عمدة القاري شرح
صحيح البخاري 14 - (بابُ مَنْ تَطَيَّبَ ثُمَّ اغْتَسَلَ
وَبَقِيَ أثرُ الطيِّبِ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان حكم من تطيب قبل الِاغْتِسَال
من الْجَنَابَة وَبَقِي أثر التَّطَيُّب فِي جسده،
وَكَانُوا يتطيبون عِنْد الْجِمَاع لأجل النشاط وَقَالَ
ابْن بطال: السّنة اتِّخَاذ الطّيب للرِّجَال وَالنِّسَاء
عِنْد الْجِمَاع.
والمناسبة بَين الْحَدِيثين من حَيْثُ إِن فِي الْبَاب
السَّابِق يحصل الطّيب فِي الخاطر عِنْد غسل الْمَذْي،
وَهَاهُنَا يحصل الطّيب فِي الْبدن والنشاط فِي الخاطر عَم
التَّطَيُّب عِنْد الْجِمَاع.
270 - حدّثنا أبُو النعْمانِ قالَ حدّثنا أبُو عَوَانَةَ
عَنْ الثَّالِث: بْرَاهِيمَ بنِ مُحَمَّدَ بنِ
المُنْتَشِرَ عَنْ أبِيهِ قالَ سَأَلْتُ عائِشَةَ
فَذَكَرْتُ لَهَا قَوْلَ ابنِ عُمَرَ مَا أحِبُّ إِنْ
أَصْبِحَ مُحْرِماً أَنْضَحُ طَيباً فقالَتْ عائِشَةَ
أَنَّا طَيَّبْتُ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
ثُمَّ طَافَ فِي نِسائِهِ ثُمَّ أَصْبَحَ مُحْرِماً.
(3/220)
(انْظُر الحَدِيث 267) .
فَإِن قلت: مَا وَجه مُطَابقَة الحَدِيث للتَّرْجَمَة؟
قلت: هُنَا ترجمتان الأولى: الِاغْتِسَال، والمطابقة فِيهِ
من قَوْله: (ثمَّ طَاف فِي نِسَائِهِ) وَهُوَ كِنَايَة عَن
الْجِمَاع وَمن لوازمه الِاغْتِسَال لِأَنَّهُ ضَرُورِيّ
لَا بُد مِنْهُ. التَّرْجَمَة الثَّانِيَة: بَقَاء أثر
الطّيب، والمطابقة فِيهِ من قَول عَائِشَة، فَإِنَّهَا
ردَّتْ على ابْن عمر، فَلَا بُد من تَقْدِير: ينضخ طيبا،
بعد لفظ أصبح محرما حَتَّى يتم الرَّد وَبَقِيَّة
الْكَلَام مَضَت فِي بَاب: إِذا جَامع ثمَّ عَاد وَأَبُو
النُّعْمَان مُحَمَّد بن الْفضل وَأَبُو عوَانَة الوضاح.
قَوْله: (وَذكرت لَهَا) وَذكره هُوَ الَّذِي سَأَلَ عَن
عَائِشَة. قَوْله: (أَن أصبح) بِضَم الْهمزَة، وَهُوَ
إِخْبَار عَن نَفسه (طيبا نصب على التَّمْيِيز) قَوْله:
(ثمَّ أصبح) على صِيغَة الْمَاضِي مُفردا أَي: ثمَّ أصبح
النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم محرما.
وَفِيه: أَن التَّطَيُّب قبل الْإِحْرَام سنة وَفِيه:
جَوَاز رد بعض الصَّحَابَة على بعض. وَفِيه: خدمَة الأزاج.
271 - حدّثنا آدَمُ قالَ حدّثنا شُعْبَةُ قالَ حدّثنا
الحَكَمُ عَنْ إبْراهِيمَ عَنِ الأسْوَدِ عَنْ عائِشَةَ
قالَتْ كأنِّى أَنْظُرُ إِلَى وَبِيص الطِّيبِ فِي
مَفْرِقِ النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَهُوَ
مُحْرمُ..
مُطَابقَة الحَدِيث للتَّرْجَمَة الثَّانِيَة. وَهُوَ
قَوْله: (وَبَقِي أثر الطّيب) .
ذكر رِجَاله وهم سِتَّة: الأول: آدم بن أبي إِيَاس،
بِكَسْر الْهمزَة، الثَّانِي: شُعْبَة بن الْحجَّاج.
الثَّالِث: الحكم بِفتْحَتَيْنِ ابْن عتيبة مصغر العتبة.
الرَّابِع: إِبْرَاهِيم النَّخعِيّ. الْخَامِس: الْأسود،
خَال إِبْرَاهِيم النَّخعِيّ، كلهم تقدمُوا. السَّادِس:
عَائِشَة رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا.
بَيَان لطائف إِسْنَاده فِيهِ: التحديث بِصِيغَة الْجمع
فِي ثَلَاثَة مَوَاضِع وَفِيه: العنعنة فِي ثَلَاثَة
مَوَاضِع. وَفِيه: أَن رُوَاته مَا بَين خراساني وواسطي
وكوفي. وَفِيه: ثَلَاثَة من التَّابِعين كلهم كوفيون، وهم
الحكم وَإِبْرَاهِيم وَالْأسود.
ذكر تعدد مَوْضِعه وَمن أخرجه غَيره أخرجه البُخَارِيّ
هَاهُنَا عَن آدم، وَأخرجه فِي اللبَاس عَن أبي الْوَلِيد،
وَعبد الله بن رَجَاء وَأخرجه مُسلم فِي الْحَج عَن ابْن
مثنى وَابْن بشار كِلَاهُمَا عَن غنْدر وَأخرجه
النَّسَائِيّ فِيهِ عَن حميد بن مسْعدَة عَن بشر بن
الْفضل، خمستهم عَن شُعْبَة.
ذكر لغاته قَوْله: (وبيص الطّيب) بِفَتْح الْوَاو وَكسر
الْبَاء الْمُوَحدَة بعْدهَا يَاء آخر الْحُرُوف سَاكِنة
بعْدهَا صَاد مُهْملَة، وَهُوَ البريق واللمعان وَقَالَ
الْإِسْمَاعِيلِيّ: وبيص الطّيب تلألؤه، وَذَلِكَ لعين
قَائِمَة لَا للريح فَقَط وَقَالَ ابْن التِّين، وَهُوَ
مصدر: وبص يبص. قَوْله: (فِي مفرق النَّبِي صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم) بِفَتْح الْمِيم وَكسر الرَّاء، وَهُوَ:
مَكَان فرق الشّعْر من الجبين إِلَى دَائِرَة وسط
الرَّأْس، وَجَاء فِيهِ، فتح الرَّاء.
وَمِمَّا يستنبط مِنْهُ أَن بَقَاء أثر الطّيب على بدن
الْمحرم إِذا كَانَ قد تطيب بِهِ قبل الْإِحْرَام غَيره
مُؤثر فِي إِحْرَامه، وَلَا يُوجب عَلَيْهِ كَفَّارَة،
قَالَه الْخطابِيّ: وَقَالَ النَّوَوِيّ: مَنعه مَالك
قَائِلا: إِن التَّطَيُّب كَانَ لمباشرة النِّسَاء،
ومؤوِّلاً قَوْله: بِأَنَّهُ يتضخ طيبا بِأَنَّهُ قبل
غسله، وَقَوْلها: كَأَنِّي أنظر إِلَى وبيصه وَهُوَ محرم،
بِأَن المُرَاد مِنْهُ أثر لَا جرمه. قَالَ وَهَذَا غير
مَقْبُول مِنْهُ قَالَ: (كَيفَ أطيب رَسُول الله صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم لحرمه وحله) وَهُوَ ظَاهر أَن التَّطَيُّب
للْإِحْرَام لَا للنِّسَاء، وَكَذَلِكَ تَأْوِيله،
لِأَنَّهُ مُخَالفَة للظَّاهِر بِغَيْر ضَرُورَة قلت:
مَذْهَب أبي حنيفَة وَأبي يُوسُف مثل مَا قَالَه
الْخطابِيّ، وَكَرِهَهُ مُحَمَّد بِمَا يبْقى عينه بعد
إِحْرَامه.
15 - (بابُ تَخْلِيلِ الشِّعَرِ حَتَّى إذَا أنَّهُ قَدْ
أرْوَى بَشَرَتَهُ أفَاضَ عَلَيْهِ.)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان تحلل الشّعْر، وَفِي بعض
النّسخ تَحْلِيل الشّعْر، وَكِلَاهُمَا مصدر. فَالْأول: من
التفعل؛ وَالثَّانِي: من التفعيل. قَوْله: (أروى) فعل مَاض
من الإرواء يُقَال: أرواء إِذا جعله رياناً قَوْله:
(بَشرته) أَي: ظَاهر جلده وَالْمرَاد بِهِ مَا تَحت
الشّعْر. قَوْله: (أَفَاضَ) من الْإِفَاضَة وَهِي الإسالة
قَوْله: (عَلَيْهَا) أَي: على بَشرته، وَفِي بعض النّسخ
عَلَيْهِ أَي: على الشّعْر.
وَجه الْمُنَاسبَة بَين الْبَابَيْنِ من حَيْثُ وجود
التَّخْلِيل فيهمَا، أما فِي الأول فَلِأَن التَّطَيُّب
يخلل شعر بالطيب، وَأما فِي هَذَا فَلِأَن المغتسل يخلله
بِالْمَاءِ.
272 - حدّثنا عَبْدَانُ قالَه أخْبرنا عَبْدُ اللَّهِ قالَ
أخْبرنا هِشامُ بنُ عُرْوَةَ عَنْ أبِيهِ عَنْ عَائِشَةِ
قالَتْ كانَ رسولُ اللَّهِ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أذَا
اغْتَسَلَ مِنَ الجَنَابَةِ غَسَلَ يَدَيْهِ وَتَوَضأَ
وُضُوءهُ لِلصَّلاَةِ ثُمَّ اغْتَسَلَ ثُمَّ يُخَللُ
بِيَدِهِ شَعْرَهُ حَتَّى إِذا ظن أنَّهُ قَدْ أرْوَى
بَشَرَتهُ أفَاضَ عَلَيْهِ الماءَ ثلاثَ مَرَّاتِ ثُمَّ
غَسَلَ سائِرِ جَسَدِهِ.
(3/221)
(انْظُر الحَدِيث 248 وطرفه) .
مُطَابقَة الحَدِيث للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة.
ذكر رِجَاله وهم خَمْسَة كلهم تقدمُوا وَعبد الله هُوَ
ابْن الْمُبَارك.
وَفِيه: التحديث بِصِيغَة الْجمع فِي موضِعين، والإخبار
كَذَلِك فِي مَوضِع والعنعنة فِي موضِعين.
وَهَذَا الحَدِيث تقدم فِي أول كتاب الْغسْل عَن عبد الله
بن يُوسُف عَن مَالك عَن هِشَام.
ذكر مَعْنَاهُ. قَوْله: (أَي إِذا أَرَادَ الِاغْتِسَال)
قَوْله: (ثمَّ اغْتسل) أَي: ثمَّ أشتغل بالاغتسال قَوْله:
(إِذا ظن أَنه قد أروى) وَفِي بعض النّسخ (حَتَّى إِذا ظن
أَن قد أروى) فَأن بِالْفَتْح وَالتَّخْفِيف وَأَصلهَا
بالتثقيل، وَيجب حذف ضمير الشَّأْن مَعَه، وَظن يجوز أَن
يكون على أَصله فيكتفي يبالغلبة وَيجوز أَن يكون بِمَعْنى
تَيَقّن. قَوْله: (عَلَيْهِ) أَي: على شعره، وَالْمرَاد
على رَأسه، وَاخْتلفُوا فِيهِ فَقَالَ بَعضهم: هُوَ على
عُمُومه، وخصص الْآخرُونَ بِشعر الرَّأْس قَوْله: (سَائِر
جسده) أَي: بَقِيَّة جسده، وَقد تقدم فِي رِوَايَة مَالك
عَن هِشَام فِي أول كتاب الْغسْل: على جلده كُله فَإِذا
حملنَا لَفْظَة سائ، على معنى الْجَمِيع يجمع بَين
الرِّوَايَتَيْنِ، وَقَالَ ابْن بطال: أما تَخْلِيل شعر
الرَّأْس فِي غسل الْجَنَابَة فمجمع عَلَيْهِ وقاسوا
عَلَيْهِ شعر اللِّحْيَة، فَحكمه فِي التَّخْلِيل كمكمه
إلاَّ إِنَّهُم اخْتلفُوا فِي تَخْلِيل اللِّحْيَة فروى
ابْن الْقَاسِم: أَنه لَا يجب تخليلها لَا فِي الْغسْل
وَلَا فِي الْوضُوء وروى ابْن وهب عَنهُ تخليلها مُطلقًا
وروى اشهب عَنهُ أَن تخليلها فِي الْغسْل وَاجِب، لهَذَا
الحَدِيث، وَلَا يجب فِي الْوضُوء لحَدِيث عبد الله بن زيد
فِي الْوضُوء لم يذكر فِيهِ تَخْلِيل اللِّحْيَة، وَبِه
قَالَ أَبُو حنيفَة وَأحمد، وَقَالَ الشَّافِعِي:
التَّخْلِيل مسنون، وإيصال المَاء إِلَى الْبشرَة مَفْرُوض
فِي الْجَنَابَة. وَقَالَ الْمُزنِيّ: تخليلها وَاجِب فِي
الْوضُوء وَالْغسْل.
273 - حدّثنا وَقالَتْ كُنْتُ أَغْتَسِلُ أَنَا وَرسولُ
اللَّهِ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مِنْ إنَاءٍ وَاحِدٍ
نَغْرِفُ مِنْهُ جَمِيعاً..
قَوْله: (وَقَالَت) عطف على: قَالَت كَانَ رَسُول الله صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم وَالضَّمِير فيهمَا يرجع إِلَى
عَائِشَة فَيكون مُتَّصِلا بِالْإِسْنَادِ الْمَذْكُور
قَوْله: (نغرف) جمَاعَة الْمُتَكَلّم من الغرف بالغين
الْمُعْجَمَة وَفِي رِوَايَة للْبُخَارِيّ فِي
الِاعْتِصَام نشرع فِيهِ جَمِيعًا وَلَفظ جَمِيعًا يُؤَكد
بِهِ، يُقَال جاؤا جَمِيعًا. أَي: كلهم، وَقد سلف بَيَان
الحكم الَّذِي يدل عَلَيْهِ هَذَا الحَدِيث.
16 - (بابُ مَنْ تَوَضَّلَ فِي الجَنَابَةِ ثُمَّ غَسَلَ
جَسَدِهِ وَلَمْ يُعِدْ غَسْلَ مَوَاضِعِ الوُضُوءِ
مَرَّةً أُخْرَى.)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان حكم من تَوَضَّأ. قَوْله:
(وَلم يعد) بِضَم الْيَاء من الْإِعَادَة قَوْله: (مِنْهُ)
فِي رِوَايَة أبي ذَر، وَفِي رِوَايَة البَاقِينَ لَيْسَ
بموجود.
وَجه الْمُنَاسبَة بَين الْبَابَيْنِ من حَيْثُ وجود
الْإِكْمَال فيهمَا، أما فِي الْبَاب السَّابِق فبالتخليل،
وَفِي هَذَا الْبَاب بِالْوضُوءِ فِي الِاغْتِسَال.
274 - حدّثنا يُوسِف بنُ عِيسَى قالَ أخبرنَا الفَضْلُ بنُ
مُوسَى قالَ أخْبرنا الأعْمَشُ عَنْ سالِمٍ عَنْ كُرَيْبٍ
[/ ن مَوْلَى ابنِ عَبَّاسٍ عَنِ ابنِ عَبَّاسٍ عَنْ
مَيْمُونَةَ قالَتْ وَضَعَ رولُ اللَّهِ صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم وَضُوا لِلْجَنَابَة فأَكفأَ بِيَمِينِهِ عَلَى
شِمَالِهِ مَرَّتَيْنِ أوْ ثَلَاثًا ثُمَّ غَسَلَ فَرْجَهُ
ثُمَّ ضَرَب يَدَهُ بالأرْضِ أَو الحَائِطِ مَرَّتَيْنِ
أوْ ثَلَاثًا ثُمَّ مَضْمَضَ واسْتَنْشَقَ وغَسَلَ
وَجْهَهُ وَذِرَاعَيْهِ ثُمَّ أَفَاضَ علَى رَأْسِهِ
المَاءَ ثُمَّ غَس جَسَدَهُ ثُمَّ تَنَحَّى فَغَسَلَ
رِجْلَيْهِ..
اخْتلف الشُّرَّاح فِي وَجه مُطَابقَة هَذَا الحَدِيث
للتَّرْجَمَة فَقَالَ ابْن بطال: حَدِيث عَائِشَة الَّذِي
فِي الْبَاب قبله أليق فِي التَّرْجَمَة فَإِن فِيهِ: ثمَّ
غسل سَائِر جسده، وَأما حَدِيث الْبَاب فَفِيهِ ثمَّ غسل
جسده فَدخل فِي عُمُومه مَوَاضِع الْوضُوء، فَلَا يُطَابق
قَوْله: (وَلم يعد غسل مَوَاضِع الْوضُوء) وَأجَاب ابْن
الْمُنِير: بِأَن قرينَة الْحَال وَالْعرْف من سِيَاق
الْكَلَام تخص أَعْضَاء الْوضُوء، وَذكر الْجَسَد بعد ذكر
الْأَعْضَاء الْمعينَة يفهمعرفا بَقِيَّة الْجَسَد لَا
جملَته، لِأَن الأَصْل عدم التّكْرَار. قلت: حَاصِل
كَلَامه أَن اسْتِخْرَاج التَّرْجَمَة بعيد لُغَة ومحتمل
عرفا إِذا لم يذكر إِعَادَة غسلهَا وَأجَاب ابْن التِّين
بِأَن مُرَاد البُخَارِيّ أَن يبين أَن المُرَاد بقوله فِي
هَذِه الرِّوَايَة ثمَّ غسل جسده.، أَي: مَا بَقِي من
جسده، بِدَلِيل الرِّوَايَة الْأُخْرَى. وَقَالَ السكرماني
مَا ملخصه إِن لفظ جسده، فِي قَوْله: ثمَّ غسل جسده شَامِل
لتَمام الْبدن أَعْضَاء الْوضُوء وَغَيره، وَكَذَا حكم
الحَدِيث السَّابِق، إِذْ المُرَاد بِسَائِر جسده أَي:
بَاقِي جسده شَامِل لتَمام الْبدن أَعْضَاء الْوضُوء
وَغَيره وَقَالَ بَعضهم فِي كَلَام ابْن الْمِنْبَر كلفة
وَفِي كَلَام ابْن التِّين نطر لِأَن هَذِه
(3/222)
الْقِصَّة غير تِلْكَ الْقِصَّة. وَقَالَ:
فِي كَلَام السكرماني لَازم هَذَا التَّقْدِير أَن
الحَدِيث غير مُطَابق للتَّرْجَمَة، ثمَّ قَالَ هَذَا
الْقَائِل: وَالَّذِي يظْهر لي أَن البُخَارِيّ حمل
قَوْله: ثمَّ غسل جسده على الْمجَاز أَي: مَا بَقِي،
وَدَلِيل ذَلِك قَوْله بعد فَغسل رجلَيْهِ، إِذْ لَو كَانَ
قَوْله: (غسل جسده) مَحْمُولا، على عُمُومه لم يحْتَج لغسل
رجلَيْهِ ثَانِيًا، لِأَن غسلهمَا دخل فِي الْعُمُوم،
وَهَذَا أشبه بتصرفات البُخَارِيّ، إِذْ من شَأْنه
الاعتناء بالأخفى أَكثر من الأجلى. قلت: مَا ثمَّ فِي
هَذَا الَّذِي ذكره هَؤُلَاءِ المذكورون أَكثر كلفة من
كَلَام هَذَا الْقَائِل لِأَنَّهُ تصرف فِي كَلَامهم من
غير تَحْقِيق وَأبْعد من هَذَا دَعْوَاهُ أَن البُخَارِيّ
حمل لفظ الْجَسَد على الْمجَاز، فَلَا يعلم هُوَ أَن
الْمجَاز لَا يُصَار أليه إلاَّ عِنْد تعذر الْحَقِيقَة
أَو لنكة أُخْرَى، وَأي ضَرُورَة هَاهُنَا إِلَى الْمجَاز،
وَمن قَالَ: إِن البُخَارِيّ قصد هَذَا وَأبْعد من ذَلِك
أَنه علل مَا ادَّعَاهُ بِغسْل النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم رجلَيْهِ ثَانِيًا؟ وَمَا ذَاك إِلَّا لكَون
رجلَيْهِ فِي مستنقع المَاء، وَحَاصِل الْكَلَام، كَلَام
ابْن الْمُنِير أقرب فِي وَجه مُطَابقَة الحَدِيث
للتَّرْجَمَة.
ذكر رِجَاله وهم سَبْعَة: يُوسُف بن عِيسَى بن يَعْقُوب
الْمروزِي، وَالْفضل بن مُوسَى أَبُو عبد الله السينَانِي،
والبقية ذكرُوا عَن قريب.
ذكر لطائف إِسْنَاده فِيهِ: التحديث بِصِيغَة الْجمع فِي
موضِعين عِنْد أبي ذَر فِي الثَّانِي، وَعند غَيره أخبرنَا
وَكَذَا أخبرنَا الْأَعْمَش. وَفِيه: العنعنة فِي
أَرْبَعَة مَوَاضِع.
ذكر مَعَانِيه قَوْله: (وضوء للجنابة) بِفَتْح الْوَاو،
فِي رِوَايَة كَرِيمَة وضوء لجنابة بلام وَاحِدَة فِي
رِوَايَة الْكشميهني. وضوء الْجَنَابَة وَقَوله: (وضع) على
بِنَاء الْمَعْلُوم، وَرَسُول الله فَاعله، ويروي على
بِنَاء الْمَجْهُول، وضع لرَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم أَي: لأَجله قَوْله: (فاكفأ) كَذَا هُوَ فِي
رِوَايَة الْأَكْثَرين، وَرِوَايَة أبي ذَر فكفأ، أَي: قلب
قَوْله: (على يسَار) كَذَا هُوَ للأكثرين، ولكريمه
وَالْمُسْتَمْلِي على شِمَاله قَوْله: (ضرب يَده
بِالْأَرْضِ) كَذَا هُوَ للأكثرين وللكشميهني، بِيَدِهِ
الأَرْض.
قالَتْ فاتَيْتُهُ بِخِرْقَةٍ فَلَمْ يُرِدْها فَجَعَلَ
يَنْفُضُ بِيَدِهِ
فَاعل. قَالَت مَيْمُونَة وَوَقع فِي رِوَايَة الْأصيلِيّ:
قَالَت عَائِشَة، وَهُوَ غلط ظَاهر، وَبَيَان الْأَحْكَام
قد تقدم فِيمَا مضى.
17 - (بابُ إذَا ذَكَرَ فِي المَسْجِدِ أنَّهُ جُنُبٌ
يَخْرُجُ كَمَا هُوَ وَلَا يَتَيَمَّمُ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان حكم من إِذا ذكر فِي
الْمَسْجِد أَنه جنب، وَحكمه أَنه يخرج على حَالَته وَلَا
يحْتَاج إِلَى التَّيَمُّم قَوْله: (ذكر) من الْبَاب
الَّذِي مصدره الذّكر بِضَم الذَّال، لَا من الْبَاب
الَّذِي مصدره الذّكر بِالْكَسْرِ؟ وَهَذِه دقة لَا يفهمها
إلاَّ من لَهُ ذوق من نكات الْكَلَام، فَلذَلِك فسر بَعضهم
قَوْله: ذكر بقوله: تذكر فَلَو ذاق هَذَا مَا ذَكرْنَاهُ
لما احْتَاجَ إِلَى تَفْسِير، فعل يتفعل. قَوْله: (يخرج)
رِوَايَة أبي ذَر وكريمة وَرِوَايَة غَيرهمَا. (خرج)
قَوْله: (كَمَا هُوَ) أَي: على هَيئته وحاله جنياً
وَقَوله: (وَلَا يتَيَمَّم) توضيح لقَوْله كَمَا هُوَ
وَقَالَ الْكرْمَانِي: مَا مَوْصُولَة وموصوفة وَهُوَ
مُبْتَدأ وَخَبره مَحْذُوف أَي كالأمر الَّذِي هُوَ
عَلَيْهِ أَو كحالة هُوَ عَلَيْهَا قلت على كل تَقْدِير
هَذِه الْجُمْلَة محلهَا النصب على الْحَال من الضَّمِير
الَّذِي يخرج وَقَالَ الْكرْمَانِي أَيْضا فَإِن قلت:
تَسْمِيَة هَذِه الْكَاف، بكاف الْمُقَارنَة تصرف مِنْهُ،
واصطلاح، بل الْكَاف، هُنَا للتشبيه على أَصله وَنظر ذَلِك
قَوْلك لشخص: كن أَنْت عَلَيْهِ وَالْمعْنَى: على مَا
أَنْت عَلَيْهِ، ثمَّ فِي هَذَا وُجُوه من الْإِعْرَاب.
الأول: أَن تكون مَا مَوْصُولَة وَهُوَ مُبْتَدأ وَخَبره
مَحْذُوف، وَالتَّقْدِير: كَالَّذي هُوَ عَلَيْهِ من
الْجَنَابَة. الثَّانِي: أَن يكون هُوَ خَبرا مَحْذُوف
الْمُبْتَدَأ، وَالتَّقْدِير: كَالَّذي هُوَ عَلَيْهِ،
كَمَا قيل فِي قَوْله تَعَالَى: {اجْعَل لنا إِلَهًا كَمَا
لَهُم آلِهَة} (سُورَة الْأَعْرَاف: 138) أَي: كَالَّذي
هُوَ لَهُم آلِهَة. وَالثَّالِث: أَن تكون مَا زَائِدَة
ملغاة عَن الْعَمَل وَالْكَاف، جَارة، وَهُوَ ضمير
مَرْفُوع أنيب عَن الْمَجْرُور، كَمَا فِي قَوْله: مَا
أَنا كَانَت وَالْمعْنَى: يخرج فِي الْمُسْتَقْبل مماثلاً
لنَفسِهِ فِيمَا مضى. وَالرَّابِع: أَن تكون مَا، كَافَّة،
وَهُوَ مُبْتَدأ مَحْذُوف الْخَبَر، أَي: عَلَيْهِ، أَو
كَائِن. وَالْخَامِس: أَن تكون مَا كَافَّة، وه، فَاعل،
وَالْأَصْل: يخرج كَمَا كَانَ، ثمَّ حذفت كَانَ فانفصل
الضَّمِير، وعَلى هَذَا الْوَجْه يجوز أَن تكون مَا
مَصْدَرِيَّة.
27 - (حَدثنَا عبد الله بن مُحَمَّد قَالَ حَدثنَا
عُثْمَان بن عمر قَالَ أخبرنَا يُونُس عَن الزُّهْرِيّ عَن
أبي سَلمَة عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ أُقِيمَت الصَّلَاة
وَعدلت الصُّفُوف قيَاما وَخرج إِلَيْنَا رَسُول الله
(3/223)
- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -
فَلَمَّا قَامَ فِي مُصَلَّاهُ ذكر أَنه جنب فَقَالَ لنا
مَكَانكُمْ ثمَّ رَجَعَ فاغتسل ثمَّ خرج إِلَيْنَا وَرَأسه
يقطر فَكبر فصلينا مَعَه) مُطَابقَة الحَدِيث للتَّرْجَمَة
ظَاهِرَة. (ذكر رِجَاله) وهم سِتَّة. عبد الله بن مُحَمَّد
الْجعْفِيّ المسندي تقدم فِي بَاب أُمُور الْإِيمَان
وَعُثْمَان بن عَمْرو بن فَارس أَبُو مُحَمَّد الْبَصْرِيّ
وَيُونُس بن يزِيد وَالزهْرِيّ مُحَمَّد بن مُسلم وَأَبُو
سَلمَة عبد الرَّحْمَن بن عَوْف تقدمُوا فِي بَاب الْوَحْي
(ذكر لطائف إِسْنَاده) فِيهِ التحديث بِصِيغَة الْجمع فِي
موضِعين والإخبار بِصِيغَة الْجمع فِي مَوضِع وَاحِد
والعنعنة فِي ثَلَاثَة مَوَاضِع وَفِيه أَن رُوَاته مَا
بَين بَصرِي وأيلي ومدني. (ذكر من أخرجه غَيره) أخرجه
البُخَارِيّ أَيْضا فِي الصَّلَاة عَن إِسْحَاق الكوسج عَن
مُحَمَّد بن يُوسُف عَن الْأَوْزَاعِيّ بِهِ وَأخرجه مُسلم
فِي الصَّلَاة أَيْضا عَن زُهَيْر بن حَرْب عَن الْوَلِيد
بن مُسلم عَن الْأَوْزَاعِيّ نَحوه وَعَن إِبْرَاهِيم بن
مُوسَى عَن الْوَلِيد بن مُسلم بِهِ مُخْتَصرا وَأخرجه
أَبُو دَاوُد فِي الطَّهَارَة عَن أبي بكر بن الْفضل عَن
الْوَلِيد بن مُسلم نَحْو حَدِيث زُهَيْر بن حَرْب فِي
الصَّلَاة عَن مَحْمُود بن خَالِد وَدَاوُد بن رشيد
كِلَاهُمَا عَن الْوَلِيد بن مُسلم نَحْو حَدِيث
إِبْرَاهِيم بن مُوسَى وَأخرجه النَّسَائِيّ فِي
الطَّهَارَة عَن عَمْرو بن عُثْمَان الْحِمصِي عَن
الْوَلِيد بن مُسلم نَحوه. (ذكر مَعَانِيه) قَوْله "
أُقِيمَت الصَّلَاة " المُرَاد من الْإِقَامَة ذكر
الْأَلْفَاظ الْمَخْصُوصَة الْمَشْهُورَة المشعرة
بِالشُّرُوعِ فِي الصَّلَاة وَهِي أُخْت الْأَذَان كَذَا
قَالَه الْكرْمَانِي قلت مَعْنَاهُ إِذا نَادَى الْمُؤَذّن
بِالْإِقَامَةِ فأقيم الْمُسَبّب مقَام السَّبَب قَوْله "
وَعدلت " أَي سويت وتعديل الشَّيْء تقويمه يُقَال عدلته
فاعتدل أَي قومته فاستقام وَفِي رِوَايَة فعدلت الصُّفُوف
قبل أَن يخرج إِلَيْنَا رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَبَين البُخَارِيّ ذَلِك فِي
الصَّلَاة فِي رِوَايَة صَالح بن كيسَان أَنه كَانَ قبل
أَن يكبر النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -
للصَّلَاة قَوْله " قيَاما " جمع قَائِم كتجار بِكَسْر
التَّاء جمع تَاجر وَيجوز أَن يكون مصدرا جَارِيا على
حَقِيقَته وَقَالَ الْكرْمَانِي فَهُوَ تَمْيِيز أَو
مَحْمُول على اسْم الْفَاعِل فَهُوَ حَال (قلت) إِذا كَانَ
لفظ قيَاما مصدرا يكون مَنْصُوبًا على التَّمْيِيز لِأَن
فِي قَوْله وَعدلت الصُّفُوف فِيهِ إِبْهَام فيفسره قَوْله
قيَاما أَي من حَيْثُ الْقيام وَإِذا كَانَ جمعا لقائم
يكون انتصابه على الحالية وَذُو الْحَال مَحْذُوف
تَقْدِيره وَعدل الْقَوْم الصُّفُوف حَال كَونهم قَائِمين
قَوْله " فِي مُصَلَّاهُ " بِضَم الْمِيم وَهُوَ مَوضِع
صلَاته قَوْله " ذكر " من بَاب الذّكر بِضَم الذَّال
وَهُوَ الذّكر القلبي فَلَا يحْتَاج إِلَى تَفْسِير ذكر
بِمَعْنى تذكر كَمَا فسره بَعضهم هَكَذَا قَوْله " فَقَالَ
لنا مَكَانكُمْ " بِالنّصب أَي الزموا مَكَانكُمْ وَقَالَ
بَعضهم وَفِيه إِطْلَاق القَوْل على الْفِعْل فَإِن فِي
رِوَايَة الْإِسْمَاعِيلِيّ فَأَشَارَ بِيَدِهِ أَن
مَكَانكُمْ (قلت) لَيْسَ فِيهِ إِطْلَاق القَوْل على
الْفِعْل بل القَوْل على حَاله وَرِوَايَة
الْإِسْمَاعِيلِيّ لَا تَسْتَلْزِم ذَلِك لاحْتِمَال
الْجمع بَين الْكَلَام وَالْإِشَارَة (فَإِن قلت) إِذا
كَانَ القَوْل على بَابه فَيكون وَاقعا فِي الصَّلَاة
(قلت) لَيْسَ كَذَلِك بل كَانَ ذكره أَنه جنب قبل أَن يكبر
وَقبل أَن يدْخل فِي الصَّلَاة كَمَا ثَبت فِي الصَّحِيح
(فَإِن قلت) فِي رِوَايَة ابْن مَاجَه (قَامَ إِلَى
الصَّلَاة وَكبر ثمَّ أَشَارَ إِلَيْهِم فَمَكَثُوا ثمَّ
انْطلق فاغتسل وَكَانَ رَأسه يقطر مَاء فصلى بهم فَلَمَّا
انْصَرف قَالَ إِنِّي خرجت إِلَيْكُم جنبا وَإِنِّي أنسيت
حَتَّى قُمْت فِي الصَّلَاة) وَفِي رِوَايَة
الدَّارَقُطْنِيّ من حَدِيث أنس (دخل فِي صَلَاة فَكبر
وَكَبَّرْنَا مَعَه ثمَّ أَشَارَ إِلَى الْقَوْم كَمَا
أَنْتُم) وَفِي رِوَايَة لِأَحْمَد من حَدِيث عَليّ (كَانَ
قَائِما فصلى بهم إِذا انْصَرف) وَفِي رِوَايَة لأبي
دَاوُد من حَدِيث أبي بكرَة (دخل فِي صَلَاة الْفجْر
فَأَوْمأ بِيَدِهِ أَن مَكَانكُمْ) وَفِي رِوَايَة أُخْرَى
(ثمَّ جَاءَ وَرَأسه يقطر فصلى بهم) وَفِي أُخْرَى لَهُ
مُرْسلَة " فَكبر ثمَّ أَوْمَأ إِلَى الْقَوْم أَن اجلسوا
" وَفِي مُرْسل ابْن سِيرِين وَعَطَاء وَالربيع بن أنس "
كبر ثمَّ أَوْمَأ إِلَى الْقَوْم أَن اجلسوا " (قلت) هَذَا
كُله لَا يُقَاوم الَّذِي فِي الصَّحِيح وَأَيْضًا من
حَدِيث أبي هُرَيْرَة هَذَا " ثمَّ رَجَعَ فاغتسل فَخرج
إِلَيْنَا وَرَأسه يقطر فَكبر " فَلَو كَانَ كبر أَولا لما
كَانَ يكبر ثَانِيًا على أَنه اخْتلف فِي الْجمع بَين
هَذِه الرِّوَايَات فَقيل أُرِيد بقوله كبر أَرَادَ أَن
يكبر عملا بِرِوَايَة الصَّحِيح قبل أَن يكبر وَفِي
رِوَايَة أُخْرَى فِي البُخَارِيّ فانتظرنا تكبيره وَقيل
إنَّهُمَا قضيتان أبداه الْقُرْطُبِيّ احْتِمَالا وَقَالَ
النَّوَوِيّ أَنه الْأَظْهر وأبداه ابْن حبَان فِي صَحِيحه
فَقَالَ بعد أَن أخرج الرِّوَايَتَيْنِ من حَدِيث أبي
هُرَيْرَة وَحَدِيث أبكر بكرَة وَهَذَانِ فعلان فِي
موضِعين متباينين خرج - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم
َ - مرّة فَكبر ثمَّ ذكر أَنه جنب فَانْصَرف فاغتسل ثمَّ
جَاءَ فاستأنف بهم الصَّلَاة وَجَاء مرّة أُخْرَى فَلَمَّا
وَقع ليكبر ذكر أَنه جنب قبل أَن يكبر فَذهب فاغتسل ثمَّ
رَجَعَ فَأَقَامَ
(3/224)
بهم الصَّلَاة من غير أَن يكون بَين
الْخَبَرَيْنِ تضَاد وَلَا تهاتر وَقَول أبي بكرَة فصلى
بهم أَرَادَ بذلك بَدَأَ بتكبير مُحدث لِأَنَّهُ رَجَعَ
فَبنى على صلَاته إِذْ محَال أَنه يذهب - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - ليغتسل وَيبقى النَّاس كلهم قيَاما
على حالتهم من غير إِمَام إِلَى أَن يرجع انْتهى. وَلما
رأى مَالك هَذَا الحَدِيث مُخَالفا لأصل الصَّلَاة قَالَ
أَنه خَاص بِالنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّم َ - وروى بعض أَصْحَابنَا أَن انتظارهم لَهُ
هَذَا الزَّمن الطَّوِيل بعد أَن كبروا من قبيل الْعَمَل
الْيَسِير فَيجوز مثله (فَإِن قلت) كَيفَ قلت كبروا (قلت)
لِأَن الْعَادة جَارِيَة بِأَن تَكْبِير الْمَأْمُومين
يَقع عقيب تَكْبِير إمَامهمْ وَلَا يُؤَخر ذَلِك إِلَّا
الْقَلِيل من أهل الوسوسة (فَإِن قلت) إِذا ثَبت أَنه -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - لم يكبر فَكيف كبروا
وَأَيْضًا فَكيف أَشَارَ إِلَيْهِم وَلم يتَكَلَّم وَلم
انتظروه قيَاما (قلت) أما تكبيرهم فعلى رِوَايَة تَكْبِير
النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَأما
قَوْلك وَلم يتَكَلَّم فَيردهُ مَجِيء قَوْله - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - مَكَانكُمْ (فَإِن قلت)
إِذا أثبت أَنه تكلم بِهَذِهِ اللَّفْظَة فالإشارة لماذا
(قلت) يحْتَمل أَنه جمع بَين الْكَلَام وَالْإِشَارَة أَو
يكون الرَّاوِي روى أَحدهمَا بِالْمَعْنَى (فَإِن قلت) هَل
اقْتصر على الْإِقَامَة الأولى أَو أنشأ إِقَامَة ثَانِيَة
(قلت) لم يَصح فِيهِ نقل وَلَو فعله لنقل قَوْله " ثمَّ
رَجَعَ " أَي إِلَى الْحُجْرَة قَوْله " وَرَأسه يقطر "
جملَة اسمية وَقعت حَالا على أَصْلهَا بِالْوَاو وَقَوله "
يقطر " أَي من مَاء الْغسْل وَنسبَة الْقطر إِلَى الرَّأْس
مجَاز من قبيل ذكر الْمحل وَإِرَادَة الْحَال. (ذكر
استنباط الْأَحْكَام) فِيهِ تَعْدِيل الصُّفُوف وَهُوَ
مُسْتَحبّ بِالْإِجْمَاع وَقَالَ ابْن حزم فرض على
الْمَأْمُومين تَعْدِيل الصُّفُوف الأول فَالْأول والتراص
فِيهَا والمحاذاة بالمناكب والأرجل (فَإِن قلت) فِي
رِوَايَة أُقِيمَت الصَّلَاة فقمنا فعدلنا الصُّفُوف قبل
أَن يخرج فَكيف هَذَا وَقد جَاءَ " إِذا أُقِيمَت
الصَّلَاة فَلَا تقوموا حَتَّى تروني " (قلت) لَعَلَّه
كَانَ مرّة أَو مرَّتَيْنِ لبَيَان الْجَوَاز أَو لعذر أول
لَعَلَّ قَوْله " فَلَا تقوموا حَتَّى تروني " بعد ذَلِك
(فَإِن قلت) مَا الْحِكْمَة فِي هَذَا النَّهْي (قلت)
لِئَلَّا يطول عَلَيْهِم الْقيام وَلِأَنَّهُ قد يعرض لَهُ
عَارض فَيتَأَخَّر بِسَبَب. وَقد اخْتلف الْعلمَاء من
السّلف فَمن بعدهمْ مَتى يقوم النَّاس إِلَى الصَّلَاة
وَمَتى يكبر الإِمَام فَذهب الشَّافِعِي وَطَائِفَة إِلَى
أَنه يسْتَحبّ أَن لَا يقوم أحد حَتَّى يفرغ الْمُؤَذّن من
الْإِقَامَة وَكَانَ أنس يقوم إِذا قَالَ الْمُؤَذّن قد
قَامَت الصَّلَاة وَبِه قَالَ أَحْمد وَقَالَ أَبُو حنيفَة
والكوفيون يقومُونَ فِي الصَّفّ إِذا قَالَ حَيّ على
الصَّلَاة فَإِذا قَالَ قد قَامَت الصَّلَاة كبر الإِمَام
وَحَكَاهُ ابْن أبي شيبَة عَن سُوَيْد بن غَفلَة وَقيس بن
أبي سَلمَة وَحَمَّاد وَقَالَ جُمْهُور الْعلمَاء من
السّلف وَالْخلف لَا يكبر الإِمَام حَتَّى يفرغ الْمُؤَذّن
(قلت) مَذْهَب مَالك أَن السّنة عِنْده أَن يشرع الإِمَام
فِي الصَّلَاة بعد فرَاغ الْمُؤَذّن من الْإِقَامَة وندائه
باستواء الصَّفّ وَعِنْدنَا يشرع عِنْد التَّلَفُّظ بقوله
قد قَامَت الصَّلَاة وَقَالَ زفر إِذا قَالَ قد قَامَت
الصَّلَاة قَامُوا وَإِذا قَالَ ثَانِيًا افتتحوا وَعَن
أبي يُوسُف أَنه يشرع عقيب الْفَرَاغ من الْإِقَامَة
مُحَافظَة على القَوْل بِمثل مَا يَقُوله الْمُؤَذّن وَبِه
قَالَ أَحْمد وَالشَّافِعِيّ. وَفِيه أَن الإِمَام إِذا
طَرَأَ لَهُ مَا يمنعهُ من التَّمَادِي اسْتخْلف
بِالْإِشَارَةِ لَا بالْكلَام وَهُوَ أحد الْقَوْلَيْنِ
لأَصْحَاب مَالك حَكَاهُ الْقُرْطُبِيّ وَفِيه جَوَاز
الْبناء فِي الْحَدث وَهُوَ قَوْله أبي حنيفَة رَحمَه الله
تَعَالَى. وَفِيه جَوَاز النسْيَان على الْأَنْبِيَاء
عَلَيْهِم السَّلَام فِي الْعِبَادَات. وَفِيه كَمَا قَالَ
ابْن بطال حجَّة لمَذْهَب مَالك وَأبي حنيفَة أَن تَكْبِير
الْمَأْمُوم يَقع بعد تَكْبِير الإِمَام وَهُوَ قَول
عَامَّة الْفُقَهَاء قَالَ وَالشَّافِعِيّ أجَاز تَكْبِير
الْمَأْمُوم قبل إِمَامه أَي فِيمَا إِذا أحرم مُنْفَردا
ثمَّ نوى الِاقْتِدَاء فِي أثْنَاء الصَّلَاة لِأَنَّهُ
روى حَدِيث أبي هُرَيْرَة على مَا رَوَاهُ مَالك عَن
إِسْمَاعِيل بن أبي الحكم عَن عَطاء بن يسَار أَنه -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - كبر فِي صَلَاة من
الصَّلَوَات ثمَّ أَشَارَ إِلَيْهِم بِيَدِهِ أَن امكثوا
فَلَمَّا قدم كبر وَالشَّافِعِيّ لَا يَقُول بالمرسل
وَمَالك الَّذِي رَوَاهُ لم يعْمل بِهِ لِأَنَّهُ الَّذِي
صَحَّ عِنْده أَنه لم يكبر انْتهى. (قلت) ذكر ابْن بطال
أَن أَبَا حنيفَة مَعَ مَالك غير صَحِيح لِأَن مَذْهَب أبي
حنيفَة أَن الْمَأْمُوم يجب عَلَيْهِ أَن يكبر مَعَ
الإِمَام مُقَارنًا وَعند أبي يُوسُف وَمُحَمّد يكبر بعده
ثمَّ قيل الْخلاف فِي الْأَفْضَلِيَّة. وَفِيه مَا
اسْتدلَّ بِهِ البُخَارِيّ على أَن الْجنب إِذا دخل فِي
الْمَسْجِد نَاسِيا فَذكر فِيهِ أَنه جنب يخرج وَلَا
يتَيَمَّم فَلذَلِك ذكر فِي التَّرْجَمَة بقوله يخرج كَمَا
هُوَ وَلَا يتَيَمَّم وَقَالَ ابْن بطال من التَّابِعين من
يَقُول أَن الْجنب إِذا نسي فَدخل الْمَسْجِد فَإِنَّهُ
يتَيَمَّم وَيخرج قَالَ والْحَدِيث يرد عَلَيْهِم (قلت) من
الَّذين ذَهَبُوا إِلَى التَّيَمُّم الثَّوْريّ واسحق
قَالَ وَكَذَا قَول أبي حنيفَة فِي الْجنب الْمُسَافِر يمر
على مَسْجِد فِيهِ عين مَاء فَإِنَّهُ يتَيَمَّم وَيدخل
الْمَسْجِد فيستقي ثمَّ يخرج المَاء من الْمَسْجِد وَفِي
نَوَادِر ابْن أبي زيد من نَام فِي الْمَسْجِد ثمَّ
احْتَلَمَ يَنْبَغِي أَن يتَيَمَّم
(3/225)
لِخُرُوجِهِ وَقَالَ الشَّافِعِي لَهُ
العبور فِي الْمَسْجِد من غير لبث كَانَت لَهُ حَاجَة أَو
لَا وَمثله عَن الْحسن وَابْن الْمسيب وَعَمْرو بن دِينَار
وَأحمد وَعَن الشَّافِعِي لَهُ الْمكْث فِيهِ إِذا
تَوَضَّأ وَقَالَ دَاوُد والمزني يجوز لَهُ الْمكْث فِيهِ
مُطلقًا واعتبره بالمشرك وتعلقوا بقوله - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - (الْمُؤمن لَا ينجس) وروى سعيد بن
مَنْصُور فِي سنَنه بِسَنَد جيد عَن عَطاء " رَأَيْت
رجَالًا من الصَّحَابَة يَجْلِسُونَ فِي الْمَسْجِد
وَعَلَيْهِم الْجَنَابَة إِذا توضؤوا للصَّلَاة " وَحَدِيث
وَفد ثَقِيف وَإِنْزَالهمْ فِي الْمَسْجِد وَأهل الصّفة
وَغَيرهم كَانُوا يبيتُونَ فِي الْمَسْجِد وَكَانَ أَحْمد
بن حَنْبَل يَقُول يجلس الْجنب فِيهِ ويمر فِيهِ إِذا
تَوَضَّأ ذكره ابْن الْمُنْذر وَاحْتج من أَبَاحَ العبور
بقوله تَعَالَى {وَلَا جنبا إِلَّا عابري سَبِيل} قَالَ
الشَّافِعِي قَالَ بعض الْعلمَاء الْقُرْآن مَعْنَاهُ لَا
تقربُوا مَوَاضِع الصَّلَاة وَأجَاب من منع بِأَن المُرَاد
بِالْآيَةِ نفس الصَّلَاة وَحملهَا على مَكَانهَا مجَازًا
وَحملهَا على عمومها أَي لَا تقربُوا الصَّلَاة وَلَا
مَكَانهَا على هَذِه الْحَال إِلَّا أَن تَكُونُوا مسافرين
فَتَيَمَّمُوا وأقربوا ذَلِك وصلوا وَقد نقل الرَّازِيّ
عَن ابْن عمر وَابْن عَبَّاس أَن المُرَاد بعابري
السَّبِيل الْمُسَافِر يعْدم المَاء يتَيَمَّم وَيُصلي
وَالتَّيَمُّم لَا يرفع الْجَنَابَة فأبيح لَهُم الصَّلَاة
تَخْفِيفًا. وَفِي طَهَارَة المَاء الْمُسْتَعْمل
لِأَنَّهُ خرج وَرَأسه يقطر. وَفِي رِوَايَة أُخْرَى ينطف
وَهِي بمعناها
(تَابعه عبد الْأَعْلَى عَن معمر عَن الزُّهْرِيّ
وَرَوَاهُ الْأَوْزَاعِيّ عَن الزُّهْرِيّ) أَي تَابع
عُثْمَان ابْن عمر عبد الْأَعْلَى السَّامِي بِالسِّين
الْمُهْملَة عَن معمر بِفَتْح الْمِيم بن رَاشد عَن
مُحَمَّد بن مُسلم الزُّهْرِيّ وَهَذِه مُتَابعَة نَاقِصَة
وَهُوَ تَعْلِيق للْبُخَارِيّ وَهُوَ مَوْصُول عِنْد
الإِمَام أَحْمد عَن عبد الْأَعْلَى قَوْله " وَرَوَاهُ "
أَي روى هَذَا الحَدِيث عبد الرَّحْمَن الْأَوْزَاعِيّ عَن
مُحَمَّد بن مُسلم الزُّهْرِيّ وَرِوَايَته مَوْصُولَة
عِنْد البُخَارِيّ فِي أَوَائِل أَبْوَاب الْإِمَامَة
كَمَا سَيَأْتِي إِن شَاءَ الله تَعَالَى وَقَالَ بَعضهم
ظن بَعضهم أَن السَّبَب فِي التَّفْرِقَة بَين قَوْله
تَابعه وَبَين قَوْله وَرَوَاهُ كَون الْمُتَابَعَة وَقعت
بِلَفْظِهِ وَالرِّوَايَة بِمَعْنَاهُ وَلَيْسَ كَمَا ظن
بل هُوَ من التفنن فِي الْعبارَة انْتهى. (قلت) أَرَادَ
بقوله ظن بَعضهم الْكرْمَانِي فَإِنَّهُ قَالَ فِي شَرحه
فَإِن قلت لم قَالَ أَولا تَابعه وَثَانِيا رَوَاهُ قلت لم
يقل وَتَابعه الْأَوْزَاعِيّ إِمَّا لِأَنَّهُ لم ينْقل
لفظ الحَدِيث بِعَيْنِه بل رَوَاهُ بِمَعْنَاهُ إِذْ
الْمَفْهُوم من الْمُتَابَعَة الْإِتْيَان بِمثلِهِ على
وَجهه بِلَا تفَاوت وَالرِّوَايَة أَعم من ذَلِك وَإِمَّا
لِأَنَّهُ يكون موهما بِأَنَّهُ تَابع عُثْمَان أَيْضا
وَلَيْسَ كَذَلِك إِذْ لَا وَاسِطَة بَين الْأَوْزَاعِيّ
وَالزهْرِيّ وَإِمَّا للتفنن فِي الْكَلَام أَو لغير ذَلِك
انْتهى فَهَذَا كَمَا رَأَيْت جَوَاب الْكرْمَانِي عَنهُ
بِثَلَاثَة أجوبة وَكلهَا جِيَاد وَالْجَوَاب الَّذِي
استحسنه هَذَا الْقَائِل من الْكرْمَانِي أَيْضا وَلَكِن
قَصده الغمز فِيهِ حَيْثُ يَأْخُذ ثمَّ ينْسبهُ إِلَى
الظَّن مَعَ علمه بِأَن الَّذِي اخْتَارَهُ بمعزل عَن
هَذَا الْفَنّ
18 - (بابُ نَفْضِ اليدَيْنِ مِنْ الغُسْلِ عَنُ
الجَنَابَةِ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان حكم نفض الْيَدَيْنِ من
الْجَنَابَة، ويروي من غسل الْجَنَابَة، وَكلمَة من الأولى
مُتَعَلقَة بالنفض، وَالثَّانيَِة بِالْغسْلِ.
والمناسبة بَين الْأَبْوَاب ظَاهِرَة لِأَن كلهَا فِي
أَحْكَام الْغسْل.
276 - حدّثنا عَبْدَانُ قالَ أخْبرنا أبُو حَمْزةَ قالَ
سَمِعْتُ الأعْمَشَ عَنْ سَالِمٍ عَنْ كُرَيْبٍ عَنِ ابنِ
عَبَّاسٍ قالَ قالَتْ مَيْمُونَةُ وضعَتُ للنبيِّ صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم غُسْلاً فَسَتَرْتَهُ بِثَوْبٍ وَصَبَّ
عَلى يَدَيْهِ فَغَسَلَهُمَا ثُمَّ صبَّ بِيَمِينِهِ عَلَى
شِمَالِهِ فَغَسَلَ فَرْجَهُ فَضَربَ بِيَدِهِ الأَرْضَ
فَمَسَحَهَا ثُمَّ غَسَلها فَمَضْمَضَ واسْتَنْشَقَ
وَغَسَلَ وَجْهَهُ وَذِرَاعَيْهِ ثُمَّ صَبَّ عَلَى
رَأْسِهِ وأفَاضَ عَلَى جَسَدِهِ ثُمَّ تَنَحَّى فَغَسَلَ
قَدَمَيْهِ فَنَاوَلْتُهُ ثَوْباً فَلَمْ يَأْخُذُهُ
فانْطَلَقَ وَهُوَ يَنْفُضُ يَدَيْهِ.
مُطَابقَة الحَدِيث للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة فَإِن: مَا
فَائِدَة هَذِه التَّرْجَمَة من حَيْثُ الْفِقْه؟ قلت:
الْإِشَارَة بهَا إِلَى أَن لَا يتخيل أَن مثل هَذَا
الْفِعْل اطراح لأثر الْعِبَادَة ونفض لَهُ فَبين أَن
هَذَا جَائِز وَنبهَ أَيْضا على رد قَول من زعم أَن تَركه
للثوب من قبيل
(3/226)
إِيثَار إبْقَاء آثَار الْعِبَادَة عَلَيْهِ وَلَيْسَ
كَذَلِك، وَإِنَّمَا تَركه خوفًا من الدُّخُول فِي
أَحْوَال المترفين المتكبرين.
وَاعْلَم أَن البُخَارِيّ قد ذكره قبل هَذَا فِي سِتّ
مَوَاضِع، وَهَذَا هُوَ السَّابِع، وسيذكره مرّة أُخْرَى
فالجملة ثَمَانِيَة، كلهَا فِي كتاب الْغسْل. الأول: عَن
مُوسَى بن إِسْمَاعِيل عَن عبد الْوَاحِد عَن الْأَعْمَش.
الثَّانِي: عَن عمر بن حَفْص عَن أَبِيه عَن جده عَن
الْأَعْمَش. الثَّالِث: عَن الْحميدِي عَن سُفْيَان عَن
الْأَعْمَش. الرَّابِع: عَن مُحَمَّد بن مَحْبُوب عَن عبد
الْوَاحِد عَن الْأَعْمَش. الْخَامِس: عَن مُوسَى بن
إِسْمَاعِيل عَن أبي عوَانَة عَن الْأَعْمَش. السَّادِس:
عَن يُوسُف بن عِيسَى عَن الْفضل بن مُوسَى عَن
الْأَعْمَش. السَّابِع: عَن عَبْدَانِ عَن أبي حَمْزَة عَن
الْأَعْمَش. الثَّامِن: الَّذِي يَأْتِي عَن عَبْدَانِ عَن
عبد الله عَن سُفْيَان عَن الْأَعْمَش، وَهَذَا كُله
حَدِيث وَاحِد وَلكنه رَوَاهُ عَن شُيُوخ مُتعَدِّدَة
بألفاط مُخْتَلفَة، وَترْجم لكل طَرِيق تَرْجَمَة.
وَأَبُو حَمْزَة اسْمه مُحَمَّد بن مَيْمُون السكرِي
الْمروزِي، وَلم يكن يَبِيع السكر، وَإِنَّمَا سمي بِهِ
لحلاوة كَلَامه. وَقيل: لِأَنَّهُ كَانَ يحمل السكر فِي
كمه. وَقَالَ ابْن مُصعب، كَانَ مجاب الدعْوَة.
ذكر لطائف إِسْنَاده فِيهِ: التحديث بِصِيغَة الْجمع فِي
موضِعين، وَفِيه: السماع. وَفِيه: العنعنة فِي ثَلَاثَة
مَوَاضِع. وَفِيه: القَوْل. وَفِيه: مروزيان، عَبْدَانِ
وَشَيْخه أَبُو حَمْزَة، وكوفيان الْأَعْمَش وَشَيْخه
سَالم بن أبي الْجَعْد ومدنيان: كريب مولى ابْن عَبَّاس
وَعبد الله بن عَبَّاس وَفِي الْإِسْنَاد الَّذِي قبله
كَذَلِك: يُوسُف بن عِيسَى وَشَيْخه الْفضل بن مُوسَى
مروزيان وخراسانيان، وَفِيمَا قبل ذَلِك، مُوسَى وَأَبُو
عوَانَة شَيْخه بصريان، وَكَذَا مُوسَى وَعبد الْوَاحِد،
وَكَذَا مُحَمَّد بن مَحْبُوب وَعبد الْوَاحِد، وَفِيمَا
قبل ذَلِك: مكيان الْحميدِي وَشَيخ سُفْيَان بن عُيَيْنَة،
وَكلهمْ رَوَاهُ عَن سُلَيْمَان الْأَعْمَش.
قَوْله: (فَانْطَلق) أَي: ذهب. قَوْله: (وَهُوَ ينفض
يَدَيْهِ) جملَة من الْمُبْتَدَأ وَالْخَبَر وَقعت حَالا. |