عمدة القاري شرح
صحيح البخاري 9 - (بابُ غَسْلِ دَمِ المَحِيضِ)
أَي: هَذَا بَاب فِي فِي بَيَان غسل دم الْحيض، وَفِي
نُسْخَة دم الْمَحِيض، وَفِي بَعْضهَا دم الْحَائِض، وَقد
ذكر فِي كتاب الْوضُوء، بَاب غسل الدَّم وَهُوَ أَعم من
هَذِه التَّرْجَمَة.
الْمُنَاسبَة بَين الْبَابَيْنِ ظَاهِرَة لَا تخفى.
307 - حدّثنا عَبْدُ اللَّهِ بُنُ يُوسُفَ قالَ أخْبَرنا
مالِكٌ عَنْ هِشَامٍ عَنْ فاطِمَةَ بِنْتِ المُنْذِرِ عَنُ
أسْمَاءَ بِنْتِ أبي بَكْرٍ أَنَّهَا قالَتْ سَأَلْتِ
امْرَأَةٌ رسولَ اللَّهِ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فقالَتْ
يَا رسولَ اللَّهِ أَرَأَيْتَ إحْدَانَا إذَا أصَابَ
ثَوْبَها الدَّمُ مِنَ الحَيْضَةِ كَيْفَ تَصْنَعُ فقالَ
رسولُ اللَّهِ صلى الله عَلَيْهِ
(3/277)
وَسلم إذَا أَصَابَ ثَوْبَ إحْدَاكُنَّ
الدَّمُ مِنَ الحَيْضَةِ فَلْتَقْرِصْهُ ثُمَّ
لَتَنْضَحْهُ بِمَاءِ ثُمَّ لتُصَلِّى فِيهِ. (انْظُر
الحَدِيث 227) .
مُطَابقَة للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة.
بَيَان رِجَاله وهم خَمْسَة: فالثلاثة الأول هم المذكورون
بأعيانهم فس صدر سَنَد الحَدِيث فِي الْبَاب الَّذِي قبله،
وَمتْن هَذَا الحَدِيث ذكره فِي بَاب غسل الدَّم، فَقَالَ:
حَدثنَا بن الْمثنى، قَالَ: حَدثنَا يحيى عَن هِشَام،
قَالَ: حَدَّثتنِي فَاطِمَة عَن أَسمَاء قَالَت: (جاءة
امْرَأَة إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
فَقَالَت) الحَدِيث.
وَرِجَال هَذَا الحَدِيث مدنيون مَا خلا عبد الله بن
يُوسُف وَقد اسْتَوْفَيْنَا الْكَلَام فِيهِ هُنَاكَ
بِجَمِيعِ أَنْوَاعه.
10 - (بابُ الاعْتِكَافِ لِلْمُسْتَحاضَةِ)
أَي: هَذَا فِي بَيَان حكم الْمُسْتَحَاضَة إِذا اعتكفت،
وَحكمه أَنه يجوز وَفِي بعض النّسخ بَاب الِاعْتِكَاف
للمستحاضة.
والمناسبة بَين الْبَابَيْنِ ظَاهِرَة، وَقد ذكرنَا أَن
الِاعْتِكَاف فِي اللُّغَة هُوَ، اللّّبْث، والعكف هُوَ
الْحَبْس، وَفِي الشرعهو: اللّّبْث فِي المسجدمع الصَّوْم
وَنِيَّة الِاعْتِكَاف.
309 - حدّثنا إسْحاقُ قالَ حدّثنا خالِدُ بن عبد الله عَن
خَالِد عَنْ عِكْرَمَةَ عَنْ عائِشَةَ أنَّ النَّبيُّ صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم اعْتَكَفَ مَعهُ بَعْضُ نِسَائِهِ
وَهِيَّ مُسْتَحَاضةُ تَرَى الدَّمَ فرُبَّما وَضعَتِ
الطَّسْتَ تَحْتَها مِنَ الدَّمِ وَزَعَمَ عِكْرَمَةُ أنَّ
عائِشَةَ رَأْتْ ماءَ العُصْفُرِ فقالَتْ كأَنَّ هَذَا
شَيْء ق كانَتْ فُلانَه تَجدُهُ.
(3/278)
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة.
ذكر رِجَاله وهم خَمْسَة: الأول: إِسْحَاق بن شاهين،
بِكَسْر الْهَاء، أَبُو بشر، بِكَسْر التَّاء وَسُكُون
الشين الْمُعْجَمَة الوَاسِطِيّ، جَاوز الْمِائَة.
الثَّانِي: خَالِد بن عبد الله الطَّحَّان أَبُو
الْهَيْثَم الْمُتَصَدّق بِوَزْن نَفسه الْفضة ثَلَاث
مَرَّات. الثَّالِث: خَالِد بن مهْرَان الَّذِي يُقَال
لَهُ: الْحذاء، بِالْحَاء الْمُهْملَة والذال الْمُعْجَمَة
الْمُشَدّدَة. الرَّابِع: عِكْرِمَة مولى ابْن عَبَّاس.
الْخَامِس: عَائِشَة، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا.
ذكر لطائف إِسْنَاده فِيهِ: التحديث بِصِيغَة الْجمع فِي
موضِعين. وَفِيه: العنعنة فِي ثَلَاثَة مَوَاضِع. وَفِيه:
أَن رُوَاته مَا بَين واسطي وبصري ومدني. وَهُوَ:
عِكْرِمَة، والحذاء هوالبصري، ومدار هَذَا الحَدِيث
عَلَيْهِ.
ذكر تعدد مَوْضِعه وَمن أخرجه غَيره أخرجه البُخَارِيّ
أَيْضا عَن مُسَدّد فِي هَذَا الْبَاب وَأخرجه فِي
الصَّوْم، عَن قُتَيْبَة عَن يزِيد بن زُرَيْع، وَأخرجه
أَبُو دَاوُد فِي الصَّوْم عَن مُحَمَّد بن عِيسَى وقتيبة.
وَأخرجه النَّسَائِيّ فِي الِاعْتِكَاف عَن قُتَيْبَة
وَأبي الْأَشْعَث الْعجلِيّ وَمُحَمّد بن عبد الله بن
ربيع، وَأخرجه ابْن مَاجَه فِي الصَّوْم عَن الْحسن بن
مُحَمَّد بن الصَّباح عَن عَفَّان بن مُسلم، خمستهم عَن
يزِيد بن زُرَيْع.
ذكر لغاته ومعانيه وَإِعْرَابه قَوْلهَا: (بعض نِسَائِهِ)
يرفع: لِأَنَّهُ فَاعل اعْتكف. قَوْلهَا: (وَهِي
مُسْتَحَاضَة) جملَة إسمية وَقعت حَالا وَوجه التَّأْنِيث
مَعَ أَن لَفْظَة: هِيَ، ترجع إِلَى لفظ بعض إكتساب
الْمُضَاف التَّأْنِيث من الْمُضَاف إِلَيْهِ أَو
التَّأْنِيث بِاعْتِبَار مَا صدق عَلَيْهِ لفظ الْبَعْض،
وَهُوَ المُرَاد، وَإِنَّمَا لحق تَاء التَّأْنِيث فِي
الْمُسْتَحَاضَة، وَإِن كَانَت الْمُسْتَحَاضَة من
خَصَائِص النِّسَاء للإشعار بِأَن الِاسْتِحَاضَة حَاصِلَة
لَهَا بِالْفِعْلِ. قَوْلهَا: (ترى الدَّم) جملَة من
الْفِعْل وَالْفَاعِل وَالْمَفْعُول، صفة لَازِمَة
للمستحاضة، وَهُوَ دَلِيل على أَن المُرَاد أَنَّهَا
كَانَت فِي حَال الِاسْتِحَاضَة، لَا أَن من شَأْنهَا
الِاسْتِحَاضَة، يَعْنِي: أَنَّهَا مُسْتَحَاضَة
بِالْفِعْلِ لَا بِالْقُوَّةِ، وَيجوز أَن تكون التَّاء
لنقل اللَّفْظ من الوصفية إِلَى الإسمية، وَإِنَّمَا لم
يجز أَن يُقَال المستحيضة، على بِنَاء الْمَعْلُوم، لِأَن
المتبع هُوَ الِاسْتِعْمَال، وَهُوَ لم يسْتَعْمل إلاَّ
مَجْهُولا، كَمَا فِي نَحْو: جنّ من الجُنون. وَقَالَ
الْجَوْهَرِي: استحيضت الْمَرْأَة إستمر بهَا الدَّم بعد
أَيَّامهَا، فَهِيَ مُسْتَحَاضَة. فَإِن قلت: قَالَ ابْن
الْجَوْزِيّ: مَا عرفنَا من أَزوَاج النَّبِي صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم من كَانَت مُسْتَحَاضَة، قَالَ:
وَالظَّاهِر أَن عَائِشَة رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا،
أشارت بقولِهَا: من نِسَائِهِ، أَي: من النِّسَاء
المتعلقات بِهِ، وَهِي أم حَبِيبَة بنت جحش أُخْت زَيْنَب
بنت جحش زوج النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، كَأَن ابْن
الْجَوْزِيّ قد ذهل عَن الرِّوَايَتَيْنِ فِي هَذَا
الْبَاب: إِحْدَاهمَا امْرَأَة من أَزوَاجه، وَالْأُخْرَى
كَانَ بعض أُمَّهَات الْمُؤمنِينَ اعْتكف وَهِي
مُسْتَحَاضَة، على مَا يأتيان عَن قريب، وَأَيْضًا فقد
يبعد أَن يعْتَكف مَعَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
امْرَأَة من غير زَوْجَاته، وَإِن كَانَ لَهَا بِهِ تعلق،
وَذكر ابْن عبد الْبر أَن بَنَات جحش الثَّلَاثَة كن
مستحاضات، زَيْنَب أم الْمُؤمنِينَ، وَحمْنَة زوج طَلْحَة،
وَأم حَبِيبَة زوج عبد الرَّحْمَن بن عَوْف وَهِي
الْمَشْهُورَة مِنْهُنَّ، بذلك، وَسَيَأْتِي حَدِيثهَا.
ذكرُوا فِي هَذِه المبهمة، وَهُوَ قَوْلهَا: بعض
نِسَائِهِ، ثَلَاثَة أَقْوَال: فَقيل: هِيَ سَوْدَة بنت
زَمعَة. وَقيل: رَملَة أم حَبِيبَة بنت أبي سُفْيَان. قيل:
زَيْنَب بنت جحش الأَسدِية أول من مَاتَ من أَزوَاج
النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بعده، وَأما على مَا زعم
ابْن الْجَوْزِيّ من أَن الْمُسْتَحَاضَة لَيست أَزوَاجه
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فقد روى: فَكَانَت زَيْنَب بنت أم
سَلمَة أستحيضت وَهِي لَهَا تعلق بِالنَّبِيِّ صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم، لِأَنَّهَا ربيبته، وَلَكِن هَذَا
الحَدِيث رَوَاهُ أَبُو دَاوُد من حِكَايَة زَيْنَب على
غَيرهَا، وَهُوَ الْأَشْبَه، فَإِن زَيْنَب كَانَت
صَغِيرَة فِي زَمَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، لِأَنَّهُ
دخل على أمهَا فِي السّنة الثَّالِثَة وَزَيْنَب ترْضع.
قَوْلهَا: (الطست) أَصله، الطس، بالتضعيف، فأبدلت إِحْدَى
السينين تَاء للاستثقال، فَإِذا جمعت أَو صغرت رددت إِلَى
أَصْلهَا فَقلت: طساس وطسيس، وَفِي اللُّغَة البلدية
بالشين الْمُعْجَمَة، وَيجمع على طشوت. قَوْلهَا: (من
الدَّم) كلمة من ابتدائية أَي: لأجل الدَّم، قَالَه
الْكرْمَانِي: قلت: من، هُنَا للتَّعْلِيل قَوْلهَا:
(وَزعم) فعل مَاض وفاعله، عِكْرِمَة، وَهُوَ بِمَعْنى:
قَالَ قَالَ الْكرْمَانِي: أَو لَعَلَّه مَا ثَبت صَرِيح
القَوْل من عِكْرِمَة بذلك، بل علم من قَرَائِن،
الْأَحْوَال مِنْهُ، فَلهَذَا لم يسندالقول إِلَيْهِ
صَرِيحًا وَهَذَا إِمَّا تَعْلِيق من البُخَارِيّ،
وَإِمَّا من تَتِمَّة قَول خَالِد الْحذاء فَيكون مُسْندًا
أَو هُوَ عطف من جِهَة الْمَعْنى على عِكْرِمَة أَي قَالَ
خَالِد قَالَ عِكْرِمَة وَزعم عِكْرِمَة وَقَالَ بَعضهم:
وَزعم مَعْطُوف على معنى العنعنة، أَي: حَدثنِي عِكْرِمَة
بِكَذَا وَزعم كَذَا، وابعد من زعم أَنه مُعَلّق انْتهى.
قلت: هَذَا الْقَائِل يُرِيد بذلك الرَّد على
الْكرْمَانِي: فَلَا وَجه لرده، لِأَن وَجه الْكَلَام هُوَ
الَّذِي قَالَه: وَتردد هَذَا الِاحْتِمَال لَا يدْفع
بقوله: وَزعم، مَعْطُوف على معنى العنعنة، والعطف من
أَحْكَام الظَّوَاهِر فِي الأَصْل. قَوْلهَا: (مَاء
العصفر) ، بِضَم الْعين الْمُهْملَة وبالفاء وَسُكُون
الصَّاد الْمُهْملَة، وَهُوَ زهر القرطم، قَوْلهَا:
(كَأَن) بتَشْديد النُّون قبلهَا همزَة. قَوْلهَا:
(فُلَانَة) الطَّاهِر: أَنَّهَا هِيَ الْمَرْأَة الَّتِي
ذكرت قبل، وفلانة غير منصرف كِنَايَة عَن اسْمهَا، قَالَ
الزَّمَخْشَرِيّ: فلَان وفلانة كِنَايَة عَن أَسمَاء
الْإِنَاث، وَإِذا
(3/279)
كنوا عَن أَعْلَام الْبَهَائِم أدخلُوا
اللَّام فَقَالُوا: الفلان والفلانة. قَوْلهَا: تَجدهُ
أَي: فِي زمن استحاضتها.
وَمِمَّا يستنبط مِنْهُ جَوَاز اعْتِكَاف الْمُسْتَحَاضَة،
وَجَوَاز صلَاتهَا لِأَن حَالهَا حَال الطاهرات،
وَأَنَّهَا تضع الطست لِئَلَّا يُصِيب ثوبها أَو
الْمَسْجِد وَأَن دم الِاسْتِحَاضَة رَقِيق لَيْسَ كَدم
الْحيض، وَيلْحق بالمستحاضة مَا فِي مَعْنَاهَا كمن بِهِ
سَلس الْبَوْل والمذي والودي، وَمن بِهِ جرح يسيل فِي
جَوَاز الِاعْتِكَاف.
310 - حدّثنا قُتَيْبَةُ قالَ حدّثنا يَزِيدُ بْنُ
زُرَيْعٍ عَنْ خالِدٍ عَنْ عِكْرَمَةَ عَنْ عائِشَةَ
قالَتْ اعْتَكَفتْ مَعَ رسولِ اللَّهِ صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم امْرَأَةٌ مِنْ أَزْوَاجِهِ فكانَتْ تَرَى الدَّمَ
والصُّفْرَةَ والطَّسْتُ تَحْتِهَا وَهِيَ تُصَلِّي.
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة.
وَرِجَاله قد ذكرُوا غير مرّة، وقتيبة، بِضَم الْقَاف هُوَ
ابْن سعيد، وخَالِد، هُوَ الْحذاء قَوْلهَا: (ترى الدَّم
والصفرة) كِنَايَة عَن الِاسْتِحَاضَة. قَوْلهَا: (والطست
تحتهَا) جملَة حَالية، وَفِي نُسْخَة، بِدُونِ الْوَاو،
وَهُوَ جَائِز.
وَمِمَّا يستنبط مِنْهُ جَوَاز الْحَدث فِي الْمَسْجِد
بِشَرْط عدم التلويث.
11 - (بابٌ هَلْ تُصَلِّى المَرْأَةُ فِي ثَوْبٍ حاضَتْ
فِيهِ؟)
بَاب: إِنَّمَا يكون منوناً إِذا كَانَ خير مُبْتَدأ
مَحْذُوف أَي: هَذَا بَاب فِيهِ هَل تصلي الْمَرْأَة فِي
ثوبها الَّذِي حَاضَت فِيهِ؟ وَهل، اسْتِفْهَام استفسار،
وسؤال، وُجُوبه مَحْذُوف تَقْدِيره يجوز، أَو نَحْو ذَلِك.
وَلَا يخفى وَجه الْمُنَاسبَة بَين الْبَابَيْنِ، لِأَن
هَذِه الْأَبْوَاب كلهَا فِيمَا يتَعَلَّق بِأَحْكَام
الْحيض.
312 - حدّثنا أبُو نُعَيْمٍ قالَ حدّثنا إبْرَاهِيمُ بْنُ
نافِعٍ عَنُ ابْنِ أبي نَجِيحٍ عَنْ مُجاهِدٍ قالَ قالَتْ
عائِشَةُ مَا كانَ لاحْدانا إلاَّ ثَوْأ واحِدٌ تَحيضُ
فِيهِ فَإِذا أصابَهُ شَيْءٌ مِنْ دَمِ قالَتْ برِيقِها
فَقَصَعَتْهُ بِظُفْرِها.
مُطَابقَة لترجمة الْبَاب من حَيْثُ أما من لم يكن لَهَا
إلاَّ ثوب وَاحِد تحيض فِيهِ لَا شكّ أَنَّهَا تصلي فِيهِ،
لَكِن بتطهيرها إِيَّاه، دلّ عَلَيْهِ قَوْلهَا: (فَإِذا
أَصَابَهُ شَيْء من دم إِلَخ) .
ذكر رِجَاله وهم خَمْسَة: الأول: أَبُو نعيم الْفضل بن
دُكَيْن. الثَّانِي: إِبْرَاهِيم بن نَافِع بالنُّون
وَالْفَاء، المَخْزُومِي أوثق شيخ بِمَكَّة فِي زَمَانه
الثَّالِث: عبد الله بن أبي نجيح، وَاسم أبي نجيح: يسَار
ضد الْيَمين، الْمَكِّيّ. الرَّابِع: مُجَاهِد بن جُبَير،
تكَرر ذكره. الْخَامِس: عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا.
ذكر لطائف إِسْنَاده فِيهِ: التحديث بِصِيغَة الْجمع فِي
موضِعين: وَفِيه: العنعنة فِي موضِعين: وَفِيه: القَوْل.
قيل هَذَا الحَدِيث مُنْقَطع ومضطرب، أما الِانْقِطَاع
فَإِن أَبَا حَاتِم وَيحيى من معِين وَيحيى بن سعيد
الْقطَّان وَشعْبَة وَأحمد قَالُوا: إِن مُجَاهدًا لم يسمع
من عَائِشَة، وَأما الِاضْطِرَاب فلرواية أبي دَاوُد لَهُ
عَن مُحَمَّد بن كثير عَن إِبْرَاهِيم بن نَافِع عَن
الْحسن بن مُسلم، بدل ابْن أبي نجيح، ورد عَلَيْهِ بِأَن
البُخَارِيّ صرح بِسَمَاعِهِ مِنْهَا فِي غير هَذَا
الْإِسْنَاد فِي عدَّة أَحَادِيث، وَكَذَا أثبت سَمَاعه
مِنْهَا ابْن الْمَدِينِيّ وَابْن حبَان مَعَ أَن
الْإِثْبَات مقدم على النَّفْي، أما الِاضْطِرَاب الَّذِي
ذكره فَهُوَ لَيْسَ باضطراب لِأَنَّهُ مَحْمُول على أَن
إِبْرَاهِيم بن نَافِع سَمعه من شيخين، وَشَيخ البُخَارِيّ
أَبُو نعيم أحفظ من شيخ أبي دَاوُد وَمُحَمّد بن كثير،
وَقد تَابع أَبَا نعيم، خَالِد بن يحيى وَأَبُو حُذَيْفَة
والنعمان بن عبد السَّلَام فرجحت رِوَايَته، والمرجوح لَا
يُؤثر فِي الرَّاجِح.
والْحَدِيث أخرجه أَبُو دَاوُد أَيْضا، فَقَالَ: حَدثنَا
مُحَمَّد بن كثير، قَالَ: أخبرنَا إِبْرَاهِيم بن نَافِع
قَالَ: سَمِعت الْحسن يَعْنِي أَبَا سليم يذكر عَن
مُجَاهِد. قَالَ: قَالَت عَائِشَة: مَا كَانَ لإحدانا
إلاَّ ثوب وَاحِد فِيهِ
(3/280)
تحيض فَإِذا أَصَابَهُ شَيْء من دم بلته
بريقها فمصعته بريقها.
ذكر مَا فِيهِ من الْمَعْنى وَالْحكم قَوْلهَا: (لإحدانا)
أَي: من زَوْجَات النَّبِي، عَلَيْهِ الصَّلَاة
وَالسَّلَام، قَالَ الْكرْمَانِي: (فَإِن قلت:) هَذَا
النَّفْي لَا يلْزم أَن يكون عَاما لكلهن لصدقه
بِانْتِفَاء الثَّوْب الْوَاحِد مِنْهُنَّ. قلت: هُوَ
عَام، إِذْ صدقه بِانْتِفَاء الثَّوْب لكلهن وإلاَّ
لَكَانَ لإحداهن الثَّوْب فَيلْزم الْخلف، ثمَّ لفظ
الْمُفْرد الْمُضَاف من صِيغ الْعُمُوم على الْأَصَح.
قَوْله: (تحيض فِيهِ) جمَاعَة فِي مَحل الرّفْع على
أَنَّهَا صفة لثوب. قَوْلهَا: (قَالَت بريقها) يَعْنِي:
صبَّتْ عَلَيْهِ من رِيقهَا، وَقد ذكرتا أَن القَوْل
يسْتَعْمل فِي غير مَعْنَاهُ الْأَصْلِيّ بِحَسب مَا
يَقْتَضِيهِ الْمقَام أَو الْمَعْنى: بلته بريقها كَمَا
صرح بِهِ فِي رِوَايَة أبي دَاوُد. قَوْلهَا: (فمصعته
بظفرها) يَعْنِي فركته، ومادته مِيم وصاد وَعين مهملتان
وَفِي رِوَايَة: (فقصعته) بِالْقَافِ وَالصَّاد وَالْعين
الْمُهْمَلَتَيْنِ كَمَا فِي رِوَايَة أبي دَاوُد، وَمعنى:
قصعته دلكته بِهِ وَمعنى قصع القملة، إِذا شدخها بَين
حأظفاره وَأما قصع الرّطبَة فَهُوَ بِالْفَاءِ، وَهُوَ أَن
يَأْخُذهَا بإصبعه فيغمزها أدنى غمز فَتخرج الرّطبَة
خَالِصَة قشرها وَقَالَ ابْن الْأَثِير قصعته أَي: دلكته
بظفرها، وَقَالَ الْبَيْهَقِيّ: هَذَا فِي الدَّم
الْيَسِير الَّذِي يكون معفواً عَنهُ وَأما فِي الْكثير
مِنْهُ، فصح عَنْهَا أَنَّهَا كَانَت تغسله. قلت: هم لَا
يرَوْنَ بِأَن الْيَسِير من النَّجَاسَات عَفْو، وَلَا
يُعْفَى عِنْدهم مِنْهَا عَن شَيْء سَوَاء كَانَ قَلِيلا
أَو كثيرا، وَهَذَا لَا يمشي إلاَّ على مَذْهَب أبي
حنيفَة، فَإِن الْيَسِير عِنْده عَفْو، وَهُوَ مَا دون
الدِّرْهَم، فَحِينَئِذٍ الحَدِيث حجَّة عَلَيْهِم حَيْثُ
اختصوا فِي إِزَالَة النَّجَاسَة بِالْمَاءِ، لَا يُقَال:
إِن هَذَا الحَدِيث معَارض بِحَدِيث أم سَلمَة لِأَن
فِيهِ: (فَأخذت ثِيَاب حيضتي) ، وَهُوَ يدل على تعدد
الثَّوْب لِإِمْكَان كَون عدم التَّعَدُّد فِيهِ فِي بَدْء
الْإِسْلَام، فَإِنَّهُم كَانُوا حِينَئِذٍ فِي شدَّة
وَقلة، وَلما فتح الله الْفتُوح واتسعت أَحْوَالهم اتَّخذت
النِّسَاء ثيابًا للْحيض سوى ثِيَاب لبساهن، فَأخْبرت أم
سَلمَة عَنهُ.
مِمَّا يستنبط مِنْهُ جَوَاز إِزَالَة النَّجَاسَة بِغَيْر
المَاء فَإِن الدَّم نجس وَهُوَ إِجْمَاع الْمُسلمين وَإِن
إِزَالَة النَّجَاسَة لَا يشْتَرط فِيهَا الْعدَد بل
المُرَاد الاتقاء.
12 - (بابُ الَطِّيبِ لِلْمَرْأَةِ عِنْدَ غَسْلِهَا مِنَ
الحَيْضِ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان إِبَاحَة الطّيب للْمَرْأَة
عِنْد غسلهَا من الْحيض، وَفِي بعض النّسخ من الْمَحِيض.
وَجه الْمُنَاسبَة بَين الْبَابَيْنِ من حَيْثُ إِن فِي
الْبَاب الأول إِزَالَة الدَّم من الثَّوْب، وَهِي
التَّنْظِيف والانقاء، وَفِي هَذَا الْبَاب، التَّطَيُّب،
وَهُوَ زِيَادَة التَّنْظِيف.
313 - حدّثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبُدِ الوَهَّابِ قالَ
حدّثنا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ أيُّوبَ عَنْ حَفْصَةَ
قالَ أبُو عَبْدِ اللَّهِ أوْ هِشَامِ بْنِ حَسَّانَ عَنْ
حَفْصَةَ عَنْ أُمَ عَطِيَةَ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم قالَتْ كُنَّا نُنْهَى أنْ نُحِدَّ علَى
مَيِّتٍ فَوْقَ ثَلاثٍ إلاَّ عَلَى زَوْجٍ أَرْبَعَةَ
أَشْهُرٍ وَعَشْراً وَلَا نَكْتَحِلَ وَلا نَتَطَيَّبَ
وَلَا نَلْبَسَ ثَوْباً مَصْبُوغاً إلاَّ ثَوْبَ عَصْبٍ
وَقَدْ رُخِّصَ لَنَا عِنْدَ الطَّهْرِ إذَا اغْتَسَلَتْ
إحْدانَا مِنْ مَحِيضِها فِي نُبْذةٍ مِنْ كُسْتٍ أظْفَارِ
وَكُنَّا نُنْهَى عَنُ اتِّباعِ الجَنَائِزِ. .
مُطَابقَة هَذَا الحَدِيث للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (وَقد
رخص لناعند الطُّهْر) إِلَى آخِره. وَفِيه من التَّأْكِيد
حَتَّى إِنَّه رخص للمحد الَّتِي حرم عَلَيْهَا
اسْتِعْمَال الطّيب.
ذكر رِجَاله وهم خَمْسَة: الأول: عبد الله بن عبد
الْوَهَّاب الحَجبي أَبُو مُحَمَّد الْبَصْرِيّ.
الثَّانِي: حَمَّاد بن زيد، تقدم غير مرّة. الثَّالِث:
أَيُّوب السّخْتِيَانِيّ. الرَّابِع: حَفْصَة بنت سِيرِين
الْأنْصَارِيّ أم الْهُذيْل. الْخَامِس: أم عَطِيَّة من
فاضلات الصَّحَابَة، كَانَت تمرض المرضى وتداوي الْجَرْحى
وتغسل الْمَوْتَى، وَاسْمهَا نسيبة بنت الْحَارِث. وَقيل:
بنت كَعْب الغاسلة.
بَين لطائف إِسْنَاده فِيهِ: التحديث بِصِيغَة الْجمع فِي
موضِعين. وَفِيه: العنعنة فِي ثَلَاثَة مَوَاضِع. وَفِيه:
أَن رُوَاته الْأَرْبَعَة بصريون. وَفِيه: فِي رِوَايَة
الْمُسْتَمْلِي وكريمة. قَالَ: حَدثنَا حما بن زيد عَن
أَيُّوب، قَالَ: أَبُو عبد الله أَو هِشَام بن حسان عَن
حَفْصَة وَأَبُو عبد الله هُوَ البُخَارِيّ نَفسه،
فَكَأَنَّهُ شكّ فِي شيخ حَمَّاد، وَهُوَ أَيُّوب أَو
هِشَام، وَلَيْسَ ذَلِك عِنْد بَقِيَّة الروَاة، وَلَا
(3/281)
عِنْد أَصْحَاب الْأَطْرَاف، وَقد أورد
البُخَارِيّ هَذَا الحَدِيث فِي كتاب الطَّلَاق بِهَذَا
الْإِسْنَاد فَلم يذكر ذَلِك.
ذكر تعدد مَوْضِعه وَمن أخرجه غَيره أخرجه البُخَارِيّ
هُنَا عَن عبد الله بن عبد الْوَهَّاب. وَأخرجه مُسلم فِي
الطَّلَاق عَن أبي الرّبيع الزهْرَانِي، كِلَاهُمَا عَن
حَمَّاد بن زيد عَن أَيُّوب بِهِ وَأخرجه البُخَارِيّ
أَيْضا فِي الطَّلَاق عَن أبي نعيم عَن عبد السَّلَام بن
حَرْب قَالَ: وَقَالَ الْأنْصَارِيّ: أخرجه مُسلم فِيهِ
عَن حسن بن الرّبيع عَن عبد الله بن إِدْرِيس وَعَن أبي
بكر بن أبي شيبَة عَن عبد الله بن نمير، وَعَن عَمْرو
والناقد عَن يزِيد بن هَارُون. وَأخرجه أَبُو دَاوُد فِي
الطَّلَاق عَن هَارُون بن عبد الله وَمَالك بن عبد الله
المسمعي، كِلَاهُمَا عَن هَارُون بن عبد الله وَعَن عبد
الله بن الْجراح عَن عبد الله بن بكر السَّهْمِي وَعَن
يَعْقُوب بن إِبْرَاهِيم الدَّوْرَقِي. وَأخرجه
النَّسَائِيّ فِيهِ عَن الْحُسَيْن بن مُحَمَّد عَن خَالِد
وَأخرجه ابْن مَاجَه فِيهِ عَن أبي بكر ابْن أبي شيبَة
بِهِ.
ذكر لغاته قَوْلهَا: (أَن نحد) بِضَم النُّون وَكسر
الْحَاء الْمُهْملَة من الْإِحْدَاد، وَهُوَ الِامْتِنَاع
من الزِّينَة، قَالَ الْجَوْهَرِي: أحدت الْمَرْأَة: أَي
امْتنعت من الزِّينَة والخضاب بعد وَفَاة زَوجهَا،
وَكَذَلِكَ حدث تحد بِالضَّمِّ، وتحد، بِالْكَسْرِ، حداداً
وَهِي حاد، وَلم يعرف الْأَصْمَعِي إلاَّ أحدت، فَهِيَ
محدة، كَذَا فِي (الْمُحكم) وأصل هَذِه الْمَادَّة
الْمَنْع، وَمِنْه قيل: البواب حداد لِأَنَّهُ يمْنَع
الدُّخُول وَالْخُرُوج، وَأغْرب بَعضهم فحكاه بِالْجِيم
نَحْو: جددت الشَّيْء، إِذا قطعت، فَكَأَنَّهَا قد
انْقَطَعت عَن الزِّينَة عَمَّا كَانَت عَلَيْهِ قبل
ذَلِك. قَوْله: (ثوب عصب) بِفَتْح الْعين وَسُكُون الصَّاد
الْمُهْملَة، وَفِي آخِره بَاء مُوَحدَة، وَهُوَ من برود
الْيمن يصْبغ غزلها ثمَّ تنسج، وَفِي (الْمُحكم) هُوَ ضرب
من برود الْيمن يعصب غزلها أَي يجمع ثمَّ يصْبغ ثمَّ ينسج،
وَقيل: هِيَ مخططة. وَفِي (الْمُنْتَهى) العصب فِي
اللُّغَة إحكام الْقَتْل والطي وَشدَّة الْجمع واللي وكل
شَيْء أحكمته فقد عصبته، وَمِنْه أَخذ عصب الْيمن، وَهُوَ:
المفتول من برودها، والعصب الْخِيَار، وَفِي (الْمُحكم)
وَلَيْسَ من برود الرقم، وَلَا يجمع إِنَّمَا يُقَال: برد
عصب وبرود وَعصب، وَرُبمَا اكتفوا بِأَن يَقُولُوا
عَلَيْهِ العصب لِأَن الْبرد عرف بذلك زَاد فِي
(الْمُخَصّص) لَا يثنى وَلَا يجمع لِأَنَّهُ أضيف إِلَى
الْفِعْل، إِنَّمَا الْعلَّة فِيهِ بِالْإِضَافَة إِلَى
الْجِنْس وَقَالَ الْجَوْهَرِي: السَّحَاب كاللطخ، عصب،
قَالَ الْقَزاز: وَكَانَ الْمُلُوك يلبسونها، وروى عَن
عمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ أَنه أَرَادَ أَن ينْهَى
عَن عصب الْيمن، وَقَالَ: تثبت أَنه يصْبغ ثمَّ بالبول،
ثمَّ قَالَ: نهينَا عَن التعمق، وَفِي حَدِيث ثَوْبَان:
اشْتَرِ لفاطمة قلادة من عصب، قَالَ الْخطابِيّ: إِن لم
تكن الثِّيَاب اليمانية فَلَا أَدْرِي، وَمَا أرى أَن
القلادة تكون مِنْهَا وَقَالَ أَبُو مُوسَى ذكر لي بعض أهل
الْيمن أَنه سنّ دَابَّة بحريّة تسمى فرس فِرْعَوْن يتَّخذ
مِنْهَا الخرز وَغَيره يكون أَبيض. قَوْله: (فِي نبذة)
بِضَم النُّون، وَفتحهَا وَسُكُون الْبَاء الْمُوَحدَة
وبالذال الْمُعْجَمَة، وه الشَّيْء الْيَسِير، وَالْمرَاد
بِهِ الْقطعَة، قَالَ ابْن سَيّده: وَالْجمع إنباذ.
قَوْله: (كسبت أظفار) كَذَا هُوَ فِي هَذِه الرِّوَايَة،
وَقَالَ ابْن التِّين: صَوَابه، قسط ظفار، مَنْسُوب إِلَى
ظفار، وَهِي سَاحل من سواحل عدن. وَقَالَ الْقُرْطُبِيّ:
هِيَ مَدِينَة بِالْيمن، وَالَّذِي فِي مُسلم قسط وأظفار،
وَهُوَ الْأَحْسَن فَإِنَّهَا نَوْعَانِ قيل: هُوَ شَيْء
من الْعطر أسود الْقطعَة مِنْهُ شَبيهَة بالظفر، وَهُوَ
بخور رخص فِيهِ للمغتسلة من الحيث لإِزَالَة الرَّائِحَة
الكريهة، وَقَالَ أَبُو عبيد الْبكْرِيّ: ظفار، وبفتح
أَوله وَفِي آخِره رَاء مَكْسُورَة مَبْنِيّ على الْكسر،
وَهُوَ مَدِينَة بِالْيمن، وَبهَا قصر الملكة، وَيُقَال:
إِن الْجِنّ بنتهَا وَعَن الصغاني، ظفار فِي الْيمن
أَرْبَعَة مَوَاضِع: مدينتان وحصتان أما المدينتان.
فإحداهما: ظفار الحقل، كَانَ ينزلها التابعية، وَهِي على
مرحلَتَيْنِ من صنعاء وإليها ينْسب الْجزع، وَالْأُخْرَى:
ظفار السَّاحِل، قرب مرابط، وإليها ينْسب الْقسْط: يجلب
إِلَيْهَا من الْهِنْد، والحصتان: أَحدهمَا: فِي يماني
صنعاء، على مرحلَتَيْنِ؟ وَيُسمى: ظفار الواديين.
وَالثَّانِي: فِي بِلَاد هَمدَان وَيُسمى: ظفار الطَّاهِر،
وَفِي (الْمُحكم) الظفر ضرب من الْعطر أسود مُقَلِّب من
أَصله على شكل ظفر الْإِنْسَان يوضع فِي الدخنة، وَالْجمع
أظفار وأظافير. وَقَالَ صَاحب (الْعين) لَا وَاحِد لَهُ،
وظفّر ثَوْبه. طيبه الظفر، وَفِي (الْجَامِع) الْأَظْفَار
شَيْء من الْعطر يشبه الْأَظْفَار يتَّخذ مِنْهَا مَعَ
الأخلاط وَلَا يفرد وَاحِدهَا: وَأَن أفرد فَهُوَ أظفارة.
وَفِي كتاب (الطّيب) للمفضل بن سَلمَة، الْقسْط والكسط
والكشط، ثَلَاث لُغَات قَالَ: وَهُوَ من طيب الأعربا،
وَسَماهُ ابْن البيطار فِي كتاب (الْجَامِع) راسناً أَيْضا
وَفِي كتاب أبي مُوسَى الْمَدِينِيّ، قَالَ الْأَزْهَرِي،
واحده ظفر، وَقَالَ غَيره الْأَظْفَار، شَيْء من الْعطر
وَقَالَ الإِمَام إِسْمَاعِيل: الْأَظْفَار شَيْء يتداوى
بِهِ كَأَنَّهُ عود وَكَأَنَّهُ يثقب وَيجْعَل فِي
القلادة، وَفِي أثبت الرِّوَايَات: (من جزع ظفار) وَفِي
رِوَايَة أُخْرَى: (ظفاري) .
ذكر مَعَانِيه وَإِعْرَابه قَوْلهَا: (كُنَّا ننهى) ،
بِضَم النُّون الأولى على صِيغَة الْمَجْهُول، والناهي
هُوَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَمَا دلّت
عَلَيْهِ
(3/282)
رِوَايَة هِشَام الْمُعَلقَة الْمَذْكُورَة
فِي آخر الحَدِيث، وَهَذِه الصِّيغَة فِي حكم الْمَرْفُوع،
وَكَذَلِكَ، كنار وَكَانُوا، وَنَحْو ذَلِك لِأَنَّهُ وَقع
فِي زمن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وقررهم عَلَيْهِ
فَهُوَ مَرْفُوع. معنى: قَوْله: (أَن تحد) كلمة أَن
مَصْدَرِيَّة، وَالتَّقْدِير: كُنَّا ننهى عَن
الْإِحْدَاد. قَوْله: (فَوق ثَلَاث) يَعْنِي بِهِ
اللَّيَالِي مَعَ أَيَّامهَا وَلذَلِك أنث الْعدَد.
قَوْله: (إِلَّا على زوج) كَذَا هُوَ فِي أَكثر
الرِّوَايَات، وَفِي رِوَايَة الْمُسْتَمْلِي والحموي:
إلاَّ على زَوجهَا الأول مُوَافق للفظ: تحد غَائِبَة.
وَالثَّانِي: بِصِيغَة الْمُتَكَلّم قَالَه الْكرْمَانِي:
وَيُقَال: تَوْجِيه الثَّانِي أَن الضَّمِير يعود على
الْوَاحِدَة المندرجة فِي قَوْلهَا: (كُنَّا ننهى) أَي: كل
وَاحِدَة مِنْهُنَّ. قَوْله: (وَعشرا) أَي: عشر لَيَال،
إِذا وَأُرِيد بِهِ الْأَيَّام لقيل: ثَلَاثَة بِالتَّاءِ،
وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيّ: فِي قَوْله تَعَالَى: {أَرْبَعَة
أشهر وَعشرا} (سُورَة الْبَقَرَة: 234) لَو قلت فِي مثله:
عشرَة، لخرج من كَلَام الْعَرَب، لَا نراهم قطّ يستعملون
التَّذْكِير فِيهِ، وَقَالَ الْفرق بَين الْمُذكر والمؤنث
فِي الإعداد إِنَّمَا هُوَ عِنْد ذكر الْمُمَيز أما لَو لم
يذكر جَازَ فِيهِ التَّاء وَعَدَمه مُطلقًا فَإِن قلت:
وَعشرا مَنْصُوب بِمَاذَا؟ قلت: هُوَ عطف على قَوْله:
أَرْبَعَة وَهُوَ مَنْصُوب على الظَّرْفِيَّة. قَوْله:
(وَلَا تكتحل) بِالرَّفْع، ويروي بِالنّصب، فتوجيهه أَن
تكون لَا زَائِدَة وتأكيداً فَإِن قلت: لَا، لاتؤكد إلاَّ
إِذا تقدم النَّفْي عَلَيْهِ. قلت: تقدم معنى النَّفْي
وَهُوَ النَّهْي. قَوْله: (وَقد رخص) أَي: التَّطَيُّب.
ذكر استنباط الْأَحْكَام. الأول: وجوب الْإِحْدَاد على كل
من هِيَ ذَات زوج، سَوَاء فِيهِ الْمَدْخُول بهَا
وَغَيرهَا، وَالصَّغِيرَة والكبيرة، وَالْبكْر
وَالثَّيِّب، والحرة وَالْأمة، وَعند أبي حنيفَة: لَا
إحداد على الصَّغِيرَة وَلَا على الزَّوْجَة الْأمة،
وَأَجْمعُوا أَن لَا إحداد على أم الْوَلَد وَالْأمة إِذا
توفّي عَنْهَا سَيِّدهَا، وَلَا على الرَّجْعِيَّة، وَفِي
الْمُطلقَة ثَلَاثًا قَولَانِ، وَقَالَ أَبُو حنيفَة،
وَالْحكم أَبُو ثَوْر وَأَبُو عبيد: عَلَيْهَا
الْإِحْدَاد، وَهُوَ قَول ضَعِيف للشَّافِعِيّ، وَقَالَ
عَطاء وَرَبِيعَة وَمَالك وَاللَّيْث وَالشَّافِعِيّ
وَابْن الْمُنْذر: بِالْمَنْعِ، وَحكي عَن الْحسن
الْبَصْرِيّ أَنه لَا يجب الْإِحْدَاد على الْمُطلقَة
وَلَا على المتوفي عَنْهَا زَوجهَا، وَهُوَ شَاذ وَقَالَ
ابْن عبد الْبر: أَجمعُوا على وجوب الْإِحْدَاد، إلاَّ
الْحسن فَإِنَّهُ قَالَ: لَيْسَ بِوَاجِب، وَتعلق أَبُو
حنيفَة وَأَبُو ثَوْر وَمَالك فِي أحد قوليه، وَابْن
كنَانَة وَابْن نَافِع وَأَشْهَب بِأَن لَا إحداد على
الْكِتَابِيَّة المتوفي عَنْهَا زَوجهَا الْمُسلم بقوله
فِي الحَدِيث: (لَا يحل لامْرَأَة تؤمن بِاللَّه
وَالْيَوْم الآخر أَن تحد) الحَدِيث، وَقَالَ الشَّافِعِي
وَعَامة أَصْحَاب مَالك: عَلَيْهَا الْإِحْدَاد سَوَاء دخل
بهَا أَو لم يدْخل بهَا. فَإِن قلت: لم خص الْأَرْبَعَة
الْأَشْهر وَالْعشرَة؟ قلت: لِأَن غَالب الْحمل تبين حركته
فِي هَذِه الْمدَّة، وأنث الْعشْر، لِأَنَّهُ أَرَادَ بِهِ
الْأَيَّام بلياليها، وَهُوَ مَذْهَب الْعلمَاء كَافَّة
إلاَّ مَا حُكيَ عَن يحيى بن أبي كثير، والأزاعي أَنه
أَرَادَ أَرْبَعَة أشهر وَعشر لَيَال، وَإِنَّهَا تحل فِي
الْيَوْم الْعَاشِر، وَعند الْجُمْهُور: لَا تحل حَتَّى
تدخل اللَّيْلَة الْحَادِي عشر، وَهَذَا خرج على غَالب
أَحْوَال المعتدات أَنَّهَا تَعْتَد بِالْأَشْهرِ، أما
إِذا كَانَت حَامِلا فعدتها بِالْحملِ ويلزمها الْإِحْدَاد
فِي جَمِيع الْمدَّة حَتَّى تضع، سَوَاء قصرت الْمدَّة أم
طَالَتْ، فَإِذا وضعت فَلَا إحداد بعده وَقَالَ بعض
الْعلمَاء: لَا يلْزمهَا الْإِحْدَاد بعد أَرْبَعَة أشهر
وَعشرا وَإِن لم تضع الْحمل.
الثَّانِي: فِيهِ دَلِيل على تَحْرِيم الْكحل سَوَاء
احْتَاجَت إِلَيْهِ أم لَا، وَجَاء فِي (الْمُوَطَّأ)
وَغَيره عَن أم سَلمَة: إجعليه بِاللَّيْلِ وامسحيه
بِالنَّهَارِ. وَوجه الْجمع إِذا لم تحتج إِلَيْهِ لَا يحل
لَهَا فعله، وَإِن احْتَاجَت لم يجز بِالنَّهَارِ دون
اللَّيْل، وَالْأولَى تَركه لحَدِيث: إِن ابْنَتي اشتكت
عينهَا أفنكحلها؟ قَالَ: لَا، وَلِهَذَا إِن سالما
وَسليمَان بن يسَار قَالَا: إِذا خشيت على بصرها إِنَّهَا
تكتحل وتتداوى بِهِ وَإِن كَانَ مطيباً، وَجوزهُ مَالك
فِيمَا حَكَاهُ الْبَاجِيّ تكتحل بِغَيْر مُطيب وَقَالَ
صَاحب (التَّوْضِيح) وَالْمرَاد بالكحل الْأسود والأصفر،
أما الْأَبْيَض كالتوتيا وَنَحْوه فَلَا تَحْرِيم فِيهِ
عِنْد أَصْحَابنَا إِذْ لَا زِينَة فِيهِ، وَحرمه بَعضهم
على الشعْثَاء حَتَّى تتزين.
الثَّالِث: فِيهِ تَحْرِيم الطّيب، وَهُوَ مَا حرم
عَلَيْهَا فِي حَال الْإِحْرَام وَسَوَاء ثوبها وبدنها.
وَفِي (التَّوْضِيح) يحرم عَلَيْهَا أَيْضا كل طَعَام
فِيهِ طيب.
الرَّابِع: فِيهِ تَحْرِيم لبس الثِّيَاب المعصفرة،
وَقَالَ ابْن الْمُنْذر: أجمع الْعلمَاء، على أَنه لَا
يجوز للحادة لبس الثِّيَاب المعصفرة والمصبغة، إلاَّ مَا
صبع بسواد، فَرخص فِيهِ عُرْوَة العصب، وَأَجَازَهُ
الزُّهْرِيّ وَأَجَازَ مَالك تخليطه، وَصحح الشَّافِعِيَّة
تَحْرِيم البرود مُطلقًا، وَهَذَا الحَدِيث حجَّة لمن
أجَازه نعم، أجازوه فِيمَا إِذا كَانَ الصَّبْغ لَا يقْصد
بِهِ الزِّينَة، بل يعْمل للمصيبة وَاحْتِمَال الْوَسخ
كالأسود، والكحل، بل هُوَ أبلغ فِي الْحداد بل حكى
الْمَاوَرْدِيّ وَجها أَنَّهَا يلْزمهَا فِي الْحداد،
أَعنِي: الْأسود.
الْخَامِس: فِيهِ الترخيص للحادة إِذا اغْتَسَلت من الْحيض
لإِزَالَة الرَّائِحَة الكريهة، وَقَالَ النَّوَوِيّ
وَلَيْسَ الْقسْط والظفرة مَقْصُودا للتطييب، وَإِنَّمَا
رخص فِيهِ لإِزَالَة الرَّائِحَة، وَقَالَ الْمُهلب: رخص
لَهَا
(3/283)
فِي التبخرية لدفع رَائِحَة الدَّم
عَنْهَا، لما تستقبله من الصَّلَاة. وَقَالَ ابْن بطال:
أُبِيح للحائض، محداً أَو غير محد عِنْد غسلهَا من الْحيض
أَن تدرأ رَائِحَة الدَّم عَن نَفسهَا بالبخور بالقسد
مُسْتَقْبلَة للصَّلَاة ومجالسة الْمَلَائِكَة لِئَلَّا
تؤذيهم رَائِحَة الدَّم. وَقَالَ النَّوَوِيّ فِي (شرح
مُسلم) الْمَقْصُود بِاسْتِعْمَال الْمسك إِمَّا تطييب
الْمحل وَدفع الرَّائِحَة الكريهة، وَإِمَّا كَونه أسْرع
إِلَى علوق الْوَلَد، أَن قُلْنَا بِالْأولِ يقوم مقَامه
الْقسْط والأظفار، وشبههما. قلت: كَلَامه يدل على أَن
الْأَظْفَار، بِالْهَمْز، طيب لَا مَوضِع.
السَّادِس: فِيهِ تَحْرِيم إتباع النِّسَاء الْجَنَائِز،
وسنذكره مفصلا فِي مَوْضِعه إِن شَاءَ الله تَعَالَى.
قالَ رَوَاهُ هِشَامُ بْنُ حَسَّانَ عَنْ حَفْصَةَ عَنْ
أُمَّ عَطِيَّةَ عَنِ النَّبيِّ لله
هَكَذَا وَقع فِي رِوَايَة أبي ذَر، وَفِي رِوَايَة غَيره
وَرَوَاهُ، أَي: روى هِشَام الحَدِيث الْمَذْكُور،
وَأَشَارَ بِهِ إِلَى أَنه مَوْصُول، وَرَوَاهُ فِي كتاب
الطَّلَاق مَوْصُولا من حَدِيث هِشَام الْمَذْكُور على مَا
سَيَأْتِي إِن شَاءَ الله تَعَالَى. وَقَالَ الْكرْمَانِي:
وَهُوَ إِمَّا تَعْلِيق من البُخَارِيّ، وَإِمَّا مقول
حَمَّاد، فَيكون مُسْندًا قلت: قَوْله إِمَّا تَعْلِيق
فَظَاهر. وَأما قَوْله: وَإِمَّا مقول حَمَّاد فَلَا وَجه
لَهُ وَفِي نُسْخَة ذكر البُخَارِيّ حَدِيث هِشَام أَولا
وَفِي بَعْضهَا ذكره آخر أَو قَالَ مُسلم فِي (صَحِيحه)
حَدثنَا حسن بن الرّبيع حَدثنَا ابْن إِدْرِيس: قَالَ:
حَدثنَا هِشَام عَن حَفْصَة بِهِ، وَفَائِدَته بَيَان أَن
أم عَطِيَّة أسندته إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم صَرِيحًا، وَكَذَا هُوَ فِي (سنَن أبي دَاوُد)
وَالنَّسَائِيّ ابْن مَاجَه من حَدِيث هِشَام مُسْندًا.
وَقَالَ البُخَارِيّ فِي مَوضِع آخر: (توفّي ابْن لأم
عَطِيَّة، فَلَمَّا كَانَ الْيَوْم الثَّالِث دعت بصفرة
فتمسحت بِهِ، وَقَالَت: نهينَا أَن نحد أَكثر من ثَلَاث
إلاَّ لزوج) وَعند الطَّبَرَانِيّ: (وأمرنا أَن لَا نلبس
فِي الْإِحْدَاد الثِّيَاب المصبغة إلاَّ العصب، وأمرنا
أَن لَا نمس طيبا إلاَّ أدناه للطهرة، الكست والأظفار)
وَفِي لفظ: (وَلَا نختضب) وَفِي لفظ: (إلاَّ ثوبا مغسولاً)
.
13 - (بابُ دَلْكِ المَرْأَةِ نَفْسَها أذَا تَطَهَّرَتْ
مِنَ المَحِيضِ وَكَيْفَ تَغْتَسِلُ وَتَأْخُذُ فِرْصَةً
مُمَسَّكَةً فَتَتَّبِعُ بِهَا أَثَرَ الدَّمِ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان اسْتِحْبَاب ذَلِك الْمَرْأَة
نَفسهَا إِذا تطهرت من الْمَحِيض، أَي: الْحيض. قَوْله:
(وَكَيف تَغْتَسِل) عطف على قَوْله: (دلك الْمَرْأَة
نَفسهَا) أَي: وَفِي بَيَان كَيفَ تَغْتَسِل الْمَرْأَة.
قَوْله: (وَتَأْخُذ) عطف على قَوْله: (تَغْتَسِل) أَي:
وَكَيف تَأْخُذ فرْصَة، بِكَسْر الْفَاء وَسُكُون الرَّاء
وَفتح الصَّاد الْمُهْملَة وَهِي الْقطعَة، يُقَال فرصت
الشَّيْء فرصاً أَي: قطعته، وَقَالَ الْجَوْهَرِي هِيَ
قِطْعَة قطن أَو خرقَة تمسح بهَا الْمَرْأَة من الْحيض.
قَوْله: (ممسكة) بتَشْديد السِّين وَفتح الْكَاف، وَلها
مَعْنيانِ: أَحدهمَا: قِطْعَة فِيهَا مسك. وَالْآخر: خرقَة
مستعملة بالإمساك عَلَيْهَا، على مَا سنوضح ذَلِك عَن
قريب. قَوْله: (فتتبع بهَا) أَي: بِتِلْكَ الفرصة وَفِي
بعض النّسخ: (تتبعبدون الْفَاء، وَهُوَ بِلَفْظ الغائبة
مضارع الْفِعْل، وَأَصله بالتاآت الثَّلَاث، فحذفت
إِحْدَاهَا فَافْهَم.
والمناسبة بَين الْبَابَيْنِ ظَاهِرَة فِي كل مِنْهُمَا
اسْتِعْمَال الطّيب.
314 - حدّثنا يَحْيَىَ قالَ حدّثنا ابْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ
مَنْصُورِ بْنِ صَفِيَةَ عَنْ أُمَّهُ عَنْ عائِشَةَ أنَّ
امرَأَةَ سَأَلَتْ النَّبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَنْ
غُسْلِها مِنَ المَحِيضِ فَأَمَرها كَيْفَ تَغْتَسِلُ قالَ
خُذِي فُرْصَةً مِنْ مِسْكٍ فَتٍّ طَهَّرِي بِا قالَتْ
كَيْفَ تَطَهَّرُ قالَ تَطَهَّرِي بِها قالَتْ كَيْفَ قالَ
سُبْحَانَ اللَّهِ تَطَهَّرِي فاجْتبَذْتُها إلَيَّ
فقُلْتُ تَنَبَّعِي بِها أَثَرَ الدَّمَ.
ي: 315، 7357) [/ ح.
مُطَابقَة هَذَا الحَدِيث للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة إلاَّ فِي
الدَّلْك وَكَيْفِيَّة الْغسْل صَرِيحًا، لِأَن
التَّرْجَمَة مُشْتَمِلَة على الدَّلْك أَولا،
وَكَيْفِيَّة الْغسْل وَأخذ الفرصة الممسكة، والتتبع بهَا
أثر الدَّم، والْحَدِيث أَيْضا مُشْتَمل على هَذِه
الْأَشْيَاء مَا خلا الدَّلْك، وَكَيْفِيَّة الْغسْل،
فَإِنَّهُ لَا يدل عَلَيْهَا صَرِيحًا، وَيدل على الدَّلْك
بطرِيق الاستلزام، لِأَن تتبع الدَّم يسْتَلْزم الدك،
وَهُوَ طَاهِر، وَأما كَيْفيَّة الْغسْل فَالْمُرَاد بهَا
الصّفة المختصة لغسل الْمَحِيض، وهوالتطيب لانفس
الِاغْتِسَال، وَلَئِن سلمنَا أَن المُرَاد بالكيفية نفس
الْغسْل فَهِيَ
(3/284)
فِي أصل الحَدِيث الَّذِي ذكره وَاكْتفى
بِهِ على عَادَته بِذكر تَرْجَمَة، وَيذكر فِيهَا مَا
تضمنه بعض طرق الحَدِيث الَّذِي يذكرهُ إِمَّا لكَون
تِلْكَ الطَّرِيق على غير شَرطه، أَو باكتفائه
بِالْإِشَارَةِ أَو لغير ذَلِك من الْأَغْرَاض، وَتَمَامه
عِنْد مُسلم، فَإِنَّهُ أخرجه من طَرِيق ابْن عُيَيْنَة
عَن مَنْصُور الَّتِي أخرجه مِنْهَا البُخَارِيّ فَذكره
بعد قَوْله: (كَيفَ تَغْتَسِل، ثمَّ تَأْخُذ) ، ثمَّ
رَوَاهُ من طرق أُخْرَى عَن صَفِيَّة عَن عَائِشَة، وفيهَا
كَيْفيَّة الِاغْتِسَال وَلَفظه: (فَقَالَ: تَأْخُذ إحداكن
ماءها وسدرها فَتطهر فتحسن الطّهُور ثمَّ تصب على رَأسهَا
فتدلكه دلكا شَدِيدا حَتَّى تبلغ شؤون رَأسهَا. (أَي:
أُصُوله ثمَّ تصب عَلَيْهَا المَاء، ثمَّ تَأْخُذ فرْصَة)
فَذكر الحَدِيث، وَإِنَّمَا لم يخرج البُخَارِيّ هَذَا
الطَّرِيق لكَونه من رِوَايَة إِبْرَاهِيم بن مهَاجر عَن
صَفِيَّة، وَلَيْسَ هُوَ على شَرطه وَقَالَ البُخَارِيّ
عَن عَليّ بن الْمَدِينِيّ لإِبْرَاهِيم هَذَا نَحْو
أَرْبَعِينَ حَدِيثا وَقَالَ ابْن مهْدي: قَالَ سُفْيَان:
لَا بَأْس بِهِ وَقَالَ أَحْمد لَا بَأْس بِهِ. وَقَالَ
يحيى بن سعيد الْقطَّان: لم يكن يُقَوي، وَذكره ابْن
الْجَوْزِيّ فِي الضُّعَفَاء.
ذكر رِجَاله وهم حمسة: الأول: يحيى هُوَ ابْن مُوسَى
الْبَلْخِي، وَجزم بِهِ ابْن السكن فِي رِوَايَته عَن
الْفربرِي، وَقَالَ الْبَيْهَقِيّ هُوَ يحيى بن جَعْفَر.
وَقَالَ الغساني: فِي (تَقْيِيد المهمل) قَالَ ابْن السكن:
يحيى هُوَ ابْن عُيَيْنَة الْمَذْكُور فِي بَاب الْحيض
هُوَ: يحيى ابْن مُوسَى، وَقَالَ فِي مَوضِع آخر مِنْهُ
على سَبِيل الْقَاعِدَة الْكُلية، كل مَا كَانَ
للْبُخَارِيّ فِي هَذَا الصَّحِيح عَن يحيى غير مَنْسُوب
فَهُوَ يحيى بن مُوسَى الْبَلْخِي المعروق ببخت، بِفَتْح
الْخَاء المنقوطة وَشدَّة الْمُثَنَّاة من فَوق؛ وَيعرف
بالخنثى، وبابن خت أَيْضا، كَانَ من خِيَار الْمُسلمين،
مَاتَ سنة أَرْبَعِينَ وَمِائَتَيْنِ، وَقَالَ: وَذكر
أَبُو نصر الكلاباذي أَنه يحيى بن جَعْفَر أَي: البيكندي،
يروي عَن ابْن عُيَيْنَة. وَقَالَ الْكرْمَانِي: وَفِي بعض
النّسخ الَّتِي عندنَا هَكَذَا: حَدثنِي يحيى بن البيكندي:
حَدثنَا ابْن عُيَيْنَة، وَقَالَ صَاحب (التَّوْضِيح)
وَوَقع فِي شرح بعض شُيُوخنَا، حَدثنَا يحيى يَعْنِي ابْن
مُعَاوِيَة بن أعين، وَلَا أعلم فِي البُخَارِيّ من اسْمه
كَذَلِك وَفِي (أَسمَاء رجال الصَّحِيحَيْنِ) يحيى بن
مُوسَى بن عبد ربه بن سَالم أَبُو زَكَرِيَّا
السّخْتِيَانِيّ الحذائي الْبَلْخِي: يُقَال لَهُ: خت، روى
عَنهُ البُخَارِيّ فِي الْبيُوع وَالْحج ومواضع، وَذكر
ابْن مَاكُولَا فِي بَاب: خت وخب وثب، أما خت بخاء
مُعْجمَة وتاء مُعْجمَة بِاثْنَتَيْنِ من فَوْقهَا. فَهُوَ
يحيى بن مُوسَى يعرف بِابْن الْبَلْخِي بِابْن خت
الْبَلْخِي. الثَّانِي: سُفْيَان بن عُيَيْنَة. الثَّالِث:
مَنْصُور بن صَفِيَّة. الرَّابِع: صَفِيَّة بنت شيبَة.
الْخَامِس: عَائِشَة، رَضِي الله عَنْهَا.
ذكر لطائف إِسْنَاده فِيهِ: التحديث بِصِيغَة الْجمع فِي
موضِعين: وَفِيه: العنعنة فِي ثَلَاثَة مَوَاضِع، وَوَقع
فِي (مُسْند الْحميدِي) التَّصْرِيح بِالسَّمَاعِ فِي
جَمِيع السَّنَد. وَفِيه: أَن رُوَاته مَا بَين بلخي ومكي.
ذكر تعدد مَوْضِعه وَمن أخرجه غَيره أخرجه البُخَارِيّ فِي
الطَّهَارَة عَن مُسلم بن إِبْرَاهِيم عَن وهيب، وَفِي
الِاعْتِصَام عَن مُحَمَّد بن عُيَيْنَة عَن فضل بن
سُلَيْمَان، وَفِيهِمَا جَمِيعًا عَن يحيى عَن سُفْيَان بن
عُيَيْنَة، ثَلَاثَتهمْ عَن مَنْصُور بن عبد الرَّحْمَن،
وَهُوَ مَنْصُور بن صَفِيَّة، وَأخرجه مُسلم فِي
الطَّهَارَة عَن عَمْرو النَّاقِد وَابْن أبي عمر،
كِلَاهُمَا عَن سُفْيَان بِهِ، وَعَن أَحْمد بن سعيد
الدَّارمِيّ عَن حبَان بن هِلَال عَن وهيب بِهِ، وَأخرجه
النَّسَائِيّ فِيهِ عَن عبد الله بن مُحَمَّد بن عبد
الرَّحْمَن الزُّهْرِيّ عَن سُفْيَان بِهِ، وَعَن الْحسن
بن مُحَمَّد عَن عَفَّان عَن وهيب بِهِ.
ذكر لغاته قَوْله: (فرْصَة) الْمَشْهُور فِيهِ كسر الْفَاء
وَسُكُون الرَّاء. قَالَ مُسَدّد كَانَ أَبُو عوَانَة
يَقُول: فرْصَة، وَكَانَ أَبُو الْأَحْوَص يَقُول: فرْصَة
وَقَالَ ابْن سَيّده: فرص الْجلد فرصاً، قِطْعَة، والمفراص
الحديدة الَّتِي يقطع بهَا، والفرصة والفرصة والفرصة
الأخيرتان عَن كرَاع الْقطعَة من الصُّوف أَو الْقطن،
وَقَالَ كرَاع، هِيَ: الفرصة: بِالْفَتْح والفرصة،
الْقطعَة من الْمسك عَن الْفَارِسِي، حَكَاهُ فِي
البصريات، وَقَالَ أبوعلي الهجري فِي كتاب (الأمالي) وَقد
فرص يفرص لزيد من حَقه يَعْنِي قطع لَهُ مِنْهُ شَيْئا
وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَان: يفرص وأفرص لزيد فريصة من حَقه،
بجر الْفَاء لَا اخْتِلَاف فِيهَا، وافترص لي من حَقي
فرْصَة، الفرصة الْخِرْقَة الَّتِي تستعملها الْحَائِض
لتعرق التبرأة ونقاءها عِنْد الْحيض فِي آخِره وَفِي
(غَرِيب) أبي عبيد هِيَ: الْقطعَة من الصُّوف أَو الْقطن
أَو غير ذَلِك. وَفِي (الباهر) لِابْنِ عديس، والفرص
بِالْكَسْرِ وَالصَّاد: جمع الفرصة، وَهِي الْقطعَة من
الْمسك، وَأنكر ابْن قُتَيْبَة كَونهَا بِالْفَاءِ،
وَقَالَ: إِنَّمَا هِيَ فرْصَة بِالْقَافِ وَالضَّاد
الْمُعْجَمَة، وَهِي الْقطعَة وَقَالَ بَعضهم إِنَّمَا
هِيَ: فرْصَة، بقاف وصاد مُهْملَة وَقَالَ الْمُنْذِرِيّ
أَي شَيْئا يَسِيرا مثل الفرصة، بِطرف الإصبعين. قَوْله:
(من مسك) يَعْنِي دم الغزال الْمَعْرُوف. وَقَالَ بَعضهم:
ميمه مَفْتُوحَة، أَي: جلد عَلَيْهِ شعر. قَالَ القَاضِي
عِيَاض: وَهِي رِوَايَة الْأَكْثَرين، وأنكرها ابْن
قُتَيْبَة وَقَالَ: الْمسك لم يكن عِنْدهم من
(3/285)
السعَة بِحَيْثُ يمتهنونه فِي هَذَا،
وَالْجَلد لَيْسَ فِيهِ مَا يُمَيّز غَيره فَيخْتَص بِهِ
قَالَ: وَإِنَّمَا أَرَادَ فرْصَة من شَيْء صوف أَو قطن
أَو خرقَة أَو نَحوه، يدل عَلَيْهِ الرِّوَايَة
الْأُخْرَى: فرْصَة ممسكة بِضَم الْمِيم الأولى وَفتح
الثَّانِيَة وَتَشْديد السِّين مَعَ فتحهَا: أَي قِطْعَة
من صوف أَو نَحْوهَا مطيبة بالمسك، وروى بَعضهم: ممسكة،
بِضَم الْمِيم الأولى وَسُكُون الثَّانِيَة وسين مُخَفّفَة
مَفْتُوحَة، وَقيل: مكسوة أَي: من الْإِمْسَاك وَفِي بعض
الرِّوَايَات: (خذي فرْصَة ممسكة فتحملي بهَا) قيل:
أَرَادَ الْخلق الَّتِي أَمْسَكت كثيرا. فَإِنَّهُ أَرَادَ
أَن لَا تسْتَعْمل الْجَدِيد من الْقطن وَغَيره للارتقاق
بِهِ، وَلِأَن الْخلق أصلح لذَلِك، وَوَقع فِي كتاب عبد
الرَّزَّاق يَعْنِي بالفرصة: الْمسك، قَالَ بَعضهم هِيَ:
الذريرة، وَفِي الْأَوْسَط للطبراني: (خذي سكيكك) .
ذكر مَعَانِيه قَوْلهَا: (إِن امْرَأَة) زَاد فِي رِوَايَة
وهيب: (من الْأَنْصَار) وسماها مُسلم فِي رِوَايَة
الْأَحْوَص عَن إِبْرَاهِيم بن مهَاجر أَسمَاء بنت شكل،
بِفَتْح الشين الْمُعْجَمَة وَالْكَاف وَفِي آخِره لَام،
وَلم يسم أَبَاهَا فِي رِوَايَة غنْدر عَن شُعْبَة عَن
إِبْرَاهِيم. وَقَالَ الْخَطِيب: أَسمَاء بنت يزِيد، وَجزم
بِهِ الْأَنْصَارِيَّة الَّتِي يُقَال لَهَا خطيبة
النِّسَاء وَتَبعهُ ابْن الْجَوْزِيّ فِي (التَّنْقِيح)
والدمياطي وَزَاد أَن وَقع فِي مُسلم تَصْحِيف، وَيحْتَمل
أَن يكون شكل، لقيا لَا إسماً، وَالْمَشْهُور فِي المسانيد
والمجامع فِي هَذَا الحَدِيث أَسمَاء بنت شكل، كَمَا فِي
مُسلم، وَأَسْمَاء بِغَيْر نسب كَمَا فِي أبي دَاوُد،
وَكَذَا فِي (مستخرج) أبي نعيم من الطَّرِيق الَّتِي أخرجه
مِنْهَا الْخَطِيب، وَحكى النَّوَوِيّ فِي (شرح مُسلم)
الْوَجْهَيْنِ من غير تَرْجِيح، وَتبع رِوَايَة مُسلم
جماعات مِنْهُم ابْن طَاهِر وَأَبُو مُوسَى فِي كِتَابه
معرفَة الصَّحَابَة، وَصوب بعض الْمُتَأَخِّرين مَا قَالَه
الْخَطِيب لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي الْأَنْصَار من اسْمه،
شكل، وَفِي (التَّوْضِيح) بنت يزِيد، وَلم ينْفَرد مُسلم
بذلك،، فقد أخرجه ابْن أبي شيبَة فِي (مُسْنده) وَأَبُو
نعيم فِي (مستخرجه) كَمَا ذكره مُسلم سَوَاء، قَوْلهَا:
(من الْمَحِيض) وَفِي رِوَايَة: (من الْحيض) وَكِلَاهُمَا
مصدران قَوْلهَا: (قَالَ: خذي) هُوَ بَيَان لأمرها وَقَالَ
الْكرْمَانِي: فَإِن قلت: كَيفَ يكون بَيَانا للاغتسال
وَهُوَ إِيصَال المَاء إِلَى جَمِيع الْبشرَة لَا أَخذ
الفرصة؟ قلت: السُّؤَال لم يكن عَن نفس الِاغْتِسَال،
لِأَن ذَلِك مَعْلُوما لكل أحد، بل إِنَّمَا كَانَ ذَلِك
مُخْتَصًّا بِغسْل الْحيض فَلذَلِك أجَاب بِهِ، أَو هُوَ
جملَة حَالية لَا بَيَانِيَّة انْتهى. قلت: هَذَا الْجَواب
غير كَاف لِأَنَّهَا سَأَلت عَن غسلهَا من الْمَحِيض،
وَلَيْسَ هَذَا إلاَّ سؤالاً عَن مَاهِيَّة الِاغْتِسَال،
فَلذَلِك قَالَ: صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي جَوَابه
إِيَّاهَا: فَأمرهَا كَيفَ تَغْتَسِل، يَعْنِي قَالَ
لَهَا: اغْتَسِلِي كَذَا وَكَذَا، وَهَذَا بِمَعْنَاهُ
ثمَّ قَول: (خذي فرْصَة من مسك) لَيْسَ بِبَيَان للاغتسال
الْمَعْهُود، وَقَوله لِأَن ذَلِك مَعْلُوم لكل أحد. فِيهِ
نظر، لِأَنَّهُ يحْتَمل أَن لَا يكون مَعْلُوما لَهَا على
مَا يَنْبَغِي، أَو كَانَ فِي اعتقادها أَن الْغسْل عَن
الْمَحِيض خلاف الْغسْل عَن الْجَنَابَة، فَلذَلِك قَالَت
عَائِشَة: سَأَلت النَّبِي، عَلَيْهِ الصَّلَاة
وَالسَّلَام، عَن غسلهَا من الْمَحِيض، وَالْأَوْجه
عِنْدِي أَن الَّذِي رَوَاهُ البُخَارِيّ مُخْتَصر عَن أصل
هَذَا الحَدِيث، وَفِيه بَيَان كَيْفيَّة الْغسْل وَغَيره
على مَا رَوَاهُ مُسلم: أَن أَسمَاء سَأَلت عَن غسل
الْمَحِيض. فَقَالَ: تَأْخُذ إحداكن ماءها وسدرها فَتطهر
فتحسن الطّهُور، ثمَّ تصب على رَأسهَا فتدلكه دلكا شَدِيدا
حَتَّى تبلغ شؤون رَأسهَا، ثمَّ تصب عَلَيْهَا المَاء،
ثمَّ تَأْخُذ فرْصَة ممسكة فَتطهر بهَا، فَقَالَت أَسمَاء:
وَكَيف أتطهر بهَا؟ فَقَالَ: سُبْحَانَ الله تطهرين بهَا.
فَقَالَت عَائِشَة، كَأَنَّهَا تحفى ذَلِك: تتبعين بهَا
أثر الدَّم، وَسَأَلته غسل الْجَنَابَة فَقَالَ: تَأْخُذ
مَاء، فَتطهر فتحسن الطّهُور، أَو تبلغ الطّهُور ثمَّ تصب
على رَأسهَا فتدلكه حَتَّى تبلغ شؤون رَأسهَا ثمَّ تفيض
عَلَيْهَا المَاء. فَقَالَت عَائِشَة: نعم النِّسَاء نسَاء
الْأَنْصَار لم يكن يمنعهن الْحيَاء أَن يتفقهن فِي
الدّين. قَوْلهَا: (فتطهري بهَا) قَالَ: فِي الرِّوَايَة
الَّتِي بعْدهَا: (فتوضئي ثَلَاثًا) . قَوْله: (سُبْحَانَ
الله) وَزَاد فِي الرِّوَايَة الْآتِيَة، (ثمَّ إِن
النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم استحيا فَأَعْرض
بِوَجْهِهِ) وَفِي رِوَايَة الْإِسْمَاعِيلِيّ: (فَلَمَّا
رَأَيْته يستحي علمتها) وَزَاد الدَّارمِيّ: (وَهُوَ يسمع
وَلَا يُنكر) ، وَقد ذكرنَا: أَن: سُبْحَانَ الله، فِي مثل
هَذَا الْموضع يُرَاد بهَا التَّعَجُّب، وَمعنى
التَّعَجُّب هُنَا: كَيفَ يحفى مثل هَذَا الظَّاهِر
الَّذِي لَا يحْتَاج الْإِنْسَان فِي فهمه إِلَى فكر؟
قَوْله: (فجذبتها) وَفِي بعض الرِّوَايَة: (فاجتبذنها)
وَفِي رِوَايَة: (فاجتذبتها) يُقَال: جذبت واجتذبت واجتبذ،
وَهُوَ مقول عَائِشَة، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا،
قَوْله: (تتبعي) أَمر من التتبع، وَهُوَ المُرَاد من
تطهري. قَوْله: (أثر الدَّم) مقول: تتبعي، وَقَالَ
النَّوَوِيّ: المُرَاد بِهِ عِنْد الْعلمَاء، الْفرج،
وَقَالَ المحاميل: يسْتَحبّ لَهَا أَن تطيب كل مَوضِع
أَصَابَهُ الدَّم من بدنهَا، قَالَ، وَلم أره لغيره،
وَيُؤَيّد مَا قَالَه الْمحَامِلِي رِوَايَة
الْإِسْمَاعِيلِيّ، (تتبعي بهَا مَوَاضِع الدَّم) .
(3/286)
بَيَان استنباط الْأَحْكَام فِيهِ: اسْتِحْبَاب
التَّطَيُّب للمغتسلة من الْحيض وَالنّفاس على جَمِيع
الْمَوَاضِع الَّتِي أَصَابَهَا الدَّم من بدها قَالَ
المحالي: لِأَنَّهُ أسْرع إِلَى الْعلُوق وأدفع للرائحة
الكريهة، وَاخْتلف فِي وَقت اسْتِعْمَالهَا لذَلِك:
فَقَالَ بَعضهم: بعد الْغسْل، وَقَالَ آخرونه قبله.
وَفِيه: أَنه لَا عَار على من سَأَلَ عَن أَمر دينه.
وَفِيه: اسْتِحْبَاب تطييب فرج الْمَرْأَة يَأْخُذ قِطْعَة
من صوف وَنَحْوهَا، وَتجْعَل عَلَيْهَا مسكاً أَو نَحوه
وَتدْخلهَا فِي فرجهَا بعد الْغسْل، وَالنُّفَسَاء مثلهَا.
وَفِيه: التَّسْبِيح عِنْد التَّعَجُّب. وَفِيه:
اسْتِحْبَاب الْكِنَايَات بِمَا يتَعَلَّق بالعورات.
وَفِيه: سُؤال الْمَرْأَة الْعَالم عَن أحوالها الَّتِي
تحتشم مِنْهَا وَلِهَذَا قَالَت عَائِشَة فِي نسَاء
الْأَنْصَار: (لم يمنعهن الحاير أَن يتفقهن فِي الدّين)
وَفِيه الِاكْتِفَاء بالتعريض وَالْإِشَارَة فِي الْأُمُور
المستهجنة. وَفِيه: تَكْرِير الْجَواب لإفهام السَّائِل.
وَفِيه: تَفْسِير كَلَام الْعَالم بِحَضْرَتِهِ لمن خَفِي
عَلَيْهِ إِذا عرف أَن ذَلِك يُعجبهُ. وَفِيه: أَن
السَّائِل إِذا لم يفهم فهمه بعض من فِي مجْلِس الْعَالم
والعالم يسمع، وَأَن ذَلِك سَماع من الْعَالم يجوز أَن
يَقُول فِيهِ: حَدثنِي وَأَخْبرنِي. وَفِيه: الْأَخْذ عَن
الْمَفْضُول مَعَ وجود الْفَاضِل وحضرته. وَفِيه: صِحَة
الْعرض على الْمُحدث إِذا أقره، وَلَو لم يقل عَقِيبه نعم.
وَفِيه: أَنه لَا يشْتَرط فهم السَّامع لجَمِيع مَا
يسمعهُ. وَفِيه: الرِّفْق بالمتعلم وَإِقَامَة الغذر لمن
لَا يفهم. وَفِيه: أَن الْمَرْء مَطْلُوب بستر عيوبه.
وَفِيه: دلَالَة على حسن خلقه عَلَيْهِ الصَّلَاة
وَالسَّلَام.
14 - (بابُ غُسْلِ المَحِيضِ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان الْغسْل من الْحيض، وَغسل
الْمَرْأَة من الْحيض كغسلها من الْجَنَابَة سَوَاء، غير
أَنَّهَا تزيد على ذَلِك اسْتِعْمَال الطّيب، وَهَذَا
الْبَاب فِي الْحَقِيقَة لَا فَائِدَة فِي ذكره، لِأَن
الحَدِيث الَّذِي فِيهِ هُوَ الحَدِيث الْمَذْكُور فِي
الْبَاب الَّذِي قبله، غير أَن ذَلِك عَن يحيى عَن ابْن
عُيَيْنَة عَن مَنْصُور، وَهَذَا عَن مُسلم بن إِبْرَاهِيم
عَن وهيب بن خَالِد عَن مَنْصُور.
315 - حدّثنا مُسْلِمٌ قالَ حدّثنا وُهَيْبٌ حدّثنا
مَنْصُورٌ عَنْ أُمَّهِ عَنْ عائِشَةَ أنَّ امْرَأَةً مِنَ
الأَنْصَارِ قالَتْ ل لنَّبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
كَيْفَ اغْتَسِلُ مِنَ المَحيضِ قالَ خُذِي فِرْصَةً
مُمَسَّكَةٌ فَتَوَضَئِي ثَلَاثًا ثُمَّ أنَّ النَّبي صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم اسْتَحْيَا فاعْرِضَ بِوَجْهِهِ أَو
قالَ تَوَضَئِي بِهَا فَاخَذْتُهَا فَجَذِبْتَها
فأخْبَرْتُها بِمَا يُرِيدُ النَّبيِّ صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم.
(انْظُر الحَدِيث 314 وطرفه) [/ ح.
قيل: التَّرْجَمَة لغسل الْمَحِيض، والْحَدِيث لم يدل
عَلَيْهَا فَلَا مُطَابقَة. قلت: إِن كَانَ لفظ الْغسْل
فِي التَّرْجَمَة بِفَتْح الْغَيْن، والمحيض اسْم مَكَان،
فَالْمَعْنى ظَاهر، وَإِن كَانَ بِضَم الْغَيْن والمحيض
مصدر فالإضافة بِمَعْنى اللَّام الاختصاصية، فَلهَذَا ذكر
خَاصَّة هَذَا الْغسْل وَمَا بِهِ يمتاز عَن سَائِر
الِاغْتِسَال.
الْكَلَام فِيمَا يتَعَلَّق بِهِ قد مضى فِي الْبَاب
الَّذِي قبله. قَوْله: (وتوضئي ثَلَاثًا) وَفِي بَعْضهَا:
فتوضئي. قَوْله: (ثَلَاثًا) يتَعَلَّق: يُقَال، أَي:
يُقَال ثَلَاث مَرَّات لَا تتوضئي، وَيحْتَمل تعلقه بقالت
أَيْضا بِدَلِيل الحَدِيث الْمُتَقَدّم. قَوْله: (أَو
قَالَ) شكّ من عَائِشَة، وَالْفرق بَين الرِّوَايَتَيْنِ
زِيَادَة لَفظه بهَا يَعْنِي: تطهري بالفرصة، وَوَقع فِي
رِوَايَة ابْن عَسَاكِر بِالْوَاو من غير شكّ. قَوْله:
(مِمَّا يُرِيد) أَي: يتتبع أثر الدَّم وَإِزَالَة
الرَّائِحَة الكريهة من الْفرج. |