عمدة القاري شرح صحيح البخاري

70- (بابٌ إذَا بَكَى الإمامُ فِي الصَّلاةِ
أَي: هَذَا بَاب تَرْجَمته: إِذا بَكَى الإِمَام فِي الصَّلَاة، يَعْنِي هَل تفْسد أم لَا؟ وَلم يذكر جَوَاب: إِذا، لما فِيهِ من الْخلاف وَالتَّفْصِيل على مَا نذكرهُ عَن قريب، إِن شَاءَ الله تَعَالَى.
وَقَالَ عَبْدُ الله بنُ شَدَّادٍ سَمِعْتُ نَشِيجَ عُمَرَ وَأَنا فِي آخِرِ الصُّفُوفِ يَقْرَأُ إنَّمَا أشكُو بَثِّي وحُزْنِي إِلَى الله

(5/251)


عبد الله بن شَدَّاد بن الْهَاد تَابِعِيّ كَبِير لَهُ رِوَايَة، ولأبيه صُحْبَة. وَقَالَ الذَّهَبِيّ: عبد الله بن شَدَّاد بن أُسَامَة بن الْهَاد الْكِنَانِي اللَّيْثِيّ العثواري، من قدماء التَّابِعين. وَقَالَ فِي بَاب الشين: شَدَّاد بن الْهَاد، وَاسم الْهَاد: أُسَامَة بن عَمْرو، وَقيل لَهُ: الْهَاد، لِأَنَّهُ كَانَ يُوقد النَّار فِي اللَّيْل ليهتدي إِلَيْهِ الأضياف. وَقيل: الْهَاد، لقب جده عَمْرو، وَهَذَا التَّعْلِيق وَصله سعيد بن مَنْصُور عَن ابْن عُيَيْنَة عَن إِسْمَاعِيل ابْن مُحَمَّد بن سعد سمع عبد الله بن شَدَّاد بِهَذَا، وَزَاد فِي صَلَاة الصُّبْح. وَأخرجه ابْن الْمُنْذر من طَرِيق عبيد بن عُمَيْر، قَالَ: صلى عمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، الْفجْر فَافْتتحَ سُورَة يُوسُف فَقَرَأَ {وابيضت عَيناهُ من الْحزن فَهُوَ كظيم} (يُوسُف: 84) . فَبكى حَتَّى انْقَطع ثمَّ رَجَعَ) . وَقَالَ الْبَيْهَقِيّ: أخبرنَا أَبُو بكر أَحْمد بن الْحسن وَأَبُو سعيد بن أبي عَمْرو أخبرنَا أَبُو الْعَبَّاس مُحَمَّد بن يَعْقُوب حَدثنَا مُحَمَّد بن إِسْحَاق حَدثنَا حجاج، قَالَ: قَالَ ابْن جريج سَمِعت ابْن أبي مليكَة، يَقُول: أَخْبرنِي عَلْقَمَة بن وَقاص، قَالَ: كَانَ عمر بن الْخطاب، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، يقْرَأ فِي الْعَتَمَة بِسُورَة يُوسُف، عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام، وَأَنا فِي مُؤخر الصَّفّ، حَتَّى إِذا جَاءَ ذكر يُوسُف سَمِعت نَشِيجه من مُؤخر الصَّفّ. قَوْله: (نَشِيجه) النشيج على وزن: فعيل، بِفَتْح النُّون وَكسر الشين الْمُعْجَمَة. وَفِي آخِره جِيم من: نشج الباكي ينشج نشجا: إِذا غص بالبكاء فِي حلقه، أَو تردد فِي صَدره وَلم ينتحب، وكل صَوت بَدَأَ كالنفحة فَهُوَ نشيج، ذكره أَبُو الْمَعَالِي فِي (الْمُنْتَهى) . وَفِي (الْمُحكم) : النشيج: أَشد الْبكاء، وَقيل: هِيَ فاقة يرْتَفع لَهَا النَّفس كالفواق، وَقَالَ أَبُو عبيد: النشيج هُوَ مثل بكاء الصَّبِي إِذا ردد صَوته فِي صَدره وَلم يُخرجهُ وَفِي (مجمع الغرائب) : هُوَ صَوته مَعَه توجع وتحزن. وَقَالَ السفاقسي: أجَاز الْعلمَاء الْبكاء فِي الصَّلَاة من خوف الله تَعَالَى وخشيته.
وَاخْتلفُوا فِي الأنين والتأوه قَالَ ابْن الْمُبَارك: إِذا كَانَ غَالِبا فَلَا بَأْس، وَعند أبي حنيفَة إِذا ارْتَفع تأوهه أَو بكاؤه فَإِن كَانَ من ذكر الْجنَّة وَالنَّار لم يقطعهَا، وَإِن كَانَ من وجع أَو مُصِيبَة قطعهَا، وَعَن الشَّافِعِي وَأبي ثَوْر: لَا بَأْس بِهِ إلاّ أَن يكون كلَاما مفهوما، وَعَن الشّعبِيّ وَالنَّخَعِيّ: يُعِيد صلَاته.

716 - حدَّثنا إسْمَاعيلُ قَالَ حَدثنَا مالِكُ بنُ أنَسٍ عنْ هِشَامِ بنِ عُرْوَةَ عَنْ أبِيهِ عَنْ عائِشَةَ أم المُؤْمِنِينَ أنَّ رسولَ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ فِي مَرَضِهِ مُرُوا أبِا بَكْرٍ يُصَلِّي بالناسِ قالَتْ عَائِشَةُ قُلْتُ إنَّ أبَا بَكْرٍ إذَا قَامَ فِي مَقَامِكَ لَمْ يُسْمِعِ النَّاسَ مِنَ البُكَاءِ فَمُرْ عُمَرَ فَلْيُصَلِّ فَقَالَ مُرُوا أبَا بَكْرٍ فَلْيُصَلِّ للنَّاسِ قالَتْ عائِشَةُ لِحَفْصَةَ قُولِي لَهُ أنَّ أبَا بَكْرٍ إذَا قامَ فِي مَقَامِكَ لَمْ يُسْمِعِ الناسَ مِنَ البُكَاءِ فَمُرْ عُمَرَ فَلْيُصَلِّ لِلنَّاسِ فَفَعَلَتْ حَفْصَةُ فَقَالَ رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَهْ إنَّكُنَّ لأَنْتُنَّ صَوَاحِبَ يُوسُفَ مُرُوا أبَا بَكْرٍ فَلْيُصَلِّ للناسِ قالَتْ حَفْصَةُ لَعَائِشَةَ مَا كُنْتُ لأِصِيبَ مِنْكِ خَيْرا.

مطابقته للتَّرْجَمَة من حَيْثُ إِن عَائِشَة أخْبرت فِيهِ أَن أَبَا بكر إِذا قَامَ فِي مقَام النَّبِي، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، يبكي بكاء شَدِيدا حَتَّى لَا يسمع النَّاس قِرَاءَته من شدَّة الْبكاء. فَإِن قلت: هَذَا إِخْبَار عَمَّا سيقع وَلَيْسَ فِيهِ مَا يدل على أَنه بَكَى قلت: هِيَ أخْبرت عَمَّا شاهدته من بكائه فِي صلَاته قبل ذَلِك، وقاست على هَذَا أَنه إِذا قَامَ مقَام النَّبِي، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، يبكي أَشد من ذَلِك لرُؤْيَته خلو مَكَان النَّبِي، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، مَعَ مَا عِنْده من الرقة وَسُرْعَة الْبكاء فَإِن قلت: مَا فِي الحَدِيث شَيْء يدل على أَن أَبَا بكر كَانَ إِمَامًا، فضلا عَن أَنه بكي وَهُوَ إِمَام؟ قلت: جَاءَ فِي حَدِيث هَذَا الْبَاب عَن عَائِشَة: (قلت: يَا رَسُول الله إِن أَبَا بكر رجل رَقِيق، إِذا قَرَأَ الْقُرْآن لَا يملك دمعه) . فَثَبت بِهَذَا أَنه كَانَ يبكي إِذا قَرَأَ الْقُرْآن، وَثَبت أَنه كَانَ إِمَامًا قبل أَن يَأْتِي النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَكَانَ قَرَأَ قبل ذَلِك، وَالدَّلِيل عَلَيْهِ مَا جَاءَ فِيهِ: فَاسْتَفْتَحَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من حَيْثُ انْتهى أَبُو بكر من الْقِرَاءَة، فَدلَّ ذَلِك على أَنه كَانَ يبكي وَهُوَ يقْرَأ الْقُرْآن، وَأَنه كَانَ يقْرَأ وَهُوَ إِمَام إِلَى وَقت مَجِيء النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فطابق الحَدِيث التَّرْجَمَة من هَذِه الْحَيْثِيَّة. فَافْهَم. فَإِن أحدا مَا نبه على ذَلِك.
ذكر بَقِيَّة الْكَلَام مِمَّا لم نذكرهُ: أما رِجَاله فقد مر ذكرهم غير مرّة، وَإِسْمَاعِيل بن أويس الأصبحي الْمدنِي ابْن أُخْت مَالك بن أنس، وَكلهمْ

(5/252)


مدنيون. وَفِيه: التحديث بِصِيغَة الْجمع فِي مَوضِع وبصيغة الْإِفْرَاد فِي مَوضِع. وَفِيه: العنعنة فِي ثَلَاثَة مَوَاضِع. وَفِيه: القَوْل فِي مَوضِع وَاحِد. قَوْله: (من الْبكاء) كلمة: من، للتَّعْلِيل أَي: لأجل الْبكاء. وَقَالَ الْكرْمَانِي: فِي الْبكاء، أَي: لأجل الْبكاء، و: فِي، جَاءَ للسَّبَبِيَّة أَو هُوَ حَال، أَي: كَائِنا فِي الْبكاء، وَهُوَ من بَاب إِقَامَة بعض حُرُوف الْجَرّ مقَام بعض قلت: هَذَا إِنَّمَا يتَوَجَّه إِذا صحت رِوَايَة: فِي الْبكاء. قَوْله: (فَمر عمر فَليصل) ، ويروى: (يُصَلِّي) قَوْله: (بِالنَّاسِ) ويروى: (للنَّاس) . قَوْله: (فَفعلت) أَي: القَوْل الْمَذْكُور، وَلم تقل: فَقَالَت كَذَا وَكَذَا اختصارا. وَقَوله: (مَه) كلمة زجر، وَقد تقدم فِيمَا مضى.)
717 - حدَّثنا أبُو الوَلِيد هِشَامُ بنُ عَبْدِ المَلِكِ قَالَ حَدثنَا شُعْبَةُ قَالَ أَخْبرنِي عَمْرُو بنُ مُرَّةَ قَالَ سَمِعْتُ سالِمَ بنَ الجَعْدِ قَالَ سَمِعْتُ النُّعْمَانَ بنَ بَشِيرٍ يَقُولُ قَالَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَتُسَوُّنَّ صُفُوفَكُمْ أوْ لَيُخَالِفَنَّ الله بَيْنَ وُجُوهِكُمْ.

مطابقته للتَّرْجَمَة فِي لفظ التَّسْوِيَة ظَاهِرَة وَلَيْسَ فِيهِ مَا يُطَابق. قَوْله: (عِنْد الْإِقَامَة وَبعدهَا) ، وَلكنه أَشَارَ بذلك إِلَى مَا فِي بعض طرق الحَدِيث مَا يدل على ذَلِك، وَقد روى مُسلم من حَدِيث النُّعْمَان قَالَ ذَلِك مَا كَاد أَن يكبر.
ذكر رِجَاله: وهم خَمْسَة قد ذكرُوا، وَعَمْرو بن مرّة، بِضَم الْمِيم وَتَشْديد الرَّاء: أَبُو عبد الله الجهمي، بِضَم الْجِيم: الْمرَادِي، بِضَم الْمِيم وَتَخْفِيف الرَّاء: الْكُوفِي الْأَعْمَش، من الْأَئِمَّة العاملين، مَاتَ سنة عشرَة وَمِائَة. والجعد، بِفَتْح الْجِيم، وَبشير، بِفَتْح الْبَاء الْمُوَحدَة وَكسر الشين الْمُعْجَمَة: مر فِي كتاب الْإِيمَان فِي: بَاب فضل من اسْتَبْرَأَ.
ذكر لطائف أسناده: فِيهِ: التحديث بِصِيغَة الْجمع فِي ثَلَاثَة مَوَاضِع. وَفِيه: السماع فِي موضِعين. وَفِيه: القَوْل فِي خَمْسَة مَوَاضِع. وَفِيه: أَن شَيْخه مَذْكُور باسمه وكنيته صَرِيحًا. وَفِيه: أَن رُوَاته مَا بَين بَصرِي وكوفي.
ذكر من أخرجه غَيره: أخرجه مُسلم أَيْضا فِي الصَّلَاة عَن أبي بكر بن أبي شيبَة وَابْن الْمثنى وَابْن بشار عَن غنْدر عَن شُعْبَة.
ذكر مَعْنَاهُ: قَوْله: (لتسون) ، اللَّام فِيهِ للتَّأْكِيد، وَقَالَ الْبَيْضَاوِيّ: هَذِه اللَّام هِيَ الَّتِي يتلَقَّى بهَا الْقسم، وَالْقسم هُنَا مُقَدّر، وَلِهَذَا أكده بالنُّون الْمُشَدّدَة، وَقد أبرزه أَبُو دَاوُد فِي (سنَنه) : حَدثنَا عُثْمَان بن أبي شيبَة، حَدثنَا وَكِيع عَن زَكَرِيَّا بن أبي زَائِدَة عَن أبي الْقَاسِم الجدلي، قَالَ: سَمِعت النُّعْمَان بن بشير يَقُول: (أقبل رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم على النَّاس بِوَجْهِهِ، فَقَالَ: أقِيمُوا صفوفكم، ثَلَاثًا، وَالله لتقيمن صفوفكم أَو ليخالفن الله فِي قُلُوبكُمْ) . الْحَدث، وأصل: لتسوون، لِأَنَّهُ من التَّسْوِيَة تَقول: تسوي تسويان تسوون، بِضَم الْوَاو الأولى وَسُكُون الثَّانِيَة، وَالنُّون فِيهِ عَلامَة الْجمع، فَلَمَّا دخلت عَلَيْهِ نون التَّأْكِيد الثَّقِيلَة حذفت نون الْجمع وَإِحْدَى الواوين لالتقاء الساكنين، فالمحذوف هُوَ: وَاو الْجمع، أَو: وَاو الْكَلِمَة؟ فِيهِ خلاف، وَقد علم فِي مَوْضِعه. وَفِي رِوَايَة الْمُسْتَمْلِي: (لتسوون) ، فالنون على هَذِه الرِّوَايَة نون الْجمع. فَإِن قلت: مَا معنى تَسْوِيَة الصُّفُوف؟ قلت: اعْتِدَال القائمين بهَا على سمت وَاحِد، وَيُرَاد بهَا أَيْضا سد الْخلَل الَّذِي فِي الصَّفّ على مَا سَيَأْتِي. قَوْله: (أَو ليخالفن الله) ، بِفَتْح اللَّام الأولى لِأَنَّهَا لَام التَّأْكِيد، وبكسر اللَّام الثَّانِيَة وَفتح الْفَاء، وَلَفظ: الله، مَرْفُوع بالفاعلية، وَكلمَة: أَو، فِي الأَصْل مَوْضُوعَة لأحد الشَّيْئَيْنِ أَو الْأَشْيَاء، وَقد تخرج إِلَى معنى: بل، وَإِلَى معنى: الْوَاو، وَهِي حرف عطف ذكر المتاخرون لَهَا مَعَاني كَثِيرَة، وَهَهُنَا لأحد الْأَمريْنِ، لِأَن الْوَاقِع أحد الْأَمريْنِ إِمَّا إِقَامَة الصُّفُوف وَإِمَّا الْمُخَالفَة. وَالْمعْنَى: ليخالفن الله إِن لم تُقِيمُوا الصُّفُوف، لِأَنَّهُ قَابل بَين الْإِقَامَة وَبَينه، فَيكون الْوَاقِع أحد الْأَمريْنِ، وَهَذَا وَعِيد لمن لم يقم الصُّفُوف بِعَذَاب من جنس ذنبهم لاختلافهم فِي مقامهم، وَقيل: يُوقع بَيْنكُم الْعَدَاوَة والبغضاء وَاخْتِلَاف الْقُلُوب، يُقَال: تغير وَجه فلَان عَليّ، أَي: ظهر لي من وَجهه كَرَاهِيَة فيَّ وَتغَير، لِأَن مخالفتهم فِي الصُّفُوف مُخَالفَة فِي الظَّاهِر، وَاخْتِلَاف الظَّاهِر سَبَب لاخْتِلَاف الْبَاطِن. وَقيل: هُوَ على حَقِيقَته، وَالْمرَاد

(5/253)


تَشْوِيه الْوَجْه بتحويل خلقه عَن وَضعه بجعله مَوضِع الْقَفَا، وَهَذَا نَظِير الْوَعيد فِيمَن رفع رَأسه قبل الإِمَام أَن يَجْعَل الله رَأسه راس حمَار، وَيُؤَيّد حمله على ظَاهره مَا رَوَاهُ أَحْمد من حَدِيث أبي أُمَامَة بِلَفْظ: (لتسون الصُّفُوف أَو لتطمسن الْوُجُوه) . قَالَ الْقُرْطُبِيّ: مَعْنَاهُ تَفْتَرِقُونَ فَيَأْخُذ كل وَاحِد وَجها غير الَّذِي أَخذ صَاحبه، لِأَن تقدم الشَّخْص على غَيره مَظَنَّة الْكبر الْمُفْسد للقلب الدَّاعِي إِلَى القطيعة، وَيُقَال: المُرَاد من الْوَجْه إِمَّا الذَّات فالمخالفة بِحَسب الْمَقَاصِد، وَإِمَّا الْعُضْو الْمَخْصُوص، فالمخالفة إِمَّا بِحَسب الصُّورَة الإنسانية وَغَيرهَا، وَإِمَّا بِحَسب الصّفة، وَإِمَّا بِحَسب القدام والوراء. قَوْله: (ليخالفن) ، من بَاب المفاعلة، وَلَكِن لَا يَقْتَضِي الْمُشَاركَة لِأَن مَعْنَاهُ: ليوقعن الله الْمُخَالفَة بِقَرِينَة لَفْظَة: بَين.

718 - حدَّثنا أبُو مَعْمَرٍ قَالَ حَدثنَا عَبْدُ الوَارِثِ عَنْ عَبْدِ العَزِيزِ عَنْ أنَسٍ أنَّ النَّبِيَّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ أقِيمُوا الصُّفُوفَ فإنِّي أرَاكُمْ خَلْفَ ظَهْرِي
مطابقته للتَّرْجَمَة من حَيْثُ إِن الْأَمر بِإِقَامَة الصُّفُوف هُوَ الْأَمر بالتسوية، وَرِجَاله قد مروا، وَأَبُو معمر، بِفَتْح الميمين: هُوَ عبد الله بن عَمْرو بن أبي الْحجَّاج الْمنْقري المقعد، وَعبد الْوَارِث بن سعيد الْبَصْرِيّ.
وَأخرجه مُسلم عَن شَيبَان عَن عبد الْوَارِث، وَعند النَّسَائِيّ: (كَانَ يَقُول: اسْتَووا اسْتَووا فوالذي نَفسِي بِيَدِهِ إِنِّي لأَرَاكُمْ من خَلْفي كَمَا أَرَاكُم بَين يَدي) .
قَوْله: (أقِيمُوا الصُّفُوف) أَي: عدلوا، يُقَال: أَقَامَ الْعود، أَي: عدله وسواه. قَوْله: (فَإِنِّي أَرَاكُم خلف ظَهْري) الْفَاء فِيهِ للسَّبَبِيَّة، وَأَشَارَ بِهِ إِلَى أَن سَبَب الْأَمر بذلك إِنَّمَا هُوَ تَحْقِيق مِنْكُم خِلَافه، وَلَا يخفى ذَلِك على أَنِّي أرى من خلف ظَهْري، كَمَا إرى من بَين يَدي. ثمَّ إِن هَذَا يجوز أَن يكون إدراكا خَاصّا بِالنَّبِيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم محققا انخرقت لَهُ الْعَادة وخلقت لَهُ عين وَرَاءه فَيرى بهَا، كَمَا ذكر مُخْتَار بن مُحَمَّد فِي رسَالَته الناصرية: أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ بَين كتفه عينان مثل سم الْخياط، فَكَانَ يبصر بهما، وَلَا تحجبهما الثِّيَاب. وَفِي حَدِيث: كَانَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يرى فِي الظلام كَمَا يرى فِي الضَّوْء. وَذكر بعض أهل الْعلم أَن ذَلِك رَاجع إِلَى الْعلم، وَأَن مَعْنَاهُ: لَا علم، وَهَذَا تَأْوِيل لَا حَاجَة إِلَيْهِ، بل حمل ذَلِك على ظَاهره أولى، وَيكون ذَلِك زِيَادَة فِي كرامات الشَّارِع، قَالَه الْقُرْطُبِيّ. وَقَالَ أَحْمد وَجُمْهُور الْعلمَاء: هَذِه الرُّؤْيَة رُؤْيَة الْعين حَقِيقَة وَلَا مَانع لَهُ من جِهَة الْعقل، وَورد الشَّرْع بِهِ فَوَجَبَ القَوْل بِهِ.
ذكر مَا يُسْتَفَاد مِنْهُ: فِيهِ: الْأَمر بتسوية الصُّفُوف، وَهِي من سنة الصَّلَاة عِنْد أبي حنيفَة وَالشَّافِعِيّ وَمَالك، وَزعم ابْن حزم أَنه فرض، لِأَن إِقَامَة الصَّلَاة فرض، وَمَا كَانَ من الْفَرْض فَهُوَ فرض. قَالَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (فَإِن تَسْوِيَة الصَّفّ من تَمام الصَّلَاة) . فَإِن قلت: الأَصْل فِي الْأَمر الْوُجُوب وَلَا سِيمَا فِيهِ الْوَعيد على ترك تَسْوِيَة الصُّفُوف، فَدلَّ على أَنَّهَا وَاجِبَة. قلت: هَذَا الْوَعيد من بَاب التَّغْلِيظ وَالتَّشْدِيد تَأْكِيدًا وتحريضا على فعلهَا، كَذَا قَالَه الْكرْمَانِي، وَلَيْسَ بسديد. لِأَن الْأَمر المقرون بالوعيد يدل على الْوُجُوب، بل الصَّوَاب أَن يَقُول: فلتكن التَّسْوِيَة وَاجِبَة بِمُقْتَضى الْأَمر، وَلكنهَا لَيست من وَاجِبَات الصَّلَاة بِحَيْثُ أَنه إِذا تَركهَا فَسدتْ صلَاته أَو نقصتها. غَايَة مَا فِي الْبَاب إِذا تَركهَا يَأْثَم، وَرُوِيَ عَن عمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، أَنه كَانَ يُوكل رجَالًا بِإِقَامَة الصُّفُوف، فَلَا يكبر حَتَّى يخبر أَن الصُّفُوف قد اسْتَوَت، وَرُوِيَ عَن عَليّ وَعُثْمَان، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا، أَنَّهُمَا كَانَا يتعاهدان ذَلِك ويقولان: اسْتَووا، وَكَانَ عَليّ، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، يَقُول: تقدم يَا فلَان، وَتَأَخر يَا فلَان. وروى أَبُو دَاوُد من حَدِيث النُّعْمَان بن بشير، قَالَ: (كَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يُسَوِّي صُفُوفنَا إِذا قمنا للصَّلَاة وَإِذا استوينا كبر للصَّلَاة) ، وَلَفظ مُسلم: (كَانَ يُسَوِّي صُفُوفنَا حَتَّى كَأَنَّمَا يُسَوِّي بهَا القداح، حَتَّى رأى أَنا قد غفلنا عَنهُ، خرج يَوْمًا حَتَّى كَاد أَن يكبر، فَرَأى رجلا باديا صَدره، فَقَالَ: عباد الله لتسونَّ صفوفكم) الحَدِيث.

72 - (بابُ إقْبَالِ الإمامِ النَّاسَ عِنْدَ تَسْوِيَةِ الصُفُوفِ)

أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان حكم إقبال الإِمَام، وَلَفظ الإقبال مصدر مُضَاف إِلَى فَاعله، وَقَوله: النَّاس، بِالنّصب مَفْعُوله.

719 - حدَّثنا أحْمَدُ بنُ أبي رَجَاءِ قَالَ حدَّثنا مُعَاوِيَةُ بنُ عَمْرٍ وَقَالَ حدَّثنا زائِدَةُ

(5/254)


بنُ قُدَامَةَ قَالَ حدَّثنا حُمَيْدٌ الطَّوِيلُ قَالَ حدَّثنا أنَسٌ قَالَ أُقِيمَتِ الصَّلاَةُ فَأقْبَلَ عَلَيْنا رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِوَجْهِهِ فَقَالَ أقِيمُوا صُفُوفَكُمْ وتَرَاصُّوا فَإنِّي أرَاكُمْ مِنْ وَرَاءِ ظَهْرِي.

مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة.
ذكر رِجَاله: وهم خَمْسَة: الأول: أَحْمد بن أبي رَجَاء، بِفَتْح الرَّاء وَتَخْفِيف الْجِيم، وبالمد وَاسم أبي رَجَاء: عبد الله بن أَيُّوب أَبُو الْوَلِيد الْحَنَفِيّ الْهَرَوِيّ، مَاتَ بهراة فِي سنة اثْنَتَيْنِ وَثَلَاثِينَ وَمِائَتَيْنِ، وقبره مشْهد يزار. الثَّانِي: مُعَاوِيَة بن عَمْرو بن الْمُهلب الْأَزْدِيّ الْبَغْدَادِيّ، وَأَصله كُوفِي. الثَّالِث: زَائِدَة بن قدامَة، بِضَم الْقَاف: مر فِي: بَاب غسل الْمَذْي. الرَّابِع: حميد الطَّوِيل، بِضَم الْحَاء. الْخَامِس: أنس بن مَالك، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ.
ذكر لطائف أسناده: فِيهِ: التحديث بِصِيغَة الْجمع فِي جَمِيع الْإِسْنَاد، وَلم يَقع مثل هَذَا إِلَى هُنَا. وَفِيه: القَوْل فِي خَمْسَة مَوَاضِع. وَفِيه: أَن رُوَاته مَا بَين هروي وبغدادي وكوفي وبصري. وَفِيه: أَن شَيْخه من أَفْرَاده. وَفِيه: أَن مُعَاوِيَة بن عَمْرو أَيْضا من شُيُوخ البُخَارِيّ، وَهُوَ من قدماء شُيُوخه، وروى لَهُ هَهُنَا بِوَاسِطَة أَحْمد بن أبي رَجَاء، وَالظَّاهِر أَنه لم يسمع هَذَا الحَدِيث مِنْهُ. وَفِيه: تَصْرِيح حميد بِالتَّحْدِيثِ عَن أنس، فأمن بذلك تدليسه.
ذكر مَعْنَاهُ: قَوْله: (أقِيمُوا صفوفكم) : الْخطاب للْجَمَاعَة الْحَاضِرين لأَدَاء الصَّلَاة مَعَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَإِقَامَة الصُّفُوف: تسويتها. قَوْله: (وتراصوا) ، بِضَم الصَّاد الْمُشَدّدَة وَأَصله: تراصصوا، أدغمت الصَّاد فِي الصَّاد لِأَنَّهُمَا مثلان، فَوَجَبَ الْإِدْغَام وَمَعْنَاهُ: تضاموا وتلاصقوا حَتَّى يتَّصل مَا بَيْنكُم وَلَا يَنْقَطِع، وَأَصله من الرص، يُقَال: رص الْبناء يرصه رصا إِذا لصق بعضه بِبَعْض، وَمِنْه قَوْله تَعَالَى: {كَأَنَّهُمْ بُنيان مرصوص} (الصَّفّ: 4) . وَفِي (سنَن أبي دَاوُد) و (صَحِيح ابْن حبَان) : من حَدِيث أنس أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: (رصوا صفوفكم وقاربوا بَينهَا وحاذوا بالأعناق، فوالذي نَفسِي بِيَدِهِ أَنِّي لأرى الشَّيْطَان يدْخل من خلل الصَّفّ، كَأَنَّهُ الْحَذف) . والحذف، بِفَتْح الْحَاء الْمُهْملَة وَفتح الذَّال الْمُعْجَمَة وَفِي آخِره فَاء: وَهِي غنم صغَار سود تكون بِالْيمن، وفسرها مُسلم: بِالنَّقْدِ، بِالتَّحْرِيكِ، وَهِي جنس من الْغنم قصار الأرجل قباح الْوُجُود. وَقَالَ الْأَصْمَعِي: أَجود الصُّوف صوفها. وَفِي رِوَايَة الْبَيْهَقِيّ: (قيل: يَا رَسُول الله، وَمَا أَوْلَاد الْحَذف؟ قَالَ: ضَأْن جرد سود تكون بِأَرْض الْيمن) . وَقَالَ الْخطابِيّ: وَيُقَال: أَكثر مَا تكون بِأَرْض الْحجاز. قَوْله: (من وَرَاء ظَهْري) أَي: من خلف ظَهْري، وَهَهُنَا ذكر كلمة: من، بِخِلَاف الحَدِيث السَّابِق، والنكتة فِيهِ أَنه إِذا وجد من يكون صَرِيحًا فَإِن مبدأ الرُّؤْيَة ومنشأها من خلف بِأَن يخلق الله حاسة باصرة فِيهِ، وَإِذا عدم يحْتَمل أَن يكون منشؤها هَذِه الحاسة الْمَعْهُودَة، وَأَن تكون غَيرهَا مخلوقة فِي الوراء، وَلَا يلْزم رؤيتنا تِلْكَ الحاسة، إِذا الرُّؤْيَة إِنَّمَا هِيَ بِخلق الله تَعَالَى وإرادته.
وَمِمَّا يُسْتَفَاد مِنْهُ: جَوَاز الْكَلَام بَين الْإِقَامَة وَبَين الصَّلَاة، وَوُجُوب تَسْوِيَة الصُّفُوف. وَفِيه: معْجزَة النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم.

73 - (بابُ الصَّفِّ الأَوَّلِ)

أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان ثَوَاب الصَّفّ الأول، وَاخْتلف فِي الصَّفّ الأول فَقيل: المُرَاد بِهِ مَا يَلِي الإِمَام مُطلقًا. وَقيل: المُرَاد بِهِ من سبق إِلَى الصَّلَاة وَلَو صلى آخر الصُّفُوف، قَالَه ابْن عبد الْبر. وَقيل: المُرَاد بِهِ أول صف تَامّ مسدود لَا يتخلله شَيْء مثل مَقْصُورَة وَنَحْوهَا. وَقَالَ النَّوَوِيّ: القَوْل الأول هُوَ الصَّحِيح الْمُخْتَار، وَبِه صرح الْمُحَقِّقُونَ، وَالْقَوْلَان الْآخرَانِ غلط صَرِيح. قلت: القَوْل الثَّانِي لَا وَجه لَهُ، لِأَنَّهُ ورد فِي حَدِيث أبي سعيد أخرجه أَحْمد: (وَأَن خير الصُّفُوف صُفُوف الرِّجَال الْمُقدم وشرها الْمُؤخر) الحَدِيث، وَالْقَوْل الثَّالِث لَهُ وَجه، لِأَنَّهُ ورد فِي حَدِيث أنس أخرجه أَبُو دَاوُد وَغَيره: (رصوا صفوفكم) ، وَقد ذَكرْنَاهُ عَن قريب، وَإِذا تخَلّل بَين الصَّفّ شَيْء ينْتَقض الرص، وَفِيه أَيْضا: (أَنِّي لأرى الشَّيْطَان يدْخل من خلل الصَّفّ) . وَأما كَون القَوْل الأول هُوَ الصَّحِيح فوجهه أَن الأول إسم لشَيْء لم يسْبقهُ شَيْء وَلَا يُطلق على هَذَا إلاَّ على الصَّفّ الأول الَّذِي يَلِي الإِمَام مُطلقًا. فَإِن قلت: ورد فِي حَدِيث الْبَراء بن عَازِب أخرجه أَحْمد: (إِن الله وَمَلَائِكَته يصلونَ على الصَّفّ الأول أَو الصُّفُوف الأول) . قلت: لفظ الأول من الْأُمُور النسبية، فَإِن الثَّانِي أول بِالنِّسْبَةِ إِلَى الثَّالِث، وَالثَّالِث أول بِالنِّسْبَةِ إِلَى الرَّابِع، وهلم جرا ... وَلَكِن الأول الْمُطلق هُوَ الَّذِي لم يسْبقهُ شَيْء، ثمَّ الْحِكْمَة فِي التحريض والحث على الصَّفّ الأول الْمُطلق على وُجُوه:

(5/255)


المسارعة إِلَى خلاص الذِّمَّة، والسبق لدُخُول الْمَسْجِد، والقرب من الإِمَام، واستماع قِرَاءَته والتعلم مِنْهُ، وَالْفَتْح عَلَيْهِ عِنْد الْحَاجة، واحتياج الإِمَام إِلَيْهِ عِنْد الإستخلاف، والبعد مِمَّن يخترق الصُّفُوف، وسلامة الخاطر من رُؤْيَة من يكون بَين يَدَيْهِ، وخلوه مَوضِع سُجُوده من أذيال الْمُصَلِّين.

720 - حدَّثنا أبُو عَاصِمٍ عَنْ مالِكٍ عَن سُمَيِّ عَن أبي صالحٍ عَن أبي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الشُّهَدَاءُ الغَرِقُ والمَطْعُونُ والمْبطُونُ والهَدِمُ. قَالَ وَلَوْ يَعْلَمُونَ مَا فِي التَّهْجِيرِ لاسْتَبَقُوا ولَوْ يَعْلَمُونَ مَا فِي العَتَمَةِ والصُّبْحِ لأتَوْهُمَا ولَوْ حَبْوا ولَوْ يَعْلَمُونَ مَا فِي الصَّفِّ الأوَّلِ لاسْتَهَمُوا.

مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (وَلَو يعلمُونَ مَا فِي الصَّفّ الأول لاستهموا) .
ذكر رِجَاله: وهم خَمْسَة: كلهم قد ذكرُوا، وَأَبُو عَاصِم النَّبِيل إسمه الضَّحَّاك بن مخلد، وَسمي، بِضَم السِّين الْمُهْملَة وَفتح الْمِيم وَتَشْديد الْيَاء آخر الْحُرُوف: الْقرشِي المَخْزُومِي أَبُو عبد الله الْمدنِي، مولى أبي بكر بن عبد الرَّحْمَن بن الْحَارِث بن هِشَام، وَأَبُو صَالح ذكْوَان السمان.
وَفِيه: التحديث بِصِيغَة الْجمع فِي مَوضِع وَاحِد، والعنعنة فِي أَرْبَعَة مَوَاضِع، وَرُوَاته مَا بَين بَصرِي ومدني، فالبصري شيخ البُخَارِيّ وَالْبَاقُونَ مدنيون.
وَأخرج البُخَارِيّ من هَذَا الحَدِيث فِي: بَاب فضل التهجير، عَن قُتَيْبَة عَن مَالك عَن سمي عَن أبي صَالح عَن أبي هُرَيْرَة بأتم مِنْهُ، وَلَفظه: (الشُّهَدَاء خمس: المطعون والمبطون والغريق وَصَاحب الْهدم والشهيد فِي سَبِيل الله) . وَفِيه: (والصف الأول) ، وَأخرجه فِي: بَاب الاستهام فِي الْأَذَان عَن عبد الله بن يُوسُف عَن مَالك عَن سمي ... إِلَى آخِره، وَلَفظه: (لَو يعلم النَّاس مَا فِي النداء الأول والصف الأول ثمَّ لَا يَجدونَ إلاّ إِن يستهموا لاستهموا) الحَدِيث. وَلَيْسَ فِيهِ ذكر: الشُّهَدَاء، وَذكرنَا فِي الْبَابَيْنِ جَمِيع مَا يتَعَلَّق بِهِ من الْأَشْيَاء. قَوْله: (الْغَرق) ، بِكَسْر الرَّاء بِمَعْنى: الغريق، (والمبطون) : هُوَ صَاحب الإسهال، (وَالْهدم) ، بِكَسْر الدَّال، وَقيل: بسكونها. وَقَالَ الْكرْمَانِي: هُوَ المهدوم. قلت: المهدوم هُوَ الَّذِي يهدم، وَأما الْهدم هُوَ الَّذِي يَقع عَلَيْهِ الْهدم، كَمَا فِي الحَدِيث الْمَاضِي، وَصَاحب الْهدم، (والتهجير) : التبكير إِلَى كل شَيْء،. (وَالْعَتَمَة) صَلَاة الْعشَاء، و: الحبو، الزَّحْف على الأست. و: الاستهام: الاقتراع، و: الْمُقدم: ضد الْمُؤخر، وَهُوَ أَيْضا أَمر نسبي، ويروى: الصَّفّ الأول، فَإِن أردْت الإمعان فِي الْكَلَام فَعَلَيْك بِمَا فِي الْبَابَيْنِ الْمَذْكُورين.

74 - (بابٌ إقامةُ الصَّف مِنْ تَمَامِ الصَّلاَةِ)

أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان إِقَامَة الصَّفّ، وَهِي تسويته من تَمام الصَّلَاة، وَسَنذكر مَا المُرَاد من: تَمام الصَّلَاة.

722 - حدَّثنا عَبْدُ الله بنُ مُحَمَّدٍ قَالَ حدَّثنا عَبْدُ الرَّزَّاق قَالَ أخبرنَا مَعْمَرٌ عَنْ هَمَّامٍ عَن أبِي هُرَيْرَةَ عَن النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أنَّهُ قَالَ إنَّمَا جُعِلَ الإمَامُ لِيُؤْتَمَّ بِهِ فَلاَ تَخْتَلِفُوا عَلَيْهِ فَإِذا رَكَعَ فارْكَعُوا وإذَا قَالَ سَمِعَ الله لِمَنْ حَمِدَهُ فَقُولُوا رَبَّنَا لَكَ الحَمْدُ وإذَا سجَدَ فاسْجُدُوا وإذَا صَلَّى جَالِسا فَصَلُّوا جُلُوسا أجْمَعُونَ وأقِيمُوا الصَّفَّ فِي الصلاةِ فإنَّ إقَامَةَ الصَّفِّ مِنْ حُسْنِ الصلاةِ (الحَدِيث 722 طرفه فِي: 734) .

ذكر البُخَارِيّ فِي التَّرْجَمَة: من تَمام الصَّلَاة، وَفِي الحَدِيث: (من حسن الصَّلَاة) وَفِي حَدِيث أنس فِي الْبَاب: (فَإِن تَسْوِيَة الصُّفُوف من إِقَامَة الصَّلَاة) . وَفِي رِوَايَة أبي دَاوُد عَن أبي الْوَلِيد الطَّيَالِسِيّ وَسليمَان بن حَرْب، كِلَاهُمَا عَن شُعْبَة عَن قَتَادَة عَن أنس، قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (سووا صفوفكم فَإِن تَسْوِيَة الصَّفّ من تَمام الصَّلَاة) . وَكَذَا أخرجه الْإِسْمَاعِيلِيّ عَن أبي خَليفَة وَالْبَيْهَقِيّ من طَرِيق عُثْمَان الدَّارمِيّ، كِلَاهُمَا عَنهُ، وَكَذَا مُسلم وَغَيره من طَرِيق جمَاعَة عَن شُعْبَة، ثمَّ تَوْجِيه الْمُطَابقَة بَين التَّرْجَمَة وحديثي الْبَاب من حَيْثُ إِن المُرَاد من الْحسن هُوَ الْكَمَال، لِأَن حسن الشَّيْء زَائِد على حَقِيقَته، فَتعين تَقْدِير هَذَا اللَّفْظ فِي التَّرْجَمَة هَكَذَا بَاب: إِقَامَة الصَّفّ من كَمَال تَمام الصَّلَاة أَو من حسن تَمام الصَّلَاة، وَلَا خَفَاء أَن تَسْوِيَة الصَّفّ لَيست من حَقِيقَة الصَّلَاة، وَإِنَّمَا هِيَ من حسنها وكمالها، وَإِن كَانَت هِيَ فِي نَفسهَا سنة أَو وَاجِبَة أَو مُسْتَحبَّة على اخْتِلَاف الْأَقْوَال.

(5/256)


وَكَذَلِكَ الْكَلَام فِي حَدِيث أنس: فَإِن تَسْوِيَة الصُّفُوف لَيست من إِقَامَة الصَّلَاة؟ لِأَن الصَّلَاة تُقَام بغَيْرهَا، وَالتَّقْدِير: فَإِن تَسْوِيَة الصُّفُوف من كَمَال إِقَامَة الصَّلَاة، وَقد تكلّف بعض الشُّرَّاح هَهُنَا بِكَلَام لَا طائل تَحْتَهُ.
ذكر رِجَاله: وهم خَمْسَة: الأول: عبد الله بن مُحَمَّد بن عبد الله أَبُو جَعْفَر البُخَارِيّ الْجعْفِيّ المسندي، مَاتَ فِي ذِي الْقعدَة سنة تسع وَعشْرين وَمِائَتَيْنِ. الثَّانِي: عبد الرَّزَّاق بن همام أَبُو بكر الصَّنْعَانِيّ الْيَمَانِيّ. الثَّالِث: معمر، بِفَتْح الميمين: ابْن رَاشد الْبَصْرِيّ. الرَّابِع: همام بن مُنَبّه الْيَمَانِيّ. الْخَامِس: أَبُو هُرَيْرَة، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ.
ذكر لطائف أسناده: فِيهِ: التحديث بِصِيغَة الْجمع فِي موضِعين، وَفِيه: الْإِخْبَار كَذَلِك فِي مَوضِع. وَفِيه: العنعنة فِي ثَلَاثَة مَوَاضِع. وَفِيه: أَن رُوَاته مَا بَين بخاري وبصري ويمانيين.
وَأخرجه مُسلم فِي الصَّلَاة أَيْضا عَن مُحَمَّد بن رَافع. وَقد مضى فِي: بَاب إِنَّمَا جعل الإِمَام ليؤتم بِهِ نَحْو حَدِيث أبي هُرَيْرَة هَذَا فِي موضِعين: أَحدهمَا: عَن عَائِشَة أم الْمُؤمنِينَ، لَكِن أَوله: (صلى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي بَيته وَهُوَ شاكٍ فصلى وَهُوَ قَاعد وَصلى وَرَاءه قوم قيَاما، فَأَشَارَ عَلَيْهِم أَن اجلسوا، فَلَمَّا انْصَرف قَالَ: إِنَّمَا جعل الإِمَام ليؤتم بِهِ، فَإِذا ركع فاركعوا، وَإِذا رفع فارفعوا، وَإِذا قَالَ: سمع الله لمن حَمده فَقولُوا: رَبنَا وَلَك الْحَمد، وَإِذا صلى جَالِسا فصلوا جُلُوسًا أَجْمَعُونَ) . انْتهى. وَالْآخر: حَدِيث أنس، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، وأوله: (أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ركب فرسا فصرع عَنهُ، فجحش عَن شقَّه الْأَيْمن، فصلى صَلَاة من الصَّلَوَات وَهُوَ قَاعد فصلينا وَرَاءه قعُودا، فَلَمَّا انْصَرف قَالَ: إِنَّمَا جعل الإِمَام ليؤتم بِهِ) ، إِلَى قَوْله: (أَجْمَعُونَ) . نَحوه مَعَ بعض تفَاوت فِي الْمَتْن يظْهر ذَلِك عِنْد الْمُقَابلَة. قَوْله: (أقِيمُوا الصَّفّ) أَي: سووا وأعدلوا.

723 - حدَّثنا أبُو الوَلِيدِ قَالَ حدَّثنا شُعْبَةُ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أنَسٍ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ سَوُّوا صُفُوفَكُمْ فإنَّ تَسْوِيَةَ الصُّفُوفِ مِنْ إقَامَةِ الصَّلاَةِ

وَجه مُطَابقَة الحَدِيث للتَّرْجَمَة قد ذَكرْنَاهُ.
وَرِجَاله قد ذكرُوا غير مرّة، وَأَبُو الْوَلِيد هُوَ: هِشَام بن عبد الْملك.
وَأخرجه مُسلم فِي الصَّلَاة أَيْضا عَن أبي مُوسَى وَبُنْدَار، وَكِلَاهُمَا عَن غنْدر. وَأخرجه أَبُو دَاوُد، وَفِيه: عَن أبي الْوَلِيد وَسليمَان بن حَرْب. وَأخرجه ابْن مَاجَه فِيهِ عَن بنْدَار عَن يحيى وَعَن نصر بن عَليّ عَن أَبِيه وَبشر بن عمر.
قَوْله: (فَإِن تَسْوِيَة الصُّفُوف) وَفِي رِوَايَة الْأصيلِيّ: (الصَّفّ) بِالْإِفْرَادِ. قَوْله: (من إِقَامَة الصَّلَاة) ، كَذَا ذكره البُخَارِيّ عَن أبي الْوَلِيد، وَذكره غَيره عَنهُ بِلَفْظ: (من تَمام الصَّلَاة) ، وَتمسك ابْن بطال بِظَاهِر لفظ حَدِيث أبي هُرَيْرَة، فاستدل بِهِ على أَن تَسْوِيَة الصَّفّ سنة. قَالَ: لِأَن حسن الشَّيْء زِيَادَة على تَمَامه، وَأورد عَلَيْهِ رِوَايَة: من تَمام الصَّلَاة، وَأجَاب ابْن دَقِيق الْعِيد، قَالَ: قد يُؤْخَذ من قَوْله: (تَمام الصَّلَاة) ، الِاسْتِحْبَاب. لِأَن تَمام الشَّيْء فِي الْعرف أَمر زَائِد على حَقِيقَته الَّتِي لَا يتَحَقَّق إلاَّ بهَا، وَإِن كَانَ يُطلق بِحَسب الْوَضع على بعض مَا لَا تتمّ الْحَقِيقَة إلاَّ بِهِ. قلت: وَفِيه: نظر، لِأَن أَلْفَاظ الشَّرْع لَا تسْتَعْمل بِحَسب الْعرف، بل الَّذِي يدل على الِاسْتِحْبَاب مَا ذَكرْنَاهُ، وَالله أعلم بِحَقِيقَة الْحَال، وَهُوَ متصف بِصفة الْكَمَال.

75 - (بابُ إثْمِ مَنْ لَمْ يُتِمَّ الصُّفُوفَ)

أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان إِثْم من لَا يتم الصُّفُوف عِنْد الْقيام إِلَى الصَّلَاة.

724 - حدَّثنا مُعَاذُ بنُ أسَدٍ قَالَ أخبرنَا الفَضْلُ بنُ مُوسَى قَالَ أخبرنَا سَعِيدُ بنُ عُبَيْدٍ الطائيُّ عَنْ بُشَيْرِ بنِ يَسَارٍ الأنْصَارِيِّ عَنْ أنَسِ بنِ مالِكٍ أنَّهُ قَدِمَ المَدِينَةَ فَقِيلَ لَهُ مَا أنْكَرْتَ مِنَّا مُنْذُ يوْمِ عَهِدْتَ رسولَ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ مَا انْكَرْتُ شَيئا إلاّ أنَّكُمْ لاَ تُقِيمُونَ الصُّفُوفَ.

مُطَابقَة هَذَا الْأَثر للتَّرْجَمَة من حَيْثُ إِن أنسا حصل مِنْهُ الْإِنْكَار على عدم إقامتهم الصُّفُوف، وإنكاره يدل على أَنه يرى تَسْوِيَة الصُّفُوف وَاجِبَة، فتارك الْوَاجِب آثم. وَظَاهر تَرْجَمَة البُخَارِيّ يدل على أَنه أَيْضا يرى وجوب التَّسْوِيَة، وَالصَّوَاب

(5/257)


هَذَا لوُرُود الْوَعيد الشَّديد فِي ذَلِك. قيل: الْإِنْكَار قد يَقع على ترك السّنة فَلَا يدل ذَلِك على حُصُول الْإِثْم. قلت: الْإِنْكَار يسْتَلْزم الْمُنكر وفاعل الْمُنكر آثم، على أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَمر بالتسوية. وَالْأَصْل فِي الْأَمر الْوُجُوب إلاَّ إِذا دلّت قرينَة على غَيره، وَمَعَ وُرُود الْوَعيد على تَركهَا وإنكار أنس ظَاهر فِي أَنهم خالفوا مَا كَانُوا عَلَيْهِ فِي زمن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من إِقَامَة الصُّفُوف، فعلى هَذَا تَسْتَلْزِم الْمُخَالفَة التأثيم. وَقَالَ بَعضهم: وَهُوَ ضَعِيف لِأَنَّهُ يُفْضِي إِلَى أَنه لَا يبْقى شَيْء مسنون لِأَن التأثيم إِنَّمَا يحصل من ترك وَاجِب. قلت: قَول هَذَا الْقَائِل ضَعِيف، بل هُوَ كَلَام الْفساد لأَنا لَا نسلم إِن حُصُول التأثيم منحصر على ترك الْوَاجِب، بل التأثيم يحصل أَيْضا عَن ترك السّنة، وَلَا سِيمَا إِذا كَانَت مُؤَكدَة، وَمَعَ الْقَوْم بِوُجُوب التَّسْوِيَة فَتَركهَا لَا يضر صلَاته لِأَنَّهَا خَارِجَة عَن حَقِيقَة الصَّلَاة، أَلا ترى أَن أنسا، مَعَ إِنْكَاره عَلَيْهِم، لم يَأْمُرهُم بِإِعَادَة الصَّلَاة، وَلَا يعْتَبر مَا ذهب إِلَيْهِ ابْن حزم من بطلَان صلَاته مستدلاً بِمَا صَحَّ عَن عمر بن الْخطاب، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، أَنه ضرب قدم أبي عُثْمَان النَّهْدِيّ لإِقَامَة الصَّفّ، وَبِمَا صَحَّ عَن سُوَيْد ابْن غَفلَة قَالَ: كَانَ بِلَال يُسَوِّي مناكبنا وَيضْرب أقدامنا فِي الصَّلَاة، فَقَالَ ابْن حزم: مَا كَانَ عمر وبلال يضربان أحدا على ترك غير الْوَاجِب. قَالَ بَعضهم: فِيهِ نظر لجَوَاز أَنَّهُمَا كَانَا يريان التَّعْزِير على ترك السّنة قلت: فِي هَذَا النّظر نظر، لِأَن قَائِله قد نَاقض فِي قَوْله حَيْثُ قَالَ، فِيمَا مر عَن قريب: التأثيم إِنَّمَا يحصل عَن ترك وَاجِب، فَإِذا لم يكن تَارِك السّنة آثِما فَكيف يسْتَحق التَّعْزِير؟ بل الظَّاهِر أَن ضربهما كَانَ لترك الْأَمر الَّذِي ظَاهره الْوُجُوب، ولاستحقاق الْوَعيد الشَّديد فِي التّرْك.
ذكر رِجَاله: وهم خَمْسَة: الأول: معَاذ، بِضَم الْمِيم: ابْن أَسد أَبُو عبد الله الْمروزِي نزل الْبَصْرَة. الثَّانِي: الْفضل بن مُوسَى الْمروزِي السينَانِي، بِكَسْر السِّين الْمُهْملَة وَسُكُون الْيَاء آخر الْحُرُوف وَتَخْفِيف النُّون وَبعد الْألف نون أُخْرَى: نِسْبَة إِلَى سينان، قَرْيَة من قرى مرو، مَاتَ سنة إِحْدَى أَو اثْنَتَيْنِ وَتِسْعين وَمِائَة. الثَّالِث: سعيد بن عبيد الطَّائِي أَبُو الْهُذيْل الْكُوفِي. الرَّابِع: بشير، بِضَم الْبَاء الْمُوَحدَة وَفتح الشين الْمُعْجَمَة وَسُكُون الْيَاء آخر الْحُرُوف وَفِي آخِره رَاء: ابْن يسَار، بِفَتْح الْيَاء آخر الْحُرُوف وَتَخْفِيف السِّين الْمُهْملَة وَبعد الْألف رَاء: الْمدنِي مولى الْأَنْصَار. الْخَامِس: أنس بن مَالك، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ.
ذكر لطائف أسناده: فِيهِ: التحديث بِصِيغَة الْجمع فِي مَوضِع وبصيغة الْإِخْبَار كَذَلِك فِي موضِعين. وَفِيه: العنعنة فِي موضِعين. وَفِيه: أَن شيخ البُخَارِيّ من أَفْرَاده. وَفِيه: بشير الْمَذْكُور لَيْسَ لَهُ فِي الْكتب السِّتَّة عَن أنس غير هَذَا الحَدِيث. والْحَدِيث أخرجه أَيْضا من أَفْرَاد البُخَارِيّ. وَفِيه: أَن رُوَاته مَا بَين مروزي وكوفي ومدني، وتابع الْفضل أَبُو مُعَاوِيَة وَإِسْحَاق الْأَزْرَقِيّ عَن سعيد، كَمَا أخرجه الْإِسْمَاعِيلِيّ عَنْهُمَا.
ذكر مَعْنَاهُ: قَوْله: (أَنه قدم الْمَدِينَة) ، أَي: من بصرة. قَوْله: (مَا أنْكرت) ، أَي: أَي شَيْء أنْكرت منا مُنْذُ يَوْم عهِدت؟ وَقد علمت أَن: مُنْذُ ومذ، حرفا جر، وَهُوَ الصَّحِيح. وَقيل: إسمان مضافان، فَيكون بِمَعْنى: من، إِن كَانَ الزَّمَان مَاضِيا وَبِمَعْنى: فِي، إِن كَانَ حَاضرا، وَبِمَعْنى: من وَإِلَى جَمِيعًا، إِن كَانَ معدودا نَحْو: مَا رَأَيْته مُنْذُ يَوْم الْخَمِيس أَو مُنْذُ يَوْمنَا أَو عامنا أَو مُنْذُ ثَلَاثَة أَيَّام، وَالْمعْنَى هَهُنَا: مَا أنْكرت منا من يَوْم عهِدت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم؟ وَالْمَذْكُور فِي الْمَتْن رِوَايَة الْكشميهني وَالْمُسْتَمْلِي، وَفِي رِوَايَة غَيرهمَا: (مَا أنْكرت مُنْذُ يَوْم عهِدت؟) بِغَيْر لفظ منا. قَوْله: (مَا أنْكرت شَيْئا) إِلَى آخِره، يدل على أَن إِنْكَاره على ترك الْوَاجِب أَو السّنة الْمُؤَكّدَة، فَلذَلِك بوب البُخَارِيّ بالترجمة الْمَذْكُورَة.
وَقَالَ عُقْبَةُ بنُ عُبَيْدٍ عَنْ بُشَيْرِ بنِ يَسَارٍ قَدِمَ عَلَيْنَا أنَسُ بنُ مالِكٍ المَدِينَةَ بِهَذَا
عقبَة، بِضَم الْعين الْمُهْملَة وَسُكُون الْقَاف: أَخُو سعيد بن عبيد، رَاوِي الْإِسْنَاد الَّذِي قبله، وَلَيْسَ للْبُخَارِيّ عَن عقبَة إلاَّ هَذَا الْمُعَلق، ويكنى عقبَة بِأبي الرّحال، بِفَتْح الرَّاء وَتَشْديد الْحَاء الْمُهْملَة، وَقد وصل هَذَا الْمُعَلق أَبُو نعيم الْحَافِظ عَن أبي بكر بن مَالك عَن عبد الله بن أَحْمد عَن أَبِيه، قَالَ: حَدثنَا أَبُو مُعَاوِيَة وَيحيى بن سعيد، قَالَا: حَدثنَا عقبَة بن عبيد فَذكره وَوَصله أَحْمد أَيْضا فِي مُسْنده عَن يحيى الْقطَّان عَن عقبَة بن عبيد الطَّائِي، حَدثنِي بشير بن يسَار، قَالَ: (جَاءَ أنس إِلَى الْمَدِينَة فَقُلْنَا: مَا أنْكرت منا من عهد رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم؟ قَالَ: مَا أنْكرت مِنْكُم شَيْئا غير أَنكُمْ لَا تقيمون الصُّفُوف) . وَهَذِه الْمُقدمَة لأنس غير الْمُقدمَة الَّتِي تقدم ذكرهَا فِي: بَاب وَقت الْعَصْر، فَإِن ظَاهر الحَدِيث فِيهَا أَنه أنكر تَأْخِير الظّهْر إِلَى أول وَقت الْعَصْر، وَهَذَا الْإِنْكَار أَيْضا غير الْإِنْكَار الَّذِي تقدم ذكره فِي: بَاب تَضْييع الصَّلَاة عَن وَقتهَا، حَيْثُ قَالَ: لَا أعرف شَيْئا مِمَّا كَانَ

(5/258)


على عهد النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَّا الصَّلَاة وَقد ضيعت. فَإِن ذَلِك كَانَ بِالشَّام، وَهَذَا بِالْمَدِينَةِ، فَإِن قلت: مَا فَائِدَة ذكر هَذَا الْمُعَلق وَمَا الْفرق بَين الطَّرِيقَيْنِ؟ قلت: الْجَواب عَن الأول: أَن البُخَارِيّ أَرَادَ بِذكر الطَّرِيق الثَّانِي بَيَان سَماع بشير بن يسَار لَهُ عَن أنس، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، وَعَن الثَّانِي: أَنه فِي الأول روى عَن أنس، وَفِي الثَّانِي مَا روى عَنهُ، بل شَاهد بِنَفسِهِ الْحَال.

76 - (بابُ الصَاقِ المَنْكِبِ بِالمَنْكِبِ والقَدَم بالقَدَمِ فِي الصَّفِّ)

أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان إلصاق الْمنْكب بالمنكب ... إِلَى آخِره، وَأَشَارَ بِهَذَا إِلَى الْمُبَالغَة فِي تَعْدِيل الصُّفُوف وسد الْخلَل فِيهِ، وَقد وَردت أَحَادِيث كَثِيرَة فِي ذَلِك. مِنْهَا: مَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُد من حَدِيث مُحَمَّد بن مُسلم بن السَّائِب صَاحب (الْمَقْصُورَة) قَالَ: (صليت إِلَى جنب أنس بن مَالك يَوْمًا فَقَالَ: هَل تَدْرِي لم صنع هَذَا الْعود؟ فَقلت: لَا وَالله. قَالَ: كَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يضع يَده عَلَيْهِ وَيَقُول: اسْتَووا وَعدلُوا صفوفكم) . ثمَّ قَالَ: حَدثنَا مُسَدّد حَدثنَا حميد الْأسود حَدثنَا مُصعب بن ثَابت عَن مُحَمَّد بن مُسلم عَن أنس بن مَالك بِهَذَا الحَدِيث قَالَ: (إِن رَسُول اللهصلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ إِذا قَامَ إِلَى الصَّلَاة أَخذه بِيَمِينِهِ ثمَّ الْتفت فَقَالَ: اعتدلوا سووا صفوفكم، ثمَّ أَخذه بيساره، وَقَالَ اعتدلوا سووا صفوفكم) . وَفِي لفظ: (رصوا صفوفكم وقاربوا بَينهَا وحاذوا الْأَعْنَاق) ، الحَدِيث. وَفِي لفظ: (أَتموا الصَّفّ الْمُقدم ثمَّ الَّذِي يَلِيهِ، فَمَا كَانَ من نقص فَلْيَكُن فِي الصَّفّ الْمُؤخر) . وَمِنْهَا: مَا رَوَاهُ ابْن حبَان فِي (صَحِيحه) : عَن الْبَراء بن عَازِب (كَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَتَخَلَّل الصَّفّ من نَاحيَة إِلَى نَاحيَة يمسح صدورنا ومناكبنا وَيَقُول: لَا تختلفوا فتختلف قُلُوبكُمْ) ، وَفِي لفظ: (فيمسح عواتقنا وصدورنا) ، وَعند السراج: (مناكبنا أَو صدورنا) ، وَفِي لفظ: (كَانَ يَأْتِي من نَاحيَة الصَّفّ إِلَى ناحيته القصوى بَين صُدُور الْقَوْم ومناكبهم) ، وَفِي لفظ: (يمسح عواتقنا أَو قَالَ: مناكبنا، أَو قَالَ صدورنا وَيَقُول: لَا تخْتَلف صدوركم فتختلف قُلُوبكُمْ) . وَمِنْهَا: مَا رَوَاهُ مُسلم من حَدِيث أبي مَسْعُود: (كَانَ يمسح مناكبنا فِي الصَّلَاة وَيَقُول: اسْتَووا وَلَا تختلفوا فتختلف قُلُوبكُمْ) الحَدِيث. وَمِنْهَا: مَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُد: حَدثا عيس بن ابراهيم الغافقى حَدثنَا ابْن وهب وَحدثنَا قُتَيْبَة حَدثنَا اللَّيْث وَحَدِيث ابْن وهب اتم من مُعَاوِيَة بن صَالح عَن ابى الزَّاهِرِيَّة عَن كثير بن مرّة عَن عبد الله بن عمر قَالَ قُتَيْبَة عَن ابى الزاهربة عَن ابى شَجَرَة لم يذكر ابْن عمر ان رسوا الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ (اقيموا الصُّفُوف) بَين المناكب وسدوا الْخلَل، ولينوا بأيدي إخْوَانكُمْ وَلَا تذروا فرجات للشَّيْطَان، وَمن وصل صفا وَصله الله، وَمن قطع صفا قطعه الله) . قلت: ابْن وهب هُوَ عبد الله بن وهب وَأَبُو الزَّاهِرِيَّة: حدير بن كريب، بِضَم الْحَاء الْمُهْملَة، وَأَبُو شَجَرَة: هُوَ كثير بن مرّة. قَوْله: (ولينوا بأيدي إخْوَانكُمْ) قَالَ أَبُو دَاوُد: مَعْنَاهُ إِذا جَاءَ رجل إِلَى الصَّفّ فَذهب يخل فِيهِ فَيَنْبَغِي أَن يلين لَهُ كل رجل مَنْكِبه حَتَّى يدْخل فِي الصَّفّ. قَوْله: (وَلَا تذروا) أَي: وَلَا تتركوا.
وَقَالَ النُّعْمَانُ بنُ بَشِيرٍ رَأَيْتُ الرَّجُلَ يُلْزِقُ كَعْبَهُ بِكَعْبِ صَاحِبِهِ
النُّعْمَان بن بشير بن سعيد بن ثَعْلَبَة الْأنْصَارِيّ الخزرجي أَبُو عبد الله الْمدنِي صَاحب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَابْن صَاحبه، وَهُوَ أول مَوْلُود ولد فِي الْأَنْصَار بعد قدوم النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَقَالَ يحيى بن معِين: أهل الْمَدِينَة يَقُولُونَ: لم يسمع من رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَأهل الْعرَاق يصححون سَمَاعه مِنْهُ، قتل فِيمَا بَين دمشق وحمص يَوْم راهط، وَكَانَ زبيريا. وَعَن أبي مسْهر: كَانَ عَاملا على حمص لِابْنِ الزبير، فَلَمَّا تمرد أهل حمص خرج هَارِبا فَاتبعهُ خَالِد بن عدي فَقتله، وَقيل: قتل فِي سنة سِتّ وَسِتِّينَ بسلمية، وَهَذَا التَّعْلِيق طرف من حَدِيث رَوَاهُ أَبُو دَاوُد: حَدثنَا عُثْمَان بن أبي شيبَة حَدثنَا وَكِيع عَن زَكَرِيَّا ب أبي زَائِدَة عَن أبي الْقَاسِم الجدلي، قَالَ: سَمِعت النُّعْمَان بن بشير يَقُول: (أقبل رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، على النَّاس بِوَجْهِهِ، فَقَالَ: (أقِيمُوا صفوفكم ثلاثاد وَالله لتقيمن صفوفكم أَو ليخالفن الله بَين قُلُوبكُمْ. فَقَالَ: فَرَأَيْت الرجل يلزق مَنْكِبه بمنكب صَاحبه وركبته بركبة صَاحبه وكعبه بكعبه) . وَأخرجه ابْن حبَان أَيْضا فِي (صَحِيحه) وَأَبُو الْقَاسِم الجدلي: اسْمه الْحُسَيْن بن الْحَارِث الْمَنْسُوب إِلَى جديلة قيس الْكُوفِي. قَوْله: (لتقيمن) بِضَم الْمِيم لِأَن أَصله: لتقيمون، فَلَمَّا دخلت عَلَيْهِ نون التَّأْكِيد حذفت الْوَاو لالتقاء الساكنين. قَوْله: (أَو ليخالفن الله) : اللَّام الأولى للتَّأْكِيد مَفْتُوحَة، وَالْفَاء مَفْتُوحَة. قَوْله: (يلزق) ، بِضَم الْيَاء: من الإلزاق أَي: يلصق. قَوْله: (كَعبه بكعب صَاحبه) ، أَي: يلزق كَعبه بكعب صَاحبه الَّذِي بحذائه.
وَفِيه: دَلِيل على أَن الكعب

(5/259)


هُوَ الْعظم الناتىء فِي مفصل السَّاق والقدم، وَهُوَ الَّذِي يُمكن إلزاقه، وَقَالَ بَعضهم، خلافًا لمن ذهب: إِلَى أَن المُرَاد بالكعب مُؤخر الْقدَم، وَهُوَ قَول شَاذ ينْسب إِلَى بعض الْحَنَفِيَّة. قلت: هِشَام روى عَن مُحَمَّد بن الْحسن هَذَا التَّفْسِير، وَلكنه مَا أَرَادَ بِهَذَا الَّذِي فِي بَاب الْوضُوء، وَإِنَّمَا مُرَاده الَّذِي فِي بَاب الْحَج، فنسبة هَذَا إِلَى بعض الْحَنَفِيَّة على هَذَا غير صَحِيحَة.

725 - حدَّثنا عَمْرُو بنُ خَالِدٍ قَالَ حدَّثنا زُهَيْرٌ عَنْ حُمَيْدٍ عَن أنَسٍ عَنِ النَّبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ أقِيمُوا صُفُوفَكُمْ فَإنِّي أرَاكُمْ مِنْ وَرَاءِ ظَهْرِي وكانَ أحَدُنَا يُلْزِقُ مَنْكبَهُ بِمَنْكِبِ صاحِبِهِ وقَدَمَهُ بِقَدَمِهِ. (أنظر الحَدِيث 718 وطرفه) .

مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. وَرِجَاله قد مضوا غير مرّة، وَعَمْرو بن خَالِد بن فروخ الْحَرَّانِي الْجَزرِي سكن مصر، وَزُهَيْر بن مُعَاوِيَة، وَحميد الطَّوِيل، وَرَوَاهُ سعيد بن مَنْصُور عَن هشيم فَصرحَ فِيهِ بتحديث أنس لحميد، وَفِيه الزِّيَادَة الَّتِي فِي آخِره، وَهِي قَوْله: وَكَانَ أَحَدنَا ... إِلَى آخِره. وَصرح بِأَنَّهَا من قَول أنس. وَأخرجه الْإِسْمَاعِيلِيّ من رِوَايَة معمر عَن حميد بِلَفْظ: قَالَ أنس: فَلَقَد رَأَيْت أَحَدنَا ... إِلَى آخِره، وَزَاد مُعْتَمر فِي رِوَايَته: (وَلَو فعلت ذَلِك بأحدهم الْيَوْم لنفر كَأَنَّهُ بغل شموص) .

77 - (بابٌ إِذا قامَ الرَّجُلُ عَنْ يَسَارِ الإمَامِ وَحَوَّلَهُ الإمامُ خَلْفَهُ إلَى يَمِينِهِ تَمَّتْ صلاتُهُ)

أَي: هَذَا بَاب تَرْجَمته: إِذا قَامَ ... إِلَى آخِره. وَقَوله: (تمت صلَاته) ، جَوَاب: إِذا، يَعْنِي: لَا يضر صلَاته. وَقَوله: (خَلفه) ، مَنْصُوب بالظرفية، أَي: فِي خَلفه، أَو بِنَزْع الْخَافِض أَي: من خَلفه، وَالضَّمِير رَاجع إِلَى الإِمَام. قَالَ الْكرْمَانِي: أَو إِلَى الرجل، لَا يُقَال: الإِمَام أقرب، فَهُوَ أولى، لِأَن الْفَاعِل، وَإِن تَأَخّر لفظا، لكنه مقدم رُتْبَة، فَلِكُل مِنْهُمَا قرب من وَجه، فهما متساويان قلت: الأولى أَن يكون الضَّمِير للْإِمَام، لِأَنَّهُ هُوَ الَّذِي يحوله من خَلفه، ويحترز بِهِ من أَن يحوله من بَين يَدَيْهِ، وَلَا معنى لتحويله من خلف الرجل. وَقَوله: (تمت صلَاته) أَي: صَلَاة الْمَأْمُوم، لِأَنَّهُ كَانَ مَعْذُورًا حَيْثُ لم يكن يعلم فِي ذَلِك الْوَقْت موقفه، وَيحْتَمل أَن يكون الضَّمِير للْإِمَام فَلَا تفْسد صلَاته، لِأَن تحويله إِيَّاه لم يكن عملا كثيرا مَعَ أَنه كَانَ فِي مقَام التَّعْلِيم والإرشاد، وَقد مر قبل هَذَا الْبَاب بِعشْرين بَابا: بَاب إِذا قَامَ الرجل عَن يسَار الإِمَام فحوله الإِمَام إِلَى يَمِينه، لم تفْسد صلاتهما، وَهَذِه التَّرْجَمَة مثل تَرْجَمَة هَذَا الْبَاب الَّذِي هُنَا، غير أَنه لم يذكر لفظ: خَلفه، هُنَاكَ وفيهَا قَالَ: لم تفْسد صلاتهما، وَهَذَا يدل على جَوَاز رُجُوع الضَّمِير فِي قَوْله: (تمت صلَاته) إِلَى الْمَأْمُوم وَإِلَى الإِمَام، كَمَا ذكرنَا.

726 - حدَّثنا قُتَيْبَةُ بنُ سَعِيدٍ قَالَ حدَّثنا دَاوُدُ عَنْ عَمْرِو بنِ دِينَارٍ عَن كُرَيْبٍ مَوْلَى ابنِ عَبَّاسٍ عنِ ابنِ عباسٍ رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا قَالَ صَلَّيْتُ مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ذَاتَ لَيْلَةٍ فَقُمْتُ عَنْ يَسَارِهِ فَأخَذَ رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مِنْ ورَائِي فَجَعَلَنِي عَنْ يَمِينِهِ فَصَلَّى وَرَقَدَ فَجَاءَهُ المُؤَذِّنُ فقَامَ وصَلَّى ولَمْ يَتَوضَّأْ.

مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (فَقُمْت عَن يسَاره) إِلَى آخِره، وَقد تكَرر هَذَا الحَدِيث فِيمَا مضى وَهَهُنَا فِي عدَّة مَوَاضِع، أَولهَا: فِي كتاب الْعلم فِي: بَاب السمر بِالْعلمِ، ومباحث هَذَا الحَدِيث قد مر فِي الْأَبْوَاب الَّتِي تقدّمت، وأكثرها فِي كتاب الْعلم وَفِي: بَاب تَخْفيف الْوضُوء، وَدَاوُد الْمَذْكُور فِي الْإِسْنَاد هُوَ ابْن عبد الرَّحْمَن الْعَطَّار، وَيُقَال: دَاوُد بن عبد الله، يكنى أَبَا سُلَيْمَان، مَاتَ سنة خمس وَتِسْعين وَمِائَة.