عمدة القاري شرح
صحيح البخاري 19 - (بابُ مَنْ بَدَأَ رَأْسِهِ الأيْمَنِ
فِي الغُسْلِ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان من بَدَأَ، إِلَخ. الشق،
بِكَسْر الشين وَتَشْديد الْقَاف، بِمَعْنى الْجَانِب،
وَبِمَعْنى نصف الشَّيْء، وَمِنْه: (تصدقوا بشق تَمْرَة)
أَي: نصفهَا. وَقَوله: (الْأَيْمن) صفة للشق.
277 - حدّثنا خلاَّدُ بنُ يَحْيَى احدّثنا إبْرَاهِيمُ بنُ
نافِعٍ عَنِ الحَسَنِ بنِ مُسْلِمٍ عَنْ صَفِيَّةَ بِنْتِ
شَيْبَةَ عَنْ عائِشَةَ قالَتْ كُنَّا إذَا أصابَتْ
إحْدانَا جَنَابَةٌ أخَذَتْ بِيَدَيْهَا ثَلَاثًا فَوْقَ
رَأْسِهَا ثُمَّ تَأْخُذُ بِيَدِها عَلَى شِقِّهَا
الأَيْمَنِ وَبِيَدِها الأُخْرَى عَلَى شَقِّها
الأَيْسَرِ.
مُطَابقَة الحَدِيث للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. فَإِن قتل:
كَيفَ ظُهُور هَذِه الْمُطَابقَة والترجمة تَقْدِيم الشق
الْأَيْمن من الرَّأْس والْحَدِيث تَقْدِيم الْأَيْمن من
الشَّخْص. قلت: المُرَاد من أَيمن الشَّخْص أيمنه من رَأسه
إِلَى قدمه، فَيدل حِينَئِذٍ على التَّرْجَمَة.
ذكر رِجَاله وهم خَمْسَة: الأول: خَلاد، بِفَتْح الْخَاء
الْمُعْجَمَة وَتَشْديد اللَّام، ابْن يحيى بن صَفْوَان
الْكُوفِي أَبُو مُحَمَّد السّلمِيّ، سكن مَكَّة مَاتَ سنة
سبع عشرَة وَمِائَتَيْنِ. الثَّانِي: إِبْرَاهِيم بن
نَافِع المحزومي الْمَكِّيّ. الثَّالِث: الْحسن بن مُسلم
بن بناق، بِفَتْح الْيَاء آخِر الْحُرُوف وَتَشْديد
النُّون وبالقاف، الْمَكِّيّ ثِقَة صَالح الرَّابِع:
صَفِيَّة بنت شُعْبَة بن عُثْمَان الحجي الْقرشِي وَاخْتلف
فِي أَنَّهَا صحابية، وَالْجُمْهُور على صحبتهَا، رُوِيَ
لَهَا خَمْسَة أَحَادِيث اتّفق الشَّيْخَانِ على
رِوَايَتهَا عَن عَائِشَة، بقيت إِلَى زمَان ولَايَة
الْوَلِيد وَهِي من صغَار الصَّحَابَة، وأبوها شيبَة
صَحَابِيّ مَشْهُور. الْخَامِس: عَائِشَة.
ذكر لطائف إِسْنَاده أَن فِيهِ: حَدِيثا بِصِيغَة الْجمع
فِي موضِعين. وَفِيه: العنعنة فِي ثَلَاثَة مَوَاضِع
أَحدهَا عَن صَفِيَّة، وَفِي رِوَايَة الْإِسْمَاعِيلِيّ:
أَنه سمع صَفِيَّة. وَفِيه: أَن رُوَاته كلهم مكيون مَا
خلا خلاداً وَهُوَ أَيْضا سكن مَكَّة، كَمَا ذكرنَا.
وَفِيه: رِوَايَة صحابية عَن صحابية.
والْحَدِيث أخرجه أَبُو دَاوُد حَدثنَا عُثْمَان بن أبي
شيبَة، قَالَ: حَدثنَا يحيى بن أبي بكير، قَالَ: حَدثنَا
إِبْرَاهِيم بن نَافِع عَن الْحسن ابْن مُسلم عَن صَفِيَّة
بنت شيبَة عَن عَائِشَة، قَالَت: (كَانَت إحدانا إِذا
أصابتها جَنَابَة أخذت ثَلَاث حفنات، هَكَذَا يَعْنِي
بكفيها جَمِيعًا، فتصب على رَأسهَا، وَأخذت بيد وَاحِدَة
فصبتها على هَذَا الشق، وَالْأُخْرَى على الشق الآخر)
فمجموع هَذَا الْغسْل من ثَلَاث حفنات وغرفتين، الحفنات
الثَّلَاث على الرَّأْس والواحدة من الغرفتين على الشق
الْأَيْمن وَالْأُخْرَى على الْأَيْسَر. قَوْلهَا:
(3/227)
(إِذا أصَاب) وَفِي رِوَايَة كَرِيمَة
أَصَابَت. قَوْلهَا: (إحدانا) أَي: من أَزوَاج النَّبِي
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، قَوْلهَا: (أخذت بِيَدَيْهَا)
وَفِي رِوَايَة كَرِيمَة: (بِيَدِهَا) أَي: المَاء، وَصرح
بِهِ الْإِسْمَاعِيلِيّ فِي رِوَايَته، قَوْلهَا: (فَوق
رَأسهَا) أَي: تصبه فَوق رَأسهَا وَفِي الْإِسْمَاعِيلِيّ:
(أخذت بِيَدَيْهَا ثمَّ صبَّتْ على رَأسهَا) (وبيدها
الْأُخْرَى) أَي: ثمَّ أخذت بِيَدِهَا الْأُخْرَى، وَقَالَ
الْكرْمَانِي فِي قَوْلهَا: (أخذت بِيَدَيْهَا) وَفِي بعض
النّسخ أخذت يَديهَا بِدُونِ الْجَار فَلَا بُد أَن
يُقَال: إِمَّا بنصبه ينْزع الْخَافِض، وَإِمَّا
بِتَقْدِير مُضَاف أَي: أخذت ملْء يَديهَا. قلت: هَذَا
تَوْجِيه حسن إِن صحت هَذِه الرِّوَايَة. فَإِن قلت: مَا
حكم هَذَا الحَدِيث؟ قلت: حكمه الرّفْع، لِأَن الظَّاهِر
اطلَاع النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم على ذَلِك.
بِسم الله الرحمان الرَّحِيم
20 - (بابُ مَنِ اغْتَسَل عُرْيَاناً وَحْدَهُ فِي
الخَلْوَةِ وَمَنْ تَسَتَّرَ فالتَّسَتُّرُ أَفْضَلُ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان جَوَاز غسل الْعُرْيَان وَحده
إلاَّ أَن التستر أفضل، وَهَذَا اللَّفْظ دلّ على
الْجَوَاز قَوْله: (وَحده فِي خلْوَة) أَي: من النَّاس،
وَهَذَا تَأْكِيد لقَوْله وَحده: وهما لفظان بِحَسب
الْمَعْنى متلازمان، وانتصاب وَحده، على الْحَال قَوْله:
(وَمن تستر) عطف على من اغْتسل قَوْله: (والستر أفضل)
جملَة إسمية من الْمُبْتَدَأ وَالْخَبَر، وموضعها
الْعلمَاء، وَمنعه ابْن أبي ليلى، وَحَكَاهُ
الْمَاوَرْدِيّ وَجها لأصحابهم فِيمَا إِذا أنزل فِي
المَاء عُريَانا بِغَيْر مئزر، وَاحْتج بِحَدِيث ضَعِيف لم
يَصح عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: [حم (لَا
تدْخلُوا المَاء إِلَّا بمئزر فَإِن للْمَاء عَامِرًا) [/
حم وروى ابْن وهب عَن ابْن مهْدي عَن خَالِد بن حميد عَن
بعض أهل الشَّام، أَن ابْن عَبَّاس لم يكن يغْتَسل فِي
بَحر وَلَا نهر إلاَّ وَعَلِيهِ إِزَار، وَإِذا سُئِلَ عَن
ذَلِك قَالَ: إِن لَهُ عَامِرًا. وَرُوِيَ برد عَن
مَكْحُول عَن عَطِيَّة مَرْفُوعا: [حم (من اغْتسل بلَيْل
فِي فضاء فليحاذر على عَوْرَته، وَمن لم يفعل ذَلِك وأصابه
لمَم فَلَا يَلُومن إلاَّ نَفسه) [/ حم وَفِي مرسلات
الزُّهْرِيّ: فِيمَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُد فِي مراسيله عَن
النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، قَالَ: (لَا تغتسلوا
فِي الصَّحرَاء إلاَّ أَن تجذوا متوارى، فَإِن لم تَجدوا
متوارى فليخط أحدكُم كالدائرة، ثمَّ يُسَمِّي الله
تَعَالَى ويغتسل فِيهِ) وروى أَبُو دَاوُد فِي (سنَنه)
قَالَ: حَدثنَا ابْن نفَيْل: قَالَ: حَدثنَا زُهَيْر،
قَالَ عبد الْملك بن أبي سُلَيْمَان الْعَرْزَمِي عَن
عَطاء عَن يعلى. [حم (إِن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم رأى رجلا يغْتَسل بالبزار فَصَعدَ الْمِنْبَر
فَحَمدَ الله وَأثْنى عَلَيْهِ ثمَّ قَالَ: إِن الله حَيّ
ستير يحب الْحيَاء والستر، فَإِذا اغْتسل أحدكُم فليستتر)
[/ حم وَأخرجه النَّسَائِيّ أَيْضا، وَنَصّ أَحْمد فِيمَا
حَكَاهُ ابْن تَيْمِية على كَرَاهَة دُخُول المَاء بِغَيْر
إِزَار، وَقَالَ إِسْحَاق: هُوَ بالإزار أفضل لقَوْل
الْحسن وَالْحُسَيْن رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا، وَقد
قيل لَهما وَقد دخلا المَاء عَلَيْهِمَا بردَان فَقَالَا:
إِن للْمَاء سكاناً.
وَقالَ بَهْزٌ عَنْ أبيهِ عَن جده عَنِ النبيِّ صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم أحقُّ أنْ يُسْتَحْيَا مِنْهُ مِنَ
النَّاسِ
الْكَلَام فِيهِ على أَنْوَاع: الأول: فِي وَجه مُطَابقَة
هَذَا للتَّرْجَمَة، وَهُوَ إِنَّمَا يُطَابق إِذا حملناه
على النّدب والاستحباب لَا على الْإِيجَاب، وَعَلِيهِ
عَامَّة الْفُقَهَاء كَمَا ذَكرْنَاهُ وَقَالَ بَعضهم:
ظَاهر حَدِيث بهز أَن التعري فِي الْخلْوَة غير جَائِز،
لَكِن اسْتدلَّ المُصَنّف على الْجَوَاز فِي الْغسْل
بِقصَّة مُوسَى وَأَيوب، عَلَيْهِمَا السَّلَام. قلت: على
قَوْله لَا يكون حَدِيث بهز مطابقا للتَّرْجَمَة، فَلَا
وَجه لذكره هَاهُنَا لَكِن نقُول: إِنَّه مُطَابق، وإيراده
هَاهُنَا موجه لِأَنَّهُ عِنْده مَحْمُول على النّدب،
كَمَا حمله عَامَّة الْفُقَهَاء، فَإِذا كَانَ مَنْدُوبًا
كَانَ التستر أفضل فيطابق قَوْله: والتستر أفضل خلافًا لما
قَالَه أَبُو عبد الْملك فِيمَا حَكَاهُ ابْن التِّين
عَنهُ، يُرِيد بقوله: فَالله أَحَق أَن يستحي مِنْهُ
النَّاس، أَن لَا يغْتَسل أحد فِي الفلاة، وَهَذَا فِيهِ
حرج بَين، وَنقل عَنهُ أَنه قَالَ: مَعْنَاهُ أَن لَا
يعْصى، وَهَذَا جيد. وَقَالَ الْكرْمَانِي: قَالَ
الْعلمَاء، كشف الْعَوْرَة فِي حَال الْخلْوَة بِحَيْثُ
لَا يرَاهُ آدَمِيّ: إِن كَانَ لحَاجَة جَازَ، وَإِن كَانَ
لغير حَاجَة فَفِيهِ خلاف فِي كَرَاهَته وتحريمه،
وَالأَصَح عِنْد الشَّافِعِي أَنه حرَام.
النَّوْع الثَّانِي فِي رِجَاله: وهم ثَلَاثَة: الأول:
بهز، بِفَتْح الْبَاء الْمُوَحدَة وَسُكُون الْهَاء وَفِي
آخِره زَاي مُعْجمَة، وَقَالَ الْحَاكِم: بهز كَانَ من
الثِّقَات مِمَّن يحْتَج بحَديثه، وَإِنَّمَا لَا يعد من
الصَّحِيح رُوَاته عَن أَبِيه عَن جده، لِأَنَّهَا شَاذَّة
وَلَا متابع لَهُ فِيهَا، وَقَالَ الْخَطِيب: حدث عَنهُ
الزُّهْرِيّ وَمُحَمّد بن عبد الله الْأنْصَارِيّ، وَبَين
وفاتيهما إِحْدَى وَتسْعُونَ سنة. الثَّانِي: أَبوهُ حكم،
بِفَتْح الْحَاء وَكسر الْكَاف، وَوَقع فِي رِوَايَة
(3/228)
الْأصيلِيّ: وَقَالَ بهز بن حَكِيم يذكر
أَبِيه صَرِيحًا، وَهُوَ تَابِعِيّ ثِقَة. الثَّالِث: جده
مُعَاوِيَة بن حيدة بِفَتْح الْحَاء الْمُهْملَة وَسُكُون
الْيَاء آخر الْحُرُوف، وَهُوَ صَحَابِيّ على مَا قَالَه
صَاحب (الْكَمَال) وَكَلَام البُخَارِيّ يشْعر بذلك
أَيْضا.
النَّوْع الثَّالِث: إِن هَذَا تَعْلِيق من البُخَارِيّ،
وَهُوَ قِطْعَة من حَدِيث طَوِيل أخرجه أَصْحَاب السّنَن
الْأَرْبَعَة فَأَبُو دَاوُد أخرجه فِي كتاب الْحمام،
وَالتِّرْمِذِيّ فِي الاسْتِئْذَان فِي موضِعين،
وَالنَّسَائِيّ فِي عشرَة النِّسَاء، وَابْن مَاجَه فِي
النِّكَاح، وَقَالَ: حدّثنا أَبُو بكر بن أبي شيبَة،
قَالَ: حدّثنا يزِيد بن هَارُون وَأَبُو أُسَامَة قَالَا
حدّثنا بهز بن حَكِيم عَن أَبِيه عَن جده قَالَ: (قلت يَا
رَسُول الله عوراتنا مَا تَأتي مِنْهُ وَمَا نذر؟ قَالَ:
احفظ عورتك إلاَّ من زَوجتك أَو مَا ملئت يَمِينك قلت: يَا
رَسُول الله: أَرَأَيْت أَن كَانَ الْقَوْم بَعضهم فِي
بعض؟ قَالَ: إِن اسْتَطَعْت أَن لَا تريها أحدا فَلَا
تَرَهَا. قلت: يَا رَسُول الله، فَإِن كَانَ أَحَدنَا
خَالِيا؟ قَالَ: فَالله أَحَق أَن يستحي مِنْهُ من
النَّاس) .
النَّوْع الرَّابِع فِي حكمه: وَهُوَ أَن التِّرْمِذِيّ
لما أخرجه قَالَ: حَدِيث حسن، وَصَححهُ الْحَاكِم، وَأما
عِنْد البُخَارِيّ فبهز وَأَبوهُ ليسَا من شَرطه، وَأما
الْإِسْنَاد إِلَى بهز فَصَحِيح، وَلِهَذَا لما علق فِي
النِّكَاح شَيْئا من حَدِيث بهز وَأَبِيهِ لم يجْزم بِهِ،
بل قَالَ: وَيذكر عَن مُعَاوِيَة بن حيدة، فَمن هَذَا يعرف
أَن مُجَرّد جزمه بِالتَّعْلِيقِ لَا يدل على صِحَة
الْإِسْنَاد إلاَّ إِلَى من علق عَنهُ، وَأما فَوْقه فَلَا
يدل فَافْهَم.
النَّوْع الْخَامِس فِي مَعْنَاهُ وَإِعْرَابه، قَوْله:
(عوراتنا) جمع عَورَة، وَهِي كل مَا يستحي مِنْهُ إِذا
ظهر، وَهِي من الرجل مَا بَين السُّرَّة وَالركبَة، وَمن
الْحرَّة جَمِيع الْجَسَد إلاَّ الْوَجْه وَالْيَدَيْنِ
إِلَى الكوعين، وَفِي أخمصها خلاف وَمن الْأمة مثل الرجل،
وَمَا يَبْدُو مِنْهَا فِي الْحَال لخدمة كالرأس والرقبة
والساعد فَلَيْسَ بِعَوْرَة، وَستر الْعَوْرَة فِي
الصَّلَاة وَغير الصَّلَاة وَاجِب، وَفِيه عِنْد الْخلْوَة
خلاف، وكل خلل وعيب فِي شَيْء فَهُوَ عَورَة، قَوْله:
(وَمَا نذر) أَي: وَمَا نَتْرُك، وأمات الْعَرَب ماضي يذر
ويدع إلاَّ مَا جَاءَ فِي قِرَاءَة شَاذَّة فِي قَوْله
تَعَالَى: {مَا وَدعك} بِالتَّخْفِيفِ قَوْله: (أَرَأَيْت)
مَعْنَاهُ أَخْبرنِي قَوْله: (من النَّاس) يتَعَلَّق
بقوله: (أَحَق) وَفِي بَعْضهَا يدل (أَن يستحيي مِنْهُ،
أَن يسْتَتر مِنْهُ) ، وَهُوَ رِوَايَة السَّرخسِيّ.
278 - حدّثنا إسْحَاقُ بنُ نَصْرٍ قالَ حدّثنا عَبْدُ
الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرِ عَنْ هَمَّامِ بنِ مُنَبَّهٍ
عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبيِّ صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم قالَ كَانَتْ بَنُوا إسْرَائِيلَ يَغْتَسِلُونَ
عُرَاةً يَنْظُرُ بَعْضُهُمْ إلَى بَعْضٍ وَكَانَ مُوسَى
يَغْتَسِلُ وَحْدَهُ فقالُوا واللَّهِ مَا يَمْنَعُ مُوسَى
أنْ يَغْتَسِلَ مَعْنَا إلاَّ أنَّهُ فَذَهَبَ مَرَّةً
يَغْتَسِلُ فَوَضَعَ ثَوْبَهُ عَلَى حَجَرٍ فَفَرَّ
الحَجَرُ بِثَّوْبِهِ فَخَرَجَ مُوسَى فِي إثْرِهِ يَقُولُ
ثَوْبِي يَا حَجَرُ حَتَّى نَظَرتْ بَنُو إسْرَائِيلَ إلَى
مُوسَى فقالُوا واللَّهِ مَا بِمُوسَى مِنْ بَأْسٍ
وَأَخَذَ ثَوْبِهِ فَطَفِق بالحَجَرِ ضَرْباً فقالَ أَبُو
هُرَيْرَةَ واللَّهِ إنَّهُ لَنَدَبٌ بالحَجَرِ سِتَّةٌ
أَوْ سَبْعَةٌ ضَرْباً بِالْحَجَرِ.
[/ ح.
مُطَابقَة هَذَا الحَدِيث للتَّرْجَمَة فِي اغتسال مُوسَى
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عُريَانا وَحده خَالِيا عَن
النَّاس، وَلَكِن هَذَا مَبْنِيّ على أَن شرع من قبلنَا من
الْأَنْبِيَاء، عَلَيْهِم الصَّلَاة والسَّلام، هَل
يلْزمنَا أم لَا فِيهِ خلاف، وَالأَصَح أَنه يلْزمنَا إِن
لم يقص الله علينا بالإنكار.
ذكر رِجَاله وهم خَمْسَة: إِسْحَاق بن نصر السَّعْدِيّ
النجاري، قد يذكرهُ البُخَارِيّ تَارَة فِي هَذَا الْكتاب
بِالنِّسْبَةِ إِلَى أَبِيه بِأَن يَقُول: إِسْحَاق بن
إِبْرَاهِيم بن نصر، وَتارَة بِالنِّسْبَةِ إِلَى جده
كَمَا ذكره هَاهُنَا، وَقد تقدم ذكره فِي اباب فضل من علم
وَعلم. الثَّانِي: عبد الرَّزَّاق الصَّنْعَانِيّ.
الثَّالِث: معمر بن رَاشد. الرَّابِع: همام، بِفَتْح
الْهَاء وَتَشْديد الْمِيم، بن مُنَبّه، بِكَسْر الْبَاء
الْمُوَحدَة، وَقد تقدمُوا فِي بَاب حسن إِسْلَام
الْمَرْء. الْخَامِس: أَبُو هُرَيْرَة رَضِي الله تَعَالَى
عَنهُ.
ذكر من أخرجه غَيره أخرجه مُسلم فِي أَحَادِيث
الْأَنْبِيَاء عَلَيْهِم الصَّلَاة وَالسَّلَام، وَفِي
مَوضِع آخر عَن مُحَمَّد بن رَافع عَن عبد الرَّزَّاق،
وَلَفظه (اغْتسل مُوسَى، عَلَيْهِ السَّلَام، عِنْد مويه)
بِضَم الْمِيم وَفتح الْوَاو وَإِسْكَان الْيَاء، تَصْغِير
المَاء، وَأَصله موه، والتصغير يرد الْأَشْيَاء إِلَى
أَصْلهَا، هَكَذَا هُوَ فِي بعض نسخ مُسلم: روى ذَلِك
العذري والباجي. وَفِي مُعظم نسخ مُسلم. مشربَة، بِفَتْح
الْمِيم وَسُكُون الشين الْمُعْجَمَة وَضم الرَّاء وَفتح
الْبَاء الْمُوَحدَة، وَهِي حُفْرَة فِي أصل النَّخْلَة.
وَقَالَ عِيَاض: وأظن الأول تصحيفاً، وَقَالَ [قعالقرطبي
[/ قع: كَانَت بَنو إِسْرَائِيل تفعل هَذَا معاندة
للشَّرْع وَمُخَالفَة لنبيهم، عَلَيْهِ الصَّلَاة
وَالسَّلَام.
(3/229)
ذكر لغاته قَوْله: (كَانَت بَنو
إِسْرَائِيل) هُوَ اسْم يَعْقُوب بن إِسْحَاق بن
إِبْرَاهِيم خَلِيل الرحمان، صلوَات الله عَلَيْهِم
وَسَلَامه، وَسمي بِهِ لِأَنَّهُ سَافر إِلَى خَاله لأمر
ذَكرْنَاهُ فِيمَا مضى، وَكَانَ خَاله فِي حران، وَكَانَ
يسير بِاللَّيْلِ ويكمن بِالنَّهَارِ، وَكَانَ بَنو
يَعْقُوب اثْنَي عشر رجلا وهم: روبيل ويهوذا وشمعون ولاؤي
وداني ويفتالي وزبولون وجاد ويساخر وأشير ويوسف وبنيامين،
وهم الَّذين سماهم الله الأسباط، وَسموا بذلك لِأَن كل
وَاحِد مِنْهُم وَالِد قَبيلَة، والسبط فِي كَلَام
الْعَرَب الشَّجَرَة الملتفة الْكَثِيرَة الأغصان،
والأسباط بني إِسْرَائِيل كالشعوب من الْعَجم، والقبائل من
الْعَرَب، ومُوسَى عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام، من
ذُرِّيَّة لاؤي، وَهُوَ مُوسَى بن عمرَان بن فاهث بن لاؤي.
قَوْله: (آدر) ، زعم ثَعْلَب فِي (الفصيح) أَنه كآدم،
وَقَالَ كرَاع فِي (الْمُنْتَخب) الأدرة، على مِثَال فعله،
فتق يكون فِي إِحْدَى الخصيتين، وَقَالَ عَليّ بن حَمْزَة
فِيمَا ذكره ابْن عُمَيْس يُقَال أدرة وادرة بِالضَّمِّ
وَالْفَتْح وَإِسْكَان الدَّال، وبالفتح والتحريك وَفِي
(الْمُخَصّص) لِابْنِ سَيّده الإدرة الخصية الْعَظِيمَة
إدر الرجل أدراً، وَقيل: الأدر: الَّذِي ينفتق صفاقه
فَيَقَع قصبه فِي صفنه، وَلَا ينفتق إلاَّ من جَانِبه
الْأَيْسَر، وَقد تأدر الرجل من دَاء يُصِيبهُ، والشرج
ضِدّه وَفِي (الْمُحكم) الأدر والمأدور الَّذِي ينفتق
صفاقه، وَقيل: هُوَ أَن يُصِيبهُ فتق فِي إِحْدَى
الخصيتين، وَلَا يُقَال: امْرَأَة أدراء إِمَّا لِأَنَّهُ
لم يسمع، وَإِمَّا أَن يكون لاخْتِلَاف الْخلقَة، وَقد أدر
إدراء، وَالِاسْم الأدرة وَقيل: الخصية الإدراء
الْعَظِيمَة من غير فتق، وَفِي (الْجَامِع) الأدرة والأدر
مصدران، وَاسم المنتفخة الأدرة. وَقيل: إدر الرجل يأدر.
إِذا أَصَابَهُ ذَلِك. وَفِي (الصِّحَاح) الأدرة نفخة فِي
الخصية، يُقَال: رجل أدربين الأدر وَفِي (الجمهرة) هُوَ
الْعَظِيم الخصيتين. قَوْله: (فَخرج) وَفِي رِوَايَة فَجمع
مُوسَى، زعم ابْن سَيّده أَنه يُقَال: جمح الْفرس
بِصَاحِبِهِ جمحاً وجماحاً ذهب يجْرِي جَريا عَالِيا، وكل
شَيْء مضى لَيْسَ على وَجهه فقد جمع قَالَ نفطويه،
الدَّابَّة الجموح هِيَ الَّتِي تميل فِي أحد شقيها وَفِي
(التَّهْذِيب) لأبي مَنْصُور: فرس جموح، إِذا ركب فَلم يرد
اللجام رَأسه، وَهَذَا ذمّ، وَفرس جموح أَي: سريع،
وهذامدح. قَوْله: (فِي إثره) بِكَسْر الْهمزَة وَسُكُون
الثَّاء الْمُثَلَّثَة. وَقَالَ كرَاع إِثْر الشَّيْء
واثره واثره، بِمَعْنى وَقَالَ فِي (الْمُنْتَخب) بوجهيه
إِثْر واثر واثر وَفِي (الواعي) الْأَثر محركة هُوَ مَا
يُؤثر الرجل بقدمه فِي الأَرْض. قَوْله: (ثوبي يَا حجر)
أَي: أَعْطِنِي ثوبي، وَإِنَّمَا خاطبه لِأَنَّهُ أجراه
مجْرى من يعقل لكَونه قر بِثَوْبِهِ، فانتقل عِنْده من حكم
الجماد إِلَى حكم الْحَيَوَان، فناداه فَلَمَّا لم يطعه
ضربه، وَقيل: يحْتَمل أَن يكون مُوسَى، عَلَيْهِ
السَّلَام، أَرَادَ أَن يضْربهُ إِظْهَارًا للمعجزة بتأثير
ضربه، وَيحْتَمل أَن يكون عَن وَحي لإِظْهَار الإعجاز،
وَمَشى الْحجر إِلَى بني إِسْرَائِيل بِالثَّوْبِ أَيْضا
معْجزَة أُخْرَى لمُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام. قَوْله:
فَطَفِقَ (بِالْحجرِ ضربا) كَذَا هُوَ فِي رِوَايَة
الْأَكْثَرين، وَفِي رِوَايَة الْكشميهني والحموي:
(فَطَفِقَ الْحجر) ، وَسَنذكر إعرابه قَوْله: (لندب)
بِفَتْح النُّون وَفتح الدَّال وَفِي آخِره بَاء مُوَحدَة.
قَالَ أَبُو الْمَعَالِي فِي (الْمُنْتَهى) النّدب أثر
الْجرْح إِذا لم يرْتَفع عَن الْجلد، وجرح نديب ذُو ندب،
وَقد انتدبته. جعلته فِي جِسْمه ندبا واثراً، وَالْجمع
أنداب وندوب. وَفِي (الْمُحكم) عَن أبي زيد، وَالْجمع ندب،
وَقيل: النّدب وَاحِد، وَندب ظَهره ندبا وندوبة وندوباً
فَهُوَ ندب، صَارَت فِيهِ ندوب، وأندب بظهره وَفِي ظَهره
غادر فِيهِ ندوباً وَفِي (الِاشْتِقَاق) للرماني عَن
الْأَصْمَعِي: هُوَ الْجرْح إِذا بَقِي مِنْهُ أثر مشرف،
يُقَال) ضربه حَتَّى أندبه.
ذكر إعرابه قَوْله: (بَنو إِسْرَائِيل) لفظ بَنو جمع
السَّلامَة أصلة بنُون لكنه على خلاف الْقيَاس لوُقُوع
التَّغَيُّر فِي مفرده، وَأما التَّأْنِيث فِي الْفِعْل
فعلى قَول من يَقُول: حكم ظَاهر مُطلقًا حكم ظَاهر غير
الْحَقِيقِيّ، فَلَا إِشْكَال وَإِمَّا على قَول من
يَقُول: كل جمع مؤنث إلاَّ السَّلامَة الْمُذكر فتأنيثه
أَيْضا عِنْده على خلاف الْقيَاس أَو بِاعْتِبَار
الْقَبِيلَة قَوْله: (عُرَاة) جمع عارٍ كقضاة جمع قاضٍ،
وانتصابها على الْحَال. قَوْله: (ينظر إِلَى بعض) جملَة
فعلية وَقعت حَالا قَوْله: إِلَّا أَنه آدر اسْتثِْنَاء
مفرغ والمستثنى مِنْهُ مَقْدُور هُوَ امْر من الْأُمُور
قَوْله: (يغْتَسل) جملَة وَقعت حَالا، وَهِي حَال منتظرة.
قَوْله: (يَقُول) جملَة من الْفِعْل وَالْفَاعِل حَال.
قَوْله: (ثوبي) مفعول فعل مَحْذُوف تَقْدِيره، رد ثوبي أَو
أَعْطِنِي ثوبي. قَوْله: (من بَأْس) كلمة من زَائِدَة،
وَهُوَ اسْم كَانَ على تَقْدِير: مَا كَانَ بمُوسَى من
بَأْس، وَفِي أَكثر النّسخ مَا بمُوسَى فعلى هَذَا، من
بَأْس اسْم مَا. قَوْله: (فَطَفِقَ الْحجر) بِنصب: الْحجر،
وَهِي رِوَايَة الْكشميهني والحموي. وطفق؟ من أَفعَال
المقاربة: بِكَسْر الْفَاء وَفتحهَا لُغَتَانِ: وَالْحجر،
مَنْصُوب بِفعل مُقَدّر وَهُوَ: يضْرب، أَي: طفق يضْرب
الْحجر ضربا وَفِي رِوَايَة الْأَكْثَرين: (فَطَفِقَ
بِالْحجرِ، بِزِيَادَة الْبَاء، وَمَعْنَاهَا: جعل
مُلْتَزما بذلك يضْربهُ ضربا.
وَاعْلَم أَن أَفعَال المقاربة ثَلَاثَة أَنْوَاع: الأول:
مَا وضع للدلالة على قرب الْخَبَر، وَهُوَ ثَلَاثَة،
نَحْو:
(3/230)
كَاد وكرب وأوشك. الثَّانِي: مَا وضع
للدلالة على رجائه، وَهِي ثَلَاثَة، نَحْو: عَسى واخلولق
وحرى. الثَّالِث: مَا وضع للدلالة على الشُّرُوع فِيهِ،
وَهُوَ كثير. وَمِنْه، طفق، وَهَذِه كلهَا مُلَازمَة لصيغة
الْمَاضِي إلاَّ أَرْبَعَة فَاسْتعْمل لَهَا مضارع وَهِي:
كَاد وأوشك، وطفق، وَجعل واستعلم مصدر لاثْنَيْنِ وهما:
طفق وَكَاد، وَحكى الْأَخْفَش طفوقاً، عَمَّن قَالَ: طفق
بِالْفَتْح، وطفقاً عَمَّن قَالَ: طفق بِالْكَسْرِ.
قَوْله: (قَالَ أَبُو هُرَيْرَة) قَالَ بَعضهم: هُوَ من
تَتِمَّة مقول همام وَلَيْسَ بمعلق وَقَالَ الْكرْمَانِي:
قَوْله: قَالَ أَبُو هُرَيْرَة اما تَعْلِيق من
البُخَارِيّ وَأما تَتِمَّة مقول همام فَيكون مُسْندًا
(قلت) أحتمال الْأَمريْنِ ظَاهرا وَقطع الْبَعْض بِأحد
الْأَمريْنِ غير مَقْطُوع بِهِ. قَوْله: (سِتَّة)
بِالرَّفْع على الْبَدَلِيَّة أَي: سِتَّة آثَار، أَو هُوَ
مَنْصُوب على التَّمْيِيز، وَكَذَلِكَ: ضربا تَمْيِيز
فَافْهَم.
ذكر استنباط الْأَحْكَام فِيهِ: دَلِيل على إِبَاحَة
التعري فِي الْخلْوَة للْغسْل وَغَيره بِحَيْثُ يَأْمَن
أعين النَّاس. وَفِيه: دَلِيل على جَوَاز النّظر إِلَى
الْعَوْرَة عِنْد الضَّرُورَة الداعية إِلَيْهِ من مداواة
أَو برَاء من الْعُيُوب أَو إِثْبَاتهَا، كالبرص وَغَيره
مِمَّا يتحاكم النَّاس فِيهَا مِمَّا لَا يَد فِيهَا من
رُؤْيَة الْبَصَر بهَا. وَفِيه: جَوَاز الْحلف على
الْإِخْبَار، كحلف أبي هُرَيْرَة، رَضِي الله تَعَالَى
عَنهُ. وَفِيه: دلَالَة على معْجزَة مُوسَى، عَلَيْهِ
الصَّلَاة وَالسَّلَام، وَهُوَ: مشي الْحجر بِثَوْبِهِ
إِلَى مَلأ من بني إِسْرَائِيل ونداؤه، عَلَيْهِ الصَّلَاة
وَالسَّلَام، للحجر، وتأثير ضربه فِيهِ. وَفِيه: دَلِيل
على أَن الله تَعَالَى كمل أَنْبيَاء خلقا وخلقا، ونزههم
عَن المعايب والنقائص. وَفِيه: مَا غلب على مُوسَى صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم من البشرية حَتَّى ضرب الْحجر. فَإِن
قلت: كشف الْعَوْرَة حرَام فِي حق غير الْأَنْبِيَاء،
عَلَيْهِم الصَّلَاة وَالسَّلَام، فَكيف الَّذِي صدر من
مُوسَى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم؟ قلت: ذَاك فِي شرعنا،
وَأما فِي شرعهم فَلَا، وَالدَّلِيل عَلَيْهِ أَنهم
كَانُوا يغتسلون عُرَاة ومُوسَى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
يراهم لَا يُنكر عَلَيْهِم، وَلَو كَانَ حَرَامًا لأنكره.
فَإِن قلت: إِذا كَانَ كَذَلِك فَلم، كَانَ مُوسَى ينْفَرد
فِي الْخلْوَة عِنْد الْغسْل؟ قلت: إِنَّمَا كَانَ يفعل
ذَلِك من بَاب الْحيَاء، لَا أَنه كَانَ يجب عَلَيْهِ
ذَلِك، وَيحْتَمل أَنه كَانَ عَلَيْهِ مئزر رَقِيق فَظهر
مَا تَحْتَهُ لما ابتل بِالْمَاءِ، فَرَأَوْا أَنه أحسن
الْخلق، فَزَالَ عَنْهُم مَا كَانَ فِي نُفُوسهم. فَإِن
قلت: مَا هَذَا الْحجر؟ قلت: قَالَ سعيد بن جُبَير: الْحجر
الَّذِي وضع مُوسَى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ثَوْبه
عَلَيْهِ هُوَ الَّذِي كَانَ يحملهُ مَعَه فِي الْأَسْفَار
فيضربه فيتفجر مِنْهُ المَاء، وَالله أعلم.
(وَعَن أبي هُرَيْرَة عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ بَينا أَيُّوب يغْتَسل
عُريَانا فَخر عَلَيْهِ جَراد من ذهب فَجعل أَيُّوب يحتثي
فِي ثَوْبه فناداه ربه يَا أَيُّوب ألم أكن أغنيتك عَمَّا
ترى قَالَ بلَى وَعزَّتك وَلَكِن لَا غنى بِي عَن بركتك)
هَذَا مَعْطُوف على الْإِسْنَاد الأول وَقد صرح أَبُو
مَسْعُود وَخلف فَقَالَا فِي أطرافهما أَن البُخَارِيّ
رَوَاهُ هَهُنَا عَن اسحق بن نصر وَفِي أَحَادِيث
الْأَنْبِيَاء عَن عبد الله بن مُحَمَّد الْجعْفِيّ
كِلَاهُمَا عَن عبد الرَّزَّاق وَرَوَاهُ أَبُو نعيم
الْأَصْبَهَانِيّ عَن أبي أَحْمد بِهن شيرويه حَدثنَا اسحق
أخبرنَا عبد الرَّزَّاق فَذكره وَذكر أَن البُخَارِيّ
رَوَاهُ عَن اسحق بن نصر عَن عبد الرَّزَّاق وَأورد
الْإِسْمَاعِيلِيّ حَدِيث عبد الرَّزَّاق عَن معمر ثمَّ
لما فرغ مِنْهُ قَالَ عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ قَالَ
رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - "
بَينا أَيُّوب يغْتَسل " الحَدِيث وَقَالَ بَعضهم وَجزم
الْكرْمَانِي بِأَنَّهُ تَعْلِيق بِصِيغَة التمريض
فَأَخْطَأَ فَإِن الْخَبَرَيْنِ ثابتان فِي نُسْخَة همام
بِالْإِسْنَادِ الْمَذْكُور (قلت) الْكرْمَانِي لم يجْزم
بذلك وَإِنَّمَا قَالَ تَعْلِيق بِصِيغَة التمريض بِنَاء
على الظَّاهِر لِأَنَّهُ لم يطلع على مَا ذكرنَا قَوْله "
بَينا " بِالْألف أَصله بَين بِلَا الْألف زيدت الْألف
فِيهِ لإشباع الفتحة وَالْعَامِل فِيهِ قَوْله " خر "
وَمَا قيل أَن مَا بعد الْفَاء لَا يعْمل فِيمَا قبله
لِأَن فِيهِ معنى الجزائية إِذْ بَين مُتَضَمّن للشّرط
فَجَوَابه لَا نسلم عدم عمله سِيمَا فِي الظّرْف إِذْ
فِيهِ توسع وَالْعَامِل خر الْمُقدر وَالْمَذْكُور مُفَسّر
لَهُ وَمَا قيل أَن الْمَشْهُور دُخُول إِذا وَإِذا فِي
جَوَابه فَجَوَابه كَمَا أَن إِذا تقوم مقَام الْفَاء فِي
جَوَاب الشَّرْط نَحْو قَوْله {وَإِن تصبهم سَيِّئَة بِمَا
قدمت أَيْديهم إِذا هم يقنطون} تقوم الْفَاء مقَام إِذا
فِي جَوَاب بَين فبينهما مُعَاوضَة قَوْله " أَيُّوب "
اسْم أعجمي وَهُوَ ابْن أموص بن زراح بن عيص بن اسحق بن
إِبْرَاهِيم عَلَيْهِم الصَّلَاة وَالسَّلَام وَهَذَا هُوَ
الْمَشْهُور وَقَالَ بَعضهم أَيُّوب بن أموص بن زيرح ابْن
زعويل بن عيص بن اسحق وَقَالَ آخَرُونَ أَيُّوب بن أموص بن
زراح بن روم بن عيص بن اسحق وَأمه بنت لوط عَلَيْهِ
الصَّلَاة وَالسَّلَام
(3/231)
وَكَانَ أَيُّوب فِي زمَان يَعْقُوب
وَقَالَ ابْن الْكَلْبِيّ كَانَت مَنَازِله الثَّنية من
أَرض الشَّام والجابية من كورة دمشق وَكَانَ الْجَمِيع
لَهُ ومقامه بقرية تعرف بدير أَيُّوب وقبره بهَا وَإِلَى
هَلُمَّ جرا وَهِي قَرْيَة من نوى عَلَيْهِ مشْهد
وَهُنَاكَ قدم فِي حجر يَقُولُونَ أَنَّهَا أثر قدمه
وَهُنَاكَ عين يتبرك بهَا وَكَانَ أعبد أهل زَمَانه وعاش
ثَلَاثًا وَتِسْعين سنة قَوْله " يغْتَسل " جملَة فِي مَحل
الرّفْع لِأَنَّهَا خبر الْمُبْتَدَأ وَهُوَ قَوْله "
أَيُّوب " وَالْجُمْلَة فِي مَحل الْجَرّ بِإِضَافَة بَين
إِلَيْهِ قَوْله " عُريَانا " نصب على الْحَال ومصروف
لِأَنَّهُ فعلان بِالضَّمِّ بِخِلَاف فعلان بِالْفَتْح
كَمَا عرف فِي مَوْضِعه قَوْله " جَراد " بِالرَّفْع فَاعل
خر قَالَ ابْن سَيّده الْجَرَاد مَعْرُوف قَالَ أَبُو عبيد
قيل هُوَ سروة ثمَّ دبا ثمَّ غوغا ثمَّ كتفان ثمَّ خيفان
ثمَّ جَراد وَقَالَ أَبُو اسحق إِبْرَاهِيم بن إِسْمَاعِيل
الأجواني أول مَا يكون الْجَرَاد دبا ثمَّ يكون غوغا إِذا
ماج بعضه فِي بعض ثمَّ يكون كتفانا ثمَّ يصير خيفانا إِذا
صَارَت فِيهِ خطوط مُخْتَلفَة الْوَاحِدَة خيفانة ثمَّ
يكون جَرَادًا وَقيل الْجَرَاد الذّكر والجرادة الْأُنْثَى
وَمن كَلَامهم رَأَيْت جَرَادًا على جَرَادَة كَقَوْلِهِم
رَأَيْت نعاما على نعَامَة وَفِي الصِّحَاح الْجَرَاد
مَعْرُوف والواحدة الجرادة يَقع على الذّكر وَالْأُنْثَى
وَلَيْسَ الْجَرَاد بِذكر للجرادة إِنَّمَا هُوَ اسْم جنس
كالبقر وَالْبَقَرَة وَالتَّمْر وَالتَّمْرَة وَالْحمام
والحمامة وَمَا أشبه ذَلِك فَحق مؤنثه أَن لَا يكون مؤنثه
من لَفظه لِئَلَّا يلتبس الْوَاحِد الْمُذكر بِالْجمعِ
وَقَالَ ابْن دُرَيْد فِي الجمهرة سمي جَراد لِأَنَّهُ
يجرد الأَرْض فَإِنَّهُ يَأْكُل مَا عَلَيْهَا وَكَذَا
هُوَ فِي الِاشْتِقَاق للرماني قَوْله " يحتثي " من بَاب
الافتعال من الحثي بِفَتْح الْحَاء الْمُهْملَة وَسُكُون
الثَّاء الْمُثَلَّثَة قَالَ ابْن سَيّده الحثي مَا رفعت
بِهِ يَديك يُقَال حَتَّى يحثي ويحثو وَالْيَاء أَعلَى
وَزعم ابْن قرقول أَنه يكون بِالْيَدِ الْوَاحِدَة أَيْضا
وَفِي الصِّحَاح حثى فِي وَجهه التُّرَاب يحثو ويحثي حثوا
وحثيا وتحثيا وحثوت لَهُ إِذا أَعْطيته شَيْئا يَسِيرا
وَيُقَال الحثية باليدين جَمِيعًا عِنْد أهل اللُّغَة
وَقَالَ الْكرْمَانِي يحتثي أَي يَرْمِي يَعْنِي يَأْخُذ
وَيَرْمِي فِي ثَوْبه وَقَالَ بَعضهم وَقع فِي رِوَايَة
الْقَابِسِيّ عَن زيد يحتثن بنُون فِي آخِره بدل الْيَاء
(قلت) أمعنت النّظر فِي كتب اللُّغَة فَمَا وجدت لَهَا
وَجها فِي هَذَا قَوْله " فناداه ربه " يحْتَمل أَن يكون
كَلمه كَمَا كلم مُوسَى وَهُوَ أولى بِظَاهِر اللَّفْظ
وَيحْتَمل أَن يُرْسل إِلَيْهِ ملكا فَسمى هَذَا بذلك
قَوْله " بلَى " أَي بلَى أغنيتني وَقَالَ الْكرْمَانِي
وَلَو قيل فِي مثل هَذِه الْمَوَاضِع بدل بلَى نعم لَا
يجوز بل يكون كفرا (قلت) لِأَن بلَى مُخْتَصَّة بِإِيجَاب
النَّفْي وَنعم مقررة لما سبقها وَالْمرَاد فِي قَوْله
تَعَالَى {أَلَسْت بربكم قَالُوا بلَى} أَنْت رَبنَا
وَقَالَ الْمُفَسِّرُونَ لَو قَالُوا نعم لكفروا
وَالْفُقَهَاء لم يفرقُوا فِي الأقارير لِأَن مبناها على
الْعرف وَلَا فرق بَينهمَا فِي الْعرف قَوْله " لَا غنى
بِي " قَالَ بَعضهم لَا غنى بِالْقصرِ بِلَا تَنْوِين على
أَن لَا بِمَعْنى لَيْسَ (قلت) هَذَا الْقَائِل لم يدر
الْفرق بَين لَا بِمَعْنى لَيْسَ وَبَين لَا إِلَى لنفي
الْجِنْس فَإِذا كَانَت بِمَعْنى لَيْسَ فَهُوَ منون
مَرْفُوع وَإِذا كَانَت بِمَعْنى لَا لنفي الْجِنْس يكون
مَبْنِيا على مَا ينصب بِهِ وَلَا ينون وَيجوز هَهُنَا
الْوَجْهَانِ وَلَا فرق بَينهمَا فِي الْمَعْنى لِأَن
النكرَة فِي سِيَاق النَّفْي تفِيد الْعُمُوم وَقَالَ
صَاحب الْكَشَّاف فِي أول الْبَقَرَة قرىء لَا ريب
بِالرَّفْع وَالْفرق بَينهَا وَبَين الْقِرَاءَة
الْمَشْهُورَة أَن الْمَشْهُورَة توجب الِاسْتِغْرَاق
وَهَذِه تجوزه (فَإِن قلت) خبر لَا مَا هُوَ هَل هُوَ لفظ
بِي أَو عَن بركتك قلت يجوز كِلَاهُمَا وَالْمعْنَى صَحِيح
على التَّقْدِيرَيْنِ قَوْله " عَن بركتك " الْبركَة
كَثِيرَة الْخَيْر. (وَمِمَّا يستنبط مِنْهُ) مَا قَالَه
ابْن بطال جَوَاز الِاغْتِسَال عُريَانا لِأَن الله
تَعَالَى عَاتب أَيُّوب عَلَيْهِ السَّلَام على جمع
الْجَرَاد وَلم يعاتبه على الِاغْتِسَال عُريَانا وَفِيه
جَوَاز الْحلف بِصفة من صِفَات الله تَعَالَى وَقَالَ
الدَّاودِيّ فِيهِ فضل الكفاف على الْفقر لِأَن أَيُّوب
عَلَيْهِ السَّلَام لم يكن يَأْخُذ ذَلِك مفاخرا وَلَا
مكاثرا وَإِنَّمَا أَخذه ليستعين بِهِ فِيمَا لَا بُد لَهُ
مِنْهُ وَلم يكن الرب جلّ وَعلا ليعطيه مَا ينقص بِهِ حَظه
وَفِيه الْحِرْص على الْحَلَال وَفِيه فضل الْغنى
لِأَنَّهُ سَمَّاهُ بركَة
(وَرَوَاهُ إِبْرَاهِيم عَن مُوسَى بن عقبَة عَن صَفْوَان
عَن عَطاء بن يسَار عَن أبي هُرَيْرَة عَن النَّبِي -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ بَينا أَيُّوب
يغْتَسل عُريَانا) أَي روى هَذَا الحَدِيث الْمَذْكُور
إِبْرَاهِيم وَهُوَ ابْن طهْمَان بِفَتْح الطَّاء
الْخُرَاسَانِي أَبُو سعيد مَاتَ بِمَكَّة سنة ثَلَاث
وَسِتِّينَ وَمِائَة عَن مُوسَى بن عقبَة بِضَم الْعين
وَسُكُون الْقَاف وَفتح الْبَاء الْمُوَحدَة التَّابِعِيّ
تقدم فِي بَاب إسباغ الْوضُوء عَن صَفْوَان بن سليم بِضَم
السِّين الْمُهْملَة وَفتح اللَّام التَّابِعِيّ الْمدنِي
أَبُو عبد الله الإِمَام الْقدْوَة يُقَال أَنه لم يضع
جنبه على الأَرْض أَرْبَعِينَ سنة وَكَانَ
(3/232)
لَا يقبل جوائز السُّلْطَان وَقَالَ أَحْمد
يسْتَنْزل بِذكرِهِ الْقطر مَاتَ بِالْمَدِينَةِ عَام
اثْنَيْنِ وَثَلَاثِينَ وَمِائَة عَن عَطاء بن يسَار ضد
الْيَمين تقدم فِي بَاب كفران العشير وَهَذِه الرِّوَايَة
مَوْصُولَة أخرجهَا النَّسَائِيّ عَن أَحْمد بن حَفْص عَن
أَبِيه عَن إِبْرَاهِيم بِهِ وَأخرجه الْإِسْمَاعِيلِيّ
فَقَالَ حَدثنَا أَبُو بكير بن عبيد الشعراني وَأَبُو عمر
وَأحمد بن مُحَمَّد الْحِيرِي قَالَا حَدثنَا أَحْمد بن
حَفْص حَدثنِي أبي حَدثنِي إِبْرَاهِيم عَن مُوسَى بن
عقبَة الخ وَلما ذكره الْحميدِي قَالَ عَطاء تَعْلِيقا عَن
أبي هُرَيْرَة ثمَّ قَالَ لم يزدْ يَعْنِي البُخَارِيّ على
هَذَا الحَدِيث من رِوَايَة عَطاء وَقد أخرجه وَلم يذكر
اسْم شَيْخه وأرسله وَقَالَ الْكرْمَانِي فَإِن قلت لم أخر
الْإِسْنَاد عَن الْمَتْن قلت لَعَلَّ لَهُ طَرِيقا آخر
غير هَذَا وَتَركه وَذكر الحَدِيث تَعْلِيقا لغَرَض من
الْأَغْرَاض الَّتِي تتَعَلَّق بالتعليقات ثمَّ قَالَ
وَرَوَاهُ إِبْرَاهِيم إشعارا بِهَذَا الطَّرِيق الآخر
وَهَذَا أَيْضا تَعْلِيق لِأَن البُخَارِيّ لم يدْرك عصر
إِبْرَاهِيم ثمَّ أَن الْمُحدثين كثيرا مِنْهُم يذكر
الحَدِيث أَولا ثمَّ يَأْتِي بِالْإِسْنَادِ لَكِن
الْغَالِب عَكسه. (وَمن لطائف الْإِسْنَاد الْمَذْكُور)
أَن فِيهِ العنعنة فِي أَرْبَعَة مَوَاضِع وَأَن فِيهِ
رِوَايَة تَابِعِيّ عَن تَابِعِيّ (فَإِن قلت) قَوْله
بَينا أَيُّوب مَا وَقع من أَنْوَاع الْكَلَام (قلت) هُوَ
بدل من الضَّمِير الْمَنْصُوب فِي رِوَايَة إِبْرَاهِيم
21 - (بابُ التَسَتَّرِ فِي الغُسْلِ عِنْدَ النَّاس)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان التستر إِلَى آخِره، ويروى، من
النَّاس.
والمناسبة بَين الْبَابَيْنِ من حَيْثُ إِنَّه لما بَين
حكم التعري فِي الْخلْوَة شرع هَاهُنَا يبين التستر عِنْد
النَّاس.
280 - حدّثنا عَبْدُ اللَّهِ بِنُ مَسْلَمَةَ عَنْ مَالِكِ
عَنْ أبي النَّصْرِ مَوْلَى عُمَرَ بنِ عُبَيْدَ اللَّهِ
أنّ أَبَا مُرَّةَ مَوْلَى أَمَّ هانِىءِ بِنْتِ أبي
طالِبٍ أخْبَرَهُ أنَّهُ سَمِعَ أَمُ هَانِىءِ بِنْتَ أبي
طالِبٍ تَقُولُ ذَهَبْتُ إلَى رسولِ اللَّهِ صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم عامَ الفَتْح فَوَجَدْتُهُ يَغْتَسِلْ
وَفَاطِمَةُ تَسْتُرُهُ فَقَالَ مَنْ هَذِهِ فَقُلْتُ
أَنَا أُمُّ هَانِىءِ.
[/ ح.
مُطَابقَة الحَدِيث للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة.
ذكر رِجَاله وهم خَمْسَة: الأول: عبد الله بن مسلمة،
بِفَتْح الْمِيم وَاللَّام، تقدم فِي بَاب من الدّين
الْفِرَار من الْفِتَن. الثَّانِي: مَالك بن أنس الإِمَام،
تقدم هُنَاكَ أَيْضا. الثَّالِث: أَبُو النَّضر، بِفَتْح
النُّون وَسُكُون الضَّاد الْمُعْجَمَة واسْمه سَالم بن
أبي أُميَّة، مولى عمر، بِدُونِ الْوَاو، ابْن عبيد الله،
بِالتَّصْغِيرِ، التَّابِعِيّ تقدم فِي بَاب الْمسْح على
الْخُفَّيْنِ. الرَّابِع: أَبُو مرّة بِضَم الْمِيم
وَتَشْديد الرَّاء، تقدم فِي بَاب من قعد حَيْثُ يَنْتَهِي
بِهِ الْمجْلس فَإِن قلت: ذكر فِيهِ أَنه مولى عقيل بن أبي
طَالب (قلت) هُوَ مولى أم هَانِيء وَلَكِن لشدَّة ملازمته
وَكَثْرَة مصاحبته لعقيل نسب إِلَيْهِ وَقيل كَانَ مولى
لَهما. الْخَامِس: أم هانىء، بالنُّون وبهمزة فِي آخِره،
وكنيت باسم ابْنهَا، وَاسْمهَا: فَاخِتَة، وَقيل: عَاتِكَة
بِالْعينِ الْمُهْملَة، وبالتاء الْمُثَنَّاة من فَوق،
وَقيل فَاطِمَة، وَقيل: هِنْد، وَهِي أُخْت عَليّ، رَضِي
الله تَعَالَى عَنْهُمَا، وَرُوِيَ لَهَا سِتَّة
وَأَرْبَعُونَ حَدِيثا.
ذكر لطائف إِسْنَاده فِيهِ: التحديث بِصِيغَة الْجمع فِي
مَوضِع وَاحِد، والعنعنة فِي مَوضِع وَاحِد. وَفِيه:
الْإِخْبَار بِصِيغَة الْإِفْرَاد. وَفِيه: السماع
وَالْقَوْل. وَفِيه: رِوَايَة التَّابِعِيّ عَن
التَّابِعِيّ عَن الصحابية، وَأَن رُوَاته مدنيون.
ذكر تعدد مَوْضِعه وَمن أخرجه غَيره أخرجه البُخَارِيّ فِي
الْأَدَب أَيْضا عَن عبد الله بن مسلمة، وَأخرجه فِي
الصَّلَاة عَن إِسْمَاعِيل بن أويس، وَأخرجه فِي
الْجِزْيَة عَن عبد الله بن يُوسُف، ثَلَاثَتهمْ عَن مَالك
وَأخرجه مُسلم فِي الطَّهَارَة، وَفِي الصَّلَاة عَن يحيى
بن يحيى عَن مَالك بِهِ، وَفِي الطَّهَارَة أَيْضا عَن
مُحَمَّد بن رمح عَن لَيْث عَن يزِيد بن أبي حبيب، وَعَن
أبي كريب عَن أبي أُسَامَة عَن الْوَلِيد بن كثير عَن سعيد
بن أبي هِنْد عَن أبي مرّة عَن أم هانىء بِهِ مُخْتَصرا
وَفِي الصَّلَاة أَيْضا عَن حجاج ابْن الشَّاعِر عَن مُعلى
بن أَسد عَن وهب بن خَالِد عَن جَعْفَر بن مُحَمَّد عَن
أَبِيه عَن أبي مرّة عَن أم هانىء بِهِ مُخْتَصرا وَأخرجه
التِّرْمِذِيّ فِي الاسْتِئْذَان عَن إِسْحَاق بن مُوسَى
عَن معن عَن مَالك بِهِ مُخْتَصرا، وَقَالَ: صَحِيح وَفِي
السّير عَن أبي الْوَلِيد الدِّمَشْقِي
(3/233)
وَهُوَ أَحْمد بن عبد الرَّحْمَن بن بكار
عَن الْوَلِيد بن مُسلم عَن ابْن أبي ذِئْب عَن سعيد
المَقْبُري عَن أبي مرّة عَن أم هانىء. وَأخرجه
النَّسَائِيّ فِي الطَّهَارَة عَن يَعْقُوب بن إِبْرَاهِيم
عَن ابْن مهْدي عَن مَالك نَحْو حَدِيث معن، وَفِي السّير
عَن إِسْمَاعِيل بن مَسْعُود عَن خَالِد بن الْحَارِث عَن
ابْن أبي ذِئْب نَحْو حَدِيث الْوَلِيد: وَأخرجه ابْن
مَاجَه فِي الطَّهَارَة عَن مُحَمَّد بن رمح.
ذكر بَقِيَّة الْكَلَام قَوْله: (عَام الْفَتْح) أَي: فتح
مَكَّة. وَكَانَ فِي رَمَضَان سنة ثَمَان. قَوْله:
(يغْتَسل) جملَة فِي مَحل نصب على أَنَّهَا مفعول ثَان
لوجدت. قَوْله: (وَفَاطِمَة تستره) . جملَة إسمية ومحلها
النصب على الْحَال، وَفَاطِمَة هِيَ بنت النَّبِي صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم تقدم ذكرهَا فِي بَاب غسل الْمَرْأَة
أَبَاهَا الدَّم. قَوْله: (فَقَالَ من هَذِه) ، يدل على
أَن السّتْر كَانَ كثيفاً، وَعرف أَيْضا أَنَّهَا امْرَأَة
لكَون ذَلِك الْموضع لَا يدْخل عَلَيْهِ فِيهِ الرِّجَال.
وَمِمَّا يستنبط مِنْهُ. وجوب الاستتار فِي الْغسْل عَن
أعين النَّاس، فَكَمَا لَا يجوز لأحد أَن يُبْدِي عَوْرَته
لأحد من غير ضَرُورَة، فَكَذَلِك لَا يجوز لَهُ أَن ينظر
إِلَى فرج أحد من غير ضَرُورَة، وَاتفقَ أَئِمَّة
الْفَتْوَى، كَمَا نَقله ابْن بطال، على أَن من دخل
الْحمام بِغَيْر مئزر أَنه تسْقط شَهَادَته بذلك، وَهَذَا
قَول مَالك وَالثَّوْري وَأبي حنيفَة وَأَصْحَابه،
وَالشَّافِعِيّ وَاخْتلفُوا إِذا انْزعْ مِئْزَره وَدخل
الْحَوْض وبدت عَوْرَته عِنْد دُخُوله. فَقَالَ مَالك
وَالشَّافِعِيّ: تسْقط شَهَادَته بذلك أَيْضا، وَقَالَ
أَبُو حنيفَة وَالثَّوْري لَا تسْقط شَهَادَته بذلك،
وَهَذَا يعْذر بِهِ لِأَنَّهُ لَا يُمكن التَّحَرُّز
عَنهُ. قَالَ: وَأجْمع الْعلمَاء على أَن للرجل أَن يرى
عَورَة أَهله وَترى عَوْرَته. وَفِيه: مَا قَالَ
الثَّوْريّ: فِيهِ دَلِيل على جَوَاز اغتسال الْإِنْسَان
بِحَضْرَة امْرَأَة من مَحَارمه إِذا كَانَ يحول بَينهَا
وَبَينه سَاتِر من ثوب أَو غَيره.
281 - حدّثنا عَبْدَانُ قالَ أخْبَرنا عَبْدُ اللَّهِ
أخبرنَا سُفْيَانُ عَنِ الأعْمَشِ عَنْ سَالِمِ بنِ أبي
الجَعْدُ عَنْ كُرَيْبٍ عَنِ ابنِ عَبَّاسٍ عَنْ
مَيْمُونَةَ قالتُ سَتَرْتُ النَّبيِّ صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم وَهُوَ يَغْتَسِلُ مِنَ الجَنَابَةِ فَغَسَلَ
يَدَيْهِ ثُمَّ صَبَّ بِيَمِينِهِ عَلَى شِمَالِهِ
فَغَسَلَ فَرْجَهُ وَمَا أَصَابَهُ ثُمَّ مَسَحَ بِيَدِهِ
عَلى الحَائِطِ أوْ الأَرْضِ ثُمَّ تَوَضَأَ وُضُوءَهُ
لِلصَّلاَةِ غَيْرَ رَجْلَيْهِ ثُمَّ أَفَاضَ عَلى
جَسَدِهِ المَاءَ ثُمَّ تَنَحَّى فَغَسَلَ قَدَمَيْهِ.
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة فِي قَوْله: (سترت رَسُول
الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم) ، وَقد قُلْنَا إِن
البُخَارِيّ ذكر حَدِيث مَيْمُونَة هَذَا فِي ثَمَانِيَة
مَوَاضِع، وَهَذَا هُوَ الثَّامِن، وَقد تقدم هَذَا فِي
أول الْغسْل غير أَن بَينه وَبَين سُفْيَان الثَّوْريّ
هُنَاكَ وَاحِدًا وَهُوَ شَيْخه مُحَمَّد بن يُوسُف،
وَهَاهُنَا بَينه وَبَين سُفْيَان الثَّوْريّ اثْنَان:
إحدهما هُوَ شَيْخه عَبْدَانِ، وَالْآخر: عبد الله بن
الْمُبَارك.
وَقد ذكرنَا مَا فِيهِ من أَنْوَاع مَا يتَعَلَّق بِهِ
مستقصى.
تابَعَهُ أَبُو عَوَانَةَ وابنُ فُضَيْلٍ فِي السَّتْرِ
أَي: تَابع سُفْيَان أَبُو عوَانَة الوضاح الْيَشْكُرِي
فِي الرِّوَايَة عَن الْأَعْمَش، وَقد ذكر البُخَارِيّ
هَذِه الْمُتَابَعَة فِي بَاب من أفرغ بِيَمِينِهِ حَيْثُ
قَالَ: حَدثنَا مُوسَى بن إِسْمَاعِيل. قَالَ: حَدثنَا
أَبُو عوَانَة حَدثنَا الْأَعْمَش عَن سَالم بن أبي
الْجَعْد عَن كريب مولى ابْن عَبَّاس عَن ابْن عَبَّاس عَن
مَيْمُونَة الحَدِيث. قَوْله: (وَابْن فُضَيْل) أَي:
وَتَابعه أَيْضا مُحَمَّد بن فُضَيْل بن غَزوَان فِي
الرِّوَايَة عَن الْأَعْمَش، وَرِوَايَته مَوْصُولَة فِي
(صَحِيح) أبي عوَانَة الأسفرائني نَحْو رِوَايَة أبي
عوَانَة الْبَصْرِيّ. قَوْله: (فِي السّتْر) وَفِي بعض
النّسخ فِي التستر أَرَادَ تَابعا سُفْيَان فِي لفظ (سترت
النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم) .
22 - (بابٌ إذَا احتَلَمَتِ المَرْأَةُ)
أَي: هَذَا بَاب مَا يكون فِيهِ من الحكم إِذا احْتَلَمت
الْمَرْأَة، والاحتلام من الْحلم، وَهُوَ عبارَة عَمَّا
يرَاهُ النَّائِم فِي نَومه من الْأَشْيَاء، يُقَال: حلم،
بِالْفَتْح: إِذا رأى، وتحلم إِذا ادّعى الرُّؤْيَا
كَاذِبًا.
وَجه الْمُنَاسبَة بَين الْبَابَيْنِ من حَيْثُ إِن
الْمَذْكُور فِي كل مِنْهُمَا بَيَان حكم الِاغْتِسَال من
الْجَنَابَة فَإِن قلت: حكم الرجل إِذا احْتَلَمَ مثل حكم
الْمَرْأَة، فَمَا وَجه تقييدها هَذَا الْبَاب
بِالْمَرْأَةِ وتخصيصه بهَا؟ قلت: الْجَواب عَنهُ
بِوَجْهَيْنِ أَحدهمَا: أَن صُورَة السُّؤَال كَانَت فِي
الْمَرْأَة، فقيد الْبَاب بهَا لموافقته صُورَة السُّؤَال،
وَالثَّانِي:
(3/234)
فِيهِ الْإِشَارَة إِلَى الرَّد على من منع
مِنْهُ فِي حق الْمَرْأَة دون الرجل، فنبه على أَن حكم
الْمَرْأَة كَحكم الرجل فِي هَذَا الْبَاب، أَلا ترى كَيفَ
قَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام، فِي جَوَاب أم
سليم: (الْمَرْأَة ترى ذَلِك أعليها الْغسْل؟ نعم،
إِنَّمَا النِّسَاء شقائق الرِّجَال) ؟ رَوَاهُ أَبُو
دَاوُد، وَالْمعْنَى أَن النِّسَاء نَظَائِر الرجل
وأمثالهم فِي الْأَخْلَاق والطباع كأنهن شققْنَ مِنْهُنَّ،
وحواء خلقت من آدم، عَلَيْهِمَا السَّلَام. والشقائق جمع
شَقِيقَة، وَمِنْه: شَقِيق الرجل وَهُوَ أَخُوهُ لِأَبِيهِ
وَأمه، وَيجمع على أشقاء أَيْضا، بتَشْديد الْقَاف، وَنسب
منع هَذَا الحكم فِي الْمَرْأَة إِلَى إِبْرَاهِيم
النَّخعِيّ على مَا روى ابْن أبي شيبَة فِي (مُصَنفه)
عَنهُ ذَلِك بِإِسْنَاد جيد فَكَأَن النَّوَوِيّ لم يقف
على هَذَا واستبعد صِحَّته عَنهُ.
282 - حدّثنا عَبْدُ اللَّهِ بنِ يُوسُفَ قالَ أخبرْنا
مالِكٌ عَنْ هِشَامِ بنِ عُرْوَةَ عَنْ أبِيهِ عَنْ
زَيْنَبَ بِنْتَ أبي سَلَمَةَ عَنْ أُمِّ المُؤْمِنِينَ
أنَّها قَالَتْ أُمُّ سَلْيمٍ امْرَأَةُ أبي طَلْحَةَ إلَى
رسولِ اللَّه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فقالَتْ يَا رَسُول
اللَّهِ إنَّ اللَّهَ لاَ يَسْتَحِيَّ مِنَ الحَقِ هَلُ
عَلَى المَرْأَةَ مِنْ غُسْلِ إذَا هِيَ احْتَلَمَتْ
فَقَالَ رسولُ اللَّهِ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم نَعَمْ
إذَا رَأَتْ المَاءِ. [/ نه
مُطَابقَة الحَدِيث للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة.
ذكر رِجَاله وهم سِتَّة: الأول: عبد اللهبن يُوسُف
التنيسِي. الثَّانِي: مَالك بن أنس. الثَّالِث: هِشَام بن
عُرْوَة. الرَّابِع: أَبوهُ عُرْوَة بن الزبير بن
الْعَوام. الْخَامِس: زَيْنَب بنت أبي سَلمَة، وَاسم أبي
سَلمَة عبد الله بن عبد الْأسد المَخْزُومِي، وَفِي
(تَهْذِيب التَّهْذِيب) أَبُو سَلمَة بن عبد الْأسد
المَخْزُومِي أحد السَّابِقين عبد الله أَخُو النَّبِي صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم من الرضَاعَة، وَذكر البُخَارِيّ
هَذَا الحَدِيث فِي بَاب الْحيَاء فِي الْعلم. وَفِيه
زَيْنَب بنت أم سَلمَة، فنسبت زَيْنَب هُنَاكَ إِلَى
أمهَا، وهاهناإلى أَبِيهَا وَاسم أم سَلمَة: هِنْد بنت أبي
أُميَّة، واسْمه حُذَيْفَة وَيُقَال: سهل بن المغير بن عبد
الله بن عمر بن مَخْزُوم، وَأم سَلمَة أم الْمُؤمنِينَ،
كَانَت قبل النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عِنْد أبي
سَلمَة الْمَذْكُور، وَزَيْنَب هِيَ أُخْت سَلمَة، فكنى كل
وَاحِد من أم زينتب وأبيها بسلمة، فَلذَلِك تنْسب زَيْنَب
تَارَة إِلَى أَبِيهَا ببنت أبي سَلمَة، وَتارَة إِلَى
أمهَا ببنت أم سَلمَة، وَالْمعْنَى وَاحِد. السَّادِس: أم
سَلمَة، أم الْمُؤمنِينَ، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا.
وَأم سليم، بِضَم السِّين الْمُهْملَة وَفتح اللَّام،
وَاخْتلف فِي اسْمهَا، فَقيل: سهلة، وَقيل: رميلة، وَقيل
رميثة وَقيل: مليكَة، وَقيل: الغميصاء، وَقيل: الرميصاء،
وَأنْكرهُ أَبُو دَاوُد، وَقَالَ الرميصاء أُخْتهَا، وَعند
ابْن سعد، أنيفة، وَأنْكرهُ ابْن حبَان، وَأم سليم بنت
ملْحَان الخزرجية النجارية، وَالِدَة أنس بن مَالك زَوْجَة
أبي طَلْحَة، كَانَت فاضلة دينة، وَاسم أبي طَلْحَة، زيد
بن سهل بن الْأسود بن حرَام الْأنْصَارِيّ، النَّقِيب،
كَبِير الْقدر، بَدْرِي مَشْهُور.
ذكر لطائف إِسْنَاده فِيهِ: التحديث بِصِيغَة الْجمع
وَهُوَ مَوضِع وَاحِد. وَفِيه: الْإِخْبَار كَذَلِك فِي
مَوضِع وَاحِد، وَفِيه: العنعنة فِي أَرْبَعَة مَوَاضِع.
وَفِيه: القَوْل. وَفِيه: ثَلَاث صحابيات. وَفِيه: أَن
رُوَاته مدنيون مَا خلا عبد الله بن يُوسُف.
ذكر تعدد مَوْضِعه وَمن أخرجه غَيره أخرجه البُخَارِيّ فِي
سِتَّة مَوَاضِع. فِي الْغسْل هَاهُنَا عَن عبد الله بن
يُوسُف، وَفِي الْأَدَب عَن إِسْمَاعِيل، وَعَن مُحَمَّد
بن الْمثنى، وَعَن مَالك بن إِسْمَاعِيل، وَفِي خلق آدم
عَن مُسَدّد، وَفِي الْعلم عَن مُحَمَّد بن سَلام، وَأخرجه
مُسلم فِي الطَّهَارَة عَن يحيى بن يحيى، وَعَن أبي بكر بن
أبي شيبَة وَزُهَيْر بن حَرْب، وَعَن ابْن أبي عمر.
وَأخرجه التِّرْمِذِيّ فِي الطَّهَارَة عَن ابْن أبي عمر
بِهِ وَأخرجه النَّسَائِيّ فِيهِ، وَفِي الْعلم عَن
شُعَيْب بن يُوسُف وَأخرجه ابْن مَاجَه فِي الطَّهَارَة
عَن ابْن أبي شيبَة، وَعلي بن مُحَمَّد، وَرَوَاهُ أَبُو
دَاوُد عَن أَحْمد بن صَالح، قَالَ: حَدثنَا عنبة عَن
يُونُس بن شهَاب، قَالَ: قَالَ عُرْوَة عَن عَائِشَة: [حم
(إِن أم سليم الْأَنْصَارِيَّة، وَهِي أم أنس بن مَالك،
قَالَت: يَا رَسُول الله إِن الله لَا تَسْتَحي من الْحق،
أَرَأَيْت الْمَرْأَة إِذا رَأَتْ فِي النّوم مَا يرى
الرجل اتغتسل أَو لَا؟ قَالَ عَائِشَة: فَقَالَ النَّبِي
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم نعم، فلتغتسل إِذا وجدت المَاء.
قَالَت عَائِشَة: فَأَقْبَلت عَلَيْهَا فَقلت: أُفٍّ لَك،
وَهل ترى ذَلِك الْمَرْأَة؟ فاقبل عَليّ رَسُول الله صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم، فَقَالَ: تربت يَمِينك يَا عَائِشَة،
وَمن أَيْن يكون الشّبَه) . [/ حم
ذكر الِاخْتِلَاف فِي هَذَا الحَدِيث هَذَا الحَدِيث أخرجه
الْأَئِمَّة السِّتَّة كَمَا رَأَيْته، وَقد اتّفق
البُخَارِيّ وَمُسلم على
(3/235)
إِخْرَاجه من طرق عَن هِشَام بن عُرْوَة
عَن أَبِيه عَن زَيْنَب، وَرَوَاهُ أَيْضا مُسلم من
رِوَايَة الزُّهْرِيّ عَن عُرْوَة، لَكِن قَالَ: عَن
عَائِشَة: قَالَ أَبُو دَاوُد: وَكَذَلِكَ رَوَاهُ عقيل
والزبيدي وَيُونُس وَابْن أخي الزُّهْرِيّ وَابْن الْوَزير
عَن مَالك عَن الزُّهْرِيّ، وَوَافَقَ الزُّهْرِيّ مسافع
الحَجبي، قَالَ: عَن عُرْوَة عَن عَائِشَة وَأما هِشَام بن
عُرْوَة، فَقَالَ عَن عُرْوَة عَن زَيْنَب بنت أبي سَلمَة
عَن أم سَلمَة: (أَن أم سليم جَاءَت إِلَى رَسُول الله صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم) وَقَالَ القَاضِي عِيَاض عَن أهل
الحَدِيث إِن الصَّحِيح أَن الْقِصَّة وَقعت لأم سَلمَة
لَا لعَائِشَة وَنقل ابْن عبد الْبر عَن الذهلي أَنه صحّح
الرِّوَايَتَيْنِ. قلت: قَول عِيَاض يرجح رِوَايَة هِشَام
بن عُرْوَة، وَقَول أبي دَاوُد عَن مسافع يرجح رِوَايَة
الزُّهْرِيّ، وَقَالَ النَّوَوِيّ: يحْتَمل أَن تكون
عَائِشَة وَأم سَلمَة جَمِيعًا أنكرتا على أم سليم.
والزبيدي هُوَ مُحَمَّد بن الْوَلِيد، وَيُونُس بن يزِيد،
وَابْن أخي الزُّهْرِيّ اسْمه، مُحَمَّد بن عبد الله بن
مُسلم، وَابْن أبي الْوَزير اسْمه إِبْرَاهِيم بن عمر بن
مطرف الْهَاشِمِي مَوْلَاهُم الْمَكِّيّ، ومسافع، بِضَم
الْمِيم وبالسين الْمُهْملَة وَكسر الْفَاء ابْن عبد الله
أَبُو سُلَيْمَان الْقرشِي الحَجبي الْمَكِّيّ.
ذكر اخْتِلَاف أَلْفَاظ هَذَا الحَدِيث لفظ البُخَارِيّ
فِي بَاب الْحيَاء فِي الْعلم بعد. قَوْله: (إِذا رَأَتْ
المَاء، فغطت أم سَلمَة يَعْنِي وَجههَا، وَقَالَت: يَا
رَسُول الله: أَو تحتلم الْمَرْأَة؟ قَالَ: نعم تربت
يَمِينك، فَبِمَ يشبهها وَلَدهَا) وَفِي لفظ بعد قَوْله:
(إِذا رَأَتْ المَاء، فَضَحكت أم سَلمَة. فَقَالَت: أتحتلم
الْمَرْأَة؟ فَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم:
فَبِمَ شبه الْوَلَد) وَفِي لفظ، قَالَت أم سَلمَة (فَقلت:
فضحت النِّسَاء) . وَعند مُسلم من حَدِيث أنس: (أَن أم
سليم حدثت أَنَّهَا سَأَلت النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم، وَعَائِشَة عِنْده يَا رَسُول الله: الْمَرْأَة ترى
مَا يرى الرجل فِي الْمَنَام من نَفسهَا مَا يرى الرجل من
نَفسه، فَقَالَت عَائِشَة يَا أم سليم فضحت النِّسَاء تربت
يَمِينك. فَقَالَ لَهَا إمه، بل أَنْت تربت يَمِينك، نعم
فلتغتسل يَا أم سليم) وَفِي لفظ: (فَقَالَت أم سليم،
وَاسْتَحْيَيْت من ذَلِك، وَهل يكون هَذَا؟ قَالَ: نعم
مَاء الرجل غليظ أَبيض، وَمَاء الْمَرْأَة رَقِيق أصفر،
أَيهمَا علا أَو سبق يكون مِنْهُ الشّبَه) ، وَفِي لفظ:
(فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: إِذا كَانَ
مِنْهَا مَا يكون من الرجل فلتغتسل) وَفِي لفظ: (قَالَت
عَائِشَة: فَقلت لَهَا، أُفٍّ لَك؛ أَتَرَى الْمَرْأَة
ذَلِك) ؟ وَفِي لفظ: (تربت يداك وألت، فَقَالَ رَسُول الله
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: دعيها تربت بمينك وألت، وَهل
يكون الشّبَه إلاَّ من قبل ذَلِك؟ إِذا علا مَاؤُهَا مَاء
الرجل أشبه الرجل أَخْوَاله، وَإِذا علا مَاء الرجل ماءها
أشبه أَعْمَامه) وَفِي لفظ أبي دَاوُد: (تَغْتَسِل أم لَا
, فَقَالَ: فلتغتسل إِذا وجدت المَاء) وَفِي لفظ:
(وَالْمَرْأَة عَلَيْهَا غسل؟ قَالَ: نعم، إِنَّمَا
النِّسَاء شقائق الرِّجَال) . وَفِي لفظ النَّسَائِيّ:
(فَضَحكت أم سَلمَة) ، وَعند ابْن أبي شيبَة: (وَقَالَ:
هَل تَجِد شَهْوَة؟ قَالَت: لَعَلَّه قَالَ: تَجِد بللاً
قَالَت لَعَلَّه. فَقَالَ: فلتغتسل. فلقيها النسْوَة
فَقُلْنَ: فضحتنا عِنْد رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم. فَقَالَت: وَالله مَا كنت لَا أَنْتَهِي حَتَّى
أعلم فِي حِلِّ أَنا أم فِي حرَام) وَعند الطَّبَرَانِيّ
فِي (الْأَوْسَط) قلت: يَا رَسُول الله: أَمر يقربنِي
إِلَى الله أَحْبَبْت أَن أَسأَلك عَنهُ: قَالَ: اصبت يَا
أم سليم. فَقلت) الحَدِيث وَعند الْبَزَّار: (فَقَالَت أم
سَلمَة: وَهل للنِّسَاء من مَاء؟ قَالَ: نعم، إِنَّمَا هن
شقائق الرِّجَال) . وَعند ابْن عمر: (إِذا رَأَتْ ذَلِك
فأنزلت فعلَيْهَا الْغسْل، فَقَالَت أم سليم: أَيكُون
هَذَا) ؟ وَعند الإِمَام أَحْمد: (أَنَّهَا قَالَت: يَا
رَسُول الله إِذا رَأَتْ الْمَرْأَة أَن زَوجهَا
يُجَامِعهَا فِي الْمَنَام، أتغتسل؟) وَعند عبد الرَّزَّاق
فِي هَذِه الْقِصَّة: (إِذا رَأَتْ أحداكن المَاء كَمَا
يرى الرجل) . وَقد جَاءَ عَن جمَاعَة من الصحابيات
أَنَّهُنَّ سألن رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُن، كسؤال أم
سليم، مِنْهُنَّ، خَوْلَة بنت حَكِيم، روى حَدِيثهَا ابْن
مَاجَه من طَرِيق عَليّ بن جدعَان: (لَيْسَ عَلَيْهَا غسل
حَتَّى تنزل كَمَا ينزل الرجل) ، وبسرة ذكره ابْن أبي
شيبَة بِسَنَد لَا بَأْس بِهِ، وسهلة بنت سُهَيْل، رَوَاهُ
الطَّبَرَانِيّ فِي (الْأَوْسَط) من حَدِيث ابْن طيعة.
أَكثر الْكَلَام مضى فِي بَاب: الْحيَاء فِي الْعلم.
وَقَالَ ابْن الْمُنْذر: أجمع كل من يحفظ عَنهُ الْعلم أَن
الرجل إِذا رأى فِي مَنَامه أَنه احْتَلَمَ أَو جَامع وَلم
يجد بللاً أَن لَا غسل عَلَيْهِ، وَاخْتلفُوا فِيمَن رأى
بللاً، وَلم يتَذَكَّر احتلاماً فَقَالَت طَائِفَة يغْتَسل
روينَا ذَلِك عَن ابْن عَبَّاس وَالشعْبِيّ وَسَعِيد بن
جُبَير وَالنَّخَعِيّ، وَقَالَ [قعأحمد [/ قع: أحب إِلَيّ
أَن يغْتَسل إلاَّ رجل بِهِ أبردة، وَقَالَ [قعأبو
إِسْحَاق [/ قع: يغْتَسل إِذا كَانَت بل نُطْفَة، وروينا
عَن الْحسن أَنه قَالَ: إِذا كَانَ انْتَشَر إِلَى أَهله
من اللَّيْل فَوجدَ من ذَلِك بلة فَلَا غسل عَلَيْهِ،
وَإِن لم يكن كَذَلِك اغْتسل، وَفِيه قَول ثَالِث: وَهُوَ
أَن لَا يغْتَسل حَتَّى يُوقن بِالْمَاءِ الدافق هَكَذَا،
وَهُوَ قَول قَتَادَة. وَقَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ
وَأَبُو يُوسُف: يغْتَسل إِذا علم بِالْمَاءِ الدافق،
وَقَالَ الخاطبي: ظَاهر وَيُوجب الِاغْتِسَال إِذا رأى
البلة، وَإِن لم يتَيَقَّن أَنه المَاء الدافق، وَرُوِيَ
هَذَا
(3/236)
القَوْل عَن جمَاعَة من التَّابِعين.
وَقَالَ أَكثر أهل الْعلم: لَا يجب عَلَيْهِ الِاغْتِسَال
حَتَّى يعلم أَنه بَلل المَاء الدافق.
وَقَالَ ابْن عبد الْبر: فِيهِ دَلِيل على أَن النِّسَاء
لَيْسَ كُلهنَّ يحتلمن، وَلِهَذَا أنْكرت عَائِشَة على أم
سَلمَة، وَقد يعْدم الِاحْتِلَام فِي بعض الرِّجَال
فالنساء أَجْدَر أَن يعْدم ذَلِك فِيهِنَّ، وَقد قيل: أَن
إِنْكَار عَائِشَة لذَلِك إِنَّمَا كَانَ لصِغَر سنّهَا
وَكَونهَا مَعَ زَوجهَا لِأَنَّهَا لم تَحض إلاَّ عِنْده،
وَلم تفقده فقداً طَويلا إلأ بِمَوْتِهِ عَلَيْهِ
الصَّلَاة وَالسَّلَام، فَلذَلِك لم تعرف فِي حَيَاته
الِاحْتِلَام، لأنَّ الِاحْتِلَام لَا يعرفهُ النِّسَاء،
وَلَا أَكثر الرِّجَال إلاَّ عِنْد عدم الرِّجَال بِعَدَمِ
الْمعرفَة بِهِ، فَإِذا فقد النِّسَاء أَزوَاجهنَّ احتلمن.
وَالْوَجْه الأول عِنْدِي أصح، وَأولى، لِأَن أم سَلمَة
فقدت زَوجهَا وَكَانَت كَبِيرَة عَالِمَة بذلك، وَأنْكرت
مِنْهُ مَا أنْكرت عَائِشَة، فَدلَّ ذَلِك على أَن من
النِّسَاء من لَا تنزل المَاء فِي غير الْجِمَاع الَّذِي
يكون فِي اليقطة وَلقَائِل أَن يَقُول: إِن أم سَلمَة
أَيْضا تزوجت أَبَا سَلمَة شَابة وَلما توفّي عَنْهَا
زَوجهَا تزَوجهَا سيد الْمُرْسلين، لَا سِيمَا مَعَ شغلها
بِالْعبَادَة وَشبههَا الَّتِى هِيَ وَجَاء لغَيْرهَا أَو
تكون قالته إنكاراً على أم سليم لكَونهَا واجهت بِهِ
سيدنَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يُوضحهُ،
فَقَالَت أم سَلمَة وغطت وَجههَا.
وَقَالَ [قعابن بطال [/ قع فِيهِ دَلِيل على أَن كل
النِّسَاء يحتملن. وَفِيه: دَلِيل على وجوب الْغسْل على
الْمَرْأَة بالإنزال، وَنفى ابْن بطال الْخلاف فِيهِ، وَقد
ذكرنَا فِي أول الْبَاب خلاف النَّخعِيّ. وَفِيه: رد على
من زعم أَن مَاء الْمَرْأَة لَا يبرز، وَإِنَّمَا تعرف
إنزالها بشهوتها وَحمل قَوْله: إِذا رَأَتْ المَاء أَي:
إِذا علمت بِهِ لِأَن وجود الْعلم هُنَا مُتَعَذر، لِأَن
الرجل لَو رأى أَنه جَامع وَعلم أَنه أنزل فِي النّوم ثمَّ
اسْتَيْقَظَ فَلم ير بللاً لَا يجب عَلَيْهِ الْغسْل
فَكَذَلِك الْمَرْأَة، وَإِن أَرَادَ علمهَا بذلك بعد أَن
استيقظت فَلَا يَصح، لِأَنَّهُ لَا يسْتَمر فِي الْيَقَظَة
مَا كَانَ فِي النّوم إلاَّ إِن كَانَ مشاهداً، فَحمل
الْكَلَام على ظَاهره هُوَ الصَّوَاب. فَإِن قلت: قد جَاءَ
عَن أم سَلمَة، فَضَحكت، وَجَاء، فغطت وَجههَا، فَمَا
التَّوْفِيق بَينهمَا. قلت: معنى ضحِكت تبسمت تَعَجبا،
وغطت وَجههَا، حَيَاء وَمعنى: تربت يَمِينك، فِي الأَصْل،
لَا أَصَابَت خيرا، غير أَن فِي (لِسَان الْعَرَب) يُطلق
ذَلِك وأمثالها، وَيُرَاد بِهِ الْمَدْح وَفِي كتاب (أدب
الْخَواص) للوزير أبي الْقَاسِم المغربي، وَفِي كتاب
(الأيك والغصون) لأبي الْعَلَاء المعري معنى قَوْله:
ترَتّب يَمِينك أَي: افْتَقَرت من الْعلم مِمَّا سَأَلت
عَنهُ أم سليم وَفِي (الْمُحكم) ترب الرجل صَار فِي يَده
التُّرَاب، وترب ترباً لصق بِالتُّرَابِ من الْفقر وترب
ترباً ومتربة خسر وافتقر، وَحكى قطرب: ترب وأترب. قَوْله:
(وألت) بعد قَوْله اتربت يَمِينك مَعْنَاهُ: صاحت لما
أَصَابَهَا من شدَّة، هَذَا الْكَلَام، وَرُوِيَ ألت،
بِضَم الْهمزَة مَعَ التَّشْدِيد أَي: طعنت بالآلة، وَهِي
الحربة العريضة النصل.
23 - (بابُ عَرَق الجَنُبٍ وَإنَّ المُسْلِمَ لاَ
يَنْجُسُ)
أَي هَذَا بَاب فِي عرق الْجنب، وَلم يبين مَا حكم عرق
الْجنب، وَلَا ذكر فِي هَذَا الْبَاب شَيْئا يُطَابق هَذِه
التَّرْجَمَة وَقَالَ بَعضهم: كَأَن المُصَنّف يُشِير بذلك
إِلَى الْخلاف فِي عرق الْكَافِر، وَقَالَ قوم: إِنَّه نجس
بِنَاء على القَوْل بِنَجَاسَة عينة. قلت: مَا أبعد هَذَا
الْكَلَام عَن الذَّوْق. فَكيف يتَوَجَّه مَا قَالَه:
وَالْمُصَنّف قَالَ: بَاب عرق الْجنب؟ وَسكت عَلَيْهِ وَلم
يشر إِلَى حكمه لَا فِي التَّرْجَمَة وَلَا فِي الَّذِي
ذكره فِي هَذَا الْبَاب؟ وَفَائِدَة ذكر الْبَاب
الْمَعْقُود بالترجمة ذكر مَا عقدت لَهُ التَّرْجَمَة،
وإلاَّ فَلَا فَائِدَة فِي ذكرهَا، وَيُمكن أَن يُقَال؛
إِنَّه ذكر ترجمتين، والترجمة الثَّانِيَة تدل على أَن
الْمُسلم طَاهِر، وَمن لَوَازِم طَهَارَته طَهَارَة عرقه،
وَلَكِن لَا يخْتَص بعرق الْمُسلم، وَالْحَال أَن عرق
الْكَافِر أَيْضا طَاهِر. قَوْله: (وَإِن الْمُسلم لَا
ينجس) عطف على الْمُضَاف إِلَيْهِ، وَالتَّقْدِير: وَبَاب
أَن الْمُسلم لَا ينجس.
وَذكر هَذَا الْبَاب بَين الْأَبْوَاب الْمُتَقَدّمَة
والآتية لَا يَخْلُو عَن وَجه الْمُنَاسبَة، وَهُوَ ظَاهر.
283 - حدّثنا عليُّ بنُ عَبْدِ اللَّهِ قالَ حدّثنا يَحَيى
اقالَ حدّثنا حُمَيْدٌ قالَ حدّثنا بَكْرٌ عَنْ أبي
رَافِعٍ عَنْ أبي هُرَيْرَةَ أنَّ النَّبيِّ صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم لقِيهُ فِي بَعْضَ طِريقِ المَدِينَةِ
وَهُوَ جُنَبٌ فانْخَنَسْتُ مِنْهُ فَذَهَبْتُ
فاغْتَسَلْتُ ثُمَّ جاءَ فقالَ أيْنَ كُنْتَ يَا أبَا
هُرَيْرَةَ قالَ كُنْتُ جُنُباً فَكَرِهْتُ أنْ أُجالِسَكَ
وأَنَا عَلَى غَيْرِ طَهارَةٍ فقالَ سُبْحَانَ اللَّهِ
إنَّ المُؤْمِنِ لاَ يَنْجُسُ.
[/ ح.
(3/237)
مُطَابقَة هَذَا الحَدِيث لإحدى ترجمتي
هَذَا الْبَاب ظَاهِرَة وَهِي التَّرْجَمَة الثَّانِيَة.
ذكر رِجَاله وهم سِتَّة: الأول: عَليّ بن عبد الله
الْمَدِينِيّ. الثَّانِي: يحيى بن سعيد الْقطَّان.
الثَّالِث: حميد، بِضَم الْحَاء الطَّوِيل التَّابِعِيّ،
مَاتَ وَهُوَ قَائِم يُصَلِّي. الرَّابِع: بكر، بِفَتْح
الْبَاء الْمُوَحدَة ابْن عبد الله بن عمر بن هِلَال
الْمُزنِيّ الْبَصْرِيّ. الْخَامِس: أَبَوا رَافع واسْمه،
نفيع بِضَم النُّون وَفتح الْفَاء، الصَّائِغ، بالغين
الْمُعْجَمَة، الْبَصْرِيّ، تحول إِلَيْهَا من الْمَدِينَة
أدْرك الْجَاهِلِيَّة وَلم ير النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم. السَّادِس: أَبُو هُرَيْرَة رَضِي الله تَعَالَى
عَنهُ.
ذكر لطائف إِسْنَاده فِيهِ: التحديث بِصِيغَة الْجمع فِي
أَرْبَعَة مَوَاضِع، والعنعنة فِي موضِعين: وَفِيه:
رِوَايَة التَّابِعِيّ عَن التَّابِعِيّ عَن الصَّحَابِيّ.
وَفِيه: أَن رُوَاته بصريون، وَمن أجل لطائفه أَنه
مُتَّصِل، وَرَوَاهُ مُسلم مَقْطُوعًا حميد عَن أبي رَافع
كَذَا فِي طَرِيق الجلودي، والحافظ الجياني، وَالصَّوَاب
مَا رَوَاهُ البُخَارِيّ وَغَيره: حميد عَن بكر عَن أبي
رَافع، وَذكر أَبُو مَسْعُود وَخلف أَن مُسلما أخرجه
أَيْضا كَذَلِك. وَقَالَ صَاحب (التَّلْوِيح) قد رَأينَا
من قَالَه غَيرهمَا فَدلَّ على أَن فِي مُسلم
رِوَايَتَيْنِ. قلت: ذكر الْبَغَوِيّ فِي (شرح السّنة) أَن
مُسلما أخرجه بِإِثْبَات بكر.
ذكر تعدد مَوْضِعه وَمن أخرجه غَيره أخرجه البُخَارِيّ
أَيْضا عَن عَيَّاش بن الْوَلِيد عَن عبد الْأَعْلَى.
وَأخرجه مُسلم فِي الطَّهَارَة عَن أبي بكر بن أبي شيبَة
عَن زُهَيْر بن حَرْب. وَأخرجه أَبُو دَاوُد فِي الصَّلَاة
عَن مُسَدّد. وَأخرجه التِّرْمِذِيّ فِيهِ عَن إِسْحَاق بن
مَنْصُور. وَأخرجه النَّسَائِيّ فِيهِ عَن حميد بن
مسْعدَة. وَأخرجه ابْن مَاجَه فِيهِ عَن أبي بكر بن أبي
شيبَة بِهِ.
ذكر لغاته وَمَعْنَاهُ قَوْله (فِي بعض طَرِيق) كَذَا هُوَ
فِي رِوَايَة الْأَكْثَر، وَفِي رِوَايَة كَرِيمَة
والأصيلي. طرق: بِالْجمعِ وَفِي رِوَايَة أبي دَاوُد
وَالنَّسَائِيّ: (لَقيته فِي بعض طَرِيق من طرق
الْمَدِينَة) قَوْله: (فانخنست) فِيهِ رِوَايَات كَثِيرَة.
الأولى: (فانخنست) كَمَا فِي الْكتاب بالنُّون ثمَّ
بِالْخَاءِ الْمُعْجَمَة ثمَّ بالنُّون ثمَّ بِالسِّين
الْمُهْملَة، وَهِي رِوَايَة الْكشميهني والحموي وكريمة.
وَمَعْنَاهُ تَأَخَّرت وأنقبضت وَرجعت، وَهُوَ لَازم
ومتعد، وَمِنْه خنس الشَّيْطَان. الثَّانِيَة: فاختنست،
مثل الرِّوَايَة الأولى فِي الْمَعْنى، غير أَن اللَّفْظ
فِي الرِّوَايَة الأولى من بَاب الانفعال، وَفِي هَذِه
الرِّوَايَة من بَاب الافتعال. الثَّالِثَة: فانبجست،
بِالْبَاء الْمُوَحدَة وَالْجِيم، وَكَذَا هُوَ فِي
رِوَايَة التِّرْمِذِيّ، وَمَعْنَاهُ اندفعت وَمِنْه
قَوْله تَعَالَى: {فانبجست مِنْهُ اثْنَتَا عشرَة عينا}
(سُورَة الْأَعْرَاف: 16) أَي: جرت واندفعت، وَهِي
رِوَايَة ابْن السكن والأصيلي أَيْضا وَأبي الْوَقْت
وَابْن عَسَاكِر أَيْضا. الرَّابِعَة: فانتجست، من
النَّجَاسَة من بَاب الافتعال، وَالْمعْنَى: اعتقدت نَفسِي
نجسا وَهُوَ رِوَايَة الْمُسْتَمْلِي. الْخَامِسَة:
فانتجشت، بالشين الْمُعْجَمَة، من النجش، وَهُوَ
الْإِسْرَاع. السَّادِسَة: فانبخست، بِالْبَاء الْمُوَحدَة
وَالْخَاء الْمُعْجَمَة وَالسِّين الْمُهْملَة من النخس،
وَهُوَ النَّقْص، فَكَأَنَّهُ ظهر لَهُ نقصانه عَن مماشاته
رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَهُوَ رِوَايَة
المتسملي لما اعْتقد فِي نَفسه من النَّجَاسَة.
السَّابِعَة: فاحتبست، نحاء مُهْملَة ثمَّ تَاء مثناة من
فَوق ثمَّ بَاء مُوَحدَة ثمَّ سين مُهْملَة، من الاحتباس،
وَالْمعْنَى: حبست نَفسِي عَن اللحاق بِالنَّبِيِّ صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم. الثَّامِنَة: (فانسللت) .
التَّاسِعَة: (فانسل) ، وَهُوَ رِوَايَة مُسلم
وَالنَّسَائِيّ أَيْضا. وَقَالَ بعض الشَّارِحين: وَلم
يثبت لي من طَرِيق الرِّوَايَة غير مَا تقدم، وَأَرَادَ
بِهِ رِوَايَة الْكشميهني وَأبي الْوَقْت
وَالْمُسْتَمْلِي، وَنسب بَعْضهَا إِلَى التَّصْحِيف،
وَلَا يلْزم من عدم ثُبُوت غير الرِّوَايَات الثَّلَاث
عِنْده عدم ثُبُوتهَا عِنْد غَيره، وَلَيْسَ بأدب أَن
ينْسب بعض غير مَا وقف عَلَيْهِ إِلَى التَّصْحِيف، لِأَن
الْجَاهِل بالشَّيْء لَيْسَ لَهُ أَن يَدعِي عدم علم غَيره
بِهِ. قَوْله: (يَا با هُرَيْرَة) بِحَذْف الْهمزَة فِي
الْأَب تَخْفِيفًا. قَوْله: (جنب) يُقَال: أجنب الرجل
فَهُوَ جنب، وَكَذَلِكَ الإثنان وَالْجمع والمذكر والمؤنث،
قَالَ ابْن دُرَيْد، وَهُوَ أَعلَى اللُّغَات، وَقد
قَالُوا: جنبان وأجناب، وَلم يَقُولُوا: جنبة، وَفِي
(الْمُنْتَهى) رجل جنب وَامْرَأَة جنب وَقوم جنب وجنبو
وأجناب، وَفِي (الصِّحَاح) أجنب الرجل وجنب أَيْضا، بِضَم
النُّون. وَفِي (الموعب) لِابْنِ التياني عَن الْفراء
وقطرب جنب الرجل وجنب بسكر النُّون وَضمّهَا، لُغَتَانِ.
وَقَالَ المطرزي: يُقَال: من الْجَنَابَة أجنب الرجل وجنب
بِفَتْح النُّون وَكسرهَا، وجنب وتجنب، لَا يُقَال عَن
الْعَرَب غَيره وَحكى بَعضهم: جنب بِضَم النُّون، وَلَيْسَ
بالمشهور. وَفِي (الِاشْتِقَاق) للرماني: وأجنب الرجل
لِأَنَّهُ يجانب الصَّلَاة. وَقَالَ أَبُو مَنْصُور:
لِأَنَّهُ نهى عَن أَن يقرب مَوَاضِع الصَّلَاة وَقَالَ
الْعُتْبِي: سمي بذلك لمجانبة النَّاس وَبعده مِنْهُم،
حَتَّى يغْتَسل. قَوْله: (سُبْحَانَ الله) قَالَ ابْن
الْأَنْبَارِي مَعْنَاهُ: سبحتك تَنْزِيها لَك يَا رَبنَا
من الْأَوْلَاد والصاحبة والشركاء، أَي: نزهناك من ذَلِك.
وَقَالَ الْقَزاز: مَعْنَاهُ: برأت الله تَعَالَى من
السوء، وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَة: نُسَبِّح لَك بحَمْدك
(3/238)
وَنُصَلِّي لَك، وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيّ
فِي (أساس البلاغة) سبحت الله وسبحت لَهُ وَكَثُرت تسبحاته
وتسابيحه، وَفِي (المغيث) لأبي الْمَدِينِيّ: سُبْحَانَ
الله قَائِم مقَام الْفِعْل أَي: أسبحه، وسبحت أَي: لفظت
سُبْحَانَ الله، وَقيل: معنى: سُبْحَانَ الله. أتَسرع
إِلَيْهِ وألحقه فِي طَاعَته من قَوْلهم فرس سايح. وَذكر
النَّضر بن شُمَيْل أَن مَعْنَاهُ: السرعة إِلَى هَذِه
اللُّغَة وَلِأَنَّهُ الْإِنْسَان يبْدَأ فَيَقُول:
سُبْحَانَ الله. قَوْله: (لَا ينجس) قَالَ ابْن سَيّده
النَّجس وَالنَّجس وَالنَّجس القذر من كل شَيْء، وَرجل
نجس، وَالْجمع أنجاس، وَقيل: النَّجس يكون اللواحد
والاثنين وَالْجمع والمؤنث بِلَفْظ وَاحِد فَإِذا كسر
وَالنُّون جمعُوا وانئوا وَرجل، رِجْس نجس، يَقُولُونَهَا
بِالْكَسْرِ لمَكَان رِجْس، فَإِذا أفردوه وَقَالُوا: نجس،
وَفِي (الْجَامِع) أَحسب الْمصدر من قَوْلهم: نجس ينجس
نجسا، وَاسم النَّجَاسَة. وَذكره ابْن الْقُوطِيَّة وَابْن
طريف فِي بَاب: فعل وَفعل، فَقَالَا: نجس الشَّيْء ونجسا
نَجَاسَة ضد طهر. وَفِي (الصِّحَاح) نجس الشَّيْء
بِالْكَسْرِ ينجس نجسا فَهُوَ نجس ونجس وَفِي (كتاب ابْن
عديس) نجس الرجل ونجس نَجَاسَة ونجوسة بِكَسْر الْجِيم
وضمهاإذا تقذر.
ذكر إعرابه قَوْله: (وَهُوَ جنب) جملَة إسمية وَقعت حَالا
من الضَّمِير الْمَنْصُوب الَّذِي فِي لَقيته. قَوْله:
(فَذَهَبت فاغتسلت) قَالَ الْكرْمَانِي: وَفِي بَعْضهَا
أَي: فِي بعض النّسخ فَذهب فاغتسل. قلت: على تَقْدِير
صِحَة الرِّوَايَة بهَا يجوز فِيهِ الْأَمْرَانِ
الْغَيْبَة بِالنّظرِ إِلَى نقل كَلَام أبي هُرَيْرَة
بِالْمَعْنَى، والتكلم بِالنّظرِ إِلَى نَقله بِلَفْظِهِ
بِعَيْنِه على سَبِيل الْحِكَايَة عَنهُ. وَأما جَوَاز
لَفظه بالغيبة فَمن بَاب التَّجْرِيد، وَهُوَ أَنه جرد من
نَفسه شخصا وَأخْبر عَنهُ. قَوْله: (كنت جنبا) أَي: ذَا
جَنَابَة. قَوْله: (وَأَنا على غير طَهَارَة) جملَة إسمية
وَقعت حَالا من الضَّمِير الْمَرْفُوع فِي أجالسك.
(وأجالسك) فِي قُوَّة الْمصدر بِأَن الْمصدر، وَإِنَّمَا
فعل أَبُو هُرَيْرَة هَذَا لِأَنَّهُ، عَلَيْهِ السَّلَام،
كَانَ إِذا لَقِي أحدا من أَصْحَابه ماسحه ودعا لَهُ كَمَا
ورد فِي النَّسَائِيّ من حَدِيث أبي وَائِل عَن ابْن
مَسْعُود. قَالَ: (لَقِيَنِي النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم وَأَنا جنب فاهوى إليّ فَقلت: إِنِّي جنب، فَقَالَ:
إِن الْمُسلم لَا ينجس) . قَوْله: (سُبْحَانَ الله) ،
سُبْحَانَ علم للتسبيح، كعثمان، علم للرجل. وَقَالَ
الْفراء مَنْصُوب على الْمصدر كَأَنَّك قلت: سبحت الله
تسبيحاً فَجعل: سُبْحَانَ فِي مَوضِع التَّسْبِيح
وَالْحَاصِل أَنه مَنْصُوب بِفعل مَحْذُوف لَازم الْحَذف
فاستعماله فِي مثل هَذَا الْموضع يُرَاد بِهِ التَّعَجُّب،
وَمعنى التَّعَجُّب هُنَا أَنه كَيفَ يخفى مثل هَذَا
الظَّاهِر عَلَيْك.
بَيَان استنباط الْأَحْكَام الأول: وَقد عقد الْبَاب لَهُ،
أَن الْمُؤمن لَا ينجس وَأَنه طَاهِر سَوَاء كَانَ جنبا
أَو مُحدثا حَيا أَو مَيتا، وَكَذَا سؤره وعرقه ولعابه
ودمعه وَكَذَا الْكَافِر فِي هَذِه الْأَحْكَام وَعَن
الشَّافِعِي قَولَانِ فِي الْمَيِّت أصَحهمَا الطَّهَارَة
وَذكر البُخَارِيّ فِي (صَحِيحه) عَن ابْن عَبَّاس
تَعْلِيقا. [حم (الْمُسلم لَا ينجس حَيا وَلَا مَيتا) [/
حم وَوَصله الْحَاكِم فِي (الْمُسْتَدْرك) فَقَالَ:
أَخْبرنِي إِبْرَاهِيم عَن عصمَة. قَالَ: حَدثنَا أَبُو
مُسلم الْمسيب بن زُهَيْر الْبَغْدَادِيّ أخبرنَا أَبُو
بكر وَعُثْمَان ابْنا أبي شيبَة، قَالَا: حَدثنَا سُفْيَان
بن عُيَيْنَة عَن عَمْرو بن دِينَار عَن عَطاء عَن ابْن
عَبَّاس قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم: [حم (لَا تنجسوا مَوْتَاكُم فَإِن الْمُسلم لَا
ينجس حَيا وَلَا مَيتا) [/ حم قَالَ: صَحِيح على شَرطهمَا
وَلم يخرجَاهُ، وَهُوَ أصل فِي طَهَارَة الْمُسلم حَيا
وَمَيتًا، أما الْحَيّ: فبالإجماع حَتَّى الْجَنِين إِذا
ألقته أمه وَعَلِيهِ رُطُوبَة فرجهَا وَأما الْكَافِر
فَحكمه كَذَلِك على مَا نذكرهُ، إِن شَاءَ الله تَعَالَى.
وَفِي (صَحِيح ابْن خُزَيْمَة) عَن الْقَاسِم بن مُحَمَّد
قَالَ: سَأَلت عَائِشَة عَن الرجل يَأْتِي أَهله ثمَّ يلبس
الثَّوْب فيعرق فِيهِ أنجس ذَلِك؟ فَقَالَت: قد كَانَت
الْمَرْأَة تعد خرقَة أَو خرقاً فَإِذا كَانَ ذَلِك مسح
بهَا الرجل الْأَذَى عَنهُ، وَلم نر أَن ذَلِك يُنجسهُ،
وَفِي لفظ: ثمَّ صليا فِي ثوبهما وروى الدَّارَقُطْنِيّ من
حَدِيث المتَوَكل ابْن فُضَيْل عَن أم القلوص العامرية عَن
عَائِشَة: (كَانَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَا
يرى على الْبدن جَنَابَة، وَلَا على الأَرْض جَنَابَة،
وَلَا يجنب الرجل) وَعَن محيي السّنة الْبَغَوِيّ، قَالَ:
معنى قَول ابْن عَبَّاس: أَربع لَا يجنبن، الْإِنْسَان،
وَالثَّوْب، وَالْمَاء، وَالْأَرْض، يُرِيد: الْإِنْسَان
لَا يجنب بمماسة الْجنب، وَلَا الثَّوْب، إِذا لبسه
الْجنب، وَلَا الأَرْض إِذا أقضى إِلَيْهَا الْجنب، وَلَا
المَاء ينجس إِذا غمس الْجنب يَده فِيهِ.
وَقَالَ [قعابن الْمُنْذر [/ قع: أجمع عوام أهل الْعلم على
أَن عرق الْجنب طَاهِر، وَثَبت ذَلِك عَن ابْن عَبَّاس
وَابْن عمر وَعَائِشَة أَنهم قَالُوا ذَلِك، وَهُوَ
مَذْهَب أبي حنيفَة وَالشَّافِعِيّ، وَلَا أحفظ عَن غَيرهم
خلاف قَوْلهمَا. وَقَالَ [قعالقرطبي [/ قع: الْكَافِر نجس
عِنْد الشَّافِعِي، وَقَالَ أَبُو بكر ابْن الْمُنْذر:
وعرق الْيَهُودِيّ وَالنَّصْرَانِيّ والمجوسي طَاهِر
عِنْدِي، وَقَالَ ابْن حزم الْعرق من الْمُشْركين نجس
لقَوْله تَعَالَى: {إِنَّمَا الْمُشْركُونَ نجس} (سُورَة
التَّوْبَة: 28) وَتمسك أَيْضا بِمَفْهُوم حَدِيث الْبَاب،
وَادّعى أَن الْكَافِر نجس الْعين وَالْجَوَاب عَنهُ:
أَنهم نجسوا الْأَفْعَال لَا الْأَعْضَاء أَو نجسوا
الِاعْتِقَاد، وَمِمَّا يُوضح ذَلِك أَن الله تَعَالَى
أَبَاحَ نِكَاح نسَاء أهل الْكتاب، وَمَعْلُوم أَن عرقهن
لَا يسلم مِنْهُ من
(3/239)
يضاجعهن، وَمَعَ ذَلِك لَا يجب عَلَيْهِ من
غسل الْكِتَابِيَّة إلاَّ مثل مَا يجب عَلَيْهِ من غسل
الْمسلمَة، فَدلَّ على أَن الْآدَمِيّ الْحَيّ لَيْسَ ينجس
الْعين إِذْ لَا فرق بَين النِّسَاء وَالرِّجَال وَفِي
(الْمُدَوَّنَة) على مَا نَقله ابْن التِّين إِن الْمَرِيض
إِذا صلى لَا يسْتَند لحائض وَلَا جنب، وَأَجَازَهُ ابْن
أَشهب. قَالَ [قعالشيخ أَبُو مُحَمَّد [/ قع: لِأَن
ثيابهما لَا تكَاد تسلم من النَّجَاسَة. وَقَالَ غَيره
لأجل أعينهما لَا لثيابهما، وَمَا ذَكرْنَاهُ يرد بذلك،
فَإِن قلت: على مَا ذكرت من أَن الْمُسلم لَا ينجس حَيا
وَلَا مَيتا يَنْبَغِي أَن يغسل الْمَيِّت لِأَنَّهُ
طَاهِر. قلت: اخْتلف الْعلمَاء من أَصْحَابنَا فِي وجوب
غسله. فَقيل: إِنَّمَا وَجب لحَدث يحله باسترخاء المفاصل
لَا لنجاسته، فَإِن الْآدَمِيّ لَا ينجس بِالْمَوْتِ
كَرَامَة، إِذا لَو نجس لما طهر بِالْغسْلِ كَسَائِر
الْحَيَوَانَات وَكَانَ الْوَاجِب الِاقْتِصَار على
أَعْضَاء الْوضُوء كَمَا فِي حَال الْحَيَاة. لَكِن ذَلِك
إِنَّمَا كَانَ نفيا للْحَرج فِيمَا يتَكَرَّر كل يَوْم،
وَالْحَدَث بِسَبَب الْمَوْت لَا يتَكَرَّر، فَكَانَ
كالجنابة لَا يَكْتَفِي فِيهَا بِغسْل الْأَعْضَاء
الْأَرْبَعَة، بل يبْقى على الأَصْل، وَهُوَ وجوب غسل
الْبدن لعدم الْحَرج، فَكَذَا هَذَا. وَقَالَ
الْعِرَاقِيُّونَ يجب غسله لنجاسته بِالْمَوْتِ لَا
بِسَبَب الْحَدث لِأَن للآدمي دَمًا سَائِلًا فيتنجس
بِالْمَوْتِ قِيَاسا على غَيره ألاَّ ترى أَنه لَو مَاتَ
فِي الْبِئْر نجسها؟ وَلَو حمله الْمُصَلِّي لم تجز صلَاته
وَلَو لم يكن نجسا لجازت كَمَا لَو حمل مُحدثا.
الثَّانِي: من الْأَحْكَام فِيهِ اسْتِحْبَاب أحترام أهل
الْفضل، وَأَن يوقرهم جليسهم ومصاحبهم، فَيكون على أكمل
الهيئات وَأحسن الصِّفَات، وَقد اسْتحبَّ الْعلمَاء لطَالب
الْعلم أَن يحسن حَاله عِنْد مجالسة شَيْخه، فَيكون
متطهراً متنظفاً بِإِزَالَة الشعوث الْمَأْمُور بإزالتها،
نَحْو: قصّ الشَّارِب، وقلم الْأَظْفَار، وَإِزَالَة
الروائح الْمَكْرُوهَة وَغير ذَلِك.
الثَّالِث: فِيهِ من الْآدَاب أَن الْعَالم إِذا رأى من
تَابعه أمرا يخَاف عَلَيْهِ فِيهِ خلاف الصَّوَاب،
سَأَلَهُ عَنهُ وَقَالَ لَهُ صَوَابه وَبَين لَهُ حكمه.
الرَّابِع: فِيهِ جَوَاز تَأْخِير الِاغْتِسَال عَن أول
وَقت وُجُوبه، وَالْوَاجِب أَن لَا يُؤَخِّرهُ إِلَى أَن
يفوتهُ وَقت صَلَاة.
الْخَامِس: فِيهِ جَوَاز انصراف الْجنب فِي حَوَائِجه قبل
الِاغْتِسَال، مَا لم يفته وَقت الصَّلَاة.
السَّادِس: فِيهِ أَن النَّجَاسَة إِذا لم تكن عينا فِي
الْأَجْسَام لَا تضرها فَإِن الْمُؤمن طَاهِر الْأَعْضَاء،
فَإِن من شَأْنه الْمُحَافظَة على الطَّهَارَة والنظافة.
السَّابِع: فِيهِ ائتلاف قُلُوب الْمُؤمنِينَ، ومواساة
الْفُقَرَاء والتواضع لله، وَاتِّبَاع أَمر الله تَعَالَى
حَيْثُ قَالَ جلّ ذكره. {وَلَا تطرد الَّذين يدعونَ رَبهم
بِالْغَدَاةِ والعشي يُرِيدُونَ وَجهه} (سُورَة) . وَقَالَ
بَعضهم: وَفِيه: اسْتِحْبَاب اسْتِئْذَان التَّابِع
للمتبوع إِذا أَرَادَ أَن يُفَارِقهُ. قلت: هَذَا بعيد
لِأَن الحَدِيث الْمَذْكُور لَا يفهم مِنْهُ ذَلِك لَا من
عِبَارَته وَلَا من إِشَارَته وَلَا فِيهِ التَّابِع
والتبوع لِأَن أَبَا هُرَيْرَة لم يكن فِي تِلْكَ الْحَالة
تَابعا للنَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي مَشْيه بل
إِنَّمَا لقِيه النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي بعض
طرق الْمَدِينَة، كَمَا هُوَ نَص الحَدِيث. وَقَالَ أَيْضا
وَبَوَّبَ عَلَيْهِ ابْن حبَان الرَّد على من زعم أَن
الْجنب إِذا وَقع فِي الْبِئْر فَنوى الِاغْتِسَال أَن
مَاء الْبِئْر ينجس. قلت: هَذَا الرَّد مَرْدُود
حِينَئِذٍ، لِأَن الحَدِيث لَا يدل عَلَيْهِ أصلا
والْحَدِيث يدل بعبارته أَن الْجنب لَيْسَ بِنَجس فِي
ذَاته، وَلم يتَعَرَّض إِلَى طَهَارَة غسالته إِذا نوى
الِاغْتِسَال.
283 - حدّثنا عليُّ بنُ عَبْدِ اللَّهِ قالَ حدّثنا يَحَيى
اقالَ حدّثنا حُمَيْدٌ قالَ حدّثنا بَكْرٌ عَنْ أبي
رَافِعٍ عَنْ أبي هُرَيْرَةَ أنَّ النَّبيِّ صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم لقِيهُ فِي بَعْضَ طِريقِ المَدِينَةِ
وَهُوَ جُنَبٌ فانْخَنَسْتُ مِنْهُ فَذَهَبْتُ
فاغْتَسَلْتُ ثُمَّ جاءَ فقالَ أيْنَ كُنْتَ يَا أبَا
هُرَيْرَةَ قالَ كُنْتُ جُنُباً فَكَرِهْتُ أنْ أُجالِسَكَ
وأَنَا عَلَى غَيْرِ طَهارَةٍ فقالَ سُبْحَانَ اللَّهِ
إنَّ المُؤْمِنِ لاَ يَنْجُسُ.
[/ ح.
مُطَابقَة هَذَا الحَدِيث لإحدى ترجمتي هَذَا الْبَاب
ظَاهِرَة وَهِي التَّرْجَمَة الثَّانِيَة.
ذكر رِجَاله وهم سِتَّة: الأول: عَليّ بن عبد الله
الْمَدِينِيّ. الثَّانِي: يحيى بن سعيد الْقطَّان.
الثَّالِث: حميد، بِضَم الْحَاء الطَّوِيل التَّابِعِيّ،
مَاتَ وَهُوَ قَائِم يُصَلِّي. الرَّابِع: بكر، بِفَتْح
الْبَاء الْمُوَحدَة ابْن عبد الله بن عمر بن هِلَال
الْمُزنِيّ الْبَصْرِيّ. الْخَامِس: أَبَوا رَافع واسْمه،
نفيع بِضَم النُّون وَفتح الْفَاء، الصَّائِغ، بالغين
الْمُعْجَمَة، الْبَصْرِيّ، تحول إِلَيْهَا من الْمَدِينَة
أدْرك الْجَاهِلِيَّة وَلم ير النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم. السَّادِس: أَبُو هُرَيْرَة رَضِي الله تَعَالَى
عَنهُ.
ذكر لطائف إِسْنَاده فِيهِ: التحديث بِصِيغَة الْجمع فِي
أَرْبَعَة مَوَاضِع، والعنعنة فِي موضِعين: وَفِيه:
رِوَايَة التَّابِعِيّ عَن التَّابِعِيّ عَن الصَّحَابِيّ.
وَفِيه: أَن رُوَاته بصريون، وَمن أجل لطائفه أَنه
مُتَّصِل، وَرَوَاهُ مُسلم مَقْطُوعًا حميد عَن أبي رَافع
كَذَا فِي طَرِيق الجلودي، والحافظ الجياني، وَالصَّوَاب
مَا رَوَاهُ البُخَارِيّ وَغَيره: حميد عَن بكر عَن أبي
رَافع، وَذكر أَبُو مَسْعُود وَخلف أَن مُسلما أخرجه
أَيْضا كَذَلِك. وَقَالَ صَاحب (التَّلْوِيح) قد رَأينَا
من قَالَه غَيرهمَا فَدلَّ على أَن فِي مُسلم
رِوَايَتَيْنِ. قلت: ذكر الْبَغَوِيّ فِي (شرح السّنة) أَن
مُسلما أخرجه بِإِثْبَات بكر.
ذكر تعدد مَوْضِعه وَمن أخرجه غَيره أخرجه البُخَارِيّ
أَيْضا عَن عَيَّاش بن الْوَلِيد عَن عبد الْأَعْلَى.
وَأخرجه مُسلم فِي الطَّهَارَة عَن أبي بكر بن أبي شيبَة
عَن زُهَيْر بن حَرْب. وَأخرجه أَبُو دَاوُد فِي الصَّلَاة
عَن مُسَدّد. وَأخرجه التِّرْمِذِيّ فِيهِ عَن إِسْحَاق بن
مَنْصُور. وَأخرجه النَّسَائِيّ فِيهِ عَن حميد بن
مسْعدَة. وَأخرجه ابْن مَاجَه فِيهِ عَن أبي بكر بن أبي
شيبَة بِهِ.
ذكر لغاته وَمَعْنَاهُ قَوْله (فِي بعض طَرِيق) كَذَا هُوَ
فِي رِوَايَة الْأَكْثَر، وَفِي رِوَايَة كَرِيمَة
والأصيلي. طرق: بِالْجمعِ وَفِي رِوَايَة أبي دَاوُد
وَالنَّسَائِيّ: (لَقيته فِي بعض طَرِيق من طرق
الْمَدِينَة) قَوْله: (فانخنست) فِيهِ رِوَايَات كَثِيرَة.
الأولى: (فانخنست) كَمَا فِي الْكتاب بالنُّون ثمَّ
بِالْخَاءِ الْمُعْجَمَة ثمَّ بالنُّون ثمَّ بِالسِّين
الْمُهْملَة، وَهِي رِوَايَة الْكشميهني والحموي وكريمة.
وَمَعْنَاهُ تَأَخَّرت وأنقبضت وَرجعت، وَهُوَ لَازم
ومتعد، وَمِنْه خنس الشَّيْطَان. الثَّانِيَة: فاختنست،
مثل الرِّوَايَة الأولى فِي الْمَعْنى، غير أَن اللَّفْظ
فِي الرِّوَايَة الأولى من بَاب الانفعال، وَفِي هَذِه
الرِّوَايَة من بَاب الافتعال. الثَّالِثَة: فانبجست،
بِالْبَاء الْمُوَحدَة وَالْجِيم، وَكَذَا هُوَ فِي
رِوَايَة التِّرْمِذِيّ، وَمَعْنَاهُ اندفعت وَمِنْه
قَوْله تَعَالَى: {فانبجست مِنْهُ اثْنَتَا عشرَة عينا}
(سُورَة الْأَعْرَاف: 16) أَي: جرت واندفعت، وَهِي
رِوَايَة ابْن السكن والأصيلي أَيْضا وَأبي الْوَقْت
وَابْن عَسَاكِر أَيْضا. الرَّابِعَة: فانتجست، من
النَّجَاسَة من بَاب الافتعال، وَالْمعْنَى: اعتقدت نَفسِي
نجسا وَهُوَ رِوَايَة الْمُسْتَمْلِي. الْخَامِسَة:
فانتجشت، بالشين الْمُعْجَمَة، من النجش، وَهُوَ
الْإِسْرَاع. السَّادِسَة: فانبخست، بِالْبَاء الْمُوَحدَة
وَالْخَاء الْمُعْجَمَة وَالسِّين الْمُهْملَة من النخس،
وَهُوَ النَّقْص، فَكَأَنَّهُ ظهر لَهُ نقصانه عَن مماشاته
رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَهُوَ رِوَايَة
المتسملي لما اعْتقد فِي نَفسه من النَّجَاسَة.
السَّابِعَة: فاحتبست، نحاء مُهْملَة ثمَّ تَاء مثناة من
فَوق ثمَّ بَاء مُوَحدَة ثمَّ سين مُهْملَة، من الاحتباس،
وَالْمعْنَى: حبست نَفسِي عَن اللحاق بِالنَّبِيِّ صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم. الثَّامِنَة: (فانسللت) .
التَّاسِعَة: (فانسل) ، وَهُوَ رِوَايَة مُسلم
وَالنَّسَائِيّ أَيْضا. وَقَالَ بعض الشَّارِحين: وَلم
يثبت لي من طَرِيق الرِّوَايَة غير مَا تقدم، وَأَرَادَ
بِهِ رِوَايَة الْكشميهني وَأبي الْوَقْت
وَالْمُسْتَمْلِي، وَنسب بَعْضهَا إِلَى التَّصْحِيف،
وَلَا يلْزم من عدم ثُبُوت غير الرِّوَايَات الثَّلَاث
عِنْده عدم ثُبُوتهَا عِنْد غَيره، وَلَيْسَ بأدب أَن
ينْسب بعض غير مَا وقف عَلَيْهِ إِلَى التَّصْحِيف، لِأَن
الْجَاهِل بالشَّيْء لَيْسَ لَهُ أَن يَدعِي عدم علم غَيره
بِهِ. قَوْله: (يَا با هُرَيْرَة) بِحَذْف الْهمزَة فِي
الْأَب تَخْفِيفًا. قَوْله: (جنب) يُقَال: أجنب الرجل
فَهُوَ جنب، وَكَذَلِكَ الإثنان وَالْجمع والمذكر والمؤنث،
قَالَ ابْن دُرَيْد، وَهُوَ أَعلَى اللُّغَات، وَقد
قَالُوا: جنبان وأجناب، وَلم يَقُولُوا: جنبة، وَفِي
(الْمُنْتَهى) رجل جنب وَامْرَأَة جنب وَقوم جنب وجنبو
وأجناب، وَفِي (الصِّحَاح) أجنب الرجل وجنب أَيْضا، بِضَم
النُّون. وَفِي (الموعب) لِابْنِ التياني عَن الْفراء
وقطرب جنب الرجل وجنب بسكر النُّون وَضمّهَا، لُغَتَانِ.
وَقَالَ المطرزي: يُقَال: من الْجَنَابَة أجنب الرجل وجنب
بِفَتْح النُّون وَكسرهَا، وجنب وتجنب، لَا يُقَال عَن
الْعَرَب غَيره وَحكى بَعضهم: جنب بِضَم النُّون، وَلَيْسَ
بالمشهور. وَفِي (الِاشْتِقَاق) للرماني: وأجنب الرجل
لِأَنَّهُ يجانب الصَّلَاة. وَقَالَ أَبُو مَنْصُور:
لِأَنَّهُ نهى عَن أَن يقرب مَوَاضِع الصَّلَاة وَقَالَ
الْعُتْبِي: سمي بذلك لمجانبة النَّاس وَبعده مِنْهُم،
حَتَّى يغْتَسل. قَوْله: (سُبْحَانَ الله) قَالَ ابْن
الْأَنْبَارِي مَعْنَاهُ: سبحتك تَنْزِيها لَك يَا رَبنَا
من الْأَوْلَاد والصاحبة والشركاء، أَي: نزهناك من ذَلِك.
وَقَالَ الْقَزاز: مَعْنَاهُ: برأت الله تَعَالَى من
السوء، وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَة: نُسَبِّح لَك بحَمْدك
وَنُصَلِّي لَك، وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيّ فِي (أساس
البلاغة) سبحت الله وسبحت لَهُ وَكَثُرت تسبحاته وتسابيحه،
وَفِي (المغيث) لأبي الْمَدِينِيّ: سُبْحَانَ الله قَائِم
مقَام الْفِعْل أَي: أسبحه، وسبحت أَي: لفظت سُبْحَانَ
الله، وَقيل: معنى: سُبْحَانَ الله. أتَسرع إِلَيْهِ
وألحقه فِي طَاعَته من قَوْلهم فرس سايح. وَذكر النَّضر بن
شُمَيْل أَن مَعْنَاهُ: السرعة إِلَى هَذِه اللُّغَة
وَلِأَنَّهُ الْإِنْسَان يبْدَأ فَيَقُول: سُبْحَانَ الله.
قَوْله: (لَا ينجس) قَالَ ابْن سَيّده النَّجس وَالنَّجس
وَالنَّجس القذر من كل شَيْء، وَرجل نجس، وَالْجمع أنجاس،
وَقيل: النَّجس يكون اللواحد والاثنين وَالْجمع والمؤنث
بِلَفْظ وَاحِد فَإِذا كسر وَالنُّون جمعُوا وانئوا وَرجل،
رِجْس نجس، يَقُولُونَهَا بِالْكَسْرِ لمَكَان رِجْس،
فَإِذا أفردوه وَقَالُوا: نجس، وَفِي (الْجَامِع) أَحسب
الْمصدر من قَوْلهم: نجس ينجس نجسا، وَاسم النَّجَاسَة.
وَذكره ابْن الْقُوطِيَّة وَابْن طريف فِي بَاب: فعل
وَفعل، فَقَالَا: نجس الشَّيْء ونجسا نَجَاسَة ضد طهر.
وَفِي (الصِّحَاح) نجس الشَّيْء بِالْكَسْرِ ينجس نجسا
فَهُوَ نجس ونجس وَفِي (كتاب ابْن عديس) نجس الرجل ونجس
نَجَاسَة ونجوسة بِكَسْر الْجِيم وضمهاإذا تقذر.
ذكر إعرابه قَوْله: (وَهُوَ جنب) جملَة إسمية وَقعت حَالا
من الضَّمِير الْمَنْصُوب الَّذِي فِي لَقيته. قَوْله:
(فَذَهَبت فاغتسلت) قَالَ الْكرْمَانِي: وَفِي بَعْضهَا
أَي: فِي بعض النّسخ فَذهب فاغتسل. قلت: على تَقْدِير
صِحَة الرِّوَايَة بهَا يجوز فِيهِ الْأَمْرَانِ
الْغَيْبَة بِالنّظرِ إِلَى نقل كَلَام أبي هُرَيْرَة
بِالْمَعْنَى، والتكلم بِالنّظرِ إِلَى نَقله بِلَفْظِهِ
بِعَيْنِه على سَبِيل الْحِكَايَة عَنهُ. وَأما جَوَاز
لَفظه بالغيبة فَمن بَاب التَّجْرِيد، وَهُوَ أَنه جرد من
نَفسه شخصا وَأخْبر عَنهُ. قَوْله: (كنت جنبا) أَي: ذَا
جَنَابَة. قَوْله: (وَأَنا على غير طَهَارَة) جملَة إسمية
وَقعت حَالا من الضَّمِير الْمَرْفُوع فِي أجالسك.
(وأجالسك) فِي قُوَّة الْمصدر بِأَن الْمصدر، وَإِنَّمَا
فعل أَبُو هُرَيْرَة هَذَا لِأَنَّهُ، عَلَيْهِ السَّلَام،
كَانَ إِذا لَقِي أحدا من أَصْحَابه ماسحه ودعا لَهُ كَمَا
ورد فِي النَّسَائِيّ من حَدِيث أبي وَائِل عَن ابْن
مَسْعُود. قَالَ: (لَقِيَنِي النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم وَأَنا جنب فاهوى إليّ فَقلت: إِنِّي جنب، فَقَالَ:
إِن الْمُسلم لَا ينجس) . قَوْله: (سُبْحَانَ الله) ،
سُبْحَانَ علم للتسبيح، كعثمان، علم للرجل. وَقَالَ
الْفراء مَنْصُوب على الْمصدر كَأَنَّك قلت: سبحت الله
تسبيحاً فَجعل: سُبْحَانَ فِي مَوضِع التَّسْبِيح
وَالْحَاصِل أَنه مَنْصُوب بِفعل مَحْذُوف لَازم الْحَذف
فاستعماله فِي مثل هَذَا الْموضع يُرَاد بِهِ التَّعَجُّب،
وَمعنى التَّعَجُّب هُنَا أَنه كَيفَ يخفى مثل هَذَا
الظَّاهِر عَلَيْك.
بَيَان استنباط الْأَحْكَام الأول: وَقد عقد الْبَاب لَهُ،
أَن الْمُؤمن لَا ينجس وَأَنه طَاهِر سَوَاء كَانَ جنبا
أَو مُحدثا حَيا أَو مَيتا، وَكَذَا سؤره وعرقه ولعابه
ودمعه وَكَذَا الْكَافِر فِي هَذِه الْأَحْكَام وَعَن
الشَّافِعِي قَولَانِ فِي الْمَيِّت أصَحهمَا الطَّهَارَة
وَذكر البُخَارِيّ فِي (صَحِيحه) عَن ابْن عَبَّاس
تَعْلِيقا. [حم (الْمُسلم لَا ينجس حَيا وَلَا مَيتا) [/
حم وَوَصله الْحَاكِم فِي (الْمُسْتَدْرك) فَقَالَ:
أَخْبرنِي إِبْرَاهِيم عَن عصمَة. قَالَ: حَدثنَا أَبُو
مُسلم الْمسيب بن زُهَيْر الْبَغْدَادِيّ أخبرنَا أَبُو
بكر وَعُثْمَان ابْنا أبي شيبَة، قَالَا: حَدثنَا سُفْيَان
بن عُيَيْنَة عَن عَمْرو بن دِينَار عَن عَطاء عَن ابْن
عَبَّاس قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم: [حم (لَا تنجسوا مَوْتَاكُم فَإِن الْمُسلم لَا
ينجس حَيا وَلَا مَيتا) [/ حم قَالَ: صَحِيح على شَرطهمَا
وَلم يخرجَاهُ، وَهُوَ أصل فِي طَهَارَة الْمُسلم حَيا
وَمَيتًا، أما الْحَيّ: فبالإجماع حَتَّى الْجَنِين إِذا
ألقته أمه وَعَلِيهِ رُطُوبَة فرجهَا وَأما الْكَافِر
فَحكمه كَذَلِك على مَا نذكرهُ، إِن شَاءَ الله تَعَالَى.
وَفِي (صَحِيح ابْن خُزَيْمَة) عَن الْقَاسِم بن مُحَمَّد
قَالَ: سَأَلت عَائِشَة عَن الرجل يَأْتِي أَهله ثمَّ يلبس
الثَّوْب فيعرق فِيهِ أنجس ذَلِك؟ فَقَالَت: قد كَانَت
الْمَرْأَة تعد خرقَة أَو خرقاً فَإِذا كَانَ ذَلِك مسح
بهَا الرجل الْأَذَى عَنهُ، وَلم نر أَن ذَلِك يُنجسهُ،
وَفِي لفظ: ثمَّ صليا فِي ثوبهما وروى الدَّارَقُطْنِيّ من
حَدِيث المتَوَكل ابْن فُضَيْل عَن أم القلوص العامرية عَن
عَائِشَة: (كَانَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَا
يرى على الْبدن جَنَابَة، وَلَا على الأَرْض جَنَابَة،
وَلَا يجنب الرجل) وَعَن محيي السّنة الْبَغَوِيّ، قَالَ:
معنى قَول ابْن عَبَّاس: أَربع لَا يجنبن، الْإِنْسَان،
وَالثَّوْب، وَالْمَاء، وَالْأَرْض، يُرِيد: الْإِنْسَان
لَا يجنب بمماسة الْجنب، وَلَا الثَّوْب، إِذا لبسه
الْجنب، وَلَا الأَرْض إِذا أقضى إِلَيْهَا الْجنب، وَلَا
المَاء ينجس إِذا غمس الْجنب يَده فِيهِ.
وَقَالَ [قعابن الْمُنْذر [/ قع: أجمع عوام أهل الْعلم على
أَن عرق الْجنب طَاهِر، وَثَبت ذَلِك عَن ابْن عَبَّاس
وَابْن عمر وَعَائِشَة أَنهم قَالُوا ذَلِك، وَهُوَ
مَذْهَب أبي حنيفَة وَالشَّافِعِيّ، وَلَا أحفظ عَن غَيرهم
خلاف قَوْلهمَا. وَقَالَ [قعالقرطبي [/ قع: الْكَافِر نجس
عِنْد الشَّافِعِي، وَقَالَ أَبُو بكر ابْن الْمُنْذر:
وعرق الْيَهُودِيّ وَالنَّصْرَانِيّ والمجوسي طَاهِر
عِنْدِي، وَقَالَ ابْن حزم الْعرق من الْمُشْركين نجس
لقَوْله تَعَالَى: {إِنَّمَا الْمُشْركُونَ نجس} (سُورَة
التَّوْبَة: 28) وَتمسك أَيْضا بِمَفْهُوم حَدِيث الْبَاب،
وَادّعى أَن الْكَافِر نجس الْعين وَالْجَوَاب عَنهُ:
أَنهم نجسوا الْأَفْعَال لَا الْأَعْضَاء أَو نجسوا
الِاعْتِقَاد، وَمِمَّا يُوضح ذَلِك أَن الله تَعَالَى
أَبَاحَ نِكَاح نسَاء أهل الْكتاب، وَمَعْلُوم أَن عرقهن
لَا يسلم مِنْهُ من يضاجعهن، وَمَعَ ذَلِك لَا يجب
عَلَيْهِ من غسل الْكِتَابِيَّة إلاَّ مثل مَا يجب
عَلَيْهِ من غسل الْمسلمَة، فَدلَّ على أَن الْآدَمِيّ
الْحَيّ لَيْسَ ينجس الْعين إِذْ لَا فرق بَين النِّسَاء
وَالرِّجَال وَفِي (الْمُدَوَّنَة) على مَا نَقله ابْن
التِّين إِن الْمَرِيض إِذا صلى لَا يسْتَند لحائض وَلَا
جنب، وَأَجَازَهُ ابْن أَشهب. قَالَ [قعالشيخ أَبُو
مُحَمَّد [/ قع: لِأَن ثيابهما لَا تكَاد تسلم من
النَّجَاسَة. وَقَالَ غَيره لأجل أعينهما لَا لثيابهما،
وَمَا ذَكرْنَاهُ يرد بذلك، فَإِن قلت: على مَا ذكرت من
أَن الْمُسلم لَا ينجس حَيا وَلَا مَيتا يَنْبَغِي أَن
يغسل الْمَيِّت لِأَنَّهُ طَاهِر. قلت: اخْتلف الْعلمَاء
من أَصْحَابنَا فِي وجوب غسله. فَقيل: إِنَّمَا وَجب لحَدث
يحله باسترخاء المفاصل لَا لنجاسته، فَإِن الْآدَمِيّ لَا
ينجس بِالْمَوْتِ كَرَامَة، إِذا لَو نجس لما طهر
بِالْغسْلِ كَسَائِر الْحَيَوَانَات وَكَانَ الْوَاجِب
الِاقْتِصَار على أَعْضَاء الْوضُوء كَمَا فِي حَال
الْحَيَاة. لَكِن ذَلِك إِنَّمَا كَانَ نفيا للْحَرج
فِيمَا يتَكَرَّر كل يَوْم، وَالْحَدَث بِسَبَب الْمَوْت
لَا يتَكَرَّر، فَكَانَ كالجنابة لَا يَكْتَفِي فِيهَا
بِغسْل الْأَعْضَاء الْأَرْبَعَة، بل يبْقى على الأَصْل،
وَهُوَ وجوب غسل الْبدن لعدم الْحَرج، فَكَذَا هَذَا.
وَقَالَ الْعِرَاقِيُّونَ يجب غسله لنجاسته بِالْمَوْتِ
لَا بِسَبَب الْحَدث لِأَن للآدمي دَمًا سَائِلًا فيتنجس
بِالْمَوْتِ قِيَاسا على غَيره ألاَّ ترى أَنه لَو مَاتَ
فِي الْبِئْر نجسها؟ وَلَو حمله الْمُصَلِّي لم تجز صلَاته
وَلَو لم يكن نجسا لجازت كَمَا لَو حمل مُحدثا.
الثَّانِي: من الْأَحْكَام فِيهِ اسْتِحْبَاب أحترام أهل
الْفضل، وَأَن يوقرهم جليسهم ومصاحبهم، فَيكون على أكمل
الهيئات وَأحسن الصِّفَات، وَقد اسْتحبَّ الْعلمَاء لطَالب
الْعلم أَن يحسن حَاله عِنْد مجالسة شَيْخه، فَيكون
متطهراً متنظفاً بِإِزَالَة الشعوث الْمَأْمُور بإزالتها،
نَحْو: قصّ الشَّارِب، وقلم الْأَظْفَار، وَإِزَالَة
الروائح الْمَكْرُوهَة وَغير ذَلِك.
الثَّالِث: فِيهِ من الْآدَاب أَن الْعَالم إِذا رأى من
تَابعه أمرا يخَاف عَلَيْهِ فِيهِ خلاف الصَّوَاب،
سَأَلَهُ عَنهُ وَقَالَ لَهُ صَوَابه وَبَين لَهُ حكمه.
الرَّابِع: فِيهِ جَوَاز تَأْخِير الِاغْتِسَال عَن أول
وَقت وُجُوبه، وَالْوَاجِب أَن لَا يُؤَخِّرهُ إِلَى أَن
يفوتهُ وَقت صَلَاة.
الْخَامِس: فِيهِ جَوَاز انصراف الْجنب فِي حَوَائِجه قبل
الِاغْتِسَال، مَا لم يفته وَقت الصَّلَاة.
السَّادِس: فِيهِ أَن النَّجَاسَة إِذا لم تكن عينا فِي
الْأَجْسَام لَا تضرها فَإِن الْمُؤمن طَاهِر الْأَعْضَاء،
فَإِن من شَأْنه الْمُحَافظَة على الطَّهَارَة والنظافة.
السَّابِع: فِيهِ ائتلاف قُلُوب الْمُؤمنِينَ، ومواساة
الْفُقَرَاء والتواضع لله، وَاتِّبَاع أَمر الله تَعَالَى
حَيْثُ قَالَ جلّ ذكره. {وَلَا تطرد الَّذين يدعونَ رَبهم
بِالْغَدَاةِ والعشي يُرِيدُونَ وَجهه} (سُورَة) . وَقَالَ
بَعضهم: وَفِيه: اسْتِحْبَاب اسْتِئْذَان التَّابِع
للمتبوع إِذا أَرَادَ أَن يُفَارِقهُ. قلت: هَذَا بعيد
لِأَن الحَدِيث الْمَذْكُور لَا يفهم مِنْهُ ذَلِك لَا من
عِبَارَته وَلَا من إِشَارَته وَلَا فِيهِ التَّابِع
والتبوع لِأَن أَبَا هُرَيْرَة لم يكن فِي تِلْكَ الْحَالة
تَابعا للنَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي مَشْيه بل
إِنَّمَا لقِيه النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي بعض
طرق الْمَدِينَة، كَمَا هُوَ نَص الحَدِيث. وَقَالَ أَيْضا
وَبَوَّبَ عَلَيْهِ ابْن حبَان الرَّد على من زعم أَن
الْجنب إِذا وَقع فِي الْبِئْر فَنوى الِاغْتِسَال أَن
مَاء الْبِئْر ينجس. قلت: هَذَا الرَّد مَرْدُود
حِينَئِذٍ، لِأَن الحَدِيث لَا يدل عَلَيْهِ أصلا
والْحَدِيث يدل بعبارته أَن الْجنب لَيْسَ بِنَجس فِي
ذَاته، وَلم يتَعَرَّض إِلَى طَهَارَة غسالته إِذا نوى
الِاغْتِسَال.
24 - (بابُ الجُنُبُ يَخْرُجُ وَيَمْشِي فِي السُّوقِ
وَغَيْرِهِ)
بَاب بِالتَّنْوِينِ أَي هَذَا بَاب فِيهِ الْجنب يخرج
إِلَى آخِره، يَعْنِي لَهُ أَن يخرج من بَيته وَيَمْشي فِي
السُّوق وَغَيره وَهَذَا قَول أَكثر الْفُقَهَاء إلاَّ أَن
ابْن أبي شيبَة حكى عَن عَليّ وَعَائِشَة وَابْن عمر
وَأَبِيهِ وَشَدَّاد بن أَوْس وَسَعِيد بن الْمسيب
وَمُجاهد وَابْن سِيرِين وَالزهْرِيّ وَمُحَمّد بن عَليّ
وَالنَّخَعِيّ، وَزَاد الْبَيْهَقِيّ: سعد بن أبي وَقاص
وَعبد الله بن عَمْرو وَابْن عَبَّاس وَعَطَاء وَالْحسن
أَنهم كَانُوا إِذا اجنبوا لَا يخرجُون وَلَا يَأْكُلُون
حَتَّى يتوضؤوا فَإِن قلت: لم كَانَ بَاب بِالتَّنْوِينِ
وَلم يضفه إِلَى مَا بعده؟ قلت: يجوز ذَلِك وَلَكِن
يحْتَاج حِينَئِذٍ أَن يقدر الْجَواب نَحْو أَن يَقُول
لَهُ ذَلِك أَو يجوز ذَلِك، وَنَحْوهمَا وَعند
الِانْفِصَال لَا يحْتَاج إِلَى ذَلِك. قَوْله: (وَيَمْشي)
بِالْوَاو وَعطف على. قَوْله: (يخرج) وَفِي بعض النّسخ:
يمشي بِدُونِ: وَاو الْعَطف، فَإِن صحت هَذِه يكون يمشي،
فِي مَوضِع النصب على الْحَال الْمقدرَة. قَوْله:
(وَغَيره) بِالْجَرِّ عطف على. قَوْله: (فِي السُّوق)
وَقَالَ بَعضهم: وَيحْتَمل الرّفْع عطفا على يخرج من جِهَة
الْمَعْنى (قلت) فِيهِ لعسف لَا يخفى والمناسبة بَين
الْبَابَيْنِ ظَاهِرَة لِأَن كل مِنْهَا فِي حكم الْجنب
نَحْو: يَأْكُل وينام، عطفا على يخرج من جِهَة الْمَعْنى
قلت: فِيهِ تعسف لَا يحفى.
والمناسبة بَين الْبَابَيْنِ ظَاهِرَة لِأَن كلاًّ
مِنْهُمَا فِي حكم الْجنب.
وَقَالَ عَطَاءٌ يَحْتَجِمُ الجُنُبُ ويُقْلِّمُ
أَظْفَارَهُ وَيَحْلِقُ رَأْسَهُ وإنْ لَمْ يَتَوَضَأْ
(3/240)
مُطَابقَة الحَدِيث للتَّرْجَمَة فِي قَوْله وَغَيره،
بِالرَّفْع ظَاهِرَة وَأما بِالْجَرِّ الَّذِي هُوَ
الْأَظْهر فَلَا تكون الْمُطَابقَة إلاَّ من جِهَة
الْمَعْنى، وَهُوَ أَن الْجنب إِذا جَازَ لَهُ الْخُرُوج
من بَيته وَالْمَشْي فِي السُّوق وَغَيره جَازَ لَهُ
تِلْكَ الْأَفْعَال الْمَذْكُورَة فِي الْأَثر
الْمَذْكُور، وَهَذَا التَّعْلِيق وَصله عبد الرَّزَّاق
فِي (مُصَنفه) عَن ابْن جريح عَنهُ وَزَاد فِيهِ ويطلى
بالنورة.
284 - حدّثنا عَبْدُ الأَعْلَى بنُ حَمَادِ قالَ حدّثنا
يَزِيدُ بنُ زُرَيْعٍ قالَ حدّثنا سَعِيدٌ عَنْ قَتَادَةَ
أنَّ أنَسَ بنَ مالِكِ حَدَّثَهُمْ أنَّ نَبيِّ الله صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم كانَ يَطُوفُ عَلَى نِسَائِهِ فِي
اللَّيْلَةِ الواحِدَةِ وَلَهُ يَوْمَئِذٍ تِسْعُ
نِسْوَةٍ.
مُطَابقَة للْحَدِيث للتَّرْجَمَة تفهم من قَوْله: (كَانَ
يطوف على نِسَائِهِ) وَذَلِكَ أَن نِسَاءَهُ كَانَت
لَهُنَّ حجر مُتَقَارِبَة، فبالضرورة كَانَ النَّبِي صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم إِذا أَرَادَ الطّواف عَلَيْهِنَّ
يحْتَاج إِلَى الْمَشْي من حجرَة إِلَى حجرَة قَالَ
بَعضهم: لَكِن فِي غير السُّوق. قلت: الْمَشْي أَعم من أَن
يكون من بَيت إِلَى بَيت، وَمن بَيت إِلَى سوق، وَإِلَى
غَيره، وَحَدِيث أنس هَذَا قد مر فِي بَاب: إِذا جَامع
ثمَّ عَاد، وَقد مر الْكَلَام فِيهِ مُسْتَوفى، وَسَعِيد
الَّذِي يروي عَن قَتَادَة هُوَ سعيد بن أبي عرُوبَة قَالَ
الغساني: وَفِي نُسْخَة الْأصيلِيّ بدل: سعيد، لفظ شُعْبَة
أَي ابْن الْحجَّاج، وَلَيْسَ صَوَابا. |