عمدة القاري شرح
صحيح البخاري 25- (بابُ كَيْنُونَةِ الجُنُبِ فِي
الَبْيتِ إذَا تَوَضَّأَ قَبْلَ أَنْ يَغْتَسِلَ
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان جَوَاز كينونة الْجنب فِي
بَيته إِذا تَوَضَّأ قبل الِاغْتِسَال، والكينونة مصدر:
كَانَ يُقَال: يكون كوناً وكينونة، أَيْضا شبهوه بالحيدودة
والطيرورة من ذَوَات الْيَاء، وَلم يجىء من الْوَاو على
هَذَا إلاَّ أحرف: كينونة وكيعوعة وديمومة وقيدودة
وَأَصله: كينونة، بتَشْديد الْيَاء، فحذفوا كَمَا حذفوا من
هَين وميت، وَلَوْلَا ذَلِك لقَوْل: كونونة. قَوْله: (إِذا
تَوَضَّأ الْجنب) ، وَفِي رِوَايَة أبي الْوَقْت وكريمة.
(إِذا تَوَضَّأ قبل أَن يغْتَسل) وَلَيْسَ فِي رِوَايَة
الْحَمَوِيّ وَالْمُسْتَمْلِي: إِذا تَوَضَّأ، قبل أَن
يغْتَسل.
وَوجه الْمُنَاسبَة بَين الْبَابَيْنِ ظَاهر.
(3/241)
286 - حدّثنا أَبُو نَعِيمٍ قالَ حدّثنا
هِشَامٌ وَشيبانُ عَنْ يِحْيى اعَنْ أبي سَلَمَةَ قالَ
سألتُ عائِشَةَ أكانَ النَّبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
يَرْقُدُ وَهُوَ جُنُبُ قالَتْ نَعَمْ وَيَتَوَضَأُ..
مُطَابقَة الحَدِيث للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة، قيل: أَشَارَ
المُصَنّف بِهَذِهِ التَّرْجَمَة إِلَى تَضْعِيف مَا
رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَغَيره من حَدِيث عَليّ، رَضِي الله
تَعَالَى عَنهُ، مَرْفُوعا [حم (إِن الْمَلَائِكَة لَا
تدخل بَيْتا فِيهِ كلب وَلَا صُورَة وَلَا جنب) [/ حم.
قلت: هَذَا بعيد، لِأَن المُرَاد من هَذَا الْجنب الَّذِي
يتهاون بالاغتسال ويتخذه عَادَة حت تفوته صَلَاة أَو
أَكثر، وَلَيْسَ المُرَاد مِنْهُ من يُؤَخِّرهُ ليفعله،
أَو يكون المُرَاد مِنْهُ من لم يرفع حَدثهُ كُله أَو
بعضه، لِأَنَّهُ إِذا تَوَضَّأ ارْتَفع بعض الْحَدث عَنهُ،
والْحَدِيث الْمَذْكُور صَححهُ ابْن حبَان وَالْحَاكِم،
وَالَّذِي ضعفه قَالَ: فِي إِسْنَاده نجي الْحَضْرَمِيّ،
بِضَم النُّون وَفتح الْجِيم، لم يرو عَنهُ غير ابْنه عبد
الله، فَهُوَ مَجْهُول، لَكِن وَثَّقَهُ الْعجلِيّ.
ذكر رِجَاله وهم سِتَّة: أَبُو نعيم، بِضَم النُّون الْفضل
بن دُكَيْن، وَهِشَام الدستوَائي، وشيبان بن عبد
الرَّحْمَن النَّحْوِيّ الْمُؤَدب صَاحب حُرُوف وقراآت،
وَيحيى بن أبي كثير، وَأَبُو سَلمَة بن عبد الرَّحْمَن بن
عَوْف، تقدمُوا بِهَذَا التَّرْتِيب فِي كتاب الْعلم إلاَّ
هشاماً فَإِنَّهُ مر فِي بَاب زِيَادَة الْإِيمَان.
ذكر لطائف إِسْنَاده فِيهِ: التحديث بِصِيغَة الْجمع فِي
موضِعين. وَفِيه: العنعنة فِي موضِعين. وَفِيه: السُّؤَال.
وَفِيه: رِوَايَة ابْن أبي شيبَة بتحديث أبي سَلمَة
وَرَوَاهُ الْأَوْزَاعِيّ عَن يحيى عَن أبي كثير عَن أبي
سَلمَة عَن ابْن عمر، رَوَاهُ النَّسَائِيّ.
ذكر إعرابه قَوْله: (أَكَانَ) الْهمزَة فِيهِ للاستفهام.
قَوْله: (وَهُوَ جنب) جملَة إسمية وَقعت حَالا من النَّبِي
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم. قَوْله: (وَيتَوَضَّأ) عطف على
مَحْذُوف تَقْدِيره، نعم يرقد وَيتَوَضَّأ. فَإِن قلت: هَل
كَانَ يتَوَضَّأ بعد الرقاد؟ قلت: الْوَاو لَا تدل على
التَّرْتِيب، وَالْمعْنَى أَنه يجمع بَين الْوضُوء
والرقاد، وَلمُسلم من طَرِيق الزُّهْرِيّ عَن أبي سَلمَة،
كَانَ إِذا أَرَادَ أَن ينَام وَهُوَ جنب يتَوَضَّأ وضوءه
للصَّلَاة، وَهَذَا وَاضح لما قَررنَا، فآل معنى رِوَايَة
البُخَارِيّ نعم إِذا أَرَادَ النّوم يقوم وَيتَوَضَّأ
ثمَّ يرقد، ويوضح هَذَا أَيْضا حَدِيث ابْن عمر الَّذِي
ذكره البُخَارِيّ عقيب هَذَا الحَدِيث على مَا يَأْتِي عَن
قريب.
وَالَّذِي يستنبط من هَذَا الحَدِيث أَن الْجنب إِذا
أَرَادَ النّوم يتَوَضَّأ ثمَّ هَذَا الْوضُوء مُسْتَحبّ
أَو وَاجِب؟ يَأْتِي الْكَلَام فِيهِ عَن قريب.
26 - (بابُ نَوْم الجُنُبُ)
278 - حدّثنا قُتَيْبَةُ قالَ حدّثنا الَّليْثُ عَنْ
نَافِعٍ عَنِ ابنِ عُمَرَ أنَّ عُمَرَ بنَ الخَطَابِ
سَأَلَ رسولَ اللَّهِ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَيَرْقُدُ
أَحَدُنا وَهُوَ جُنُبٌ قالَ نَعَمْ إذَا تَوَضَأَ
أَحَدُكُمْ فَلُيَرْقُدْ وَهُوَ جُنُبٌ.
[/ ح.
مُطَابقَة هَذَا الحَدِيث للتَّرْجَمَة من جِهَة أَن رقاد
الْجنب فِي الْبَيْت يَقْتَضِي جَوَاز كينونته فِيهِ،
وَمعنى التَّرْجَمَة هَذَا. وَفِي بعض النّسخ، قبل هَذَا
الحَدِيث، بَاب نوم الْجنب: حَدثنَا قُتَيْبَة إِلَى
آخِره، وَهَذَا وَقع فِي رِوَايَة كَرِيمَة، وَلَا حَاجَة
إِلَى هَذَا لحُصُول الِاسْتِغْنَاء عَنهُ بِالْبَابِ
الَّذِي يَأْتِي عَقِيبه، وَقَالَ بَعضهم: يحْتَمل أَن
يكون ترْجم على الْإِطْلَاق وعَلى التَّقْيِيد فَلَا تكون
زَائِدَة. قلت: لَا يخرج عَن كَونه زَائِدا لِأَن
الْمَعْنى الْحَاصِل فيهمَا وَاحِد وَلَيْسَ فِيهِ
زِيَادَة فَائِدَة، فَلَا حَاجَة إِلَى ذكره وَقَالَ
الْكرْمَانِي: هَذَا الْإِسْنَاد بِهَذَا التَّرْتِيب تقدم
فِي آخر كتاب الْعلم. قلت: نعم، كَذَا ذكره فِي بَاب ذكر
الْعلم والفتيا فِي الْمَسْجِد، حَيْثُ قَالَ: حدّثنا
قُتَيْبَة بن سعيد حدّثنا اللَّيْث بن سعد، قَالَ: حَدثنَا
نَافِع مولى عبد الله بن عمر بن الْخطاب بن عبد الله بن
عمر أَن رجلا قَامَ فِي الْمَسْجِد الحَدِيث، فالإسنادان
سَوَاء، غير أَن هُنَاكَ نسب الروَاة، وَهَهُنَا اكْتفى
بأساميهم وَأَن الَّذِي هُنَاكَ يُوضح الَّذِي هَاهُنَا،
وَمَعَ هَذَا لكل وَاحِد مِنْهُمَا متن خلاف متن الآخر.
فَإِن قلت: هَذَا الحَدِيث يعد من مُسْند عمر بن الْخطاب
أَو من مُسْند ابْنه عبد الله؟ قلت: ظَاهره أَن ابْن عمر
حضر سُؤال أَبِيه عمر، فَيكون الحَدِيث من مُسْنده، وَهُوَ
من رِوَايَة نَافِع وروى عَن ايوب عَن نَافِع عَن ابْن عمر
عَن عمر أَنه قَالَ يَا رَسُول الله اخرجه النَّسَائِيّ
وعَلى هَذَا مَشْهُور من رِوَايَة مُسْند عمر، وَكَذَا
رَوَاهُ مُسلم من طَرِيق يحيى الْقطَّان عَن عبيد الله بن
عمر عَن نَافِع عَن ابْن عمر عَن عمر، رَضِي الله تَعَالَى
عَنهُ، وَهَذَا لَا يقْدَح فِي صِحَة الحَدِيث. قَوْله:
(أيرقد) ؟ الْهمزَة للاستفهام عَن حكم الرقاد لَا عَن
تعْيين الْوُقُوع،
(3/242)
فَالْمَعْنى: أَيجوزُ الرقود لَا حدنا؟
قَوْله: (وَهُوَ جنب) جملَة حَالية. قَوْله: (إِذا
تَوَضَّأ) ظرف محص. لقَوْله: (فليرقد) وَالْمعْنَى: إِذا
أَرَادَ أحدكُم الرقاد قليرقد بعد التوضأ وَقَالَ
الْكرْمَانِي: وَيجوز أَن يكون ظرفا متضمناً للشّرط ثمَّ
قَالَ: الشَّرْط سَبَب، فَمَا الْمُسَبّب الرقود أم
الْأَمر بالرقود ثمَّ أجَاب بِأَنَّهُ يحْتَمل الْأَمريْنِ
مجَازًا لَا حَقِيقَة كَأَن التوضي مسبب لجَوَاز الرقود
أَو لأمر الشَّارِع بِهِ. ثمَّ قَالَ: فَإِن قلت: الرقود
لَيْسَ وَاجِبا وَلَا مَنْدُوبًا، فَمَا معنى الْأَمر؟
قلت: الْإِبَاحَة بِقَرِينَة الْإِجْمَاع على عدم
الْوُجُوب وَالنَّدْب. انْتهى.
قلت: هَذَا كَلَام مدمج وَفِيه تَفْصِيل وَخلاف، فَنَقُول:
وَبِاللَّهِ التَّوْفِيق، ذهب الثَّوْريّ وَالْحسن بن حَيّ
وَابْن الْمسيب وَأَبُو يُوسُف إِلَى أَنه لَا بَأْس
للْجنب أَن ينَام من غير أَن يتَوَضَّأ، وَاحْتَجُّوا فِي
ذَلِك بِمَا رَوَاهُ التِّرْمِذِيّ، حَدثنَا هناد، قَالَ:
حَدثنَا أَبُو بكر بن عَيَّاش عَن الْأَعْمَش عَن أبي
إِسْحَاق عَن الْأسود عَن عَائِشَة قَالَت: (كَانَ
النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، ينَام وَهُوَ جنب وَلَا
يمس مَاء) وَرَوَاهُ ابْن مَاجَه: حَدثنَا أَبُو بكر بن
أبي شيبَة حَدثنَا أَبُو الْأَحْوَص عَن أبي إِسْحَاق عَن
الْأسود عَن عَائِشَة قَالَت: (إِن رَسُول الله صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم، إِن كَانَت لَهُ إِلَى أَهله حَاجَة
قَضَاهَا ثمَّ ينَام كَهَيئَةِ لَا يمس مَاء) وَأخرجه
أَحْمد كَذَلِك، وَأخرجه الطَّحَاوِيّ من سَبْعَة طرق.
مِنْهَا: مَا رَوَاهُ عَن ابْن أبي دَاوُد عَن مُسَدّد
قَالَ: حَدثنَا أَبُو الْأَحْوَص، قَالَ: حَدثنَا أَبُو
إِسْحَاق عَن الْأسود عَن عَائِشَة. قَالَت: [حم (كَانَ
رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، إِذا رَجَعَ من
الْمَسْجِد صلى مَا شَاءَ الله ثمَّ مَال إِلَى فرَاشه
وَإِلَى أَهله فَإِن كَانَت لَهُ حَاجَة قَضَاهَا ثمَّ
نَام كَهَيْئَته وَلَا يمس طيبا) [/ حم وأرادت بالطيب
المَاء، كَمَا وَقع فِي الرِّوَايَة الْأُخْرَى، وَلَا يمس
مَاء، وَذَلِكَ أَن المَاء يُطلق عَلَيْهِ الطّيب كَمَا
ورد فِي الحَدِيث فَإِن المَاء طيب لِأَنَّهُ يطيب ويطهر،
وَأي طيب أقوى فعلا فِي التَّطْهِير من المَاء؟ وَذهب
الْأَوْزَاعِيّ وَاللَّيْث وَأَبُو حنيفَة وَمُحَمّد
وَالشَّافِعِيّ وَمَالك وَأحمد وَإِسْحَاق وَابْن
الْمُبَارك وَآخَرُونَ إِلَى أَنه يَنْبَغِي للْجنب أَن
يتَوَضَّأ للصَّلَاة قبل أَن ينَام، وَلَكنهُمْ اخْتلفُوا
فِي صفة هَذَا الْوضُوء وَحكمه فَقَالَ أَحْمد: يسْتَحبّ
للْجنب إِذا أَرَادَ أَن ينَام أَو يطَأ ثَانِيًا أَو
يَأْكُل أَن يغسل فرجه وَيتَوَضَّأ روى ذَلِك عَن عَليّ
وَعبد الله بن عمر، وَقَالَ سعيد بن الْمسيب: إِذا أَرَادَ
أَن يَأْكُل يغسل كفيه ويتمضمض وَحكى نَحوه عَن أَحْمد
وَإِسْحَاق، وَقَالَ مُجَاهِد: يغسل كفيه. وَقَالَ مَالك:
يغسل يَدَيْهِ إِن كَانَ أصابهما أَذَى.
وَقَالَ [قعأبو عمر [/ قع فِي (التَّمْهِيد) وَقد اخْتلف
الْعلمَاء فِي إِيجَاب الْوضُوء عِنْد النّوم على الْجنب،
فَذهب أَكثر الْفُقَهَاء إِلَى أَن ذَلِك على النّدب
والاستحباب لَا على الْوُجُوب. وَذَهَبت طَائِفَة إِلَى
أَن الْوضُوء الْمَأْمُور بِهِ الْجنب هُوَ غسل الْأَذَى
مِنْهُ وَغسل ذكره وَيَديه، وَهُوَ التَّنْظِيف، وَذَلِكَ
عِنْد الْعَرَب يُسمى، وضوأً. قَالُوا: وَقد كَانَ ابْن
عمر لَا يتَوَضَّأ عِنْد النّوم الْوضُوء الْكَامِل،
وَهُوَ روى الحَدِيث وَعلم مخرجه، وَقَالَ [قعمالك [/ قع:
لَا ينَام الْجنب حَتَّى يتَوَضَّأ وضوءه للصَّلَاة،
قَالَ: وَله أَن يعاود أَهله وَيَأْكُل قبل أَن يتَوَضَّأ؛
إِلَّا أَن يكون فِي يَدَيْهِ قذر فيغسلهما، قَالَ:
وَالْحَائِض تنام قبل أَن تتوضأ. وَقَالَ الشَّافِعِي، فِي
هَذَا كُله نَحْو قَول مَالك، وَقَالَ [قعأبو حنيفَة
وَالثَّوْري [/ قع: لَا بَأْس أَن ينَام الْجنب على غير
وضوء، وَأحب إِلَيْنَا أَن يتَوَضَّأ، قَالُوا: فَإِذا
أَرَادَ أَن يَأْكُل تمضمض وَغسل يَدَيْهِ، وَهُوَ قَول
الْحسن ابْن حَيّ. وَقَالَ الأزاعي: الْحَائِض وَالْجنب
أَرَادَ أَن يطعما غسلا أَيْدِيهِمَا. وَقَالَ [قعالليث بن
سعد [/ قع: لَا ينَام الْجنب حَتَّى يتَوَضَّأ رجلا كَانَ
أَو امْرَأَة. انْتهى.
وَقَالَ [قعالقاضي عِيَاض [/ قع: ظَاهر مَذْهَب مَالك أَنه
لَيْسَ بِوَاجِب، وَإِنَّمَا هُوَ مرغب فِيهِ، وَابْن حبيب
يرى وُجُوبه، وَهُوَ مَذْهَب دَاوُد، وَقَالَ [قعابن حزم
[/ قع فِي (الْمحلى) وَيسْتَحب الْوضُوء للْجنب إِذا
أَرَادَ الْأكل أَو النّوم ولرد السَّلَام وَلذكر الله،
وَلَيْسَ ذَلِك بِوَاجِب. قلت: قد خَالف ابْن حزم دَاوُد
فِي هَذَا الحكم وَقَالَ [قعابن الْعَرَبِيّ [/ قع: قَالَ
مَالك وَالشَّافِعِيّ لَا يجوز للْجنب أَن ينَام قبل أَن
يتَوَضَّأ. وَقَالَ بَعضهم: أنكر بعض الْمُتَأَخِّرين
هَذَا النَّقْل، وَقَالَ: لم يقل الشَّافِعِي بِوُجُوبِهِ،
وَلَا يعرف ذَلِك أَصْحَابه، وَهُوَ كَمَا قَالَ، لَكِن
كَلَام ابْن الْعَرَبِيّ مَحْمُول على أَنه أَرَادَ نفي
الْإِبَاحَة المستوية الطَّرفَيْنِ، لَا إِثْبَات
الْوُجُوب، أَو أَرَادَ بِأَنَّهُ وَاجِب وجوب سنة أَي:
متأكد الِاسْتِحْبَاب، وَيدل عَلَيْهِ أَنه قابله بقول
ابْن حبيب: هُوَ وَاجِب وجوب الْفَرَائِض. انْتهى. قلت:
إِنْكَار الْمُتَأَخِّرين هَذَا الَّذِي نقل عَن
الشَّافِعِي إِنْكَار مُجَرّد فَلَا يُقَاوم الْإِثْبَات،
وَعدم معرفَة أَصْحَابه ذَلِك لَا يسْتَلْزم عدم قَول
الشَّافِعِي بذلك، وَأبْعد من هَذَا قَول هَذَا الْقَائِل،
وَهُوَ كَمَا قَالَ: فَكيف يَقُول بِهَذَا وَقد بَينا
فَسَاده، وَأبْعد من هَذَا كُله حمل هَذَا الْقَائِل
كَلَام ابْن الْعَرَبِيّ على مَا ذكره، يعرف ذَلِك من يدقق
نظره فِيهِ.
ثمَّ اعْلَم أَن الطَّحَاوِيّ أجَاب عَن حَدِيث عَائِشَة
الْمَذْكُور، فَقَالَ: وَقَالُوا هَذَا الحَدِيث غلط
لِأَنَّهُ حَدِيث مُخْتَصر، اخْتَصَرَهُ
(3/243)
أَبُو إِسْحَاق من حَدِيث طَوِيل فاخطأ فِي
اختصاره إِيَّاه، وَذَلِكَ أَن بَهْزًا حَدثنَا قَالَ:
أخبرنَا أَبُو غَسَّان، قَالَ أخبرنَا زُهَيْر، قَالَ:
حَدثنَا أَبُو إِسْحَاق قَالَ: أتيت الْأسود بن يزِيد،
وَكَانَ لي أَخا وصديقاً فَقلت لَهُ: يَا أَبَا عمر
حَدثنِي مَا حدثتك عَائِشَة أم الْمُؤمنِينَ عَن صَلَاة
النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ: (قَالَت
عَائِشَة كَانَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ينَام
أول اللَّيْل ويحيي آخِره، ثمَّ إِن كَانَت لَهُ حَاجَة
قضى حَاجته، ثمَّ ينَام قبل أَن يمس مَاء، فَإِذا كَانَ
عِنْد النداء الأول وثب، وَمَا قَالَت: قَامَ، فَأَفَاضَ
عَلَيْهِ المَاء، وَمَا قَالَت: اغْتسل، وَأَنا أعلم مَا
تُرِيدُ، وَإِن نَام جنبا تَوَضَّأ وضوء الرجل للصَّلَاة)
فَهَذَا الْأسود بن زيد قد بَان فِي حَدِيثه لما ذكر
بِطُولِهِ أَنه كَانَ إِذا أَرَادَ أَن ينَام وَهُوَ جنب
تَوَضَّأ وضوءه للصَّلَاة، وَأما قَوْلهَا: فَإِن كَانَت
لَهُ حَاجَة قَضَاهَا ثمَّ نَام قبل أَن يمس مَاء،
فَيحْتَمل أَن يكون ذَلِك مَحْمُولا على المَاء الَّذِي
يغْتَسل بِهِ، لَا على الْوضُوء، وَقَالَ أَبُو دَاوُد:
حَدثنَا الْحُسَيْن الوَاسِطِيّ، سَمِعت يزِيد بن هَارُون
يَقُول: هَذَا الحَدِيث وهم، يَعْنِي حَدِيث أبي إِسْحَاق.
وَفِي رِوَايَة عَنهُ: لَيْسَ بِصَحِيح، وَقَالَ المهني:
سَأَلت أَبَا عبد الله عَنهُ فَقَالَ: لَيْسَ بِصَحِيح
قلت: لم قَالَ: لِأَن شُعْبَة روى عَن الْحَاكِم عَن
إِبْرَاهِيم عَن الْأسود عَن عَائِشَة: [حم (أَن النَّبِي
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ إِذا أَرَادَ أَن ينَام
وَهُوَ جنب تَوَضَّأ وضوءه للصَّلَاة) [/ حم قلت: من قبل
من جَاءَ هَذَا الِاخْتِلَاف؟ قَالَ: من قبل أبي إِسْحَاق،
قَالَ: وَسَأَلت أَحْمد بن صَالح عَن هَذَا الحَدِيث،
فَقَالَ: لَا يحل أَن يرْوى. وَقَالَ التِّرْمِذِيّ
وَأَبُو عَليّ الطوسي، روى غير وَاحِد عَن الْأسود عَن
عَائِشَة: (أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ يتَوَضَّأ
قبل أَن ينَام وَهُوَ جنب، يتَوَضَّأ وضوءه للصَّلَاة)
وَهَذَا أصح من حَدِيث أبي إِسْحَاق قَالَ: وَكَانُوا
يرَوْنَ أَن هَذَا غلط من أبي إِسْحَاق، وَقَالَ ابْن
مَاجَه، عقيب رِوَايَته هَذَا الحَدِيث قَالَ سُفْيَان:
ذكرت الحَدِيث يَعْنِي هَذَا، يَوْمًا، فَقَالَ لي
إِسْمَاعِيل: شدّ هَذَا الحَدِيث ياقتي بِشَيْء.
وتصدى جمَاعَة لتصحيح هَذَا الحَدِيث.
مِنْهُم الدراقطني: فَإِنَّهُ قَالَ: يشبه أَن يكون
الخبران صَحِيحَيْنِ، لِأَن عَائِشَة قَالَت: رُبمَا قدم
الْغسْل، وَرُبمَا أَخّرهُ، وكما حكى ذَلِك غُضَيْف وَعبد
الله بن أبي قيس وَغَيرهمَا عَن عَائِشَة، وَأَن الْأسود
حفظ ذَلِك عَنْهَا. فحفظ أَبُو إِسْحَاق عَنهُ تَأْخِير
الْوضُوء وَالْغسْل، وَحفظ إِبْرَاهِيم وَعبد الرَّحْمَن
تَقْدِيم الْوضُوء على الْغسْل.
وَمِنْهُم الْبَيْهَقِيّ: وَمُلَخَّص كَلَامه أَن حَدِيث
أبي إِسْحَاق صَحِيح من جِهَة الرِّوَايَة، وَذَلِكَ أَنه
بَين فِيهِ سَمَاعه من الْأسود فِي رِوَايَة زُهَيْر
عَنهُ، والمدلس إِذا بَين سَمَاعه مِمَّن روى عَنهُ،
وَكَانَ ثِقَة، فَلَا وَجه لرده، وَوجه الْجمع بَين
الرِّوَايَتَيْنِ على وَجه يحْتَمل، وقدجمع بَينهمَا أَبُو
الْعَبَّاس ابْن شُرَيْح فاحسن الْجمع، وَسُئِلَ عَنهُ
وَعَن حَدِيث عمر: [حم (أَيَنَامُ أَحَدنَا وَهُوَ جنب؟
قَالَ: نعم، إِذا تَوَضَّأ) [/ حم وَقَالَ الحكم لَهما
جَمِيعًا أما حَدِيث عَائِشَة فَإِنَّمَا أَرَادَت أَنه
كَانَ لَا يمس مَاء للْغسْل. وَأما حَدِيث عمر: (أَيَنَامُ
أَحَدنَا وَهُوَ جنب؟ قَالَ: نعم إِذا تَوَضَّأ أحدكُم
فليرقد) . فمفسره ذكر فِيهِ الْوضُوء وَبِه، نَأْخُذ.
وَمِنْهُم ابْن قُتَيْبَة. فَإِنَّهُ قَالَ: يُمكن أَن
يكون الْأَمْرَانِ جميعاٌ وقعاد فالفعل لبَيَان
الِاسْتِحْبَاب، وَالتّرْك لبَيَان الْجَوَاز، وَمَعَ
هَذَا قَالُوا: إِنَّا وجدنَا لحَدِيث أبي إِسْحَاق
شَوَاهِد ومتابعين، فَمِمَّنْ تَابعه عَطاء وَالقَاسِم
وكريب والسوائي فِيمَا ذكره أَبُو إِسْحَاق الْجرْمِي فِي
كتاب (الْعِلَل) قَالَ: وَأحسن الْوُجُوه فِي ذَلِك أَن
صَحَّ حَدِيث أبي إِسْحَاق فِينَا رَوَاهُ وَوَافَقَهُ
هَؤُلَاءِ أَن تكون عَائِشَة أخْبرت الْأسود أَنه كَانَ
رُبمَا تَوَضَّأ، وَرُبمَا أخر الْوضُوء وَالْغسْل حَتَّى
يصبح، فَأخْبر الْأسود إِبْرَاهِيم أَنه كَانَ يتَوَضَّأ
وَأخْبر أَبَا إِسْحَاق أَنه كَانَ يُؤَخر الْغسْل،
وَهَذَا أحسن وأوجه. فَإِن قلت: قد رُوِيَ عَن عَائِشَة
مَا يضاد مَا رُوِيَ عَنْهَا أَولا، وَهُوَ أَن
الطَّحَاوِيّ روى من حَدِيث الزُّهْرِيّ عَن عُرْوَة عَن
عَائِشَة. قَالَت: (كَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم إِذا أَرَادَ أَن يَأْكُل وَهُوَ جنب غسل كفيه)
وَرُوِيَ عَنْهَا: (أَنه كَانَ يتَوَضَّأ وضوءه للصَّلَاة)
. قلت: أجَاب الطَّحَاوِيّ عَن هَذَا بِأَنَّهَا لما
أخْبرت بِغسْل الْكَفَّيْنِ، بعد أَن كَانَت علمت
بِأَنَّهُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَمر بِالْوضُوءِ
التَّام، دلّ ذَلِك على ثُبُوت النّسخ عِنْدهَا، وَقَالَ
بَعضهم: جنح الطَّحَاوِيّ إِلَى أَن المُرَاد بِالْوضُوءِ
التَّنْظِيف، وَاحْتج بِأَن ابْن عمر رَاوِي الحَدِيث
وَهُوَ صَاحب الْقِصَّة. كَانَ يتَوَضَّأ وَهُوَ جنب لَا
يغسل رجلَيْهِ، كَمَا رَوَاهُ مَالك فِي (الْمُوَطَّأ) عَن
نَافِع وَأجِيب بِأَنَّهُ ثَبت تَقْيِيد الْوضُوء
بِالصَّلَاةِ فِي رِوَايَة عَائِشَة فيعتمد عَلَيْهَا
وَيحمل ترك ابْن عمر غسل رجلَيْهِ، على أَن ذَلِك كَانَ
لعذر. قلت: هَذَا الْقَائِل مَا أدْرك كَلَام الطَّحَاوِيّ
وَلَا ذاق مَعْنَاهُ، فَإِنَّهُ قَائِل بورود هَذِه
الرِّوَايَة عَن عَائِشَة، وَلكنه حمله على النّسخ كَمَا
ذَكرْنَاهُ، وَكَذَلِكَ مَا رُوِيَ عَن ابْن عمر حمله على
النّسخ لِأَن فعله هَذَا بعد علمه أَن النَّبِي صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم أَمر بِالْوضُوءِ التَّام للْجنب يدل على
(3/244)
ثُبُوت النّسخ عِنْده، لِأَن الرَّاوِي روى
شَيْئا عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَو علمه
مِنْهُ، ثمَّ فعل أَو أفتى بِخِلَافِهِ يدل على ثُبُوت
النّسخ عِنْده، إِذا لم يثبت ذَلِك لما كَانَ لَهُ
الْإِقْدَام على خِلَافه، وَكَذَلِكَ روى من قَول ابْن عمر
مَا رَوَاهُ من حَدِيث أَيُّوب عَن نَافِع عَن ابْن عمر
أَنه قَالَ: (إِذا أجنب الرجل، وَأَرَادَ أَن يَأْكُل أَو
يشرب أَو ينَام غسل كفيه وتمضمض واستنشق. وَغسل وَجهه
وذراعيه، وَغسل فرجه وَلم يغسل قَدَمَيْهِ) فَبِهَذَا ابطل
قَول هَذَا الْقَائِل: وَيحمل ترك ابْن عمر غسل قَدَمَيْهِ
على أَن ذَلِك كَانَ لعذر. فَإِن قلت: مَا الْحِكْمَة فِي
هَذَا الْوضُوء؟ قلت: فِيهِ تَخْفيف الحَدِيث يدل عَلَيْهِ
مَا رَوَاهُ ابْن أبي شيبَة بِسَنَد رِجَاله ثِقَات عَن
شَدَّاد بن أَوْس الصَّحَابِيّ قَالَ: إِذا أجنب أحدكُم من
اللَّيْل، ثمَّ أَرَادَ أَن ينَام فَليَتَوَضَّأ فَإِنَّهُ
نصف غسل الْجَنَابَة وَقيل لِأَنَّهُ إِحْدَى الطهارتين
فعلى هَذَا يقوم التَّيَمُّم مقَامه، وَقد روى
الْبَيْهَقِيّ بِإِسْنَاد حسن عَن عَائِشَة رَضِي الله
تَعَالَى عَنْهَا: [حم (أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
كَانَ إِذا أجنب فَأَرَادَ أَن ينَام يتَوَضَّأ أَو
يتَيَمَّم) [/ حم قلت: الظَّاهِر أَن التَّيَمُّم هَذَا
كَانَ عِنْد عدم المَاء، وَقيل: إِنَّه ينشط إِلَى الْعود
أَو إِلَى الْغسْل، وَقَالَ ابْن الْجَوْزِيّ الْحِكْمَة
فِيهِ أَن الْمَلَائِكَة تبعد عَن الْوَسخ وَالرِّيح
الكريهة، بِخِلَاف الشَّيَاطِين، فَإِنَّهَا تقرب من
ذَلِك.
27 - (بابُ الجنُبِ يَتَوَضَأُ ثُمَّ يَنَامُ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان حكم الْجنب يتَوَضَّأ ثمَّ
ينَام، والمناسبة بَين الْبَابَيْنِ ظَاهِرَة.
288 - ح دّثنا يحْيَى بنُ بُكَيْرٍ قالَ حدّثنا اللَّيْثُ
عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بنَ أبي جَعْفَرٍ عنْ مُحَمَّدٍ بنِ
عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عائِشَةَ قَالَتْ
كانَ النَّبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إذَا أَرَادَ أَنْ
يَنَامَ وَهُوَ جُنُبٌ غَسَلَ فَرْجَهُ وَتَوَضَأَ
لِلصَّلاةِ. (انْظُر الحَدِيث 286) .
مطابقتة للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة.
ذكر رِجَاله وهم سِتَّة: الأول: يحيى بن بكير، بِضَم
الْبَاء الْمُوَحدَة، سبق فِي بَاب الْوَحْي، وَهُوَ يحيى
بن عبد الله بن بكير الْمصْرِيّ، وينسب غَالِبا إِلَى جده.
الثَّانِي: اللَّيْث بن سعد. الثَّالِث: عبيد الله بن أبي
جَعْفَر أَبُو بكر الْفَقِيه الْمصْرِيّ. الرَّابِع:
مُحَمَّد بن عبد الرَّحْمَن أَبُو الْأسود الْأَسدي
الْمدنِي، بتيم عُرْوَة بن الزبير كَانَ أَبوهُ أوصى بِهِ
إِلَيْهِ. الْخَامِس: عُرْوَة ابْن الزبير. السَّادِس: أم
الْمُؤمنِينَ عَائِشَة.
بَيَان لطائف إِسْنَاده فِيهِ: التحديث بِصِيغَة الْجمع
فِي موضِعين. وَفِيه: العنعنة فِي أَرْبَعَة مَوَاضِع.
وَفِيه: أَن نصف رُوَاته مصريون. وَالنّصف الآخر مدنيون.
ذكر مَعْنَاهُ قَوْله: (كَانَ) يدل على الِاسْتِمْرَار
قَوْله: (وَهُوَ جنب) جملَة حَالية. قَوْله: (غسل) جَوَاب،
إِذا قَوْله: (تَوَضَّأ للصَّلَاة) لَيْسَ مَعْنَاهُ أَنه
تَوَضَّأ لأَدَاء الصَّلَاة إِذْ لَا يجوز الصَّلَاة لَهُ
قبل الْغسْل، بل مَعْنَاهُ تَوَضَّأ وضوأً مُخْتَصًّا
بِالصَّلَاةِ، يَعْنِي وضوأً شَرْعِيًّا لَا وضوء لغوياً
أَو يقدر مَحْذُوف أَي: تَوَضَّأ وضوأً كَمَا يتَوَضَّأ
للصَّلَاة، وَفِي بعض الرِّوَايَات وضوءه للصَّلَاة.
289 - حدّثنا مُوسَى بنُ إسْمَاعِيلَ قالَ حدّثنا
جُوَيْرِيَةَ عنْ نافِعٍ عَنْ عَبَدٍ اللَّهِ قالَ
اسْتَفْتَى عُمَرُ النَّبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
أَيَنَامُ أَحَدنَا وَهُوَ جُنُبٌ قالَ نَعَمْ إذَا
تَوَضَأَ.
(انْظُر الحَدِيث 287 وطرفه) [/ ح.
جوَيْرِية، بِالْجِيم وَالرَّاء، مُصَغرًا اسْم رجل، وَاسم
أَبِيه أَسمَاء من عبيد الضبعِي، سمع من نَافِع وَمن
مَالك. قَوْله: (عَن عبد الله ابْن عمر) وَفِي رِوَايَة
ابْن عشاكر: عَن ابْن عمر. قَوْله: (استفتى) أَي: طلب
الْفَتْوَى من النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَوْله:
(أَيَنَامُ أَحَدنَا) صُورَة الاستفتاء. قَوْله: (فَقَالَ:
نعم) جَوَابه والهمزة فِي: أَيَنَامُ للإستفهام. قَوْله:
(وَهُوَ جنب) جملَة حَالية. قَوْله: (إِذا تَوَضَّأ) وَفِي
رِوَايَة مُسلم من طَرِيق ابْن جريح عَن نَافِع، ليتوضأ
ثمَّ لينم.
290 - حدّثنا عَبْدُ اللَّهِ بنُ يُعْسُفَ قالَ أخبرنَا
مالِكٌ عنْ عَبُدِ اللَّهِ بنِ دِينارٍ عَنْ عَبْدِ
اللَّهِ بنِ عُمرَ أنَّهُ قالَ ذَكَرَ عُمَرُ بنُ
الخَطَابِ لِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
أنَّهُ تُصِيبُهُ الجَنَابَةَ مِنَ الَّليْلِ فقالَ لَهُ
رسولُ اللَّهِ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم تَوَضَأْ وَاعْسِلْ
ذَكَرَكَ ثُمَّ نَمْ. (انْظُر الحَدِيث 287 وطرفه) .
(3/245)
هَكَذَا رَوَاهُ مَالك فِي (الْمُوَطَّأ)
عَن عبد الله بن دِينَار عَن عبد الله بن عمر، وَكَذَا
رَوَاهُ أَبُو زيد، وَرَوَاهُ ابْن السكن عَن الْفربرِي
فَقَالَ مَالك عَن نَافِع، وَقَالَ: الجياني فِي بعض
النّسخ، جعل نَافِعًا بدل عبد الله بن دِينَار،
وَكِلَاهُمَا صَوَاب، لِأَن مَالِكًا يروي هَذَا الحَدِيث
عَنْهُمَا. لكنه بروايه عبد الله أشهر وَقَالَ ابْن عبد
الْبر، الحَدِيث لمَالِك عَنْهُمَا جَمِيعًا، لَكِن
الْمَحْفُوظ عَن عبد الله بن دِينَار، وَحَدِيث نَافِع
غَرِيب. قلت: لَا غرابة، لِأَنَّهُ رَوَاهُ عَنهُ كَذَلِك
عَن نَافِع خَمْسَة أَو سِتَّة، وَلكنه الأول أشهر.
قَوْله: (ذكر عمر بن الْخطاب) يَقْتَضِي أَن يكون الحَدِيث
من مُسْند ابْن عمر قَوْله: (أَنه تصيبه الْجَنَابَة من
اللَّيْل) الضَّمِير فِي أَنه يرجع إِلَى عبد الله بن عمر
لَا إِلَى عمر يدل عَلَيْهِ رِوَايَة النَّسَائِيّ من
طَرِيق ابْن عون عَن نَافِع قَالَ: [حم (أصَاب ابْن عمر
جَنَابَة فَأتى عمر فَذكر ذَلِك لَهُ فَأتى عمر إِلَى
رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فاستأمره فَقَالَ:
ليتوضأ وليرقد) [/ حم وَكَذَلِكَ الضَّمِير فِي لَهُ، يرجع
إِلَى عبد الله بن عمر لَا إِلَى عمر. فَإِن قلت: ظَاهر
عبارَة البُخَارِيّ يدل على أَن الضَّمِير فِي أَنه وَله
يرجع إِلَى عمر. قلت: الظَّاهِر كَذَا، وَلَكِن رِوَايَة
النَّسَائِيّ بيّنت أَن الضَّمِير لعبد الله، فَكَأَنَّهُ
حضر إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بعد أَن
ذكر عمر ذَلِك، فَلهَذَا خاطبه بقوله: (تَوَضَّأ واغسل
ذكرك) وَإِن لم يكن حضر فالخطاب لعمر، رَضِي الله تَعَالَى
عَنهُ، لِأَنَّهُ جَوَاب استفتائه، وَلكنه يرجع إِلَى
ابْنه عبد الله لِأَن الاستفتاء من عمر لأجل عبد الله
كَمَا دلّ عَلَيْهِ مَا رَوَاهُ النَّسَائِيّ قَوْله:
(فَقَالَ لَهُ) لَيست لَفْظَة لَهُ بموجودة فِي رِوَايَة
الْأصيلِيّ قَوْله: (تَوَضَّأ واغسل ذكرك) مَعْنَاهُ إجمع
بَينهمَا لِأَن الْوَاو وَلَا تدل على التَّرْتِيب
لِأَنَّهُ من الْمَعْلُوم أَن يقدم غسل الذّكر على
الْوضُوء وَفِي رِوَايَة أبي نوح عَن مَالك: اغسل ذكرك
ثمَّ تَوَضَّأ ثمَّ نم وَهُوَ على الأَصْل.
وَفِيه: رد على من حمل الرِّوَايَة الأولى على ظَاهرهَا
وَأَجَازَ تَقْدِيم الْوضُوء على غسل الذّكر لِأَنَّهُ
لَيْسَ بِوضُوء ينقصهُ الْحَدث وَإِنَّمَا هُوَ للتعبد.
28 - (بابٌ إذَا التَقَى الخِتَانانِ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان حكم مَا إِذا التقى الختانان
يَعْنِي: ختان الرجل وختان الْمَرْأَة وَقَالَ بَعضهم:
المُرَاد بِهَذِهِ التَّثْنِيَة ختان الرجل وخفاض
الْمَرْأَة، وَإِنَّمَا ثنيا بِلَفْظ وَاحِد تَغْلِيبًا
لَهُ قلت: ذكرُوا هَذَا وَلَكِن ذكر هَذَا بِنَاء على
عَادَة الْعَرَب، فَإِنَّهُم يختنون النِّسَاء. وَقَالَ
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (الْخِتَان للرِّجَال سنة
وللنساء مكرمَة) رَوَاهُ الْجَصَّاص فِي كتاب (أدب
الْقَضَاء) عَن شَدَّاد بن أَوْس، رَضِي الله تَعَالَى
عَنهُ، ثمَّ الْخِتَان قطع جليدة الكمرة، وَكَذَلِكَ الختن
والخفاض قطع جلدَة من أَعلَى فرجهَا تشبه عرف الديك
بَينهَا وَبَين مدْخل الذّكر جلدَة رقيقَة، وَكَذَلِكَ
الْخَفْض.
مُطَابقَة الحَدِيث للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (ثمَّ جهدها)
لِأَنَّهُ رُوِيَ: (والزق الْخِتَان بالختان) ، بدل
قَوْله: (ثمَّ جهدها) على مَا يَأْتِي بَيَانه، إِن شَاءَ
الله تَعَالَى.
ذكر رِجَاله وهم سَبْعَة لِأَنَّهُ رَوَاهُ من طَرِيقين.
الأول: عَن معَاذ بن فضَالة، بِضَم الْمِيم فِي، مَعْنَاهُ
وَفتح الْفَاء فِي فضَالة الْبَصْرِيّ عَن هِشَام
الدستوَائي عَن قَتَادَة بن دعامة الْمُفَسّر عَن الْحسن
الْبَصْرِيّ عَن أبي رَافع نفيع الصَّائِغ، وَالطَّرِيق.
الثَّانِي: عَن أبي نعيم الْفضل بن دُكَيْن عَن هِشَام الخ
وَعلم على الطَّرِيقَيْنِ بِصُورَة (ح) بَين الإسنادين من
التَّحْوِيل.
ذكر لطائف إِسْنَاده فِيهِ التحديث بِصِيغَة الْجمع فِي
ثَلَاثَة مَوَاضِع: وَفِيه: العنعنة فِي سِتَّة مَوَاضِع.
وَفِيه: أَن رُوَاته كلهم بصريون.
ذكر من أخرجه غَيره أخرجه مُسلم فِي الطَّهَارَة عَن أبي
خثيمَةَ زُهَيْر بن حَرْب، وَأبي غَسَّان المسمعي وَابْن
الْمثنى، وَابْن بشار، أربعتهم عَن معَاذ بن هِشَام عَن
أَبِيه عَن الْحسن بِهِ، وَعَن مُحَمَّد بن عَمْرو عَن
ابْن أبي عدي عَن ابْن الْمثنى عَن وهب بن جرير،
كِلَاهُمَا عَن شُعْبَة بِهِ، وَأخرجه أَبُو دَاوُد فِيهِ
عَن مُسلم بن إِبْرَاهِيم عَن هِشَام وَشعْبَة، كِلَاهُمَا
عَن قَتَادَة وَأخرجه النَّسَائِيّ فِيهِ عَن مُحَمَّد بن
عبد الْأَعْلَى عَن خَالِد بن الْحَارِث عَن شُعْبَة بِهِ
وَأخرجه ابْن مَاجَه فِيهِ عَن أبي بكر بن أبي شيبَة. عَن
أبي نعيم الْفضل بن دُكَيْن
(3/246)
ذكر لغاته قَوْله: (بَين شعبها) بِضَم
الشين الْمُعْجَمَة وَفتح الْعين الْمُهْملَة جمع شُعْبَة،
ويروي: أشعبها، جمع شعب، وَقَالَ ابْن الْأَثِير: الشعبة
الطَّائِفَة من كل شَيْء، والقطعة مِنْهُ والشعب، النواحي،
وَاخْتلفُوا فِي المُرَاد بِالشعبِ الْأَرْبَع، فَقيل:
هِيَ اليدان وَالرجلَانِ، وَقيل: الفخذان وَالرجلَانِ،
وَقيل: الرّجلَانِ والشفران، وَاخْتَارَ القَاضِي عِيَاض،
أَن المُرَاد من الشّعب الْأَرْبَع واحيها الْأَرْبَع،
وَالْأَقْرَب أَن يكون المُرَاد الْيَدَيْنِ وَالرّجلَيْنِ
أَو الرجلَيْن والفخذين وَيكون الْجِمَاع مكنياً عَنهُ
بذلك، يَكْتَفِي بِمَا ذكر عَن التَّصْرِيح، وَإِنَّمَا
رجح هَذَا لِأَنَّهُ أقرب إِلَى الْحَقِيقَة فِي الْجُلُوس
بَينهمَا، وَالضَّمِير فِي جلس، يرجع إِلَى الرجل،
وَكَذَلِكَ الضَّمِير الْمَرْفُوع فِي: جهدها، وَأما
الضَّمِير الَّذِي فِي شعبها، وَالضَّمِير الْمَنْصُوب
فِي: جهدهاد، فيرجعان إِلَى الْمَرْأَة، وَإِن لم يمض
ذكرهَا الدّلَالَة السِّيَاق عَلَيْهِ كَمَا فِي قَوْله
تَعَالَى: {حَتَّى تَوَارَتْ بالحجاب} (سُورَة ص: 32)
قَوْله: (ثمَّ جهدها) بِفَتْح الْجِيم وَالْهَاء أَي: بلغ
جهده فِيهَا وَقيل: بلغ مشقتها يُقَال: جهدته وأجهدته إِذا
بلغت مشقته، وَقيل: مَعْنَاهُ كدها بحركته وَفِي رِوَايَة
مُسلم من طَرِيق شُعْبَة وَهِشَام عَن قَتَادَة ثمَّ
اجْتهد، وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد من طَرِيق شُعْبَة
وَهِشَام مَعًا عَن قَتَادَة عَن الْحسن عَن أبي رَافع عَن
أبي هُرَيْرَة، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، عَن النَّبِي
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: (إِذا قعد بَين شعبها
الْأَرْبَع، وألزق الْخِتَان بالختان فقد وَجب الْغسْل)
أَي: مَوضِع الْخِتَان بِموضع الْخِتَان، لِأَن الْخِتَان
اسْم للْفِعْل، وَهَذَا يدل على أَن الْجهد هَاهُنَا
كِنَايَة عَن معالجة الْإِيلَاج، وَفِي رِوَايَة
الْبَيْهَقِيّ من طَرِيق ابْن أبي عرُوبَة عَن قَتَادَة
(إِذا التقى الختانان فقد وَجب الْغسْل) وَرُوِيَ أَيْضا
بِهَذَا اللَّفْظ من حَدِيث عَائِشَة، أخرجه الشَّافِعِي
من طَرِيق سعيد بن الْمسيب عَنْهَا، وَلَكِن فِي طَريقَة
عَليّ بن زيد، وَهُوَ ضَعِيف وَرَوَاهُ ابْن مَاجَه من
طَرِيق الْقَاسِم بن مُحَمَّد عَنْهَا بِرِجَال ثِقَات،
رَوَاهُ مُسلم من طَرِيق أبي مُوسَى الْأَشْعَرِيّ
عَنْهَا، وَلَفظه: (وسم الْخِتَان الْخِتَان) وَالْمرَاد
بالمس، الالتقاء عَلَيْهِ رِوَايَة التِّرْمِذِيّ بِلَفْظ:
(إِذا جَاوز) وَلَيْسَ المُرَاد حَقِيقَة الْمس، حَتَّى
لَو حصل الْمس بِدُونِ التقاء الختانين لَا يجب الْغسْل
بِلَا خلاف، وَالْحَاصِل أَن إِيجَاب الْغسْل لَا
يتَوَقَّف على نزُول الْمَنِيّ، بل مَتى غَابَتْ
الْحَشَفَة فِي الْفرج وَجب الْغسْل عَلَيْهِمَا، وَإِن لم
ينزل يدل عَلَيْهِ رِوَايَة مُسلم من طَرِيق مطر الْوراق
عَن الْحسن فِي آخر هَذَا الحَدِيث: (وَإِن لم ينزل)
وَوَقع ذَلِك فِي رِوَايَة قَتَادَة أَيْضا، رَوَاهُ ابْن
أبي خَيْثَمَة فِي (تَارِيخه) عَن عَفَّان قَالَ: حَدثنَا
همام وَأَبَان قَالَا أخبرنَا قَتَادَة بِهِ وَزَاد فِي
آخِره: (أنزل أَو لم ينزل) ، وَكَذَا رَوَاهُ
الدَّارَقُطْنِيّ وَصَححهُ من طَرِيق عَليّ بن سهل عَن
عَفَّان، وَكَذَا ذكرهَا أَبُو دَاوُد الطَّيَالِسِيّ عَن
حَمَّاد بن سَلمَة عَن قَتَادَة، وَقيل: الْجهد من أَسمَاء
النِّكَاح، فَمَعْنَى جهدها جَامعهَا، وَإِنَّمَا عدل
إِلَى الْكِنَايَة للاجتناب عَن التفوه بِمَا يفحش ذكره
صَرِيحًا.
ذكر استنباط الحكم مِنْهُ يستنبط من الحَدِيث الْمَذْكُور:
أَن إِيجَاب الْغسْل لَا يتَوَقَّف على نزُول الْمَنِيّ،
بل مَتى غَابَتْ الْحَشَفَة يجب الْغسْل عَلَيْهِمَا وَإِن
لم ينزلا، وَهَذَا لَا خلاف فِيهِ الْيَوْم، وَقد كَانَ
الْخلاف فِيهِ فِي الصَّدْر الأول فَإِن جمَاعَة ذَهَبُوا
إِلَى أَن من وطىء فِي الْفرج وَلم ينزل فَلَيْسَ عَلَيْهِ
غسل، وَاحْتَجُّوا فِي ذَلِك أَحَادِيث نذكرها الْآن وَفِي
(الْمحلى) وَمِمَّنْ رأى أَن لَا غسل من الْإِيلَاج فِي
الْفرج إِن لم يكن إِنْزَال عُثْمَان بن عَفَّان وَعلي بن
أبي طَالب وَالزُّبَيْر بن الْعَوام وَطَلْحَة بن عبيد
الله وَسعد بن أبي وَقاص وَابْن مَسْعُود وَرَافِع بن خديج
وَأَبُو سعيد الْخُدْرِيّ وَأبي بن كَعْب وأبوا أَيُّوب
الْأنْصَارِيّ وَابْن عَبَّاس والنعمان بن بشير وَزيد بن
ثَابت وجمهرة الْأَنْصَار، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُم،
وَهُوَ قَول عَطاء بن أبي رَبَاح وَأبي سَلمَة بن عبد
الرَّحْمَن وَهِشَام بن عُرْوَة وَالْأَعْمَش، وَبِه
قَالَت الظَّاهِرِيَّة.
وَمن الْآثَار الَّتِي احْتَجُّوا بهَا مَا رَوَاهُ
البُخَارِيّ من حَدِيث زيد بن خَالِد رَضِي الله تَعَالَى
عَنهُ على مَا يَجِيء فِي الْبَاب الْآتِي واخرجه مُسلم
أَيْضا والطَّحَاوِي واخرجه الْبَزَّار أَيْضا وَلَفظه عَن
يزِيد الْجُهَنِيّ: (أَنه سَأَلَ عُثْمَان عَن الرجل
يُجَامع وَلَا ينزل، فَقَالَ: لَيْسَ عَلَيْهِ إِلَّا
الْوضُوء،) وَقَالَ عُثْمَان أشهد أَنِّي سَمِعت ذَلِك من
رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم.
وَمِنْهَا: حَدِيث أبي بن كَعْب، رَوَاهُ مُسلم حَدثنَا
أَبُو الرّبيع الْأنْصَارِيّ حَدثنَا حَمَّاد عَن هِشَام
بن عُرْوَة وَحدثنَا أَبُو كريب وَاللَّفْظ لَهُ قَالَ:
حَدثنَا أَبُو مُعَاوِيَة، قَالَ: حَدثنَا هِشَام عَن
أَبِيه عَن أبي أَيُّوب عَن أبي بن كَعْب قَالَ: [حم
(سَأَلت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن الرجل
يُصِيب من الْمَرْأَة ثمَّ يكسل، فَقَالَ: يغسل مَا
أَصَابَهُ من الْمَرْأَة ثمَّ يتَوَضَّأ) [/ حم وَأخرجه
أَيْضا ابْن أبي شيبَة وَأحمد والطَّحَاوِي.
وَمِنْهَا: حَدِيث أبي سعيد الْخُدْرِيّ، أخرجه
البُخَارِيّ وَمُسلم عَنهُ، (أَن رَسُول الله صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم مر على رجل من الْأَنْصَار فَأرْسل
إِلَيْهِ فَخرج وَرَأسه يقطر، فَقَالَ: لَعَلَّنَا
أعجلناك؟ فَقَالَ: نعم يَا رَسُول الله، قَالَ: إِذا
(3/247)
أعجلت أَو قحطت فَلَا غسل عَلَيْك،
وَعَلَيْك الْوضُوء أخرجه الطَّحَاوِيّ وَأخرج
الطَّحَاوِيّ أَيْضا عَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ، قَالَ: قلت
لإخواني من الْأَنْصَار اتْرُكُوا الْأَمر كَمَا
يَقُولُونَ المَاء من المَاء، أَرَأَيْتُم أَن اغْتسل؟
فَقَالُوا: لَا وَالله حَتَّى لَا يكون فِي نَفسك حرج
مِمَّا قضى الله وَرَسُوله، وَأخرج أَبُو الْعَبَّاس
السراج أَيْضا فِي (مُسْنده) حَدثنَا روح بن عبَادَة عَن
زَكَرِيَّا بن إِسْحَاق عَن عَمْرو بن دِينَار أَن ابْن
عَبَّاس أخبرهُ أَن أَبَا سعيدالخدري كَانَ ينزل فِي
دَاره، وَأَن أَبَا سعيد أخبرهُ أَنه كَانَ يَقُول
لأَصْحَابه: أَرَأَيْتُم إِذا اغْتَسَلت وَأَنا أعرف أَنه
كَمَا تَقولُونَ؟ إِلَّا حَتَّى لَا يكون فِي نَفسك حرج
مِمَّا قضى الله وَرَسُوله فِي الرجل يَأْتِي امْرَأَته
وَلَا ينزل وَأخرج مُسلم أَيْضا عَن سعيد عَن رَسُول الله
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: (المَاء من المَاء) .
وَمِنْهَا: حَدِيث أبي أَيُّوب أخرجه ابْن مَاجَه
والطَّحَاوِي عَنهُ قَالَ: قَالَ النَّبِي صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم: (المَاء من المَاء) .
وَمِنْهَا: حَدِيث أبي هُرَيْرَة أخرجه الطَّحَاوِيّ عَنهُ
قَالَ: (بعث رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَى
رجل من الْأَنْصَار، فَأَبْطَأَ، فَقَالَ: مَا حَبسك؟
قَالَ: كَانَت أصبت من أَهلِي فَلَمَّا جَاءَنِي رَسُولك
اغْتَسَلت من غير أَن أحدث شَيْئا، فَقَالَ رَسُول الله
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (المَاء من المَاء، وَالْغسْل
على من أنزل.) . [/ حم
وَمِنْهَا: حَدِيث عتْبَان الْأنْصَارِيّ، رَوَاهُ أَحْمد
عَنهُ، أَن عتْبَان الْأنْصَارِيّ، قَالَ: قلت: يَا نَبِي
الله {إِنِّي كنت مَعَ أَهلِي، فَلَمَّا سَمِعت صوزتك
أقلعت فاغتسلت فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم: (المَاء من المَاء) .
وَمِنْهَا: حَدِيث رَافع ابْن خديج، أخرجه الطَّبَرَانِيّ
وَأحمد عَنهُ. [حم (ناداني رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم وَأَنا على بطن امْرَأَتي فَقُمْت وَلم أنزل
فاغتسلت، فَأَخْبَرته أَنَّك دعوتني وَأَنا على بطن
امْرَأَتي فَقُمْت ولمأمن، فاغتسلت فَقَالَ رَسُول الله
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (لَا عَلَيْهِ المَاء من المَاء)
[/ حم.
وَمِنْهَا: حَدِيث عبد الرَّحْمَن بن عَوْف أخرجه أَبُو
يعلى عَنهُ قَالَ: [حم (انْطلق رَسُول الله صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم فِي طلب رجل من الْأَنْصَار فَدَعَاهُ،
فَخرج الْأنْصَارِيّ وَرَأسه يقطر مَاء، فَقَالَ رَسُول
الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَا لرأسك؟ فَقَالَ دعوتني
وَأَنا مَعَ أَهلِي فَخفت أَن أحتبس عَلَيْك فعجلت فَقُمْت
وصببت على المَاء ثمَّ خرجت فَقَالَ: هَل كنت أنزلت؟
قَالَ: لَا قَالَ: إِذا فعلت ذَلِك فَلَا تغتسلن اغسل مَا
مس الْمَرْأَة مِنْك وَتَوَضَّأ وضوءك للصَّلَاة، فَإِن
المَاء من المَاء [/ حم، وَأخرجه الْبَزَّار أَيْضا.
وَمِنْهَا: حَدِيث عبد الله بن عَبَّاس أخرجه الْبَزَّار
عَنهُ قَالَ: [حم (أرسل رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم إِلَى رجل من الْأَنْصَار فَأَبْطَأَ عَلَيْهِ
فَقَالَ: مَا حَبسك؟ قَالَ: كنت حِين أَتَانِي رَسُولك على
امْرَأَتي، فَقُمْت فاغتسلت فَقَالَ: وَكَانَ عَلَيْك أَن
لَا تَغْتَسِل مَا لم تنزل، قَالَ: فَكَانَ الْأَنْصَار
يَفْعَلُونَ ذَلِك) . [/ حم
وَمِنْهَا: حَدِيث عبد الله بن عبد الله بن عقيل، أخرجه
معمر بن رَاشد فِي (جَامعه) عَنهُ، قَالَ: [حم (سلم
النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم على سعد بن عباد فَلم
يَأْذَن لَهُ، كَانَ على حَاجته فَرجع النَّبِي صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم، فَقَامَ سعد سَرِيعا فاغتسل ثمَّ تبعه،
فَقَالَ: يَا رَسُول الله أَنِّي كنت على حَاجَة فَقُمْت
فاغتسلت، فَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
(المَاء من المَاء) [/ حم.
وَحجَّة الْجُمْهُور حَدِيث الْبَاب، وَحَدِيث عَائِشَة،
رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا: [حم (أَنَّهَا سُئِلت عَن
الرجل يُجَامع فَلَا ينزل، فَقَالَت: فعلته أَنا وَرَسُول
الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فاغتسلنا مِنْهُ جَمِيعًا)
[/ حم أخرجه الطَّحَاوِيّ، وَأخرجه التِّرْمِذِيّ أَيْضا،
وَلَفظه: (إِذا جَاوز الْخِتَان الْخِتَان وَجب الْغسْل
فعلته أَنا وَرَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
فاغتسلنا) وَقَالَ: هَذَا حَدِيث حسن صَحِيح وَأخرجه ابْن
مَاجَه أَيْضا وروى مَالك عَن يحيى بن سعد عَن سعيد بن
الْمسيب: (أَن أَبَا مُوسَى الْأَشْعَرِيّ أَتَى عَائِشَة
أم الْمُؤمنِينَ رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا، فَقَالَ:
لقد شقّ عَليّ اخْتِلَاف أَصْحَاب رَسُول الله صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم فِي أَمر إِنِّي لأعظم أَن استقبلك بِهِ؟
فَقَالَت: مَا هُوَ؟ مَا كنت سَائِلًا عَنهُ أمك فاسألني
عَنهُ} فَقَالَ لَهَا الرجل يُصِيب أَهله فيكسل وَلَا ينزل
قَالَت إِذا جَاوز الْخِتَان الْخِتَان فقد وَجب الْغسْل
فَقَالَ أَبُو مُوسَى: لَا أسأَل أحدا عَن هَذَا بعْدك
أبدا) وَرَوَاهُ الشَّافِعِي أَيْضا عَن مَالك وَأخرجه
الْبَيْهَقِيّ من طَرِيقه، وَقَالَ الإِمَام أَحْمد: هَذَا
إِسْنَاد صَحِيح إلاَّ أَنه مَوْقُوف على عَائِشَة رَضِي
الله تَعَالَى عَنْهَا، وَقَالَ أَبُو عمر: هَذَا الحَدِيث
مَوْقُوف فِي (الْمُوَطَّأ) عِنْد جمَاعَة من رُوَاته،
وروى مُوسَى بن طَارق، وَأَبُو قُرَّة عَن مَالك عَن يحيى
بن سعيد عَن سعيد بن الْمسيب عَن أبي مُوسَى عَن عَائِشَة
رَضِي الله عَنْهَا أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
قَالَ (إِذا التقى الخاتنان وَجب الْغسْل) وَلم يُتَابع
على رَفعه عَن مَالك مَرْفُوعا عَن جَابر بن عبد الله
قَالَ: أَخْبَرتنِي أم كُلْثُوم عَن عَائِشَة رَضِي الله
عَنْهَا: (أَن رجلا سَأَلَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم عَن الرجل يُجَامع أَهله ثمَّ بكسل، هَل عَلَيْهِ من
غسل؟ وَعَائِشَة جالسة، فَقَالَ رَسُول الله صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم: إِنِّي لأَفْعَل ذَلِك أَنا وَهَذِه ثمَّ
نغتسل) قَالُوا: فَهَذِهِ الْآثَار تخبر عَن فعل رَسُول
الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه كَانَ يغسل إِذا جَامع
وَإِن لم ينزل.
وَقَالَت الطَّائِفَة الأولى: هَذِه الْآثَار تخبر عَن فعل
رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَقد يجوز أَن يفعل
مَا لَيْسَ عَلَيْهِ، يَعْنِي كَانَ يَفْعَله بطرِيق
الِاسْتِحْبَاب لَا بطرِيق الْوُجُوب، فَلَا يتم
الِاسْتِدْلَال بهَا، والْآثَار
(3/248)
الأول تخبر عَمَّا يجب وَمَا لَا يجب
فَهِيَ أولى.
وَأجَاب الْجُمْهُور عَن هَذِه أَن هَذِه الْآثَار على
نَوْعَيْنِ: أَحدهمَا: المَاء من المَاء، لَا غَيره
فَهَذَا ابْن عَبَّاس قد روى عَنهُ أَنه قَالَ: مُرَاد
رَسُول الله عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام أَن يكون
هَذَا فِي الِاحْتِلَام، وَأخرج التِّرْمِذِيّ عَن عَليّ
بن حجر عَن شريك عَن أبي الْحجاب عَن عِكْرِمَة عَن ابْن
عَبَّاس رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا، قَالَ: إِنَّمَا
المَاء من المَاء فِي الِاحْتِلَام، يَعْنِي إِذا رأى أَنه
يُجَامع ثمَّ ينزل فَلَا غسل عَلَيْهِ، وَالنَّوْع الآخر:
الَّذِي فِيهِ الْأَمر، وَأخْبر فِيهِ الْقِصَّة، وَأَنه:
لَا غل فِي ذَلِك حَتَّى يكون المَاء، قد جَاءَ خلاف ذَلِك
عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَهُوَ حَدِيث أبي
هُرَيْرَة رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ الْمَذْكُور فِي
الْبَاب، وَهَذَا نَاسخ لتِلْك الْآثَار. فَإِن قتل:
لَيْسَ فِيهِ دَلِيل على النّسخ لعدم التَّعَرُّض إِلَى
شَيْء من التَّارِيخ. قلت: قد جَاءَ مَا يدل على النّسخ
صَرِيحًا وَهُوَ مَا روى أَبُو دَاوُد فِي (سنَنه) حَدثنَا
أَحْمد بن صَالح حَدثنَا ابْن وهب، قَالَ: أَخْبرنِي
عَمْرو يَعْنِي بن الحاري عَن ابْن شهَاب، قَالَ: حَدثنِي
بعض من أرضي: أَن سهل بن سعد السَّاعِدِيّ أخبرهُ أَن أبي
بن كَعْب أخبرهُ: (أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم إِنَّمَا جعل ذَلِك رخصَة للنَّاس فِي أول
الْإِسْلَام لقلَّة الثَّبَات ثمَّ أمرنَا بِالْغسْلِ،
وَنهى عَن ذَلِك) قَالَ أَبُو دَاوُد: يَعْنِي المَاء من
المَاء، وَأخرجه الطَّحَاوِيّ أَيْضا، وَأخرج أَبُو دَاوُد
أَيْضا حَدثنَا مُحَمَّد بن مهْرَان الرَّازِيّ، قَالَ:
حَدثنَا مُبشر الْحلَبِي عَن مُحَمَّد بن غَسَّان عَن أبي
حَازِم عَن سهل بن سعد. قَالَ: حَدثنِي أبي بن كَعْب أَن
الْفتيا الَّتِي كَانُوا يفتون إِن المَاء من المَاء،
كَانَت رخصَة رخصها رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
فِي بَدْء الْإِسْلَام ثمَّ أمرنَا بالاغتسال بعد، وَأخرجه
ابْن مَاجَه وَالتِّرْمِذِيّ وَقَالَ: حَدِيث حسن صَحِيح،
فَإِن قلت: فِي الحَدِيث الأول مَجْهُول وَهُوَ قَوْله:
حَدثنِي بعض من أرضي. قلت: الظَّاهِر أَنه أَبُو حَازِم
سَلمَة بن دِينَار الْأَعْرَج لِأَن الْبَيْهَقِيّ روى
هَذَا الحَدِيث. ثمَّ قَالَ: روينَاهُ بِإِسْنَاد آخر
مَوْصُول عَن أبي حَازِم عَن سهل ابْن سعد، والْحَدِيث
مَحْفُوظ عَن سهل عَن أبي بن كَعْب كَمَا أخرجه أَبُو
دَاوُد. وَقَالَ ابْن عبد الْبر فِي (الأستذكار) إِنَّمَا
رَوَاهُ ابْن شهَاب عَن أبي حَازِم، وَهُوَ حَدِيث صَحِيح
ثَابت بِنَقْل الْعُدُول لَهُ وَأخرج ابْن أبي شيبَة فِي
(مُصَنفه) قَالَ: حَدثنَا عبد الْأَعْلَى بن عبد
الْأَعْلَى عَن مُحَمَّد بن إِسْحَاق عَن زيد بن أبي حبيب
عَن معمر بن أبي حَيَّة، مولى ابْنة صَفْوَان، عَن عبيد بن
رِفَاعَة بن رَافع عَن أَبِيه رِفَاعَة بن رَافع، قَالَ:
(بَينا أَنا عِنْد عمر بن الْخطاب، رَضِي الله تَعَالَى
عَنهُ، إِذْ دخل عَلَيْهِ رجل فَقَالَ: يَا أَمِير
الْمُؤمنِينَ، هَذَا زيد بن ثَابت يُفْتِي النَّاس فِي
الْمَسْجِد بِرَأْيهِ فِي الْغسْل من الْجَنَابَة، فَقَالَ
عمر: عَليّ بِهِ، فجَاء زيد، فَلَمَّا رَآهُ عمر، قَالَ:
أَي عَدو نَفسه، قد بلغت أَنَّك تُفْتِي النَّاس
بِرَأْيِك! فَقَالَ: يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ، بِاللَّه
مَا فعلت، لكني سَمِعت من أعمامي حَدِيثا فَحدثت بِهِ، من
أبي أَيُّوب، وَمن أبي بن كَعْب، وَمن رِفَاعَة بن رَافع،
فاقبل عمر على رِفَاعَة بن رَافع فَقَالَ: وَقد كُنْتُم
تَفْعَلُونَ ذَلِك؟ إِذا أصَاب أحدكُم من الْمَرْأَة فأكسل
لم يغْتَسل؟ فَقَالَ: قد كُنَّا نَفْعل ذَلِك على عهد
رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَلم يأتنا فِيهِ
تَحْرِيم، وَلم يكن من رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم فِيهِ نهي، قَالَ: رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم يعلم ذَلِك؟ قَالَ: لَا أَدْرِي فَأمر عمر بِجمع
الْمُهَاجِرين وَالْأَنْصَار، فَجمعُوا لَهُ فشاورهم،
فَأَشَارَ النَّاس أَن لَا غسل فِي ذَلِك إلاَّ مَا كَانَ
من معَاذ وَعلي، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا،
فَإِنَّهُمَا قَالَا: الثَّالِث: إِذا لَا جَاوز الْخِتَان
الْخِتَان فقد وَجب الْغسْل فَقَالَ عمر، رَضِي الله
تَعَالَى عَنهُ، هَذَا وَأَنْتُم أَصْحَاب بدر، وَقد
اختلفتم فَمن بعدكم أَشد اخْتِلَافا قَالَ: فَقَالَ عَليّ،
رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ: يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ
إِنَّه لَيْسَ أحد أعلم بِهَذَا مِمَّن سَأَلَ رَسُول الله
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من أَزوَاجه، فَأرْسل إِلَى
حَفْصَة فَقَالَت: لَا علم لي بِهَذَا، فَأرْسل إِلَى
عَائِشَة فَقَالَت: إِذا جَاوز الْخِتَان الْخِتَان فقد
وَجب الْغسْل فَقَالَ عمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، لَا
أسمع بِرَجُل فعل ذَلِك، إِلَّا أوجعته ضربا) وَرَوَاهُ
الطَّحَاوِيّ أَيْضا فِيهِ: لَا أعلم أحدا فعله ثمَّ لم
يغْتَسل إِلَّا جعلته نكالاً وَلم يتقن الْكَلَام أحد فِي
هَذَا الْبَاب مثل الإِمَام الْحَافِظ أبي جَعْفَر
الطَّحَاوِيّ، فَإِن أَرَادَ أحد أَن يتقنه فَعَلَيهِ
بكتابه (مَعَاني الْآثَار) وشرحنا الَّذِي عَمِلْنَاهُ
عَلَيْهِ الْمُسَمّى (بمباني الْأَخْبَار) .
فَإِن قلت: ادّعى بَعضهم أَن أحد أَن التَّنْصِيص على
الشَّيْء باسمه الْعلم يُوجب نفي لحكم عَمَّا عداهُ، لِأَن
الْأَنْصَار فَهموا عدم وجوب الِاغْتِسَال بالأكسال من
قَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (المَاء من المَاء) أَي:
الِاغْتِسَال وَاجِب بالمني، فالماء الأول هُوَ المطهر.
وَالثَّانِي هُوَ الْمَنِيّ، وَمن، للسبيبة، وَالْأَنْصَار
كَانُوا من أهل اللِّسَان وفصحاء الْعَرَب وَقد فَهموا
والتخصيص مِنْهُ حَتَّى استدلوا بِهِ على نفي وجوب
الِاغْتِسَال بالإكسال لعد المَاء، وَلَو لم يكن
التَّنْصِيص باسم المَاء مُوجبا للنَّفْي لما صَحَّ
استدلالهم على ذَلِك. قلت: الَّذِي يَقُول بِهَذَا أَبُو
بكر الدقاق وَبَعض الْحَنَابِلَة، وَالْجَوَاب أَن ذَلِك
لَيْسَ من دلَالَة التَّنْصِيص على التَّخْصِيص، بل إنماهو
من اللَّام الْمعرفَة الْمُوجبَة للاستغراق عِنْد عدم
الْمَعْهُود، وَنحن نقُول:
(3/249)
هَذَا الْكَلَام للاستغراق والانحصار،
كَمَا فهمت الْأَنْصَار، لَكِن لما دلّ الدَّلِيل
وهوالإجماع على وجوب الِاغْتِسَال من الْحيض وَالنّفاس
أَيْضا نفي الانحصار فِيمَا وَرَاء ذَلِك مِمَّا يتَعَلَّق
بالمني، وَصَارَ الْمَعْنى جَمِيع الاغتسالات
الْمُتَعَلّقَة بالمني منحصر فِيهِ لَا يثبت لغيره. فَإِن
قلت: فعلى هَذَا يَنْبَغِي أَن لَا يجب الْغسْل بالإكسال
لعد المَاء. قلت: المَاء فِيهِ ثَابت تَقْديرا لِأَنَّهُ
تَارَة يثبت عيَانًا كَمَا فِي حَقِيقَة الْإِنْزَال
وَمرَّة دلَالَة كَمَا فِي التقاء الختانين فَإِنَّهُ
سَبَب لنزول المَاء فأقيم مقَامه لكَونه أمرا خفِيا
كالنوم، فاقيم مقَام الْحَدث لتعذر الْوُقُوف عَلَيْهِ.
فَإِن قلت: الْمَنْسُوخ يَنْبَغِي أَن يكون حكما
شَرْعِيًّا، وَعدم وجوب الْغسْل عِنْد عدم الْإِنْزَال
ثَابت بِالْأَصْلِ. قلت: عَدمه ثَابت بِالشَّرْعِ، إِذْ
مَفْهُوم الْحصْر فِي، إِنَّمَا يدل عَلَيْهِ لِأَن معنى
الْحصْر إِثْبَات الْمَذْكُور، وَنفي غير الْمَذْكُور،
فيفي، أَنه لَا مَاء من غير المَاء وَقَالَ الْكرْمَانِي:
ثمَّ الرَّاجِح من الْحَدِيثين يَعْنِي حَدِيث: (المَاء من
المَاء) حَدِيث أبي هُرَيْرَة الْمَذْكُور فِي الْبَاب
حَدِيث التقاء الختانين، لِأَنَّهُ بالمنطوق يدل على وجوب
الْغسْل، وَحَدِيث (المَاء من المَاء) بِالْمَفْهُومِ يدل
على عَدمه، وَحجَّة الْمَفْهُوم مُخْتَلف فِيهَا وعَلى
تَقْدِير ثُبُوتهَا الْمَنْطُوق أقوى من الْمَفْهُوم،
وعَلى هَذَا التَّقْرِير لَا يحْتَاج إِلَى القَوْل
بالنسخ. قلت: عدم دَعْوَى الِاحْتِيَاج إِلَى القَوْل
بالنسخ غير صَحِيح، لِأَن المستنبطين من الصَّحَابَة
وَالتَّابِعِينَ وَمن بعدهمْ مَا وفقوا بَين أَحَادِيث
هَذَا الْبَاب المتضادة إلاَّ بِإِثْبَات النّسخ على مَا
ذَكرْنَاهُ فَإِن قلت: حَدِيث الالتقاء مُطلق، وَحَدِيث:
(المَاء من المَاء) مُقَيّد فَيجب حمل الْمُطلق على
الْمُقَيد. قلت: هَذَا سُؤال الْكرْمَانِي على مذْهبه،
ثمَّ أجَاب: لَيْسَ ذَلِك مُطلقًا بل عَاما لِأَن الالتقاء
وصف يَتَرَتَّب الحكم عَلَيْهِ، وَكلما وجد الْوَصْف وجد
الحكم، وَهَذَا لَيْسَ مُقَيّدا بل خَاصّا، وَكَأَنَّهُ
قَالَ: بالالتقاء يجب الْغسْل. ثمَّ قَالَ: بالالتقاء مَعَ
الْإِنْزَال يجب الْغسْل، فَيصير من بَاب قَوْله صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم: (أَيّمَا إهَاب دبغ فقد طهر) ثمَّ قَالَ
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (ودباغها طهرهَا) وإفراد فَرد من
الْعَام بِحكم الْعَام لَيْسَ من المخصصات.
تابَعَهُ عَمْرُو بنُ مَرْزُوقٍ عَنْ شُعْبَةَ مِثْلَهُ
عَمْرو: بِالْوَاو وَهُوَ عَمْرو بن مَرْزُوق الْبَصْرِيّ،
أَبُو عُثْمَان الْبَاهِلِيّ: يُقَال: مَوْلَاهُم وَصرح
بِهِ فِي رِوَايَة كَرِيمَة، روى عَن شُعْبَة وَزُهَيْر بن
مُعَاوِيَة وَعمْرَان الْقطَّان والحمادين وَآخَرين، روى
عَنهُ البُخَارِيّ فِي أول الدِّيات، وَفِي مَنَاقِب
عَائِشَة، وَقَالَ: مَاتَ سنة أَربع وَعشْرين
وَمِائَتَيْنِ وروى عَنهُ أَبُو دَاوُد أَيْضا وَذكره
صَاحب (اسماء الرِّجَال) للْبُخَارِيّ، وَمُسلم فِي
أَفْرَاد البُخَارِيّ من هَذِه التَّرْجَمَة يَعْنِي، من
تَرْجَمَة عمر بِالْوَاو، فَدلَّ على أَن مُسلما لم يرو
عَنهُ وَلَا روى لَهُ شَيْئا، وَإِنَّمَا ذكر مِنْهُ
هَذَا، لِأَن صَاحب (التَّلْوِيح) ذكر فِي شَرحه أَن
رِوَايَة عمر بن مَرْزُوق هَذِه عِنْد مُسلم: عَن مُحَمَّد
بن عَمْرو بن جبلة عَن وهب بن جرير وَابْن أبي عدي
كِلَاهُمَا عَن عَمْرو بن مَرْزُوق عَن شُعْبَة، وَتَبعهُ
على ذَلِك صَاحب (التَّوْضِيح) وَهُوَ من الْغَلَط
الصَّرِيح، وَذكره فِي إِسْنَاد مُسلم حَشْو زَائِد بِلَا
فَائِدَة، وَقَالَ الْكرْمَانِي هَذَا اللَّفْظ، يَعْنِي.
قَوْله: (تَابعه عَمْرو عَن شُعْبَة) يحْتَمل أَن يُرَاد
بِهِ عَن شُعْبَة عَن قَتَادَة أَو عَن شُعْبَة عَن
الْحسن، فيختلف الضَّمِير فِي تَابعه بِحَسب الْمرجع قلت:
لَا اخْتِلَاف للضمير فِيهِ، بل هُوَ رَاجع إِلَى هِشَام
على كل حَال، وَهَذَا التَّعْلِيق وَصله عُثْمَان بن
أَحْمد بن السماك، فَقَالَ: حَدثنَا عُثْمَان بن عمر
الضَّبِّيّ حَدثنَا عَمْرو بن مَرْزُوق حَدثنَا شُعْبَة
عَن قَتَادَة عَن الْحسن عَن أبي رَافع عَن أبي هُرَيْرَة
إِلَى آخِره، نَحْو سِيَاق حَدِيث الْبَاب لَكِن فِي
رِوَايَته: ثمَّ أجهدها، من بَاب الإجهاد قَوْله: (مثله)
أَي: مثل حَدِيث الْبَاب.
وقالَ مُوسَى حدّثنا أبَانُ قَالَ حدّثنا قَتادَةُ أخبرنَا
الْحَسَنُ مِثْلَهُ
مُوسَى: هُوَ ابْن إِسْمَاعِيل التَّبُوذَكِي أحد مَشَايِخ
البُخَارِيّ، وَأَبَان هُوَ ابْن يزِيد الْعَطَّار،
وَالْحسن هُوَ الْبَصْرِيّ.
وفيهذا الْإِسْنَاد التحديث فِي موضِعين أَحدهمَا: مُوسَى
عَن أبان، وَفِي رِوَايَة الْأصيلِيّ: هُوَ الْإِخْبَار
بِصِيغَة الْجمع. وَالْآخر: أبان عَن قَتَادَة. وَفِيه:
الْإِخْبَار فِي مَوضِع وَاحِد، وَهُوَ قَتَادَة عَن
الْحسن.
وَمن فَوَائِد هَذَا أَن فِيهِ التَّصْرِيح بتحديث الْحسن
لِقَتَادَة، لِأَن فِي رِوَايَة حَدِيث الْبَاب قَتَادَة
عَن الْحسن، وَقَتَادَة ثِقَة ثَبت لكنه مُدَلّس، وَإِذا
صرح بِالتَّحْدِيثِ لَا يبْقى كَلَام. وَقَالَ صَاحب
(التَّلْوِيح) رِوَايَة مُوسَى هَذِه عِنْد الْبَيْهَقِيّ
أخرجهَا من طَرِيق عُثْمَان وَهِشَام، كِلَاهُمَا عَن
مُوسَى عَن أبان وَتَبعهُ على ذَلِك صَاحب (التَّوْضِيح)
كِلَاهُمَا غَلطا وَلم يخرج الْبَيْهَقِيّ إلاَّ من طَرِيق
عُثْمَان عَن همام وَأَبَان جَمِيعًا عَن قَتَادَة.
وَقَالَ الْكرْمَانِي: فَإِن قلت: لم قَالَ: تَابعه
عَمْرو، وَقَالَ
(3/250)
مُوسَى: وَلم يسْلك فيهمَا طَرِيقا
وَاحِدًا قلت: الْمُتَابَعَة أقوى لِأَن القَوْل أَعم من
الذّكر على سَبِيل النَّقْل والتحمل، أَو من الذّكر على
سَبِيل المحاورة والمذاكرة، فَأَرَادَ الْإِشْعَار بذلك،
ثمَّ قَالَ: وَاعْلَم بِأَنَّهُ يحْتَمل سَماع البُخَارِيّ
من عَمْرو ومُوسَى فَلَا يجوم بِأَنَّهُ ذكرهمَا على
سَبِيل التَّعْلِيق قلت: كِلَاهُمَا تَعْلِيق صُورَة،
وَلَكِن الِاحْتِمَال الْمَذْكُور مَوْجُود لِأَن كليهمَا
من مَشَايِخ البُخَارِيّ.
29 - (بابُ غَسْلِ مَا يُصيبُ منْ رُطُوبَةِ فَرْجِ
المَرْأَةِ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان حكم غسل مَا يُصِيب الرجل من
فرج الْمَرْأَة من رُطُوبَة.
والمناسبة بَين الْبَابَيْنِ من حَيْثُ إِن الْإِصَابَة
الْمَذْكُورَة تكون عِنْد التقاء الختانين.
292 - حدّثنا أبُو مَعْمَرٍ حدّثنا عَبْدُ الوَارِثِ عَنِ
الحُسَيْنِ قَالَ يَحْيَى اوَأَخْبَرَنِي أبُو سَلَمَة
أنَّ عطَاءَ بنَ يَسَارِ أخْبَرَهُ أنَّ زَيْدَ بْنِ
خالِدٍ الجُهْنِي أخْبَرَهُ أنَّهُ سَأَلَ عُثْمانَ بنَ
عَفَّانَ قالَ أَرَأَيْتَ إِذا جامَعَ الرَّجلُ
امْرَأَتَهُ فَلَمْ يُمِنْ قَالَ عُثْمَانُ يَتَوضَأُ
كَمَا يَتَوَضَأُ لِلصَّلاةِ وَيَغْسِلُ ذَكَرَهُ قَالَ
عُثْمانُ سَمِعْتُهُ مِنْ رسولِ اللَّهِ صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم فَسَأَلْتُ عَنْ ذَلِكَ علِيَّ بْنَ أبي طالِبٍ
والزُّبَيُرَ بْنَ العَوَّامِ وطلْحَةَ بْنَ عبيد الله
وَأبي بن كَعْب رَضِي الله عَنْهُم فأمروه بذلك قَالَ يحي
وَأَخْبرنِي أَبُو سَلمَة أَن عُرْوَةَ بنَ الزُّبَيْرِ
أَخْبَرَهُ أنَّ أَبَا أيُّوب أخْبَرَهُ أنَّهُ سَمِعَ
ذَلِكَ مِنْ رَسولِ اللَّهِ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم.
(انْظُر الحَدِيث 179) [/ ح] .
مُطَابقَة الحَدِيث للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (وَيغسل
ذكره) يَعْنِي: إِذا جَامع امْرَأَته فَلم ينزل يغسل ذكره،
لِأَنَّهُ لَا شكّ أَصَابَهُ من رُطُوبَة فرج الْمَرْأَة.
ذكر رِجَاله والمذكورون فِيهِ أَرْبَعَة عشر نفسا، مِنْهُم
سَبْعَة من الصَّحَابَة الأجلاء وهم: عُثْمَان بن عَفَّان،
وَزيد بن خَالِد، وَعلي بن أبي طَالب، وَالزُّبَيْر بن
الْعَوام، وَطَلْحَة بن عبيد الله، وَأبي بن كَعْب،
وَأَبُو أَيُّوب الْأنْصَارِيّ واسْمه خَالِد بن زيد،
والسبعة الْبَاقِيَة: أَبُو معمر، بِفَتْح الْمِيم عبد
الله بن عَمْرو، وَعبد الْوَارِث بن سعيد، وَالْحُسَيْن بن
ذكْوَان الْمعلم، وَرِوَايَة الْأَكْثَرين عَن الْحُسَيْن
فَقَط وَفِي رِوَايَة أبي ذَر عَن الْحُسَيْن الْمعلم،
وَيحيى بن أبي كثير وَأبي سَلمَة بن عبد الرَّحْمَن بن
عَوْف، وَعَطَاء بن يسَار ضد الْيَمين، وَعُرْوَة بن
الزبير بن الْعَوام.
ذكر لطائف إِسْنَاده فِيهِ: التحديث بِصِيغَة الْجمع فِي
موضِعين: وَفِيه: العنعنة فِي مَوضِع وَاحِد وَفِيه: لفظ
الْإِخْبَار فِي خَمْسَة مَوَاضِع: مِنْهَا بِلَفْظ
أَخْبرنِي، فِي موضِعين، وبلفظ أخبرهُ فِي أَرْبَعَة
مَوَاضِع. وَفِيه: لفظ القَوْل فِي موضِعين: أَحدهمَا:
هُوَ قَوْله: قَالَ يحيى، أَي: قَالَ الْحُسَيْن. قَالَ
يحيى وَلَفظ. قَالَ الأولى بِحَذْف فِي الْخط فِي
اصطلاحهم، وَقَالَ الآخر قَوْله، وَقَالَ عُثْمَان.
وَفِيه: السُّؤَال فِي موضِعين. وَفِيه: السماع فِي
موضِعين. وَفِيه: قَالَ يحيى وَأَخْبرنِي هَذَا عطف على
مُقَدّر تَقْدِيره، قَالَ يحيى أَخْبرنِي بكذاوكذا
وَأَخْبرنِي بِهَذَا وَإِنَّمَا احتجنا إِلَى التَّقْدِير
لِأَن أَخْبرنِي، مقول، قَالَ: وَهُوَ مفعول حَقِيقَة،
فَلَا يجوز دُخُول الْوَاو بَينهمَا، وَوَقع فِي رِوَايَة
مُسلم بِحَذْف الْوَاو، على الأَصْل، وَفِي رِوَايَة
البُخَارِيّ دقة وهوالإشعار بِأَن هَذَا من جملَة مَا سمع
يحيى من أبي سَلمَة فَإِن قلت: قَول الْحُسَيْن، قَالَ
يحيى، يُوهم أَنه لم يسمع من يحيى، وَلذَا قَالَ ابْن
الْعَرَبِيّ: أَنه لم يسمع من يحيى، فَلذَلِك قَالَ: قَالَ
يحيى قلت: وَقع فِي رِوَايَة مُسلم فِي هَذَا الْموضع عَن
الْحُسَيْن عَن يحيى، فَإِن قلت: العنعنة لَا تدل صَرِيحًا
على التحديث قلت: الْحُسَيْن لَيْسَ بمدلس، وعنعنة غير
المدلس مَحْمُولَة على السماع، على أَنه قد وَقع
التَّصْرِيح فِي رِوَايَة ابْن خُزَيْمَة، وَفِي رِوَايَة
الْحُسَيْن عَن يحيى بِالتَّحْدِيثِ، وَلَفظه حَدثنِي يحيى
بن أبي كثير، وَأَيْضًا لم ينْفَرد بِهِ الْحُسَيْن، فقد
رَوَاهُ عَن يحيى أَيْضا مُعَاوِيَة بن سَلام، أخرجه ابْن
شاهين، وشيبان بن عبد الرَّحْمَن أخرجه البُخَارِيّ فِي
بَاب الْوضُوء من المخرجين: حَدثنَا سعد بن حَفْص، قَالَ:
حَدثنَا شَيبَان عَن يحيى عَن أبي سَلمَة أَن عَطاء بن
يسَار أخبرهُ أَن زيد أَنه سَأَلَ عُثْمَان بن عَفَّان
الحَدِيث، وَقد تقدم الْكَلَام فِيهِ.
(3/251)
ذكر تعدد مَوْضِعه وَمن أخرجه غَيره أخرجه
البُخَارِيّ هَاهُنَا عَن أبي معمر، وَفِي بَاب الْوضُوء
من المخرجين عَن سعد بن حَفْص كَمَا ذَكرْنَاهُ الْآن
وَأخرجه مُسلم عَن زُهَيْر بن حَرْب، وَعبد بن حميد، وَعبد
الْوَارِث بن عبد الصَّمد بن عبد الْوَارِث ثَلَاثَتهمْ
عَن عبد الصَّمد بن عبد الْوَارِث عَن أَبِيه عَن حُسَيْن
الْمعلم بِهِ.
ذكر مَعْنَاهُ الْجُهَنِيّ بِضَم الْجِيم وَفتح الْهَاء
وبالنون نِسْبَة إِلَى جُهَيْنَة بن زيد. قَوْله:
(فَقَالَ: أَرَأَيْت) أَي: فَقَالَ زيد لعُثْمَان
أَرَأَيْت، وَفِي بعض النّسخ: قَالَ لَهُ: أَرَأَيْت؟ أَي:
قَالَ زيد لعُثْمَان. قَوْله: (أَرَأَيْت) أَي: أَخْبرنِي.
قَوْله: (فَلم يمن) بِضَم الْيَاء آخر الْحُرُوف، من
الإمناء إراداته أَنه لم ينزل الْمَنِيّ، وَهَذَا أفْصح
اللُّغَات. وَالثَّانِي: مِنْهَا فتح الْيَاء.
وَالثَّالِث: بِضَم الْيَاء مَعَ فتح الْمِيم وَتَشْديد
النُّون. قَوْله: (فَقَالَ عُثْمَان: سمعته من رَسُول الله
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم) الضَّمِير الْمَنْصُوب فِيهِ
يرجع إِلَى مَا ذكره من قَوْله: (يتَوَضَّأ للصَّلَاة
وَيغسل ذكره) وَذَلِكَ بِاعْتِبَار الْمَذْكُور، وَهَذَا
سَماع وَرِوَايَة وَقَوله: أَولا فَتْوَى مِنْهُ. قَوْله:
(فَسَأَلت عَن ذَلِك) أَي: عَمَّن يُجَامع امْرَأَته فَلم
يمن، وَالظَّاهِر أَن سُؤَاله عَن عَليّ وَالزُّبَيْر
وَطَلْحَة وَأبي، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُم، استفتاء من
عُثْمَان، وفتوى مِنْهُم لَا رِوَايَة لَكِن رَوَاهُ
الْإِسْمَاعِيلِيّ مرّة بِإِظْهَار أَنه رِوَايَة، وَصرح
بِهِ أُخْرَى وَلم يذكر عليا، ثمَّ ذكر بعد ذَلِك،
رِوَايَات وَقَالَ: لم يقل أحد مِنْهُم عَن النَّبِي،
عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام، غير الْحمانِي، وَلَيْسَ
هُوَ من شَرط هَذَا الْكتاب قَوْله: (فأمروه) الضَّمِير
الْمَرْفُوع فِيهِ يرجع إِلَى الصَّحَابَة الْأَرْبَعَة:
وهم: عَليّ وَالزُّبَيْر وَطَلْحَة وَأبي بن كَعْب،
وَالضَّمِير الْمَنْصُوب فِيهِ يرجع إِلَى المجامع الَّذِي
يدل عَلَيْهِ قَوْله: (إِذا جَامع الرجل امْرَأَته)
وَهَذَا من قبيل قَوْله تَعَالَى: {أعدلوا هُوَ أقرب
للتقوى} (سُورَة الْمَائِدَة: 8) أَي: الْعدْل أقرب
للتقوى، وَقَالَ بَعضهم: فِيهِ الْتِفَات لِأَن الأَصْل
فِيهِ أَن يَقُول: فأمروني قلت، لَيْسَ فِيهِ الْتِفَات
أصلا لِأَن عُثْمَان سَأَلَ هَؤُلَاءِ عَن المجامع الَّذِي
لم يمن فَأَجَابُوا لَهُ بِمَا أجابوا، وَالْكَلَام على
أَصله، لِأَن قَوْله: فأمروه عطف على. قَوْله: (فَسَأَلت)
أَي: فَأمروا المجامع الَّذِي لم يمن بذلك أَي: بِغسْل
الذّكر وَالْوُضُوء، وَالْإِشَارَة ترجع إِلَى الْجُمْلَة
بِاعْتِبَار الْمَذْكُور. قَوْله: (وَأَخْبرنِي أَبُو
سَلمَة) كَذَا وَقع فِي رِوَايَة أبي ذَر، وَوَقع فِي
رِوَايَة البَاقِينَ قَالَ يحيى: وَأَخْبرنِي أَبُو
سَلمَة، وَهَذَا هُوَ المُرَاد لِأَنَّهُ مَعْطُوف على
قَوْله: قَالَ يحيى: وَأَخْبرنِي أَبُو سَلمَة أَن عَطاء
بن يسَار، فَيكون دَاخِلا فِي الْإِسْنَاد فيندفع بِهَذَا
قَول من يَقُول: إِن ظَاهره مُعَلّق، وَالدَّلِيل عَلَيْهِ
أَيْضا مَا رَوَاهُ مُسلم من طَرِيق عبد الصَّمد بن عبد
الْوَارِث عَن أَبِيه بالإسنادين جَمِيعًا. قَوْله: (أَنه
سمع ذَلِك) أَي: أخبر أَبُو أَيُّوب الْأنْصَارِيّ عُرْوَة
بن الزبير أَنه سمع ذَلِك. أَي: غسل الذّكر وَالْوُضُوء
كوضوء الصَّلَاة، وتذكير الْإِشَارَة بِاعْتِبَار
الْمَذْكُور كَمَا قُلْنَا آنِفا مثله، وَقَالَ
الدَّارَقُطْنِيّ: فِيهِ وهم، لِأَن أَبَا أَيُّوب لم
يسمعهُ من رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم،
وَإِنَّمَا سَمعه من أبي بن كَعْب عَن رَسُول الله صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ ذَلِك هِشَام عَن أَبِيه عَن
أبي أَيُّوب عَن أبي بن كَعْب. قلت: قَوْله: لم يسمعهُ من
رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم. نفي، وَقد جَاءَ
هَذَا الحَدِيث من وَجه آخر عَن أبي أَيُّوب عَن النَّبِي
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَهُوَ إِثْبَات، وَالْإِثْبَات
مقدم على النَّفْي، على أَن أَبَا سَلمَة بن عبد
الرَّحْمَن بن عَوْف أكبر قدرا وسناً وعلماً من هِشَام بن
عُرْوَة، وَحَدِيث الْإِثْبَات رَوَاهُ الدَّارمِيّ وَابْن
مَاجَه. فَإِن قلت: حكى الْأَثْرَم عَن أَحْمد أَن حَدِيث
زيد بن خَالِد الْمَذْكُور فِي هَذَا الْبَاب مَعْلُول
لِأَنَّهُ ثَبت عَن هَؤُلَاءِ الْخَمْسَة الْفَتْوَى
بِخِلَاف مَا فِي خذا الحَدِيث. قلت: كَونهم أفتوا
بِخِلَافِهِ لَا يقْدَح فِي صِحَة الحَدِيث، لِأَنَّهُ حكم
من حَدِيث مَنْسُوخ وَهُوَ صَحِيح، فَلَا مُنَافَاة
بَينهمَا، أَلا ترى أَن أَبَيَا، رَضِي الله تَعَالَى
عَنهُ، كَانَ يرى المَاء من المَاء لظَاهِر الحَدِيث، ثمَّ
أخبر عَنهُ سهل بن سعد أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم جعل المَاء من المَاء رخصَة فِي أول الْإِسْلَام،
ثمَّ نهى عَن ذَلِك وَأمره بِالْغسْلِ.
وَأما الَّذِي يستنبط من حَدِيث الْبَاب إِن الَّذِي
يُجَامع امْرَأَته وَلم ينزل منيه لَا يجب عَلَيْهِ
الْغسْل، وَإِنَّمَا عَلَيْهِ أَن يغسل ذكره وَيتَوَضَّأ
وضوءه للصَّلَاة وَهَذَا مَنْسُوخ لما بَيناهُ وَمذهب
الْجُمْهُور هُوَ أَن إِيجَاب الْغسْل لَا يتَوَقَّف على
إِنْزَال الْمَنِيّ، بل مَتى غَابَتْ الْحَشَفَة فِي
الْفرج وَجب الْغسْل على الرجل وَالْمَرْأَة، وَلِهَذَا
جَاءَ فِي رِوَايَة أُخْرَى فِي (الصَّحِيح) وَإِن لم ينزل
وَفِي (الْمُغنِي) لِابْنِ قدامَة تغييب الْحَشَفَة فِي
الْفرج هُوَ الْمُوجب للْغسْل سَوَاء كَانَ الْفرج قبلا
أَو دبراً من كل حَيَوَان آدَمِيّ أَو بهيم حَيا أَو مَيتا
طَائِعا أَو مكْرها، نَائِما أَو مستيقظاً انْتهى. وَقَالَ
أَصْحَابنَا والتقاء الختانين يُوجب الْغسْل أَي: مَعَ
توازي الْحَشَفَة فَإِن نفس ملاقاة الْفرج بالفرج من غير
التواري لَا يُوجب الْغسْل، وَلَكِن يُوجب الْوضُوء
عِنْدهمَا، خلافًا لمُحَمد. وَفِي (الْمُحِيط) لَو أَتَى
امْرَأَته وَهِي بكر فَلَا غسل مَا لم ينزل، لِأَن
بِبَقَاء الْبكارَة يعلم أَنه لم يُوجد الْإِيلَاج،
وَلَكِن إِذا جومعت الْبكر فِيمَا دون الْفرج فحبلت
فعلَيْهِمَا الْغسْل لوُجُود الْإِنْزَال لِأَنَّهُ لَا
حَبل بِدُونِ، وَقَالَ [قعأبو حنيفَة [/ قع:
(3/252)
لَا يجب الْغسْل بِوَطْء الْبَهِيمَة أَو
الْميتَة إلاَّ بإنزال.
293 - حدّثنا مُسَدَّدُ قالَ حدّثنا يَحْيَى عَنْ هِشَامِ
بَنْ عُرْوة قالَ أخْبَرَنِي أبي قالَ أخْبَرَنِي أبُو
أيُّوبَ قَالَ أخْبَرَني أُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ قالَ يَا
رَسُول الله إذَا جَامَعَ الرَّجْلُ المَرْأَةَ فَلَمْ
يُنْزِلْ قالَ يَغْسِلُ مَا مَسّ المَرْأَةَ مِنْهُ ثُمَّ
يَتَوَضَأُ ويُصَلِي.
مُطَابقَة الحَدِيث للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة.
ذكر رِجَاله وهم سِتَّة: الأول: مُسَدّد بن مسرهد.
وَالثَّانِي: يحيى الْقطَّان. وَالثَّالِث: هِشَام بن
عُرْوَة. وَالرَّابِع: أَبوهُ عُرْوَة بن الزبير أَشَارَ
إِلَيْهِ بقوله: أَخْبرنِي أبي، وَرُبمَا يظنّ ظان أَنه
أبي، بِضَم الْهمزَة، وَهُوَ أبي ابْن كَعْب لكَونه ذكر
فِي الْإِسْنَاد. وَالْخَامِس: أَبُو أَيُّوب
الْأنْصَارِيّ، واسْمه خَالِد بن زيد. وَالسَّادِس: أبي بن
كَعْب.
ذكر لطائف إِسْنَاده فِيهِ: التحديث بِصِيغَة الْجمع فِي
موضِعين. وَفِيه: الْإِخْبَار بِصِيغَة الإفرد فِي
ثَلَاثَة مَوَاضِع. وَفِيه: العنعنة فِي مَوضِع وَاحِد.
وَفِيه: رِوَايَة الصَّحَابِيّ عَن الصَّحَابِيّ، وَأَبُو
أَيُّوب يروي عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي
تِلْكَ الطَّرِيق بِلَا وَاسِطَة وَفِي هَذِه الطَّرِيق
بِوَاسِطَة لِأَن الطريقان مُخْتَلِفَانِ فِي اللَّفْظ
وَالْمعْنَى وَإِن توافقا فِي بعض الْأَحْكَام مَعَ جَوَاز
سَمَاعه من رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَمن أبي
بن كَعْب وَذكر الْوَاسِطَة تكون للتقوية أَو لغَرَض آخر.
ذكر مَعْنَاهُ قَوْله: (إِذا جَامع الرجل الْمَرْأَة)
ويروى: (امْرَأَته) قَوْله: (مَا مس الْمَرْأَة مِنْهُ)
وَفِي: مس، ضمير وَهُوَ فَاعله يرجع إِلَى كلمة مَا،
ومحلها النصب على أَنَّهَا مفعول لقَوْله: (يغسل) أَي:
يغسل الرجل الْمَذْكُور الْعُضْو الَّذِي مس فرج المآأة من
أَعْضَائِهِ قَالَ الْكرْمَانِي: فَإِن قلت: الْمَقْصُود
مِنْهُ بَيَان مَا أَصَابَهُ من رُطُوبَة فرج الْمَرْأَة،
فَكيف يدل عَلَيْهِ وَظَاهر، أَن مَا مس الْمَرْأَة
مُطلقًا من يدٍ وَرجل وَنَحْوه لَا يجب غسله؟ قلت: فِيهِ
إِمَّا إِضْمَار أَو كِنَايَة، لِأَن تَقْدِيره يغسل عضوا
مس فرج الْمَرْأَة، وَهُوَ إِطْلَاق اسْم الْمَلْزُوم،
وَهُوَ: مس الْمَرْأَة، وَإِرَادَة اللُّزُوم، وَهُوَ
إِصَابَة رُطُوبَة فرجهَا. قَوْله: (ثمَّ يتَوَضَّأ صَرِيح
بِتَأْخِير الْوضُوء عَن غسل مَا يُصِيبهُ مِنْهَا، وَزَاد
عبد الرَّزَّاق عَن الثَّوْريّ عَن هِشَام فِيهِ، وضوءه
للصَّلَاة. قَوْله: (وَيُصلي) هُوَ صَرِيح فِي الدّلَالَة
على ترك الْغسْل من الحَدِيث الَّذِي قبله.
قالَ أبُو عبْدِ الْغَسْلُ أحُوَطُ وذَاكَ الآخِرُ وإنَّما
بَيَّنَّا لاِخْتِلاَفِهِمْ
فَاعل: قَالَ، مَحْذُوف هُوَ الرَّاوِي عَن البُخَارِيّ.
وَأَبُو عبد الله، هُوَ كنية البُخَارِيّ. قَوْله:
(الْغسْل أحوط) مقول القَوْل، أَي: الِاغْتِسَال من
الْجِمَاع بِغَيْر إِنْزَال أحوط أَي: أَكثر احْتِيَاطًا
فِي أَمر الدّين، وَأَشَارَ بقوله: وَذَلِكَ الْأَخير،
إِلَى أَن هَذَا الحَدِيث الَّذِي فِي الْبَاب غير
مَنْسُوخ أَي: آخر الْأَمريْنِ من الشَّارِع. قَوْله:
(الْأَخير) على وزن فعيل، وَهُوَ رِوَايَة أبي ذَر، وَفِي
رِوَايَة غَيره، وَذَلِكَ الآخر، بِالْمدِّ بِغَيْر يَاء،
وَقَالَ ابْن الَّتِي: ضبطناه بِفَتْح الْهَاء. قَوْله:
(إِنَّمَا بَينا لاختلافهم) وَفِي رِوَايَة كَرِيمَة:
(إِنَّمَا بَينا اخْتلَافهمْ) وَفِي رِوَايَة الْأصيلِيّ:
(إِنَّمَا بَيناهُ لاختلافهم) أَي: لأجل اخْتِلَاف
الصَّحَابَة فِي الْوُجُوب وَعَدَمه، أَو لاخْتِلَاف
الْمُحدثين فِي صِحَّته وَعدمهَا، وَقد خبط ابْن
الْعَرَبِيّ على البُخَارِيّ لمُخَالفَته فِي هَذَا
الْجُمْهُور، فَإِن إِيجَاب الْغسْل أطبق عَلَيْهِ
الصَّحَابَة. وَمن بعدهمْ، وَمَا خَالف إلاَّ دَاوُد،
وَلَا عِبْرَة بِخِلَافِهِ، وَكَيف يحكم بأستحباب الْغسْل
وَهُوَ أحد أَئِمَّة الدّين، وَمن أَجله عُلَمَاء
الْمُسلمين، ثمَّ قَالَ: وَيحْتَمل أَن يكون مُرَاده
بقوله: الْغسْل أحوط، أَي: فِي الدّين؟ وَهُوَ بَاب
مَشْهُور فِي أصُول الدّين، ثمَّ قَالَ: وَهُوَ الْأَشْبَه
بإمامته وَعلمه؟ قَالَ بَعضهم: قلت: وَهَذَا هُوَ
الظَّاهِر من تصرفه، فَإِنَّهُ لم يترجم بِجَوَاز ترك
الْغسْل، وَإِنَّمَا ترْجم بِبَعْض مَا يُسْتَفَاد من
الحَدِيث بِغَيْر هَذِه الْمَسْأَلَة قلت: من تَرْجَمته
يفهم جَوَاز ترك الْغسْل لِأَنَّهُ اقْتصر على غسل مَا
يُصِيب الرجل من الْمَرْأَة وَأَنه هُوَ الْوَاجِب،
وَالْغسْل غير وَاجِب، وَلكنه مُسْتَحبّ للِاحْتِيَاط
وَأما قَول ابْن الْعَرَبِيّ: أطبق عَلَيْهِ الصَّحَابَة،
فَفِيهِ نظر، فَإِن الْخلاف مَشْهُور فِي الصَّحَابَة ثَبت
عَن جمَاعَة مِنْهُم، كَذَا قَالَ بَعضهم: قلت لقَائِل أَن
يَقُول انْعَقَد الْإِجْمَاع عَلَيْهِ فارتفع الْخلاف،
بَيَانه مَا رَوَاهُ الطَّحَاوِيّ: حَدثنَا روح بن الْفرج،
قَالَ: حَدثنِي يحيى بن عبد الله بن بكير، قَالَ: حَدثنِي
اللَّيْث، قَالَ: حَدثنِي معمر بن أبي حَبِيبَة، بِضَم
الْحَاء الْمُهْملَة وَفتح الْيَاء آخر الْحُرُوف المكررة،
فَهِيَ حَبِيبَة بنت مرّة بن عَمْرو بن عبد الله بن عَمْرو
بن شُعَيْب، قَالَه الزبير، وَقَالَ ابْن مَاكُولَا وَمن
قَالَ فِيهِ ابْن أبي حَبِيبَة، فقد غلط وَمعمر هَذَا يروي
عَن عبيد الله بن عدي بن الْخِيَار، قَالَ تَذَاكر
أَصْحَاب
(3/253)
رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عِنْد عمر بن الْخطاب
الْغسْل من الْجَنَابَة، فَقَالَ بَعضهم: إِذا جَاوز
الْخِتَان الْخِتَان فقد وَجب الْغسْل، وَقَالَ بَعضهم:
المَاء من المَاء. فَقَالَ عمر: قد اختلفتم وَأَنْتُم أهل
بدر الأخيار، فَكيف بِالنَّاسِ بعدكم؟ فَقَالَ عَليّ بن
أبي طَالب: يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ! إِن أردْت أَن تعلم
ذَلِك فارسل إِلَى أَزوَاج النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم فاسألهن عَن ذَلِك: فَأرْسل إِلَى عَائِشَة
فَقَالَت: إِذا جَاوز الْخِتَان الْخِتَان فقد وَجب
الْغسْل. فَقَالَ عمر عِنْد ذَلِك لَا أسمع أحدا يَقُول:
المَاء من المَاء، إلاَّ جعلته نكالاً قَالَ الطَّحَاوِيّ:
فَهَذَا عمر قد حمل النَّاس على هَذَا بِحَضْرَة أَصْحَاب
رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَلم يُنكر ذَلِك
عَلَيْهِ مُنكر وَادّعى ابْن الْقصار أَن الْخلاف ارْتَفع
بَين التَّابِعين، وَفِيه نظر، لِأَن الْخطابِيّ قَالَ:
قَالَ بِهِ جمَاعَة من الصَّحَابَة، فَسمى بَعضهم: وَمن
التَّابِعين الْأَعْمَش، وَتَبعهُ القَاضِي عِيَاض: وَلكنه
قَالَ: لم يقل بِهِ أحد من بعد أَصْحَابه غَيره، وَفِيه
نظر، لِأَنَّهُ قد ثَبت ذَلِك عَن أبي سَلمَة بن عبد
الرَّحْمَن، وَهُوَ فِي (سنَن أبي دَاوُد) بِإِسْنَاد
صَحِيح حَدثنَا أَحْمد بن صَالح، قَالَ: حَدثنَا ابْن وهب،
قَالَ: أَخْبرنِي عَمْرو عَن ابْن شهَاب عَن أبي سَلمَة بن
عبد الرَّحْمَن عَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ: (أَن رَسُول
الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: المَاء من المَاء)
وَكَانَ أَبُو سَلمَة يفعل ذَلِك، وَعند هِشَام ابْن
عُرْوَة عَن عبد الرَّزَّاق وَعِنْده أَيْضا عَن أبي جريح
عَن عَطاء أَنه قَالَ: لَا تطيب نَفسِي حَتَّى اغْتسل من
أجل اخْتِلَاف النَّاس لآخذ بالعروة الوثقى. |