عمدة القاري شرح
صحيح البخاري 45 - (بابُ الصَّلاَةِ فِي البِيعَةِ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان حكم الصَّلَاة فِي الْبيعَة،
بِكَسْر الْبَاء الْمُوَحدَة: معبد النَّصَارَى، والكنيسة:
معبد الْيَهُود، فَإِن قلت: إِذا كَانَ كَذَلِك فَكيف عقد
الْبَاب للصَّلَاة فِي الْبيعَة، وَالْمَذْكُور فِي
الحَدِيث هُوَ الْكَنِيسَة؟ قلت: عقد الْبَاب هَكَذَا على
قَول من لم يفرق بَينهمَا، فَإِن الْجَوْهَرِي قَالَ:
الْكَنِيسَة والبيعة لِلنَّصَارَى، وَيُقَال: الْبيعَة
صومعة الراهب، ذكره فِي (الْمُحكم) وَيُقَال: الْبيعَة
والكنيسة لِلنَّصَارَى، والصلوات للْيَهُود، والصوامع
للرهبان. وَقَالَ الدَّاودِيّ: البيع للْيَهُود، والصلوات
للصابئين. وَقيل:
(4/191)
كالمساجد للْمُسلمين. وَقَالَ عِيَاض:
وَأنكر بعض أهل اللُّغَة هَذِه الْمقَالة، وَقَالَ
الجواليقي: جعل بعض الْعلمَاء الْبيعَة والكنيسة فارسيتين
معربتين. وَقَالَ الْمُهلب: هَذَا الْبَاب لَيْسَ مُعَارضا
لباب من صلى وقدامه نَار أَو تنور، وَذَلِكَ أَن
الِاخْتِيَار أَن لَا يبتدىء بِالصَّلَاةِ إِلَى شَيْء من
معبودات الْكفَّار، إلاَّ أَن يعرض لَهُ، كَمَا فِي حَدِيث
صَلَاة الخسوف وَعرض النَّار عَلَيْهِ، صلى اتعالى
عَلَيْهِ وَسلم. قلت: تَقْرِير معنى الْمُعَارضَة بَين
الْبَابَيْنِ أَن فِي هَذَا الْبَاب كَرَاهَة الصَّلَاة
أَو تَحْرِيمهَا، وَفِي ذَاك الْبَاب جَوَازهَا مَعَ عدم
الْكَرَاهَة، وَتَقْرِير الْجَواب أَن مَا كَانَ فِي ذَاك
الْبَاب بِغَيْر الِاخْتِيَار، وَمَا فِي هَذَا الْبَاب
كَقَوْل عمر، رَضِي اتعالى عَنهُ: إِنَّا لَا ندخل
كنائسكم، يَعْنِي بِالِاخْتِيَارِ وَالِاسْتِحْسَان دون
ضَرُورَة تَدْعُو إِلَى ذَلِك.
وَقَالَ عُمَرُ، رَضِي اعنه، إنَّا لاَ نَدْخُلُ
كَنَائِسَكُمْ منْ أجْلِ التَّمَائِيلِ الَّتِي فِيها
الصُّوَرُ
مُطَابقَة هَذَا الْأَثر للتَّرْجَمَة من حَيْثُ إِن عدم
دُخُوله فِي كنائسهم لأجل الصُّور الَّتِي فِيهَا،
وَلَوْلَا الصُّور وَمَا كَانَ يمْتَنع من الدُّخُول،
وَعند الدُّخُول لَا تمنع الصَّلَاة، فحينئذٍ صَحَّ فعل
الصَّلَاة فِي الْبيعَة من غير كَرَاهَة إِذا لم يكن
فِيهَا تماثيل، وَمِمَّا يُؤَيّد ذَلِك مَا رَوَاهُ ابْن
أبي شيبَة فِي (مُصَنفه) عَن سهل بن سعد عَن حميد عَن بكر،
قَالَ: (كتب إِلَى عمر، رَضِي اتعالى عَنهُ، من نَجْرَان
أَنهم لم يَجدوا مَكَانا أنظف وَلَا أَجود من بيعَة فَكتب
انضحوها بِمَاء وَسدر وصلوا فِيهَا) . وَأثر عمر وَصله عبد
الرَّزَّاق من طَرِيق أسلم مولى عمر، قَالَ: (لما قدم عمر
الشَّام صنع لَهُ رجل من النَّصَارَى طَعَاما، وَكَانَ من
عظمائهم، وَقَالَ: أَنا أحب أَن تُجِيبنِي وتكرمني.
فَقَالَ لَهُ عمر: إنَّا لَا ندخل كنائسكم من أجل الصُّور
الَّتِي فِيهَا) . يَعْنِي التماثيل. قَوْله: (إِنَّا لَا
ندخل كنائسكم) بكاف الْخطاب، وَفِي رِوَايَة الْأصيلِيّ:
(كنائسهم) ، بضمير الْجمع الْغَائِب. قَوْله: (الَّتِي
فِيهَا الصُّور) ، جملَة إسمية، لِأَن الصُّور مُبْتَدأ
مَرْفُوع، وَقَوله: (فِيهَا) خَبره، أَي: فِي الْكَنَائِس،
وَالْجُمْلَة صلَة الْمَوْصُول وَقعت صفة للكنائس لَا
للتماثيل لفساد الْمَعْنى، لِأَن التماثيل هِيَ الصُّور.
ويروى الصُّور، بِالْجَرِّ، فعلى هَذَا يكون الْمَوْصُول
مَعَ صلته صفة للتماثيل، وَتَكون الصُّور بِالْجَرِّ
بَدَلا من: التماثيل، أَو عطف بَيَان. وَيجوز نصب الصُّور
على الِاخْتِصَاص، وَوجه بَعضهم رفع الصُّور، بقوله: إِن
التماثيل مصورة، وَهَذَا تَوْجِيه من لَا يعرف من
الْعَرَبيَّة شَيْئا. وَفِي رِوَايَة الْأصيلِيّ: والصور،
بواو الْعَطف على التماثيل، وَالْمعْنَى: وَلأَجل
الصُّورَة الَّتِي فِيهَا، والصور أَعم من التمثال.
وكانَ ابنُ عَبَّاسٍ يُصَلِّي فِي البيعَةِ إِلاَّ بِيعَةً
فِيهَا تَمَاثِيلُ.
هَذَا التَّعْلِيق وَصله الْبَغَوِيّ فِي الجعديات، وَزَاد
فِيهِ: (فَإِن كَانَ فِيهَا تماثيل خرج فصلى فِي الْمَطَر)
، وروى ابْن أبي شيبَة فِي (مُصَنفه) بِسَنَد فِيهِ خصيف،
وَفِيه كَلَام: عَن مقسم عَن ابْن عَبَّاس أَنه كره
الصَّلَاة فِي الْكَنِيسَة إِذا كَانَ فِيهَا تصاوير
وَمِمَّنْ لم ير بِالصَّلَاةِ فِي الْكَنَائِس وَالْبيع
بَأْسا: عَطاء وَالشعْبِيّ وَابْن سِيرِين، وَهُوَ قَول
مَالك، وروى عَنهُ أَنه كره الصَّلَاة فِي الْكَنَائِس لما
يُصِيب أَهله فِيهَا من الْخَنَازِير وَالْخمر، إِلَّا أَن
يضْطَر إِلَى ذَلِك من شدَّة طين أَو مطر.
43459 - ح دّثنا مُحَمدٌ قَالَ أخبرنَا عَبْدَةُ عنْ
هِشَامِ بن عُرْوَةَ عنْ أبِيهِ عنْ عائِشَةَ أنَّ أُمَّ
سَلَمَةَ ذَكَرَتْ لِرَسولِ اللَّهِ كَنيسَةً رَأَنْهَا
بِأَرْضِ الحَبَشَةِ يُقَالُ لَهَا مَارِيَةُ فَذَكرَتْ
لَهُ مَا رَأتْ فِيهَا مِنَ الصُوَرِ فقالَ رَسولُ الله
أُولَئِكَ قَوْمٌ إذَا ماتَ فِيهمُ العَبْدُ الصَّالِحُ
أَو الرَّجُلُ الصَّالِحُ بَنَوْا عَلَى قَبْرِهِ
مَسْجِداً وَصَوَّرُوا فِيهِ تِلْكَ الصُّوَرَ أولَئِكِ
شِرَارُ الخَلْقِ عِنْدَ اللَّهِ. (انْظُر الحَدِيث 724
وطرفيه) .
مطابقته للتَّرْجَمَة تُؤْخَذ من قَوْله: (بنوا على قَبره
مَسْجِدا وصوروا فِيهِ تِلْكَ الصُّور) ، لِأَن الْبَاب
فِي الصَّلَاة فِي الْبيعَة، وَقد مر أَنَّهَا تكره فِي
الْبيعَة إِذا كَانَت فِيهَا صور، وَهَذَا الحَدِيث ذكره
فِي بَاب: هَل تنبش قُبُور مُشْركي الْجَاهِلِيَّة؟ قبل
هَذَا الْبَاب بِخَمْسَة أَبْوَاب، وَذكرنَا مَا يتَعَلَّق
بِهِ هُنَاكَ مُسْتَوفى، وَمُحَمّد هُوَ ابْن سَلام
البيكندي، كَمَا صرح بِهِ ابْن السكن فِي رِوَايَته،
وَعَبدَة،
(4/192)
بِفَتْح الْعين وَسُكُون الْبَاء
الْمُوَحدَة: هُوَ ابْن سُلَيْمَان، واسْمه: عبد
الرَّحْمَن، وَعَبدَة لقبه. قَوْله: (مَارِيَة) بالراء
وَتَخْفِيف الْيَاء آخر الْحُرُوف.
55 - (بَاب)
غير منون، لِأَن الْإِعْرَاب لَا يكون إلاَّ بعد العقد
والتركيب، وَلم يذكر لَهُ تَرْجَمَة، وَكَذَا رُوِيَ فِي
أَكثر الرِّوَايَات، وَهُوَ كالفصل من الْبَاب الَّذِي
قبله، وَله تعلق بِذَاكَ.
وَجه التَّعَلُّق أَن كلاًّ مِنْهُمَا مُشْتَمل على الزّجر
عَن اتِّخَاذ الْقُبُور مَسَاجِد، والتصوير مَذْكُور
هُنَاكَ، وَهَهُنَا يُشِير إِلَى أَن اتِّخَاذ الْقُبُور
مَسَاجِد مَذْمُوم، سَوَاء كَانَ فعل ذَلِك بصور أم لَا.
96 - (حَدثنَا أَبُو الْيَمَان قَالَ أخبرنَا شُعَيْب عَن
الزُّهْرِيّ قَالَ أَخْبرنِي عبيد الله بن عبد الله بن
عتبَة أَن عَائِشَة وَعبد الله بن عَبَّاس قَالَا لما نزل
برَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - طفق
يطْرَح خميصة لَهُ على وَجهه فَإِذا اغتم بهَا كشفها عَن
وَجهه فَقَالَ وَهُوَ كَذَلِك لعنة الله على الْيَهُود
وَالنَّصَارَى اتَّخذُوا قُبُور أَنْبِيَائهمْ مَسَاجِد
يحذروا مَا صَنَعُوا) مطابقته لترجمة الْبَاب المترجم فِي
قَوْله " اتَّخذُوا قُبُور أَنْبِيَائهمْ مَسَاجِد "
لأَنهم إِذا اتَّخَذُوهَا مَسَاجِد يصلونَ فِيهَا ويسمون
الْمَسَاجِد البيع وَالْكَنَائِس وَالْبَاب فِي الصَّلَاة
فِي البيع (ذكر رِجَاله) وهم سِتَّة الأول أَبُو الْيَمَان
الحكم بن نَافِع. الثَّانِي شُعَيْب بن أبي حَمْزَة.
الثَّالِث مُحَمَّد بن مُسلم الزُّهْرِيّ. الرَّابِع عبيد
الله بن عبد الله بتصغير الابْن وتكبير الْأَب. الْخَامِس
عَائِشَة أم الْمُؤمنِينَ. السَّادِس عبد الله بن عَبَّاس
(ذكر لطائف إِسْنَاده) فِيهِ التحديث بِصِيغَة الْجمع فِي
مَوضِع وَاحِد والإخبار كَذَلِك فِي مَوضِع وَاحِد وبصيغة
الْإِفْرَاد فِي مَوضِع آخر وَفِيه العنعنة فِي مَوضِع
وَاحِد وَفِيه أَن رُوَاته مَا بَين حمصي ومدني وَفِيه
رِوَايَة صَحَابِيّ عَن صَحَابِيّ وصحابية كِلَاهُمَا عَن
النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - (ذكر
تعدد مَوْضِعه وَمن أخرجه غَيره) أخرجه البُخَارِيّ أَيْضا
فِي اللبَاس عَن يحيى بن بكير وَفِي الْمَغَازِي عَن سعد
بن عفير كِلَاهُمَا عَن اللَّيْث عَن عقيل وَفِي ذكر بني
إِسْرَائِيل عَن بشر بن مُحَمَّد عَن ابْن الْمُبَارك عَن
معمر وَيُونُس أربعتهم عَن الزُّهْرِيّ وَأخرجه مُسلم فِي
الصَّلَاة عَن هَارُون بن سعيد الْأَيْلِي وحرملة بن يحيى
كِلَاهُمَا عَن ابْن وهب عَن يُونُس بِهِ وَأخرجه
النَّسَائِيّ فِيهِ وَفِي الْوَفَاة عَن سُوَيْد بن نصر
عَن ابْن الْمُبَارك بِهِ وَفِي الْوَفَاة أَيْضا عَن عبد
الله بن سعد بن إِبْرَاهِيم عَن عَمه يَعْقُوب (ذكر
مَعْنَاهُ وَإِعْرَابه) قَوْله " لما نزل " على صِيغَة
الْمَعْلُوم فِي رِوَايَة أبي ذَر وفاعله مَحْذُوف أَي لما
نزل الْمَوْت وَفِي رِوَايَة غَيره بِضَم النُّون وَكسر
الزَّاي على صِيغَة الْمَجْهُول قَوْله " طفق " جَوَاب لما
وَهُوَ من أَفعَال المقاربة وَهِي ثَلَاثَة أَنْوَاع
مِنْهَا مَا وضع للدلالة على الشُّرُوع فِي الْخَبَر
وأفعاله أنشأ وطفق وَجعل وعلق وَأخذ وتعمل هَذِه
الْأَفْعَال عمل كَانَ إِلَّا أَن خبرهن يجب كَونه جملَة
حكى الْأَخْفَش طفق يطفق مثل ضرب يضْرب وطفق يطفق مثل علم
يعلم وَلم يسْتَعْمل لَهُ اسْم فَاعل وَاسْتعْمل لَهُ مصدر
حكى الْأَخْفَش طفوقا عَمَّن قَالَ طفق بِالْفَتْح وطفقا
عَمَّن قَالَ طفق بِالْكَسْرِ وَمَعْنَاهُ هَهُنَا جعل
وَقَوله يطْرَح جملَة خَبره وخميصة بِالنّصب مفعول يطْرَح
وَهِي كسَاء لَهُ إِعْلَام أَو علمَان أسود مربع وَقد مر
تَفْسِيرهَا مستقصى قَوْله " لَهُ " فِي مَحل النصب
لِأَنَّهَا صفة لخميصة قَوْله " على وَجهه " يتَعَلَّق
بقوله " يطْرَح " قَوْله " فَإِذا اغتم " بالغين
الْمُعْجَمَة أَي إِذا تسخن وَحمى قَوْله " بهَا " أَي
بالخميصة قَوْله " فَقَالَ وَهُوَ كَذَلِك " أَي فِي
تِلْكَ الْحَال وَقَالَ بَعضهم وَيحْتَمل أَن يكون ذَلِك
فِي الْوَقْت الَّذِي ذكرت فِيهِ أم سَلمَة وَأم حَبِيبَة
أَمر الْكَنِيسَة الَّتِي رأتاها بِأَرْض الْحَبَشَة (قلت)
هَذَا بعيد جدا لَا يخفى على الفطن وَقَالَ الْكرْمَانِي
قَوْله وَهُوَ كَذَلِك مقول الرَّاوِي أَي قَالَ رَسُول
الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَهُوَ حَال
الطرح والكشف قَوْله " لعنة الله " اللَّعْنَة الطَّرْد
والإبعاد عَن الرَّحْمَة قَوْله " اتَّخذُوا " جملَة
استئنافية كَأَنَّهَا جَوَاب عَن سُؤال سَائل
(4/193)
مَا سَبَب لعنهم فَأُجِيب بقوله اتَّخذُوا
قَوْله " يحذر مَا صَنَعُوا " مقول الرَّاوِي لَا مقول
الرَّسُول وَهِي أَيْضا جملَة مستأنفة وَإِنَّمَا كَانَ
يُحَذرهُمْ من ذَلِك الصَّنِيع لِئَلَّا يفعل بقبره مثله
وَلَعَلَّ الْحِكْمَة فِيهِ أَنه يصير بالتدريج شَبِيها
بِعبَادة الْأَصْنَام
734 - ح دّثنا عَبْدُ اللَّه بنُ مَسْلَمَةَ عنْ مالكٍ عنِ
ابنِ شِهَابٍ عَنْ سَعِيدٍ بنِ المُسَيَّبِ عنْ أبي
هُرَيْرَةَ أنَّ رَسولَ اللَّهِ قَالَ قاتَلَ اللَّهُ
اليَهُودَ اتَّخَذوا وقُبُورَ أنْبِيَائِهِمْ مَسَاجِدَ.
مطابقته للتَّرْجَمَة مثل مُطَابقَة الحَدِيث السَّابِق.
وَرِجَاله مَشْهُورُونَ قد ذكرُوا غير مرّة، وَابْن شهَاب
هُوَ: مُحَمَّد بن مُسلم الزُّهْرِيّ. وَفِي إِسْنَاده
صِيغَة الْجمع بِالتَّحْدِيثِ، وَالْبَاقِي بالعنعنة،
وَرُوَاته مدنيون، وَفِيه: رِوَايَة التَّابِعِيّ عَن
التَّابِعِيّ.
ذكر من أخرجه غَيره أخرجه مُسلم أَيْضا فِي الصَّلَاة عَن
سعيد بن هَارُون عَن ابْن وهب عَن مَالك وَيُونُس،
كِلَاهُمَا عَن الزُّهْرِيّ بِهِ. وَأخرجه أَبُو دَاوُد
فِي الْجَنَائِز عَن القعْنبِي بِهِ. وَأخرجه النَّسَائِيّ
فِي الْوَفَاة عَن عَمْرو بن سَواد بن الْأسود عَن مَالك
بِهِ.
ذكر مَعْنَاهُ وَمَا يستنبط مِنْهُ قَوْله: (قَاتل
االيهود) ، أَي: قَتلهمْ ا، لِأَن فَاعل يَجِيء بِمَعْنى
فعل أَيْضا، كَقَوْلِهِم: سَافر وسارع بِمَعْنى: سفر وسرع،
وَيُقَال: مَعْنَاهُ لعنهم ا، وَيُقَال: عاداهم ا،
وَيُقَال: الْقِتَال هَهُنَا عبارَة عَن الطَّرْد والإبعاد
عَن الرَّحْمَة، فمؤداه ومؤدي اللَّعْنَة وَاحِد،
وَإِنَّمَا خصص الْيَهُود هَهُنَا بِالذكر بِخِلَاف مَا
تقدم لأَنهم أسسوا هَذَا الاتخاذ وابتدؤوا بِهِ، فهم أظلم،
أَو لأَنهم أَشد غلوًّا فِيهِ. وَقد اسْتشْكل بَعضهم ذكر
النَّصَارَى فِي الحَدِيث الأول لأَنهم لَيْسَ لَهُم نَبِي
بَين عِيسَى وَبَين نَبينَا، غير عِيسَى عَلَيْهِ
الصَّلَاة وَالسَّلَام، وَلَيْسَ لَهُ قبر لِأَنَّهُ فِي
السَّمَاء. وَأجِيب: عَنهُ: بِأَنَّهُ كَانَ فيهم
أَنْبيَاء أَيْضا لكِنهمْ غير مرسلين كالحواريين وَمَرْيَم
فِي قَول. قلت: هَذَا الْجَواب فِيهِ نظر لِأَنَّهُ جَاءَ
فِي رِوَايَة عَن عِكْرِمَة وَقَتَادَة وَالزهْرِيّ أَن
الثَّلَاثَة الَّذين أَتَوا إِلَى أنطاكية الْمَذْكُورين
فِي قَوْله تَعَالَى: {إِذْ أرسلنَا إِلَيْهِم اثْنَيْنِ
فكذبوهما فعززنا بثالث} (يس: 41) كَانُوا رسلًا من اتعالى
وهم: صَادِق وصدوق وشلوم، وَعَن قَتَادَة إِنَّهُم كَانُوا
رسلًا من عِيسَى، فعلى هَذَا لم يَكُونُوا أَنْبيَاء فضلا
عَن أَن يَكُونُوا رسلًا من اتعالى، وَأما مَرْيَم فَزعم
ابْن حزم وَآخَرُونَ أَنَّهَا نبية، وَكَذَلِكَ سارة أم
إِسْحَاق وَأم مُوسَى، عَلَيْهِمَا الصَّلَاة وَالسَّلَام،
وَعند الْجُمْهُور، كَمَا حَكَاهُ أَبُو الْحسن
الْأَشْعَرِيّ وَغَيره من أهل السّنة وَالْجَمَاعَة: أَن
النُّبُوَّة مُخْتَصَّة بِالرِّجَالِ وَلَيْسَت فِي
النِّسَاء نبية.
وَمِمَّا يستنبط مِنْهُ: منع الْبناء على الْقَبْر، لِأَن
أَبَا دَاوُد أخرج هَذَا الحَدِيث فِي بَاب الْبناء على
الْقَبْر، وَرُوِيَ أَيْضا عَن أَحْمد بن حَنْبَل: حدّثنا
عبد الرَّزَّاق أخبرنَا ابْن جريج أَخْبرنِي ابْن الزبير
أَنه سمع جَابِرا يَقُول: (سَمِعت رَسُول ا، نهى أَن يقْعد
على الْقَبْر وَأَن يُقَصَّص وَأَن يبْنى عَلَيْهِ) .
وَأخرجه مُسلم أَيْضا وَالتِّرْمِذِيّ، وَفِي رِوَايَته:
(وَأَن يكْتب عَلَيْهَا) . وَالنَّسَائِيّ أَيْضا وَفِي
رِوَايَته: (وَأَن يُزَاد عَلَيْهِ) .
65 - (بابُ قوْلِ النَّبيِّ جُعِلَتْ لِيَ الأَرْضُ
مَسْجِداً وَطَهُوراً)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان قَول النَّبِي: (جعلت لي
الأَرْض مَسْجِدا وَطهُورًا) ، وإيراد هَذَا الْبَاب عقيب
الْأَبْوَاب الْمُتَقَدّمَة إِشَارَة إِلَى أَن
الْكَرَاهَة فِيهَا لَيست للتَّحْرِيم، لِأَن عُمُوم
قَوْله: (جعلت لي الأَرْض مَسْجِدا وَطهُورًا) ، يدل على
جَوَاز الصَّلَاة على أَي جُزْء كَانَ من أَجزَاء الأَرْض.
وَقَالَ ابْن بَطل: فَدخل فِي عُمُوم هَذَا: الْمَقَابِر
والمرابض وَالْكَنَائِس وَغَيرهَا.
98 - (حَدثنَا مُحَمَّد بن سِنَان قَالَ حَدثنَا هشيم
قَالَ حَدثنَا سيار هُوَ أَبُو الحكم قَالَ حَدثنَا يزِيد
الْفَقِير قَالَ حَدثنَا جَابر بن عبد الله قَالَ قَالَ
رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -
أَعْطَيْت خمْسا لم يُعْطهنَّ أحد من الْأَنْبِيَاء قبلي
نصرت بِالرُّعْبِ مسيرَة شهر وَجعلت لي الأَرْض مَسْجِدا
وَطهُورًا وَأَيّمَا رجل من أمتِي أَدْرَكته الصَّلَاة
فَليصل وَأحلت لي الْغَنَائِم وَكَانَ النَّبِي
(4/194)
- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -
يبْعَث إِلَى قومه خَاصَّة وَبعثت إِلَى النَّاس كَافَّة
وَأعْطيت الشَّفَاعَة) التَّرْجَمَة من نفس هَذَا الحَدِيث
وَوَضعه على هَذَا الْوَجْه قد ذَكرْنَاهُ (ذكر رِجَاله)
وهم خَمْسَة. الأول مُحَمَّد بن سِنَان أَبُو بكر
الْعَوْفِيّ الْبَاهِلِيّ الْأَعْمَى مَاتَ سنة ثَلَاث
وَعشْرين وَمِائَتَيْنِ. الثَّانِي هشيم بِضَم الْهَاء
ابْن بشير بِضَم الْبَاء الْمُوَحدَة السّلمِيّ مَوْلَاهُ
الوَاسِطِيّ مَاتَ سنة ثَلَاث وَثَمَانِينَ وَمِائَتَيْنِ
بِبَغْدَاد. الثَّالِث سيار على وزن فعل بِالتَّشْدِيدِ بن
أبي سيار واسْمه وردان أَبُو الحكم الْعَنزي الوَاسِطِيّ
مَاتَ سنة اثْنَتَيْنِ وَعشْرين وَمِائَتَيْنِ. الرَّابِع
يزِيد بِفَتْح الْيَاء آخر الْحُرُوف من الزِّيَادَة ابْن
صُهَيْب الْفَقِير الْخَامِس جَابر بن عبد الله
الْأنْصَارِيّ (ذكر لطائف إِسْنَاده) جَمِيع سَنَده
بِالتَّحْدِيثِ بِصِيغَة الْجمع وَهُوَ من النَّوَادِر
وَرُوَاته مَا بَين واسطي وكوفي وَقد ذكرنَا تعدد مَوْضِعه
وَمن أخرجه غَيره فِي أول كتاب التَّيَمُّم فَالْبُخَارِي
أخرجه هُنَاكَ أَيْضا عَن مُحَمَّد بن سِنَان وَسَعِيد بن
النَّضر وَفِي الْخمس أَيْضا عَن مُحَمَّد بن سِنَان
وَأخرجه مُسلم فِي الصَّلَاة عَن يحيى بن يحيى وَابْن أبي
شيبَة وَالنَّسَائِيّ فِي الطَّهَارَة بِتَمَامِهِ وَفِي
الصَّلَاة بِبَعْضِه عَن الْحسن بن إِسْمَاعِيل خمستهم عَن
هشيم عَن سيار وتكلمنا فِيمَا يتَعَلَّق بِهِ هُنَاكَ
مستقصى قَوْله " طهُورا " بِفَتْح الطَّاء قَوْله "
كَافَّة " أَي جَمِيعًا وَهُوَ مِمَّا يلْزمه النصب على
الْحَال واستهجن إضافتها نَحْو كافتهم
75 - (بابُ نَوْمِ المَرْأةِ فِي المَسْجِدِ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان نوم الْمَرْأَة فِي
الْمَسْجِد، يَعْنِي: يجوز، وَكَذَا إِقَامَتهَا فِيهِ
إِذا لم يكن لَهَا مسكن، كَمَا نذكرهُ عَن قريب إِن شَاءَ
اتعالى.
والمناسبة بَين الْبَابَيْنِ من حَيْثُ إِن كلاًّ
مِنْهُمَا فِيمَا يتَعَلَّق بِالْمَسْجِدِ، وَسَيَأْتِي
حكم نوم الرجل أَيْضا فِي الْبَاب الَّذِي يَلِيهِ.
99 - (حَدثنَا عبيد بن إِسْمَاعِيل قَالَ حَدثنَا أَبُو
أُسَامَة عَن هِشَام عَن أَبِيه عَن عَائِشَة أَن وليدة
كَانَت سَوْدَاء لحي من الْعَرَب فأعتقوها فَكَانَت مَعَهم
قَالَت فَخرجت صبية لَهُم عَلَيْهَا وشاح أَحْمَر من سيور
قَالَت فَوَضَعته أَو وَقع مِنْهَا فمرت بِهِ حدياه وَهُوَ
ملقى فحسبته لَحْمًا فخطفته قَالَت فالتمسوه فَلم يجدوه
قَالَت فاتهموني بِهِ قَالَت فطفقوا يفتشون حَتَّى فتشوا
قبلهَا قَالَت وَالله إِنِّي لقائمة مَعَهم إِذْ مرت
الحدياة فألقته قَالَت فَوَقع بَينهم قَالَت فَقلت هَذَا
الَّذِي اتهمتموني بِهِ زعمتم وَأَنا مِنْهُ بريئة وَهُوَ
ذَا هُوَ قَالَت فَجَاءَت إِلَى رَسُول الله - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فَأسْلمت قَالَت عَائِشَة
رَضِي الله عَنْهَا فَكَانَ لَهَا خباء فِي الْمَسْجِد أَو
حفش قَالَت فَكَانَت تَأتِينِي فَتحدث عِنْدِي قَالَت
فَلَا تجْلِس عِنْدِي مَجْلِسا إِلَّا قَالَت
(وَيَوْم الوشاح من أَعَاجِيب رَبنَا ... أَلا إِنَّه من
بَلْدَة الْكفْر أنجاني)
) قَالَت عَائِشَة فَقلت لَهَا مَا شَأْنك لَا تقعدين معي
مقْعدا إِلَّا قلت هَذَا قَالَت فحدثتني بِهَذَا الحَدِيث)
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله " وَكَانَ لَهَا خبأ فِي
الْمَسْجِد " لِأَنَّهَا لم تنصب خبأ فِيهِ إِلَّا
للبيتوتة وَالنَّوْم فِيهَا (ذكر رِجَاله) وهم خَمْسَة
الأول عبيد بن إِسْمَاعِيل بِالتَّصْغِيرِ وَفِي بعض
الرِّوَايَة عبيد الله الثَّانِي أَبُو أُسَامَة حَمَّاد
بن أُسَامَة الثَّالِث هِشَام بن عُرْوَة الرَّابِع
عُرْوَة بن الزبير بن الْعَوام الْخَامِس أم الْمُؤمنِينَ
عَائِشَة رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا وَهَذَا الْإِسْنَاد
بِعَيْنِه قد تقدم فِي بَاب نقض الْمَرْأَة شعرهَا عِنْد
غسل الْمَحِيض (ذكر مَعَانِيه وَإِعْرَابه) قَوْله " إِن
وليدة " أَي أمة والوليدة فِي الأَصْل الطفلة وَقد تطلق
على الْأمة وَإِن كَانَت كَبِيرَة وَفِي الْمُخَصّص إِذا
ولد الْمَوْلُود فَهُوَ وليد سَاعَة تلده أمه وَالْأُنْثَى
وليدة وَفِي الْمُحكم الْجمع ولدان قَوْله " كَانَت
سَوْدَاء " تَعْنِي
(4/195)
كَانَت امْرَأَة كَبِيرَة سَوْدَاء وَلم
يذكر أحد اسْمهَا وَلَا اسْم الْحَيّ الَّتِي كَانَت لَهُم
وَلَا اسْم الصبية قَوْله " لحي من الْعَرَب " أَي لقبيلة
مِنْهُم ومتعلق اللَّام مَحْذُوف تَقْدِيره كائنة لحي من
الْعَرَب وَهِي فِي مَحل النصب على الوصفية قَوْله "
فَخرجت صبية لَهُم " أَي لهَؤُلَاء الْحَيّ وروى ثَابت فِي
الدَّلَائِل من طَرِيق أبي مُعَاوِيَة عَن هِشَام فَزَاد
فِيهِ " أَن الصبية كَانَت عروسا فَدخلت فِي مغتسلها
فَوضعت الوشاح " وَهُوَ بِكَسْر الْوَاو وَبِضَمِّهَا
وَيُقَال الإشاح أَيْضا بِكَسْر الْهمزَة على الْبَدَل من
الْوَاو وَهُوَ خيطان من لُؤْلُؤ وجوهر منظومان يُخَالف
بَينهمَا مَعْطُوف أَحدهمَا على الآخر وَالْجمع أوشحة ووشح
ووشائح قَالَ كثير
(كَأَن قِنَا المران تَحت خدودها ... ظباء الفلا نيطت
عَلَيْهَا الوشائح)
ذكره فِي الْمُحكم وَقَالَ فِي الْمُخَصّص عَن الْفَارِسِي
الوشاح من وسط إِلَى أَسْفَل قَالَ وَلَا يكون الوشاح
وشاحا حَتَّى يكون منظوما بلؤلؤ أَو ودع وَفِي الْجَامِع
للقزاز الوشاح خرز تتوشح بِهِ الْمَرْأَة وَمِنْه قَول
امريء الْقَيْس
(إِذا مَا الثريا فِي السَّمَاء تعرضت ... تعرض أثْنَاء
الوشاح الْمفصل)
وَيُقَال أَيْضا الوشحن قَالَ الراجز
(أحب مِنْك مَوضِع الوشحن ... ومعقد الْإِزَار والقفن)
وَفِي الْمُنْتَهى أشاح وَهُوَ ينسج من أَدِيم عرضا وينظم
عَلَيْهِ الْجَوَاهِر فَيكون نظمان أَحدهمَا مَعْطُوف على
الآخر وَالْجمع وشح وَفِي الصِّحَاح الوشاح ينسج من أَدِيم
عرضا ويرصع بالجواهر وتشده الْمَرْأَة بَين عاتقها وكشحها
وَفِي المغيث الوشاح قلادة من سيور ذكره عِنْد ذكر هَذَا
الحَدِيث وَذكر فِيهِ أَيْضا من سيور وَهُوَ جمع سير
بِفَتْح السِّين وَهُوَ مَا يقدمن الْجلد (فَإِن قلت)
قَوْله من سيور يدل على أَن الوشاح الْمَذْكُور كَانَ من
جلد وَكَانَ عَلَيْهِ لُؤْلُؤ فَكيف حسبته الحدياة لَحْمًا
حَتَّى خطفته (قلت) لما رَأَتْ بَيَاض اللُّؤْلُؤ على
حمرَة الْجلد حسبته أَنه لحم سمين فخطفته قَوْله " أَو
وَقع " شكّ من الرَّاوِي قَوْله " حدياة " بِضَم الْحَاء
الْمُهْملَة وَتَشْديد الْيَاء آخر الْحُرُوف وَبعدهَا ألف
وَفِي آخرهَا تَاء وَالْأَصْل أَن يُقَال حديأة بِهَمْزَة
بمفتوحة بعد الْيَاء لِأَنَّهَا مصغر حدأة على وزن عنبة
وَلَكِن أبدلت الْهمزَة بَاء وأدغمت الْيَاء فِي الْيَاء
وَجمع حدأة حدء مَقْصُور مَهْمُوز نَص عَلَيْهِ ثَعْلَب
وَقَالَ ابْن قُتَيْبَة جمعه حدان وَقَالَ ابْن سَيّده
والحداء أَيْضا بِالْمدِّ وَالْكَسْر جمع الحدأة وَهُوَ
نَادِر وَقَالَ ابْن درسْتوَيْه فِيمَا حَكَاهُ ابْن عديس
من الْعَرَب من يسميها أَيْضا الحدو بِكَسْر الْحَاء وَفتح
الدَّال وَاو بعْدهَا سَاكِنة وَقَالَ ابْن مَنْصُور فِي
التَّهْذِيب لَا بَأْس بقتل الحدو وَقَالَ ابْن عديس وَفِي
الحدى مثل الْعُزَّى وَأهل الْحجاز يَقُولُونَ لَهَا حدية
يشددون الْيَاء وَلَا يهمزون وَالْجمع حداوى وَعَن أبي
حَاتِم أَنه خطأهم فِي هَذَا وَحكى ابْن الْأَنْبَارِي فِي
مقصوره الحدا جمع حدأة وَرُبمَا فتحُوا الْحَاء فَقَالُوا
حداة وحداة وَالْكَسْر أَجود وَفِي الموعب هِيَ طَائِر
يَأْكُل الجرذان (قلت) هُوَ الطَّائِر الْمَعْرُوف الَّذِي
هُوَ من الفواسق الْخمس الْمَأْذُون بقتلهن فِي الْحل
وَالْحرم قَوْله " وَهُوَ ملقى " أَي الوشاح ملقى أَي مرمي
وَالْجُمْلَة حَالية قَوْله " فخطفته " بِكَسْر الطَّاء
وَقيل بِفَتْحِهَا قَوْله " فالتمسوه " أَي طلبوه وسألوا
عَنهُ قَوْله " فطفقوا " أَي فَجعلُوا يفتشوني وَالْأَصْل
أَن يُقَال يفتشونني ويروى يفتشون قَوْله " قبلهَا " بِضَم
الْقَاف وَالْبَاء أَي فرجهَا (فَإِن قلت) كَانَ الْقيَاس
أَن يُقَال قبلي بياء الْمُتَكَلّم (قلت) إِن كَانَ هَذَا
من كَلَام عَائِشَة فَهُوَ على الأَصْل وَإِن كَانَ من
كَلَام الوليدة فَهُوَ من بَاب الِالْتِفَات أَو من بَاب
التَّجْرِيد فَكَأَنَّهَا جردت من نَفسهَا شخصا وأخبرت
عَنهُ وَالظَّاهِر أَنه من كَلَام الوليدة وَزَاد فِيهِ
ثَابت فِي الدَّلَائِل قَالَت " فدعوت الله أَن يبرئني
فَجَاءَت الحديأة وهم ينظرُونَ " قَوْله " لقائمة "
اللَّام فِيهِ للتَّأْكِيد قَوْله " إِذْ مرت الحديأة "
كلمة إِذْ على أَرْبَعَة أَقسَام أَحدهَا أَن تكون اسْما
للزمن الْمَاضِي وَالْغَالِب فِي اسْتِعْمَالهَا أَن تكون
ظرفا وَإِذ هَهُنَا من هَذَا الْقَبِيل وَبَقِيَّة
الْأَقْسَام تعرف فِي موضعهَا قَوْله " زعمتم " مَفْعُوله
مَحْذُوف تَقْدِيره زعمتم أَنِّي أَخَذته قَوْله " وَأَنا
مِنْهُ بريئة " جملَة حَالية وَالضَّمِير فِي مِنْهُ يرجع
إِلَى الزَّعْم الَّذِي يدل عَلَيْهِ زعمتم وَيجوز أَن
يرجع إِلَى الوشاح أَي من أَخذه قَوْله " وَهُوَ ذَا هُوَ
" فِيهِ أوجه من الْإِعْرَاب الأول أَن يكون هُوَ مُبْتَدأ
وَذَا خَبره وَهُوَ الثَّانِي خبر بعد خبر وَالثَّانِي أَن
يكون هُوَ الثَّانِي تَأْكِيدًا للْأولِ وَالثَّالِث أَن
يكون تَأْكِيدًا لذا وَالرَّابِع أَن يكون بَيَانا لَهُ
وَالْخَامِس أَن يكون ذَا مُبْتَدأ ثَانِيًا وَخَبره هُوَ
الثَّانِي وَالْجُمْلَة خبر الْمُبْتَدَأ وَالسَّادِس أَن
يكون هُوَ ضمير الشَّأْن
(4/196)
وَيكون ذَا مَعَ هُوَ الثَّانِي جملَة أَو
خبر الثَّانِي محذوفا وَالْجُمْلَة تَأْكِيد الْجُمْلَة
وَالسَّابِع أَن يكون ذَا مَنْصُوبًا على الِاخْتِصَاص
وَوَقع فِي رِوَايَة أبي نعيم " وَهَا هُوَ ذَا " وَفِي
رِوَايَة ابْن خُزَيْمَة " وَهُوَ ذَا كَمَا ترَوْنَ "
قَوْله " قَالَت " أَي عَائِشَة قَوْله " فَجَاءَت " أَي
الْمَرْأَة قَوْله " خباء " بِكَسْر الْخَاء الْمُعْجَمَة
وَتَخْفِيف الْبَاء الْمُوَحدَة وبالمد وَهِي خيمة تكون من
وبر أَو صوف وَهِي على عمودين أَو ثَلَاثَة وَمَا فَوق
ذَلِك وَفِي الْمُخَصّص الخباء يكون من وبر أَو صوف وَلَا
يكون من شعر وَقد أخبيت وخبيت وتخبيت وَعَن ابْن السّكيت
أخبيناه خباء نصبناه واستخبينا نصبناه ودخلنا فِيهِ وَعَن
ابْن دُرَيْد الخباء مُشْتَقّ من خبأت خبيئا وَيُقَال
تخبأت وَعَن الْفَارِسِي أصل هَذِه الْكَلِمَة التغطية
وَقَالَ ابْن دُرَيْد الأخبية بيُوت الْأَعْرَاب وَإِذا
ضخم الخباء فَهُوَ بَيت وَقَالَ الْكَلْبِيّ بيُوت
الْعَرَب سِتَّة مظلة من شعر خباء من صوف بجاد من وبر خيمة
من شجر أفنة من حجر قبَّة من أَدَم قَوْله " أَو حفش "
بِكَسْر الْحَاء الْمُهْملَة وَسُكُون الْفَاء وَفِي آخِره
شين مُعْجمَة وَهُوَ بَيت صَغِير قَلِيل السّمك مَأْخُوذ
من الإتحفاش وَهُوَ الانضمام وَذكر ابْن عديس فِي الْكتاب
الباهر أَنه الصَّغِير من بيُوت الْأَعْرَاب وَقيل الحفش
بِالْفَتْح وَالْكَسْر والإسكان وبفتح الْفَاء الْبَيْت
الْقَرِيب السّمك من الأَرْض وَجمعه أحفاش وحفاش وَفِي
الْمُخَصّص أَنه من الشّعْر لَا من الْآجر وَفِي الْمغرب
للمطرزي استعيرت من حفش الْمَرْأَة وَهُوَ درجها وَقَالَ
أَبُو عبيد هُوَ الْبَيْت الرَّدِيء وَقيل الخرب وَقَالَ
الْجَوْهَرِي هُوَ وعَاء المغازل (قلت) لكنه استعير للبيت
الصَّغِير قَوْله " فَتحدث " بِلَفْظ الْمُضَارع أَصله
تَتَحَدَّث من التحدث فحذفت إِحْدَى التَّاءَيْنِ فَعِنْدَ
سِيبَوَيْهٍ الْمَحْذُوف هُوَ التَّاء الثَّانِيَة لِأَن
الثّقل نَشأ مِنْهَا وَقيل هِيَ الأولى لِأَنَّهَا
زَائِدَة قَوْله " وَيَوْم الوشاح " الخ من الْبَحْر
الطَّوِيل وأجزاءه ثَمَانِيَة وَهِي فعولن مفاعيلن ثَمَان
مَرَّات وَفِيه الْقَبْض فِي الْجُزْء الثَّانِي وَهُوَ
حذف الْخَامِس السَّاكِن قَوْله " إِلَّا أَنه " بتَخْفِيف
اللَّام للضَّرُورَة قَوْله " من تعاجيب رَبنَا " أَي من
أَعَاجِيب رَبنَا جمع أعجوبة وَقَالَ ابْن سَيّده لَا
وَاحِد للتعاجيب من لَفظه ويروى من أَعَاجِيب رَبنَا
قَوْله " أَلا قلت هَذَا " أَي هَذَا الْبَيْت قَوْله "
بِهَذَا الحَدِيث " أَي بِهَذِهِ الْقِصَّة (ذكر مَا
يستنبط مِنْهُ) قَالَ ابْن بطال فِيهِ أَن من لم يكن لَهُ
مسكن وَلَا مَكَان مبيت يُبَاح لَهُ الْمبيت فِي
الْمَسْجِد سَوَاء كَانَ رجلا أَو امْرَأَة عِنْد حُصُول
الْأَمْن من الْفِتْنَة وَفِيه اصطناع الْخَيْمَة وَشبههَا
للمسكين رجلا كَانَ أَو امْرَأَة. وَفِيه أَن السّنة
الْخُرُوج من بَلْدَة جرت فِيهَا فتْنَة على الْإِنْسَان
تشاؤما بهَا وَرُبمَا كَانَ الَّذِي جرى عَلَيْهِ من
المحنة سَببا لخير إِرَادَة الله بهَا فِي غير تِلْكَ
الْبَلدة كَمَا جرى لهَذِهِ السَّوْدَاء أخرجتها فتْنَة
الوشاح إِلَى بِلَاد الْإِسْلَام ورؤية النَّبِي سيد
الْأَنَام قَالَ الله تَعَالَى {ألم تكن أَرض الله
وَاسِعَة} وَفِيه فضل الْهِجْرَة من دَار الْكفْر
85 - (بابُ نَوْمِ الرِّجَالِ فِي المَسْجِدِ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان نوم الرِّجَال فِي الْمَسْجِد
أَي: جَوَاز ذَلِك، فَإِن قلت: لِمَ مَا قَالَ نوم الرجل
مثل مَا قَالَ فِي الْبَاب السَّابِق نوم الْمَرْأَة على
الْإِفْرَاد؟ قلت: أما الْإِفْرَاد هُنَاكَ فلأجل أَن
الحَدِيث الَّذِي فِيهِ فِي قصَّة امْرَأَة وَاحِدَة،
وَأما الْجمع هَهُنَا فَلِأَن الْأَثر الَّذِي ذكره فِي
أول هَذَا الْبَاب فِي الْجَمَاعَة، على أَن فِي بعض
النّسخ بَاب نوم الرجل. والمناسبة بَين الْبَابَيْنِ
ظَاهِرَة.
وَقَالَ أبُو قِلاَبَةَ عنْ أنَسٍ قَدِمَ رَهْطٌ مِنْ
عُكْلٍ عَلَ النَّبيِّ فَكَانُوا فِي الصُّفَّةِ.
هَذَا التَّعْلِيق قِطْعَة من قصَّة العرنيين، وَقد تقدم
حَدِيثهمْ فِي الطَّهَارَة، وَهَذَا اللَّفْظ أوردهُ
مَوْصُولا فِي الْمُحَاربين من طَرِيق وهيب عَن أَيُّوب
عَن أبي قلَابَة، وَهُوَ بِكَسْر الْقَاف وخفة اللَّام
وبالباء الْمُوَحدَة: واسْمه عبد ابْن زيد: (والرهط) مَا
دون الْعشْرَة من الرِّجَال لَا يكون فيهم امْرَأَة. و:
(عكل) بِضَم الْعين الْمُهْملَة وَسُكُون الْكَاف وباللام:
قَبيلَة من الْعَرَب. و: (الصّفة) بِضَم الصَّاد وَتَشْديد
الْفَاء: مَوضِع مظلل من الْمَسْجِد يأوي إِلَيْهِ
الْمَسَاكِين.
وقالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ أبي بَكْر كانَ أصحَابُ
الصُّفَّةِ الفُقَرَاءُ.
(4/197)
هَذَا التَّعْلِيق أول حَدِيث طَوِيل
يَأْتِي ذكره فِي بَاب السمر مَعَ الْأَهْل، والضيف،
وأوله: حدّثنا أَبُو النُّعْمَان، قَالَ: حدّثنا مُعْتَمر
بن سُلَيْمَان، قَالَ: حدّثنا أبي، قَالَ: حدّثنا أَبُو
عُثْمَان عَن عبد الرَّحْمَن بن أبي بكر: (أَن أَصْحَاب
الصّفة كَانُوا نَاسا فُقَرَاء، وَأَن النَّبِي، قَالَ: من
كَانَ عِنْده طَعَام اثْنَيْنِ فليذهب بثالث) . الحَدِيث،
وَعبد الرَّحْمَن هُوَ: ابْن أبي بكر الصّديق، و: الصّفة،
كَانَت موضعا مظللاً فِي مَسْجِد النَّبِي، كَانَ
الْفُقَرَاء الْمُهَاجِرُونَ الَّذين لَيْسَ لَهُم منزل
يسكنونها. وَقيل؛ سموا بأصحاب الصّفة لأَنهم كَانُوا
يصفونَ على بَاب الْمَسْجِد، لأَنهم غرباء لَا مأوى لَهُم.
قَوْله: (فُقَرَاء) ، ويروى (الْفُقَرَاء) ، بِالْألف
وَاللَّام.
100 - (حَدثنَا مُسَدّد قَالَ حَدثنَا يحيى عَن عبيد الله
قَالَ حَدثنِي نَافِع قَالَ أَخْبرنِي عبد الله بن عمر
أَنه كَانَ ينَام وَهُوَ شَاب أعزب لَا أهل لَهُ فِي
مَسْجِد النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -)
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. (ذكر رِجَاله) وهم قد
ذكرُوا غير مرّة وَأما الْإِسْنَاد بِعَيْنِه تقدم فِي
بَاب كَرَاهَة الصَّلَاة فِي الْمَقَابِر وَيحيى هُوَ
الْقطَّان وَعبيد الله هُوَ ابْن عمر الْعمريّ (ذكر لطائف
إِسْنَاده) فِيهِ التحديث بِصِيغَة الْجمع فِي موضِعين
وَفِيه الْإِخْبَار بِصِيغَة الْإِفْرَاد فِي مَوضِع
وَفِيه العنعنة فِي موضِعين وَرِجَاله مَا بَين مصري ومدني
(ذكر من أخرجه غَيره) أخرجه النَّسَائِيّ فِي الصَّلَاة
أَيْضا عَن عبيد الله بن عمر وَترْجم البُخَارِيّ أَيْضا
على هَذَا الحَدِيث فِي أَوَاخِر الصَّلَاة بَاب فضل قيام
اللَّيْل وَذكره مطولا وَفِيه " كنت غُلَاما شَابًّا وَكنت
أَنَام فِي الْمَسْجِد على عهد رَسُول الله - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - " الحَدِيث وَسَيَأْتِي
الْكَلَام فِيهِ هُنَاكَ إِن شَاءَ الله تَعَالَى وَأخرجه
مُسلم وَابْن ماجة أَيْضا وَلَفظ مُسلم " كنت أَبيت فِي
الْمَسْجِد وَلم يكن لي أهل " وَلَفظ ابْن ماجة " كُنَّا
ننام فِي الْمَسْجِد على عهد رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - ". (ذكر مَعْنَاهُ وَإِعْرَابه)
قَوْله " وَهُوَ شَاب " جملَة اسمية وَقعت حَالا وأعزب صفة
للشاب وَوَقع فِي رِوَايَة أبي ذَر عزب بِدُونِ الْألف
وَقَالَ الْقَزاز فِي الْجَامِع العزب الَّذِي لَا
امْرَأَة لَهُ وَكَذَلِكَ الْمَرْأَة الَّتِي لَا زوج
لَهَا كل وَاحِد مِنْهُمَا عزب وعزبة وَقد عزب الرجل يعزب
عزوبة فَهُوَ عزب وَلَا يُقَال أعزب ورد أَبُو إِسْحَاق
الزّجاج على ثَعْلَب فِي الفصيح فِي قَوْله وَامْرَأَة
عزبة فَقَالَ هَذَا خطأ إِنَّمَا يُقَال رجل أعزب
وَامْرَأَة عزب وَلَا يثنى وَلَا يجمع وَلَا يؤنث
لِأَنَّهُ مصدر قَالَ الشَّاعِر
(يَا من يدل عزبا على عزب ... على فتاة مثل نبراس
الذَّهَب)
النبراس بِكَسْر النُّون وَسُكُون الْبَاء الْمُوَحدَة
الْمِصْبَاح قَالَه الْجَوْهَرِي وَقَالَ ابْن درسْتوَيْه
فِي شَرحه الْعَامَّة تَقول عزبة وَهُوَ يجوز فِي المصادر
إِذا غلبت على الصّفة حَتَّى جرت مجْرى الْأَسْمَاء
وَلَيْسَ بالمختار وَفِي الْمُحكم رجل عزب ومعزابة لَا أهل
لَهُ وَامْرَأَة عزبة وعزب وَالْجمع أعزاب وَجمع العازب
عزاب والعزب اسْم للْجمع وَكَذَلِكَ العزيب اسْم للْجمع
وَقَالَ صَاحب الْمُنْتَهى العزب بِالتَّحْرِيكِ نعت
للذّكر وَالْأُنْثَى وَقَالَ الْكسَائي الْعزبَة الَّتِي
لَا زوج لَهَا وَالْأول أشهر قَوْله " لَا أهل لَهُ " أَي
لِابْنِ عمر رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا قيل العزب هُوَ
الَّذِي لَا زوج لَهُ فَمَا فَائِدَة قَوْله " لَا أهل
لَهُ " وَأجِيب بِأَنَّهُ للتَّأْكِيد أَو التَّعْمِيم
لِأَن الْأَهْل أَعم من الزَّوْجَة قَوْله " فِي مَسْجِد "
يتَعَلَّق بقوله " ينَام ". (ذكر مَا يستنبط مِنْهُ)
وَهُوَ جَوَاز النّوم فِي الْمَسْجِد لغير الْغَرِيب. وَقد
اخْتلف الْعلمَاء فِي ذَلِك فَمِمَّنْ رخص فِي النّوم
فِيهِ ابْن عمر وَقَالَ " كُنَّا نبيت فِيهِ ونقيل على عهد
رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - "
وَعَن سعيد بن الْمسيب وَالْحسن الْبَصْرِيّ وَعَطَاء
وَمُحَمّد بن سِيرِين مثله وَهُوَ وَاحِد قولي الشَّافِعِي
وَاخْتلف عَن ابْن عَبَّاس فروى عَنهُ أَنه قَالَ " لَا
تَتَّخِذُوا الْمَسْجِد مرفدا " وروى عَنهُ أَنه قَالَ "
إِن كنت تنام فِيهِ لصَلَاة فَلَا بَأْس " وَقَالَ مَالك
لَا أحب لمن لَهُ منزل أَن يبيت فِي الْمَسْجِد ويقيل
فِيهِ وَبِه قَالَ أَحْمد وَإِسْحَاق وَقَالَ مَالك " وَقد
كَانَ أَصْحَاب النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّم َ - يبيتُونَ فِي الْمَسْجِد " وَكره النّوم
فِيهِ ابْن مَسْعُود وَطَاوُس وَمُجاهد وَهُوَ قَول
الْأَوْزَاعِيّ وَقد سُئِلَ سعيد بن الْمسيب وَسليمَان بن
يسَار عَن النّوم فِيهِ فَقَالَا كَيفَ تسْأَلُون عَنْهَا
وَقد كَانَ أهل الصّفة ينامون فِيهِ وهم قوم كَانَ مسكنهم
الْمَسْجِد وَذكر الطَّبَرِيّ عَن الْحسن قَالَ رَأَيْت
(4/198)
عُثْمَان بن عَفَّان نَائِما فِيهِ لَيْسَ
حوله أحد وَهُوَ أَمِير الْمُؤمنِينَ قَالَ وَقد نَام فِي
الْمَسْجِد جمَاعَة من السّلف بِغَيْر مَحْذُور
للِانْتِفَاع بِهِ فِيمَا يحل كَالْأَكْلِ وَالشرب
وَالْجُلُوس وَشبه النّوم من الْأَعْمَال وَالله أعلم
101 - (حَدثنَا قُتَيْبَة بن سعيد قَالَ حَدثنَا عبد
الْعَزِيز بن أبي حَازِم عَن أبي سهل بن حَازِم عَن سعد
قَالَ جَاءَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّم َ - بَيت فَاطِمَة فَلم يجد عليا فِي الْبَيْت
فَقَالَ أَيْن ابْن عمك قَالَت كَانَ بيني وَبَينه شَيْء
فغاضبني فَخرج فَلم يقل عِنْدِي فَقَالَ رَسُول الله -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - لإِنْسَان انْظُر
أَيْن هُوَ فجَاء فَقَالَ يَا رَسُول الله هُوَ فِي
الْمَسْجِد رَاقِد فجَاء رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَهُوَ مُضْطَجع قد سقط رِدَاؤُهُ
عَن شقَّه وأصابه تُرَاب فَجعل رَسُول الله - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - يمسحه عَنهُ وَيَقُول قُم
أَبَا تُرَاب قُم أَبَا تُرَاب) مُطَابقَة هَذَا الحَدِيث
للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. (ذكر رِجَاله) وهم أَرْبَعَة.
الأول قُتَيْبَة بن سعيد وَقد تكَرر ذكره. الثَّانِي عبد
الْعَزِيز بن أبي حَازِم بِالْحَاء الْمُهْملَة وَالزَّاي
الْمُعْجَمَة الْمدنِي لم يكن بِالْمَدِينَةِ أفقه مِنْهُ
بعد مَالك مَاتَ سنة أَربع وَثَمَانِينَ وَمِائَة.
الثَّالِث أَبوهُ أَبُو حَازِم واسْمه سَلمَة بِفَتْح
اللَّام بن دِينَار الْأَعْرَج. الرَّابِع سُهَيْل بن سعد
الصَّحَابِيّ وَهُوَ آخر من مَاتَ من الصَّحَابَة (ذكر
لطائف إِسْنَاده) فِيهِ التحديث بِصِيغَة الْجمع فِي
موضِعين وَفِيه العنعنة فِي موضِعين وَهُوَ إِسْنَاد رباعي
وَرُوَاته مدنيون غير شيخ البُخَارِيّ فَإِنَّهُ بلخي (ذكر
تعدد مَوْضِعه وَمن أخرجه غَيره) أخرجه البُخَارِيّ أَيْضا
فِي الاسْتِئْذَان عَن قُتَيْبَة أَيْضا وَأخرجه فِي فضل
عَليّ رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ أَيْضا عَن القعْنبِي
وَأخرجه مُسلم فِي الْفَضَائِل عَن قُتَيْبَة (ذكر
مَعْنَاهُ) قَوْله " أَيْن ابْن عمك " أَرَادَ بِهِ عَليّ
بن أبي طَالب وَفِي الْحَقِيقَة ابْن عَم النَّبِي -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَإِنَّمَا اخْتَار
هَذِه الْعبارَة وَلم يقل أَيْن زَوجك أَو أَيْن عَليّ
لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فهم
أَنه جرى بَينهمَا شَيْء فَأَرَادَ استعطافها عَلَيْهِ
بِذكرِهِ الْقَرَابَة النسبية الَّتِي بَينهمَا قَوْله "
فغاضبني " من بَاب المفاعلة الْمَوْضُوع لمشاركة اثْنَيْنِ
قَوْله " فَلم يقل " بِكَسْر الْقَاف من القيلولة
والقيلولة نوم نصف النَّهَار ذكره ابْن درسْتوَيْه وَفِي
الفصيح (قلت) من القائلة قيلولة وَزعم الزَّمَخْشَرِيّ أَن
الْهَاء فِي القائلة تدل على السَّاعَة كَقَوْلِهِم
الهاجرة وَفِي المصادر للفراء (قلت) وَأَنا أقيل قيلا
وَمَقِيلا وقيلولة وقائلة وَفِي نَوَادِر اللحياني أَنا
قَائِل وَالْجمع قَائِلُونَ وقيال وَفِي الْمُخَصّص قوم
قيل وَفِي الصِّحَاح قيل بِالتَّخْفِيفِ مثل صَاحب وَصَحب
قَوْله " وَهُوَ مُضْطَجع " جملَة اسمية وَقعت حَالا
وَلَكِن فِي الْكَلَام مُقَدّر تَقْدِيره فجَاء رَسُول
الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - إِلَى
الْمَسْجِد وَرَآهُ وَهُوَ مُضْطَجع وَكَذَلِكَ قَوْله "
قد سقط رِدَاؤُهُ " جملَة حَالية قَوْله " عَن شقَّه " أَي
عَن جَانِبه قَوْله " أَبَا تُرَاب " حذف مِنْهُ حرف
النداء وَالتَّقْدِير يَا أَبَا تُرَاب (ذكر مَا يستنبط
مِنْهُ من الْأَحْكَام) الأول فِيهِ جَوَاز دُخُول
الْوَالِد فِي بَيت وَلَده بِغَيْر إِذن زَوجهَا.
الثَّانِي فِيهِ استعطاف الشَّخْص على غَيره بِذكر مَا
بَينهمَا من الْقَرَابَة. الثَّالِث فِيهِ إِبَاحَة النّوم
فِي الْمَسْجِد لغير الْفُقَرَاء ولغير الْغَرِيب وَكَذَا
القيلولة فِي الْمَسْجِد فَإِن عليا لم يقل عِنْد فَاطِمَة
رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا ونام فِي الْمَسْجِد وَفِي
كتاب الْمَسَاجِد لأبي نعيم من حَدِيث بشر بن جبلة عَن أبي
الْحسن عَن عَمْرو بن دِينَار عَن نَافِع بن جُبَير بن
مطعم عَن أَبِيه يرفعهُ " لَا تمنعوا القائلة فِي
الْمَسْجِد مُقيما وَلَا ضيفا ". الرَّابِع فِيهِ الممازحة
للغاضب بالتكنية بِغَيْر كنية إِذا كَانَ ذَلِك لَا يغضبه
بل يؤنسه. الْخَامِس فِيهِ مدارة الصهر وتسلية أمره فِي
غيابه. السَّادِس فِيهِ جَوَاز التكنية بِغَيْر الْوَلَد
فَإِنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - كناه
أَبَا تُرَاب وَفِي البُخَارِيّ فِي كتاب الاسْتِئْذَان
مَا كَانَ لعَلي اسْم أحب إِلَيْهِ من أبي تُرَاب وَإنَّهُ
كَانَ يفرح إِذا دعِي بهَا. السَّابِع فِيهِ الْفَضِيلَة
الْعَظِيمَة لعَلي بن أبي طَالب كرم الله وَجهه
244201 - ح دّثنا يُوسُفُ بنُ عِيسَى قَالَ حدّثنا ابنُ
فُضَيْلٍ عنْ أبِيهِ عنْ أبي حازِمٍ عَنْ أبي
(4/199)
هُرَيْرَةَ قَالَ لَقَدْ رَأَيْتُ
سَبْعِينَ مِنْ أصْحَابِ الصفَّةِ مَا مِنْهُمْ رَجُلٌ
عَلَيْهِ رِدَاءٌ إِمَّا إِزَارٌ وإِمَّا كِسَاءٌ قَدْ
رَبَطُوا فِي أعْنَاقِهِمْ فَمِنْهَا مَا يَبْلُغُ نِصْفَ
السَّاقَيْنِ ومِنْهَا مَا يَبْلُغُ الْكَعْبَيْنِ
فَيَجْمَعُهُ بِيَدِهِ كَرَاهِيَةَ أنْ تُرَى عَوْرَتُهُ.
يُوسُف بن عِيسَى هُوَ الْمروزِي سبق فِي بَاب من تَوَضَّأ
من الْجَنَابَة، وَابْن فُضَيْل، بِضَم الْفَاء وَفتح
الْمُعْجَمَة وَسُكُون الْيَاء آخر الْحُرُوف: هُوَ
مُحَمَّد بن فُضَيْل بن غَزوَان أَبُو عبد الرَّحْمَن
الْكُوفِي، مَاتَ سنة خمس وَتِسْعين وَمِائَة، وَأَبوهُ
فُضَيْل مر فِي بَاب التستر فِي الْغسْل، وَأَبُو حَازِم
هُوَ سلمَان الْأَشْجَعِيّ الْكُوفِي، وَهُوَ أكبر من أبي
حَازِم الَّذِي قبله فِي السن واللقاء، وَإِن كَانَا
جَمِيعًا مدنيين تابعيين ثقتين، وَيحْتَاج الْوَاقِف هُنَا
أَن يكون على التيقظ لِئَلَّا يَقع التلبيس لأجل التشابه.
قَوْله: (لقد رَأَيْت سبعين من أَصْحَاب الصّفة) ،
هَؤُلَاءِ الَّذين رَآهُمْ أَبُو هُرَيْرَة غير السّبْعين
الَّذين بَعثهمْ النَّبِي عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام،
فِي غَزْوَة بِئْر مَعُونَة وَكَانُوا من أهل الصّفة
أَيْضا، لكِنهمْ اسْتشْهدُوا قبل إِسْلَام أبي هُرَيْرَة.
قَوْله: (عَلَيْهِ رِدَاء) هُوَ: مَا يستر النّصْف
الْأَعْلَى من الْبدن، والإزار مَا يكسو النّصْف
الْأَسْفَل. قَوْله: (إِمَّا إِزَار) أَي: فَقَط،
(وَإِمَّا كسَاء) ، على الْهَيْئَة المشروحة فِي الْمَتْن.
قَوْله: (قد ربطوا) أَي: الأكسية، فَحذف الْمَفْعُول
للْعلم بِهِ. قَوْله: (فَمِنْهَا) أَي: فَمن الأكسية
بِاعْتِبَار أَن الكساء جنس. قَوْله: (فيجمعه بِيَدِهِ) ،
أَي: الْوَاحِد مِنْهُم، وَفِي رِوَايَة الْإِسْمَاعِيلِيّ
زِيَادَة وَهِي: إِن ذَلِك فِي حَال كَونهم فِي الصَّلَاة.
95 - (بابُ الصَّلاَةِ إذَا قَدِمَ منْ سَفَرٍ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان الصَّلَاة إِذا قدم الرجل من
سفر، وغالب الْأَبْوَاب فِي هَذَا الْموضع فِيمَا
يتَعَلَّق بالمساجد فَلَا يحْتَاج إِلَى زِيَادَة طلب
وُجُوه المناسبات، فِيهَا.
وَقَالَ كَعْبُ بنُ مالِكٍ كانَ النبيُّ إِذَا قَدِمَ منْ
سَفَرٍ بَدَأَ بِالمَسْجِدِ فَصَلَّي فيهِ.
هَذَا التَّعْلِيق ذكره البُخَارِيّ مُسْندًا فِي غَزْوَة
تَبُوك، وَهُوَ حَدِيث طَوِيل يرويهِ عَن يحيى بن بكير عَن
اللَّيْث عَن عقيل عَن ابْن شهَاب عَن عبد الرَّحْمَن بن
عبد ابْن كَعْب بن مَالك: أَن عبد ابْن كَعْب بن مَالك،
وَكَانَ قَائِد كَعْب من بنيه حِين عمي، قَالَ: سَمِعت
كَعْب بن مَالك يحدثني تخلف عَن غَزْوَة تَبُوك ...
الحَدِيث بِطُولِهِ، يَأْتِي إِن شَاءَ اتعالى، وَفِيه:
(وَأصْبح رَسُول الله قادماً، وَكَانَ إِذا قدم من سفر
بَدَأَ بِالْمَسْجِدِ فَرَكَعَ فِيهِ رَكْعَتَيْنِ ثمَّ
جلس للنَّاس) الحَدِيث، ومطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة.
[344301 ح دّثنا خَلاَّدُ بنُ يَحْيَى قَالَ حدّثنا
مِسْعَرٌ قَالَ حدّثنا مُحَارِبُ بنُ دِثارٍ عنْ جابِرِ
بنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ أتَيْتُ النبيَّ وهْوَ فِي
المَسْجِدِ قَالَ مِسْعَرٌ أَراهُ قَالَ ضُحىً فَقَالَ
صَلِّ ركْعَتَين وكانَ لِي علَيْهِ دَيْنٌ فَقَضَانِي
وَزَادَنِي. (الحَدِيث 344 أَطْرَافه فِي: 1081، 7902،
9032، 5832، 4932، 6042، 0742، 3062، 4062، 8172، 1682،
7692، 7803، 9803، 0903، 2504، 9705، 0805، 3425، 4425،
5425، 6425، 7425، 7635، 7836) .
مطابقته للتَّرْجَمَة من حَيْثُ إِن التَّرْجَمَة فِي
بَيَان الصَّلَاة عِنْد الْقدوم من السّفر، ومشروعية هَذِه
الصَّلَاة أَعم من أَن تكون بِفِعْلِهِ، وَأَن تكون بقوله:
فَبين الأول: بِالْحَدِيثِ الْمُعَلق، وَالثَّانِي:
بِحَدِيث جَابر هَذَا. وَقَالَ بَعضهم: ذكر حَدِيث جَابر
بعد الْمُعَلق ليجمع بَين فعل النَّبِي عَلَيْهِ الصَّلَاة
وَالسَّلَام، وَأمره، فَلَا يظنّ أَن ذَلِك من خَصَائِصه.
قلت: قَوْله: فَلَا يظنّ أَن ذَلِك من خَصَائِصه، لَيْسَ
كَذَلِك، لِأَنَّهُ يشْعر أَن كل فعل يصدر مِنْهُ،
عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام، يظنّ فِيهِ أَنه من
خَصَائِصه، وَلَيْسَ كَذَلِك. فَإِن مَوَاضِع الْخُصُوص
لَهَا قَرَائِن تدل على ذَلِك.
وَقَالَ الْكرْمَانِي. فَإِن قلت: مَا وَجه دلَالَته على
التَّرْجَمَة؟ قلت: هَذَا الحَدِيث مُخْتَصر من مطول ذكره
فِي كتاب الْبيُوع وَغَيره، وَفِيه أَنه قَالَ: (كنت مَعَ
النَّبِي، فِي غزَاة وَاشْترى مني جملا بأوقية، ثمَّ قدم
رَسُول ا، قبلي وقدمت بِالْغَدَاةِ
(4/200)
فَوَجَدته على بَاب الْمَسْجِد، قَالَ:
الْآن قدمت؟ قلت: نعم، قَالَ: فَادْخُلْ فصل رَكْعَتَيْنِ.
قلت: هَذَا فِي الْحَقِيقَة وَجه التَّرْجَمَة على مَا
ذَكرْنَاهُ، وَلكنه اقْتصر على مُجَرّد النَّقْل وَلم يوفِ
حق الْكَلَام. وَقَالَ صَاحب (التَّلْوِيح) : وَلَيْسَ
فِيهِ مَا بوب عَلَيْهِ هَذَا لِأَن لقَائِل أَن يَقُول:
إِن جَابِرا لم يقدم من سفر لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ مَا
يشْعر بذلك. قلت: هَذَا الْكَلَام عَجِيب، وَكَيف هَذَا
والْحَدِيث مُخْتَصر من مطول وَفِيه التَّصْرِيح بقدومه من
السّفر؟ وَقد جرت عَادَة البُخَارِيّ فِي مثل هَذَا على
الإحالة على أصل الحَدِيث.
ذكر رِجَاله وهم أَرْبَعَة: الأول: خَلاد على وزن فعال
بِالتَّشْدِيدِ، مر فِي بَاب من بدا بشقه الْأَيْمن فِي
الْغسْل. الثَّانِي: مسعر، بِكَسْر الْمِيم، مر فِي بَاب
الْوضُوء بِمد. الثَّالِث: محَارب، بِضَم الْمِيم
وَبِالْحَاءِ الْمُهْملَة وبكسر الرَّاء وَفِي آخِره بَاء
مُوَحدَة: ابْن دثاء، بِكَسْر الدَّال الْمُهْملَة وبالثاء
الْمُثَلَّثَة وبالراء: السدُوسِي، قَاضِي الْكُوفَة.
الرَّابِع: جَابر بن عبد االأنصاري.
ذكر لطائف إِسْنَاده فِيهِ: التحديث بِصِيغَة الْجمع فِي
ثَلَاثَة مَوَاضِع. وَفِيه: العنعنة فِي مَوضِع وَاحِد.
وَفِيه: أَن رُوَاته كلهم كوفيون. وَفِيه: من أَفْرَاد
البُخَارِيّ خَلاد بن يحيى.
ذكر تعدد مَوْضِعه وَمن أخرجه غَيره أخرجه البُخَارِيّ فِي
سَبْعَة عشر موضعا: هُنَا عَن خَلاد بن يحيى، وَفِي
الاستقراض كَذَلِك، وَفِي الْهِبَة عَن ثَابت بن مُحَمَّد،
وَفِي الْجِهَاد عَن سُلَيْمَان بن حَرْب، وَفِي الاستقراض
عَن أبي الْوَلِيد، وَفِي الْهِبَة عَن بنْدَار عَن غنْدر،
وَفِي الشَّفَاعَة فِي وضع الْيَدَيْنِ، وَفِي الشُّرُوط
فِي الْجِهَاد فِي أَرْبَعَة مَوَاضِع، وَفِي النِّكَاح
فِي ثَلَاثَة مَوَاضِع، وَفِي النَّفَقَات والدعوات.
وَأخرجه مُسلم فِي الصَّلَاة عَن أَحْمد بن جواس وَفِيه
وَفِي الْبيُوع عَن عبيد ابْن معَاذ، وَفِي الْبيُوع
أَيْضا عَن يحيى بن حبيب. وَأخرجه أَبُو دَاوُد فِي
الْبيُوع عَن أَحْمد بن حَنْبَل. وَأخرجه النَّسَائِيّ
فِيهِ عَن مُحَمَّد بن عبد الْأَعْلَى، وَعَن مُحَمَّد بن
مَنْصُور، وَمُحَمّد بن عبد ابْن يزِيد، وَفِي السّير عَن
عَمْرو بن يزِيد.
ذكر مَعْنَاهُ وَإِعْرَابه قَوْله: (وَهُوَ فِي
الْمَسْجِد) ، جملَة حَالية. قَوْله: (أرَاهُ) ، بِضَم
الْهمزَة أَي: أَظن، وَالضَّمِير الْمَنْصُوب فِيهِ يرجع
إِلَى محَارب. وَهَذَا كَلَام مدرج أَعنِي قَوْله: (قَالَ
مسعر أرَاهُ قَالَ: ضحى) . قَوْله: (فَقَالَ) أَي:
النَّبِي. قَوْله: (وَكَانَ لي عَلَيْهِ دين) ، كَذَا هُوَ
فِي رِوَايَة الْأَكْثَرين، وَفِي رِوَايَة الْحَمَوِيّ.
(وَكَانَ لَهُ) ، أَي: لجَابِر عَلَيْهِ أَي على النَّبِي،
وَهَذَا الدّين كَانَ ثمن جمل جَابر، وَقَالَ بَعضهم:
فِيهِ الْتِفَات، قلت: الِالْتِفَات لَا يَجِيء إلاَّ فِي
رِوَايَة الْحَمَوِيّ لَا مُطلقًا. وَقَالَ النَّوَوِيّ:
هَذِه الصَّلَاة مَقْصُودَة للقدوم من السّفر لَا أَنَّهَا
تَحِيَّة الْمَسْجِد. وَفِيه: اسْتِحْبَاب قَضَاء الدّين
زَائِدا وَهُوَ من بَاب الْمُرُوءَة وَسَيَجِيءُ فَوَائِد
هَذَا الحَدِيث فِي مَوْضِعه إِن شَاءَ اتعالى.
95 - (بابُ الصَّلاَةِ إذَا قَدِمَ منْ سَفَرٍ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان الصَّلَاة إِذا قدم الرجل من
سفر، وغالب الْأَبْوَاب فِي هَذَا الْموضع فِيمَا
يتَعَلَّق بالمساجد فَلَا يحْتَاج إِلَى زِيَادَة طلب
وُجُوه المناسبات، فِيهَا.
وَقَالَ كَعْبُ بنُ مالِكٍ كانَ النبيُّ إِذَا قَدِمَ منْ
سَفَرٍ بَدَأَ بِالمَسْجِدِ فَصَلَّي فيهِ.
هَذَا التَّعْلِيق ذكره البُخَارِيّ مُسْندًا فِي غَزْوَة
تَبُوك، وَهُوَ حَدِيث طَوِيل يرويهِ عَن يحيى بن بكير عَن
اللَّيْث عَن عقيل عَن ابْن شهَاب عَن عبد الرَّحْمَن بن
عبد ابْن كَعْب بن مَالك: أَن عبد ابْن كَعْب بن مَالك،
وَكَانَ قَائِد كَعْب من بنيه حِين عمي، قَالَ: سَمِعت
كَعْب بن مَالك يحدثني تخلف عَن غَزْوَة تَبُوك ...
الحَدِيث بِطُولِهِ، يَأْتِي إِن شَاءَ اتعالى، وَفِيه:
(وَأصْبح رَسُول الله قادماً، وَكَانَ إِذا قدم من سفر
بَدَأَ بِالْمَسْجِدِ فَرَكَعَ فِيهِ رَكْعَتَيْنِ ثمَّ
جلس للنَّاس) الحَدِيث، ومطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة.
[344301 ح دّثنا خَلاَّدُ بنُ يَحْيَى قَالَ حدّثنا
مِسْعَرٌ قَالَ حدّثنا مُحَارِبُ بنُ دِثارٍ عنْ جابِرِ
بنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ أتَيْتُ النبيَّ وهْوَ فِي
المَسْجِدِ قَالَ مِسْعَرٌ أَراهُ قَالَ ضُحىً فَقَالَ
صَلِّ ركْعَتَين وكانَ لِي علَيْهِ دَيْنٌ فَقَضَانِي
وَزَادَنِي. (الحَدِيث 344 أَطْرَافه فِي: 1081، 7902،
9032، 5832، 4932، 6042، 0742، 3062، 4062، 8172، 1682،
7692، 7803، 9803، 0903، 2504، 9705، 0805، 3425، 4425،
5425، 6425، 7425، 7635، 7836) .
مطابقته للتَّرْجَمَة من حَيْثُ إِن التَّرْجَمَة فِي
بَيَان الصَّلَاة عِنْد الْقدوم من السّفر، ومشروعية هَذِه
الصَّلَاة أَعم من أَن تكون بِفِعْلِهِ، وَأَن تكون بقوله:
فَبين الأول: بِالْحَدِيثِ الْمُعَلق، وَالثَّانِي:
بِحَدِيث جَابر هَذَا. وَقَالَ بَعضهم: ذكر حَدِيث جَابر
بعد الْمُعَلق ليجمع بَين فعل النَّبِي عَلَيْهِ الصَّلَاة
وَالسَّلَام، وَأمره، فَلَا يظنّ أَن ذَلِك من خَصَائِصه.
قلت: قَوْله: فَلَا يظنّ أَن ذَلِك من خَصَائِصه، لَيْسَ
كَذَلِك، لِأَنَّهُ يشْعر أَن كل فعل يصدر مِنْهُ،
عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام، يظنّ فِيهِ أَنه من
خَصَائِصه، وَلَيْسَ كَذَلِك. فَإِن مَوَاضِع الْخُصُوص
لَهَا قَرَائِن تدل على ذَلِك.
وَقَالَ الْكرْمَانِي. فَإِن قلت: مَا وَجه دلَالَته على
التَّرْجَمَة؟ قلت: هَذَا الحَدِيث مُخْتَصر من مطول ذكره
فِي كتاب الْبيُوع وَغَيره، وَفِيه أَنه قَالَ: (كنت مَعَ
النَّبِي، فِي غزَاة وَاشْترى مني جملا بأوقية، ثمَّ قدم
رَسُول ا، قبلي وقدمت بِالْغَدَاةِ فَوَجَدته على بَاب
الْمَسْجِد، قَالَ: الْآن قدمت؟ قلت: نعم، قَالَ:
فَادْخُلْ فصل رَكْعَتَيْنِ. قلت: هَذَا فِي الْحَقِيقَة
وَجه التَّرْجَمَة على مَا ذَكرْنَاهُ، وَلكنه اقْتصر على
مُجَرّد النَّقْل وَلم يوفِ حق الْكَلَام. وَقَالَ صَاحب
(التَّلْوِيح) : وَلَيْسَ فِيهِ مَا بوب عَلَيْهِ هَذَا
لِأَن لقَائِل أَن يَقُول: إِن جَابِرا لم يقدم من سفر
لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ مَا يشْعر بذلك. قلت: هَذَا
الْكَلَام عَجِيب، وَكَيف هَذَا والْحَدِيث مُخْتَصر من
مطول وَفِيه التَّصْرِيح بقدومه من السّفر؟ وَقد جرت
عَادَة البُخَارِيّ فِي مثل هَذَا على الإحالة على أصل
الحَدِيث.
ذكر رِجَاله وهم أَرْبَعَة: الأول: خَلاد على وزن فعال
بِالتَّشْدِيدِ، مر فِي بَاب من بدا بشقه الْأَيْمن فِي
الْغسْل. الثَّانِي: مسعر، بِكَسْر الْمِيم، مر فِي بَاب
الْوضُوء بِمد. الثَّالِث: محَارب، بِضَم الْمِيم
وَبِالْحَاءِ الْمُهْملَة وبكسر الرَّاء وَفِي آخِره بَاء
مُوَحدَة: ابْن دثاء، بِكَسْر الدَّال الْمُهْملَة وبالثاء
الْمُثَلَّثَة وبالراء: السدُوسِي، قَاضِي الْكُوفَة.
الرَّابِع: جَابر بن عبد االأنصاري.
ذكر لطائف إِسْنَاده فِيهِ: التحديث بِصِيغَة الْجمع فِي
ثَلَاثَة مَوَاضِع. وَفِيه: العنعنة فِي مَوضِع وَاحِد.
وَفِيه: أَن رُوَاته كلهم كوفيون. وَفِيه: من أَفْرَاد
البُخَارِيّ خَلاد بن يحيى.
ذكر تعدد مَوْضِعه وَمن أخرجه غَيره أخرجه البُخَارِيّ فِي
سَبْعَة عشر موضعا: هُنَا عَن خَلاد بن يحيى، وَفِي
الاستقراض كَذَلِك، وَفِي الْهِبَة عَن ثَابت بن مُحَمَّد،
وَفِي الْجِهَاد عَن سُلَيْمَان بن حَرْب، وَفِي الاستقراض
عَن أبي الْوَلِيد، وَفِي الْهِبَة عَن بنْدَار عَن غنْدر،
وَفِي الشَّفَاعَة فِي وضع الْيَدَيْنِ، وَفِي الشُّرُوط
فِي الْجِهَاد فِي أَرْبَعَة مَوَاضِع، وَفِي النِّكَاح
فِي ثَلَاثَة مَوَاضِع، وَفِي النَّفَقَات والدعوات.
وَأخرجه مُسلم فِي الصَّلَاة عَن أَحْمد بن جواس وَفِيه
وَفِي الْبيُوع عَن عبيد ابْن معَاذ، وَفِي الْبيُوع
أَيْضا عَن يحيى بن حبيب. وَأخرجه أَبُو دَاوُد فِي
الْبيُوع عَن أَحْمد بن حَنْبَل. وَأخرجه النَّسَائِيّ
فِيهِ عَن مُحَمَّد بن عبد الْأَعْلَى، وَعَن مُحَمَّد بن
مَنْصُور، وَمُحَمّد بن عبد ابْن يزِيد، وَفِي السّير عَن
عَمْرو بن يزِيد.
ذكر مَعْنَاهُ وَإِعْرَابه قَوْله: (وَهُوَ فِي
الْمَسْجِد) ، جملَة حَالية. قَوْله: (أرَاهُ) ، بِضَم
الْهمزَة أَي: أَظن، وَالضَّمِير الْمَنْصُوب فِيهِ يرجع
إِلَى محَارب. وَهَذَا كَلَام مدرج أَعنِي قَوْله: (قَالَ
مسعر أرَاهُ قَالَ: ضحى) . قَوْله: (فَقَالَ) أَي:
النَّبِي. قَوْله: (وَكَانَ لي عَلَيْهِ دين) ، كَذَا هُوَ
فِي رِوَايَة الْأَكْثَرين، وَفِي رِوَايَة الْحَمَوِيّ.
(وَكَانَ لَهُ) ، أَي: لجَابِر عَلَيْهِ أَي على النَّبِي،
وَهَذَا الدّين كَانَ ثمن جمل جَابر، وَقَالَ بَعضهم:
فِيهِ الْتِفَات، قلت: الِالْتِفَات لَا يَجِيء إلاَّ فِي
رِوَايَة الْحَمَوِيّ لَا مُطلقًا. وَقَالَ النَّوَوِيّ:
هَذِه الصَّلَاة مَقْصُودَة للقدوم من السّفر لَا أَنَّهَا
تَحِيَّة الْمَسْجِد. وَفِيه: اسْتِحْبَاب قَضَاء الدّين
زَائِدا وَهُوَ من بَاب الْمُرُوءَة وَسَيَجِيءُ فَوَائِد
هَذَا الحَدِيث فِي مَوْضِعه إِن شَاءَ اتعالى.
06 - (بَاب إذَا دَخَلَ أحَدُكُمُ المسْجِدَ فَليرْكَعْ
رَكْعَتَيْنِ قَبْلَ أَن يَجْلِسَ)
أَي: هَذَا بَاب يُقَال فِيهِ: إِذا دخل ... الخ، والنسخ
مُخْتَلفَة فِيهِ، فَفِي بَعْضهَا مثل مَا ذكرنَا، وَفِي
بَعْضهَا: بَاب إِذا دخل الْمَسْجِد فليركع رَكْعَتَيْنِ،
وَفِي بَعْضهَا: إِذا دخل الْمَسْجِد فليركع قبل أَن يجلس،
وَلما كَانَت كلمة: إِذا، هُنَا بِمَعْنى الشَّرْط دخل فِي
جوابها: الْفَاء.
444401 - ح دّثنا عَبْدُ اللَّهِ بنُ يُوسُفَ قَالَ
أخبرنَا مالِكٌ عنْ عامرِ بنِ عَبْدِ اللَّهِ بنِ
الزَبَيْرِ عنْ عَمْرِو بنِ سُلَيْمٍ الزُّرَقِيِّ عنْ أبي
قَتَادَةَ السَّلمِيِّ أنَّ رسولَ اللَّهِ قَالَ: إِذا
دَخَلَ أحَدُكُمُ المَسْجِدَ فَلْيَرْكَعْ رَكْعَتَيْنِ
قَبْلَ أنُ يَجْلِسَ. (الحَدِيث 444 طرفه فِي: 3611) .
التَّرْجَمَة وَمتْن الحَدِيث سَوَاء.
ذكر رِجَاله وهم خَمْسَة: الأول: عبد ابْن يُوسُف
التنيسِي، من أَفْرَاد البُخَارِيّ. الثَّانِي: مَالك بن
أنس. الثَّالِث: عَامر بن عبد ابْن الزبير بن الْعَوام
الْقرشِي الْمدنِي أَبُو الْحَارِث، بِالْمُثَلثَةِ، كَانَ
عَالما عابداً، مر فِي بَاب إِثْم من كذب. الرَّابِع:
عَمْرو، بِفَتْح الْعين: ابْن سليم، بِضَم السِّين:
الزرقي، بِضَم الزَّاي وَفتح الرَّاء وبالقاف:
الْأنْصَارِيّ الْمدنِي. الْخَامِس: أَبُو قَتَادَة،
واسْمه: الْحَارِث، بِالْمُثَلثَةِ: ابْن ربعي، بِكَسْر
الرَّاء وَسُكُون الْبَاء الْمُوَحدَة وبالعين الْمُهْملَة
وبالياء
(4/201)
الْمُشَدّدَة: السّلمِيّ، بِفَتْح السِّين
وَاللَّام كليهمَا. وَقَالَ ابْن الْأَثِير فِي (جَامع
الْأُصُول) : وَأكْثر أَصْحَاب الحَدِيث يكسرون اللَّام
لِأَنَّهُ نِسْبَة إِلَى: سَلمَة، بِكَسْر اللَّام، فَارس
رَسُول ا، رُوِيَ لَهُ مائَة وَسَبْعُونَ حَدِيثا،
للْبُخَارِيّ ثَلَاثَة عشر، مَاتَ بِالْمَدِينَةِ سنة
أَربع وَخمسين.
ذكر لطائف إِسْنَاده فِيهِ: التحديث بِصِيغَة الْجمع فِي
مَوضِع. وَفِيه: الْإِخْبَار كَذَلِك فِي مَوضِع وَاحِد.
وَفِيه: العنعنة فِي ثَلَاثَة مَوَاضِع. وَفِيه: أَن
الْإِسْنَاد كُله مدنِي مَا خلا شيخ البُخَارِيّ.
ذكر تعدد مَوْضِعه وَمن أخرجه غَيره. أخرجه البُخَارِيّ
أَيْضا عَن مكي بن إِبْرَاهِيم. وَأخرجه مُسلم فِي
الصَّلَاة عَن يحيى بن يحيى والقعنبي وقتيبة، ثَلَاثَتهمْ
عَن مَالك بِهِ، وَعَن أبي بكر بن أبي شيبَة. وَأخرجه
أَبُو دَاوُد فِيهِ عَن القعْنبِي بِهِ، وَعَن مُسَدّد عَن
عبد الْوَاحِد بن زِيَاد. وَأخرجه التِّرْمِذِيّ فِيهِ عَن
قُتَيْبَة بِهِ، وَقَالَ: حسن صَحِيح. وَأخرجه
النَّسَائِيّ فِيهِ عَن قُتَيْبَة بِهِ. وَأخرجه ابْن
مَاجَه فِيهِ عَن الْعَبَّاس بن عُثْمَان عَن الْوَلِيد بن
مُسلم عَن مَالك، وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيّ: رَوَاهُ شيخ
يُقَال لَهُ: سعيد بن عِيسَى عَن عبد ابْن إِدْرِيس عَن
زَكَرِيَّا عَن عَامر عَن عبد ابْن الزبير عَن أبي
قَتَادَة وَلم يُتَابع عَلَيْهِ، وَسَعِيد هَذَا ضَعِيف،
وَلَيْسَ هُوَ من حَدِيث زَكَرِيَّا وَلَا من حَدِيث
الشّعبِيّ، وَالْمَحْفُوظ قَول مَالك وَمن تَابعه. وَقَالَ
سُهَيْل بن أبي صَالح:: عَن عَامر بن عبد ابْن الزبير عَن
عَمْرو بن سليم عَن جَابر بن عبد ا، فَوَهم فِي ذكره
جَابِرا. وَقَالَ الطوسي فِي (الْأَحْكَام) ،
وَالتِّرْمِذِيّ فِي (الْجَامِع) : حَدِيث سُهَيْل غير
مَحْفُوظ. وَقَالَ عَليّ بن الْمَدِينِيّ: حَدِيث سُهَيْل
خطأ. وَقَالَ ابْن مَاجَه: رَوَاهُ الْأَوْزَاعِيّ عَن
يحيى بن سعيد عَن عَامر عَن أبي قَتَادَة وَهُوَ وهم.
وَفِي (صَحِيح ابْن حبَان) : عَن أبي قَتَادَة رَفعه
بِزِيَادَة: (قبل أَن يجلس أَو يستخبر) . وَفِي (مُصَنف
ابْن أبي شيبَة) زِيَادَة من طَرِيق حَسَنَة: (أعْطوا
الْمَسَاجِد حَقّهَا. قيل: يَا رَسُول اوما حَقّهَا؟
قَالَ: رَكْعَتَيْنِ قبل أَن يجلس) . وَزَاد أَبُو أَحْمد
الْجِرْجَانِيّ: (وَإِذا دخل بَيته فَلَا يجلس حَتَّى
يرْكَع رَكْعَتَيْنِ، فَإِن اعز وَجل جَاعل لَهُ من ركعتيه
فِي بَيته خيرا) . وَقَالَ إِسْنَاده مُنكر، وَقَالَ أَبُو
مُحَمَّد الإشبيلي: قَالَ البُخَارِيّ: هَذِه الزِّيَادَة
لَا أصل لَهَا، وَأنكر ذَلِك ابْن الْقطَّان. وَزعم أَنه
لَا يَصح نسبته إِلَيْهِ.
ذكر مَعْنَاهُ قَوْله: (فليركع) أَي: فَليصل، أطلق
الْجُزْء وَأَرَادَ الْكل. فَإِن قلت: الشَّرْط سَبَب
للجزاء، فَمَا السَّبَب هَهُنَا؟ أهوَ الرُّكُوع أَو
الْأَمر بِالرُّكُوعِ؟ قلت: إِن أُرِيد بِالْأَمر تعلق
الْأَمر فَهُوَ الْجَزَاء، وَإِلَّا فالجزاء هُوَ لَازم
الْأَمر، وَهُوَ الرُّكُوع، وَالْمرَاد من الرَّكْعَتَيْنِ
تَحِيَّة الْمَسْجِد، وَلَا يتَأَدَّى هَذَا بِأَقَلّ من
رَكْعَتَيْنِ لِأَن هَذَا الْعدَد لَا مَفْهُوم لأكثره
بالِاتِّفَاقِ، وَاخْتلف فِي أَقَله، وَالصَّحِيح
اعتبارهما.
ذكر مَا يستنبط مِنْهُ: قَالَ ابْن بطال: اتّفق أَئِمَّة
الْفَتْوَى أَنه مَحْمُول على النّدب والإرشاد مَعَ
استحبابهم الرُّكُوع لكل من دخل الْمَسْجِد لما رُوِيَ:
أَن كبار أَصْحَاب رَسُول الله يدْخلُونَ الْمَسْجِد ثمَّ
يخرجُون وَلَا يصلونَ، وَأوجب أهل الظَّاهِر فرضا على كل
مُسلم دَاخل فِي وَقت تجوز فِيهِ الصَّلَاة
الرَّكْعَتَيْنِ، وَقَالَ بَعضهم: وَاجِب فِي كل وَقت،
لِأَن فعل الْخَيْر لَا يمْنَع مِنْهُ إلاَّ بِدَلِيل
معَارض لَهُ. وَقَالَ الطَّحَاوِيّ: من دخل الْمَسْجِد فِي
أَوْقَات النَّهْي فَلَيْسَ بداخل فِي أمره بِالرُّكُوعِ
عِنْد دُخُوله الْمَسْجِد، وَاسْتدلَّ الطَّحَاوِيّ أَيْضا
فِي عدم الْوُجُوب بقوله للَّذي رَآهُ يتخطى: إجلس فقد
آذيت، وَلم يَأْمُرهُ بِالصَّلَاةِ. فَقَالَ السفاقسي:
وفقهاء الْأَمْصَار حملُوا هَذَا على النّدب لقَوْله
للَّذي سَأَلَهُ عَن الصَّلَاة: (هَل على غَيرهَا؟ قَالَ:
إلاَّ أَن تطوع) . وَلَو قُلْنَا بوجوبهما لحرم على
الْمُحدث الْحَدث الْأَصْغَر دُخُول الْمَسْجِد حَتَّى
يتَوَضَّأ، وَلَا قَائِل بِهِ، فَإِذا جَازَ دُخُول
الْمَسْجِد على غير وضوء لزم مِنْهُ أَنه لَا يجب عَلَيْهِ
سجودها عِنْد دُخُوله، فَإِن قصد دُخُول الْمَسْجِد
ليُصَلِّي فِيهِ فِي الْأَوْقَات الْمَكْرُوهَة فَلَا يجوز
لَهُ ذَلِك عِنْد الشَّافِعِي. وَقَالَ النَّوَوِيّ: هِيَ
سنة بِإِجْمَاع، فَإِن دخل وَقت كَرَاهَة يكره لَهُ أَن
يُصَلِّيهمَا فِي قَول أبي حنيفَة وَأَصْحَابه، وَحكي
ذَلِك أَيْضا عَن الشَّافِعِي، ومذهبه الصَّحِيح أَن لَا
كَرَاهَة. وَا أعلم. وَقَالَ عِيَاض: وَظَاهر مَذْهَب
مَالك أَنَّهُمَا من النَّوَافِل. وَقيل: من السّنَن،
فَإِن دخل مجتازاً فَهَل يُؤمر بهما؟ خفف فِي ذَلِك مَالك،
وَعَن بعض أَصْحَاب مَالك: إِن من تكَرر دُخُوله
الْمَسْجِد سقطتا عَنهُ، وَاسْتدلَّ بَعضهم بقوله: (قبل
أَن يجلس) ، بأه إِذا خَالف وَجلسَ لَا يشرع لَهُ
التَّدَارُك، ورد هَذَا بِمَا رَوَاهُ ابْن حبَان فِي
(صَحِيحه) من حَدِيث أبي ذَر: (أَنه دخل الْمَسْجِد
فَقَالَ لَهُ النَّبِي عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام:
أركعت رَكْعَتَيْنِ؟ قَالَ: لَا، ثمَّ قَالَ: قُم
فَارْكَعْهُمَا) . ترْجم عَلَيْهِ ابْن حبَان بَاب
تَحِيَّة
(4/202)
الْمَسْجِد لَا تفوت بِالْجُلُوسِ. وَقَالَ
الْمُحب الطَّبَرِيّ: يحْتَمل أَن يُقَال: وقتهما قبل
الْجُلُوس وَقت فَضِيلَة وَبعده وَقت جَوَاز، أَو يُقَال:
وقتهما قبله أَدَاء وَبعده قَضَاء، وَيحْتَمل أَن يحمل
مشروعيتهما بعد الْجُلُوس على مَا إِذا لم يطلّ الْفَصْل.
16 - (بابُ الحَدَثِ فِي المَسْجِدِ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان حكم الْحَدث الْحَاصِل فِي
الْمَسْجِد، وَالْمرَاد مِنْهُ الْحَدث الناقض للْوُضُوء:
كَالرِّيحِ وَنَحْوه، وَقد قيل: المُرَاد مِنْهُ فِي
الْحَدث أَعم من ذَلِك، وَحكى بَعضهم هَذَا ثمَّ فسره
بقوله: أَي مَا لم يحدث سوءا، ثمَّ قَالَ: وَيُؤَيِّدهُ
رِوَايَة مُسلم: (مَا لم يحدث فِيهِ، مَا لم يؤذ فِيهِ) ،
على أَن الثَّانِيَة تَفْسِير للأولى. قلت: لَا نسلم أَن
الثَّانِيَة تَفْسِير للأولى لعدم الْإِبْهَام. غَايَة مَا
فِي الْبَاب ذكر فِيهِ شَيْئَيْنِ: أَحدهمَا: حدث
الْوضُوء، وَالْآخر: حدث الْإِثْم، على أَن مَالِكًا
وَغَيره قد فسروا الْحَدث بِنَقْض الْوضُوء، كَمَا ذكرنَا.
فَإِن قلت: قد ذكر ابْن حبيب عَن إِبْرَاهِيم النَّخعِيّ
أَنه سمع عبد ابْن أبي أوفى يَقُول: هُوَ حدث الْإِثْم.
قلت: لَا مُنَافَاة بَين التفسيرين لِكَوْنِهِمَا مصرحين
فِي يرواية مُسلم، وَفِي رِوَايَة البُخَارِيّ مقتصرة على
تَفْسِير مَالك وَغَيره، وَلِهَذَا فِي رِوَايَة أُخْرَى
للْبُخَارِيّ: (مَا لم يؤذ بِحَدَث فِيهِ) ، فَهَذِهِ تصرح
أَن المُرَاد من الْأَذَى هُوَ الْحَدث الناقض للْوُضُوء
وَعَن هَذَا قَالُوا: إِن رِوَايَة الْجُمْهُور: مَا لم
يحدث، فِي الحَدِيث بِالتَّخْفِيفِ، من: الإحداث، لَا
بِالتَّشْدِيدِ من: التحديث، كَمَا رَوَاهُ بَعضهم،
وَلَيْسَت بصحيحة، وَلِهَذَا قَالَ السفاقسي: لم يذكر
التَّشْدِيد أحد. [/ بلشر
544401 - حدّثنا عَبْدُ ابنُ يُوسُفَ قَالَ أخبرنَا مالِكٌ
عنْ أبي الزِّنَادِ عنِ الأَعْرَجِ عَنْ أبي هُرَيْرَةَ
أَن رسولَ الله قَالَ إِنَّ المَلاَئِكَةَ تُصَلِّي عَلَى
أحدِكُمْ مَا دَامَ فِي مُصَلاَّهُ الَّذِي صَلَّى فِيهِ
مَا لَمْ يحْدِثْ تَقُولُ اللَّهُمَّ اغْفِرْ لَهُ
اللَّهُمَّ ارْحَمْهُ. .
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة لِأَن المُرَاد من قَوْله:
(مَا دَامَ فِي مُصَلَّاهُ الَّذِي صلى فِيهِ) هُوَ
الْمَسْجِد، يدل على ذَلِك رِوَايَة البُخَارِيّ فِيمَا
يتَعَلَّق بالمساجد على مَا يَأْتِي، وَهِي: (فَإِن أحدكُم
إِذا تَوَضَّأ فَأحْسن الْوضُوء وأتى الْمَسْجِد لَا
يُرِيد إلاَّ الصَّلَاة لم يخط خطْوَة إِلَّا رَفعه ابها
دَرَجَة وَحط عَنهُ بهَا خَطِيئَة حَتَّى يدْخل
الْمَسْجِد، فَإِذا دخل الْمَسْجِد كَانَ فِي صَلَاة مَا
كَانَت تحبسه، وَتصلي الْمَلَائِكَة عَلَيْهِ مَا دَامَ
فِي مَجْلِسه الَّذِي يُصَلِّي فِيهِ، اللَّهُمَّ اغْفِر
لَهُ، اللَّهُمَّ ارحمه مَا لم يؤذ بِحَدَث فِيهِ) .
وَالْأَحَادِيث يُفَسر بَعْضهَا بَعْضًا، فَعلم أَن
المُرَاد بقوله: (فِي مُصَلَّاهُ) هُوَ الْمَكَان الَّذِي
يُصَلِّي فِيهِ فِي الْمَسْجِد، وَإِن كَانَ بِحَسب
اللُّغَة يُطلق على الْمُصَلِّي الَّذِي فِي غير
الْمَسْجِد.
ذكر رِجَاله وهم خَمْسَة قذ ذكرُوا غير مرّة، وَأَبُو
الزِّنَاد، بِكَسْر الزَّاي الْمُعْجَمَة بعْدهَا النُّون:
عبد ابْن ذكْوَان، والأعرج هُوَ: عبد ابْن هُرْمُز.
ذكر لطائف إِسْنَاده فِيهِ: التحديث بِصِيغَة الْجمع فِي
مَوضِع وَاحِد. وَفِيه: الْإِخْبَار كَذَلِك. وَفِيه:
العنعنة فِي ثَلَاثَة مَوَاضِع.
ذكر تعدد مَوْضِعه وَمن أخرجه غَيره أخرجه البُخَارِيّ
أَيْضا فِي الصَّلَاة عَن القعْنبِي عَن مَالك وَأخرجه
أَبُو دَاوُد أَيْضا فِيهِ عَن القعْنبِي عَن مَالك.
وَأخرجه النَّسَائِيّ فِيهِ عَن قُتَيْبَة، وَفِي
الْمَلَائِكَة عَن مُحَمَّد بن سَلمَة عَن ابْن الْقَاسِم
عَن مَالك بِهِ. وَأخرجه مُسلم من حَدِيث أبي صَالح عَن
أبي هُرَيْرَة. وَأخرجه البُخَارِيّ أَيْضا من هَذَا
الْوَجْه، وَأخرجه مُسلم أَيْضا من حَدِيث أبي رَافع
الصَّائِغ وَمُحَمّد بن سِيرِين عَن أبي هُرَيْرَة،
وَيَأْتِي فِي البُخَارِيّ أَيْضا من حَدِيث عبد
الرَّحْمَن بن أبي عمْرَة عَن أبي هُرَيْرَة.
ذكر مَعْنَاهُ قَوْله: (إِن الْمَلَائِكَة تصلي) هَكَذَا
فِي رِوَايَة الْكشميهني بِزِيَادَة: إِن، وَفِي رِوَايَة
غَيره: الْمَلَائِكَة، بِدُونِ: أَن قَالَ بَعضهم:
المُرَاد بِالْمَلَائِكَةِ أَو السيارة أَو أَعم من ذَلِك.
قلت: الْمَلَائِكَة جمع محلى بِاللَّامِ فَيُفِيد
الإستغراق. قَوْله: (فِي مُصَلَّاهُ) ، بِضَم الْمِيم:
وَهُوَ اسْم الْمَكَان. قَوْله: (تَقول) بَيَان لقَوْله:
(تصلي) وَتَفْسِير لَهُ. قَوْله: (اللَّهُمَّ اغْفِر لَهُ)
يَعْنِي: يَا ااغفر لَهُ وارحمه، وَالْفرق بَين
الْمَغْفِرَة وَالرَّحْمَة أَن الْمَغْفِرَة ستر
الذُّنُوب، وَالرَّحْمَة إفَاضَة الْإِحْسَان إِلَيْهِ.
ذكر مَا يستنبط مِنْهُ: قَالَ السفاقسي: الْحَدث فِي
الْمَسْجِد خَطِيئَة يحرم بِهِ الْمُحدث اسْتِغْفَار
الْمَلَائِكَة، وَلما لم يكن للْحَدَث فِيهِ كَفَّارَة
ترفع
(4/203)
أَذَاهُ كَمَا يرفع الدّفن أَذَى النخامة فِيهِ عُوقِبَ
بحرمان الاسْتِغْفَار من الْمَلَائِكَة لما آذاهم بِهِ من
الرَّائِحَة الخبيثة. وَقَالَ ابْن بطال: من أَرَادَ أَن
تحط عَنهُ ذنُوبه من غير تَعب فليغتنم مُلَازمَة
مُصَلَّاهُ بعد الصَّلَاة ليستكثر من دُعَاء الْمَلَائِكَة
واستغفارهم لَهُ، فَهُوَ مرجو إجَابَته لقَوْله تَعَالَى:
{وَلَا يشفعون إِلَّا لمن ارتضى} (الْأَنْبِيَاء: 82) .
وَفِيه: بَيَان فَضِيلَة من انْتظر الصَّلَاة مُطلقًا
سَوَاء ثَبت فِي مَجْلِسه ذَلِك من الْمَسْجِد أَو تحول
إِلَى غَيره. وَفِيه: أَن الْحَدث فِي الْمَسْجِد يبطل
ذَلِك، وَلَو اسْتمرّ جَالِسا. وَفِيه: أَن الْحَدث فِي
الْمَسْجِد أَشد من النخامة. وَقَالَ الْمَازرِيّ: أَشَارَ
البُخَارِيّ إِلَى الرَّد على من منع الْمُحدث أَن يدْخل
الْمَسْجِد أَو يجلس فِيهِ. قلت: قد اخْتلف السّلف فِي
جُلُوس الْمُحدث فِي الْمَسْجِد، فَروِيَ عَن أبي
الدَّرْدَاء أَنه خرج من الْمَسْجِد فَبَال ثمَّ دخل،
فَتحدث مَعَ أَصْحَابه وَلم يمس مَاء. وَعَن عَليّ رَضِي
اتعالى عَنهُ، مثله، وَرُوِيَ ذَلِك عَن عَطاء
وَالنَّخَعِيّ وَابْن جُبَير، وَكره ابْن الْمسيب وَالْحسن
الْبَصْرِيّ أَن يتَعَمَّد الْجُلُوس فِي الْمجْلس على غير
وضوء. |