عمدة القاري شرح
صحيح البخاري 01 - (بابُ صَلاَةِ التَطُوُّعِ عَلَى
الحِمارِ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان حكم صَلَاة التَّطَوُّع على
حمَار، إِنَّمَا أفرد هَذَا الْبَاب بِالذكر، وَإِن كَانَ
دَاخِلا فِي: بَاب صَلَاة التَّطَوُّع على الدَّابَّة،
وَفِي: بَاب الْإِيمَاء على الدَّابَّة، إِشَارَة أَنه لَا
يشْتَرط أَن تكون الدَّابَّة طَاهِرَة الفضلات، لَكِن
يشْتَرط أَن لَا يماس الرَّاكِب مَا كَانَ غير طَاهِر
مِنْهَا، وتنبيها على طَهَارَة عرق الْحمار، وَكَانَ
الأَصْل أَن يكون عرقه كلحمه لِأَنَّهُ متولد مِنْهُ،
وَلَكِن خص بِطَهَارَتِهِ لركوب النَّبِي صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم إِيَّاه، وَعَن هَذَا قَالَ أَصْحَابنَا:
كَانَ يَنْبَغِي أَن يكون عرق الْحمار مشكوكا لِأَن عرق كل
شَيْء يعْتَبر بسؤره، لَكِن لما رَكبه النَّبِي صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم معروريا، وَالْحر حر الْحجاز، والثقل ثقل
النُّبُوَّة حكم بِطَهَارَتِهِ.
0011 - حدَّثنا أحْمَدُ بنُ سَعِيدٍ قَالَ حدَّثنَا
حَبَّانُ قَالَ حدَّثنا هَمَّامٌ قَالَ حدَّثنا أنَسُ بنُ
سِيرِينَ. قَالَ اسْتَقْبَلَنَا أنَسا حِينَ قَدِمَ مِنَ
الشَّامِ فَلَقِينَاهُ بِعَيْنِ التَّمْرِ فَرَأيْتُهُ
يُصَلِّي عَلَى حِمَارٍ وَوَجْهُهُ مِنْ ذَا الجَانِبِ
يَعْنِي عنْ يَسَارِ القِبْلَةِ فَقلْتُ رَأيْتُكَ
تُصَلِّي لِغَيْرِ القِبْلَةِ فقالَ لَوْلاَ أنِّي رَأيْتُ
رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَعَلَهُ لَمْ
أفْعَلُهُ.
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة.
ذكر رِجَاله: وهم خَمْسَة: الأول: أَحْمد بن سعيد بن صَخْر
بن سُلَيْمَان بن سعيد بن قيس ابْن عبد الله أَبُو جَعْفَر
الدَّارمِيّ الْمروزِي مَاتَ بنيسابور سنة ثَلَاث
وَأَرْبَعين وَمِائَتَيْنِ، وروى عَنهُ مُسلم أَيْضا،
وَفِي شرح
(7/141)
الْكرْمَانِي: أَحْمد بن يُوسُف أَبُو
حَفْص الدَّارمِيّ، وَهَذَا غلط، وَالظَّاهِر أَنه من
النَّاسِخ وَلَيْسَ فِي مَشَايِخ البُخَارِيّ فِي هَذَا
الْكتاب أَحْمد بن يُوسُف. الثَّانِي: حبَان، بِفَتْح
الْحَاء الْمُهْملَة وَتَشْديد الْبَاء الْمُوَحدَة
وبالنون: أَبُو حبيب ضد الْعَدو ابْن هِلَال الْبَاهِلِيّ،
مر فِي: بَاب فضل صَلَاة الْفجْر. الثَّالِث: همام، على
وزن فعال بِالتَّشْدِيدِ: ابْن يحيى العوادي، بِفَتْح
الْعين الْمُهْملَة، وَقد تقدم. الرَّابِع: أنس بن سِيرِين
أَخُو مُحَمَّد بن سِيرِين. الْخَامِس: أنس بن مَالك،
رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ.
ذكر لطائف إِسْنَاده: فِيهِ: التحديث بِصِيغَة الْجمع فِي
أَرْبَعَة مَوَاضِع. وَفِيه: القَوْل فِي خَمْسَة
مَوَاضِع. وَفِيه: أَن شَيْخه مروزي والبقية بصريون.
والْحَدِيث أخرجه مُسلم، قَالَ: حَدثنِي مُحَمَّد بن
حَاتِم، قَالَ: حَدثنَا عَفَّان بن مُسلم، قَالَ: حَدثنَا
همام قَالَ: (حَدثنَا أنس بن سِيرِين، قَالَ: تلقينا أنس
بن مَالك حِين قدم من الشَّام فتلقيناه بِعَين التَّمْر،
فرأيته يُصَلِّي على حمَار وَوَجهه ذَلِك الْجَانِب،
وَأَوْمَأَ همام عَن يسَار الْقبْلَة، فَقلت لَهُ: تصلي
لغير الْقبْلَة، قَالَ: لَوْلَا أَنِّي رَأَيْت رَسُول
الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَفْعَله لم أَفعلهُ) .
ذكر مَعْنَاهُ: قَوْله: (استقبلنا) ، بِسُكُون اللَّام،
وَهِي جملَة من الْفِعْل وَالْفَاعِل. وَقَوله: (أنس بن
مَالك) بِالنّصب مَفْعُوله. قَوْله: (حِين قدم من الشَّام)
وَكَانَ أنس سَافر إِلَى الشَّام يشكو من الْحجَّاج
الثَّقَفِيّ إِلَى عبد الْملك بن مَرْوَان، قيل: وَقع فِي
رِوَايَة مُسلم: حِين قدم الشَّام، وغلطوه لِأَن أنس بن
سِيرِين إِنَّمَا تَلقاهُ لما رَجَعَ من الشَّام، فَخرج
ابْن سِيرِين من الْبَصْرَة ليلقاه. قلت: وجدت فِي نسخ
صَحِيحَة لمُسلم، من الشَّام، فعلى هَذَا نقلته آنِفا،
وَلَئِن سلمنَا أَنه وَقع حِين قدم الشَّام بِدُونِ ذكر
كلمة: من، فَلَا نسلم أَنه غلط، لِأَن مَعْنَاهُ: تلقيناه
فِي رُجُوعه حِين قدم الشَّام، وَهَكَذَا قَالَه
النَّوَوِيّ. قَوْله: (بِعَين التَّمْر) بِالتَّاءِ
الْمُثَنَّاة من فَوق، قَالَ الْبكْرِيّ فِي (مُعْجم مَا
استعجم) : عين التَّمْر على لفظ جمع تَمْرَة، مَوضِع
مَذْكُور فِي تَحْدِيد الْعرَاق، وبكنيسة عين التَّمْر وجد
خَالِد بن الْوَلِيد، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، الغلمة
من الْعَرَب الَّذين كَانُوا رهنا فِي يَد كسْرَى، وهم
متفرقون بِالشَّام وَالْعراق، مِنْهُم: جد الْكَلْبِيّ
الْعَالم النسابة، وجد أبي إِسْحَاق الْحَضْرَمِيّ
النَّحْوِيّ، وجد مُحَمَّد بن إِسْحَاق صَاحب
(الْمَغَازِي) وَمن سبي عين التَّمْر: الْحسن بن أبي
الْحسن الْبَصْرِيّ وَمُحَمّد بن سِيرِين موليا جميلَة بنت
أبي قُطْبَة الْأَنْصَارِيَّة. انْتهى. قَالَ بَعضهم:
كَانَت بِعَين التَّمْر وقْعَة مَشْهُورَة فِي أول خلَافَة
عمر بن الْخطاب، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، بَين خَالِد
بن الْوَلِيد والأعاجم. قلت: هَذَا غلط، لِأَن وقْعَة عين
التَّمْر كَانَت فِي السّنة الثَّانِيَة عشر من الْهِجْرَة
فِي خلَافَة أبي بكر الصّديق. وَكَانَت خلَافَة عمر، رَضِي
الله تَعَالَى عَنهُ، يَوْم مَاتَ أَبُو بكر، رَضِي الله
تَعَالَى عَنهُ، وَاخْتلف فِي وَقت وَفَاته، فَقيل: يَوْم
الْجُمُعَة، وَقيل: لَيْلَة الْجُمُعَة، وَقيل: لَيْلَة
الثُّلَاثَاء بَين الْمغرب وَالْعشَاء الْآخِرَة لثمان
لَيَال بَقينَ من جمادي الْآخِرَة من سنة ثَلَاث عشرَة من
الْهِجْرَة، وَلما فرغ خَالِد، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ،
من وقْعَة الْيَمَامَة أرْسلهُ أَبُو بكر إِلَى الْعرَاق
فَفتح فِي الْعرَاق فتوحات مِنْهَا: الْحيرَة والأيلة
والأنبار وَغَيرهَا، وَلما انْتقل خَالِد بالأنبار استناب
عَلَيْهَا الزبْرِقَان بن بدر وَقصد هُوَ عين التَّمْر،
وَبهَا يَوْمئِذٍ مهْرَان بن بهْرَام فِي جمع عَظِيم من
الْعَرَب، وَعَلَيْهِم عفة بن أبي عفة، فَتلقى خَالِدا
فَكَسرهُ خَالِد وَانْهَزَمَ جَيش عفة من غير قتال، وَلما
بلغ ذَلِك مهْرَان نزل من الْحصن وهرب وَتَركه، وَرجعت
قلال نَصَارَى الْأَعْرَاب إِلَى الْحصن فدخلوه واحتموا
بِهِ، فَجَاءَهُمْ خَالِد فأحاط بهم وحاصرهم أَشد الْحصار،
فآخر الْأَمر سَأَلُوا الصُّلْح فَأبى خَالِد إلاَّ أَن
ينزلُوا على حكمه، فنزلوا على حكمه فجعلهم فِي السلَاسِل
وتسلم الْحصن، فَضرب عنق عفة وَمن كَانَ أسر مَعَه
وَالَّذين نزلُوا على حكمه أَيْضا أَجْمَعِينَ، وغنم
جَمِيع مَا كَانَ فِي الْحصن، وَوجد فِي الْكَنِيسَة
الَّتِي بِهِ أَرْبَعِينَ غُلَاما يتعلمون الْإِنْجِيل
وَعَلَيْهِم بَاب مغلق، فَكَسرهُ خَالِد وفرقهم فِي
الْأُمَرَاء فَكَانَ فيهم: حمْرَان، صَار إِلَى عُثْمَان
بن عَفَّان، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، وَمِنْهُم:
سِيرِين وَالِد مُحَمَّد بن سِيرِين أَخذه أنس بن مَالك
وَجَمَاعَة آخَرُونَ من الموَالِي إِلَى آخَرين من
الْمَشَاهِير أَرَادَ الله بهم وبذراريهم خيرا. قَوْله:
(وَوَجهه من ذَا الْجَانِب) أَي: من هَذَا الْجَانِب، وَلم
يبين فِي هَذِه الرِّوَايَة كَيْفيَّة صَلَاة أنس، وَذكره
فِي (الْمُوَطَّأ) (عَن يحيى بن سعيد قَالَ: رَأَيْت أنسا
وَهُوَ يُصَلِّي على حمَار وَهُوَ مُتَوَجّه إِلَى غير
الْقبْلَة يرْكَع وَيسْجد إِيمَاء من غير أَن يضع جَبهته
على شَيْء) . قَوْله: (رَأَيْتُك تصلي لغير الْقبْلَة؟)
فِيهِ أَنه لم يُنكر على أنس صلَاته على الْحمار وَلَا غير
ذَلِك من هَيْئَة أنس، وَإِنَّمَا أنكر عَلَيْهِ تَركه
اسْتِقْبَال الْقبْلَة فَقَط، وَأجَاب عَنهُ أنس بقوله:
(لَوْلَا أَنِّي رَأَيْت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم يَفْعَله لم أَفعلهُ) . قَوْله: (يَفْعَله) جملَة
حَالية، أَي: حَال كَونه يفعل من صلَاته على الْحمار
وَوَجهه من يسَار الْقبْلَة. قَوْله: (لم أَفعلهُ) أَي: لم
أفعل مَا فعلته من ترك اسْتِقْبَال الْقبْلَة، وَقَالَ
(7/142)
الْإِسْمَاعِيلِيّ خبر أنس إِنَّمَا هُوَ
فِي صَلَاة النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم رَاكِبًا
تَطَوّعا لغير الْقبْلَة، فأفرد البُخَارِيّ التَّرْجَمَة
فِي الْحمار من جِهَة السّنة لَا وَجه لَهُ عِنْدِي. قلت:
لَيْسَ هَذَا من مَحل المناقشة، بل لَا وَجه لما قَالَه،
لِأَن أنسا يَقُول: (لَوْلَا أَنِّي رَأَيْت رَسُول الله
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَفْعَله لم أَفعلهُ) ، وَكَانَت
رُؤْيَته إِيَّاه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حِين كَانَ
يَفْعَله رَاكِبًا على حمَار، يشْهد بذلك كَون أنس فِي
هَذِه الصَّلَاة على حمَار، وَيُؤَيّد ذَلِك مَا رَوَاهُ
السراج من طَرِيق يحيى بن سعيد عَن أنس أَنه رأى النَّبِي
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يُصَلِّي على حمَار وَهُوَ ذَاهِب
إِلَى خَيْبَر، وَإِسْنَاده حسن، وَيشْهد لهَذَا مَا
رَوَاهُ مُسلم من طَرِيق عَمْرو بن يحيى الْمَازِني عَن
سعيد بن يسَار (عَن ابْن عمر: رَأَيْت رَسُول الله صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم يُصَلِّي على حمَار وَهُوَ مُتَوَجّه
إِلَى خَيْبَر) ، وَقَالَ ابْن بطال: لَا فرق بَين
التَّنَفُّل فِي السّفر على الْحمار والبغل وَغَيرهمَا،
وَيجوز لَهُ إمْسَاك عنانها وتحريك رجلَيْهِ، إلاّ أَنه
لَا يتَكَلَّم وَلَا يلْتَفت وَلَا يسْجد على قربوس
سَرْجه، بل يكون السُّجُود أَخفض من الرُّكُوع، وَهَذَا
رَحْمَة من الله تَعَالَى على عباده ورفق بهم.
رَوَاهُ ابنُ طَهْمَانَ عنْ حَجَّاجٍ عنْ أنَسِ بنِ
سِيرِينَ عَنْ أنَسٍ رَضِي الله تَعَالَى عنهُ عنِ
النَّبِيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
أَي: روى الحَدِيث الْمَذْكُور إِبْرَاهِيم بن طهْمَان
الْهَرَوِيّ أَبُو سعيد عَن حجاج بن حجاج الْبَاهِلِيّ
الْبَصْرِيّ الْأَحول الْأسود الملقب بزق الْعَسَل، مَاتَ
سنة إِحْدَى وَثَلَاثِينَ وَمِائَة. وَفِي هَذَا الْبَاب
عَن جمَاعَة من الصَّحَابَة مِنْهُم: أَبُو سعيد، أخرج
حَدِيثه أَحْمد من رِوَايَة ابْن أبي ليلى (عَن عَطاء أَو
عَطِيَّة عَنهُ: أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
كَانَ يُصَلِّي على رَاحِلَته فِي التَّطَوُّع حَيْثُ مَا
تَوَجَّهت بِهِ يومىء إِيمَاء يَجْعَل السُّجُود أَخفض من
الرُّكُوع) . وَمِنْهُم: سعد بن أبي وَقاص، رَضِي الله
تَعَالَى عَنهُ، أخرج حَدِيثه الْبَزَّار من رِوَايَة ضرار
بن صرد أَنه قَالَ: (رَأَيْت النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم يُصَلِّي السبحة على رَاحِلَته حَيْثُ مَا تَوَجَّهت
بِهِ، وَلَا يفعل ذَلِك فِي الْمَكْتُوبَة، وَضِرَار
ضَعِيف. وَمِنْهُم: شقران، مولى رَسُول الله صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم أخرج حَدِيثه أَحْمد من طَرِيق مُسلم بن
خَالِد أَنه قَالَ: (رَأَيْت يَعْنِي النَّبِي صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم مُتَوَجها إِلَى خَيْبَر على حمَار
يُصَلِّي عَلَيْهِ) ، وَمُسلم بن خَالِد شيخ الشَّافِعِي
ضعفه غير وَاحِد. وَمِنْهُم: الهرماس بن زِيَاد أخرج
حَدِيثه أَحْمد أَيْضا، قَالَ: حَدثنَا عبد الله بن وَاقد
حَدثنَا عِكْرِمَة بن عمار عَن الهرماس بن زِيَاد وَقَالَ
رَأَيْت النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يُصَلِّي على
بعير نَحْو الشَّام وَعَن عبد الله بن وَاقد مُخْتَلف
فِيهِ. وَمِنْهُم: أَبُو مُوسَى أخرج حَدِيثه أَحْمد
أَيْضا قَالَ: حَدثنَا أَبُو عَاصِم حَدثنِي يُونُس بن
الْحَارِث حَدثنِي أَبُو بردة عَن أبي مُوسَى عَن
النَّبِي، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، الصَّلَاة على ظهر
الدَّابَّة فِي السّفر، هَكَذَا وَهَكَذَا وَهَكَذَا،
وَيُونُس بن الْحَارِث وَثَّقَهُ ابْن معِين، وَضَعفه
أَحْمد وَغَيره.
11 - (بابُ مَنْ لَمْ يَتَطَوَّعْ فِي السَّفَرِ دُبُرَ
الصَّلاَةِ وقَبْلَهَا)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان حكم من لم يتَطَوَّع فِي
السّفر عقيب الصَّلَوَات، والدبر، بِضَمَّتَيْنِ وبإسكان
الْبَاء أَيْضا، وَفِي رِوَايَة الْحَمَوِيّ: (دبر
الصَّلَوَات وَقبلهَا) ، ويروى: (دبر الصَّلَاة) بِصِيغَة
الْإِفْرَاد.
1011 - حدَّثنا يَحْيَى بنُ سُلَيْمَانَ قَالَ حدَّثني
ابنُ وَهَبٍ قَالَ حدَّثني عُمَرُ بنُ مُحَمَّدٍ أنَّ
حَفْصَ بنَ عاصِمٍ حَدَّثَهُ قَالَ سافَرَ ابنُ عُمَرَ
رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا فَقَالَ صَحِبْتُ النبيَّ
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَلَمْ أرَهُ يُسَبِّحُ فِي
السَّفَرِ. وَقَالَ الله جَلَّ ذِكْرُهُ لَقَدْ كانَ
لَكُمْ فِي رَسُولِ الله أسْوَةٌ حَسَنَةٌ.
(الحَدِيث 1011 طرفه فِي: 2011) .
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة.
ذكر رِجَاله: وهم خَمْسَة: الأول: يحيى بن سُلَيْمَان بن
يحيى أَبُو سعيد الْجعْفِيّ الْكُوفِي، سكن مصر وَمَات
بهَا سنة ثَمَان، وَيُقَال: سنة سبع وَثَلَاثِينَ
وَمِائَتَيْنِ، وَقد مر ذكره فِي كتاب الْعلم. الثَّانِي:
عبد الله بن وهب، وَقد مر غير مرّة. الثَّالِث: عمر بن
مُحَمَّد بن زيد بن عبد الله بن عمر بن الْخطاب
الْعَسْقَلَانِي، كَانَ ثِقَة جَلِيلًا مرابطا من أطول
الرِّجَال، مَاتَ بعد سنة خمس وَأَرْبَعين وَمِائَة.
الرَّابِع: حَفْص بن عَاصِم بن عمر بن الْخطاب، مر فِي:
بَاب الصَّلَاة بعد الْفجْر. الْخَامِس: عبد الله بن عمر
بن الْخطاب رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُم.
ذكر لطائف إِسْنَاده: فِيهِ: التحديث بِصِيغَة الْجمع فِي
موضِعين، وبصيغة الْإِفْرَاد فِي موضِعين. وَفِيه:
السُّؤَال. وَفِيه: القَوْل فِي أَرْبَعَة مَوَاضِع.
وَفِيه: أَن شَيْخه من أَفْرَاده وَهُوَ كُوفِي وَابْن وهب
مصري وَعمر بن مُحَمَّد مدنِي نزل
(7/143)
عسقلان، وَحَفْص بن عَاصِم أَيْضا مدنِي،
رَحمَه الله.
ذكر تعدد مَوْضِعه وَمن أخرجه غَيره: أخرجه البُخَارِيّ
أَيْضا عَن مُسَدّد عَن يحيى بن سعيد. وَأخرجه مُسلم فِي
الصَّلَاة عَن القعْنبِي عَن عِيسَى بن حَفْص وَعَن
قُتَيْبَة عَن يزِيد بن زُرَيْع عَن عمر بن مُحَمَّد بِهِ.
وَأخرجه أَبُو دَاوُد فِيهِ عَن القعْنبِي بِهِ، وَأخرجه
النَّسَائِيّ فِيهِ عَن نوح بن حبيب عَن يحيى بن سعيد
بِهِ. وَأخرجه ابْن مَاجَه عَن أبي بكر بن خَلاد عَن أبي
عَامر الْعَقدي عَن عِيسَى بِهِ، يزِيد بَعضهم على بعض.
ذكر مَعْنَاهُ وَمَا يستنبط مِنْهُ: قَوْله: (فَلم أره
يسبح) أَي: لم أر النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حَال
كَونه يسبح، أَي يتَنَفَّل بالنوافل الرَّوَاتِب الَّتِي
قبل الْفَرَائِض وَبعدهَا، وَقَالَ التِّرْمِذِيّ: اخْتلف
أهل الْعلم بعد النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فَرَأى
بعض أَصْحَاب النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَن
يتَطَوَّع الرجل فِي السّفر، وَبِه يَقُول أَحْمد
وَإِسْحَاق، وَلم تَرَ طَائِفَة من أهل الْعلم أَن
يُصَلِّي قبلهَا وَلَا بعْدهَا، وَمعنى: من لم يتَطَوَّع
فِي السّفر، قبُول الرُّخْصَة، وَمن تطوع فَلهُ فِي ذَلِك
فضل كثير، وَقَول أَكثر أهل الْعلم يختارون التَّطَوُّع
فِي السّفر. وَقَالَ السَّرخسِيّ فِي (الْمَبْسُوط)
والمرغيناني: لَا قصر فِي السّنَن، وَتَكَلَّمُوا فِي
الْأَفْضَل، قيل: التّرْك ترخصا، وَقيل: الْفِعْل تقربا،
وَقَالَ الهندواني: الْفِعْل أفضل فِي حَال النُّزُول
وَالتّرْك فِي حَال السّير، قَالَ هِشَام: رَأَيْت
مُحَمَّدًا كثيرا لَا يتَطَوَّع فِي السّفر قبل الظّهْر
وَلَا بعْدهَا وَلَا يدع رَكْعَتي الْفجْر وَالْمغْرب،
وَمَا رَأَيْته يتَطَوَّع قبل الْعَصْر وَلَا قبل الْعشَاء
وَيُصلي الْعشَاء ثمَّ يُوتر.
2011 - حدَّثنا مُسَدَّدٌ قَالَ حدَّثنا يَحْيَى عَنْ
عِيساى بنِ حَفْصٍ بنِ عاصِمٍ قَالَ حدَّثني أبي أنَّهُ
سَمعَ ابنَ عُمَرَ يَقُولُ صَحِبْتُ رسولَ الله صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم فَكانَ لاَ يَزِيدُ فِي السَّفَرِ عَلَى
رَكْعَتَيْنِ وأبَا بَكْرٍ وعُمَرَ وَعُثْمَانَ كَذالِكَ
رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُم.
(أنظر الحَدِيث 1011) .
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة، وَيحيى شيخ مُسَدّد هُوَ
الْقطَّان، وَعِيسَى بن حَفْص بن عَاصِم بن عمر بن الْخطاب
مَاتَ سنة خمس أَو سبع وَخمسين وَمِائَة.
قَوْله: (وَأَبا بكر) عطف على قَوْله: (رَسُول الله صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم) أَي: وصحبت أَبَا بكر وصحبت عمر
وصحبت عُثْمَان كَذَلِك، أَي: كَمَا صَحِبت النَّبِي صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم فِي السّفر صحبتهم، وَكَانُوا لَا
يزِيدُونَ فِي السّفر على رَكْعَتَيْنِ. فَإِن قلت: كَانَ
عُثْمَان، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، فِي آخر أمره يتم
الصَّلَاة فَكيف قَالَ ابْن عمر: إِن عُثْمَان لَا يزِيد
فِي السّفر على رَكْعَتَيْنِ؟ قلت: يحمل قَوْله على
الْغَالِب، أَو كَانَ عُثْمَان لَا يتَنَفَّل فِي أول أمره
وَلَا فِي آخِره وَإِن كَانَ يتم. فَإِن قلت: قَالَ
التِّرْمِذِيّ: حَدثنَا عَليّ بن حجر حَدثنَا حَفْص بن
غياث عَن الْحجَّاج عَن عَطِيَّة (عَن ابْن عمر، قَالَ:
صليت مَعَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الظّهْر فِي
السّفر رَكْعَتَيْنِ وَبعدهَا رَكْعَتَيْنِ) ، وَقَالَ:
هَذَا حَدِيث حسن، وَقَالَ: حَدثنَا مُحَمَّد بن عبيد
الْمحَاربي أَبُو يعلى الْكُوفِي حَدثنَا عَليّ بن هَاشم
عَن ابْن أبي ليلى عَن عَطِيَّة وَعَن نَافِع. (عَن ابْن
عمر، قَالَ: صليت مَعَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
فِي الْحَضَر وَالسّفر، فَصليت مَعَه فِي الْحَضَر الظّهْر
أَرْبعا وَبعدهَا رَكْعَتَيْنِ، وَصليت مَعَه الظّهْر فِي
السّفر رَكْعَتَيْنِ وَبعدهَا رَكْعَتَيْنِ، وَالْعصر
رَكْعَتَيْنِ وَلم يصل بعْدهَا شَيْئا، وَالْمغْرب فِي
الْحَضَر وَالسّفر سَوَاء ثَلَاث رَكْعَات لَا تنقص فِي
الْحَضَر وَلَا فِي السّفر، وَهِي وتر النَّهَار، وَبعدهَا
رَكْعَتَيْنِ) . قَالَ أَبُو عِيسَى: هَذَا حَدِيث حسن،
سَمِعت مُحَمَّدًا يَقُول: مَا روى ابْن أبي ليلى، حَدِيثا
أعجب إِلَيّ من هَذَا، فَمَا التَّوْفِيق بَين هَذَا
وَبَين حَدِيث الْبَاب؟ قلت: هَذَانِ الحديثان تفرد
بإخراجهما التِّرْمِذِيّ، أما وَجه التَّوْفِيق فقد قَالَ
شَيخنَا زين الدّين، رَحمَه الله: الْجَواب أَن النَّفْل
الْمُطلق وَصَلَاة اللَّيْل لم يمنعهما ابْن عمر وَلَا
غَيره، فَأَما السّنَن الرَّوَاتِب فَيحمل حَدِيثه
الْمُتَقَدّم، يَعْنِي حَدِيث الْبَاب، على الْغَالِب من
أَحْوَاله فِي أَنه لَا يُصَلِّي الرَّوَاتِب، وَحَدِيثه
فِي هَذَا الْبَاب أَي: الَّذِي رَوَاهُ التِّرْمِذِيّ،
على أَنه فعله فِي بعض الْأَوْقَات لبَيَان استحبابها فِي
السّفر، وَإِن لم يتَأَكَّد فعلهَا فِيهِ كتأكده فِي
الْحَضَر، أَو أَنه كَانَ نازلاً فِي وَقت الصَّلَاة وَلَا
شغل لَهُ يشْتَغل بِهِ عَن ذَلِك، أَو سائرا وَهُوَ على
رَاحِلَته، وَلَفظه فِي الحَدِيث الْمُتَقَدّم: يَعْنِي
حَدِيث الْبَاب، هُوَ بِلَفْظ: كَانَ، وَهِي لَا تَقْتَضِي
الدَّوَام بل وَلَا التّكْرَار على الصَّحِيح، فَلَا
تعَارض بَين حديثيه. فَإِن قيل: الذّهاب إِلَى تَرْجِيح
تعارضهما. قُلْنَا: التَّرْجِيح بِحَدِيث الْبَاب أصح
لكَونه فِي الصَّحِيح. فَإِن قلت: روى التِّرْمِذِيّ
أَيْضا: حَدثنَا قُتَيْبَة حَدثنَا اللَّيْث بن سعد عَن
صَفْوَان ابْن سليم عَن أبي بشر الْغِفَارِيّ (عَن
الْبَراء بن عَازِب، قَالَ: صَحِبت رَسُول الله صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم ثَمَانِيَة عشر سفرا فَمَا رَأَيْته ترك
الرَّكْعَتَيْنِ إِذا زاغت الشَّمْس قبل الظّهْر)
وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد أَيْضا عَن قُتَيْبَة. قلت: هَذَا
لَا يُعَارض حَدِيث ابْن عمر الَّذِي رُوِيَ
(7/144)
عَنهُ فِي هَذَا الْبَاب، لِأَنَّهُ لَا
يلْزم من كَون الْبَراء مَا رَآهُ ترك أَن لَا يكون ابْن
عمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، أَيْضا كَذَلِك مَا ترك،
وَجَوَاب آخر: لَا نسلم أَن هَاتين الرَّكْعَتَيْنِ من
السّنَن الرَّوَاتِب، وَإِنَّمَا هِيَ سنة الزَّوَال
الْوَارِدَة فِي حَدِيث أبي أَيُّوب الْأنْصَارِيّ، رَضِي
الله تَعَالَى عَنهُ.
21 - (بابُ مَنْ تَطَوَّعَ فِي السَّفَرِ فِي غَيْرِ
دُبُرِ الصَّلَوَاتِ وقَبْلهَا)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان حكم تطوع فِي السّفر فِي غير
عقيب الصَّلَوَات وَالْفرق بَين هَذَا الْبَاب وَالْبَاب
الَّذِي قبله أَن هَذَا أَعم من الَّذِي قبله، لِأَن ذَاك
مُقَيّد بالدبر.
ورَكَعَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم رَكْعَتَيِ
الفَجْرِ فِي السَّفَرِ
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة، لِأَن صَلَاة النَّبِي صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم رَكْعَتي الْفجْر صَلَاة فِي غير دبر
صَلَاة، وَهَذَا فِي (صَحِيح مُسلم) : من حَدِيث أبي
قَتَادَة فِي قصَّة النّوم عَن صَلَاة الصُّبْح، فَفِيهِ:
(صلى رَكْعَتَيْنِ قبل الصُّبْح ثمَّ صلى الصُّبْح كَمَا
كَانَ يُصَلِّي) ، وَعند أبي دَاوُد (فصلوا رَكْعَتي
الْفجْر ثمَّ صلوا الْفجْر) .
3011 - حدَّثنا حَفْصُ بنُ عُمَرَ قَالَ حدَّثنا شُعْبَةُ
عنْ عَمْرٍ وعنِ ابنِ أبِي لَيْلَى. قَالَ مَا أنْبَأَ
أحَدٌ أنَّهُ رَأى النَّبِيَّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
صَلَّى الضُّحَى غَيْرُ أُمِّ هانِىءٍ ذَكَرَتْ أنَّ
النَّبِيَّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَوْمَ فَتْحِ مَكَّةَ
أغتَسَلَ فِي بَيْتِهَا فَصَلَّى ثَمَانَ رَكَعَاتٍ فَمَا
رَأيْتُهُ صَلَّى صَلاَةً أخَفَّ مِنْهَا غَيْرَ أنَّهُ
يُتِمُّ الرُّكُوعَ والسُّجُودَ.
مطابقته للتَّرْجَمَة من حَيْثُ إِن صَلَاة النَّبِي صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم صَلَاة الضُّحَى كَانَت نَافِلَة فِي
السّفر، وَأَنه صلاهَا على الأَرْض وَلم يكن فِي دبر
صَلَاة من الصَّلَوَات فَافْهَم.
وَرِجَاله قد ذكرُوا، وَعَمْرو بن مرّة، بِضَم الْمِيم
وَتَشْديد الرَّاء، قد مر فِي: بَاب تَسْوِيَة الصُّفُوف،
وَعبد الرَّحْمَن بن أبي ليلى قد مر فِي: بَاب حد إتْمَام
الرُّكُوع، وَأم هانىء، بالنُّون ثمَّ الْهمزَة، قد مر
ذكرهَا فِي: بَاب التستر فِي الْغسْل، وَاسْمهَا: فاخته.
وَقيل: هِنْد بنت أبي طَالب، أُخْت عَليّ بن أبي طَالب،
رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا.
ذكر تعدد مَوْضِعه وَمن أخرجه غَيره: أخرجه البُخَارِيّ
أَيْضا عَن آدم، وَأخرجه فِي الْمَغَازِي عَن أبي
الْوَلِيد، وَأخرجه مُسلم فِي الصَّلَاة عَن مُحَمَّد بن
الْمثنى وَمُحَمّد بن بشار، كِلَاهُمَا عَن غنْدر عَن
شُعْبَة، وَأخرجه أَبُو دَاوُد فِيهِ عَن حَفْص بن عمر
بِهِ. وَأخرجه التِّرْمِذِيّ فِيهِ عَن مُحَمَّد بن
الْمثنى بِهِ، وَأخرجه النَّسَائِيّ فِيهِ عَن عَمْرو بن
يزِيد عَن بهز عَن شُعْبَة بِهِ وَعَن إِبْرَاهِيم بن
مُحَمَّد التَّيْمِيّ عَن يحيى عَن سُفْيَان عَن زبيد عَن
عبد الرَّحْمَن بن أبي ليلى نَحوه.
ذكر مَعْنَاهُ: قَوْله: (مَا أخبرنَا أحد. .) إِلَى آخِره.
قَالَ ابْن بطال: لَا حجَّة فِي قَول ابْن أبي ليلى هَذَا،
وَيرد عَلَيْهِ مَا رُوِيَ أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم صلى الضُّحَى وَأمر بصلاتها من طرق جمة. مِنْهَا:
حَدِيث أبي هُرَيْرَة الْآتِي فِي: بَاب صَلَاة الضُّحَى
فِي الْحَضَر، قَالَ: (أَوْصَانِي خليلي صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم بِثَلَاث لَا أدعهن حَتَّى أَمُوت: صَوْم ثَلَاثَة
أَيَّام من كل شهر، وَصَلَاة الضُّحَى، ونوم على وتر) .
وَمِنْهَا: حَدِيث أبي ذَر عِنْد مُسلم قَالَ (أصاني
رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِثَلَاث فَذكر
رَكْعَتي الضُّحَى) وَمِنْهَا حَدِيث أبي ذَر عَن مُسلم
أَيْضا عَنهُ (عَن النَّبِي، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم،
قَالَ: يصبح على كل سلامي من أحدكُم صَدَقَة، بِكُل
تَسْبِيحَة صَدَقَة، وكل تَحْمِيدَة وكل تَهْلِيلَة
صَدَقَة، وكل تَكْبِيرَة صَدَقَة، وَأمر بِالْمَعْرُوفِ
صَدَقَة، وَنهي عَن الْمُنكر صَدَقَة، ويجزىء من ذَلِك
رَكْعَتَانِ يركعهما من الضُّحَى) . وَمِنْهَا: حَدِيث
ابْن عمر عِنْد البُخَارِيّ: (أَن النَّبِي صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم كَانَ لَا يُصَلِّي من الضُّحَى إلاّ
يَوْمَيْنِ: يَوْم يقدم مَكَّة) وَسَيَأْتِي. وَمِنْهَا:
حَدِيث ابْن أبي أوفى عِنْد الْحَاكِم: (أَن رَسُول الله
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم صلى الضُّحَى رَكْعَتَيْنِ حِين
بشر بِرَأْس أبي جهل، وبالفتح) . وَمِنْهَا: حَدِيث أنس،
رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، عِنْد التِّرْمِذِيّ من حَدِيث
ثُمَامَة بنم أنس بن مَالك عَنهُ. قَالَ: قَالَ رَسُول
الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (من صلى الضُّحَى ثِنْتَيْ
عشرَة رَكْعَة بنى الله لَهُ قصرا من ذهب فِي الْجنَّة) .
وَأخرجه ابْن مَاجَه أَيْضا. وَمِنْهَا:
(7/145)
حَدِيث عقبَة بن عَامر عِنْد أَحْمد وَأبي
يعلى (أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: إِن
الله، عز وَجل، يَقُول: يَا ابْن آدم: اكْفِنِي أول
النَّهَار بِأَرْبَع رَكْعَات أكفك من آخر يَوْمك) . هَذَا
لفظ أَحْمد، وَلَفظ أبي يعلى: (أتعجر ابْن آدم أَن تصلي
أَربع رَكْعَات من أول النَّهَار أكفك آخر يَوْمك؟) وَفِي
(التَّلْوِيح) : (وَعَن عقبَة بن عَامر: أمرنَا رَسُول
الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَن نصلي رَكْعَتي الضُّحَى
بسورتيهما بالشمس وَضُحَاهَا، وَالضُّحَى) . وَمِنْهَا:
حَدِيث عَائِشَة عِنْد الْحَاكِم: (سُئِلت: كم كَانَ
رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يُصَلِّي الضُّحَى؟
قَالَت: أَرْبعا وَيزِيد مَا شَاءَ الله) ، وَأخرجه مُسلم
وَالنَّسَائِيّ فِي (الْكُبْرَى) وَابْن مَاجَه
وَالتِّرْمِذِيّ فِي (الشَّمَائِل) من رِوَايَة معَاذَة
العدوية، قَالَت: (قلت لعَائِشَة: أَكَانَ رَسُول الله،
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، يُصَلِّي الضُّحَى؟ قَالَت: نعم
أَرْبعا وَيزِيد مَا شَاءَ الله) . وَعند أَحْمد من حَدِيث
أم ذرة: (قَالَت: رَأَيْت عَائِشَة تصلي الضُّحَى وَتقول:
مَا رَأَيْت النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يُصَلِّي
إلاّ أَربع رَكْعَات) . وَمِنْهَا: حَدِيث نعيم بن همار
عِنْد أبي دَاوُد من رِوَايَة كثير بن مرّة عَنهُ، قَالَ:
(سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول:
قَالَ الله، عز وَجل: يَا ابْن آدم لَا تعجزني من أَربع
رَكْعَات فِي أول النَّهَار أكفك آخِره) وهما، بِفَتْح
الْهَاء وَتَشْديد الْمِيم وَفِي آخِره رَاء، وَيُقَال:
ابْن هَبَّار، بِالْبَاء الْمُوَحدَة مَوضِع الْمِيم.
وَيُقَال: ابْن هدار، بِالدَّال الْمُهْملَة، وَيُقَال:
ابْن همام، بميمين، وَيُقَال: ابْن خمار، بِالْخَاءِ
الْمُعْجَمَة، وَيُقَال: ابْن حمَار، بِكَسْر الْحَاء
الْمُهْملَة وَفِي آخِره رَاء: الْغَطَفَانِي الشَّامي.
قَوْله: (لَا تعجزني) بِضَم التَّاء، وَهَذَا مجَاز
كِنَايَة عَن تسويف العَبْد عمله لله تَعَالَى،
وَالْمعْنَى: لَا تسوف صَلَاة أَربع رَكْعَات لي من أول
نهارك أكفك آخر النَّهَار من كل شَيْء من الهموم والبلايا
وَنَحْوهمَا. قَوْله: (أكفك) ، مجزوم لِأَنَّهُ جَوَاب
النَّهْي. وَمِنْهَا: حَدِيث أبي أُمَامَة عِنْد
الطَّبَرَانِيّ فِي (الْكَبِير) من رِوَايَة الْقَاسِم
عَنهُ، قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم:
(إِن الله يَقُول: يَا ابْن آدم اركع لي أَربع رَكْعَات من
أول النَّهَار أكفك آخِره) . وَالقَاسِم بن عبد الرَّحْمَن
وَثَّقَهُ الْجُمْهُور وَضَعفه بَعضهم. وَمِنْهَا: حَدِيث
بُرَيْدَة عِنْد ابْن خُزَيْمَة فِي (صَحِيحه) : سَمِعت
رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول فِي
الْإِنْسَان سِتُّونَ وثلاثمائة مفصل، فَعَلَيهِ أَن
يتَصَدَّق عَن كل مفصل مِنْهُ بِصَدقَة) . فَذكر حَدِيثا
فِيهِ: (فَإِن لم تَجِد فركعتا الضُّحَى تكفيك) .
وَمِنْهَا: حَدِيث جَابر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ،
عِنْد الطَّبَرَانِيّ فِي (الْأَوْسَط) قَالَ: (أتيت
النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أعرض عَلَيْهِ بَعِيرًا
لي فرأيته صلى الضُّحَى سِتّ رَكْعَات) . وَمِنْهَا:
حَدِيث ابْن عَبَّاس عِنْد الطَّبَرَانِيّ فِي
(الْأَوْسَط) من رِوَايَة قيس بن سعد عَن طَاوُوس عَن ابْن
عَبَّاس، رفع الحَدِيث إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم قَالَ: (على كل سلامي من بني آدم فِي كل يَوْم
صَدَقَة، ويجزىء من ذَلِك كُله رَكعَتَا الضُّحَى) .
وَمِنْهَا: حَدِيث عَليّ بن أبي طَالب، رَضِي الله
تَعَالَى عَنهُ، عِنْد النَّسَائِيّ فِي (سنَنه
الْكُبْرَى) وَعند أَحْمد وَأبي يعلى من رِوَايَة أبي
إِسْحَاق: سمع عَاصِم بن ضَمرَة، (عَن عَليّ: أَن رَسُول
الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ يُصَلِّي من الضُّحَى)
وَإِسْنَاده جيد. وَمِنْهَا: حَدِيث زيد بن أَرقم عِنْد
مُسلم: (أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ
يُصَلِّي من الضُّحَى) وَإِسْنَاده جيد. وَمِنْهَا: حَدِيث
زيد بن أَرقم عِنْد مُسلم: (أَن رَسُول الله صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم خرج على أهل قبَاء وهم يصلونَ الضُّحَى
بَعْدَمَا أشرقت الشَّمْس. فَقَالَ: إِن صَلَاة
الْأَوَّابِينَ كَانَت إِذا رمضت الفصال) . وَمِنْهَا:
حَدِيث أم سَلمَة عِنْد الْحَاكِم، قَالَت: (كَانَ رَسُول
الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يُصَلِّي صَلَاة الضُّحَى
ثِنْتَيْ عشرَة رَكْعَة) ، وَفِي (شرح الْمُهَذّب) : هُوَ
حَدِيث ضَعِيف. وَمِنْهَا: حَدِيث أبي سعيد الْخُدْرِيّ
عِنْد التِّرْمِذِيّ قَالَ: (كَانَ النَّبِي صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم يُصَلِّي الضُّحَى حَتَّى نقُول: إِنَّه
لَا يَدعهَا، ويدعها حَتَّى نقُول: إِنَّه لَا يُصليهَا) .
قَالَ أَبُو عِيسَى: هَذَا حَدِيث حسن غَرِيب. قلت: تفرد
بِهِ التِّرْمِذِيّ. وَمِنْهَا: حَدِيث عتبَة بن عبد عِنْد
الطَّبَرَانِيّ فِي (الْكَبِير) من رِوَايَة الْأَحْوَص بن
حَكِيم عَن عبد الله بن غابر أَن أَبَا أُمَامَة وَعتبَة
بن عبد حدّثنَاهُ عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم: (من صلى صَلَاة الصُّبْح فِي جمَاعَة، ثمَّ ثَبت
حَتَّى يسبح الله سبْحَة الضُّحَى كَانَ لَهُ أجر حَاج
ومعتمر) ، وَرَوَاهُ ابْن زَنْجوَيْه فِي (كتاب
الْفَضَائِل) عَن عتبَة بن عبد عَن أبي أُمَامَة، وَقَالَ:
عتبَة صَحَابِيّ. وَمِنْهَا: حَدِيث معَاذ بن أنس عِنْد
أبي دَاوُد، أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
قَالَ: (من قعد فِي مُصَلَّاهُ حِين ينْصَرف من صَلَاة
الصُّبْح حَتَّى يسبح رَكْعَتي الضُّحَى لَا يَقُول إلاّ
خيرا غفرت لَهُ خطاياه وَإِن كَانَت مثل زبد الْبَحْر) .
قَالَ صَاحب (التَّلْوِيح) فِي سَنَده كَلَام. وَقَالَ
شَيخنَا زين الدّين: إِسْنَاده ضَعِيف قلت: لِأَن فِي
إِسْنَاده زبان بن فائد، ضعفه ابْن معِين، وَقَالَ أَحْمد:
أَحَادِيثه مَنَاكِير، وَلَكِن أَبُو دَاوُد لما رَوَاهُ
سكت عَلَيْهِ، وسكوته دَلِيل رِضَاهُ بِهِ. وَقَالَ أَبُو
حَاتِم: زبان صَالح. وَمِنْهَا: حَدِيث حُذَيْفَة عَن ابْن
أبي شيبَة بِإِسْنَادِهِ عَنهُ قَالَ: (خرجت مَعَ رَسُول
الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَى حرَّة بني مُعَاوِيَة،
فصلى الضُّحَى ثَمَان رَكْعَات طول فِيهِنَّ) . وَمِنْهَا:
حَدِيث أبي مرّة الطَّائِفِي عِنْد
(7/146)
أَحْمد من رِوَايَة مَكْحُول عَنهُ قَالَ:
(سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول: ابْن
آدم لَا تعجزني من أَربع رَكْعَات من أول النَّهَار أكفك
آخِره) ، قَالَ شَيخنَا زين الدّين، رَحمَه الله هَكَذَا
وَقع فِي (الْمسند) ، فإمَّا أَن يكون سقط بعد: أبي مرّة،
ذكر الصَّحَابِيّ وَإِمَّا أَن يكون مَكْحُول لم يسمع من
أبي مرّة، فَإِنَّهُ يُقَال: إِنَّه لم يسمع من أحد من
الصَّحَابَة إلاّ من أبي أُمَامَة فَأَما أَبُو مرّة
فَذكره ابْن عبد الْبر فِي (الِاسْتِيعَاب) وَقَالَ: قيل
إِنَّه ولد على عهد رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
لَا صُحْبَة لَهُ، وَأَبوهُ عُرْوَة بن مَسْعُود
الثَّقَفِيّ من كبار الصَّحَابَة، وَقد وَقع فِي الْمسند:
سَمِعت رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، كَمَا تقدم.
وَالله أعلم. وَمِنْهَا: حَدِيث أبي مُوسَى عِنْد
الطَّبَرَانِيّ فِي (الْأَوْسَط) من رِوَايَة عبد الله بن
عَيَّاش عَن أبي بردة عَن أبي مُوسَى، قَالَ: قَالَ رَسُول
الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (من صلى الضُّحَى أَرْبعا
وَقبل الأولى أَرْبعا بنى لَهُ بَيت فِي الْجنَّة) ،
وَعَيَّاش، بتَشْديد الْيَاء آخر الْحُرُوف وَفِي آخِره
شين مُعْجمَة. وَمِنْهَا: حَدِيث عتْبَان بن مَالك عِنْد
أَحْمد من رِوَايَة مَحْمُود بن ربيع (عَن عتْبَان بن
مَالك: أَن النَّبِي، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، صلى فِي
بَيته سبْحَة الضُّحَى) ، وقصة عتْبَان بن مَالك فِي
صَلَاة النَّبِي، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فِي بَيته فِي
(الصَّحِيح) لَكِن لَيْسَ فِيهَا ذكر سبْحَة الضُّحَى،
وَإِنَّمَا ذكره البُخَارِيّ فِي التَّرْجَمَة تَعْلِيقا،
فَقَالَ: بَاب صَلَاة الضُّحَى فِي الْحَضَر، قَالَه
عتْبَان عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم. وَمِنْهَا:
حَدِيث النواس بن سمْعَان عِنْد الطَّبَرَانِيّ فِي
(الْكَبِير) من رِوَايَة أبي إِدْرِيس الْخَولَانِيّ
قَالَ: سَمِعت النواس بن سمْعَان: (سَمِعت رَسُول الله،
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، يَقُول: قَالَ الله، عز وَجل:
ابْن آدم لَا تعجزني من أَربع رَكْعَات فِي أول النَّهَار
أكفك آخِره) وَإِسْنَاده صَحِيح. وَمِنْهَا: حَدِيث عبد
الله بن عَمْرو عِنْد أَحْمد من رِوَايَة أبي عبد
الرَّحْمَن الحبلي عَنهُ قَالَ: (بعث رَسُول الله، صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم سَرِيَّة فغنموا وأسرعوا الرّجْعَة
فَتحدث النَّاس بِقرب مغزاهم زكثرة غنيمتهم وَسُرْعَة
رجعتهم فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: أَلا
أدلكم على أقرب مِنْهُ مغزى وَأكْثر غنيمَة وأوشك رَجْعَة
من تَوَضَّأ ثمَّ خرج إِلَى الْمَسْجِد لسبحة الضُّحَى،
فَهُوَ أقرب مِنْهُم مغزىً وَأكْثر غنيمَة وأوشك رَجْعَة)
. رَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ أَيْضا فِي (الْكَبِير) وَفِيه:
(ثمَّ صلى بِنَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
الضُّحَى) ، لفظ أَحْمد، وَقَالَ الطَّبَرَانِيّ: (ثمَّ
صلى بهم صَلَاة الضُّحَى) . وَمِنْهَا: حَدِيث أبي بكرَة
عِنْد ابْن عدي فِي (الْكَامِل) من رِوَايَة عَمْرو بن
عبيد عَن الْحسن (عَن أبي بكرَة قَالَ: كَانَ رَسُول الله
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يصلى الضُّحَى فجَاء الْحسن
وَهُوَ غُلَام، فَلَمَّا سجد ركب ظَهره) . الحَدِيث
وَعَمْرو بن عبيد مَتْرُوك. وَمِنْهَا: حَدِيث جُبَير بن
مطعم عِنْد الطَّبَرَانِيّ فِي (الْكَبِير) من رِوَايَة
عُثْمَان بن عَاصِم، قَالَ: (حَدثنِي نَافِع بن جُبَير بن
مطعم عَن أَبِيه أَنه رأى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم يُصَلِّي الضُّحَى) وَفِي إِسْنَاده يحيى الْحمانِي
تكلم فِيهِ. وَمِنْهَا: حَدِيث أم حَبِيبَة عِنْد مُسلم،
قَالَت: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (مَا
من عبد مُسلم يُصَلِّي فِي كل يَوْم ثِنْتَيْ عشرَة
رَكْعَة تَطَوّعا من غير فَرِيضَة إلاّ بنى الله لَهُ
بَيْتا فِي الْجنَّة) ، ذكر ضِيَاء الدّين الْمَقْدِسِي
صَلَاة الضُّحَى بإثنتي عشرَة رَكْعَة، ثمَّ ذكر هَذَا
الحَدِيث، وَقد وَردت أَحَادِيث ظَاهرهَا يُعَارض هَذِه
الْأَخْبَار وسنتكلم فِيهَا فِي: بَاب صَلَاة الضُّحَى فِي
السّفر، إِن شَاءَ الله تَعَالَى. قَوْله: (غير أم هانىء)
بِرَفْع: غير، لِأَنَّهُ بدل من قَوْله: (أحد) . قَوْله:
(يَوْم فتح مَكَّة) قَوْله: (فصلى ثَمَان رَكْعَات) هُوَ
فِي الأَصْل مَنْسُوب إِلَى الثّمن لِأَنَّهُ الْجُزْء
الَّذِي صير السَّبْعَة ثَمَانِيَة فَهُوَ ثمنهَا، وفتحوا
أَوله لأَنهم يغيرون فِي النّسَب، وحذفوا مِنْهَا إِحْدَى
يائي النِّسْبَة وعوضوا عَنْهَا الْألف، وَقد تحذف مِنْهُ
الْيَاء ويكتفي بكسرة النُّون، أَو تفتح تَخْفِيفًا.
قَوْله: (أخف مِنْهَا) أَي: من هَذِه الثمان قَوْله (غير
أَنه) أَي: غير أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (يتم
الرُّكُوع وَالسُّجُود) وَهَذَا لدفع وهم من يظنّ أَن
إِطْلَاق لفظ: إخف، رُبمَا يَقْتَضِي التنقيص فِي
الرُّكُوع وَالسُّجُود، فَدفعت أم هانىء ذَلِك بقولِهَا:
(يتم الرُّكُوع وَالسُّجُود) .
4011 - وَقَالَ اللَّيْثُ حدَّثني يُونُسُ عنِ ابنِ
شِهَابٍ قَالَ حدَّثني عَبْدُ الله بنُ عَامِرٍ أنَّ
أبَاهُ أخْبَرَهُ أنَّهُ رَأى النَّبِيَّ صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم صَلَّى السُّبْحَةَ بِاللَّيْلِ فِي
السَّفَرِ عَلَى ظَهْرِ رَاحِلَتِهِ حَيْثُ تَوَجَّهَتْ
بِهِ.
(أنظر الحَدِيث 391 وطرفه) .
(7/147)
أَي: قَالَ اللَّيْث بن سعيد: حَدثنِي
يُونُس أَي: ابْن أبي يزِيد الْأَيْلِي عَن ابْن شهَاب،
هُوَ مُحَمَّد بن مُسلم الزُّهْرِيّ، حَدثنِي عبد الله بن
عَامر بن ربيعَة أَن أَبَاهُ هُوَ عَامر بن ربيعَة
الْعَنزي، وَهَذَا تقدم مَوْصُولا فِي أول: بَاب يُنزل
للمكتوبة، حَيْثُ قَالَ: حَدثنَا يحيى بن بكير، قَالَ:
حَدثنَا اللَّيْث عَن عقيل عَن ابْن شهَاب، غير أَن
اللَّيْث روى هُنَاكَ: عَن عقيل عَن ابْن شهَاب، وَهَهُنَا
روى: عَن يُونُس عَن ابْن شهَاب، وَرِوَايَة يُونُس هَذِه
وَصلهَا الذهلي فِي (الزهريات) عَن أبي صَالح عَنهُ.
5011 - حدَّثنا أبُو اليَمَانِ قَالَ أخبرنَا شُعَيْبٌ عنِ
الزُّهْرِيِّ قَالَ أَخْبرنِي سالِمُ بنُ عَبْدِ الله عنِ
ابنِ عُمَرَ رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا أنَّ رسُولَ
الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كانَ يُسَبِّحُ عَلَى ظَهْرِ
رَاحِلَتِهِ حَيْثُ كانَ وجْهُهُ يُومِىءُ بِرَأسِهِ وكانَ
ابنُ عُمَرَ يَفْعَلُهُ..
مطابقته للتَّرْجَمَة من حَيْثُ إِنَّه صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم كَانَ يُصَلِّي على دَابَّته بِالْإِيمَاءِ وَلَيْسَ
فِيهِ أَنه فِي دبر صَلَاة من الصَّلَوَات، وَأَبُو
الْيَمَان الحكم بن نَافِع وَشُعَيْب بن حَمْزَة وَكلهمْ
قد ذكرُوا غير مرّة، وَرِوَايَة الزُّهْرِيّ هَذِه عَن
سَالم عَن ابْن عمر ذكرهَا فِي: بَاب الْإِيمَاء على
الدَّابَّة، عَن عبد الله بن دِينَار عَن ابْن عمر
مَوْقُوفا، ثمَّ ذكر عقيبة مَرْفُوعا، وَهَهُنَا ذكره
مَرْفُوعا ثمَّ ذكر عَقِيبه مَوْقُوفا، وَهُوَ قَوْله:
(وَكَانَ ابْن عمر يَفْعَله) ، فَكَأَنَّهُ أَشَارَ بذلك
إِلَى أَن الْعَمَل بِهِ مُسْتَمر لم يلْحقهُ معَارض وَلَا
نَاسخ وَلَا رَاجِح.
قَوْله: (كَانَ يسبح) ، أَي: يتَنَفَّل على ظهر رَاحِلَته
بِالْإِيمَاءِ. فَإِن قلت: ذكر فِي: بَاب من لم يتَطَوَّع
فِي السّفر، عَن ابْن عمر أَنه قَالَ: صَحِبت النَّبِي صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم فَلم أره يسبح فِي السّفر، وَهَهُنَا
قَالَ: كَانَ يسبح؟ قلت: معنى: لم أره يسبح فِي السّفر،
يَعْنِي: على الأَرْض، وَهَهُنَا مَعْنَاهُ: كَانَ يسبح
رَاكِبًا، وَيكون تَركه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
التَّنَفُّل فِي السّفر على الأَرْض تحريا مِنْهُ إِعْلَام
أمته أَنهم فِي أسفارهم بِالْخِيَارِ فِي التَّنَفُّل.
وَقَالَ ابْن بطال: وَلَيْسَ قَول ابْن عمر: لم أره يسبح،
حجَّة على من رَآهُ، لِأَن من نفى شَيْئا فَلَيْسَ
بِشَاهِد. قَوْله: (يومىء بِرَأْسِهِ) جملَة حَالية
وَتَفْسِير لقَوْله: (يسبح) ، لِأَن السبحة على ظهر
الدَّابَّة هُوَ الَّذِي يكون بِالْإِيمَاءِ للرُّكُوع
وَالسُّجُود.
وَقَالَ الْكرْمَانِي: وَفِيه: دَلِيل على جَوَاز
التَّنَفُّل على الأَرْض، لِأَنَّهُ لما جَازَ لَهُ
التَّنَفُّل على الرَّاحِلَة كَانَ فِي الأَرْض أجوز. قلت:
هَذَا كَلَام عَجِيب، لِأَن الحكم هُنَا بِالْقِيَاسِ لَا
يحْتَاج إِلَيْهِ، وَالْأَرْض مَسْجِد لسَائِر الصَّلَوَات
كَمَا فِي النَّص.
31 - (بابُ الجَمْعِ فِي السَّفَرِ بَينَ المَغْرِبِ
وَالعِشَاءِ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان حكم الْجمع فِي السّفر بَين
صَلَاتي الْمغرب وَالْعشَاء، وَإِنَّمَا ذكر لفظ: الْجمع،
مُطلقًا ليتناول جَمِيع أقسامه، لِأَن فِي الْبَاب
ثَلَاثَة أَحَادِيث عَن ابْن عمر وَابْن عَبَّاس وَأنس،
رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُم، فَحَدِيث ابْن عمر وَابْن
عَبَّاس بِصُورَة التَّقْيِيد، وَحَدِيث أنس بِصُورَة
الْإِطْلَاق، وَلَا يخفى ذَلِك على المتأمل.
6011 - حدَّثنا عَليُّ بنُ عَبْدِ الله قَالَ حدَّثنا
سُفْيَانُ قَالَ سَمِعْتُ الزُّهْرِيَّ عنْ سَالِمٍ عنْ
أبِيهِ قَالَ كانَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
يَجْمَعُ بَيْنَ المَغْرِبِ وَالعِشَاءِ إذَا جَدَّ بِهِ
السَّيْرُ..
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة، وَقد ذكرنَا وَجه إِطْلَاق
التَّرْجَمَة مَعَ كَون الحَدِيث مُقَيّدا.
وَرِجَاله قد ذكرُوا غير مرّة، وَعلي هُوَ ابْن
الْمَدِينِيّ وسُفْيَان هُوَ ابْن عُيَيْنَة وَالزهْرِيّ
هُوَ مُحَمَّد بن مُسلم وَسَالم هُوَ ابْن عبد الله بن عمر
بن الْخطاب.
والْحَدِيث أخرجه مُسلم فِي الصَّلَاة عَن يحيى بن يحيى
وقتيبة وَأبي بكر بن أبي شيبَة وَعمر والناقد. وَأخرجه
النَّسَائِيّ فِيهِ عَن مُحَمَّد بن مَنْصُور، والخمسة عَن
سُفْيَان بِهِ.
قَوْله: (إِذا جد بِهِ السّير) أَي: اشْتَدَّ، قَالَ فِي
(الْمُحكم) وَقَالَ ابْن الْأَثِير: أَي إِذا اهتم بِهِ
وأسرع فِيهِ، يُقَال: جد يجد ويجد، بِالضَّمِّ وَالْكَسْر،
وجد بِهِ الْأَمر وَأَجد وجد فِيهِ: إِذا اجْتهد،
وَالْكَلَام فِي هَذَا الْبَاب على نَوْعَيْنِ.
الأول: فِيمَن روى الْجمع بَين الصَّلَاتَيْنِ من
الصَّحَابَة رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُم. مِنْهُم: عَليّ
بن أبي طَالب، أخرج حَدِيثه أَبُو دَاوُد بِسَنَد لَا
بَأْس بِهِ، (كَانَ إِذا سَافر بَعْدَمَا تغرب الشَّمْس
حَتَّى تكَاد أَن تظلم، ثمَّ ينزل فَيصَلي الْمغرب، ثمَّ
يتعشى ثمَّ
(7/148)
يُصَلِّي الْعشَاء وَيَقُول: هَكَذَا
رَأَيْت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يصنع) . وروى
ابْن أبي شيبَة فِي (المُصَنّف) : عَن أبي أُسَامَة عَن
عبد الله ابْن مُحَمَّد بن عمر بن عَليّ عَن أَبِيه عَن
جده (أَن عليا، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، كَانَ يُصَلِّي
الْمغرب فِي السّفر ثمَّ يتعشى ثمَّ يُصَلِّي الْعشَاء على
إثْرهَا ثمَّ يَقُول: هَكَذَا رَأَيْت رَسُول الله صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم يصنع) ، وَطَرِيق آخر رَوَاهُ
الدَّارَقُطْنِيّ، قَالَ: حَدثنَا أَحْمد بن مُحَمَّد بن
سعيد حَدثنَا الْمُنْذر بن مُحَمَّد حَدثنَا أبي حَدثنَا
مُحَمَّد بن الْحُسَيْن بن عَليّ بن الْحُسَيْن حَدثنِي
أبي عَن أَبِيه عَن جده (عَن عَليّ: قَالَ: كَانَ النَّبِي
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِذا ارتحل حِين تَزُول الشَّمْس
جمع الظّهْر وَالْعصر، فَإِذا جد لَهُ السّير أخر الْعَصْر
وَعجل الظّهْر ثمَّ جمع بَينهمَا) ، وَلَا يَصح إِسْنَاده،
شيخ الدَّارَقُطْنِيّ هُوَ أَبُو الْعَبَّاس بن عقدَة أحد
الْحفاظ لكنه شيعي، وَقد تكلم فِيهِ الدَّارَقُطْنِيّ
وَحَمْزَة السَّهْمِي وَغَيرهمَا، وَشَيْخه الْمُنْذر بن
مُحَمَّد بن الْمُنْذر لَيْسَ بِالْقَوِيّ أَيْضا، قَالَه
الدَّارَقُطْنِيّ أَيْضا، وَأَبوهُ وجده يحْتَاج إِلَى
معرفتهما. وَمِنْهُم: أنس بن مَالك، أخرج حَدِيثه
البُخَارِيّ وَسَيَأْتِي، إِن شَاءَ الله تَعَالَى.
وَمِنْهُم: عبد الله بن عَمْرو، أخرج حَدِيثه ابْن أبي
شيبَة فِي (مُصَنفه) وَأحمد فِي (مُسْنده) من رِوَايَة
حجاج عَن عَمْرو بن شُعَيْب عَن أَبِيه عَن جده قَالَ:
(جمع رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بَين
الصَّلَاتَيْنِ فِي غَزْوَة بني المصطلق) ، وَقَالَ
أَحْمد: يَوْم غزا بني المصطلق، وَفِي رِوَايَة: (جمع بَين
الصَّلَاتَيْنِ فِي السّفر) ، وَفِي إِسْنَاده الْحجَّاج
بن أَرْطَأَة مُخْتَلف فِي الِاحْتِجَاج بِهِ. وَمِنْهُم:
عَائِشَة، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا، أخرج حَدِيثهَا
ابْن أبي شيبَة فِي (المُصَنّف) وَأحمد فِي (مُسْنده)
كِلَاهُمَا عَن وَكِيع: حَدثنَا مُغيرَة بن زِيَاد عَن
عَطاء (عَن عَائِشَة: أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم كَانَ يُؤَخر الظّهْر ويعجل الْعَصْر، وَيُؤَخر
الْمغرب ويعجل الْعشَاء فِي السّفر) ، ومغيرة بن زِيَاد
ضعفه الْجُمْهُور وَوَثَّقَهُ ابْن معِين وَأَبُو زرْعَة.
وَمِنْهُم: ابْن عَبَّاس أخرج حَدِيثه مُسلم من رِوَايَة
أبي الزبير، قَالَ: حَدثنَا سعيد بن جُبَير، قَالَ:
(حَدثنَا ابْن عَبَّاس أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم جمع بَين الصَّلَاتَيْنِ فِي سفرة سافرها فِي
غَزْوَة تَبُوك، فَجمع بَين الظّهْر وَالْعصر وَالْمغْرب
وَالْعشَاء جَمِيعًا، قَالَ سعيد: فَقلت لِابْنِ عَبَّاس:
مَا حمله على ذَلِك؟ قَالَ: أَرَادَ أَن لَا يحرج أمته) .
وَقد روى مُسلم أَيْضا بِهَذَا الْإِسْنَاد قَالَ: (صلى
رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الظّهْر وَالْعصر
جَمِيعًا وَالْمغْرب وَالْعشَاء فِي غير خوف وَلَا سفر) ،
وَفِي رِوَايَة لَهُ: (صلى الظّهْر وَالْعصر جَمِيعًا
بِالْمَدِينَةِ من غير خوف وَلَا سفر) . وَمِنْهُم:
أُسَامَة بن زيد، أخرج حَدِيثه التِّرْمِذِيّ فِي (كتاب
الْعِلَل) قَالَ: حَدثنَا أَبُو السَّائِب عَن الْجريرِي
عَن أبي عُثْمَان (عَن أُسَامَة بن زيد قَالَ: كَانَ
رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِذا جد بِهِ السّير
جمع بَين الظّهْر وَالْعصر وَالْمغْرب وَالْعشَاء) ، ثمَّ
قَالَ: سَأَلت مُحَمَّدًا عَن هَذَا الحَدِيث فَقَالَ:
الصَّحِيح هُوَ مَوْقُوف عَن أُسَامَة بن زيد، ولأسامة
حَدِيث آخر فِي جمعه بِعَرَفَة ومزدلفة، أخرجه
البُخَارِيّ، وَسَيَأْتِي إِن شَاءَ الله تَعَالَى.
وَمِنْهُم: جَابر، أخرج حَدِيثه أَبُو دَاوُد
وَالنَّسَائِيّ من طَرِيق مَالك عَن أبي الزبير (عَن
جَابر: أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم غَابَتْ لَهُ
الشَّمْس بِمَكَّة فَجمع بَينهمَا بسرف) ، وروى أَحْمد فِي
(مُسْنده) من رِوَايَة ابْن لَهِيعَة (عَن أبي الزبير،
قَالَ: سَأَلت جَابِرا: هَل جمع رَسُول الله صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم بَين الْمغرب وَالْعشَاء؟ قَالَ: نعم، عَام
غزونا بني المصطلق) . وروى مُسلم وَأَبُو دَاوُد وَابْن
مَاجَه فِي حَدِيث جَابر الطَّوِيل فِي صفة حجه صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم من رِوَايَة مُحَمَّد بن عَليّ بن
الْحُسَيْن (عَن جَابر، فَوجدَ الْقبَّة قد ضربت لَهُ
بنمرة) ، وَفِيه: (ثمَّ أذن ثمَّ أَقَامَ فصلى الظّهْر
ثمَّ أَقَامَ فصلى الْعَصْر وَلم يصل بَينهمَا شَيْئا) .
وَفِيه: (حَتَّى أَتَى الْمزْدَلِفَة فصلى بهَا الْمغرب
وَالْعشَاء بِأَذَان وَاحِد وَإِقَامَتَيْنِ وَلم يسبح
بَينهمَا شَيْئا) . وَمِنْهُم: خُزَيْمَة بن ثَابت، أخرج
حَدِيثه الطَّبَرَانِيّ عَن عدي بن ثَابت عَن عبد الله بن
يزِيد (عَن خُزَيْمَة ابْن ثَابت قَالَ: صلى النَّبِي صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم يجمع الْمغرب وَالْعشَاء ثَلَاثًا
واثنتين بِإِقَامَة وَاحِدَة) . وَمِنْهُم: ابْن مَسْعُود،
أخرج حَدِيثه ابْن أبي شيبَة فِي (مُصَنفه) من رِوَايَة
ابْن أبي ليلى عَن هُذَيْل (عَن عبد الله بن مَسْعُود: أَن
النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم جمع بَين الصَّلَاتَيْنِ
فِي السّفر) وَرَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ فِي (الْكَبِير)
بِلَفْظ: (كَانَ يجمع بَين الْمغرب وَالْعشَاء يُؤَخر
هَذِه فِي آخر وَقتهَا ويعجل هَذِه فِي أول وَقتهَا) .
وَمِنْهُم: أَبُو أَيُّوب، أخرج حَدِيثه البُخَارِيّ،
وَسَيَأْتِي إِن شَاءَ الله تَعَالَى. وَمِنْهُم: أَبُو
سعيد الْخُدْرِيّ، أخرج حَدِيثه الطَّبَرَانِيّ فِي
(الْأَوْسَط) عَن أبي نَضرة عَنهُ: (أَن النَّبِي صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم كَانَ يجمع بَين الصَّلَاتَيْنِ فِي
السّفر) . وَمِنْهُم: أَبُو هُرَيْرَة، أخرج حَدِيثه
الْبَزَّار عَن عَطاء بن يسَار عَنهُ: (عَن النَّبِي صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ يجمع بَين الصَّلَاتَيْنِ فِي
السّفر) .
(7/149)
النَّوْع الثَّانِي: فِي بَيَان مَذَاهِب
الْأَئِمَّة فِي هَذَا الْبَاب، فَذهب قوم إِلَى ظَاهر
هَذِه الْأَحَادِيث وأجازوا الْجمع بَين الظّهْر وَالْعصر
وَبَين الْمغرب وَالْعشَاء فِي السّفر فِي وَقت أَحدهمَا،
وَبِه قَالَ الشَّافِعِي وَأحمد وَإِسْحَاق. وَقَالَ ابْن
بطال: قَالَ الْجُمْهُور: الْمُسَافِر يجوز لَهُ الْجمع
بَين الظّهْر وَالْعصر وَبَين الْمغرب وَالْعشَاء مُطلقًا.
وَقَالَ شَيخنَا زين الدّين. وَفِي الْمَسْأَلَة سِتَّة
أَقْوَال: أَحدهَا: جَوَاز الْجمع مثل مَا قَالَه ابْن
بطال، وروى ذَلِك عَن جمَاعَة من الصَّحَابَة مِنْهُم:
عَليّ بن أبي طَالب وَسعد بن أبي وَقاص وَسَعِيد بن زيد
وَأُسَامَة بن زيد ومعاذ بن جبل وَأَبُو مُوسَى وَابْن عمر
وَابْن عَبَّاس، وَبِه قَالَ جمَاعَة من التَّابِعين،
مِنْهُم: عَطاء بن أبي رَبَاح وطاووس وَمُجاهد وَعِكْرِمَة
وَجَابِر بن زيد وَرَبِيعَة الرَّأْي وَأَبُو الزِّنَاد
وَمُحَمّد بن الْمُنْكَدر وَصَفوَان بن سليم، وَبِه قَالَ
جمَاعَة من الْأَئِمَّة مِنْهُم: سُفْيَان الثَّوْريّ
وَالشَّافِعِيّ وَأحمد وَإِسْحَاق وَأَبُو ثَوْر وَابْن
الْمُنْذر، وَمن الْمَالِكِيَّة: أَشهب، وَحَكَاهُ ابْن
قدامَة عَن مَالك أَيْضا، وَالْمَشْهُور عَن مَالك:
تَخْصِيص الْجمع بجد السّير. وَالْقَوْل الثَّانِي:
إِنَّمَا يجوز الْجمع إِذا جد بِهِ السّير، رُوِيَ ذَلِك
عَن أُسَامَة بن زيد وَابْن عمر وَهُوَ قَول مَالك فِي
الْمَشْهُور عَنهُ. القَوْل الثَّالِث: إِنَّه تجوز إِذا
أَرَادَ قطع الطَّرِيق، وَهُوَ قَول ابْن حبيب من
الْمَالِكِيَّة، وَقَالَ ابْن الْعَرَبِيّ: وَأما قَول
ابْن حبيب فَهُوَ قَول الشَّافِعِي، لِأَن السّفر نَفسه
إِنَّمَا هُوَ لقطع الطَّرِيق. وَالْقَوْل الرَّابِع: أَن
الْجمع مَكْرُوه، وَقَالَ ابْن الْعَرَبِيّ: إِنَّهَا
رِوَايَة المصريين عَن مَالك. وَالْقَوْل الْخَامِس: أَنه
يجوز جمع التَّأْخِير لَا جمع التَّقْدِيم، وَهُوَ
اخْتِيَار ابْن حزم. وَالْقَوْل السَّادِس: أَنه لَا يجوز
مُطلقًا بِسَبَب السّفر، وَإِنَّمَا يجوز بِعَرَفَة
والمزدلفة، وَهُوَ قَول الْحسن وَابْن سِيرِين
وَإِبْرَاهِيم النَّخعِيّ وَالْأسود وَأبي حنيفَة
وَأَصْحَابه، وَهُوَ رِوَايَة ابْن الْقَاسِم عَن مَالك،
وَاخْتَارَهُ فِي (التَّلْوِيح) : وَذهب أَبُو حنيفَة
وَأَصْحَابه إِلَى منع الْجمع فِي غير هذَيْن المكانين،
وَهُوَ قَول ابْن مَسْعُود وَسعد بن أبي وَقاص فِيمَا ذكره
ابْن شَدَّاد فِي كِتَابه (دَلَائِل الْأَحْكَام) وَابْن
عمر فِي رِوَايَة أبي دَاوُد وَابْن سِيرِين وَجَابِر بن
زيد وَمَكْحُول وَعَمْرو بن دِينَار وَالثَّوْري وَالْأسود
وَأَصْحَابه وَعمر بن عبد الْعَزِيز وَسَالم وَاللَّيْث بن
سعد، وَقَالَ ابْن أبي شيبَة فِي (مُصَنفه) : حَدثنَا
وَكِيع حَدثنَا أَبُو هِلَال عَن حَنْظَلَة السدُوسِي عَن
أبي مُوسَى أَنه قَالَ: الْجمع بَين الصَّلَاتَيْنِ من غير
عذر من الْكَبَائِر، قَالَ صَاحب (التَّلْوِيح) : وَأما
قَول النَّوَوِيّ: إِن أَبَا يُوسُف ومحمدا خالفا شيخهما،
وَإِن قَوْلهمَا كَقَوْل الشَّافِعِي وَأحمد فقد رده
عَلَيْهِ صَاحب (الْغَايَة فِي شرح الْهِدَايَة) بِأَن
هَذَا لَا أصل لَهُ عَنْهُمَا. قلت: الْأَمر كَمَا قَالَه،
وأصحابنا أعلم بِحَال أَئِمَّتنَا الثَّلَاثَة، رَحِمهم
الله. وَاسْتدلَّ أَصْحَابنَا بِمَا رَوَاهُ البُخَارِيّ
وَمُسلم (عَن عبد الله بن مَسْعُود، رَضِي الله تَعَالَى
عَنهُ، قَالَ: مَا رَأَيْت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم صلى صَلَاة لغير وَقتهَا إلاّ بِجمع فَإِنَّهُ جمع
بَين الْمغرب وَالْعشَاء بِجمع، وَصلى صَلَاة الصُّبْح فِي
الْغَد قبل وَقتهَا) ، وَبِمَا رَوَاهُ مُسلم عَن أبي
قَتَادَة أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ:
(لَيْسَ فِي النّوم تَفْرِيط، إِنَّمَا التَّفْرِيط فِي
الْيَقَظَة أَن يُؤَخر صَلَاة حَتَّى يدْخل وَقت صَلَاة
أُخْرَى) .
وَالْجَوَاب عَن هَذِه الْأَحَادِيث الَّتِي فِيهَا الْجمع
فِي غير عَرَفَة، وَجمع، مَا قَالَه الطَّحَاوِيّ فِي (شرح
مَعَاني الْآثَار) : أَنه صلى الأولى فِي آخر وَقتهَا،
والانية فِي أول وَقتهَا،، لَا أَنه صلاهما فِي وَقت
وَاحِد، وَيُؤَيّد هَذَا الْمَعْنى حَدِيث ابْن عَبَّاس،
رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ قَالَ: (صلى رَسُول الله صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم الظّهْر وَالْعصر جَمِيعًا،
وَالْمغْرب وَالْعشَاء جَمِيعًا فِي غير خوف وَلَا سفر) .
رَوَاهُ مُسلم وَفِي لفظ قَالَ (جمع رَسُول الله صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم بَين الظّهْر وَالْعصر وَالْمغْرب
وَالْعشَاء بِالْمَدِينَةِ فِي غير خوف وَلَا مطر. قيل
لِابْنِ عَبَّاس: مَا أَرَادَ إِلَى ذَلِك؟ قَالَ: أَرَادَ
أَن لَا يحرج أمته. قَالَ: وَلم يقل أحد منا وَلَا مِنْهُم
بِجَوَاز الْجمع فِي الْحَضَر، فَدلَّ على أَن معنى الْجمع
مَا ذَكرْنَاهُ من تَأْخِير الأولى إِلَى آخر وَقتهَا
وَتَقْدِيم الثَّانِيَة فِي أول وَقتهَا. فَإِن قلت: لفظ
مُسلم فِي حَدِيث الْبَاب: (أَن ابْن عمر كَانَ إِذا جد
بِهِ السّير جمع بَين الْمغرب وَالْعشَاء بعد أَن يغيب
الشَّفق، وَيَقُول: إِن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم كَانَ إِذا جد بِهِ السّير جمع بَين الْمغرب
وَالْعشَاء) . وَهَذَا صَرِيح فِي الْجمع فِي وَقت إِحْدَى
الصَّلَاتَيْنِ. وَقَالَ النَّوَوِيّ: وَفِيه إبِْطَال
تَأْوِيل الْحَنَفِيَّة فِي قَوْلهم: إِن المُرَاد
بِالْجمعِ تَأْخِير الأولى إِلَى آخر وَقتهَا وَتَقْدِيم
الثَّانِيَة فِي أول وَقتهَا؟ قلت: الشَّفق نَوْعَانِ:
أَحْمَر وأبيض، كَمَا اخْتلف فِيهِ الصَّحَابَة
وَالْعُلَمَاء، فَيحْتَمل أَنه جمع بَينهمَا بعد غياب
الْأَحْمَر فَتكون الْمغرب فِي وَقتهَا على قَول من
يَقُول: الشَّفق هُوَ الْأَبْيَض، وَكَذَلِكَ الْعشَاء
تكون فِي وَقتهَا على قَول من يَقُول: الشَّفق هُوَ
الْأَحْمَر، وَيُطلق عَلَيْهِ أَنه جمع بَينهمَا بعد غياب
الشَّفق، وَالْحَال أَن كل وَاحِدَة مِنْهُمَا وَقعت فِي
وَقتهَا على اخْتِلَاف الْقَوْلَيْنِ فِي الشَّفق، فَهَذَا
يُسمى جمعا: صُورَة لَا وقتا. فَإِن قلت: لفظ النَّسَائِيّ
فِي حَدِيث ابْن عمر: (جمع بَين الظّهْر وَالْعصر حِين
كَانَ بَين الصَّلَاتَيْنِ،
(7/150)
وَبَين الْمغرب وَالْعشَاء حِين اشتبكت
النُّجُوم) . قلت: أول وَقت الْعَصْر مُخْتَلف فِيهِ،
وَهُوَ إِمَّا بصيرورة ظلّ كل شَيْء مثله أَو مثلَيْهِ
فَيحْتَمل أَنه أخر الظّهْر إِلَى أَن صَار ظلّ كل شَيْء
مثله، ثمَّ صلاهَا وَصلى عَقبهَا الْعَصْر، فَيكون قد صلى
الظّهْر فِي وَقتهَا على قَول من يرى أَن آخر وَقت الظّهْر
بصيرورة ظلّ كل شَيْء مثله، وَيكون قد صلى الْعَصْر فِي
وَقتهَا على قَول من يرى: إِن أول وَقتهَا بصيرورة ظلّ كل
شَيْء مثلَيْهِ، وَيصدق على من فعل هَذَا أَنه جمع
بَينهمَا والنجوم تشتبك بعد غياب الْحمرَة، وَهُوَ وَقت
الْمغرب على قَول من يَقُول: الشَّفق هُوَ الْبيَاض.
فَإِن قلت: قد ذكر الْبَيْهَقِيّ فِي: بَاب الْجمع بَين
الصَّلَاتَيْنِ فِي السّفر، عَن حَمَّاد بن زيد عَن
أَيُّوب عَن نَافِع عَن ابْن عمر أَنه: سَار حَتَّى غَابَ
الشَّفق. إِلَى آخِره، ثمَّ قَالَ: وَرَوَاهُ معمر عَن
أَيُّوب ومُوسَى بن عقبَة عَن نَافِع، وَقَالَ فِي
الحَدِيث: (أخر الْمغرب بعد ذهَاب الشَّفق حَتَّى ذهب هوي
من اللَّيْل، ثمَّ نزل فصلى الْمغرب وَالْعشَاء) قلت: لم
يذكر سَنَده لينْظر فِيهِ، وَقد أخرجه النَّسَائِيّ
بِخِلَاف هَذَا، قَالَ: أخبرنَا إِسْحَاق بن إِبْرَاهِيم
أخبرنَا عبد الرَّزَّاق حَدثنَا معمر عَن مُوسَى بن عقبَة
(عَن نَافِع عَن ابْن عمر: كَانَ النَّبِي صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم إِذا جد بِهِ أَمر أوجد بِهِ السّير جمع
بَين الْمغرب وَالْعشَاء) . فَإِن قلت: قد قَالَ
الْبَيْهَقِيّ: وَرَوَاهُ يزِيد بن هَارُون عَن يحيى بن
سعيد الْأنْصَارِيّ عَن نَافِع، فَذكر أَنه سَار قَرِيبا
من ربع اللَّيْل ثمَّ نزل فصلى قلت: أَنه أسْندهُ فِي
(الخلافيات) من حَدِيث يزِيد بن هَارُون بِسَنَدِهِ
الْمَذْكُور، وَلَفظه: (فسرنا أميالاً ثمَّ نزل فصلى) ،
فلفظه مُضْطَرب كَمَا ترى على وَجْهَيْن، فاقتصر
الْبَيْهَقِيّ فِي (السّنَن) على مَا يُوَافق مَقْصُوده.
فَإِن قلت: روى التِّرْمِذِيّ فَقَالَ: حَدثنَا هناد
حَدثنَا عَبدة بن سُلَيْمَان عَن عبيد الله بن عمر عَن
نَافِع (عَن ابْن عمر أَنه استغيث على بعض أَهله فجد بِهِ
السّير وَأخر الْمغرب حَتَّى غَابَ الشَّفق، ثمَّ نزل
فَجمع بَينهمَا، ثمَّ أخْبرهُم أَن رَسُول الله، صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم، كَانَ يفعل ذَلِك إِذا جد بِهِ السّير) .
وَقَالَ: هَذَا حَدِيث حسن صَحِيح، وَعند أبي دَاوُد:
(حَتَّى غربت الشَّمْس وبدت النُّجُوم) ، وَفِي حَدِيث
سُفْيَان بن سعيد عَن يحيى بن سعيد: (أَخّرهَا إِلَى ربع
اللَّيْل) ،، وَفِي لفظ: (حَتَّى إِذا كَانَ فِي آخر
الشَّفق نزل فصلى الْمغرب ثمَّ أَقَامَ الْعشَاء وَقد
توارى الشَّفق) ، وَفِي لفظ: (حَتَّى إِذا كَانَ قبل غيوب
الشَّفق نزل فصلى الْمغرب، ثمَّ انْتظر حَتَّى غَابَ
الشَّفق وَصلى الْعشَاء) . وَفِي لفظ: (عِنْد ذهَاب
الشَّفق نزل فَجمع بَينهمَا) ، وَعند ابْن خُزَيْمَة:
(فسرنا حَتَّى كَانَ نصف اللَّيْل أَو قَرِيبا من نصفه،
نزل فصلى) قلت: الْكَلَام فِي الشَّفق قد مر، وَأما
رِوَايَة ابْن خُزَيْمَة فَفِيهَا مُخَالفَة للحفاظ من
أَصْحَاب نَافِع فَلَا يُمكن الْجمع بَينهمَا فَيتْرك مَا
فِيهَا لمُخَالفَته للحفاظ، وَيُؤْخَذ بِرِوَايَة الْحفاظ،
وروى أَبُو دَاوُد عَن قُتَيْبَة، حَدثنَا عبد الله بن
نَافِع عَن أبي دَاوُد عَن سُلَيْمَان بن أبي يحيى عَن
ابْن عمر قَالَ: (مَا جمع رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم، بَين الْمغرب وَالْعشَاء قطّ فِي سفر إلاّ مرّة) .
وَقَالَ أَبُو دَاوُد هَذَا يرْوى عَن أَيُّوب عَن نَافِع
مَوْقُوفا على ابْن عمر أَنه: لم ير ابْن عمر جمع بَينهمَا
قطّ إلاّ تِلْكَ اللَّيْلَة، يَعْنِي لَيْلَة استصرخ على
صَفِيَّة، وروى من حَدِيث مَكْحُول عَن نَافِع أَنه رأى
ابْن عمر فعل ذَلِك مرّة أَو مرَّتَيْنِ. فَإِن قلت: روى
أَبُو دَاوُد: حَدثنَا يزِيد بن خَالِد بن يزِيد بن عبد
الله الرَّمْلِيّ الْهَمدَانِي حَدثنَا الْمفضل بن فضَالة
وَاللَّيْث بن سعد عَن هِشَام بن سعد عَن أبي الزبير عَن
أبي الطُّفَيْل (عَن معَاذ بن جبل، رَضِي الله تَعَالَى
عَنهُ: أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ فِي
غَزْوَة تَبُوك إِذا زاغت الشَّمْس قبل أَن يرتحل جمع بَين
الظّهْر وَالْعصر، وَإِن ارتحل قبل أَن تزِيغ الشَّمْس أخر
الظّهْر حَتَّى ينزل للعصر، وَفِي الْمغرب مثل ذَلِك إِن
غَابَ الشَّفق قبل أَن يرتحل جمع بَين الْمغرب وَالْعشَاء،
وَإِن ارتحل قبل أَن يغيب الشَّفق أخر الْمغرب حَتَّى ينزل
للعشاء ثمَّ جمع بَينهمَا) . قَالَ أَبُو دَاوُد: رَوَاهُ
هِشَام بن عُرْوَة عَن حُسَيْن بن عبد الله عَن كريب عَن
ابْن عَبَّاس عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم نَحْو
حَدِيث الْمفضل وَاللَّيْث قلت: حُكيَ عَن أبي دَاوُد أَنه
أنكر هَذَا الحَدِيث، وَحكي عَنهُ أَيْضا أَنه قَالَ:
لَيْسَ فِي تَقْدِيم الْوَقْت حَدِيث قَائِم، وحسين بن عبد
الله هَذَا لَا يحْتَج بحَديثه، قَالَ ابْن الْمَدِينِيّ:
تركت حَدِيثه. وَقَالَ أَبُو جَعْفَر الْعقيلِيّ: وَله غير
حَدِيث لَا يُتَابع عَلَيْهِ، وَقَالَ أَحْمد بن حَنْبَل:
لَهُ أَشْيَاء مُنكرَة، وَقَالَ ابْن معِين: ضَعِيف.
وَقَالَ أَبُو حَاتِم: ضَعِيف يكْتب حَدِيثه وَلَا يحْتَج
بِهِ. وَقَالَ النَّسَائِيّ: مَتْرُوك الحَدِيث. وَقَالَ
ابْن حبَان: يقلب الْأَسَانِيد وَيرْفَع المسانيد.
وَقَالَ الْخطابِيّ فِي الرَّد على تَأْوِيل أَصْحَابنَا:
إِن الْجمع رخصَة، فَلَو كَانَ على مَا ذَكرُوهُ لَكَانَ
أعظم ضيقا من الْإِتْيَان بِكُل صَلَاة فِي وَقتهَا، لِأَن
أَوَائِل الْأَوْقَات وأواخرها مِمَّا لَا يُدْرِكهُ أَكثر
الْخَاصَّة فضلا عَن الْعَامَّة، وَقَالَ ابْن قدامَة: أَن
حمل الْجمع بَين الصَّلَاتَيْنِ على الْجمع الصُّورِي
فَاسد لوَجْهَيْنِ: أَحدهمَا: أَنه جَاءَ الْخَبَر
صَرِيحًا فِي أَنه كَانَ يجمعهما فِي وَقت
(7/151)
إِحْدَاهمَا، وَالثَّانِي: أَن الْجمع
رخصَة، فَلَو كَانَ على مَا ذَكرُوهُ لَكَانَ أَشد ضيقا
وَأعظم حرجا من الْإِتْيَان بِكُل صَلَاة فِي وَقتهَا،
قَالَ: وَلَو كَانَ الْجمع هَكَذَا لجَاز الْجمع بَين
الْعَصْر وَالْمغْرب، وَبَين الْعشَاء وَالصُّبْح. قَالَ:
وَلَا خلاف بَين الْأمة فِي تَحْرِيم ذَلِك. قَالَ:
وَالْعَمَل بالْخبر على الْوَجْه السَّابِق مِنْهُ إِلَى
الْفَهم أولى من هَذَا التَّكَلُّف الَّذِي يصان كَلَام
رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، من حمله عَلَيْهِ.
قلت: سلمنَا أَن الْجمع رخصَة، وَلَكِن حملناه على الْجمع
الصُّورِي حَتَّى لَا يُعَارض الْخَبَر الْوَاحِد الْآيَة
القطعية، وَهُوَ قَوْله تَعَالَى: {حَافظُوا على
الصَّلَوَات} (الْبَقَرَة: 832) . أَي: أدوها فِي
أَوْقَاتهَا، وَقَالَ الله تَعَالَى: {إِن الصَّلَاة
كَانَت على الْمُؤمنِينَ كتابا موقوتا} (النِّسَاء: 301) .
أَي: فرضا موقوتا، وَمَا قُلْنَاهُ هُوَ الْعَمَل
بِالْآيَةِ وَالْخَبَر، وَمَا قَالُوهُ يُؤَدِّي إِلَى ترك
الْعَمَل بِالْآيَةِ ويلزمهم على مَا قَالُوا من الْجمع
الْمَعْنَوِيّ رخصَة أَن يجمعوا لعذر الْمَطَر أَو
الْخَوْف فِي الْحَضَر، وَمَعَ هَذَا لم يجوزوا ذَلِك،
وَأولُوا حَدِيث ابْن عَبَّاس، رَضِي الله تَعَالَى
عَنْهُمَا: (جمع رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
الظّهْر وَالْعصر وَالْمغْرب وَالْعشَاء بِالْمَدِينَةِ من
غير خوف وَلَا مطر) ، الحَدِيث، بتأويلات مَرْدُودَة،
وَفِيمَا ذَهَبْنَا إِلَيْهِ الْعَمَل بِالْكتاب، وَبِكُل
حَدِيث جَاءَ فِي هَذَا الْبَاب من غير حَاجَة إِلَى
تأويلات، وَأما قَول الْخطابِيّ: لِأَن أَوَائِل
الْأَوْقَات. . إِلَى آخِره، غير مُسلم، لِأَن الصَّلَاة
من أعظم أُمُور الدّين فالمسلم الْكَامِل كَيفَ يخفى
عَلَيْهِ أُمُور مَا يتَعَلَّق بأعظم أُمُور دينه؟ وَيرد
على ابْن قدامَة أَيْضا بِمَا ذكرنَا، وَقِيَاسه على
الْجمع بَين الْعَصْر وَالْمغْرب، وَبَين الْعشَاء
وَالصُّبْح بَاطِل لَا وَجه لَهُ أصلا لعدم وجود
الْمُلَازمَة، وَلَيْسَ فِيمَا قُلْنَا ترك صون كَلَام
الرَّسُول، بل فِيمَا قُلْنَا صون كَلَامه صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم لأجل مَا رَوَاهُ ابْن مَسْعُود، رَضِي
الله تَعَالَى عَنهُ، وللتوفيق بَين الْأَحَادِيث الَّتِي
ظَاهرهَا يتعارض، فَافْهَم.
7011 - وقالَ إبْرَاهِيمُ بنُ طهْمَانَ عنِ الحُسَيْنِ
المُعَلِّمِ عنْ يَحْيى بنِ أبِي كَثِيرٍ عنْ عِكْرِمَةَ
عنِ ابنِ عَبَّاسٍ رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا قَالَ
كانَ رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَجْمَعُ بَيْنَ
صَلاَةِ الظهْرِ والعَصْرِ إذَا كانَ عَلَى ظَهْرِ سَيْرٍ
ويَجْمَعُ بَيْنَ المَغْرِبِ والعِشَاءِ.
هَذَا التَّعْلِيق وَصله الْبَيْهَقِيّ: أخبرنَا أَبُو عبد
الله الْحَافِظ وَأخْبرنَا أَبُو عَليّ الْحَافِظ أَحْمد
بن مُحَمَّد بن عَبدُوس حَدثنَا أَحْمد بن حَفْص بن رَاشد
حَدثنِي أبي حَدثنَا إِبْرَاهِيم بن طهْمَان عَن حُسَيْن
الْمعلم، فَذكره قَوْله: (الْمعلم) ، صفة للحسين ابْن
ذكْوَان العودي من أهل الْبَصْرَة، مر فِي آخر كتاب
الْغسْل، والمعلم بِلَفْظ اسْم الْفَاعِل من التَّعْلِيم.
قَوْله: (على ظهر سير) بِإِضَافَة: ظهر، إِلَى: سير، فِي
رِوَايَة الْأَكْثَرين، وَلَفظ: (ظهر) مقحم كَمَا فِي
قَوْله: (الصَّدَقَة عَن ظهر غنى) ، وَالظّهْر قد يُزَاد
فِي مثله إشباعا للْكَلَام وتوكيدا كَأَن سيره صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم مُسْتَند إِلَى ظهر قوي من الرَّاحِلَة
وَنَحْوهَا، وَقيل: جعل للسير ظهر لِأَن الرَّاكِب مَا
دَامَ سائرا فَكَأَنَّهُ رَاكب ظهر، وَفِي رِوَايَة
الْكشميهني: (على ظهر يسيرُ) ، فَظهر بِالتَّنْوِينِ،
ويسير بِلَفْظ الْمُضَارع، من: سَار يسير سيرا، وَالْمرَاد
من الظّهْر المركوب، وعَلى هَذَا الْوَجْه أَن يكون مَحل:
يسير، نصبا على الْحَال.
8011 - وعَنْ حُسَيْنٍ عَنْ يَحْيى بنِ أبِي كَثِيرٍ عنْ
حَفْصِ بنِ عُبَيْدِ الله بنِ أنَسٍ عنْ أنسِ بنِ مالِكٍ
رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ قَالَ كانَ النبيُّ صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم يَجْمَعُ بَيْنَ صَلاَةِ المَغْرِبِ
والعِشَاءِ فِي السَّفَرِ.
(الحَدِيث 8011 طرفه فِي: 0111) .
يجوز أَن يكون هَذَا عطفا على مَا قبله، وَالتَّقْدِير:
وَقَالَ إِبْرَاهِيم بن طهْمَان عَن حُسَيْن عَن يحيى،
وَيجوز أَن يكون تَعْلِيقا عَن حُسَيْن لَا بِكَوْنِهِ من
رِوَايَة إِبْرَاهِيم بن طهْمَان عَنهُ، وَوَصله
الْإِسْمَاعِيلِيّ فِي كِتَابه (مَجْمُوع حَدِيث يحيى بن
أبي كثير) : أخبرنَا أَبُو يعلى الْموصِلِي حَدثنَا أَبُو
معمر إِسْمَاعِيل بن إِبْرَاهِيم الْهُذلِيّ حَدثنَا عبد
الله بن معَاذ عَن معمر عَن يحيى بن أبي كثير عَن حَفْص
ابْن عبد الله (عَن أنس: كَانَ رَسُول الله، صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم، يجمع بَين الظّهْر وَالْعصر وَالْمغْرب
وَالْعشَاء فِي السّفر) .
وتابَعَهُ عَلِيُّ بنُ المُبَارِكِ وَحَرْبٌ عَنْ يَحْيَى
عنْ حَفصٍ عنْ أنَسٍ جَمَعَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم
(7/152)
أَي: تَابع حُسَيْنًا عَليّ بن الْمُبَارك
الْهنائِي الْبَصْرِيّ، وَتَابعه أَيْضا حَرْب بن شَدَّاد
الْيَشْكُرِي الْقطَّان الْبَصْرِيّ، وَيحيى هُوَ ابْن أبي
كثير، أما مُتَابعَة عَليّ بن الْمُبَارك فأخرجها
الْإِسْمَاعِيلِيّ أَخْبرنِي الْحسن بن سُفْيَان حَدثنَا
مُحَمَّد بن الْمثنى حَدثنَا عُثْمَان ابْن عمر حَدثنَا
عَليّ يَعْنِي ابْن الْمُبَارك عَن يحيى عَن حَفْص (عَن
أنس أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ يجمع بَين
الْمغرب وَالْعشَاء فِي سَفَره) . وَقَالَ أَبُو نعيم فِي
(الْمُسْتَخْرج) : حَدثنَا أَبُو أَحْمد حَدثنَا الْحسن بن
سُفْيَان فَذكره. وَأما مُتَابعَة حَرْب بن شَدَّاد
فأخرجها البُخَارِيّ فِي آخر الْبَاب الَّذِي بعده، وَقد
تَابعهمْ معمر عَن أَحْمد وَأَبَان بن يزِيد عِنْد
الطَّحَاوِيّ، كِلَاهُمَا عَن يحيى ابْن أبي كثير عَنهُ.
41 - (بابُ هَلْ يُؤَذِّنُ أوْ يُقِيمُ إذَا جَمَعَ بَيْنَ
المَغْرِبِ والعِشاءِ)
أَي: هَذَا بَاب يذكر فِيهِ: هَل يُؤذن الْمُصَلِّي
الْمُسَافِر إِذا جمع بَين صَلَاتي الْمغرب وَالْعشَاء؟
فَإِن قلت: مَا فِي حَدِيث ابْن عمر ذكر الْأَذَان وَلَا
فِي حَدِيث أنس ذكر الْأَذَان وَلَا ذكر الْإِقَامَة،
فَكيف وَجه هَذِه التَّرْجَمَة؟ قلت: قَالَ الْكرْمَانِي
مَا حَاصله: إِن من إِطْلَاق لفظ الصَّلَاتَيْنِ
يُسْتَفَاد أَن المُرَاد هما الصَّلَاتَان بأركانهما
وشروطهما وسننهما من الْأَذَان وَالْإِقَامَة وَغَيرهمَا،
لِأَن الْمُطلق ينْصَرف إِلَى الْكَامِل وَقَالَ ابْن
بطال: قَوْله: يُقيم، يَعْنِي فِي حَدِيث ابْن عمر،
يحْتَمل أَن يكون مَعْنَاهُ: بِمَا تُقَام بِهِ
الصَّلَوَات فِي أَوْقَاتهَا من الْأَذَان وَالْإِقَامَة،
وَيحْتَمل أَن يُرِيد الْإِقَامَة وَحدهَا، وَيُقَال: لم
يرد بقوله: يُقيم نفس الْأَدَاء، وَإِنَّمَا أَرَادَ يُقيم
للمغرب يَعْنِي يَأْتِي بِالْإِقَامَةِ لَهَا، فعلى هَذَا
كَانَ مُرَاده بالترجمة: هَل يُؤذن أَو يقْتَصر على
الْإِقَامَة؟ وَقَالَ بَعضهم: وَلَعَلَّ المُصَنّف أَشَارَ
بذلك إِلَى مَا ورد فِي بعض طرق حَدِيث ابْن عمر، فَفِي
الدَّارَقُطْنِيّ من طَرِيق عمر بن مُحَمَّد بن زيد عَن
نَافِع (عَن ابْن عمر فِي قصَّة جمعه بَين الْمغرب
وَالْعشَاء، فَنزل فَأَقَامَ الصَّلَاة، وَكَانَ لَا
يُنَادي بِشَيْء من الصَّلَاة فِي السّفر، فَقَامَ فَجمع
بَين الْمغرب وَالْعشَاء) ، ثمَّ رفع الحَدِيث قلت: هَذَا
كَلَام بعيد، لِأَنَّهُ كَيفَ يضع تَرْجَمَة وَحَدِيث
بَابهَا لَا يدل عَلَيْهِ صَرِيحًا وَيُشِير بذلك إِلَى
حَدِيث لَيْسَ فِي كِتَابه.
9011 - حدَّثنا أبُو اليَمَانِ قَالَ أخبرنَا شُعَيْبٌ عنِ
الزُّهْرِيِّ قَالَ أَخْبرنِي سالِمٌ عَنْ عَبْدِ الله
ابنِ عُمَرَ رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا قالَ رأيْتُ
رسولَ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إذَا أعْجَلَهُ
السَّيْرُ فِي السَّفَرِ يُؤَخِّرُ صَلاَةَ المَغْرِبِ
حَتَّى يَجْمَعَ بَيْنَهَا وبَيْنَ العِشَاءِ قَالَ سالِمٌ
وكانَ عَبْدُ الله يَفْعَلُهُ إذَا أعْجَلَهُ السَّيْرُ
ويُقِيمُ المَغْرِبَ فيُصَلِّيِهَا ثَلاَثا ثُمَّ
يُسَلِّمُ ثُمَّ قَلَّمَا يَلْبَثُ حَتَّى يُقِيمَ
العِشَاءَ فَيُصَلِّيهَا رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ يُسَلِّمُ
ولاَ يُسَبِّحُ بَيْنَهُمَا بِرَكْعةٍ وَلاَ بَعْدَ
لعِشَاءِ بِسَجْدَةٍ حتَّى يَقُومَ مِنْ جَوْفِ
اللَّيْلِ..
مطابقته للتَّرْجَمَة تستأنس مِمَّا ذَكرْنَاهُ آنِفا،
وَهَذَا الْإِسْنَاد بِعَيْنِه مَعَ صدر الحَدِيث قد ذكره
فِي أول: بَاب يُصَلِّي الْمغرب ثَلَاثًا فِي السّفر
فَإِنَّهُ قَالَ هُنَاكَ: حَدثنَا أَبُو الْيَمَان وَهُوَ
الحكم بن نَافِع عَن شُعَيْب بن حَمْزَة عَن الزُّهْرِيّ
وَهُوَ مُحَمَّد بن مُسلم، قَالَ: أَخْبرنِي سَالم. .
إِلَى قَوْله: وَزَاد اللَّيْث نَحوه. قَوْله: (يُؤَخر
صَلَاة الْمغرب) ، لم يبين إِلَى مَتى يُؤَخر، وَقد بَينه
مُسلم من طَرِيق عبيد الله بن عمر عَن نَافِع عَن ابْن عمر
بِأَنَّهُ بعد أَن يغيب الشَّفق، وَقد ذكرنَا اخْتِلَاف
الْأَلْفَاظ فِيهِ، وَبينا أَن الشَّفق على نَوْعَيْنِ
وَمَا يَتَرَتَّب عَلَيْهِمَا. قَوْله: (ثمَّ قَلما يلبث)
كلمة: مَا، للمدة أَي: ثمَّ قل مُدَّة لبثه، وَذَلِكَ
اللّّبْث لقَضَاء بعض حَوَائِجه مِمَّا هُوَ ضَرُورِيّ.
قَوْله: (وَلَا يسبح بَينهمَا) أَي: وَلَا يتَنَفَّل بَين
الْمغرب وَالْعشَاء بِرَكْعَة، وَأَرَادَ بهَا
الرَّكْعَتَيْنِ من بَاب إِطْلَاق الْجُزْء على الْكل.
قَوْله: (وَلَا بعد الْعشَاء) أَي: وَلَا يسبح أَيْضا بعد
صَلَاة الْعشَاء بِسَجْدَة أَي: بِرَكْعَتَيْنِ من بَاب
إِطْلَاق الْجُزْء على الْكل. كَمَا فِي قَوْله:
(بِرَكْعَة) . قَوْله: (حَتَّى يقوم) أَي: إِلَى أَن يقوم
(من جَوف اللَّيْل) ، فَفِيهِ كَانَ يسبح أَي: يتَنَفَّل،
وَالْحَاصِل أَن ابْن عمر مَا كَانَ يتَطَوَّع فِي السّفر
لَا قبل الصَّلَاة وَلَا بعْدهَا، وَكَانَ يُصَلِّي فِي
جَوف اللَّيْل، كَمَا رَوَاهُ ابْن أبي شيبَة فِي
(مُصَنفه) : عَن هشيم عَن عبيد الله بن عمر عَن نَافِع
(عَن ابْن عمر: أَنه كَانَ لَا يتَطَوَّع فِي السّفر قبل
الصَّلَاة وَلَا بعْدهَا وَكَانَ يُصَلِّي من اللَّيْل) .
وَقَالَ التِّرْمِذِيّ: وَرُوِيَ
(7/153)
عَن ابْن عمر: أَن النَّبِي صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم كَانَ لَا يتَطَوَّع فِي السّفر قبل
الصَّلَاة وَلَا بعْدهَا) ، وَرُوِيَ عَنهُ عَن النَّبِي
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: أَنه كَانَ يتَطَوَّع فِي السّفر
ثمَّ اخْتلف أهل الْعلم بعد النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم، فَرَأى بعض أَصْحَاب النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم أَن يتَطَوَّع الرجل فِي السّفر، وَبِه يَقُول
أَحْمد وَإِسْحَاق، وَلم تَرَ طَائِفَة من أهل الْعلم أَن
يُصَلِّي قبلهَا وَلَا بعْدهَا، وَمعنى: من لم يتَطَوَّع
قبُول الرُّخْصَة، وَمن تطوع فَلهُ فِي ذَلِك فضل كثير،
وَهُوَ قَول أَكثر أهل الْعلم يختارون التَّطَوُّع فِي
السّفر.
0111 - حدَّثنا إسْحَاقُ قَالَ حدَّثنا عَبْدُ الصَّمَدِ
قَالَ حدَّثنا حَرْبٌ قَالَ حدَّثنا يَحْيى قَالَ حدَّثني
حَفْصُ بنُ عُبَيْدِ الله بنِ أنَسٍ أنَّ أنَسا رَضِي الله
تَعَالَى عَنهُ حدَّثَهُ أنَّ رسولَ الله صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم كانَ يَجْمَعُ بَيْنَ هاتَيْنِ
الصلاَتَيْنِ فِي السَّفَرِ يَعْنِي المَغْرِبَ
وَالعِشَاءَ.
(أنظر الحَدِيث 8011) .
مطابقته للتَّرْجَمَة من حَيْثُ إِنَّه مُفَسّر بِحَدِيث
ابْن عمر السَّابِق، لِأَن فِي حَدِيث أنس إِجْمَالا كَمَا
ترَاهُ، والمفسر، بِالْفَتْح تَابع للمفسر بِالْكَسْرِ،
وَقد ذكرنَا وَجه التطابق فِي حَدِيث ابْن عمر، فَحصل فِي
حَدِيث أنس أَيْضا من حَيْثُ التّبعِيَّة لَا غير، وَهَذَا
الْقدر كَاف فِي ذَلِك.
ذكر رِجَاله: وهم سِتَّة: الأول: إِسْحَاق ذكره غير
مَنْسُوب، وَيحْتَمل أَن يكون إِسْحَاق بن مَنْصُور الكوسج
لِأَنَّهُ قَالَ فِي: بَاب مقدم النَّبِي صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم الْمَدِينَة، وَفِي كتاب الدِّيات: حَدثنَا
إِسْحَاق بن مَنْصُور، قَالَ: حَدثنَا عبد الصَّمد،
وَيحْتَمل أَن يكون إِسْحَاق بن رَاهَوَيْه، لِأَن كلا من
الإسحاقين يرويان عَن عبد الصَّمد، وَالْبُخَارِيّ يروي
عَن كل مِنْهُمَا: وَقيل: جزم أَبُو نعيم فِي
(الْمُسْتَخْرج) أَنه إِسْحَاق بن رَاهَوَيْه لِأَن كلا من
الإسحاقيين يرويان عَن عبد الصَّمد وَالْبُخَارِيّ يروي
عَن كل مِنْهُمَا وَقيل جزم أَبُو نعيم فِي الْمُسْتَخْرج
أَنه إِسْحَاق بن رَاهْوَيْةِ الثَّانِي: عبد الصَّمد بن
عبد الْوَارِث التنوري، وَقد مر. الثَّالِث: حَرْب ضد
الصُّلْح ابْن شَدَّاد أَبُو الْخطاب الْيَشْكُرِي، وَقد
مر عَن قريب. الرَّابِع: يحيى بن أبي كثير، وَقد مر غير
مرّة. الْخَامِس: حَفْص بن عبيد الله ابْن أنس. السَّادِس:
أنس بن مَالك، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ.
ذكر لطائف إِسْنَاده: فِيهِ: التحديث بِصِيغَة الْجمع فِي
أَرْبَعَة مَوَاضِع وبصيغة الْإِفْرَاد فِي مَوضِع وَاحِد
وَفِيه: الْإِخْبَار بِصِيغَة الْجمع فِي مَوضِع. وَفِيه:
القَوْل فِي أَرْبَعَة مَوَاضِع. وَفِيه: اثْنَان بصريان
وهما: عبد الصَّمد وَحرب، وَيحيى يمامي، وَحَفْص بَصرِي
وَإِسْحَاق مروزي، سَوَاء كَانَ ابْن رَاهَوَيْه أَو ابْن
مَنْصُور الكوسج. وَفِيه: ثَلَاثَة مذكورون بِغَيْر
نِسْبَة.
والْحَدِيث قد مر فِي الْبَاب الَّذِي قبله: عَن حُسَيْن
عَن يحيى ابْن أبي كثير عَن حَفْص بن عبيد الله. . إِلَى
آخِره، وَالله تَعَالَى أعلم.
51 - (بابٌ يُؤخِّرُ الظُّهْرَ إلَى العَصْرِ إذَا
ارْتَحَلَ قَبْلَ أنْ تَزِيغَ الشَّمْسُ)
أَي: هَذَا بَاب يذكر فِيهِ أَن الْمُسَافِر إِذا أَرَادَ
الْجمع بَين الظّهْر وَالْعصر يُؤَخر الظّهْر إِذا ارتحل
قبل أَن تزيع الشَّمْس، أَي: قبل أَن تميل، وَذَلِكَ إِذا
قَامَ الْفَيْء يُقَال: زاغ عَن الطَّرِيق يزِيغ إِذا عدل
عَنهُ.
فِيهِ ابنْ عَبَّاسٍ عنِ النَّبِيِّ صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم
أَي: فِي تَأْخِير الظّهْر إِلَى الْعَصْر إِذا ارتحل قبل
أَن تزِيغ الشَّمْس، روى ابْن عَبَّاس عَن النَّبِي صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم، رَوَاهُ أَحْمد: حَدثنَا عبد
الرَّزَّاق أخبرنَا ابْن جريج أَخْبرنِي حُسَيْن بن عبد
الله بن عبيد الله بن عَبَّاس عَن عِكْرِمَة وكريب (عَن
ابْن عَبَّاس، قَالَ: أَلا أخْبركُم عَن صَلَاة رَسُول
الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي السّفر، قُلْنَا: بلَى،
قَالَ: كَانَ إِذا زاغت الشَّمْس فِي منزله جمع بَين
الظّهْر وَالْعصر قبل أَن يركب، وَإِذا لم تزغ لَهُ فِي
منزله سَار حَتَّى إِذا كَانَت الْعَصْر نزل فَجمع بَين
الظّهْر وَالْعصر) . وَأخرجه التِّرْمِذِيّ أَيْضا من
رِوَايَة أَحْمد بن عبد الله بن دَاوُد التَّاجِر
الْمروزِي عَنهُ من رِوَايَة حُسَيْن بن عبد الله نَحوه،
وَقَالَ: هَذَا حَدِيث حسن صَحِيح غَرِيب من حَدِيث ابْن
عَبَّاس، ذكره فِي (الْأَطْرَاف) وَلم يذكر ابْن عَسَاكِر،
وَقد ذكرنَا مَا قَالَه أَئِمَّة الشَّأْن فِي حُسَيْن
هَذَا قبل هَذَا الْبَاب.
1111 - حدَّثنا حَسَّانُ الوَاسِطِيُّ قَالَ حدَّثنا
المُفَضَّلُ بنُ فَضَالَةَ عَنْ عُقَيْل عنِ ابنِ شِهَابٍ
عنْ أنَسِ بنِ مالِكٍ رَضِي الله تَعَالَى عنهُ قَالَ كانَ
النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إذَا ارْتَحَلَ قبْلَ أنْ
تَزِيغَ الشَّمْسُ أخَّرَ
(7/154)
الظُّهْرَ إلَى وَقْتِ العَصْرِ ثُمَّ
يجْمَعُ بَيْنَهُمَا وَإذَا زَاغَتْ صَلَّى الظُّهْرَ
ثُمَّ رَكِبَ.
(الحَدِيث 1111 طرفه فِي: 2111) .
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة.
ذكر رِجَاله: وهم خَمْسَة: الأول: حسان، على وزن فعال
بِالتَّشْدِيدِ: ابْن عبد الله بن سهل الْكِنْدِيّ
الْمصْرِيّ، كَانَ أَبوهُ واسطيا فَقدم مصر فولد بهَا حسان
الْمَذْكُور وَاسْتمرّ بهَا إِلَى أَن مَاتَ سنة
ثِنْتَيْنِ وَعشْرين وَمِائَتَيْنِ. الثَّانِي: الْمفضل،
بِلَفْظ اسْم الْمَفْعُول من التَّفْضِيل بِالْفَاءِ
وَالضَّاد الْمُعْجَمَة: ابْن فضَالة، بِفَتْح الْفَاء
وَتَخْفِيف الضَّاد الْمُعْجَمَة: أَبُو مُعَاوِيَة
الْقِتْبَانِي، بِكَسْر الْقَاف وَسُكُون التَّاء
الْمُثَنَّاة من فَوق وبالباء الْمُوَحدَة وبالنون، قَاضِي
مصر إِمَام مجاب الدعْوَة، مَاتَ سنة إِحْدَى وَثَمَانِينَ
وَمِائَة. الثَّالِث: عقيل، بِضَم الْعين: ابْن خَالِد،
وَقد مر غير مرّة. الرَّابِع: مُحَمَّد بن مُسلم بن شهَاب
الزُّهْرِيّ. الْخَامِس: أنس بن مَالك، رَضِي الله
تَعَالَى عَنهُ.
ذكر لطائف إِسْنَاده: فِيهِ: التحديث بِصِيغَة الْجمع فِي
موضِعين. وَفِيه: العنعنة فِي ثَلَاثَة مَوَاضِع. وَفِيه:
القَوْل فِي موضِعين. وَفِيه: أَن شَيْخه من أَفْرَاده
وَفِي الروَاة حسان الوَاسِطِيّ آخر يرْوى عَن شُعْبَة
وَغَيره، ضعفه الدَّارَقُطْنِيّ، وَمن زعم أَن البُخَارِيّ
روى عَنهُ عَن المصريين فقد وهم، لِأَنَّهُ لَا رِوَايَة
لَهُ عَن المصريين. وَفِيه: أَن شَيْخه وَشَيخ شَيْخه
مصريان، وَعقيل أيلي وَابْن شهَاب مدنِي.
ذكر من أخرجه غَيره: أخرجه مُسلم فِي الصَّلَاة عَن
قُتَيْبَة عَن الْمفضل وَعَن عَمْرو النَّاقِد وَعَن أبي
الطَّاهِر بن السَّرْح وَعَن عَمْرو بن سَواد. وَأخرجه
أَبُو دَاوُد فِيهِ عَن قُتَيْبَة وَيزِيد بن خَالِد،
كِلَاهُمَا عَن الْمفضل بِهِ. وَعَن سُلَيْمَان بن دَاوُد
عَن ابْن وهب بِهِ، وَأخرجه النَّسَائِيّ فِيهِ عَن
قُتَيْبَة بِهِ وَعَن عَمْرو بن مُرَاد بِهِ.
ذكر مَعْنَاهُ: قَوْله: (قبل أَن تزِيغ) أَي: قبل أَن
تميل. قَوْله: (فَإِذا زاغت) أَي: الشَّمْس قبل أَن يرتحل
لَا بُد من تَقْيِيده بِهَذَا الْقَيْد، كَمَا فِي
الرِّوَايَة الَّتِي تَأتي، قَالَ الْكرْمَانِي: (فَإِذا
زاغت) بِالْفَاءِ التعقيبية فَيكون الزيغ قبل الارتحال
ضَرُورَة. قلت: الْفَاء قد تكون لتعقيب الْأَخْبَار
بِهَذِهِ الْجُمْلَة على الْجُمْلَة الَّتِي قبلهَا، أَو
الْفَاء بِمَعْنى الْوَاو، وَاسْتدلَّ من يرى الْجمع
بِهَذَا الحَدِيث على أَن من كَانَ نازلاً فِي وَقت
الأولى، فَالْأَفْضَل أَن يجمع بَينهمَا، بِضَم الْعَصْر
إِلَى الظّهْر، وَأَنه إِذا كَانَ سائرا فَالْأَفْضَل
تَأْخِير الأولى بنية جمعهَا مَعَ الْعَصْر إِذا وثق
بنزوله. وَوقت الْعَصْر باقٍ. وَأما إِذا كَانَ سائرا فِي
وقتهما جَمِيعًا فَلهُ أَن يجمع على مَا يرَاهُ من
التَّقْدِيم أَو التَّأْخِير، وَلَكِن الْأَفْضَل أَن
الأولى إِلَى الثَّانِيَة لِلْخُرُوجِ من خلاف من خَالف
فِي التَّقْدِيم من الْأَئِمَّة وَقَالَ ابْن بطال:
اخْتلفُوا فِي وَقت الْجمع، فَقَالَ الْجُمْهُور: إِن
شَاءَ جمع بَينهمَا فِي وَقت الأولى، وَإِن شَاءَ جمع فِي
وَقت الْآخِرَة، ثمَّ نقل قَول أبي حنيفَة ثمَّ قَالَ:
وَهَذَا قَول بِخِلَاف الْآثَار. قُلْنَا: قد ذكرنَا أَن
فِي هَذَا الْبَاب سِتَّة أَقْوَال قد بيناها، وَأَبُو
حنيفَة قطّ مَا خَالف الْآثَار، فَإِنَّهُ احْتج فِيمَا
ذهب إِلَيْهِ بِالْكتاب وَالسّنة وَالْقِيَاس، وَحمل
أَحَادِيث الْجمع على الْجمع الْمَعْنَوِيّ. فَفِيمَا
قَالَه عمل بِجَمِيعِ الْآثَار، وَفِيمَا قَالَه ابْن بطال
وَمن رأى الْجمع الصُّورِي إهمال للْبَعْض، مَعَ أَنه
فِيمَا نقل عَن الْجُمْهُور مُخَالفَة للْحَدِيث
الْمَذْكُور، وَهُوَ ظَاهر.
61 - (بابٌ إذَا ارْتَحَلَ بَعْدَما زَاغَتِ الشَّمْسُ
صَلَّى الظُّهْرَ ثُمَّ رَكِبَ)
أَي: هَذَا بَاب يذكر فِيهِ إِذا ارتحل الْمُسَافِر
بَعْدَمَا مَالَتْ الشَّمْس وَقَامَ الْفَيْء صلى صَلَاة
الظّهْر ثمَّ ركب، وَلم يذكر فِيهِ الْعَصْر لِأَن فِي
حَدِيث الْبَاب كَذَلِك، والآن نذْكر وَجه ذَلِك، وَيفهم
من هَذِه التَّرْجَمَة وَمن الَّتِي قبلهَا أَن
البُخَارِيّ يذهب إِلَى أَن جمع التَّأْخِير يخْتَص بِمن
ارتحل قبل أَن يدْخل وَقت الظّهْر.
2111 - حدَّثنا قُتَيْبَةُ قَالَ حدَّثنا المُفَضلُ بنُ
فَضَالَةَ عنْ عُقَيْلٍ عنِ ابنِ شِهَابٍ عنْ أنَسِ ابنِ
مالِكٍ قَالَ كانَ رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
إذَا ارْتَحَلَ قَبْلَ أنْ تَزِيغَ الشَّمْسُ أخَّرَ
الظُّهْرَ إلَى وَقْتِ العَصْرِ ثُمَّ نَزَلَ فَجَمَعَ
بينَهُمَا فإنْ زَاغَتِ الشمْسُ قَبْلَ أنْ يَرْتَحِلَ
صلَّى الظُّهْرَ ثُمَّ رَكِيَ.
(أنظر الحَدِيث 1111) .
(7/155)
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة، وَهُوَ
بِعَيْنِه الحَدِيث الْمَذْكُور فِيمَا قبل هَذَا الْبَاب،
غير أَنه أخرج هُنَاكَ: عَن حسان الوَاسِطِيّ عَن الْمفضل
بن فضَالة، وَهنا: عَن قُتَيْبَة بن سعيد عَن الْمفضل. .
إِلَى آخِره نَحوه، وَلم يذكر فِي الطَّرِيقَيْنِ
الْعَصْر، وَالْمَحْفُوظ عَن عقيل الرَّاوِي فِي الْكتب
الْمَشْهُورَة هَكَذَا بِدُونِ ذكر الْعَصْر، وَقَالَ
بَعضهم: وَمُقْتَضَاهُ أَنه كَانَ لَا يجمع بَين
الصَّلَاتَيْنِ إلاّ فِي وَقت الثَّانِيَة مِنْهُمَا،
وَبِه احْتج من منع جمع التَّقْدِيم. انْتهى. قلت: لَا
نسلم أَن مُقْتَضى الحَدِيث مَا ذكره، بل مُقْتَضَاهُ
الَّذِي يَقْتَضِيهِ التَّرْكِيب أَنه لَا يجمع إِذا ارتحل
بَعْدَمَا زاغت الشَّمْس، بل يُصَلِّي الظّهْر فِي وقته
ثمَّ يركب، وَلَا يُصَلِّي الْعَصْر عقيب الظّهْر، بل
يُصَلِّي الْعَصْر بعد ذَلِك فِي وقته، لِأَن الْأُصُول
تَقْتَضِي ذَلِك، كَذَلِك، وَعَن هَذَا حُكيَ عَن أبي
دَاوُد أَنه قَالَ: لَيْسَ فِي تَقْدِيم الْوَقْت حَدِيث
قَائِم. فَإِن قلت: روى إِسْحَاق بن رَاهَوَيْه هَذَا
الحَدِيث عَن شَبابَة بن سوار عَن اللَّيْث عَن عقيل عَن
الزُّهْرِيّ (عَن أنس، قَالَ: كَانَ النَّبِي صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم إِذا كَانَ فِي سفر فَزَالَتْ الشَّمْس صلى
الظّهْر وَالْعصر جَمِيعًا ثمَّ ارتحل) . قَالَ
النَّوَوِيّ: وَإِسْنَاده صَحِيح. قلت: أَبُو دَاوُد
أنكرهُ على إِسْحَاق وَأخرجه الْإِسْمَاعِيلِيّ وَأعله
بتفرد إِسْحَاق عَن شَبابَة، وشبابة وَإِن كَانَ من رجال
الْجَمَاعَة وَلكنه يَدْعُو إِلَى الإرجاء، قَالَه
زَكَرِيَّا بن يحيى السَّاجِي. وَقَالَ مُحَمَّد بن سعد:
كَانَ ثِقَة صَالح الْأَمر فِي الحَدِيث وَكَانَ مرجئا.
وَقَالَ بَعضهم: وَهَذَا لَيْسَ بقادح، يَعْنِي تفرد
إِسْحَاق عَن شَبابَة، فَإِنَّهُ إِمَام حَافظ، وَقد وَقع
نَظِيره فِي (الْأَرْبَعين) للْحَاكِم عَن أبي الْعَبَّاس
مُحَمَّد بن يَعْقُوب عَن مُحَمَّد بن إِسْحَاق
الصَّاغَانِي عَن حسان بن عبد الله عَن الْمفضل بن فضَالة
عَن عقيل عَن ابْن شهَاب (عَن أنس: أَن النَّبِي صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم كَانَ إِذا ارتحل قبل أَن تزِيغ الشَّمْس
أخر الظّهْر إِلَى وَقت الْعَصْر، ثمَّ نزل فَجمع
بَينهمَا، فَإِن زاغت الشَّمْس قبل أَن يرتحل صلى الظّهْر
وَالْعصر ثمَّ ركب) قلت: فِي ثُبُوت هَذِه الزِّيَادَة
نظر، أَلا ترى أَن الْحَاكِم لم يُورِدهُ فِي
(مُسْتَدْركه) مَعَ شهرته فِي تساهله فِي التَّصْحِيح،
وَالْبُخَارِيّ مَعَ تتبعه فِي أَشْيَاء على
الْحَنَفِيَّة، لم يذكر هَذِه الزِّيَادَة؟ فَإِن قلت:
لَهُ طَرِيق آخر رَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ فِي (الْأَوْسَط)
: حَدثنَا مُحَمَّد بن إِبْرَاهِيم بن نصر بن سندر
الْأَصْبَهَانِيّ حَدثنَا هَارُون ابْن عبد الله الْجمال
حَدثنَا يَعْقُوب بن مُحَمَّد الزُّهْرِيّ حَدثنَا
مُحَمَّد بن سَعْدَان حَدثنَا ابْن عجلَان عَن عبد الله بن
الْفضل (عَن أنس بن مَالك، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، أَن
النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، كَانَ إِذا كَانَ فِي
سفر فزاغت الشَّمْس قبل أَن يرتجل صلى الظّهْر وَالْعصر
جَمِيعًا، وَإِن ارتحل قبل أَن تزِيغ الشَّمْس جمع
بَينهمَا فِي أول الْعَصْر، وَكَانَ يفعل ذَلِك فِي
الْمغرب وَالْعشَاء) ، وَقَالَ: تفرد بِهِ يَعْقُوب بن
مجمد؟ قلت: قَالَ أَحْمد: يَعْقُوب بن مُحَمَّد لَيْسَ
يسوى شَيْئا. وَقَالَ أَبُو زرْعَة: واهي الحَدِيث،
وَقَالَ صَالح: حزره عَن ابْن معِين أَحَادِيثه تشبه
أَحَادِيث الْوَاقِدِيّ. فَإِن قلت: فِي الْبَاب عَن ابْن
عَبَّاس أخرجه أَحْمد وَلَفظه: (كَانَ إِذا زاغت الشَّمْس
فِي منزله جمع بَين الظّهْر وَالْعصر قبل أَن يركب. .)
الحَدِيث، وَرَوَاهُ الشَّافِعِي وَالْبَيْهَقِيّ أَيْضا
قلت: فِي سَنَده: حُسَيْن بن عبد الله وَهُوَ ضَعِيف جدا،
وَقد ذَكرْنَاهُ. وَقَالَ بَعضهم: وَالْمَشْهُور فِي جمع
التَّقْدِيم مَا أخرجه أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ
وَأحمد وَابْن حبَان من طَرِيق اللَّيْث عَن يزِيد أبي
حبيب عَن أبي الطُّفَيْل عَن مغاذ بن جبل رَضِي الله
تَعَالَى عَنهُ (قلت) لفظ أبي دَاوُود حَدثنَا يزِيد بن
خَالِد بن يزِيد بن عبد الله الرَّمْلِيّ الْهَمدَانِي
حَدثنَا الْمفضل بن فضَالة وَاللَّيْث بن سعد عَن هِشَام
بن سعد عَن أبي الزبير عَن أبي الطُّفَيْل (عَن معَاذ بن
جبل: أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ فِي
غَزْوَة تَبُوك إِذا زاغت الشَّمْس قبل أَن يرتحل جمع بَين
الظّهْر وَالْعصر، وَإِن ارتحل قبل أَن تزِيغ الشَّمْس أخر
الظّهْر حَتَّى ينزل للعصر، وَفِي الْمغرب مثل ذَلِك إِن
غَابَ الشَّفق قبل أَن يرتحل جمع بَين الْمغرب وَالْعشَاء،
وَإِن ارتحل قبل أَن تغيب الشَّمْس أخر الْمغرب حَتَّى
ينزل للعشاء ثمَّ جمع بَينهمَا) قلت: أنكر أَبُو دَاوُد
هَذَا الحَدِيث، وَهِشَام بن سعد ضعفه يحيى بن معِين،
وَقَالَ أَبُو حَاتِم: يكْتب حَدِيثه وَلَا يحْتَج بِهِ.
وَقَالَ أَحْمد: لم يكن بِالْحَافِظِ، وَأَبُو الزبير
اسْمه مُحَمَّد بن مُسلم بن تدرس، وَأَبُو الطُّفَيْل
اسْمه: عَامر بن وَاثِلَة. فَإِن قلت: روى أَبُو دَاوُد
أَيْضا، قَالَ: حَدثنَا قُتَيْبَة بن سعيد حَدثنَا
اللَّيْث عَن يزِيد بن أبي حبيب عَن أبي الطُّفَيْل عَامر
بن وَاثِلَة، (عَن معَاذ بن جبل: أَن النَّبِي صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم كَانَ فِي غَزْوَة تَبُوك إِذا ارتحل قبل
أَن تزِيغ الشَّمْس أخر الظّهْر حَتَّى يجمعها إِلَى
الْعَصْر فيصليهما جَمِيعًا، وَإِذا ارتحل بعد زيغ
الشَّمْس صلى الظّهْر وَالْعصر جَمِيعًا، ثمَّ سَار،
وَكَانَ إِذا ارتحل قبل الْمغرب أخر الْمغرب حَتَّى
يُصليهَا مَعَ الْعشَاء، وَإِذا ارتحل بعد الْمغرب عجل
الْعشَاء فَصلاهَا مَعَ الْمغرب، قلت: قَالَ أَبُو دَاوُد:
لم يرو هَذَا الحَدِيث إلاّ قُتَيْبَة وَحده، يَعْنِي:
تفرد بِهِ، وَلِهَذَا قَالَ التِّرْمِذِيّ: حَدِيث حسن
غَرِيب
(7/156)
تفرد بِهِ قُتَيْبَة، لَا يعرف أحد رَوَاهُ عَن اللَّيْث
غَيره، وَذكر أَن الْمَعْرُوف عِنْد أهل الْعلم حَدِيث
معَاذ من حَدِيث أبي الزبير. وَقَالَ أَبُو سعيد بن يُونُس
الْحَافِظ: لم يحدث بِهِ إلاّ قُتَيْبَة، وَيُقَال إِنَّه
غلط، وَإِن مَوضِع يزِيد بن أبي حبيب أَبُو الزبير، وَذكر
الْحَاكِم أَن الحَدِيث مَوْضُوع، وقتيبة بن سعيد ثِقَة
مَأْمُون، وَحكى عَن البُخَارِيّ أَنه قَالَ: قلت لقتيبة
بن سعيد: مَعَ من كتبت عَن اللَّيْث بن سعد حَدِيث يزِيد
بن أبي حبيب عَن أبي الطُّفَيْل، فَقَالَ: كتبته مَعَ
خَالِد الْمَدَائِنِي. قَالَ البُخَارِيّ: وَكَانَ خَالِد
الْمَدَائِنِي يدْخل الْأَحَادِيث على الشُّيُوخ، انْتهى.
وخَالِد الْمَدَائِنِي هَذَا هُوَ أَبُو الْهَيْثَم خَالِد
بن الْقَاسِم الْمَدَائِنِي، مَتْرُوك الحَدِيث. وَقَالَ
ابْن عدي: لَهُ عَن اللَّيْث بن سعد غير حَدِيث مُنكر،
وَاللَّيْث بَرِيء من رِوَايَة خَالِد عَنهُ تِلْكَ
الْأَحَادِيث. |