وهوالسنة قَالُوا وَعَلَامَةُ النَّوْمِ أَنَّ فِيهِ غَلَبَةً عَلَى الْعَقْلِ وَسُقُوطَ حَاسَّةِ الْبَصَرِ وَغَيْرِهَا مِنَ الْحَوَاسِّ وَأَمَّا النُّعَاسُ فَلَا يَغْلِبُ عَلَى الْعَقْلِ وَإِنَّمَا تَفْتُرُ فِيهِ الْحَوَاسُّ مِنْ غَيْرِ سُقُوطِهَا وَلَوْ شَكَّ هَلْ نَامَ أَمْ نَعَسَ فَلَا وُضُوءَ عَلَيْهِ وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَتَوَضَّأَ وَلَوْ تَيَقَّنَ النَّوْمَ وَشَكَّ هَلْ نَامَ مُمَكِّنَ الْمَقْعَدَةِ مِنَ الْأَرْضِ أم لا لم ينقض وضوؤه وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَتَوَضَّأَ وَلَوْ نَامَ جَالِسًا ثُمَّ زَالَتْ أَلْيَتَاهُ أَوْ إحْدَاهُمَا عَنِ الْأَرْضِ فَإِنْ زالت قبل الانتباه انتقض وضوؤه لِأَنَّهُ مَضَى عَلَيْهِ لَحْظَةٌ وَهُوَ نَائِمٌ غَيْرُ مُمَكِّنِ الْمَقْعَدَةِ وَإِنْ زَالَتْ بَعْدَ الِانْتِبَاهِ أَوْ مَعَهُ أَوْ شَكَّ فِي وَقْتِ زَوَالِهَا لَمْ ينتقض وضوؤه وَلَوْ نَامَ مُمَكِّنًا مَقْعَدَتَهُ مِنَ الْأَرْضِ مُسْتَنِدًا إلى حائط أوغيره لم ينتقض وضوؤه سَوَاءٌ كَانَتْ بِحَيْثُ لَوْ رَفَعَ الْحَائِطَ لَسَقَطَ أو لم يكن ولونام محتبيا ففيه ثلاثة أوجه لاصحابنا أحدها لاينتقض كَالْمُتَرَبِّعِ وَالثَّانِي يُنْتَقَضُ كَالْمُضْطَجِعِ وَالثَّالِثُ إِنْ كَانَ نحيف البدن بحيث لاتنطبق أَلْيَتَاهُ عَلَى الْأَرْضِ انْتَقَضَ وَإِنْ كَانَ أَلْحَمَ الْبَدَنِ بِحَيْثُ يَنْطَبِقَانِ لَمْ يُنْتَقَضْ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ وَلَهُ الْحَمْدُ وَالنِّعْمَةُ وَبِهِ التَّوْفِيقُ وَالْعِصْمَةُ

(4/74)