عمدة القاري شرح
صحيح البخاري 27 - (بابُ كَنْسِ المَسْجِدِ والْتِقَاطِ
الخِرَقِ والقَذَى وَالعِيدَانِ مِنْهُ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان فضل كنس الْمَسْجِد، وَهُوَ
إِزَالَة الكناسة مِنْهُ، والالتقاط هُوَ أَن تعثر على
شَيْء من غير قصد وَطلب، و: الْخرق، بِكَسْر الْخَاء وَفتح
الرَّاء جمع: خرقَة، و: القذى، بِفَتْح الْقَاف والذال
الْمُعْجَمَة جمع: قذاة، وَجمع الْجمع: أقذية. قَالَ
الْجَوْهَرِي: القذى فِي الْعين وَالشرَاب: مَا يسْقط
فِيهِ، قلت: المُرَاد مِنْهُ هَهُنَا كسر الأخشاب والقش
وَنَحْو ذَلِك، و: العيدان، جمع: عود، وَهُوَ الْخشب.
قَوْله: (مِنْهُ) لَيْسَ فِي أَكثر النّسخ، وَلَكِن بِقدر
فِيهِ، وَهُوَ يتَعَلَّق بالالتقاط.
(4/229)
854 - ح دّثنا سُلَيْمَانْ بنُ حَرْبٍ
قَالَ حدّثنا حَمَّادُ بنُ زَيْدٍ عَنْ ثابِتٍ عَنْ أبي
رَافِعٍ عَنْ أبي هُرَيْرَةَ أنَّ رَجُلاً أسْوَدَ أَو
امْرَأَةً سَوْدَاءَ كانَ يَقُمُّ المَسْجِدَ فَمَاتَ
فَسَأَلَ النبيُّ عنهُ فَقالُوا ماتَ قالَ أفَلاَ كُنْتُم
آذَنْتُمُونِي بِهِ دُلونِي عَلَى قَبْرِهِ أوْ قَالَ
عَلَى قَبْرِها فَأَتَى قَبْرَهُ فَصَلَّى عَلَيْها.
(الحَدِيث 854 طرفاه فِي: 064. 7331) .
مُطَابقَة الحَدِيث للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (كَانَ يقم
الْمَسْجِد) أَي: يكنسه، فَإِن قلت: الْتِقَاط الْخرق
إِلَى آخِره من جملَة التَّرْجَمَة، وَلَيْسَ فِي الحَدِيث
مَا يدل على ذَلِك، قلت: قَالَ الْكرْمَانِي: لَعَلَّ
البُخَارِيّ حمله بِالْقِيَاسِ على الكنس، وَالْجَامِع
بَينهمَا: التَّنْظِيف. وَقيل: أَشَارَ البُخَارِيّ بذلك
كُله إِلَى مَا ورد فِي بعض طرقه صَرِيحًا: (وَكَانَت
تلْتَقط الْخرق والعيدان من الْمَسْجِد) ، رَوَاهُ ابْن
خُزَيْمَة، وَفِي حَدِيث بُرَيْدَة عَن أَبِيه: (كَانَت
مولعة بلقط القذى من الْمَسْجِد) .
ذكر رِجَاله. وهم خَمْسَة: الأول: سُلَيْمَان بن حَرْب
الواشحي، بِكَسْر الشين الْمُعْجَمَة وَبِالْحَاءِ
الْمُهْملَة، نِسْبَة إِلَى: واشح، بطن من الأزد،
الْبَصْرِيّ. الثَّانِي: حَمَّاد بن زيد، وَقد ذكر غير
مرّة. الثَّالِث: ثَابت الْبنانِيّ. الرَّابِع: أَبُو
رَافع: نفيع، بِضَم النُّون وَفتح الْفَاء وَسُكُون
الْيَاء آخر الْحُرُوف: الصَّائِغ التَّابِعِيّ الْكَبِير،
وَلَقَد وهم من قَالَ: إِنَّه أَبُو رَافع الصَّحَابِيّ،
وَقَالَ: وَهُوَ من رِوَايَة صَحَابِيّ عَن صَحَابِيّ،
وَلَيْسَ كَمَا قَالَ. فَإِن ثَابتا الْبنانِيّ لم يدْرك
أَبَا رَافع الصَّحَابِيّ. الْخَامِس: أَبُو هُرَيْرَة.
ذكر لطائف إِسْنَاده فِيهِ: التحديث بِصِيغَة الْجمع فِي
موضِعين. وَفِيه: العنعنة فِي ثَلَاثَة مَوَاضِع. وَفِيه:
أَن رُوَاته مَا بَين بَصرِي ومدني.
ذكر تعدد مَوْضِعه وَمن أخرجه غَيره. أخرجه البُخَارِيّ
أَيْضا فِي الصَّلَاة عَن أَحْمد بن وَاقد، وَفِي
الْجَنَائِز عَن مُحَمَّد بن الْفضل. وَأخرجه مُسلم أَيْضا
فِي الْجَنَائِز عَن أبي الرّبيع الزهْرَانِي، وَأبي
كَامِل الجحدري. وَأخرجه أَبُو دَاوُد فِيهِ عَن
سُلَيْمَان بن حَرْب ومسدد، وَأخرجه ابْن مَاجَه فِيهِ عَن
أَحْمد بن عَبدة.
ذكر مَعْنَاهُ وَإِعْرَابه قَوْله: (أَو امْرَأَة
سَوْدَاء) ، الشَّك فِيهِ إِمَّا من ثَابت أَو من أبي
رَافع، وَلَكِن الظَّاهِر أَنه من ثَابت لِأَنَّهُ رَوَاهُ
عَنهُ جمَاعَة هَكَذَا، وَأخرج البُخَارِيّ أَيْضا عَن
حَمَّاد بِهَذَا الْإِسْنَاد. قَالَ: وَلَا آراه، إلاَّ
امْرَأَة. وَأخرجه ابْن خُزَيْمَة من طَرِيق الْعَلَاء بن
عبد الرَّحْمَن عَن أَبِيه عَن أبي هُرَيْرَة، فَقَالَ:
(امْرَأَة سَوْدَاء) ، من غير شكّ فِيهَا، وَوَقع فِي
رِوَايَة الْبَيْهَقِيّ: من حَدِيث ابْن بُرَيْدَة عَن
أَبِيه: أَن اسْم الْمَرْأَة أم محجن.
وَفَائِدَة أُخْرَى فِيهِ أَن الَّذِي أجَاب النَّبِي عَن
سُؤَاله عَنْهَا أَبُو بكر الصّديق. قَوْله: (كَانَ يقم) ،
من: قُم، الشَّيْء يقم قماً، من بَاب: نصر ينصر نصرا،
وَمَعْنَاهُ: كنسه، وَالْقُمَامَة، بِضَم الْقَاف:
الكناسة. قَالَه ابْن سَيّده: وَقَالَ اللحياني: قمامة
الْبَيْت مَا كنس مِنْهُ فألقي بعضه على بعض، وَهِي لُغَة
حجازية، والمقمة، بِكَسْر الْمِيم: المكنسة. وَفِي
(الصِّحَاح) وَالْجمع: القمام. قَوْله: (سُئِلَ عَنهُ) ،
أَي عَن حَاله، ومفعول: سَأَلَ، مَحْذُوف أَي: سَأَلَ
النَّاس عَنهُ. قَوْله: (أَفلا كُنْتُم؟) لَا بُد من
مُقَدّر بعد الْهمزَة، وَالتَّقْدِير: أدفنتم؟ فَلَا
كُنْتُم آذنتموني: بِالْمدِّ، أَي: أعلمتنموني بِمَوْتِهِ
حَتَّى أُصَلِّي عَلَيْهِ. وَإِنَّمَا قَالَ ذَلِك لِأَن
صلَاته رَحْمَة وَنور فِي قُبُورهم، على مَا جَاءَ فِي
رِوَايَة مُسلم: (إِن امْرَأَة أَو شَابًّا) الحَدِيث،
وَزَاد فِي آخِره: (إِن هَذِه الْقُبُور مَمْلُوءَة ظلمَة
على أَهلهَا، وَإِن اتعالى ينورها لَهُم بصلاتي عَلَيْهِم)
. قيل: إِن البُخَارِيّ لم يخرج هَذِه الزِّيَادَة
لِأَنَّهَا مدرجة فِي هَذَا الْإِسْنَاد، وَهِي من
مَرَاسِيل ثَابت، بَين ذَلِك غير وَاحِد من أَصْحَاب
حَمَّاد بن زيد. قلت: قَالَ الْبَيْهَقِيّ، الَّذِي يغلب
على الْقلب أَن هَذِه الزِّيَادَة فِي غير رِوَايَة أبي
رَافع عَن أبي هُرَيْرَة، فإمَّا أَن يكون عَن ثَابت عَن
النَّبِي مُرْسلا، كَمَا رَوَاهُ أَحْمد بن عَبدة وَمن
تَابعه، أَو عَن ثَابت عَن أنس عَن النَّبِي كَمَا رَوَاهُ
غير حَمَّاد بن زيد عَن ثَابت عَن أبي رَافع، فَلم
يذكرهَا. وروى ابْن حبَان من حَدِيث خَارِجَة بن زيد بن
ثَابت عَن عَمه يزِيد بن ثَابت، قَالَ: (خرجنَا مَعَ
النَّبِي، فَلَمَّا ورد البقيع إِذْ مر بِقَبْر جَدِيد،
فَسَأَلَ عَنهُ، فَقيل: فُلَانَة. فعرفها، وَقَالَ: أَلا
آذنتموني بهَا؟ قَالُوا: كنت قَائِلا صَائِما فكرهنا أَن
نؤذيك. قَالَ: فَلَا تَفعلُوا لأعرفن، مَا مَاتَ فِيكُم
ميت مَا كنت بَين أظهر كم إلاَّ آذنتموني بِهِ، صَلَاتي
عَلَيْهِ رَحْمَة لَهُ، ثمَّ أَتَى الْقَبْر فصففنا خَلفه
فَكبر عَلَيْهِ أَرْبعا) . انْتهى. كَذَا ذكره فِي
صَحِيحه، وَقَالَ صَاحب (التَّلْوِيح) : وَهُوَ يحْتَاج
إِلَى تَأمل وَنظر، وَذَلِكَ أَن يزِيد قتل بِالْيَمَامَةِ
سنة ثِنْتَيْ عشرَة، وخارجة توفّي سنة مائَة أَو أقل من
ذَلِك، وسنه سَبْعُونَ سنة، فَلَا يتَّجه سَمَاعه مِنْهُ
بِحَال.
(4/230)
ذكر مَا يستنبط مِنْهُ من الْأَحْكَام
فِيهِ: فضل تنظيف الْمَسْجِد، وَقَالَ ابْن بطال. وَفِيه:
الحض على كنس الْمَسَاجِد وتنظيفها لِأَنَّهُ إِنَّمَا
رخصه بِالصَّلَاةِ عَلَيْهِ بعد دَفنه من أجل ذَلِك، وَقد
رُوِيَ عَن النَّبِي أَنه كنس الْمَسْجِد. وَفِيه: خدمَة
الصَّالِحين وَالسُّؤَال عَن الْخَادِم وَالصديق إِذا
غَابَ وافتقاده. وَفِيه: الْمُكَافَأَة بِالدُّعَاءِ
والترحم على من وقف نَفسه على نفع الْمُسلمين ومصالحهم.
وَفِيه: الرَّغْبَة فِي شُهُود جنائز الصَّالِحين. وَفِيه:
جَوَاز الصَّلَاة على الْقَبْر، وَهِي مَسْأَلَة خلافية
جوزها طَائِفَة، مِنْهُم: عَليّ وَأَبُو مُوسَى وَابْن عمر
وَابْن مَسْعُود وَعَائِشَة رَضِي اتعالى عَنْهُم، وَهُوَ
قَول الْأَوْزَاعِيّ وَالشَّافِعِيّ وَأحمد وَإِسْحَاق.
وَمنعه: النَّخعِيّ وَالْحسن الْبَصْرِيّ وَالثَّوْري.
وَهُوَ قَول أبي حنيفَة وَاللَّيْث وَمَالك، وَمِنْهُم من
قَالَ: إِنَّمَا يجوز إِذا لم يصل الْوَلِيّ والوالي، ثمَّ
اخْتلف من قَالَ بِالْجَوَازِ إِلَى كم يجوز؟ فَقيل: إِلَى
شهر، وَقيل: مَا لم يبل جسده، وَقيل: أبدا، وَسَيَأْتِي
مزِيد الْكَلَام فِيهِ فِي الْجَنَائِز، إِن شَاءَ اتعالى.
وَفِيه: اسْتِحْبَاب الْإِعْلَام بِالْمَوْتِ. وَقَالَ
الْكرْمَانِي: وَفِيه: أَن على الرَّاوِي التَّنْبِيه على
شكه فِيمَا رَوَاهُ مشكوكاً.
37 - (بابُ تحْرِيمِ تِجَارَةِ الخَمْرِ فِي المسْجِدِ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان تَحْرِيم تِجَارَة الْخمر،
وَلَا بُد فِيهِ من تَقْدِير مُضَاف، لِأَن المُرَاد
بَيَان ذَلِك، وَتبين أَحْكَامه وَلَيْسَ المُرَاد بِأَن
تَحْرِيمهَا مُخْتَصّ بِالْمَسْجِدِ لِأَنَّهَا حرَام،
سَوَاء كَانَت فِي الْمَسْجِد أَو فِي غَيره، وَقَوله: فِي
الْمَسْجِد، يتَعَلَّق بِالتَّحْرِيمِ لَا بِالتِّجَارَة.
وَقَالَ صَاحب (التَّوْضِيح) : أَخذ من كَلَام ابْن بطال:
وغرض البُخَارِيّ هُنَا فِي هَذَا الْبَاب، وَا أعلم، أَن
الْمَسْجِد لما كَانَ للصَّلَاة وَلذكر اتعالى منزهاً من
الْفَوَاحِش، وَالْخمر والربا من أكبر الْفَوَاحِش يمْنَع
من ذَلِك، فَلَمَّا ذكر الشَّارِع تَحْرِيمهَا فِي
الْمَسْجِد، ذكر أَنه لَا بَأْس بِذكر الْمُحرمَات
والأقذار فِي الْمَسْجِد على وَجه النَّهْي عَنْهَا،
وَالْمَنْع مِنْهَا. انْتهى. وَأخذ بَعضهم من كَلَامه:
فَقَالَ: بَاب تَحْرِيم تِجَارَة الْخمر فِي الْمَسْجِد،
أَي: جَوَاز ذكر ذَلِك. قلت: كل هَذَا خَارج عَن المهيع
أَو تَصَرُّفَات بِغَيْر تَأمل، لِأَنَّهُ لَا فَائِدَة
فِي بَيَان جَوَاز ذكر ذَلِك فِي الْمَسْجِد، إِذْ هُوَ
مُبين من الْخَارِج، وَلَيْسَ غَرَض البُخَارِيّ ذَلِك،
وَإِنَّمَا غَرَضه بَيَان أَن تَحْرِيم تِجَارَة الْخمر
وَقع فِي الْمَسْجِد، لِأَن ظَاهر حَدِيث الْبَاب مُصَرح
بذلك، لِأَن عَائِشَة. قَالَت: لما نزلت الْآيَات من
سُورَة الْبَقَرَة فِي الرِّبَا خرج النَّبِي إِلَى
الْمَسْجِد إِلَى آخِره، فَهَذَا ظَاهره أَن تَحْرِيم
تِجَارَة الْخمر بعد نزُول آيَات الرِّبَا. فَإِن قلت:
كَانَ تَحْرِيم الْخمر قبل نزُول آيَات الرِّبَا بِمدَّة
طَوِيلَة، كَمَا صَرَّحُوا بِهِ، فَلَمَّا حرمت الْخمر
حرمت التِّجَارَة فِيهَا أَيْضا قطعا، فَمَا الْفَائِدَة
فِي ذكر تَحْرِيم تجارتها هَهُنَا. قلت: يحْتَمل كَون
تَحْرِيم التِّجَارَة فِيهَا قد تَأَخَّرت عَن وَقت
تَحْرِيم عينهَا، وَيحْتَمل أَن يكون ذكره هُنَا
تَأْكِيدًا ومبالغة فِي إِشَاعَة ذَلِك، أَو يكون قد حضر
الْمجْلس من لم يبلغهُ تَحْرِيم التِّجَارَة فِيهَا قبل
ذَلِك، فَأَعَادَ ذكر ذَلِك للإعلام لَهُم، وَكَانَ ذَلِك
وَرَسُول الله فِي الْمَسْجِد، وَهَذَا أَيْضا هُوَ موقع
التَّرْجَمَة، وَلَيْسَ ذَلِك مثل مَا قَالَ بَعضهم: وموقع
التَّرْجَمَة أَن الْمَسْجِد منزه عَن الْفَوَاحِش قولا
وفعلاً، لَكِن يجوز ذكرهَا فِيهِ للتحذير مِنْهَا. انْتهى.
قلت: إِذا كَانَ ذكر الْفَوَاحِش جَائِزا فِي الْمَسْجِد
لأجل التحذير، فَمَا وَجه تَخْصِيص ذكر فَاحِشَة تَحْرِيم
الْخمر فِي الْمَسْجِد؟ وَجَوَاب هَذَا يلْزم هَذَا
الْقَائِل، فعلى مَا ذكرنَا لَا يرد سُؤال فَلَا يحْتَاج
إِلَى جَوَاب.
954811 - ح دّثنا عَبْدَانُ عَنْ أبي حَمْزَة عنِ
الأَعْمَشِ عنْ مسْلِمٍ عَنْ مَسْرُوقٍ عَنْ عائِشَةَ
قالَتْ لَمَّا أُنْزِلَتِ الآياتُ مِنْ سُورَةِ البَقَرَةِ
فِي الرِّبَا خَرَجَ النبيُّ إلَى المَسْجِدِ
فَقَرَأَهُنَّ عَلَى النَّاسِ ثُمَّ حَرَّمَ تِجَارَةَ
الخَمْرِ. (الحَدِيث 954 أَطْرَافه فِي: 4802، 6222، 0454،
1454، 2454، 3454) .
مُطَابقَة الحَدِيث للتَّرْجَمَة قد ذَكرنَاهَا الْآن.
ذكر رِجَاله وهم سِتَّة: الأول: عَبْدَانِ: هُوَ عبد ابْن
عُثْمَان الْمروزِي، وعبدان، بِفَتْح الْعين وَسُكُون
الْبَاء الْمُوَحدَة: لقب لَهُ قَالَ البُخَارِيّ: مَاتَ
سنة إِحْدَى وَعشْرين وَمِائَتَيْنِ، وَأَصله من
الْبَصْرَة. الثَّانِي: أَبُو حَمْزَة، بِالْحَاء
الْمُهْملَة وَالزَّاي: اسه مُحَمَّد بن مَيْمُون السكرِي،
مر فِي بَاب نفض الْيَدَيْنِ فِي الْغسْل. الثَّالِث:
سُلَيْمَان الْأَعْمَش.
(4/231)
الرَّابِع: مُسلم بن صبيح، بِضَم الصَّاد
وَفتح الْبَاء الْمُوَحدَة: وكنيته أَبُو الضُّحَى
الْكُوفِي. الْخَامِس: مَسْرُوق بن الأجدع الْكُوفِي.
السَّادِس: عَائِشَة رَضِي اتعالى عَنْهَا.
ذكر لطائف إِسْنَاده فِيهِ: التحديث بِصِيغَة الْجمع فِي
مَوضِع وَاحِد. وَفِيه: العنعنة فِي خَمْسَة مَوَاضِع.
وَفِيه: أَن رُوَاته مَا بَين مروزي وكوفي. وَفِيه:
ثَلَاثَة من التَّابِعين يروي بَعضهم عَن بعض وهم:
الْأَعْمَش وَمُسلم ومسروق.
ذكر تعدد مَوْضِعه وَمن أخرجه غَيره. أخرجه البُخَارِيّ
أَيْضا فِي الْبيُوع عَن مُسلم بن إِبْرَاهِيم، وَفِي
التَّفْسِير عَن بشر بن خَالِد، وَفِيه أَيْضا عَن عمر بن
حَفْص، وَفِي الْبيُوع وَالتَّفْسِير أَيْضا عَن مُحَمَّد
بن بشار. وَأخرجه مُسلم فِي الْبيُوع عَن أبي بكر بن أبي
شيبَة وَأبي كريب وَإِسْحَاق بن إِبْرَاهِيم وَعَن زُهَيْر
بن حَرْب. وَأخرجه أَبُو دَاوُد فِيهِ عَن مُسلم بن
إِبْرَاهِيم بِهِ، وَعَن عُثْمَان عَن أبي مُعَاوِيَة.
وَأخرجه النَّسَائِيّ فِيهِ، وَفِي التَّفْسِير عَن بشر بن
خَالِد بِهِ، وَعَن مَحْمُود بن غيلَان. وَأخرجه ابْن ماجة
فِي الْأَشْرِبَة عَن أبي بكر بن أبي شيبَة، وَعَن عَليّ
بن مُحَمَّد، كِلَاهُمَا عَن أبي مُعَاوِيَة الضَّرِير
بِهِ.
ذكر مَعْنَاهُ قَوْله: (لما نزلت الْآيَات) هِيَ من قَوْله
تَعَالَى: {الَّذين يَأْكُلُون الرِّبَا لَا يقومُونَ
إِلَّا كَمَا يقوم الَّذِي يتخبطه الشَّيْطَان من الْمس}
(الْبَقَرَة: 572) إِلَى قَوْله: {لَا تظْلمُونَ وَلَا
تظْلمُونَ} (الْبَقَرَة: 972) وروى ابْن أبي حَاتِم
بِإِسْنَادِهِ عَن ابْن عَبَّاس أَنه قَالَ: (آكل الرِّبَا
يبْعَث يَوْم الْقِيَامَة مَجْنُونا يخنق) . قَالَ:
وَرُوِيَ عَن عَوْف بن مَالك وَسَعِيد بن جُبَير
وَالسُّديّ وَالربيع بن أنس وَمُقَاتِل بن حَيَّان نَحْو
ذَلِك، وروى ابْن جريرج فال: حَدثنِي الْمثنى حدّثنا مُسلم
بن إِبْرَاهِيم حدّثنا ربيعَة بن كُلْثُوم حدّثنا أبي عَن
سعيد بن جُبَير عَن ابْن عَبَّاس، قَالَ: (يُقَال يَوْم
الْقِيَامَة لآكل الرِّبَا: خُذ سِلَاحك للحرب، وَقَرَأَ:
{لَا يقومُونَ إِلَّا كَمَا يقوم الَّذِي بتخبطه
الشَّيْطَان من الْمس} (الْبَقَرَة: 572) قَالَ: وَذَلِكَ
حِين يقوم من قَبره) . قَوْله: (من سُورَة الْبَقَرَة)
وَفِي لفظ للْبُخَارِيّ: (لما نزلت الْآيَات من آخر سُورَة
الْبَقَرَة فِي الرِّبَا، قَرَأَهَا رَسُول الله على
النَّاس ثمَّ حرم التِّجَارَة فِي الْخمر) . وَقَالَ ابْن
كثير فِي تَفْسِيره: قَالَ بعض من تكلم على هَذَا الحَدِيث
من الْأَئِمَّة: لما حرم الرِّبَا ووسائله حرم الْخمر،
وَمَا يُفْضِي إِلَيْهِ من تِجَارَة وَنَحْو ذَلِك. قلت:
ظَاهر هَذَا يدل على أَن تَحْرِيم الْخمر كَانَ مَعَ
تَحْرِيم الرِّبَا، وَلَكِن قَالُوا: إِن تَحْرِيم الْخمر
قبل تَحْرِيم الرِّبَا بِمدَّة طَوِيلَة، كَمَا ذكرنَا عَن
قريب. والربا: مَقْصُور، من: رَبًّا يَرْبُو إِذا زَاد
فَيكْتب بِالْألف، وَأَجَازَ الْكُوفِيُّونَ كتبه
بِالْيَاءِ بِسَبَب الكسرة فِي أَوله، وَقد كتب فِي
الْمُصحف: بِالْوَاو. قَالَ الْفراء: إِنَّمَا كتبوه
بِالْوَاو لِأَن أهل الْحجاز تعلمُوا الْخط من أهل
الْحيرَة ولغتهم الربو، فعلموهم صُورَة الْخط على لغتهم،
قَالَ: وَيجوز كتبه بِالْألف وبالواو وبالياء. قَوْله:
(تِجَارَة الْخمر) أَي: بيعهَا وشراءها.
47 - (بابُ الخَدَمِ لِلْمَسْجِدِ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان أَمر الخدم، بِفَتْح الْخَاء
وَالدَّال: جمع خَادِم، هَكَذَا بِكَلِمَة: فِي فِي
رِوَايَة كَرِيمَة، وَفِي رِوَايَة الْأَكْثَرين: الخدم
لِلْمَسْجِدِ، بِاللَّامِ: وَكَانَ الْمُنَاسب أَن يكون
هَذَا الْبَاب عقيب بَاب: كنس الْمَسْجِد، على مَا لَا
يخفى.
وَقَالَ ابنُ عَبَّاسٍ {نَذَرْتُ لَكَ مَا فِي بَطْنِي}
تَعْنِي {مُحَرَّراً} لِلْمَسْجِدِ يخْدُمُها.
13
- 50 أَشَارَ البُخَارِيّ بِهَذَا التَّعْلِيق إِلَى أَن
تَعْظِيم الْمَسْجِد بِالْخدمَةِ كَانَ مَشْرُوعا أَيْضا
فِي الْأُمَم الْمَاضِيَة، أَلاَ ترى أَن اتعالى حكى عَن
حنة أم مَرْيَم أَنَّهَا لما حبلت نذرت تَعَالَى أَن يكون
مَا فِي بَطنهَا محرراً، يَعْنِي عتيقاً يخْدم الْمَسْجِد
الْأَقْصَى، وَلَا يكون لأحد عَلَيْهِ سَبِيل، وَلَوْلَا
أَن خدمَة الْمَسَاجِد مِمَّا يتَقرَّب بِهِ إِلَى اتعالى
لما نذرت بِهِ، وَهَذَا أَيْضا مَوضِع التَّرْجَمَة. وَأما
التَّعْلِيق الْمَذْكُور فَإِن الضَّحَّاك ذكره عَن ابْن
عَبَّاس فِي تَفْسِيره. قَوْله: (تَعْنِي) بِلَفْظ
الْمُؤَنَّث الْغَائِب، لِأَنَّهُ يرجع إِلَى حنة أم
مَرْيَم، و: حنة، بِفَتْح الْحَاء الْمُهْملَة وَتَشْديد
النُّون. قَوْله: (يخدمها) ، ويروى: (ويخدمه) ، أَي: يخْدم
الْمَسْجِد، وعَلى الأول: يخْدم الْمَسَاجِد أَو الأَرْض
المقدسة، وَنَحْو ذَلِك.
064911 - ح دّثنا أحْمَدُ بنُ وَاقِدٍ قَالَ حدّثنا
حَمَّادٌ عنْ ثابِتٍ عنْ أبي رَافِعٍ عنْ أبي هُرَيْرَة
(4/232)
َ أنَّ امْرَأَةً أوْ رَجُلاً كانَتْ
تَقُمُّ المَسْجِدَ ولاَ أَرَاهُ إِلاَّ امْرَأَةً
فَذَكَرَ حَدِيثَ النبيِّ أنَّهُ صلَّى عَلَى قَبْرِهِ.
(انْظُر الحَدِيث 854 وطرفه) .
وَجه مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهر، وَالْكَلَام فِيهِ قد مر
مُسْتَوفى عَن قريب، وَأحمد بن وَاقد بِالْقَافِ هُوَ
أَحْمد بن عبد الْملك بن وَاقد الْحَرَّانِي أَبُو يحيى،
مَاتَ سنة إِحْدَى وَعشْرين وَمِائَتَيْنِ بِبَغْدَاد،
وَحَمَّاد هُوَ ابْن زيد، وثابت الْبنانِيّ وَأَبُو رَافع
نفيع، وَقد مر ذكرهم. قَوْله: (وَلَا أرَاهُ) ، بِضَم
الْهمزَة أَي: لَا أَظُنهُ، وَهَذَا من كَلَام أبي رَافع،
وَيحْتَمل أَن يكون من كَلَام أبي هُرَيْرَة، رَضِي اتعالى
عَنهُ. قَوْله: (فَذكر) أَي: أَبُو هُرَيْرَة رَضِي اتعالى
عَنهُ، ذكر حَدِيث النَّبِي عَلَيْهِ الصَّلَاة
وَالسَّلَام، الَّذِي تقدم فِي الْبَاب السَّابِق.
57 - (بابُ الأَسِيرِ أَو الغَرِيمِ يُرْبَطُ فِي
المَسْجِدِ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان إِبَاحَة ربط الْأَسير أَو
الْغَرِيم فِي الْمَسْجِد، وَكَانَ القَاضِي شُرَيْح
يَأْمر بربط الْغَرِيم فِي سَارِيَة من سواري الْمَسْجِد.
قَوْله: (الْأَسير) ، فعيل بِمَعْنى مفعول، قَالَ
الْجَوْهَرِي: أسره أَي: شده بالإسار، وَهُوَ الْقد،
وَمِنْه سمي الْأَسير. وَكَانُوا يشدونه بالقد فَسُمي كل
أخيذ أَسِيرًا، وَإِن لم يشد بِهِ، والغريم هُوَ الَّذِي
عَلَيْهِ الدّين، وَقد يكون الْغَرِيم لَهُ الدّين،
وَالْمرَاد هُنَا الأول. قَوْله: (يرْبط) ، جملَة وَقعت
حَالا من كل وَاحِد من: الْأَسير والغريم، بِتَقْدِير
جملَة أُخْرَى نَحْوهَا للمطعوف عَلَيْهِ، وَرِوَايَة
الْأَكْثَرين بِكَلِمَة: أَو الَّتِي للتنويع، وَفِي
رِوَايَة ابْن السكن وَغَيره: والغريم، بواو الْعَطف.
164121 - ح دّثنا إسْحَاقُ بنُ إبْرَاهِيمَ قَالَ أخبرنَا
رَوْحٌ وَمُحَمَّدُ بنُ جَعْفَرٍ عنْ شُعْبَةَ عنْ
محَمَّدٍ بنِ زِيادٍ عَنْ أبي هُرَيْرَةَ عنِ النَّبيِّ
قَالَ إنَّ عِفْرِيتاً مِنَ الجنِّ تَفَلَّتَ عَلَيَّ
البَارِحَةَ أوْ كَلِمَةً نحْوَها لِيقْطَعَ عَلَيَّ
الصَّلاَةَ فَأَمْكَنَنِي اللَّهُ مِنهُ فَأَرَدْتُ إِنْ
أرْبِطَهُ إِلَى سارِية مِنْ سَوَارِي المسْجدِ حَتَّى
تُصْبِحُوا وتَنْظُرُوا إِلَيْهِ كُلُّكُمْ فَذَكرْتُ
قَوْلَ أخِي سُلَيْمَانَ رَبِّ هَبْ لِي مُلْكاً لاَ
يَنْبَغِي لأحَدٍ مِنْ بَعْدي قَالَ رَوْحٌ فرَدَّهُ
خاسِئاً. (الحَدِيث 164 أَطْرَافه فِي: 0121، 4823، 3243،
8084) .
11
- 50 وَجه مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (الْأَسير) ،
ظَاهر، وَأما فِي قَوْله: (والغريم) فبالقياس عَلَيْهِ،
لِأَن الْغَرِيم مثل الْأَسير فِي يَد صَاحب الدّين.
ذكر رِجَاله وهم سِتَّة: الأول: إِسْحَاق بن إِبْرَاهِيم
وَهُوَ ابْن رَاهَوَيْه، تقدم فِي كتاب الْعلم. الثَّانِي:
روح، بِفَتْح الرَّاء: ابْن عبَادَة، بِضَم الْعين
الْمُهْملَة وخفة الْبَاء الْمُوَحدَة. الثَّالِث:
مُحَمَّد بن جَعْفَر الْمَشْهُور بغندر. الرَّابِع:
شُعْبَة بن الْحجَّاج. الْخَامِس: مُحَمَّد بن زِيَاد،
بِكَسْر الزَّاي الْمُعْجَمَة وَتَخْفِيف الْيَاء آخر
الْحُرُوف، تقدم ذكره فِي بَاب غسل الأعقاب. السَّادِس:
أَبُو هُرَيْرَة رَضِي اتعالى عَنهُ.
ذكر لطائف إِسْنَاده) فِيهِ: التحديث بِصِيغَة الْجمع فِي
موضِعين. وَفِيه: العنعنة فِي أَرْبَعَة مَوَاضِع. وَفِيه:
رِوَايَة إِسْحَاق عَن شيخين. وَفِيه: القَوْل بَينه
وَبَينهمَا. وَفِيه: أَن رُوَاته مَا بَين مروزي وبصري.
ذكر تعدد مَوْضِعه وَمن أخرجه غَيره: أخرجه البُخَارِيّ
أَيْضا فِي الصَّلَاة عَن مُحَمَّد بن بشار، وَفِي
التَّفْسِير عَن إِسْحَاق بن إِبْرَاهِيم أَيْضا، وَفِي
أَحَادِيث الْأَنْبِيَاء عَلَيْهِم الصَّلَاة وَالسَّلَام،
عَن مُحَمَّد بن بشار أَيْضا، وَفِي صفة إِبْلِيس عَن
مَحْمُود وَمُحَمّد فرقهما، كِلَاهُمَا عَن شَبابَة.
وَأخرجه مُسلم فِي الصَّلَاة عَن إِسْحَاق بن إِبْرَاهِيم
وَإِسْحَاق بن مَنْصُور، وَعَن مُحَمَّد بن بشار عَن
غنْدر، وَعَن أبي بكر بن أبي شيبَة. وَأخرجه النَّسَائِيّ
فِي التَّفْسِير عَن غنْدر عَن بنْدَار.
ذكر مَعْنَاهُ وَإِعْرَابه قَوْله: (إِن عفريتا) قَالَ
ابْن الْحَاجِب: وَزنه: فعليت وَفِي (الْمُحكم) : رجل عفر
وعفرية وعفاريت وعفريت، بيّن العفارة: خَبِيث مُنكر.
وَقَالَ الزّجاج: العفريت النَّافِذ فِي الْأَمر المبالغ
فِيهِ، من: خبث ودهاء، وَقد تعفرت. وَفِي (الْجَامِع) :
والشيطان عفريت وعفرية وهم العفاريت والعفارية، وَفِي
الْقُرْآن: {قَالَ عفريت من الْجِنّ} (النَّمْل: 93)
وَقَرَأَ بعض الْقِرَاءَة: قَالَ عفرية من الْجِنّ، قَالَ
الْجَوْهَرِي: إِذا سكنت الْبَاء صيرت الْهَاء تَاء،
وَإِذا حركتها فالتاء هَاء فِي الْوَقْف. قَوْله: (من
الْجِنّ) ، قَالَ ابْن
(4/233)
سَيّده: الْجِنّ نوع من الْعَالم،
وَالْجمع: جنان، وهم: الْجنَّة، والجني مَنْسُوب إِلَى
الْجِنّ، وَالْجنَّة طائف من الْجِنّ، والمجنة الْجِنّ،
وَأَرْض مجنة: كَثِيرَة الْجِنّ، والجان: أَبُو الْجِنّ،
والجان: الْجِنّ، وَهُوَ اسْم جمع.
وَاعْلَم أَن الْمَوْجُود الْمُمكن الَّذِي لَيْسَ بمتحيز
وَلَا صفة للمتحيز هم الْأَرْوَاح، وَهِي: إِمَّا سفلية
وَإِمَّا علوِيَّة. فالسفلية: إِمَّا خيرة وهم: صالحو
الْجِنّ، أَو شريرة وهم مَرَدَة الشَّيَاطِين. والعلوية:
إِمَّا مُتَعَلقَة بالأجسام: وَهِي الْأَرْوَاح الفلكية،
أَو غير مُتَعَلقَة بالأجسام: وَهِي الْأَرْوَاح المقدسة.
وَقَالَ ابْن دُرَيْد: الْجِنّ خلاف الْإِنْس، يُقَال: جنه
اللَّيْل وأجنه وجن عَلَيْهِ وغطاه فِي معنى وَاحِد: إِذا
ستره، وكل شَيْء استتر فقد جن عَنْك، وَبِه سميت الْجِنّ،
وَقَالَ ابْن عقيل: إِنَّمَا سمي الْجِنّ جناً لاستجنانهم
واستتارهم عَن الْعُيُون، وَمِنْه سمي الْجَنِين جَنِينا.
قَوْله: (تفلت) ، بِفَتْح الْفَاء وَتَشْديد اللَّام: أَي
تعرض لي فلتة أَي بَغْتَة. وَفِي (الْمُحكم) : أفلت
الشَّيْء إِذا أَخذه بَغْتَة فِي سرعَة، و: كَانَ ذَلِك
فلتة أَي: فَجْأَة، وَالْجمع: فلتات، لَا يُجَاوز بهَا جمع
السلامية، والفلتة الْأَمر يَقع من غير إحكام. وَفِي
(الْمُنْتَهى) : تفلت علينا وإلينا. وَفِي (الصِّحَاح) :
أفلت الشَّيْء يفلت وانفلت بِمَعْنى، وأفلته غَيره.
قَوْله: (البارحة) ، هِيَ أقرب لَيْلَة مَضَت. وَفِي
(الْمُنْتَهى) : كل زائل بارح، وَمِنْه سميت البارحة أدنى
لَيْلَة زَالَت عَنْك، تَقول: لَقيته البارحة، والبارحة
الأولى، ومنذ ثَلَاث لَيَال. وَفِي (الْمُحكم) : البارحة
هِيَ اللَّيْلَة الخالية وَلَا تحقر، وَقَالَ قَاسم فِي
(كتاب الدَّلَائِل) : يُقَال: بارحة الأولى يُضَاف الِاسْم
إِلَى الصّفة، كَمَا يُقَال: مَسْجِد الْجَامِع، وَمِنْه
الحَدِيث: (كَانَت لي شَاة فَعدا عَلَيْهَا الذِّئْب بارحة
الأولى) . وانتصابها على الظَّرْفِيَّة. قَوْله: (أَو كلمة
نَحْوهَا) أَي: أَو قَالَ كلمة، نَحْو: تفلت عَليّ
البارحة، مثل قَوْله فِي رِوَايَة أُخْرَى للْبُخَارِيّ:
(عرض لي فَشد عَليّ) ، وَوَقع فِي رِوَايَة عبد
الرَّزَّاق: (عرض لي فِي صُورَة هر) ، وَفِي رِوَايَة
مُسلم من حَدِيث أبي الدَّرْدَاء: (جَاءَ بشهاب من نَار
ليجعله فِي وَجْهي) . قَوْله: (إِلَى سَارِيَة) وَهِي
الأسطوانة. قَوْله: (حَتَّى تصبحوا) ، أَي: حَتَّى
تدْخلُوا فِي الصَّباح، وَهِي تَامَّة لَا تحْتَاج إِلَى
خبر. قَوْله: (كلكُمْ) ، بِالرَّفْع تَأْكِيد للضمير
الْمَرْفُوع. قَوْله: (رب اغْفِر لي وهب لي) كَذَا فِي
رِوَايَة أبي ذَر، وَفِي بَقِيَّة الرِّوَايَات هُنَا: (رب
هَب لي) ، قَالَ الْكرْمَانِي: وَلَعَلَّه ذكره على قصد
الاقتباس من الْقُرْآن، لَا على قصد أَنه قُرْآن. انْتهى.
وَوَقع فِي رِوَايَة مُسلم، كَمَا فِي رِوَايَة أبي ذَر:
والأخوة بَين سُلَيْمَان وَبَين سيدنَا مُحَمَّد بِحَسب
أصُول الدّين أَو بِحَسب الْمُمَاثلَة فِي الدّين. قَوْله:
(قَالَ روح فَرده خاسئاً) أَي: قَالَ روح بن عبَادَة
الْمَذْكُور فِي سَنَد الحَدِيث، فَرده النَّبِي، أَي:
العفريت، حَال كَونه خاسئاً أَي: مطروداً. وَفِي
(الْمُحكم) : الخاسىء من الْكلاب والخنازير
وَالشَّيَاطِين: الْبعيد الَّذِي لَا يتْرك أَن يدنو من
النَّاس، وخسأ الْكَلْب يخسأ خسأً وخسوءاً فخسأ وانخسأ،
وَيُقَال: اخْسَأْ إِلَيْك واخسأ عني. وَفِي (الصِّحَاح) :
خسأت الْكَلْب طردته، وخسأ الْكَلْب نَفسه، يتعدي وَلَا
يتَعَدَّى، وَيكون الخاسىء بِمَعْنى: الصاغر الذَّلِيل،
ثمَّ إِن قَوْله هَذَا بِحَسب الظَّاهِر يدل على أَن هَذِه
الزِّيَادَة فِي رِوَايَة روح دون رَفِيقه مُحَمَّد بن
جَعْفَر، وَلَكِن البُخَارِيّ روى فِي أَحَادِيث
الْأَنْبِيَاء عَن مُحَمَّد بن بشار عَن مُحَمَّد بن
جَعْفَر وَحده، فَزَاد فِي آخِره أَيْضا: (فرددته خاسئاً)
، وَفِي رِوَايَة مُسلم: (فَرده اخاسئاً) ، فعل هَذَا دلّ
على أَن قَوْله: قَالَ روح، دَاخل تَحت الْإِسْنَاد،
وَبِهَذَا يحصل الْجَواب عَن قَول الْكرْمَانِي. فَإِن
قلت: هَذَا تَعْلِيق للْبُخَارِيّ مِنْهُ، أَو هُوَ دَاخل
تَحت الْإِسْنَاد السَّابِق.
ذكر مَا يستنبط مِنْهُ من الْفَوَائِد الأولى: قَالَ
الْخطابِيّ: فِيهِ دَلِيل على أَن رُؤْيَة الْجِنّ الْبشر
غير مستحيلة، وَالْجِنّ أجسام لَطِيفَة والجسم، وَإِن لطف
فدركه غير مُمْتَنع أصلا، وَأما قَوْله تَعَالَى: {إِنَّه
يراكم هُوَ وقبيله من حَيْثُ لَا ترونهم} (الْأَعْرَاف:
72) فَإِن ذَلِك حكم الْأَعَمّ الْأَغْلَب من أَحْوَال بني
آدم، امتحنهم ابذلك وابتلاهم ليفزعوا إِلَيْهِ ويستعيذوا
بِهِ من شرهم، وَيطْلبُونَ الْأمان من غائلتهم، وَلَا
يُنكر أَن يكون حكم الْخَاص والنادر من المصطفين من عباده
بِخِلَاف ذَلِك، وَقَالَ الْكرْمَانِي: لَا حَاجَة إِلَى
هَذَا التَّأْوِيل، إِذْ لَيْسَ فِي الْآيَة مَا يَنْفِي
رؤيتنا إيَّاهُم مُطلقًا، إِذْ الْمُسْتَفَاد مِنْهَا أَن
رُؤْيَته إيانا مُقَيّدَة من هَذِه الْحَيْثِيَّة، فَلَا
نراهم فِي زمَان رُؤْيَتهمْ لنا قطّ، وَيجوز رؤيتنا لَهُم
فِي غير ذَلِك الْوَقْت.
الثَّانِيَة: فِيهِ دَلِيل على أَن الْجِنّ لَيْسُوا باقين
على عنصرهم الناري، وَلِأَنَّهُ، قَالَ: (إِن عَدو اإبليس
جَاءَ بشهاب من نَار ليجعله فِي وَجْهي) . وَقَالَ:
(رَأَيْت لَيْلَة أسرِي بِي عفريتاً من الْجِنّ يطلبني
بشعلة من نَار كلما الْتفت إِلَيْهِ رَأَيْته) . وَلَو
كَانُوا باقين على عنصرهم الناري، وَأَنَّهُمْ نَار محرقة،
لما احتاجوا إِلَى أَن يَأْتِي الشَّيْطَان أَو العفريت
مِنْهُم بشعلة من نَار، ولكانت يَد الشَّيْطَان أَو
العفريت أَو شَيْء من أَعْضَائِهِ إِذا مس ابْن آدم أحرقه،
كَمَا تحرق الْآدَمِيّ النارُ الْحَقِيقِيَّة بِمُجَرَّد
اللَّمْس، فَدلَّ على أَن تِلْكَ النارية انغمرت فِي
سَائِر العناصر
(4/234)
حَتَّى صَار إِلَى الْبرد وَيُؤَيّد ذَلِك
قَوْله: (حَتَّى وجدت برد لِسَانه على يَدي) ، وَفِي
رِوَايَة: (برد لعابه) .
الثَّالِثَة: فِيهِ دَلِيل على أَن أَصْحَاب سُلَيْمَان
كَانُوا يرَوْنَ الْجِنّ، وَهُوَ من دَلَائِل نبوته،
وَلَوْلَا مشاهدتهم إيَّاهُم لم تكن تقوم الْحجَّة لَهُ
لمكانته عَلَيْهِم.
الرَّابِعَة: قَالَ ابْن بطال: رُؤْيَته للعفريت هُوَ
مِمَّا خص بِهِ، كَمَا خص بِرُؤْيَة الْمَلَائِكَة. وَقد
أخبر أَن جِبْرِيل لَهُ سِتّمائَة جنَاح، وَرَأى النَّبِي
الشَّيْطَان فِي هَذِه اللَّيْلَة، وأقدره اعليه لتجسمه،
لِأَن الْأَجْسَام مُمكن الْقُدْرَة عَلَيْهَا، وَلكنه
ألْقى فِي روعه مَا وهب سُلَيْمَان فَلم ينفذ مَا قوي
عَلَيْهِ من حَبسه، رَغْبَة عَمَّا أَرَادَ سُلَيْمَان
الِانْفِرَاد بِهِ، وحرصاً على إِجَابَة اتعالى دَعوته.
وَأما غير النَّبِي من النَّاس فَلَا يُمكن مِنْهُ وَلَا
يرى أحد الشَّيْطَان على صورته غَيره لقَوْله تَعَالَى:
{إِنَّه يراكم} (الْأَعْرَاف: 72) الْآيَة، لكنه يرَاهُ
سَائِر النَّاس إِذا تشكل فِي غير شكله، كَمَا تشكل
الَّذِي طعنه الْأنْصَارِيّ حِين وجده فِي بَيته على
صُورَة حَيَّة، فَقتله فَمَاتَ الرجل بِهِ، فَبين النَّبِي
ذَلِك بقوله: (إِن بِالْمَدِينَةِ جناً قد أَسْلمُوا،
فَإِذا رَأَيْتُمْ من هَذِه الْهَوَام شَيْئا فاذنوه
ثَلَاثًا، فَإِن بدا لكم فَاقْتُلُوهُ) ، رَوَاهُ
التِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ فِي الْيَوْم وَاللَّيْلَة،
من حَدِيث أبي سعيد الْخُدْرِيّ.
ثمَّ اعْلَم أَن الْجِنّ يتصورون فِي صور شَتَّى، ويتشكلون
فِي صور الْإِنْسَان والبهائم والحيات والعقارب وَالْإِبِل
وَالْبَقر وَالْغنم وَالْخَيْل وَالْبِغَال وَالْحمير،
وَفِي صُورَة الطُّيُور. وَقَالَ القَاضِي أَبُو يعلى:
وَلَا قدرَة للشَّيْطَان على تَغْيِير خلقتهمْ والانتقال
فِي الصُّور، إِنَّمَا يجوز أَن يعلمهُمْ اكلمات وَضَربا
من ضروب الْأَفْعَال إِذا فعله وَتكلم بِهِ نَقله امن
صُورَة إِلَى صُورَة أُخْرَى، وَأما أَن يتَصَوَّر
بِنَفسِهِ فَذَلِك محَال، لِأَن انتقالها من صُورَة إِلَى
صُورَة إِنَّمَا يكون بِنَقْض البنية وتفريق الْأَجْزَاء،
وَإِذا انتقضت بطلت الْحَيَاة، وَالْقَوْل فِي تشكل
الْمَلَائِكَة كَذَلِك.
الْخَامِسَة: فِيهِ دَلِيل على إِبَاحَة ربط الْأَسير فِي
الْمَسْجِد، وعل هَذَا بوب البُخَارِيّ الْبَاب، وَمن
هَذَا قَالَ الْمُهلب: إِن فِي الحَدِيث جَوَاز ربط من
خشِي هروبه بِحَق عَلَيْهِ أَو دين، والتوثق مِنْهُ فِي
الْمَسْجِد أَو غَيره. فَإِن قلت: قَوْله: (وَأَرَدْت أَن
أربطه) ، مَا وَجهه وَهُوَ فِي الصَّلَاة؟ قلت: يحْتَمل
أَن يكون ربطه بعد تَمام الصَّلَاة، أَو يربطه بِوَجْه
كَانَ شغلاً يَسِيرا فَلَا تفْسد بِهِ الصَّلَاة.
67 - (بابُ الإِغْتِسَالِ إِذَا أسْلَمَ وَرَبْطِ
الأَسِيرِ أَيْضاً فِي المَسْجِدِ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان حكم اغتسال الْكَافِر إِذا
أسلم، وَبَيَان ربط الْأَسير فِي الْمَسْجِد، وَهَذِه
التَّرْجَمَة وَقعت هَكَذَا فِي أَكثر الرِّوَايَات
وَلَيْسَ فِي رِوَايَة الْأصيلِيّ وكريمة قَوْله: (وربط
الْأَسير أَيْضا فِي الْمَسْجِد) ، وَوَقع عِنْد الْبَعْض
لفظ: بَاب، بِلَا تَرْجَمَة وَالصَّوَاب هُنَا النُّسْخَة
الَّتِي فِيهَا ذكر الْبَاب مُفردا بِلَا تَرْجَمَة لِأَن
حَدِيث هَذَا الْبَاب من جنس حَدِيث الْبَاب الَّذِي قبله،
وَلَكِن لما كَانَت بَينهمَا مُغَايرَة مَا فصل بَينهمَا
بِلَفْظ: بَاب، مُفردا، وَأما قَول ابْن الْمُنِير: وَذكر
هَذَا الحَدِيث فِي بَاب الْأَسير أَو الْغَرِيم يرْبط فِي
الْمَسْجِد أوقع وأنص على الْمَقْصُود، لِأَن ثُمَامَة
كَانَ أَسِيرًا فَربط فِي الْمَسْجِد، وَلكنه لم يذكرهُ
هُنَاكَ، لِأَنَّهُ، لم يربطه. وَلم يَأْمر بربطه، فَقَوْل
صادر من غير تَأمل، لِأَن ابْن إِسْحَاق صرح فِي مغازيه
أَن النَّبِي، وَهُوَ الَّذِي أَمرهم بربطه، فَإِذا كَانَ
كَذَلِك كَانَ حَدِيث ثُمَامَة من جنس حَدِيث العفريت،
وَلَكِن لما كَانَ بَينهمَا مُغَايرَة مَا، وَهُوَ أَن
النَّبِي، هم بربط العفريت بِنَفسِهِ، وَلكنه لم يربطه
لمَانع ذَكرْنَاهُ، وَهَهُنَا ربطه غَيره، فَلذَلِك فصل
البُخَارِيّ بَينهمَا بِلَفْظ: بَاب، مُفردا، وَهُوَ أصوب
من النسختين المذكورتين، لِأَن فِي نُسْخَة الْجُمْهُور
ذكر الِاغْتِسَال إِذا أسلم، وَلَيْسَ فِي حَدِيث الْبَاب
ذكر لذَلِك وَلَا إِشَارَة إِلَيْهِ، وَفِي نُسْخَة
الْأصيلِيّ ربط الْأَسير غير مَذْكُور، وَحَدِيث الْبَاب
يُصَرح بذلك، وَأبْعد من الْكل النُّسْخَة الَّتِي ذكرهَا
ابْن الْمُنِير وَهِي: بَاب ذكر الشِّرَاء وَالْبيع،
وَفِيه أَبُو هُرَيْرَة: (بعث رَسُول الله خيلاً)
الحَدِيث، ثمَّ قَالَ: وَجه مُطَابقَة حَدِيث ثُمَامَة
للْبيع وَالشِّرَاء فِي الْمَسْجِد أَن الَّذِي تخيل
الْمَنْع مُطلقًا، إِنَّمَا أَخذه من ظَاهر أَن هَذِه
الْمَسَاجِد إِنَّمَا بنيت للصَّلَاة وَلذكر ا، فَبين
البُخَارِيّ تَخْصِيص هَذَا الْعُمُوم بِإِجَازَة فعل غير
الصَّلَاة فِي الْمَسْجِد، وَهُوَ ربط ثُمَامَة، لِأَنَّهُ
مَقْصُود صَحِيح، فَالْبيع كَذَلِك، انْتهى، وَلَا يخفى
مَا فِيهِ من التَّكَلُّف والتعسف. وَقَالَ صَاحب
(التَّلْوِيح) ، بعد أَن نقل هَذَا الْكَلَام مُنْكرا
عَلَيْهِ ومستبعداً وُقُوعه مِنْهُ:
وَذَاكَ لعمري قَول من لم يمارس كتاب الصَّحِيح
الْمُنْتَقى فِي الْمدَارِس
(4/235)
وَلم ير مَا قد قَالَه فِي الْوُفُود من
سِيَاق حَدِيث وَاضح متجانس
وَكَانَ الشَّيْخ قطب الدّين الْحلَبِي تبع ابْن الْمُنِير
فِي ذَلِك، وَأنكر عَلَيْهِ تِلْمِيذه صَاحب (التَّوْضِيح)
وَهُوَ مَحل الْإِنْكَار، لِأَن التَّرْجَمَة الَّتِي
ذكرهَا لَيْسَ فِي شَيْء من نسخ البُخَارِيّ.
وَكَانَ شُرَيْحٌ يَأمُرُ الغَرِيمَ أنْ يُحْبَسَ إِلَى
سارِيَةِ المَسْجِدِ.
مُطَابقَة هَذَا الْأَثر للجزء الثَّانِي من التَّرْجَمَة
ظَاهِرَة، وَهَذَا تَعْلِيق من البُخَارِيّ، وَقد وَصله
معمر عَن أَيُّوب عَن ابْن سِيرِين قَالَ: (كَانَ شُرَيْح
إِذا قضى على رجل بِحَق أَمر بحبسه فِي الْمَسْجِد إِلَى
أَن يقوم بِمَا عَلَيْهِ، فَإِن أعْطى الْحق وإلاَّ أَمر
بِهِ فِي السجْن) ، وَشُرَيْح، بِضَم الشين الْمُعْجَمَة
وَفتح الرَّاء وَسُكُون الْيَاء آخر الْحُرُوف وَفِي آخِره
حاء مُهْملَة: ابْن الْحَارِث الْكِنْدِيّ، كَانَ من
أَوْلَاد الْفرس الَّذين كَانُوا بِالْيمن، وَكَانَ فِي
زمن النَّبِي وَلم يلقه، قضى بِالْكُوفَةِ من قبل عمر،
رَضِي اتعالى عَنهُ، وَمن بعده سِتِّينَ سنة، مَاتَ سنة
ثَمَانِينَ وَقَالَ ابْن مَالك فِي إِعْرَاب هَذَا
وَجْهَان: أَحدهمَا: أَن يكون الأَصْل بالغريم، وَأَن يحبس
بدل اشْتِمَال، ثمَّ حذفت الْبَاء كَمَا فِي قَوْله:
أَمرتك الْخَيْر
وَالثَّانِي: أَن يُرِيد، كَأَن يَأْمُرهُ أَن ينحبس فَجعل
المطاوع مَوضِع المطاوع لاستلزامه إِيَّاه. انْتهى. قلت:
هَذَا تكلّف، وَحذف الْبَاء فِي الشّعْر للضَّرُورَة وَلَا
ضَرُورَة هَهُنَا، وَهَذَا التَّرْكِيب ظَاهر فَلَا
يحْتَاج إِلَى مثل هَذَا الْإِعْرَاب، وَلَا شكّ أَن
الْمَأْمُور، هُوَ الْغَرِيم، أَمر بِأَن يحبس نَفسه فِي
الْمَسْجِد فَإِن قضى مَا عَلَيْهِ ذهب فِي حَاله وإلاَّ
أَمر بِهِ فِي السجْن، وَأَن يحبس أَصله بِأَن يحبس
وَيحبس، على صِيغَة الْمَجْهُول، يَعْنِي: أمره أَن يحبس
نَفسه فِي الْمَسْجِد أَولا. وَعند المطل يحبس فِي السجْن.
264221 - ح دّثنا عبْدُ اللَّهِ بنُ يُوسُفَ قَالَ حدّثنا
اللَّيْثُ قَالَ حدّثنا سَعِيدُ بنُ أبي سَعِيدٍ أنَّهُ
سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ قَالَ بَعَثَ النبيُّ خَيْلاً
قِبَلَ نَجْدٍ فَجَاءَتْ بِرَجلٍ مِنْ بَنِي حَنِيفَةَ
يقَالُ لَهُ ثُمَامَةُ بنُ أُثالٍ فَرَبَطُوهُ بِسَارِيَةٍ
مِنْ سَوَارِي المَسْجِدِ فَخَرَجَ إِلَيْهِ النبيُّ
فقالُ: أطْلِقُوا ثمَامَةَ فانْطَلَقَ إِلَي نَخْلٍ
قَرِيبٍ مِنَ المَسْجِدِ فاغْتَسَلَ ثُمَّ دَخَلَ
المَسْجِدَ فَقَالَ أشْهَدُ أنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ
وأنَّ مُحَمَّداً رسولُ اللَّهِ. (الحَدِيث 264 أَطْرَافه
فِي: 964، 2242، 3242، 2734) .
مُطَابقَة هَذَا الحَدِيث للجزء الثَّانِي من التَّرْجَمَة
ظَاهِرَة، كَمَا فِي الْأَثر الْمَذْكُور.
ذكر رِجَاله وهم أَرْبَعَة: الأول: عبد ابْن يُوسُف
التنيسِي. الثَّانِي: اللَّيْث بن سعد. الثَّالِث: سعيد بن
أبي سعيد المَقْبُري، وَالْكل تقدمُوا. الرَّابِع: أَبُو
هُرَيْرَة.
ذكر لطائف إِسْنَاده. فِيهِ: التحديث فِي ثَلَاثَة
مَوَاضِع فِي موضِعين بِصِيغَة الْجمع وَفِي مَوضِع
بِصِيغَة الْإِفْرَاد. وَفِيه: السماع وَالْقَوْل. وَفِيه:
أَن رُوَاته مَا بَين بَصرِي ومدني.
ذكر تعدد مَوْضِعه وَمن أخرجه غَيره. أخرجه البُخَارِيّ
أَيْضا فِي الْأَشْخَاص عَن قُتَيْبَة، وَعنهُ أَيْضا فِي
الصَّلَاة. وَأخرجه أَيْضا افي الصَّلَاة والأشخاص
والمغازي عَن عبد ابْن يُوسُف. وَأخرجه مُسلم فِي
الْمَغَازِي عَن قتية. وَأخرجه أَبُو دَاوُد فِي
الْجِهَاد، وَعَن عِيسَى بن حَمَّاد وقتيبة. وَأخرجه
النَّسَائِيّ فِي الطَّهَارَة عَن قُتَيْبَة بِبَعْضِه،
وببعضه فِي الصَّلَاة.
ذكر مَعْنَاهُ قَوْله: (خيلاً) الْخَيل الفرسان، قَالَه
الْجَوْهَرِي وَالْخَيْل أَيْضا: الْخُيُول. وَقَالَ
بَعضهم أَي: رجَالًا على خيل. قلت: هَذَا تفيسر من عِنْده
وَهُوَ غير صَحِيح، بل المُرَاد هَهُنَا من الْخَيل هم
الفرسان. وَمِنْه قَوْله تَعَالَى: {واجلب عَلَيْهِم بخيلك
ورجلك} (الْإِسْرَاء: 46) أَي: بفرسانك ورجالتك، والخيالة:
أَصْحَاب الْخُيُول. وَقَالَ ابْن إِسْحَاق؛ السّريَّة
الَّتِي أخذت ثُمَامَة كَانَ أميرها مُحَمَّد بن مسلمة،
أرْسلهُ، فِي ثَلَاثِينَ رَاكِبًا إِلَى القرطاء من بني
أبي بكر بن كلاب بِنَاحِيَة ضَرْبَة بالبكرات لعشر لَيَال
خلون من الْمحرم سنة سِتّ، وَعند ابْن سعد: على رَأس
تِسْعَة وَخمسين شهرا من الْهِجْرَة، وَكَانَت غيبته بهَا
تسع عشرَة لَيْلَة وَقدم لليلة بقيت من الْمحرم. قَوْله:
القرطاء، بِضَم الْقَاف وَفتح الرَّاء والطاء الْمُهْملَة:
وهم نفر من بني أبي بكر
(4/236)
بن كلاب، وَكَانُوا ينزلون البكرات
بِنَاحِيَة ضرية، وَبَين ضرية وَالْمَدينَة سبع لَيَال،
وضرية، بِفَتْح الضَّاد الْمُعْجَمَة وَكسر الرَّاء
وَتَشْديد الْيَاء آخر الْحُرُوف: وَهِي أَرض كَثِيرَة
العشب، وإليها ينْسب الْحمى، وضربة: فِي الأَصْل بنت
ربيعَة بن نذار بن مد بن عدنان، وَسمي الْموضع الْمَذْكُور
باسمها، و: البكرات، بِفَتْح الْبَاء الْمُوَحدَة فِي
الأَصْل: جمع بكرَة، وَهِي مَاء بِنَاحِيَة ضرية. قَوْله:
(قبل نجد) ، بِكَسْر الْقَاف وَفتح الْبَاء الْمُوَحدَة:
وَهُوَ الْجِهَة، ونجد، بِفَتْح النُّون وَسُكُون الْجِيم:
وَهُوَ فِي جَزِيرَة الْعَرَب. قَالَ الْمَدَائِنِي:
جَزِيرَة الْعَرَب خَمْسَة أَقسَام: تهَامَة ونجد وحجاز
وعروض ويمن. أما تهَامَة فَهِيَ النَّاحِيَة الجنوبية من
الْحجاز، وَأما نجد فَهِيَ النَّاحِيَة الَّتِي بَين
الْحجاز وَالْعراق، وَأما الْحجاز فَهُوَ جبل سد من الْيمن
حَتَّى يتَّصل بِالشَّام وَفِيه الْمَدِينَة وعمان، وَأما
الْعرُوض فَهِيَ الْيَمَامَة إِلَى الْبَحْرين. وَقَالَ
الْوَاقِدِيّ: الْحجاز من الْمَدِينَة إِلَى تَبُوك وَمن
الْمَدِينَة إِلَى طَرِيق الْكُوفَة وَمن وَرَاء ذَلِك
إِلَى أَن يشارف أَرض الْبَصْرَة فَهُوَ نجد، وَمَا بَين
الْعرَاق وَبَين وجرة وَعمرَة الطَّائِف، نجد، وَمَا كَانَ
وَرَاء وجرة إِلَى الْبَحْر فَهُوَ تهَامَة، وَمَا كَانَ
بَين تهَامَة ونجد فَهُوَ حجاز، سمي حجازاً لِأَنَّهُ يحجز
بَينهمَا. قَوْله: (ثُمَامَة) ، بِضَم الثَّاء
الْمُثَلَّثَة وَتَخْفِيف الْمِيم وَبعد الْألف مِيم
أُخْرَى مَفْتُوحَة، وأثال، بِضَم الْهمزَة وَتَخْفِيف
الثَّاء الْمُثَلَّثَة وَبعد الْألف لَام.
قَوْله: (فَانْطَلق إِلَى نجل) أَي: فأطلقوه فَانْطَلق
إِلَى نجل، ونجل: بِفَتْح النُّون وَسُكُون الْجِيم وَفِي
آخِره لَام؛ وَهُوَ المَاء النابع من الأَرْض. وَقَالَ
الْجَوْهَرِي: استنجل الْموضع أَي كثر بِهِ النجل، وَهُوَ
المَاء يظْهر من الأَرْض، وَهَكَذَا وَقع فِي النُّسْخَة
المقروءة على أبي الْوَقْت، وَكَذَا زعم ابْن دُرَيْد،
وَفِي أَكثر الرِّوَايَات: إِلَى، نخل، بِالْخَاءِ
الْمُعْجَمَة، وَكَذَا فِي رِوَايَة مُسلم، وَيُؤَيّد
هَذَا مَا رَوَاهُ ابْن خُزَيْمَة فِي (صَحِيحه) من حَدِيث
أبي هُرَيْرَة: (أَن ثُمَامَة أسر وَكَانَ النَّبِي
يَغْدُو إِلَيْهِ فَيَقُول: مَا عنْدك يَا ثُمَامَة؟
فَيَقُول: إِن تقتل تقتل ذَا دم، وَإِن تمنَّ تمنَّ على
شَاكر، وَإِن ترد المَال نعطك مِنْهُ مَا شِئْت، وَكَانَ
أَصْحَاب النَّبِي يحبونَ الْفِدَاء وَيَقُولُونَ: مَا
نصْنَع بقتل هَذَا؟ فَمر عَلَيْهِ النَّبِي يَوْمًا فَأسلم
فَحله وَبعث بِهِ إِلَى حَائِط أبي طَلْحَة، فَأمره أَن
يغْتَسل فاغتسل وَصلى رَكْعَتَيْنِ، فَقَالَ: لقد حسن
إِسْلَام أخيكم) . وَبِهَذَا اللَّفْظ أخرجه أَيْضا ابْن
حبَان فِي (صَحِيحه) : وَأخرجه الْبَزَّار أَيْضا بِهَذِهِ
الطَّرِيق وَفِيه (فَأمره النَّبِي عَلَيْهِ الصَّلَاة
وَالسَّلَام، أَن يغْتَسل بِمَاء وَسدر) ، وَفِي بعض
الرِّوَايَات: (أَن ثُمَامَة ذهب إِلَى المصانع فَغسل
ثِيَابه واغتسل) ، وَفِي (تَارِيخ البرقي) : فَأمره أَن
يقوم بَين أبي بكر وَعمر فيعلمانه.
ذكر مَا يُسْتَفَاد مِنْهُ من الْفَوَائِد. الأولى: جَوَاز
دُخُول الْكَافِر الْمَسْجِد. قَالَ ابْن التِّين: وَعَن
مُجَاهِد وَابْن محيريز جَوَاز دُخُول أهل الْكتاب فِيهِ،
وَقَالَ عمر بن عبد الْعَزِيز وَقَتَادَة وَمَالك والمزني:
لَا يجوز. وَقَالَ أَبُو حنيفَة؛ يجوز للكتابي دون غَيره،
وَاحْتج بِمَا رَوَاهُ أَحْمد فِي (مُسْنده) بِسَنَد جيد:
عَن جَابر رَضِي اتعالى عَنهُ، قَالَ: قَالَ رَسُول ا:
(لَا يدْخل مَسْجِدنَا هَذَا بعد عامنا هَذَا مُشْرك
إِلاَّ أهل الْعَهْد وخدمهم) وَاحْتج مَالك بقوله
تَعَالَى: {إِنَّمَا الْمُشْركُونَ نجس فَلَا يقربُوا
الْمَسْجِد الْحَرَام} (التَّوْبَة: 82) وَبِقَوْلِهِ
تَعَالَى: {فِي بيُوت أذن اأن ترفع وَيذكر فِيهَا اسْمه}
(النُّور: 63) وَدخُول الْكفَّار فِيهَا مُنَاقض لرفعها،
وَبِقَوْلِهِ: (إِن هَذِه الْمَسَاجِد لَا يصلح فِيهَا
شَيْء من الْبَوْل والقذر) . وَالْكَافِر لَا يَخْلُو عَن
ذَلِك، وَبِقَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَام: (لَا أحل
الْمَسْجِد لحائض وَلَا جنب) وَالْكَافِر جنب. وَمذهب
الشَّافِعِي أَنه: يجوز بِإِذن الْمُسلم، سَوَاء كَانَ
الْكَافِر كتابياً أَو غَيره، وَاسْتثنى الشَّافِعِي من
ذَلِك مَسْجِد مَكَّة وَحرمه، وحجته حَدِيث ثُمَامَة،
وَبِأَن ذَات الْمُشرك لَيست بنجسة.
الثَّانِيَة: فِيهِ أسر الْكَافِر وَجَوَاز إِطْلَاقه،
وَللْإِمَام فِي حق الْأَسير الْعَاقِل الْقَتْل أَو
الاسترقاق أَو الْإِطْلَاق منَّاً عَلَيْهِ، أَو
الْفِدَاء. قَالَ الْكرْمَانِي: يحْتَمل أَنه أطلق
ثُمَامَة لما علم أَنه آمن بِقَلْبِه وسيظهره بِكَلِمَة
الشَّهَادَة. وَقَالَ ابْن الْجَوْزِيّ: لم يسلم تَحت
الْأسر لعزة نَفسه، وَكَأن رَسُول الله أحس بذلك مِنْهُ،
فَقَالَ: أَطْلقُوهُ، فَلَمَّا أطلق أسلم قلت: يرد هَذَا
حَدِيث أبي هُرَيْرَة الَّذِي رَوَاهُ ابْن خُزَيْمَة
وَابْن حبَان الَّذِي ذَكرْنَاهُ الْآن، وَفِيه: (فَمر
يَوْمًا فَأسلم فَحله) . فَهَذَا يُصَرح بِأَن إِسْلَامه
كَانَ قبل إِطْلَاقه، فيعذر الْكرْمَانِي فِي هَذَا.
لِأَنَّهُ قَالَ بِالِاحْتِمَالِ وَلم يقف على حَدِيث أبي
هُرَيْرَة، وَأما ابْن الْجَوْزِيّ فَكيف غفل عَن ذَلِك
مَعَ كَثْرَة اطِّلَاعه فِي الحَدِيث؟
الثَّالِث: فِيهِ جَوَاز ربط الْأَسير فِي الْمَسْجِد.
وَقَالَ الْقُرْطُبِيّ: يُمكن أَن يُقَال: ربطه
بِالْمَسْجِدِ لينْظر حسن صَلَاة الْمُسلمين واجتماعهم
عَلَيْهَا فيأنس لذَلِك. قلت: يُوضح هَذَا مَا رَوَاهُ
ابْن خُزَيْمَة فِي (صَحِيحه) : عَن عُثْمَان بن أبي
الْعَاصِ: أَن وَفد ثَقِيف لما قدمُوا أنزلهم النَّبِي
الْمَسْجِد ليَكُون أرق لقُلُوبِهِمْ.
(4/237)
وَقَالَ جُبَير بن مطعم، فِيمَا ذكره
أَحْمد، رَحمَه ا: دخلت الْمَسْجِد وَالنَّبِيّ يُصَلِّي
الْمغرب، فَقَرَأَ بِالطورِ، فَكَأَنَّمَا صدع قلبِي حِين
سَمِعت الْقُرْآن، وَقيل؛ يُمكن أَن يكون ربطه بالسمجد
لِأَنَّهُ لم يكن لَهُم مَوضِع يرْبط فِيهِ إلاَّ
الْمَسْجِد.
الرَّابِعَة: فِيهِ اغتسال الْكَافِر إِذا أسلم وَذهب
الشَّافِعِي إِلَى وُجُوبه على الْكَافِر إِذا أسلم إِن
كَانَت عَلَيْهِ جَنَابَة فِي الشّرك، سَوَاء اغْتسل
مِنْهَا فِي الشّرك أَو لَا، وَقَالَ بعض أَصْحَابه: إِن
كَانَ اغْتسل مِنْهَا أَجزَأَهُ. وإلاَّ وَجب، وَقَالَ بعض
أَصْحَابه وَبَعض الْمَالِكِيَّة: لَا غسل عَلَيْهِ
وَيسْقط حكم الْجَنَابَة بِالْإِسْلَامِ، كَمَا تسْقط
الذُّنُوب. وضعفوا هَذَا بِالْوضُوءِ، وَأَنه يلْزم
بِالْإِجْمَاع. هَذَا إِذا كَانَ أجنب فِي الْكفْر، أما
إِذا لم يجنب أصلا، ثمَّ أسلم، فالغسل مُسْتَحبّ. وَكَذَا
قَالَه مَالك. وَقَالَ الْقُرْطُبِيّ: وَهَذَا الحَدِيث
يدل على أَن غسل الْكَافِر كَانَ مَشْرُوعا عِنْدهم
مَعْرُوفا، وَهَذَا ظَاهر الْبطلَان. وَقَالَ أَيْضا:
وَالْمَشْهُور من قَول مَالك أَنه إِنَّمَا يغْتَسل لكَونه
جنبا. قَالَ: وَمن أَصْحَابنَا من قَالَ: إِنَّه يغْتَسل
للنظافة، واستحبه ابْن الْقَاسِم، ولمالك قَول: إِنَّه لَا
يعرف الْغسْل، رَوَاهُ عَنهُ ابْن وهب وَابْن أبي أويس.
وَقَالَ ابْن بطال: أوجب الإِمَام أَحْمد الْغسْل عَليّ من
أسلم. وَقَالَ الشَّافِعِي: أحب أَن يغْتَسل فَإِن لم يكن
جنبا أَجزَأَهُ أَن يتَوَضَّأ. وَقَالَ مَالك: إِذا أسلم
النَّصْرَانِي فَعَلَيهِ الْغسْل، لأَنهم لَا يتطهرون.
فَقيل: مَعْنَاهُ لَا يتطهرون من النَّجَاسَة فِي أبدانهم،
لِأَنَّهُ يَسْتَحِيل عَلَيْهِم التطهر من الْجَنَابَة،
وَإِن نووها لعدم الشَّرْع، وَقَالَ: وَلَيْسَ فِي
الحَدِيث أَن النَّبِي، أمره بالاغتسال، وَلذَلِك قَالَ
مَالك: لم يبلغنَا أَنه، أَمر أحدا أسلم بِالْغسْلِ. قلت:
قد مر فِي حَدِيث أبي هُرَيْرَة الَّذِي أخرجه ابْن
خُزَيْمَة وَابْن حبَان وَالْبَزَّار، وَفِيه: فَأمره أَن
يغْتَسل. وَفِي (تَارِيخ نيسابور) للحام: من حَدِيث عبد
ابْن مُحَمَّد بن عقيل: عَن أَبِيه عَن جده قَالَ: لما
أسلمت أَمرنِي النَّبِي بالاغتسال. وَفِي (الْحِلْية) :
لأبي نعيم عَن وَاثِلَة، قَالَ: (لما أسلمت قَالَ لي
النَّبِي: غتسل بِمَاء وَسدر، واحلق عَنْك شعر الْكفْر) .
وَفِي كتاب الْقُرْطُبِيّ: روى عبد الرَّحِيم بن عبيد ابْن
عمر عَن أَبِيه عَن نَافِع، عَن ابْن عمر: (أَن رَسُول
الله أَمر رجلا أسلم أَن يغْتَسل) . وروى مُسلم ابْن سَالم
عَن أبي الْمُغيرَة عَن الْبَراء بن عَازِب. (أَن النَّبِي
أَمر رجلا أسلم أَن يغْتَسل بِمَاء وَسدر) .
الْخَامِسَة: أَخذ ابْن الْمُنْذر من هَذَا الحَدِيث
جَوَاز دُخُول الْجنب الْمُسلم الْمَسْجِد، وَأَنه أولى من
الْمُشرك لِأَنَّهُ لَيْسَ بِنَجس، بِخِلَاف الْمُشرك.
[/ِاآ
77 - (بابُ الخَيْمَةِ فِي المَسْجِدِ لِلْمَرْضَى
وَغَيْرِهِمْ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان جَوَاز الْخَيْمَة فِي
الْمَسْجِد لأجل (المرضى) وَهُوَ: جمع مَرِيض. قَوْله:
(وَغَيرهم) أَي: وَغير المرضى.
364321 - ح دّثنا زَكَرِيَّاءُ بنُ يَحْيَى قَالَ حدّثنا
عَبْدُ اللَّهِ بنُ نُمَيْرٍ قَالَ حدّثنا هِشَامٌ عنْ
أبِيهِ عنْ عائِشَةَ قالَتْ أصِيبَ سَعْدٌ يَوْمَ
الخَنْدَقِ فِي الأَكْحَلِ فَضَرَبَ النبيُّ خَيْمَةً فِي
المَسْجِدِ لِيَعُودَهُ مِنْ قَرِيبٍ فَلَمْ يَرُعْهُمْ
وفِي المَسْجِدِ خَيْمَةٌ مِنْ بَنِي غِفَارٍ إِلاَّ
الدَّمُ يَسِيلُ إلَيْهِمْ فقالُوا يَا أهْلَ الخَيْمَةِ
مَا هَذَا الَّذِي يَأْتِينَا مِنْ قِبَلِكُمْ فَإِذَا
سَعْدٌ يَغْدُو جُرْحُهُ دَمًا فَمَاتَ فِيها. (الحَدِيث
364 أَطْرَافه فِي: 3182، 1093، 7114، 2214) .
مُطَابقَة الحَدِيث للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة.
ذكر رِجَاله وهم خَمْسَة: الأول: زَكَرِيَّا بن يحيى بن
عمر أَبُو السكن الطَّائِي الْكُوفِي. الثَّانِي: عبد ابْن
نمير، بِضَم النُّون وَفتح الْمِيم وَسُكُون الْيَاء آخر
الْحُرُوف وَفِي آخِره رَاء، وَقد تقدم. الثَّالِث: هِشَام
بن عُرْوَة بن الزبير بن الْعَوام. الرَّابِع: أَبوهُ
عُرْوَة. الْخَامِس: عَائِشَة أم الْمُؤمنِينَ.
ذكر لطائف إِسْنَاده فِيهِ: التحديث بِصِيغَة الْجمع فِي
ثَلَاثَة مَوَاضِع. وَفِيه: العنعنة فِي موضِعين. وَفِيه:
القَوْل. وَفِيه: أَن زَكَرِيَّا من أَفْرَاد البُخَارِيّ
وَيجوز فِيهِ الْمَدّ وَالْقصر. وَفِيه: أَن رُوَاته مَا
بَين كُوفِي ومدني.
ذكر تعدد مَوْضِعه وَمن أخرجه غَيره أخرجه البُخَارِيّ
مقطعاً فِي الصَّلَاة، وَفِي الْمَغَازِي، وَفِي
الْهِجْرَة عَن زَكَرِيَّا بن يحيى وَفِي الصَّلَاة أَيْضا
عَن أبي بكر بن أبي شيبَة عَن عبد ابْن نمير بِهِ
مُخْتَصرا. وَأخرجه مُسلم فِي الْمَغَازِي عَن أبي بكر بن
أبي شيبَة وَأبي كريب. وَأخرجه أَبُو دَاوُد فِي
الْجَنَائِز عَن عُثْمَان بن أبي شيبَة. وَأخرجه
النَّسَائِيّ فِي الصَّلَاة عَن عبيد ابْن سعيد.
(4/238)
ذكر مَعْنَاهُ قَوْله: (سعد) هُوَ سعد بن
معَاذ أَبُو عَمْرو سيد الْأَوْس، بَدْرِي كَبِير. قَالَ
أَبُو نعيم: مَاتَ فِي شَوَّال سنة خمس، وَكَذَا قَالَ
ابْن إِسْحَاق، وَنزل فِي جنَازَته سَبْعُونَ ألف ملك مَا
وطئوا الأَرْض قبل، واهتز لَهُ عرش الرَّحْمَن، وَفِي
رِوَايَة: الْعَرْش فَإِن قلت: مَا وَجه اهتزاز الْعَرْش
لَهُ؟ قلت: أُجِيب بأجوبه. الأول: أَنه اهتز استبشاراً
بقدوم روحه. الثَّانِي: أَن المُرَاد اهتزاز حَملَة
الْعَرْش، وَمن عِنْده من الْمَلَائِكَة. الثَّالِث: أَن
المُرَاد بالعرش الَّذِي وضع عَلَيْهِ، وَسَيَأْتِي عِنْد
البُخَارِيّ أَن رجلا قَالَ لجَابِر بن عبد ا: إِن
الْبَراء بن عَازِب يَقُول: اهتز السرير، فَقَالَ: إِنَّه
كَانَ بَين هذَيْن الْحَيَّيْنِ ضغائن. قَالَ ابْن
الْجَوْزِيّ وَغَيره: يَعْنِي بالحيين: الْأَوْس والخزرج.
وَكَانَ سعد من الْأَوْس، والبراء من الْخَزْرَج، وكل
مِنْهُم لَا يقر بِفضل صَاحبه عَلَيْهِ. قَالَ صَاحب
(التَّلْوِيح) : وَفِيه نظر من حَيْثُ إِن سَعْدا والبراء
كل مِنْهُمَا أوسي، وَإِنَّمَا أشكل عَلَيْهِم فِيمَا أرى
أَنه رأى فِي نسب الْبَراء بن عَازِب بن الْحَارِث بن عدي
بن جشم بن مجدعة بن حَارِثَة بن الْحَارِث بن الْخَزْرَج،
وَسعد بن معَاذ بن النُّعْمَان بن امريء الْقَيْس بن زيد
بن عبد الْأَشْهَل بن جشم بن الْحَارِث الأوسي، فَظن أَن
الْخَزْرَج الأول هُوَ أَبُو الخزرجيين، فَفرق بَينهمَا،
وَإِنَّمَا هُوَ الْخَزْرَج أَبُو الحارثيين الْمَذْكُورين
فِي نسبهما، وَهُوَ ابْن عَمْرو بن مَالك بن الْأَوْس بن
حَارِثَة، كَذَا ذكر نسبهما بن سعد وَابْن إِسْحَاق
وَخَلِيفَة فِي الآخرين.
قَوْله: (يَوْم الخَنْدَق) ، وَيُسمى: الْأَحْزَاب، ذكرهَا
ابْن سعد فِي ذِي الْقعدَة، ومُوسَى بن عقبَة: فِي شَوَّال
سنة أَربع. وَقَالَ ابْن إِسْحَاق: فِي شَوَّال سنة خمس،
وَزعم أَبُو عمر وَغَيره: أَن سَعْدا مَاتَ بعد الخَنْدَق
بِشَهْر، وَبعد قُرَيْظَة بِليَال. قَوْله: (فِي الأكحل)
على وزن: الأفعل، عرق فِي الْيَد، وَيُقَال لَهُ:
النِّسَاء فِي الْفَخْذ، وَفِي الظّهْر الْأَبْهَر. قَالَه
فِي (الْمُخَصّص) و (الْمُجْمل) وقِي: الأكحل هُوَ عرق
الْحَيَاة، ويدعى: نهر الْبدن، وَفِي كل عُضْو مِنْهُ
شُعْبَة لَهَا اسْم على حِدة، فَذا قطع فِي الْيَد لم يرق
الدَّم. وَفِي (الصِّحَاح) : هُوَ عرق فِي الْيَد يفصد،
وَلَا يُقَال عرق الأكحل. قَوْله: (فَضرب النَّبِي خيمة) ،
ضرب يسْتَعْمل لمعان كَثِيرَة، وأصل التَّرْكِيب يدل على
الْإِيقَاع، وَالْبَاقِي يسْتَعْمل وَيحمل عَلَيْهِ،
وَهَهُنَا الْمَعْنى: نصب خيمة وأقامها على أوتاد
مَضْرُوبَة فِي الأَرْض، والخيمة؛ بَيت تبنيه الْعَرَب من
عيدَان الشّجر، وَالْجمع: خيمات وخيم، مثل: بدرة وَبدر،
والخيم: مثل الْخَيْمَة، وَالْجمع: خيام مثل؛ فرخ وفراخ،
وَعند أبي نعيم الْأَصْبَهَانِيّ: ضرب لَهُ النَّبِي خباء
فِي الْمَسْجِد، والخباء وَاحِد الأخبية من وبر أَو صوف،
وَلَا يكون من شعر، وَهُوَ على عمودين أَو ثَلَاثَة وَمَا
فَوق ذَلِك، فَهُوَ بَيت.
قَوْله: (فَلم يرعهم) ، بِضَم الرَّاء وَسُكُون الْعين
الْمُهْملَة: من الروع، وَهُوَ الْفَزع. يُقَال: رعت
فلَانا وروعته فارتاع، أَي: أفزعته، فَفَزعَ. وَقَالَ
الْخطابِيّ: الروع إعظامك الشَّيْء وإكباره فترتاع. قَالَ:
وَقد يكون من خوف، وَفِي (الْمُحكم) : الروع، والرواع
واليروع: الْفَزع، راعني الْأَمر روعا ورووعاً، عَن ابْن
الْأَعرَابِي، كَذَلِك حَكَاهُ بِغَيْر همز، وَإِن شِئْت
همزَة، وارتاع مِنْهُ وَله وروعته فتروع، وَرجل روع ورائع
متروع كِلَاهُمَا على النّسَب، وَالْمعْنَى هَهُنَا؛ فَلم
يرعهم أَي: لم يفزعهم إِلَّا الدَّم، وَقَالَ الْخطابِيّ:
وَالْمعْنَى أَنهم بَينا هم فِي حَال طمأنينة وَسُكُون
حَتَّى أفزعهم رُؤْيَة الدَّم فارتاعوا لَهُ. قَوْله:
(وَفِي الْمَسْجِد خيمة من بني غفار) جملَة مُعْتَرضَة
بَين الْفِعْل، أَعنِي: لم يرعهم، وَالْفَاعِل أَعنِي:
إِلَّا الدَّم. و: بني غفار بِكَسْر الْغَيْن الْمُعْجَمَة
وَتَخْفِيف الْفَاء وَفِي آخِره رَاء، وَبَنُو غفار: من
كنَانَة رَهْط أبي ذَر الْغِفَارِيّ، رَضِي اتعالى عَنهُ،
وَهَذِه الْخَيْمَة كَانَت لرقية الْأَنْصَارِيَّة. وَقيل:
الأسْلَمِيَّة، وَكَانَت تداوي الْجَرْحى وَتحْتَسب
بخدمتها من كَانَت بِهِ ضَيْعَة من الْمُسلمين. قَوْله:
(من قبلكُمْ) بِكَسْر الْقَاف، أَي: من جهتكم قَوْله:
(يغذو) ، بالغين والذال المعجمتين أَي: يسيل، وَهُوَ فعل
مضارع من غذا الْعرق نَفسه يغذو غدواً وغذواناً، إِذا
سَالَ، وكل مَا سَالَ فقد غذا، والغذوان المسرع. وَقَوله:
(جرحه) ، مَرْفُوع لِأَنَّهُ فَاعل: يغذو. وَقَوله:
(دَمًا) ، نصب على التَّمْيِيز. قَوْله: (مِنْهَا) أَي: من
الْجراحَة، وَهَذِه رِوَايَة الْكشميهني وَالْمُسْتَمْلِي،
وَفِي رِوَايَة غَيرهمَا: (فَمَاتَ فِيهَا) ، أَي: فِي
الْخَيْمَة أَو فِي الْجراحَة الَّتِي الْجرْح بمعناها،
وَكَانَت جراحته فِي الأكحل، رَمَاه رجل من قُرَيْش يُقَال
لَهُ: حبَان بن العرفة، وَهُوَ حبَان ابْن أبي قبيس من بني
مغيص بن عَامر بن لؤَي، والعرفة هِيَ أم عبد منَاف،
وَاسْمهَا: قربَة بنت سعيد بن سعد بن سهم بن عَمْرو بن
هصيص، سميت العرفة لطيب رِيحهَا، فِيمَا ذكره الْكَلْبِيّ.
وَقَالَ أَبُو عبيد بن سَلام: العرفة هِيَ أم حبَان،
وتكنى: أم فَاطِمَة، قَالَ السُّهيْلي: وَهِي جدة خَدِيجَة
أم أمهَا هَالة.
ذكر مَا يستنبط من الْأَحْكَام الأول: اسْتدلَّ بِهِ مَالك
وَأحمد على أَن النَّجَاسَات لَيست إِزَالَتهَا بِفَرْض،
وَلَو كَانَت
(4/239)
فرضا لما أجَاز النَّبِي للجريح أَن يسكن
فِي الْمَسْجِد، وَبِه قَالَ الشَّافِعِي فِي الْقَدِيم.
قلت: لقَائِل أَن يَقُول: إِن سُكْنى سعد فِي الْمَسْجِد
إِنَّمَا كَانَ بعد مَا اندمل جرحه، وَالْجرْح، إِذا اندمل
زَالَ مَا يخْشَى من نَجَاسَته. الثَّانِي: قَالَ ابْن
بطال: فِيهِ: جَوَاز سُكْنى الْمَسْجِد للْعُذْر،
وَالْبَاب مترجم بِهِ. الثَّالِث: فِيهِ أَن السُّلْطَان
أَو الْعَالم إِذا شقّ عَلَيْهِ النهوض إِلَى عِيَادَة
مَرِيض يزوره مِمَّن يهمه أمره ينْقل الْمَرِيض إِلَى
مَوضِع يخف عَلَيْهِ فِيهِ زيارته، وَيقرب مِنْهُ،
وَلِلْحَدِيثِ فَوَائِد أُخْرَى يَأْتِي عِنْد ذكر
البُخَارِيّ تَمَامه إِن شَاءَ اتعالى.
87 - (بابُ إدْخال البَعِيرِ فِي المَسجِدِ لِلْعِلَّةِ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان إِدْخَال الْبَعِير فِي
الْمَسْجِد لِلْعِلَّةِ أَي: للْحَاجة، وَهِي أَعم من أَن
تكون للضعف أَو غَيره، وَقيل: المُرَاد بِالْعِلَّةِ
الضعْف، وَاعْترض عَلَيْهِ بِأَن هَذَا ظَاهر فِي حَدِيث
أم سَلمَة دون حَدِيث ابْن عَبَّاس. وَأجِيب: بِأَن أَبَا
دَاوُد رُوِيَ عَنهُ أَن النَّبِي قدم مَكَّة وَهُوَ
يشتكي، فَطَافَ على رَاحِلَته، وَمَعَ هَذَا كُله تَقْيِيد
الْعلَّة بالضعف، لَا وَجه لَهُ لأَنا قُلْنَا: إِنَّهَا
أَعم، فتتناول الضعْف وَإِن يكون طَوَافه على بعيره ليراه
النَّاس، كَمَا جَاءَ عَن جَابر: أَنه إِنَّمَا طَاف على
بعيره ليراه النَّاس وليسألوه، فَإِن النَّاس غشوه.
وَقَالَ ابنُ عَبَّاس طَافَ النبيُّ عَلَى بَعِيرٍ.
13
- 50 مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة، لِأَن فِيهِ إِدْخَال
الْبَعِير فِي الْمَسْجِد لِلْعِلَّةِ لِأَنَّهُ لما قدم
مَكَّة كَانَ يشتكي على مَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُد عَنهُ،
فَذكره البُخَارِيّ مُعَلّقا، وَذكره مُسْندًا فِي بَاب:
من أَشَارَ إِلَى الرُّكْن فِي كتاب الْحَج.
124 - (حَدثنِي عبد الله بن يُوسُف قَالَ أخبرنَا مَالك
عَن مُحَمَّد بن عبد الرَّحْمَن بن نَوْفَل عَن عُرْوَة
عَن زَيْنَب بنت أبي سَلمَة عَن أم سَلمَة قَالَت شَكَوْت
إِلَى رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -
أَنِّي أشتكي قَالَ طوفي من وَرَاء النَّاس وَأَنت راكبة
فطفت وَرَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ
- يُصَلِّي إِلَى جنب الْبَيْت يقْرَأ بِالطورِ وَكتاب
مسطور) مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله " طوفي من وَرَاء
النَّاس وَأَنت راكبة " وَفِيه جَوَاز إِدْخَال الْبَعِير
فِي الْمَسْجِد لعِلَّة الضعْف (ذكر رِجَاله) وهم سِتَّة.
الأول عبد الله بن يُوسُف التنيسِي. الثَّانِي الإِمَام
مَالك. الثَّالِث مُحَمَّد بن عبد الرَّحْمَن بن الْأسود
بن نَوْفَل بِفَتْح النُّون وَالْفَاء يعرف بيتيم عُرْوَة
بن الزبير تقدم ذكره فِي بَاب الْجنب يتَوَضَّأ ثمَّ
ينَام. الرَّابِع عُرْوَة بن الزبير. الْخَامِس زَيْنَب
بنت أبي سَلمَة وَهِي بنت أبي سَلمَة عبد الله بن عبد
الْأسد المَخْزُومِي وَكَانَ اسْمهَا برة فسماها رَسُول
الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - زَيْنَب.
السَّادِس أم سَلمَة أم الْمُؤمنِينَ وَاسْمهَا هِنْد بنت
أبي أُميَّة (ذكر لطائف إِسْنَاده) فِيهِ التحديث بِصِيغَة
الْجمع فِي مَوضِع وَاحِد والإخبار كَذَلِك وَفِيه العنعنة
فِي أَرْبَعَة مَوَاضِع وَفِيه القَوْل وَفِيه رِوَايَة
تَابِعِيّ عَن تَابِعِيّ وهما مُحَمَّد وَعُرْوَة
وَرِوَايَة عُرْوَة عَن صحابية وَهِي زَيْنَب لِأَنَّهَا
سَمِعت النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -
عِنْد البُخَارِيّ وَفِيه رِوَايَة صحابية عَن صحابية وهما
زَيْنَب وَأم سَلمَة وَفِيه أَن رُوَاة إِسْنَاده مدنيون
مَا خلا شيخ البُخَارِيّ (ذكر تعدد مَوْضِعه وَمن أخرجه
غَيره) أخرجه البُخَارِيّ أَيْضا فِي الصَّلَاة وَفِي
التَّفْسِير عَن عبد الله بن يُوسُف وَأخرجه فِي الْحَج
عَن إِسْمَاعِيل والقعنبي وَفِيه أَيْضا عَن مُحَمَّد بن
حَرْب وَأخرجه مُسلم فِي الْحَج عَن يحيى بن يحيى عَن
مَالك بِهِ وَأخرجه أَبُو دَاوُد فِيهِ عَن القعْنبِي بِهِ
وَأخرجه النَّسَائِيّ فِيهِ عَن مُحَمَّد بن سَلمَة
والْحَارث بن مِسْكين وَفِيه وَفِي التَّفْسِير عَن عبيد
الله بن سعيد وَأخرجه ابْن ماجة فِي الْحَج عَن اسحق بن
مَنْصُور وَأحمد بن سِنَان وَعَن أبي بكر بن أبي شيبَة عَن
مُعلى بن مَنْصُور عَن مَالك بِهِ (ذكر مَعْنَاهُ) قَوْله
" أَنِّي أشتكي " فِي مَحل النصب فَإِنَّهُ مفعول شَكَوْت
يُقَال اشتكي عضوا من أَعْضَائِهِ إِذا توجع مِنْهُ
(4/240)
وشكوت فلَانا إِذا أخْبرت عَنهُ بِسوء فعله
بك قَوْله " فطفت " أَي راكبة على الْبَعِير حَتَّى يدل
الحَدِيث على التَّرْجَمَة قَوْله " إِلَى جنب الْبَيْت "
أَي الْكَعْبَة لِأَن الْبَيْت علم للكعبة شرفها الله
وعظمها وَقَالَ الْكرْمَانِي (فَإِن قلت) الصَّلَاة إِلَى
الْبَيْت فَمَا فَائِدَة ذكر الْجنب (قلت) مَعْنَاهُ أَنه
كَانَ يُصَلِّي مِنْهَا إِلَى الْجنب يَعْنِي قَرِيبا من
الْبَيْت لَا بَعيدا مِنْهُ انْتهى وَقَالَ أَبُو عَمْرو
صلَاته إِلَى جنب الْبَيْت من أجل أَن الْمقَام كَانَ
حِينَئِذٍ مُلْصقًا بِالْبَيْتِ قبل أَن يَنْقُلهُ عمر
رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ من ذَلِك الْمَكَان إِلَى صحن
الْمَسْجِد انْتهى. وَالْوَجْه فِي ذَلِك أَن الْبَيْت
كُله قبْلَة فَحَيْثُ صلى الْمُصَلِّي مِنْهُ إِذا جعله
أَمَامه كَانَ مستحسنا جَائِزا قَوْله " يقْرَأ بِالطورِ "
أَي بِسُورَة الطّور ولعلها لم تذكر وَاو الْقسم لِأَن لفظ
الطّور كَأَنَّهُ صَار علما للسورة (ذكر مَا يُسْتَفَاد
مِنْهُ) قَالَ ابْن بطال فِيهِ جَوَاز دُخُول الدَّوَابّ
الَّتِي يُؤْكَل لَحمهَا وَلَا ينجس بولها الْمَسْجِد إِذا
احْتِيجَ إِلَى ذَلِك وَأما دُخُول سَائِر الدَّوَابّ
فَلَا يجوز وَهُوَ قَول مَالك وَاعْترض عَلَيْهِ بِأَنَّهُ
لَيْسَ فِي الحَدِيث دلَالَة على عدم الْجَوَاز مَعَ
الْحَاجة بل ذَلِك دائر مَعَ التلويث وَعَدَمه فَحَيْثُ
يخْشَى التلويث يمْتَنع الدُّخُول وَفِيه نظر لِأَن قَوْله
- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - " طوفي وَأَنت
راكبة " لَا يدل على أَن الْجَوَاز وَعَدَمه دائران مَعَ
التلويث بل ظَاهره يدل على الْجَوَاز مُطلقًا عِنْد
الضَّرُورَة وَقيل أَن نَاقَته - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّم َ - كَانَت مدربة معلمة فَيُؤمن مِنْهَا مَا يحذر
من التلويث وَهِي سائرة (قلت) سلمنَا هَذَا فِي نَاقَة
النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَلَكِن
مَا يُقَال فِي النَّاقة الَّتِي كَانَت عَلَيْهَا أم
سَلمَة وَهِي طَائِفَة وَلَئِن قيل أَنَّهَا كَانَت نَاقَة
النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قيل لَهُ
يحْتَاج إِلَى بَيَان ذَلِك بِالدَّلِيلِ. وَمن فَوَائده
أَن النِّسَاء يَنْبَغِي لَهُنَّ أَن يطفن من وَرَاء
الرِّجَال لِأَن بِالطّوافِ شبها بِالصَّلَاةِ وَمن سنة
النِّسَاء فِيهَا أَن يكن خلف الرِّجَال فَكَذَلِك فِي
الطّواف. وَمِنْهَا أَن رَاكب الدَّابَّة يَنْبَغِي لَهُ
أَن يتَجَنَّب ممر النَّاس مَا اسْتَطَاعَ وَلَا يخالط
الرجالة. وَمِنْهَا أَن فِيهِ جَوَاز الطّواف رَاكِبًا
للمعذور وَلَا كَرَاهَة فِيهِ فَإِن كَانَ غير مَعْذُور
يعْتَبر عندنَا وَعند الشَّافِعِي لَا يجوز لقَوْله -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - " الطّواف
بِالْبَيْتِ صَلَاة " وَلنَا إِطْلَاق قَوْله تَعَالَى
{وليطوفوا} وَهُوَ مُطلق والْحَدِيث للتشبيه فَلَا عُمُوم
لَهُ وبقولنا قَالَ ابْن الْمُنْذر وَجَمَاعَة وَقَالَ
الْقُرْطُبِيّ الْجُمْهُور على كَرَاهَة ذَلِك قُلْنَا
نَحن أَيْضا نقُول بِالْكَرَاهَةِ حَتَّى أَنه يُعِيدهُ
مَا دَامَ بِمَكَّة وَسَيَجِيءُ مزِيد الْكَلَام فِيهِ فِي
بَاب الْحَج إِن شَاءَ الله تَعَالَى
97 - (بابٌ)
إِن لم يقدر شَيْء قبل لفظ: بَاب، أَو بعده لَا يكون
معرباً، لِأَن الْإِعْرَاب لَا يكون إلاَّ بعد العقد
والتركيب. ثمَّ إِن البُخَارِيّ جرت لَهُ عَادَة أَنه إِذا
ذكر لفظ بَاب مُجَردا عَن التَّرْجَمَة يدل ذَلِك على أَن
الحَدِيث الَّذِي يذكر بعده يكون لَهُ مُنَاسبَة
بِأَحَادِيث الْبَاب الَّذِي قبله، وَهَهُنَا لَا
مُنَاسبَة بَينهمَا أصلا بِحَسب الظَّاهِر على مَا لَا
يخفى، لَكِن تكلّف فِي ذَلِك فَقيل: تعلقه بِأَبْوَاب
الْمَسَاجِد من جِهَة أَن الرجلَيْن تأخراً مَعَ النَّبِي
فِي الْمَسْجِد فِي تِلْكَ اللَّيْلَة الْمظْلمَة لانتظار
صَلَاة الْعشَاء مَعَه، وَقَالَ بَعضهم: فعلى هَذَا كَانَ
يَلِيق أَن يترجم لَهُ: فضل الْمَشْي إِلَى الْمَسْجِد فِي
اللَّيْلَة الْمظْلمَة.
قلت: كل وَاحِد من الْكَلَامَيْنِ غير موجه، لِأَن حَدِيث
الْبَاب لَا يدل عَلَيْهِ أصلا، لِأَن حَدِيث الْبَاب فِي
الرجلَيْن اللَّذين خرجا من عِنْد النَّبِي فِي لَيْلَة
مظْلمَة حَتَّى أَتَيَا أهلهما، وَقَالَ ابْن بطال:
إِنَّمَا ذكر البُخَارِيّ هَذَا الحَدِيث فِي بَاب
أَحْكَام الْمَسَاجِد وَا تَعَالَى أعلم، لِأَن الرجلَيْن
كَانَا مَعَ النَّبِي فِي الْمَسْجِد وَهُوَ مَوضِع
جُلُوسه مَعَ أَصْحَابه. وأكرمهما اتعالى بِالنورِ فِي
الدُّنْيَا ببركته وَفضل مَسْجده وملازمته، قَالَ:
وَذَلِكَ آيَة للنَّبِي، وكرامة لَهُ قلت: هَذَا أَيْضا
فِيهِ بعد وَالْوَجْه فِيهِ أَن يُقَال: إنَّهُمَا لما
كَانَ فِي الْمَسْجِد مَعَ النَّبِي، وهما ينتظران صَلَاة
الْعشَاء مَعَه أكرما بِهَذِهِ الْكَرَامَة، وللمسجد فِي
حُصُول هَذِه الْكَرَامَة دخل، فَنَاسَبَ ذكر حَدِيث
الْبَاب هَهُنَا بِهَذِهِ الْحَيْثِيَّة.
124 - (حَدثنَا مُحَمَّد بن الْمثنى قَالَ حَدثنَا معَاذ
بن هِشَام قَالَ حَدثنِي أبي قَتَادَة قَالَ حَدثنَا أنس
أَن رجلَيْنِ من أَصْحَاب النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - خرجا من عِنْد النَّبِي - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -
(4/241)
فِي لَيْلَة مظْلمَة ومعهما مئل المصباحين يضيئان بَين
أَيْدِيهِمَا فَلَمَّا افْتَرقَا صَار مَعَ كل وَاحِد
مِنْهُمَا وَاحِد حَتَّى أَتَى أَهله) وَجه الْمُنَاسبَة
والمطابقة قد ذَكرْنَاهُ الْآن (ذكر رِجَاله) وهم خَمْسَة.
الأول مُحَمَّد بن الْمثنى بِلَفْظ الْمَفْعُول من
التَّثْنِيَة مر فِي بَاب حلاوة الْإِيمَان. الثَّانِي
معَاذ بِضَم الْمِيم مر فِي بَاب من خص بِالْعلمِ قوما.
الثَّالِث أَبوهُ هِشَام بن أبي عبد الله الدستوَائي
الْبَصْرِيّ. الرَّابِع قَتَادَة بن دعامة السدُوسِي
الْأَعْمَى الْبَصْرِيّ. الْخَامِس أنس بن مَالك (ذكر
لطائف إِسْنَاده) فِيهِ التحديث بِصِيغَة الْجمع فِي
ثَلَاثَة مَوَاضِع وبالإفراد فِي مَوضِع وَاحِد وَفِيه
العنعنة فِي مَوضِع وَاحِد وَفِيه أَن رِجَاله كلهم بصريون
وَفِيه أَن الرَّاوِي عَن الصَّحَابِيّ كَانَ مَعَه غَيره
فَلذَلِك أخبر بِصِيغَة الْجمع. (ذكر تعدد مَوْضِعه) أخرجه
البُخَارِيّ أَيْضا فِي عَلَامَات النُّبُوَّة متْنا
وإسنادا وَفِي منقبة أسيد بن حضير وَعباد بن بشر فِي
مَنَاقِب الْأنْصَارِيّ وَقَالَ فِيهِ وَقَالَ معمر عَن
ثَابت عَن أنس أَن أسيد بن حضير ورجلا من الْأَنْصَار
وَقَالَ حَمَّاد حَدثنَا ثَابت عَن أنس كَانَ أسيد وَعباد
بن بشر عِنْد النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم
َ - (ذكر مَعْنَاهُ) قَوْله " أَن رجلَيْنِ " هما عباد بن
بشر وَأسيد بن حضير وَقَالَ السفاقسي الرّجلَانِ عباد بن
بشر وعويم بن الساعدة وَأسيد بن حضير وَعباد بِفَتْح
الْعين الْمُهْملَة وَتَشْديد الْبَاء الْمُوَحدَة وَبشر
بِكَسْر الْبَاء الْمُوَحدَة وَسُكُون الشين الْمُعْجَمَة
وَأسيد بِضَم الْهمزَة مصغر أَسد وحضير بِضَم الْحَاء
الْمُهْملَة وَفتح الضَّاد الْمُعْجَمَة وَسُكُون الْيَاء
آخر الْحُرُوف وَفِي آخِره رَاء وعويم بِضَم الْعين
الْمُهْملَة وَفتح الْوَاو مصغر عوم قَوْله " مظْلمَة "
بِكَسْر اللَّام يُقَال أظلم اللَّيْل وَقَالَ الْفراء ظلم
اللَّيْل بِالْكَسْرِ وأظلم بِمَعْنى قَوْله " ومعهما "
الْوَاو فِيهِ للْحَال قَوْله " يضيئان " من أَضَاء تَقول
ضاءت النَّار وأضاءت مثله وأضاءته النَّار يتَعَدَّى وَلَا
يتَعَدَّى قَالَ الزَّمَخْشَرِيّ أَضَاء إِمَّا مُتَعَدٍّ
بِمَعْنى نور وَإِمَّا غير مُتَعَدٍّ بِمَعْنى لمع وأظلم
يحْتَمل أَن يكون غير مُتَعَدٍّ وَهُوَ الظَّاهِر وَأَن
يكون مُتَعَدِّيا. قَوْله " بَين أَيْدِيهِمَا " أَي
قدامهما وَهُوَ مفعول فِيهِ إِن كَانَ فعل الإضاءة لَازِما
ومفعول بِهِ إِن كَانَ مُتَعَدِّيا قَوْله " مِنْهُمَا "
أَي من الرجلَيْن قَوْله " وَاحِد " أَي من المصباحين
وارتفاعه على أَنه فَاعل صَار (وَمِمَّا يُسْتَفَاد
مِنْهُ) أَن فِيهِ دلَالَة ظَاهِرَة لكرامة الْأَوْلِيَاء
وَلَا شكّ فِيهِ. وَفِيه رد على من يُنكر ذَلِك وَقد وَقع
مثل هَذَا قَدِيما وحديثا. أما قَدِيما فَمن ذَلِك مَا
ذكره ابْن عَسَاكِر وَغَيره " عَن قَتَادَة بن النُّعْمَان
أَنه خرج من عِنْد رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّم َ - وَبِيَدِهِ عرجون فأضاء العرجون " وَفِي
دَلَائِل الْبَيْهَقِيّ من حَدِيث مَيْمُون بن زيد بن أبي
عبس حَدثنِي أبي " أَن أَبَا عبس كَانَ يُصَلِّي مَعَ
النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -
الصَّلَوَات ثمَّ يرجع إِلَى بني حَارِثَة فَخرج فِي
لَيْلَة مظْلمَة مطيرة فنورت لَهُ عَصَاهُ حَتَّى دخل دَار
بني حَارِثَة " وَمن حَدِيث كثير بن زيد عَن مُحَمَّد بن
حَمْزَة بن عَمْرو الْأَسْلَمِيّ عَن أَبِيه قَالَ "
كُنَّا مَعَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّم َ - فنفرنا فِي لَيْلَة مظْلمَة فَأَضَاءَتْ
أصابعي حَتَّى جمعُوا عَلَيْهَا ظهْرهمْ وَمَا هلك مِنْهُم
وَإِن أصابعي لتنير " وَفِي لفظ " نفرت دوابنا وَنحن فِي
مشقة " الحَدِيث. وَأما حَدِيثا فَمن ذَلِك مَا ثَبت
بالتواتر عَن جمَاعَة من طلبة الْعلم الثِّقَات أَنهم
كَانُوا مَعَ الشَّيْخ الإِمَام الْعَلامَة حسان الدّين
الرهاوي مُصَنف الْبَحْر وَغَيره فِي وَلِيمَة بِمَدِينَة
عينتاب وَكَانَت فِي لَيْلَة مظْلمَة شَاتِيَة فَلَمَّا
تفَرقُوا أَرَادَ جمَاعَة أَن ينوروا على الشَّيْخ إِلَى
بَاب دَاره لشدَّة الظلمَة فَمَا رَضِي بذلك فَرَجَعُوا
وَتَبعهُ جمَاعَة من بعد فَقَالُوا وهم يحلفُونَ أَنهم
شاهدوا نورين عظيمين مثل الفوانيس أَحدهمَا عَن يَمِين
الشَّيْخ وَالْآخر عَن يسَاره فَلم يَزَالَا مَعَه إِلَى
أَن وصل إِلَى بَاب دَاره فَلَمَّا فتح الْبَاب وَدخل
الشَّيْخ ارْتَفع النوران وَلَقَد أخبروا عَنهُ بكرامات
أُخْرَى غير ذَلِك وَهُوَ أحد مشايخي الَّذين أخذت عَنْهُم
الْعلم وانتفعت بهم |