عمدة القاري شرح صحيح البخاري

 (بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم)
(بَاب فضل الصَّلَاة فِي مَسْجِد مَكَّة وَالْمَدينَة)
فِي بعض النّسخ قبل ذكر الْبَاب ذكر التَّسْمِيَة أَي هَذَا بَاب فِي بَيَان فضل الصَّلَاة فِي مَسْجِد مَكَّة وَمَسْجِد الْمَدِينَة على ساكنها أفضل الصَّلَاة وَالسَّلَام وَإِنَّمَا لم يذكر فِي التَّرْجَمَة بَيت الْمُقَدّس وَإِن كَانَ مَذْكُورا مَعَهُمَا لكَونه أفرده بعد ذَلِك بترجمة أُخْرَى (فَإِن قلت) لَيْسَ فِي الحَدِيث لفظ الصَّلَاة (قلت) المُرَاد من الرحلة إِلَى الْمَسَاجِد قصد الصَّلَاة فِيهَا (فَإِن قلت) ذكر الصَّلَاة مُطلقَة (قلت) المُرَاد صَلَاة النَّافِلَة ظَاهرا وَإِن كَانَ يحْتَمل أَعم من ذَلِك وَفِيه خلاف يَأْتِي بَيَانه
212 - (حَدثنَا حَفْص بن عمر قَالَ حَدثنَا شُعْبَة قَالَ أَخْبرنِي عبد الْملك عَن قزعة قَالَ سَمِعت أَبَا سعيد رَضِي الله عَنهُ أَرْبعا قَالَ سَمِعت من النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَكَانَ غزا مَعَ النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - ثِنْتَيْ عشرَة غَزْوَة ح حَدثنَا عَليّ قَالَ حَدثنَا سُفْيَان عَن الزُّهْرِيّ عَن سعيد عَن أبي هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ لَا تشد الرّحال إِلَّا إِلَى ثَلَاثَة مَسَاجِد الْمَسْجِد الْحَرَام وَمَسْجِد الرَّسُول - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَمَسْجِد الْأَقْصَى) هَذَانِ إسنادان الأول لحَدِيث أبي سعيد الْخُدْرِيّ. وَالثَّانِي لحَدِيث أبي هُرَيْرَة وَلكنه لم يتم متن حَدِيث أبي سعيد وَاقْتصر على قَوْله " كَانَ غزا مَعَ النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - ثِنْتَيْ عشرَة غَزْوَة " وَسَيذكر تَمَامه بعد أَرْبَعَة أَبْوَاب فِي بَاب مَسْجِد بَيت الْمُقَدّس وَتَمَامه مُشْتَمل على أَرْبَعَة أَحْكَام. الأول فِي منع الْمَرْأَة عَن السّفر بِدُونِ الزَّوْج أَو الْمحرم وَالثَّانِي فِي منع صَوْم يومي الْعِيدَيْنِ. وَالثَّالِث فِي منع الصَّلَاة بعد الصُّبْح حَتَّى تطلع الشَّمْس وَبعد الْعَصْر حَتَّى تغرب. وَالرَّابِع فِي منع شدّ الرّحال إِلَّا إِلَى ثَلَاثَة مَسَاجِد وَحَدِيث أبي هُرَيْرَة مُشْتَمل على الحكم الرَّابِع فَقَط وَلما كَانَ الحديثان مشتركين فِي هَذَا اقْتصر فِي حَدِيث أبي سعيد على مَا ذكره طلبا للاختصار وَقيل كَأَنَّهُ قصد بذلك الإغماض لينبه غير الْحَافِظ على فَائِدَة الْحِفْظ وَظن الدَّاودِيّ أَنه سَاق الإسنادين لمتن حَدِيث أبي هُرَيْرَة وَلَيْسَ كَذَلِك لاشتمال حَدِيث أبي سعيد على الْأَشْيَاء الْمَذْكُورَة ثمَّ وَجه مُطَابقَة حَدِيث أبي هُرَيْرَة للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة لَا يُقَال لَيْسَ فِيهِ لفظ الصَّلَاة لأَنا قد ذكرنَا عَن قريب أَن المُرَاد من الرحلة إِلَى الْمَسَاجِد الْمَذْكُورَة قصد الصَّلَاة وَأما وَجه مُطَابقَة حَدِيث أبي سعيد للتَّرْجَمَة من حَيْثُ أَنه مُشْتَرك لحَدِيث أبي هُرَيْرَة فِي الحكم الرَّابِع كَمَا ذَكرْنَاهُ وَإِن لم يذكرهُ هَهُنَا مَعَ أَنه مَا أخلاه عَن الذّكر على مَا سَيَأْتِي إِن شَاءَ الله تَعَالَى (ذكر رجال الإسنادين) وهم عشرَة. الأول حَفْص بن عمر بن الْحَارِث النمري. الثَّانِي شُعْبَة بن الْحجَّاج. الثَّالِث عبد الْملك بن عُمَيْر بِضَم الْعين مصغر عمر الْمَعْرُوف بالقبطي مر فِي بَاب أهل الْعلم أولى بِالْإِمَامَةِ وَإِنَّمَا قيل لَهُ القبطي لِأَنَّهُ كَانَ لَهُ فرس سَابق يعرف بالقبطي فنسب إِلَيْهِ وَكَانَ على قَضَاء الْكُوفَة بعد الشّعبِيّ مَاتَ سنة سِتّ وَثَلَاثِينَ وَمِائَة وَله من الْعُمر يَوْم مَاتَ مائَة سنة وَثَلَاث سِنِين. الرَّابِع قزعة بِالْقَافِ وَالزَّاي وَالْعين الْمُهْملَة كلهَا مَفْتُوحَة وَقيل بِسُكُون الزَّاي ابْن يحيى وَقيل ابْن الْأسود مولى زِيَاد يكنى أَبَا العادية. الْخَامِس أَبُو سعيد الْخُدْرِيّ واسْمه سعيد بن مَالك الْأنْصَارِيّ. السَّادِس عَليّ بن الْمَدِينِيّ وَقد تكَرر ذكره. السَّابِع سُفْيَان بن عُيَيْنَة. الثَّامِن مُحَمَّد بن مُسلم بن شهَاب الزُّهْرِيّ. التَّاسِع سعيد بن الْمسيب. الْعَاشِر أَبُو هُرَيْرَة (ذكر لطائف الْإِسْنَاد الأول) فِيهِ التحديث بِصِيغَة الْجمع فِي موضِعين وَفِيه الْإِخْبَار بِصِيغَة الْإِفْرَاد فِي مَوضِع وَاحِد وَفِيه السماع فِي موضِعين وَفِيه القَوْل فِي أَرْبَعَة مَوَاضِع وَفِيه أَن شَيْخه بَصرِي وَهُوَ من أَفْرَاده وَشعْبَة واسطي وَعبد الْملك كُوفِي وَرِوَايَته عَن قزعة من رِوَايَة الأقران لِأَنَّهُمَا من طبقَة وَاحِدَة وقزعة بَصرِي وَفِيه رِوَايَة التَّابِعِيّ عَن التَّابِعِيّ عَن الصَّحَابِيّ (ذكر لطائف الْإِسْنَاد الثَّانِي) فِيهِ التحديث بِصِيغَة الْجمع فِي موضِعين وَفِيه العنعنة فِي أَرْبَعَة مَوَاضِع وَفِيه القَوْل فِي موضِعين وَفِيه أَن السفيان مكي وَالزهْرِيّ وَسَعِيد بن الْمسيب مدنيان وَفِيه رِوَايَة التَّابِعِيّ عَن التَّابِعِيّ عَن الصَّحَابِيّ

(7/251)


(ذكر تعدد مَوضِع الحَدِيث الأول وَمن أخرجه غَيره) أخرجه البُخَارِيّ أَيْضا فِي الصَّلَاة بِبَيْت الْمُقَدّس عَن أبي الْوَلِيد وَفِي الْحَج عَن سُلَيْمَان بن حَرْب وَفِي الصَّوْم عَن حجاج بن منهال ثَلَاثَتهمْ عَن شُعْبَة عَن عبد الْملك وَأخرجه مُسلم فِي الْمَنَاسِك عَن أبي غَسَّان وَمُحَمّد بن بشار كِلَاهُمَا عَن معَاذ بن هِشَام وَعَن مُحَمَّد بن الْمثنى وَعَن عُثْمَان بن أبي شيبَة وَعَن قُتَيْبَة وَعُثْمَان كِلَاهُمَا عَن جرير وَأخرجه التِّرْمِذِيّ فِي الصَّلَاة عَن ابْن أبي عمر وَأخرجه النَّسَائِيّ فِي الصَّوْم عَن مُحَمَّد بن الْمثنى وَعَن عبيد الله بن سعيد وَعَن عمرَان بن مُوسَى وَعَن مُحَمَّد بن قدامَة وَأخرجه ابْن مَاجَه عَن أبي بكر بن أبي شيبَة فِي الصَّوْم بالقصة الثَّانِيَة وَفِي الصَّلَاة بالقصة الثَّالِثَة وَأخرج الْقِصَّة الرَّابِعَة عَن أبي سعيد وَعبد الله بن عَمْرو بن الْعَاصِ رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُم. (ذكر من أخرج الحَدِيث الثَّانِي غَيره) أخرجه مُسلم فِي الْحَج عَن عَمْرو النَّاقِد وَزُهَيْر بن حَرْب وَأخرجه أَبُو دَاوُد فِيهِ عَن مُسَدّد وَأخرجه النَّسَائِيّ فِي الصَّلَاة عَن مُحَمَّد بن مَنْصُور الْمَكِّيّ (ذكر من روى عَنهُ فِي هَذَا الْبَاب) فِيهِ عَن بصرة بن أبي بصرة رَوَاهُ ابْن حبَان عَنهُ سَمِعت رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - يَقُول " لَا يعْمل الْمطِي إِلَّا إِلَى ثَلَاثَة مَسَاجِد إِلَى الْمَسْجِد الْحَرَام ومسجدي هَذَا وَإِلَى مَسْجِد إيلياء أَو بَيت الْمُقَدّس " يشك أَيهمَا قَالَ وَعَن أبي بصرة أَيْضا رَوَاهُ أَحْمد وَالْبَزَّار فِي مسنديهما وَالطَّبَرَانِيّ فِي الْكَبِير والأوسط من رِوَايَة عمر بن عبد الرَّحْمَن بن الْحَارِث بن هِشَام أَنه قَالَ لَقِي أَبُو بصرة الْغِفَارِيّ أَبَا هُرَيْرَة وَهُوَ جَاءَ من الطّور فَقَالَ من أَيْن أَقبلت قَالَ من الطّور صليت فِيهِ قَالَ لَو أَدْرَكتك قبل أَن ترتحل مَا ارتحلت إِنِّي سَمِعت رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - يَقُول " لَا تشدوا الرّحال إِلَّا إِلَى ثَلَاثَة مَسَاجِد " الحَدِيث وَرِجَال إِسْنَاده ثِقَات قَالَ الذَّهَبِيّ بصرة بن أبي بصرة الْغِفَارِيّ هُوَ وَأَبوهُ صحابيان نزلا مصر وَاسم أبي بصرة حميل وَقيل حميل بن بصرة (قلت) حميل بِضَم الْحَاء الْمُهْملَة وَقيل بِفَتْحِهَا وَالْأول هُوَ الْأَصَح وَعَن عبد الله بن عَمْرو مثله رَوَاهُ ابْن مَاجَه وَعَن أبي هُرَيْرَة أَيْضا رَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ فِي الْأَوْسَط عَنهُ يرفعهُ " لَا تشد الرّحال إِلَّا إِلَى ثَلَاثَة مَسَاجِد مَسْجِد الْخيف وَمَسْجِد الْحَرَام ومسجدي هَذَا " وَقَالَ لم يذكر مَسْجِد الْخيف فِي شدّ الرّحال إِلَّا فِي هَذَا الحَدِيث قَالَ صَاحب التَّلْوِيح وَهُوَ لعمري سَنَد جيد لَوْلَا قَول البُخَارِيّ لَا يُتَابع خَيْثَم فِي ذكر مَسْجِد الْخيف وَلَا يعرف لَهُ سَماع من أبي هُرَيْرَة (قلت) خَيْثَم هُوَ ابْن مَرْوَان ذكره ابْن حبَان فِي الثِّقَات وَهُوَ الَّذِي روى هَذَا الحَدِيث عَن أبي هُرَيْرَة وَعَن جَابر رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ رَوَاهُ أَحْمد عَنهُ عَن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَنه قَالَ " خير مَا ركبت إِلَيْهِ الرَّوَاحِل مَسْجِدي هَذَا وَالْبَيْت الْعَتِيق " وَعَن أبي الْجَعْد الضمرِي روى حَدِيثه الْبَزَّار وَالطَّبَرَانِيّ فِي الْكَبِير والأوسط من رِوَايَة أبي عُبَيْدَة بن سُفْيَان عَن أبي الْجَعْد الضمرِي قَالَ قَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - " لَا تشد الرّحال إِلَّا إِلَى ثَلَاثَة مَسَاجِد " الحَدِيث وَإِسْنَاده صَحِيح وَقَالَ الذَّهَبِيّ أَبُو الْجَعْد الضمرِي اسْمه الأذرع وَيُقَال عَمْرو وَعَن عمر بن الْخطاب رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ أخرج حَدِيثه الْبَزَّار من رِوَايَة أبي الْعَالِيَة عَن ابْن عمر عَن عمر أَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ " لَا تشد الرّحال إِلَّا إِلَى ثَلَاثَة مَسَاجِد " الحَدِيث وَفِي كتاب الْعلم الْمَشْهُور لأبي الْخطاب روى حَدِيث مَوْضُوع رَوَاهُ مُحَمَّد بن خَالِد الجندي عَن الْمثنى بن الصَّباح مَجْهُول عَن مَتْرُوك عَن عَمْرو بن شُعَيْب عَن أَبِيه عَن جده يرفعهُ " لَا تعْمل الرّحال إِلَّا إِلَى أَرْبَعَة مَسَاجِد الْمَسْجِد الْحَرَام ومسجدي هَذَا وَالْمَسْجِد الْأَقْصَى وَإِلَى مَسْجِد الْجند " (ذكر معنى حَدِيث أبي هُرَيْرَة) قَوْله " لَا تشد الرّحال " على صِيغَة الْمَجْهُول بِلَفْظ النَّفْي بِمَعْنى النَّهْي بِمَعْنى لَا تشدوا الرّحال ونكتة الْعُدُول عَن النَّهْي إِلَى النَّفْي لإِظْهَار الرَّغْبَة فِي وُقُوعه أَو لحمل السَّامع على التّرْك أبلغ حمل بألطف وَجه وَقَالَ الطَّبَرِيّ النَّفْي أبلغ من صَرِيح النَّهْي كَأَنَّهُ قَالَ لَا يَسْتَقِيم أَن يقْصد بالزيارة إِلَّا هَذِه الْبِقَاع لاختصاصها بِمَا اخْتصّت بِهِ وَوَقع فِي رِوَايَة لمُسلم " تشد الرّحال إِلَى ثَلَاثَة مَسَاجِد " فَذكره من غير حصر وَلَيْسَ فِي هَذِه الرِّوَايَة منع شدّ الرحل لغَيْرهَا إِلَّا على القَوْل بحجية مَفْهُوم الْعدَد وَالْجُمْهُور على أَنه لَيْسَ بِحجَّة ثمَّ التَّعْبِير بشد الرّحال خرج مخرج الْغَالِب فِي ركُوب الْمُسَافِر وَكَذَلِكَ قَوْله فِي بعض الرِّوَايَات " لَا يعْمل الْمطِي " وَإِلَّا فَلَا فرق بَين ركُوب الرَّوَاحِل وَالْخَيْل وَالْبِغَال وَالْحمير وَالْمَشْي فِي هَذَا الْمَعْنى وَيدل عَلَيْهِ قَوْله فِي بعض طرقه فِي الصَّحِيح " إِنَّمَا يُسَافر إِلَى ثَلَاثَة مَسَاجِد " والرحال بِالْحَاء الْمُهْملَة جمع رَحل وَهُوَ للبعير كالسرج للْفرس وَهُوَ أَصْغَر من القتب وَشد الرحل كِنَايَة عَن السّفر لِأَنَّهُ لَازم للسَّفر وَالِاسْتِثْنَاء مفرغ

(7/252)


فتقدير الْكَلَام لَا تشد الرّحال إِلَى مَوضِع أَو مَكَان فَإِن قيل فعلى هَذَا يلْزم أَن لَا يجوز السّفر إِلَى مَكَان غير الْمُسْتَثْنى حَتَّى لَا يجوز السّفر لزيارة إِبْرَاهِيم الْخَلِيل صلوَات الله تَعَالَى وَسَلَامه عَلَيْهِ وَنَحْوه لِأَن الْمُسْتَثْنى مِنْهُ فِي المفرغ لَا بُد أَن يقدر أَعم الْعَام وَأجِيب بِأَن المُرَاد بأعم الْعَام مَا يُنَاسب الْمُسْتَثْنى نوعا ووصفا كَمَا إِذا قلت مَا رَأَيْت إِلَّا زيدا كَانَ تَقْدِيره مَا رَأَيْت رجلا أَو أحدا إِلَّا زيدا لَا مَا رَأَيْت شَيْئا أَو حَيَوَانا إِلَّا زيدا فههنا تَقْدِيره لَا تشد إِلَى مَسْجِد إِلَّا إِلَى ثَلَاثَة قَوْله " الْمَسْجِد الْحَرَام " أَي الْمحرم وَقَالَ بَعضهم هُوَ كَقَوْلِهِم الْكتاب بِمَعْنى الْمَكْتُوب (قلت) هَذَا الْقيَاس غير صَحِيح لِأَن الْكتاب على وزن فعال بِكَسْر الْفَاء وَالْحرَام فعال بِالْفَتْح فَكيف يُقَاس عَلَيْهِ وَإِنَّمَا الْحَرَام اسْم للشَّيْء الْمحرم وَفِي إِعْرَاب الْمَسْجِد وَجْهَان الأول بِالْجَرِّ على أَنه بدل من الثَّلَاثَة وَالثَّانِي بِالرَّفْع على أَنه خبر مُبْتَدأ مَحْذُوف تَقْدِيره هِيَ الْمَسْجِد الْحَرَام وَمَسْجِد الرَّسُول وَمَسْجِد الْأَقْصَى وَقَالَ بَعضهم وَيجوز الرّفْع على الِاسْتِئْنَاف (قلت) الِاسْتِئْنَاف فِي الْحَقِيقَة جَوَاب سُؤال مُقَدّر وَلَئِن سلمنَا لَهُ ذَلِك فيؤول الْأَمر فِي الْحَقِيقَة إِلَى أَن يكون الرّفْع فِيهِ على أَنه خبر مُبْتَدأ مَحْذُوف كَمَا ذَكرْنَاهُ قَوْله " وَمَسْجِد الرَّسُول " الْألف وَاللَّام فِيهِ للْعهد عَن سيدنَا مُحَمَّد - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - (فَإِن قلت) مَا نُكْتَة الْعُدُول عَن قَوْله " ومسجدي " بِالْإِضَافَة إِلَيْهِ (قلت) الْإِشَارَة إِلَى التَّعْظِيم على أَنه يجوز أَن يكون هَذَا من تصرف بعض الروَاة وَالدَّلِيل عَلَيْهِ قَوْله فِي حَدِيث أبي سعيد " ومسجدي " وَسَيَأْتِي عَن قريب قَوْله " وَمَسْجِد الْأَقْصَى " بِإِضَافَة الْمَوْصُوف إِلَى الصّفة وَفِيه خلاف فجوزه الْكُوفِيُّونَ كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى {وَمَا كنت بِجَانِب الغربي} وأوله البصريون بإضمار الْمَكَان أَي بِجَانِب الْمَكَان الغربي وَمَسْجِد الْبَلَد الْحَرَام وَمَسْجِد الْمَكَان الْأَقْصَى وَسمي الْمَسْجِد الْأَقْصَى لبعده عَن الْمَسْجِد الْحَرَام إِمَّا فِي الْمسَافَة أَو فِي الزَّمَان وَقد ورد فِي الحَدِيث أَنه كَانَ بَينهمَا أَرْبَعُونَ سنة (وَقد اسْتشْكل) من حَيْثُ أَن بَين آدم وَدَاوُد عَلَيْهِمَا الصَّلَاة وَالسَّلَام أَضْعَاف ذَلِك من الزَّمن (وَأجِيب) بِأَن الْمَلَائِكَة وضعتهما أَولا وَبَينهمَا فِي الْوَضع أَرْبَعُونَ سنة وَأَن دَاوُد وَسليمَان عَلَيْهِمَا الصَّلَاة وَالسَّلَام جددا بُنيان الْمَسْجِد الْأَقْصَى كَمَا جدد إِبْرَاهِيم عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام بِنَاء الْبَيْت الْحَرَام وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيّ الْمَسْجِد الْأَقْصَى بَيت الْمُقَدّس لِأَنَّهُ لم يكن حِينَئِذٍ وَرَاءه مَسْجِد وَقيل هُوَ أقْصَى بِالنِّسْبَةِ إِلَى مَسْجِد الْمَدِينَة لِأَنَّهُ بعيد من مَكَّة وَبَيت الْمُقَدّس أبعد مِنْهُ وَقيل لِأَنَّهُ أقْصَى مَوضِع من الأَرْض ارتفاعا وقربا إِلَى السَّمَاء يُقَال قصى الْمَكَان يقصو قصوا بعد فَهُوَ قصي وَيُقَال فلَان بِالْمَكَانِ الْأَقْصَى والناحية القصوى (ذكر مَا يُسْتَفَاد مِنْهُ) فِيهِ فَضِيلَة هَذِه الْمَسَاجِد ومزيتها على غَيرهَا لكَونهَا مَسَاجِد الْأَنْبِيَاء عَلَيْهِم الصَّلَاة وَالسَّلَام لِأَن الْمَسْجِد الْحَرَام قبْلَة النَّاس وَإِلَيْهِ حجهم وَمَسْجِد الرَّسُول أسس على التَّقْوَى وَالْمَسْجِد الْأَقْصَى كَانَ قبْلَة الْأُمَم السالفة. وَفِيه أَن الرّحال لَا تشد إِلَى غير هَذِه الثَّلَاثَة لَكِن اخْتلفُوا على أَي وَجه فَقَالَ النَّوَوِيّ مَعْنَاهُ لَا فَضِيلَة فِي شدّ الرّحال إِلَى مَسْجِد مَا غير هَذِه الثَّلَاثَة وَنَقله عَن جُمْهُور الْعلمَاء وَقَالَ ابْن بطال هَذَا الحَدِيث إِنَّمَا هُوَ عِنْد الْعلمَاء فِيمَن نذر على نَفسه الصَّلَاة فِي مَسْجِد من سَائِر الْمَسَاجِد غير الثَّلَاثَة الْمَذْكُورَة قَالَ مَالك رَحمَه الله من نذر صَلَاة فِي مَسْجِد لَا يصل إِلَيْهِ إِلَّا براحلة فَإِنَّهُ يُصَلِّي فِي بَلَده إِلَّا أَن ينذر ذَلِك فِي مَسْجِد مَكَّة أَو الْمَدِينَة أَو بَيت الْمُقَدّس فَعَلَيهِ السّير إِلَيْهَا وَقَالَ ابْن بطال وَأما من أَرَادَ الصَّلَاة فِي مَسَاجِد الصَّالِحين والتبرك بهَا مُتَطَوعا بذلك فمباح إِن قَصدهَا بأعمال الْمطِي وَغَيره وَلَا يتَوَجَّه إِلَيْهِ الَّذِي فِي هَذَا الحَدِيث وَقيل من نذر إتْيَان غير هَذِه الْمَسَاجِد الثَّلَاثَة للصَّلَاة أَو غَيرهَا لم يلْزمه ذَلِك لِأَنَّهَا لَا فضل لبعضها على بعض فَيَكْفِي صلَاته فِي أَي مَسْجِد كَانَ قَالَ النَّوَوِيّ لَا اخْتِلَاف فِي ذَلِك إِلَّا مَا رُوِيَ عَن اللَّيْث أَنه قَالَ يجب الْوَفَاء بِهِ وَعَن الْحَنَابِلَة رِوَايَة يلْزمه كَفَّارَة يَمِين وَلَا ينْعَقد نَذره وَعَن الْمَالِكِيَّة رِوَايَة إِن تعلّقت بِهِ عبَادَة تخْتَص بِهِ كرباط لزم وَإِلَّا فَلَا وَذكر عَن مُحَمَّد بن مسلمة الْمَالِكِي أَنه فِي مَسْجِد قبَاء لِأَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - كَانَ يَأْتِيهِ كل سبت وَاسْتدلَّ قوم بِهَذَا الحَدِيث أَعنِي حَدِيث الْبَاب على أَن من نذر إتْيَان أحد هَذِه الْمَسَاجِد لزمَه ذَلِك وَبِه قَالَ مَالك وَأحمد وَالشَّافِعِيّ فِي الْبُوَيْطِيّ وَاخْتَارَهُ أَبُو إِسْحَق الْمروزِي وَقَالَ أَبُو حنيفَة لَا يجب مُطلقًا وَقَالَ الشَّافِعِي فِي الْأُم يجب فِي الْمَسْجِد الْحَرَام لتَعلق النّسك بِهِ بِخِلَاف المسجدين الآخرين وَقَالَ ابْن الْمُنْذر يجب إِلَى الْحَرَمَيْنِ وَأما الْأَقْصَى فَلَا واستأنس بِحَدِيث جَابر " أَن رجلا قَالَ للنَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - إِنِّي نذرت إِن فتح الله عَلَيْك مَكَّة أَن أُصَلِّي فِي بَيت الْمُقَدّس قَالَ صل هَهُنَا " وَقَالَ ابْن التِّين الْحجَّة على الشَّافِعِي

(7/253)


إِن أَعمال الْمطِي إِلَى مَسْجِد الْمَدِينَة وَالْمَسْجِد الْأَقْصَى وَالصَّلَاة فيهمَا قربَة فَوَجَبَ أَن يلْزم بِالنذرِ كالمسجد الْحَرَام وَقَالَ الْغَزالِيّ عِنْد ذكر إتْيَان الْمَسَاجِد فَلَو قَالَ آتِي مَسْجِد الْخيف فَهُوَ كمسجد الْحَرَام لِأَنَّهُ من الْحرم وَكَذَلِكَ أَجزَاء سَائِر الْحرم قَالَ وَلَو قَالَ آتِي مَكَّة لم يلْزمه شَيْء إِلَّا إِذا قصد الْحَج وَقَالَ شَيخنَا زين الدّين لَا وَجه لتفرقته بَين مَكَّة وَسَائِر أَجزَاء الْحرم فَإِنَّهَا من أَجزَاء الْحرم لَا جرم أَن الرَّافِعِيّ تعقبه فَقَالَ وَلَو قَالَ أَمْشِي إِلَى الْحرم أَو إِلَى الْمَسْجِد الْحَرَام أَو إِلَى مَكَّة أَو ذكر بقْعَة أُخْرَى من بقاع الْحرم كالصفا والمروة وَمَسْجِد الْخيف وَمنى والمزدلفة ومقام إِبْرَاهِيم عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام وقبة زَمْزَم وَغَيرهَا فَهُوَ كَمَا لَو قَالَ إِلَى بَيت الله الْحَرَام حَتَّى لَو قَالَ آتِي دَار أبي جهل أَو دَار الخيزران كَانَ الحكم كَذَلِك لشمُول حُرْمَة الْحرم لَهُ بتنفير الصَّيْد وَغَيره وَعَن أبي حنيفَة أَنه لَا يلْزم الْمَشْي إِلَّا أَن يَقُول إِلَى بَيت الله الْحَرَام أَو قَالَ مَكَّة أَو إِلَى الْكَعْبَة أَو إِلَى مقَام إِبْرَاهِيم عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام وَحكى الرَّافِعِيّ عَن القَاضِي ابْن كج أَنه قَالَ إِذا نذر أَن يزور قبر النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فعندي أَنه يلْزمه الْوَفَاء وَجها وَاحِدًا قَالَ وَلَو نذر أَن يزور قبر غَيره فَفِيهِ وَجْهَان عِنْدِي وَقَالَ القَاضِي عِيَاض وَأَبُو مُحَمَّد الْجُوَيْنِيّ من الشَّافِعِيَّة أَنه يحرم شدّ الرّحال إِلَى غير الْمَسَاجِد الثَّلَاثَة لمقْتَضى النَّهْي وَقَالَ النَّوَوِيّ وَهُوَ غلط وَالصَّحِيح عِنْد أَصْحَابنَا وَهُوَ الَّذِي اخْتَارَهُ إِمَام الْحَرَمَيْنِ والمحققون أَنه لَا يحرم وَلَا يكره وَقَالَ الْخطابِيّ لَا تشد لَفظه خبر وَمَعْنَاهُ الْإِيجَاب فِيمَا نَذره الْإِنْسَان من الصَّلَاة فِي الْبِقَاع الَّتِي يتبرك بهَا أَي لَا يلْزم الْوَفَاء بِشَيْء من ذَلِك حَتَّى يشد الرحل لَهُ وَيقطع الْمسَافَة إِلَيْهِ غير هَذِه الثَّلَاثَة الَّتِي هِيَ مَسَاجِد الْأَنْبِيَاء عَلَيْهِم الصَّلَاة وَالسَّلَام فَأَما إِذا نذر الصَّلَاة فِي غَيرهَا من الْبِقَاع فَإِن لَهُ الْخِيَار فِي أَن يَأْتِيهَا أَو يُصليهَا فِي مَوْضِعه لَا يرحل إِلَيْهَا قَالَ والشد إِلَى الْمَسْجِد الْحَرَام فرض لِلْحَجِّ وَالْعمْرَة وَكَانَ تشد الرّحال إِلَى مَسْجِد رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فِي حَيَاته لِلْهِجْرَةِ وَكَانَت وَاجِبَة على الْكِفَايَة وَأما إِلَى بَيت الْمُقَدّس فَإِنَّمَا هُوَ فَضِيلَة واستحباب وَأول بَعضهم معنى الحَدِيث على وَجه آخر وَهُوَ أَن لَا يرحل فِي الِاعْتِكَاف إِلَّا إِلَى هَذِه الثَّلَاثَة فقد ذهب بعض السّلف إِلَى أَن الِاعْتِكَاف لَا يَصح إِلَّا فِيهَا دون سَائِر الْمَسَاجِد وَقَالَ شَيخنَا زين الدّين من أحسن محامل هَذَا الحَدِيث أَن المُرَاد مِنْهُ حكم الْمَسَاجِد فَقَط وَأَنه لَا يشد الرحل إِلَى مَسْجِد من الْمَسَاجِد غير هَذِه الثَّلَاثَة فَأَما قصد غير الْمَسَاجِد من الرحلة فِي طلب الْعلم وَفِي التِّجَارَة والتنزه وزيارة الصَّالِحين والمشاهد وزيارة الإخوان وَنَحْو ذَلِك فَلَيْسَ دَاخِلا فِي النَّهْي وَقد ورد ذَلِك مُصَرحًا بِهِ فِي بعض طرق الحَدِيث فِي مُسْند أَحْمد حَدثنَا هَاشم حَدثنَا عبد الحميد حَدثنِي شهر سَمِعت أَبَا سعيد الْخُدْرِيّ رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ وَذكر عِنْده صَلَاة فِي الطّور فَقَالَ قَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - " لَا يَنْبَغِي للمطي أَن يشد رحاله إِلَى مَسْجِد يَبْتَغِي فِيهِ الصَّلَاة غير الْمَسْجِد الْحَرَام وَالْمَسْجِد الْأَقْصَى ومسجدي هَذَا " وَإِسْنَاده حسن وَشهر بن حَوْشَب وَثَّقَهُ جمَاعَة من الْأَئِمَّة وَفِيه الْمَذْكُور الْمَسْجِد الْحَرَام وَلَكِن المُرَاد جَمِيع الْحرم وَقيل يخْتَص بالموضع الَّذِي يصلى فِيهِ دون الْبيُوت وَغَيرهَا من أَجزَاء الْحرم وَقَالَ الطَّبَرِيّ ويتأيد بقوله " مَسْجِدي هَذَا " لِأَن الْإِشَارَة فِيهِ إِلَى مَسْجِد الْجَمَاعَة فَيَنْبَغِي أَن يكون الْمُسْتَثْنى كَذَلِك وَقيل المُرَاد بِهِ الْكَعْبَة ويتأيد بِمَا رَوَاهُ النَّسَائِيّ بِلَفْظ " إِلَّا الْكَعْبَة " ورد بِأَن الَّذِي عِنْد النَّسَائِيّ " إِلَّا مَسْجِد الْكَعْبَة " حَتَّى لَو كَانَت لَفْظَة مَسْجِد غير مَذْكُورَة لكَانَتْ مُرَادة
213 - (حَدثنَا عبد الله بن يُوسُف قَالَ أخبرنَا مَالك عَن زيد بن رَبَاح وَعبيد الله بن أبي عبد الله الْأَغَر عَن أبي عبد الله الْأَغَر عَن أبي هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ أَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ صَلَاة فِي مَسْجِدي هَذَا خير من ألف صَلَاة فِيمَا سواهُ إِلَّا الْمَسْجِد الْحَرَام) مطابقته للتَّرْجَمَة تظهر من متن الحَدِيث. (ذكر رِجَاله) وهم سِتَّة. الأول عبد الله بن يُوسُف أَبُو مُحَمَّد التنيسِي قد ذكر غير مرّة. الثَّانِي مَالك بن أنس. الثَّالِث زيد بن رَبَاح بِفَتْح الرَّاء وَتَخْفِيف الْبَاء الْمُوَحدَة وَبِالْحَاءِ الْمُهْملَة مَاتَ سنة إِحْدَى وَثَلَاثِينَ وَمِائَة. الرَّابِع عبيد الله بن عبد الله بتصغير الابْن. الْخَامِس أَبُو عبد الله واسْمه سلمَان الْأَغَر بِفَتْح الْهمزَة وَفتح الْغَيْن الْمُعْجَمَة وَتَشْديد الرَّاء وكنيته أَبُو عبد الله كَانَ قَاصا من أهل الْمَدِينَة وَكَانَ رَضِي. السَّادِس أَبُو هُرَيْرَة

(7/254)


(ذكر لطائف إِسْنَاده) فِيهِ التحديث بِصِيغَة الْجمع فِي مَوضِع والإخبار كَذَلِك فِي مَوضِع وَفِيه العنعنة فِي ثَلَاثَة مَوَاضِع وَفِيه القَوْل فِي مَوضِع وَاحِد وَفِيه أَن شَيْخه من أَفْرَاده وَأَصله من دمشق والبقية مدنيون وَفِيه رِوَايَة مَالك عَن شيخين روى عَنْهُمَا جَمِيعًا مقرونين وهما زيد وَعبيد الله وَفِيه رِوَايَة الابْن عَن الْأَب وَهُوَ عبيد الله يروي عَن أَبِيه أبي عبد الله سلمَان وَأَن عبيد الله الَّذِي يروي عَنهُ مَالك من أَفْرَاده وَقد روى هَذَا الحَدِيث عَن أبي هُرَيْرَة غير الْأَغَر رَوَاهُ عَنهُ سعيد وَأَبُو صَالح وَعبد الله بن إِبْرَاهِيم بن قارظ وَأَبُو سَلمَة وَعَطَاء وَقَالَ أَبُو عمر لم يخْتَلف على مَالك فِي إِسْنَاد هَذَا الحَدِيث فِي الْمُوَطَّأ وَرَوَاهُ مُحَمَّد بن سَلمَة المَخْزُومِي عَن مَالك عَن ابْن شهَاب عَن أنس وَهُوَ غلط فَاحش وَإِسْنَاده مقلوب وَلَا يَصح فِيهِ عَن مَالك إِلَّا حَدِيث فِي الْمُوَطَّأ يَعْنِي الْمَذْكُور آنِفا قَالَ وَقد روى عَن أبي هُرَيْرَة من طرق متواتر كلهَا صِحَاح ثَابِتَة (ذكر من أخرجه غَيره) أخرجه مُسلم فِي الْمَنَاسِك عَن إِسْحَق بن مَنْصُور وَأخرجه التِّرْمِذِيّ فِي الصَّلَاة عَن إِسْحَق الْأنْصَارِيّ عَن معن عَن مَالك وَعَن قُتَيْبَة عَن مَالك وَأخرجه النَّسَائِيّ فِي الْحَج عَن عَمْرو بن عَليّ عَن غنْدر وَأخرجه ابْن مَاجَه فِي الصَّلَاة عَن أبي مُصعب الزُّهْرِيّ عَن مَالك وَلما أخرجه التِّرْمِذِيّ قَالَ وَفِي الْبَاب عَن عَليّ ومَيْمُونَة وَأبي سعيد وَجبير بن مطعم وَعبد الله بن الزبير وَابْن عمر وَأبي ذَر. وَحَدِيث عَليّ رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ رَوَاهُ الْبَزَّار فِي مُسْنده من رِوَايَة سَلمَة بن وردان عَن عَليّ بن أبي طَالب رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ وَأبي هُرَيْرَة رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - " مَا بَين قَبْرِي ومنبري رَوْضَة من رياض الْجنَّة وَصَلَاة فِي مَسْجِدي أفضل من ألف صَلَاة فِيمَا سواهُ إِلَّا الْمَسْجِد الْحَرَام " وَسَلَمَة بن وردان ضَعِيف وَلم يسمع من عَليّ. وَحَدِيث مَيْمُونَة رَوَاهُ مُسلم وَالنَّسَائِيّ من رِوَايَة ابْن عَبَّاس " عَن مَيْمُونَة قَالَت سَمِعت رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - يَقُول صَلَاة فِيهِ أفضل من ألف صَلَاة فِيمَا سواهُ من الْمَسَاجِد إِلَّا مَسْجِد الْكَعْبَة " وَفِي أول الحَدِيث قصَّة. وَحَدِيث أبي سعيد رَوَاهُ أَبُو يعلى الْموصِلِي فِي مُسْنده من رِوَايَة سهم بن منْجَاب عَن قزعة " عَن أبي سعيد قَالَ ودع رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - رجلا فَقَالَ لَهُ أَيْن تُرِيدُ قَالَ أُرِيد بَيت الْمُقَدّس فَقَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - صَلَاة فِي مَسْجِدي هَذَا أفضل من مائَة صَلَاة فِي غَيره إِلَّا الْمَسْجِد الْحَرَام " وَإِسْنَاده صَحِيح. وَحَدِيث جُبَير بن مطعم رَوَاهُ أَحْمد وَالْبَزَّار وَأَبُو يعلى فِي مسانيدهم وَالطَّبَرَانِيّ فِي الْكَبِير من رِوَايَة مُحَمَّد بن طَلْحَة بن ركانه عَن جُبَير بن مطعم قَالَ قَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - " صَلَاة فِي مَسْجِدي هَذَا " فَذكره وَمُحَمّد بن طَلْحَة لم يسمع من جُبَير وَحَدِيث عبد الله بن الزبير رَوَاهُ أَحْمد وَالْبَزَّار وَالطَّبَرَانِيّ وَابْن حبَان فِي صَحِيحه من رِوَايَة عَطاء بن أبي رَبَاح عَن عبد الله بن الزبير قَالَ قَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - " صَلَاة فِي مَسْجِدي هَذَا أفضل من ألف صَلَاة فِيمَا سواهُ من الْمَسَاجِد إِلَّا الْمَسْجِد الْحَرَام وَصَلَاة فِي الْمَسْجِد الْحَرَام أفضل من مائَة صَلَاة فِي مَسْجِدي هَذَا ". وَحَدِيث ابْن عمر أخرجه مُسلم وَابْن مَاجَه من رِوَايَة عبيد الله بن عمر عَن نَافِع عَن ابْن عمر رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا قَالَ " صَلَاة فِي مَسْجِدي هَذَا " الحَدِيث. وَحَدِيث أبي ذَر رَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ فِي الْأَوْسَط من رِوَايَة قَتَادَة عَن أبي الْخَلِيل عَن عبد الله بن الصَّامِت " عَن أبي ذَر قَالَ تَذَاكرنَا وَنحن عِنْد رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَيهمَا أفضل مَسْجِد رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَو بَيت الْمُقَدّس فَقَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - صَلَاة فِي مَسْجِدي أفضل من أَربع صلوَات فِيهِ ولنعم الْمصلى " (قلت) وَفِي الْبَاب عَن الأرقم بن أبي الأرقم روى حَدِيثه أَحْمد وَالطَّبَرَانِيّ من رِوَايَة عُثْمَان بن عبد الله بن الأرقم عَن جده الأرقم زَاد الطَّبَرَانِيّ " وَكَانَ بَدْرِيًّا أَنه جَاءَ إِلَى رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فَسلم عَلَيْهِ فَقَالَ أَيْن تُرِيدُ فَقَالَ أردْت يَا رَسُول الله هَهُنَا وَأَوْمَأَ بِيَدِهِ إِلَى حيّز بَيت الْمُقَدّس قَالَ مَا يخْرجك إِلَيْهِ أتجارة فَقَالَ قلت لَا وَلَكِن أردْت الصَّلَاة فِيهِ قَالَ الصَّلَاة هَهُنَا وَأَوْمَأَ بِيَدِهِ إِلَى مَكَّة خير من ألف صَلَاة وَأَوْمَأَ بِيَدِهِ إِلَى الشَّام " لفظ أَحْمد وَقَالَ الطَّبَرَانِيّ " صَلَاة هَهُنَا خير من ألف صَلَاة ثمَّة " وَرِجَال إِسْنَاده عِنْده ثِقَات وَفِي إِسْنَاد أَحْمد بن يحيى بن عمرَان جَهله أَبُو حَاتِم وَفِيه عَن أنس روى حَدِيثه الْبَزَّار وَالطَّبَرَانِيّ فِي الْأَوْسَط من رِوَايَة أبي بَحر البكراوي عَن عبيد الله بن أبي زِيَاد القداح عَن حَفْص بن عبد الله بن أنس عَن أنس رَضِي الله عَنهُ قَالَ قَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - " صَلَاة فِي مَسْجِدي هَذَا أفضل من ألف صَلَاة فِيمَا سواهُ إِلَّا الْمَسْجِد الْحَرَام " وَأَبُو بَحر وَثَّقَهُ أَحْمد وَأَبُو دَاوُد وَتكلم فِيهِ غَيرهَا ولأنس حَدِيث آخر مُخَالف لما تقدم فِي الثَّوَاب فِي الصَّلَاة فِيهِ رَوَاهُ ابْن مَاجَه من

(7/255)


رِوَايَة رُزَيْق الْأَلْهَانِي عَن أنس قَالَ قَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - " صَلَاة الرجل فِي بَيته بِصَلَاة وَصلَاته فِي مَسْجِد الْقَبَائِل بِخمْس وَعشْرين صَلَاة وَصلَاته فِي الْمَسْجِد الَّذِي يجمع فِيهِ بِخَمْسِمِائَة صَلَاة وَصلَاته فِي الْمَسْجِد الْأَقْصَى بِخَمْسِينَ ألف صَلَاة وَصلَاته فِي مَسْجِدي بِخَمْسِينَ ألف صَلَاة وَصلَاته فِي الْمَسْجِد الْحَرَام بِمِائَة ألف صَلَاة " وَفِيه أَبُو الْخطاب الدِّمَشْقِي يحْتَاج إِلَى الْكَشْف وَفِيه عَن جَابر روى حَدِيثه ابْن ماجة من رِوَايَة عبد الْكَرِيم الْجَزرِي عَن عَطاء عَن جَابر أَن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ " صَلَاة فِي مَسْجِدي أفضل من مائَة ألف صَلَاة فِيمَا سواهُ إِلَّا الْمَسْجِد الْحَرَام وَصَلَاة فِي الْمَسْجِد الْحَرَام أفضل من مائَة ألف صَلَاة فِيمَا سواهُ " وَإِسْنَاده جيد وَفِيه عَن سعد بن أبي وَقاص روى حَدِيثه أَحْمد وَالْبَزَّار وَأَبُو يعلى فِي مسانيدهم من رِوَايَة عبد الرَّحْمَن بن أبي الزِّنَاد عَن مُوسَى بن عقبَة عَن أبي عبد الله الْقَرَّاظ عَن سعد بن أبي وَقاص أَن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ " صَلَاة فِي مَسْجِدي هَذَا خير من ألف صَلَاة فِيمَا سواهُ إِلَّا الْمَسْجِد الْحَرَام " وَفِيه عَن أبي الدَّرْدَاء أخرج حَدِيثه الطَّبَرَانِيّ من رِوَايَة أم الدَّرْدَاء عَن أبي الدَّرْدَاء قَالَ قَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - " الصَّلَاة فِي الْمَسْجِد الْحَرَام بِمِائَة ألف صَلَاة وَالصَّلَاة فِي مَسْجِدي بِأَلف صَلَاة وَالصَّلَاة فِي بَيت الْمُقَدّس بِخَمْسِمِائَة صَلَاة " وَإِسْنَاده حسن وَفِيه عَن عَائِشَة رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا روى حَدِيثهَا التِّرْمِذِيّ فِي الْعِلَل الْكَبِير قَالَت قَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - " صَلَاة فِي مَسْجِدي أفضل من ألف صَلَاة فِيمَا سواهُ " فَافْهَم (ذكر مَعْنَاهُ) قَوْله " فِي مَسْجِدي هَذَا " بِالْإِشَارَةِ يدل على أَن تَضْعِيف الصَّلَاة فِي مَسْجِد الْمَدِينَة يخْتَص بمسجده عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام الَّذِي كَانَ فِي زَمَانه مَسْجِدا دون مَا أحدث فِيهِ بعده من الزِّيَادَة فِي زمن الْخُلَفَاء الرَّاشِدين وبعدهم تَغْلِيبًا لاسم الاشارة وَبِه صرح النَّوَوِيّ فَخص التَّضْعِيف بذلك بِخِلَاف الْمَسْجِد الْحَرَام فَإِنَّهُ لَا يخْتَص بِمَا كَانَ لظَاهِر الْمَسْجِد دون بَاقِيه لِأَن الْكل يعمه اسْم الْمَسْجِد الْحَرَام (قلت) إِذا اجْتمع الِاسْم وَالْإِشَارَة هَل تغلب الْإِشَارَة أَو الِاسْم فِيهِ خلاف فَمَال النَّوَوِيّ إِلَى تَغْلِيب الْإِشَارَة فعلى هَذَا قَالَ إِذا قَالَ الْمَأْمُوم نَوَيْت الِاقْتِدَاء بزيد فَإِذا هُوَ عَمْرو يَصح اقْتِدَاؤُهُ تَغْلِيبًا للْإِشَارَة وَجزم ابْن الرّفْعَة بِعَدَمِ الصِّحَّة وَقَالَ لِأَن مَا يجب تَعْيِينه إِذا عينه وَأَخْطَأ فِي التَّعْيِين أفسد الْعِبَادَة وَأما مَذْهَبنَا فِي هَذَا فَالَّذِي يظْهر من قَوْلهم إِذا اقْتدى بفلان بِعَيْنِه ثمَّ ظهر أَنه غَيره لَا يجْزِيه إِذْ الِاسْم يغلب الْإِشَارَة قَوْله " إِلَّا الْمَسْجِد الْحَرَام " قَالَ الْكرْمَانِي الِاسْتِثْنَاء يحْتَمل أمورا ثَلَاثَة أَن يكون مُسَاوِيا لمَسْجِد الرَّسُول وَأفضل مِنْهُ وأدون مِنْهُ بِأَن يرادان فِي مَسْجِد الْمَدِينَة لَيْسَ خيرا مِنْهُ بِأَلف صَلَاة بل خير مِنْهُ بتسعمائة مثلا وَنَحْوه وَقَالَ ابْن بطال يجوز فِي هَذَا الِاسْتِثْنَاء أَن يكون المُرَاد فَإِنَّهُ مسَاوٍ لمَسْجِد الْمَدِينَة أَو فَاضلا أَو مفضولا وَالْأول أرجح لِأَنَّهُ لَو كَانَ فَاضلا أَو مفضولا لم يعلم مِقْدَار ذَلِك إِلَّا بِدَلِيل بِخِلَاف الْمُسَاوَاة قيل يجوز أَن يكون حَدِيث عبد الله بن الزبير الَّذِي تقدم ذكره دَلِيلا على الثَّانِي وَقَالَ ابْن عبد الْبر اخْتلفُوا فِي تَأْوِيله وَمَعْنَاهُ فَقَالَ أَبُو بكر عبد الله بن نَافِع صَاحب مَالك مَعْنَاهُ أَن الصَّلَاة فِي مَسْجِد رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أفضل من الصَّلَاة فِي الْكَعْبَة بِأَلف دَرَجَة وَأفضل من الصَّلَاة فِي سَائِر الْمَسَاجِد بِأَلف صَلَاة وَقَالَ بذلك جمَاعَة من المالكيين وَرَوَاهُ بَعضهم عَن مَالك وَقَالَ عَامَّة أهل الْفِقْه والأثر أَن الصَّلَاة فِي الْمَسْجِد الْحَرَام أفضل من الصَّلَاة فِيهِ لظَاهِر الْأَحَادِيث الْمَذْكُورَة فِيهِ على أَن أَمِيري الْمُؤمنِينَ عمر بن الْخطاب وَعبد الله بن الزبير رَضِي الله عَنْهُم قَالَا على الْمِنْبَر مَا رَوَاهُ أَبُو عمر حَدثنَا أَحْمد بن قَاسم حَدثنَا ابْن أبي دلهم حَدثنَا ابْن وضاح حَدثنَا حَامِد بن يحيى حَدثنَا سُفْيَان حَدثنَا زِيَاد بن سعد أَبُو عبد الرَّحْمَن الْخُرَاسَانِي وَكَانَ ثبتا فِي الحَدِيث إملاء أَخْبرنِي سُلَيْمَان بن عَتيق سَمِعت ابْن الزبير على الْمِنْبَر يَقُول سَمِعت عمر بن الْخطاب يَقُول " صَلَاة فِي الْمَسْجِد الْحَرَام أفضل من مائَة ألف صَلَاة فِيمَا سواهُ من الْمَسَاجِد " وَلم يرد أحد قَوْلهمَا وهم الْقَوْم لَا يسكتون على مَا لَا يعْرفُونَ وَعند بَعضهم يكون هَذَا كالإجماع وعَلى قَول ابْن نَافِع يلْزم أَن يُقَال أَن الصَّلَاة فِي مَسْجِد النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أفضل من الصَّلَاة فِي الْمَسْجِد الْحَرَام بتسعمائة ضعف وَتِسْعَة وَتِسْعين ضعفا وَإِذا كَانَ كَذَلِك لم يكن لِلْمَسْجِدِ الْحَرَام فضل على سَائِر الْمَسَاجِد إِلَّا بالجزء اللَّطِيف وَلَا دَلِيل لقَوْل ابْن نَافِع وكل قَول لَا تعضده حجَّة فَهُوَ سَاقِط وَقَالَ الْقُرْطُبِيّ اخْتلف فِي اسْتثِْنَاء الْمَسْجِد الْحَرَام هَل ذَلِك أَنه أفضل من مَسْجده أَو هُوَ لِأَن الْمَسْجِد الْحَرَام أفضل من غير مَسْجده - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فَإِنَّهُ أفضل الْمَسَاجِد كلهَا وَهَذَا الْخلاف فِي أَي البلدين أفضل فَذهب عمر وَبَعض الصَّحَابَة وَمَالك وَأكْثر الْمَدَنِيين إِلَى تَفْضِيل

(7/256)


الْمَدِينَة وحملوا الِاسْتِثْنَاء فِي مَسْجِد الْمَدِينَة بِأَلف صَلَاة على الْمَسَاجِد كلهَا إِلَّا الْمَسْجِد الْحَرَام فبأقل من الْألف وَاحْتَجُّوا بِمَا قَالَ عمر رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ وَلَا يَقُول عمر هَذَا من تِلْقَاء نَفسه فعلى هَذَا تكون فَضِيلَة مَسْجِد الْمَدِينَة على الْمَسْجِد الْحَرَام بتسعمائة وعَلى غَيره بِأَلف وَذهب الْكُوفِيُّونَ والمكيون وَابْن وهب وَابْن حبيب إِلَى تَفْضِيل مَكَّة وَلَا شكّ أَن الْمَسْجِد الْحَرَام مُسْتَثْنى من قَوْله من الْمَسَاجِد وَهِي بالِاتِّفَاقِ مفضولة والمستثنى من الْمَفْضُول مفضول إِذا سكت عَلَيْهِ فالمسجد الْحَرَام مفضول لكنه يُقَال مفضول بِأَلف لِأَنَّهُ قد اسْتَثْنَاهُ مِنْهَا فَلَا بُد أَن يكون لَهُ مزية على غَيره من الْمَسَاجِد وَلم يعينها الشَّارِع فَيتَوَقَّف فِيهَا أَو يعْتَمد على قَول عمر رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ وَيدل على صِحَة مَا قُلْنَاهُ قَوْله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - " فَإِنِّي آخر الْأَنْبِيَاء ومسجدي آخر الْمَسَاجِد " فَربط الْكَلَام بفاء التَّعْلِيل مشْعر بِأَن مَسْجده إِنَّمَا فضل على الْمَسَاجِد كلهَا لِأَنَّهُ مُتَأَخّر عَنْهَا ومنسوب إِلَى نَبِي مُتَأَخّر عَن الْأَنْبِيَاء عَلَيْهِم الصَّلَاة وَالسَّلَام فِي الزَّمَان وَقَالَ عِيَاض أَجمعُوا على أَن مَوضِع قَبره - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أفضل بقاع الأَرْض وَاخْتلفُوا فِي أفضلهما مَا عدا مَوضِع الْقَبْر فَمن ذهب إِلَى تَفْضِيل مَكَّة احْتج بِحَدِيث عبد الله بن عدي بن الْحَمْرَاء سمع رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - يَقُول وَهُوَ وَاقِف على رَاحِلَته بِمَكَّة " وَالله إِنَّك لخير الأَرْض وَأحب أَرض الله إِلَى الله وَلَوْلَا أَنِّي أخرجت مِنْك مَا خرجت " صَححهُ ابْن حبَان وَالْحَاكِم وَالتِّرْمِذِيّ والطوسي فِي آخَرين وَعند أَحْمد عَن أبي هُرَيْرَة بِسَنَد جيد قَالَ " وقف رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - بالخرورة فَقَالَ علمت أَنَّك خير أَرض وَأحب أَرض الله إِلَى الله عز وَجل " وَعَن ابْن عَبَّاس قَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - لمَكَّة " مَا أطيبك من بلد وَأَحَبَّك إِلَيّ " الحَدِيث قَالَ التِّرْمِذِيّ حَدِيث صَحِيح غَرِيب وَعند أبي دَاوُد حَدثنَا أَحْمد بن صَالح حَدثنَا عَنْبَسَة حَدثنِي يُونُس وَابْن سمْعَان عَن ابْن شهَاب عَن عُرْوَة " عَن عَائِشَة رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا أَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ بِالْمَدِينَةِ وَرفع يَدَيْهِ حَتَّى رَأْي بَيَاض إبطَيْهِ اللَّهُمَّ أَنْت بيني وَبَين فلَان وَفُلَان لرجال سماهم فَإِنَّهُم أَخْرجُونِي من مَكَّة هِيَ أحب أَرض الله إِلَيّ " قَالَ أَبُو عَمْرو قد روى عَن مَالك مَا يدل على أَن مَكَّة أفضل الأَرْض كلهَا لَكِن الْمَشْهُور عَن أَصْحَابه فِي مذْهبه تَفْضِيل الْمَدِينَة وَاخْتلفُوا هَل يُرَاد بِالصَّلَاةِ هُنَا الْفَرْض أَو هُوَ عَام فِي النَّفْل وَالْفَرْض وَإِلَى الأول ذهب الطَّحَاوِيّ وَإِلَى الثَّانِي ذهب مطرف الْمَالِكِي وَقَالَ النَّوَوِيّ مَذْهَبنَا يعم الْفَرْض وَالنَّفْل جَمِيعًا ثمَّ إِن فضل هَذِه الصَّلَاة فِي هَذِه الْمَسَاجِد يرجع إِلَى الثَّوَاب وَلَا يتَعَدَّى ذَلِك إِلَّا الْإِجْزَاء عَن الْفَوَائِت حَتَّى لَو كَانَ عَلَيْهِ صلاتان فصلى فِي مَسْجِد الْمَدِينَة صَلَاة لم تجزه عَنْهُمَا وَهَذَا لَا خلاف فِيهِ (فَإِن قلت) سَبَب التَّفْضِيل هَل ينْحَصر فِي كَثْرَة الثَّوَاب على الْعَمَل أم لَا (قلت) قيل لَا ينْحَصر كتفضيل جلد الْمُصحف على سَائِر الْجُلُود (فَإِن قلت) مَا سَبَب تَفْضِيل الْبقْعَة الَّتِي ضمت أعضاءه الشَّرِيفَة (قلت) قيل أَن الْمَرْء يدْفن فِي الْبقْعَة الَّتِي أَخذ مِنْهَا ترابه عِنْدَمَا يخلق رَوَاهُ ابْن عبد الْبر من طَرِيق عَطاء الْخُرَاسَانِي مَوْقُوفا فِي كِتَابه التَّمْهِيد (قلت) روى الزبير بن بكار أَن جِبْرِيل عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام أَخذ التُّرَاب الَّذِي خلق مِنْهُ النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - من تُرَاب الْكَعْبَة فعلى هَذَا فَتلك الْبقْعَة من تُرَاب الْكَعْبَة فَيرجع الْفضل الْمَذْكُور إِلَى مَكَّة إِن صَحَّ ذَلِك (فَإِن قلت) هَل يخْتَص تَضْعِيف الصَّلَاة بِنَفس الْمَسْجِد الْحَرَام أَو يعم جَمِيع مَكَّة من الْمنَازل والشعاب وَغير ذَلِك أم يعم جَمِيع الْحرم الَّذِي يحرم صَيْده (قلت) فِيهِ خلاف وَالصَّحِيح عِنْد الشَّافِعِيَّة أَنه يعم جَمِيع مَكَّة وَصحح النَّوَوِيّ أَنه جَمِيع الْحرم

(بَاب مَسْجِد قبَاء)
أَي هَذَا بَاب فِي بَيَان فضل مَسْجِد قبَاء بِضَم الْقَاف ذكره ابْن سَيّده فِي الْمُحكم والمخصص أَن قبَاء بِالْمدِّ وَلم يحك غَيره يصرف وَلَا يصرف وَقَالَ الْبكْرِيّ من الْعَرَب من يذكرهُ ويصرفه وَمِنْهُم من يؤنثه وَلَا يصرفهُ وَقَالَ ابْن الْأَنْبَارِي وقاسم فِي كتاب الدَّلَائِل وَقد جَاءَت قبا مَقْصُورَة وأنشدا
(وَلَا يعنيكم قبا وعوارضنا ... وَلَا قبلن الْخَيل لابة ضرغد)
وَهَذَا وهم مِنْهَا لِأَن الَّذِي فِي الْبَيْت إِنَّمَا هُوَ قِنَا بنُون بعد الْقَاف وَهُوَ جبل فِي ديار بني ذبيان كَذَا أنْشدهُ الروَاة الموثوق

(7/257)


بروايتهم ونقلهم فِي هَذَا الْبَيْت (قلت) وَلَئِن سلمنَا أَنه قبا بِالْبَاء الْمُوَحدَة فَيجوز أَن يكون الْقصر فِيهِ للضَّرُورَة وَأنكر السكرِي الْقصر فِيهِ وَلم يحك فِيهِ أَبُو عَليّ سوى الْمَدّ وَذكر فِي الموعب عَن صَاحب الْعين قصره قَالَ ياقوت هُوَ قَرْيَة على ميلين من الْمَدِينَة على يسَار القاصد إِلَى مَكَّة بِهِ أثر بُنيان وَهُنَاكَ مَسْجِد التَّقْوَى وَقَالَ الرشاطي بَينهَا وَبَين الْمَدِينَة سِتَّة أَمْيَال وَلما نزل بهَا رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وانتقل إِلَى الْمَدِينَة اختط النَّاس بهَا الخطط واتصل الْبُنيان بعضه بِبَعْض حَتَّى صَارَت مَدِينَة وَقَالَ ابْن قرقول على ثَلَاثَة أَمْيَال من الْمَدِينَة وَقَالَ الْجَوْهَرِي يذكر وَيُؤَنث وَجزم صَاحب الْمُفْهم بالتذكير لِأَنَّهُ من قبوت أَو قبيت فَلَيْسَتْ همزته للتأنيث بل للإلحاق
214 - (حَدثنَا يَعْقُوب بن إِبْرَاهِيم قَالَ حَدثنَا ابْن علية قَالَ أخبرنَا أَيُّوب عَن نَافِع أَن ابْن عمر رَضِي الله عَنْهُمَا كَانَ لَا يُصَلِّي من الضُّحَى إِلَّا فِي يَوْمَيْنِ يَوْم يقدم بِمَكَّة فَإِنَّهُ كَانَ يقدمهَا ضحى فيطوف بِالْبَيْتِ ثمَّ يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ خلف الْمقَام وَيَوْم يَأْتِي مَسْجِد قبَاء فَإِنَّهُ كَانَ يَأْتِيهِ كل سبت فَإِذا دخل الْمَسْجِد كره أَن يخرج مِنْهُ حَتَّى يُصَلِّي فِيهِ. قَالَ وَكَانَ يحدث أَن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - كَانَ يزوره رَاكِبًا وماشيا. قَالَ وَكَانَ يَقُول لَهُ إِنَّمَا أصنع كَمَا رَأَيْت أَصْحَابِي يصنعون وَلَا أمنع أحدا أَن يُصَلِّي فِي أَي سَاعَة شَاءَ من ليل أَو نَهَار غير أَن لَا تتحروا طُلُوع الشَّمْس وَلَا غُرُوبهَا) مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة فَإِنَّهُ يدل على فضل مَسْجِد قبَاء والترجمة فِيهِ. (ذكر رِجَاله) وهم خَمْسَة. الأول يَعْقُوب بن إِبْرَاهِيم بن كثير يكنى أَبَا يُوسُف وَنسب إِلَى دورق وَلَيْسَ هُوَ وَلَا أَهله من بلد دورق وَإِنَّمَا كَانُوا يلبسُونَ قلانس تسمى الدورقية فنسبوا إِلَيْهَا. الثَّانِي ابْن علية بِضَم الْعين الْمُهْملَة وَفتح اللَّام وَتَشْديد الْيَاء آخر الْحُرُوف واسْمه إِسْمَاعِيل بن إِبْرَاهِيم بن سهم الْمَعْرُوف بِابْن علية وَهِي أمه. الثَّالِث أَيُّوب بن كيسَان السّخْتِيَانِيّ. الرَّابِع نَافِع مولى ابْن عمر. الْخَامِس عبد الله بن عمر. (ذكر لطائف إِسْنَاده) فِيهِ التحديث بِصِيغَة الْجمع فِي ثَلَاثَة مَوَاضِع وَفِيه العنعنة فِي مَوضِع وَاحِد وَفِيه القَوْل فِي ثَلَاثَة مَوَاضِع وَفِيه أَن السِّتَّة مشاركون فِي الرِّوَايَة عَن يَعْقُوب شَيْخه وَفِيه أَن أصل ابْن علية من الْكُوفَة وَأَن أَيُّوب بَصرِي وَنَافِع مدنِي وَفِيه أَن أَيُّوب رأى أنس بن مَالك فعلى قَول من يَجعله من التَّابِعين يكون فِيهِ رِوَايَة التَّابِعِيّ عَن التَّابِعِيّ عَن الصَّحَابِيّ (ذكر تعدد مَوْضِعه وَمن أخرجه غَيره) أخرجه البُخَارِيّ أَيْضا فِي الصَّلَاة عَن أبي النُّعْمَان عَن حَمَّاد عَنهُ بِبَعْضِه وَأخرجه مُسلم فِي الْحَج عَن أَحْمد بن منيع عَن إِسْمَاعِيل بِبَعْضِه وَرَوَاهُ مُسلم وَأَبُو دَاوُد مُتَّصِلا وَالْبُخَارِيّ تَعْلِيقا من رِوَايَة عبد الله بن نمير عَن عبيد الله بن عمر عَن نَافِع " عَن ابْن عمر قَالَ كَانَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - يَأْتِي مَسْجِد قبَاء رَاكِبًا وماشيا فَيصَلي فِيهِ رَكْعَتَيْنِ " وَاتفقَ عَلَيْهِ الشَّيْخَانِ وَأَبُو دَاوُد أَيْضا من رِوَايَة يحيى بن سعيد عَن عبيد الله بن عمر فَذكره دون قَوْله " فَيصَلي فِيهِ رَكْعَتَيْنِ " وروى البُخَارِيّ وَمُسلم وَالنَّسَائِيّ من رِوَايَة عبد الله بن دِينَار " عَن ابْن عمر أَن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - كَانَ يَأْتِي قبَاء رَاكِبًا وماشيا " زَاد ابْن عُيَيْنَة وَعبد الْعَزِيز بن مُسلم " كل سبت " وروى التِّرْمِذِيّ وَابْن ماجة من حَدِيث أسيد بن ظهير الْأنْصَارِيّ وَكَانَ من أَصْحَاب النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - يحدث قَالَ الصَّلَاة فِي مَسْجِد قبَاء كعمرة وروى النَّسَائِيّ وَابْن ماجة من حَدِيث أُمَامَة بن سُهَيْل بن عنيف عَن أَبِيه عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ " من خرج حَتَّى يَأْتِي الْمَسْجِد مَسْجِد قبَاء فَيصَلي فِيهِ كَانَ لَهُ عدل عمْرَة " وروى الطَّبَرَانِيّ من رِوَايَة يزِيد بن عبد الْملك النَّوْفَلِي عَن سعيد بن إِسْحَاق بن كَعْب بن عجْرَة عَن أَبِيه عَن جده أَن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ " من تَوَضَّأ فأسبغ الْوضُوء ثمَّ عمد إِلَى مَسْجِد قبَاء لَا يُرِيد غَيره وَلَا يحملهُ على الغدو إِلَّا الصَّلَاة فِي مَسْجِد قبَاء فصلى فِيهِ أَربع رَكْعَات يقْرَأ فِي كل رَكْعَة بِأم الْقُرْآن كَانَ لَهُ كَأَجر الْمُعْتَمِر إِلَى

(7/258)


بَيت الله " وَيزِيد بن عبد الْملك ضَعِيف وروى الطَّبَرَانِيّ من رِوَايَة يحيى بن يعلى حَدثنَا نَاصح عَن سماك " عَن جَابر بن سَمُرَة قَالَ لما سَأَلَ أهل قبَاء النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَن يَبْنِي لَهُم مَسْجِدا قَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - ليقمْ بَعْضكُم فيركب النَّاقة فَقَامَ أَبُو بكر رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ فركبها فحركها فَلم تنبعث فَرجع فَقعدَ فَقَامَ عمر فركبها فحركها فَلم تنبعث فَرجع فَقعدَ فَقَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - ليقمْ بَعْضكُم فيركب النَّاقة فَقَامَ عَليّ رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ فَلَمَّا وضع رجله فِي غرز الركاب انبعثت بِهِ قَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - يَا عَليّ أرخ زمامها وَابْنُوا على مدارها فَإِنَّهَا مأمورة " وَيحيى بن يعلى ضَعِيف وروى الطَّبَرَانِيّ أَيْضا من رِوَايَة سُوَيْد بن عَامر بن يزِيد بن جَارِيَة " عَن الشمرس بنت النُّعْمَان قَالَت نظرت إِلَى رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - حِين قدم وَنزل وَأسسَ هَذَا الْمَسْجِد مَسْجِد قبَاء فرأيته يَأْخُذ الْحجر أَو الصَّخْرَة حَتَّى يهصره الْحجر فَانْظُر إِلَى بَيَاض التُّرَاب على بَطْنه أَو سرته فَيَأْتِي الرجل من أَصْحَابه وَيَقُول بِأبي وَأمي يَا رَسُول الله أَعْطِنِي أكفك فَيَقُول لأخذ مثله حَتَّى أسسه " وَيُقَال أَن جِبْرِيل عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام هُوَ يؤم الْكَعْبَة قَالَت فَكَانَ يُقَال أَنه أقدم مَسْجِد قبْلَة وسُويد بن عَامر ذكره ابْن حبَان فِي الثِّقَات وَبَاقِي رِجَاله أَيْضا ثِقَات (ذكر مَعْنَاهُ) قَوْله " هُوَ الدَّوْرَقِي " رِوَايَة أبي ذَر وَفِي رِوَايَة غَيره يَعْقُوب بن إِبْرَاهِيم فَقَط قَوْله " من الضُّحَى " أَي فِي الضُّحَى أَو من جِهَة الضُّحَى قَوْله " يَوْم يقدم " يجوز فِي يَوْم الرّفْع والجر أما الرّفْع فعلى أَنه خبر مُبْتَدأ مَحْذُوف أَي أَحدهمَا يَوْم يقدم فِيهِ مَكَّة وَأما الْجَرّ فعلى أَنه بدل من يَوْمَيْنِ وَيقدم بِضَم الدَّال قَوْله " فَإِنَّهُ كَانَ " أَي فَإِن ابْن عمر كَانَ يقدم مَكَّة ضحى أَي فِي ضحوة النَّهَار قَوْله " خلف الْمقَام " أَي مقَام إِبْرَاهِيم عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام قَوْله " وَيَوْم " عطف على يَوْم الأول وَيجوز فِيهِ الْوَجْهَانِ أَيْضا قَوْله " كَانَ يزوره " أَي يزور مَسْجِد قبَاء قَوْله " وَكَانَ يَقُول " أَي ابْن عمر قَوْله " وَلَا أمنع أحدا إِن صلى " بِفَتْح الْهمزَة لِأَنَّهَا مَصْدَرِيَّة وَالتَّقْدِير وَلَا أمنع أحدا الصَّلَاة قَوْله " لَا يتحروا " أَي لَا يقصدوا طُلُوع الشَّمْس مَعْنَاهُ لَا يصلوا وَقت طُلُوع الشَّمْس وَلَا وَقت غُرُوبهَا ويصلوا فِي غير هذَيْن الْوَقْتَيْنِ فِي أَي سَاعَة شاؤا (ذكر مَا يُسْتَفَاد مِنْهُ) فِيهِ دلَالَة على فضل قبَاء وَفضل الْمَسْجِد الَّذِي بهَا وَفضل الصَّلَاة فِيهِ. وَفِيه اسْتِحْبَاب زِيَارَة مَسْجِد قبَاء وَالصَّلَاة فِيهِ اقْتِدَاء بِالنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَكَذَلِكَ يسْتَحبّ أَن يكون يَوْم السبت (فَإِن قلت) مَا الْحِكْمَة فِي تَخْصِيص زيارته يَوْم السبت (قلت) قيل يحْتَمل أَن يُقَال لما كَانَ هُوَ أول مَسْجِد أسسه فِي أول الْهِجْرَة ثمَّ أسس مَسْجِد الْمَدِينَة بعده وَصَارَ مَسْجِد الْمَدِينَة هُوَ الَّذِي يجمع فِيهِ يَوْم الْجُمُعَة وتنزل أهل قبَاء وَأهل العوالي إِلَى الْمَدِينَة لصَلَاة الْجُمُعَة ويتعطل مَسْجِد قبَاء عَن الصَّلَاة فِيهِ وَقت الْجُمُعَة ناسب أَن يعقب يَوْم الْجُمُعَة بإتيان مَسْجِد قبَاء يَوْم السبت وَالصَّلَاة فِيهِ لما فَاتَهُ من الصَّلَاة فِيهِ يَوْم الْجُمُعَة وَكَانَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - حسن الْعَهْد وَقَالَ " حسن الْعَهْد من الْإِيمَان " وَيحْتَمل أَنه لما كَانَ أهل مَسْجِد قبَاء ينزلون إِلَى الْمَدِينَة يَوْم الْجُمُعَة ويحضرون الصَّلَاة مَعَه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَرَادَ مكافأتهم بِأَن يذهب إِلَى مَسْجِدهمْ فِي الْيَوْم الَّذِي يَلِيهِ وَكَانَ يحب مُكَافَأَة أَصْحَابه حَتَّى كَانَ يخدمهم بِنَفسِهِ وَيَقُول إِنَّهُم كَانُوا لِأَصْحَابِي مكرمين فَأَنا أحب أَن أكافئهم وَيحْتَمل أَنه كَانَ يَوْم السبت فَارغًا لنَفسِهِ فَكَانَ يشْتَغل فِي بَقِيَّة الْجُمُعَة بمصالح الْخلق من أول يَوْم الْأَحَد على القَوْل بِأَنَّهُ أول أَيَّام الْأُسْبُوع ويشتغل يَوْم الْجُمُعَة بالتجميع بِالنَّاسِ ويتفرغ يَوْم السبت لزيارة أَصْحَابه والمشاهد الشَّرِيفَة وَيحْتَمل أَنه لما كَانَ ينزل إِلَى الْجُمُعَة بعض أهل قبَاء ويتخلف بَعضهم مِمَّن لَا يجب عَلَيْهِ أَو يعْذر فَيفوت من لم يحضر مِنْهُم يَوْم الْجُمُعَة رُؤْيَته ومشاهدته تدارك ذَلِك بإتيانه مَسْجِد قبَاء ليجتمعوا إِلَيْهِ هُنَالك فَيحصل لَهُم من الغائبين يَوْم الْجُمُعَة نصِيبهم مِنْهُ يَوْم السبت. وَفِيه دَلِيل على جَوَاز تَخْصِيص بعض الْأَيَّام بِنَوْع من الْقرب وَهُوَ كَذَلِك إِلَّا فِي الْأَوْقَات الْمنْهِي عَنْهَا كالنهي عَن تَخْصِيص لَيْلَة الْجُمُعَة بِقِيَام من بَين اللَّيَالِي أَو تَخْصِيص يَوْم الْجُمُعَة بصيام من بَين الْأَيَّام وَقد روى عمر بن شيبَة فِي أَخْبَار الْمَدِينَة تأليفه من رِوَايَة ابْن الْمُنْكَدر " عَن جَابر كَانَ النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - يَأْتِي قبَاء صَبِيحَة سبع عشرَة من رَمَضَان " وروى من رِوَايَة الدَّرَاورْدِي " عَن شريك بن عبد الله كَانَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - يَأْتِي قبَاء يَوْم الِاثْنَيْنِ " وَقَالَ صَاحب الْمُفْهم وأصل مَذْهَب مَالك كَرَاهَة تَخْصِيص شَيْء من الْأَوْقَات بِشَيْء من الْقرب إِلَّا مَا ثَبت بِهِ تَوْقِيف. وَفِيه حجَّة على من كره تَخْصِيص زِيَارَة قبَاء يَوْم السبت وَقد حَكَاهُ عِيَاض عَن مُحَمَّد بن مسلمة من الْمَالِكِيَّة مَخَافَة أَن يظنّ أَن ذَلِك سنة فِي ذَلِك الْيَوْم قَالَ عِيَاض وَلَعَلَّه لم يبلغهُ هَذَا الحَدِيث وَقد احْتج ابْن حبيب من الْمَالِكِيَّة بزيارته

(7/259)


- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - مَسْجِد قبَاء رَاكِبًا وماشيا على أَن الْمدنِي إِذا نذر الصَّلَاة فِي مَسْجِد قبَاء لزمَه ذَلِك وَحَكَاهُ عَن ابْن عَبَّاس (فَإِن قلت) مَا الْجمع بَين قَوْله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فِي الحَدِيث الصَّحِيح " لَا تشد الرّحال إِلَّا إِلَى ثَلَاثَة مَسَاجِد " وَبَين كَونه كَانَ يَأْتِي مَسْجِد قبَاء رَاكِبًا (قلت) قبَاء لَيْسَ مِمَّا تشد إِلَيْهِ الرّحال فَلَا يتَنَاوَلهُ الحَدِيث الْمَذْكُور قَالَ الْوَاقِدِيّ عَن مجمع بن يَعْقُوب عَن سعيد بن عبد الرَّحْمَن ابْن رُقَيْش قَالَ كَانَ مَسْجِد قبَاء فِي مَوضِع الأسطوانة المخلفة الْخَارِجَة فِي رحبة الْمَسْجِد قَالَ عبد الرَّحْمَن حَدثنِي نَافِع أَن ابْن عمر كَانَ إِذا جَاءَ قبَاء صلى إِلَى الأسطوانة المخلفة يقْصد بذلك مَسْجِد النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - الأول وَقَالَ أَبُو سَلمَة بن عبد الرَّحْمَن أَن مَا بَين الصومعة إِلَى الْقبْلَة والجانب الْأَيْمن عِنْد دَار القَاضِي زِيَادَة زَادهَا عُثْمَان رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ وَقَالَ عُرْوَة كَانَ مَوضِع مَسْجِد قبَاء لامْرَأَة يُقَال لَهَا لية وَكَانَت ترْبط حمارا لَهَا فِيهِ فابتناه سعد بن خَيْثَمَة رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ مَسْجِدا قَالَ أَبُو غَسَّان طوله وَعرضه سَوَاء وَهُوَ سِتّ وَسِتُّونَ ذِرَاعا وَطول ذرعه فِي السَّمَاء تسع عشرَة ذِرَاعا وَطول رحبته الَّتِي فِي جَوْفه خَمْسُونَ ذِرَاعا وعرضها سِتّ وَعِشْرُونَ ذِرَاعا وَطول منارته خَمْسُونَ ذِرَاعا وعرضها تسع أَذْرع وشبر فِي تسع أَذْرع وَفِيه ثَلَاثَة أَبْوَاب وَثَلَاثَة وَثَلَاثُونَ أسطوانا ومواضع قناديله لأربعة عشر قِنْدِيلًا قَالَ وَأَخْبرنِي من أَثِق بِهِ من الْأَنْصَار من أهل قبَاء أَن مصلى رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فِي مَسْجِدهمْ بعد صرف الْقبْلَة كَانَ إِلَى حرف الأسطوان المخلق

(بَاب من أَتَى مَسْجِد قبَاء كل سبت)
أَي هَذَا بَاب فِي بَيَان فضل من يَأْتِي مَسْجِد قبَاء كل يَوْم سبت وَلما كَانَ الْبَاب السَّابِق مُشْتَمِلًا على الْمَوْقُوف وَالْمَرْفُوع وَكَانَ الْمَوْقُوف مُقَيّدا بِخِلَاف الْمَرْفُوع ذكر هَذَا الْبَاب لبَيَان تَقْيِيد إِطْلَاق ذَلِك الْمَرْفُوع لِأَن الْمَرْفُوع فِي الْبَاب السَّابِق يدل على أَنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - كَانَ يزور مَسْجِد قبَاء رَاكِبًا وماشيا وَلم يتَعَرَّض فِيهِ فِي أَي يَوْم كَانَ ذَلِك فَبين فِي هَذَا الْبَاب أَن زيارته مَسْجِد قبَاء كَانَ كل يَوْم سبت وَهَذَا يدل على فَضِيلَة مَسْجِد قبَاء وَكَيف لَا وَقد روى سهل بن حنيف عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَن الَّذِي يدْخل فِي مَسْجِد قبَاء وَيُصلي كَانَ ذَلِك كَعدْل رَقَبَة وَقد ذَكرْنَاهُ فِي الْبَاب السَّابِق وروى عمر بن شيبَة فِي أَخْبَار الْمَدِينَة بِإِسْنَاد صَحِيح " عَن سعد بن أبي وَقاص رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ قَالَ لِأَن أُصَلِّي فِي مَسْجِد قبَاء رَكْعَتَيْنِ أحب إِلَيّ من أَن آتِي بَيت الْمُقَدّس مرَّتَيْنِ لَو يعلمُونَ مَا فِي قبَاء لصروا إِلَيْهِ أكباد الْإِبِل " (قلت) وَمَعَ هَذَا لم يثبت فِيهِ تَضْعِيف مَا فِي الْمَسَاجِد الثَّلَاثَة "
215 - (حَدثنَا مُوسَى بن إِسْمَاعِيل قَالَ حَدثنَا عبد الْعَزِيز بن مُسلم عَن عبد الله بن دِينَار عَن ابْن عمر رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ كَانَ النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - يَأْتِي مَسْجِد قبَاء كل سبت مَاشِيا وراكبا وَكَانَ عبد الله رَضِي الله عَنهُ يَفْعَله) مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله " كل سبت ". وَرِجَاله قد ذكرُوا وَعبد الْعَزِيز بن مُسلم بِلَفْظ الْفَاعِل من الْإِسْلَام الْقَسْمَلِي مر فِي بَاب كَيفَ يقبض الْعلم وَرَوَاهُ مُسلم وَالنَّسَائِيّ أَيْضا وَقد مر الْكَلَام فِيهِ مستقصى قَوْله " مَاشِيا وراكبا " حالان مُتَرَادِفَانِ قَالَ الْكرْمَانِي وَالْوَاو فِيهِ بِمَعْنى أَو (قلت) لَا حَاجَة إِلَى هَذَا وَلَكِن مَعْنَاهُ بِحَسب مَا تيَسّر لَهُ قَوْله " يَفْعَله " أَي يفعل إتْيَان مَسْجِد قبَاء كل سبت مَاشِيا وراكبا

(بَاب إتْيَان مَسْجِد قبَاء مَاشِيا وراكبا)
أَي هَذَا بَاب فِي بَيَان فضل إتْيَان مَسْجِد قبَاء حَال كَونه رَاكِبًا وماشيا قَالَ بَعضهم إِنَّمَا أفرد هَذِه التَّرْجَمَة لاشتمال الحَدِيث على حكم آخر غير مَا تقدم (قلت) لَيْسَ فِي صدر الحَدِيث حكم آخر وَإِنَّمَا هُوَ زِيَادَة ابْن نمير فَافْهَم وَلَو قُلْنَا أَفْرَاد هَذِه التَّرْجَمَة لبَيَان تعدد سَنَده لَكَانَ فِي الْكِفَايَة
216 - (حَدثنَا مُسَدّد قَالَ حَدثنَا يحيى عَن عبيد الله قَالَ حَدثنِي نَافِع عَن ابْن عمر

(7/260)


رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ كَانَ النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - يَأْتِي قبَاء رَاكِبًا وماشيا وَزَاد ابْن نمير قَالَ حَدثنَا عبيد الله عَن نَافِع فَيصَلي فِيهِ رَكْعَتَيْنِ) مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. وَرِجَاله قد ذكرُوا غير مرّة وَيحيى هُوَ ابْن سعيد الْقطَّان وَهَكَذَا هُوَ غير مَنْسُوب فِي رِوَايَة الْأَكْثَرين وَفِي رِوَايَة الْأصيلِيّ يحيى بن سعيد وَعبيد الله هُوَ ابْن عمر الْعمريّ وَابْن نمير بِضَم النُّون وَفتح الْمِيم هُوَ عبد الله بن نمير مر فِي أَوَائِل التَّيَمُّم وَطَرِيق ابْن نمير وَصلهَا مُسلم وَأَبُو يعلى قَالَا حَدثنَا مُحَمَّد بن عبد الله بن نمير حَدثنَا أبي قَالَ حَدثنَا عبيد الله عَن نَافِع " عَن ابْن عمر قَالَ كَانَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - يَأْتِي مَسْجِد قبَاء رَاكِبًا وماشيا فَيصَلي فِيهِ رَكْعَتَيْنِ " وَقَالَ أَبُو بكر بن أبي شيبَة فِي مُسْنده حَدثنَا عبد الله بن نمير وَأَبُو أُسَامَة عَن عبيد الله فَذكره بِالزِّيَادَةِ وَقَالَ الطَّحَاوِيّ هَذِه الزِّيَادَة مدرجة وَإِن أحدا من الروَاة قَالَه من عِنْده لعلمه أَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - كَانَ من عَادَته أَن لَا يجلس حَتَّى يُصَلِّي وَقَالَ الْكرْمَانِي فِيهِ أَن صَلَاة النَّهَار رَكْعَتَانِ كَصَلَاة اللَّيْل (قلت) قد ذكرنَا فِي حَدِيث كَعْب بن عجْرَة أَربع رَكْعَات فَلَا حجَّة لَهُ فِي انتصاره لمذهبه هَهُنَا وَالله أعلم

(بَاب فضل مَا بَين الْقَبْر والمنبر)
أَي هَذَا بَاب فِي بَيَان فضل مَا بَين قبر النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - ومنبره وَأَشَارَ بِهَذِهِ التَّرْجَمَة بعد ذكر فضل الصَّلَاة فِي مَسْجِد النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - إِلَى أَن بعض بقاع الْمَسْجِد أفضل من بعض
217 - (حَدثنَا عبد الله بن يُوسُف قَالَ أخبرنَا مَالك عَن عبد الله بن أبي بكر عَن عباد بن تَمِيم عَن عبد الله بن زيد الْمَازِني رَضِي الله عَنهُ أَن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ مَا بَين بَيْتِي ومنبري رَوْضَة من رياض الْجنَّة) قيل الْمُطَابقَة بَين التَّرْجَمَة والْحَدِيث غير تَامَّة لِأَن الْمَذْكُور فِي التَّرْجَمَة الْقَبْر وَفِي الحَدِيث الْبَيْت وَأجِيب بِأَن الْقَبْر فِي الْبَيْت لِأَن المُرَاد بَيت سكناهُ وَالنَّبِيّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - دفن فِي بَيت سكناهُ. (ذكر رِجَاله) وهم خَمْسَة قد ذكرُوا أما شَيْخه وَمَالك فقد تكررا وَأما عبد الله بن أبي بكر بن مُحَمَّد بن عَمْرو بن حزم الْأنْصَارِيّ فقد تقدم فِي بَاب الْوضُوء مرَّتَيْنِ وَعباد بِفَتْح الْعين وَتَشْديد الْبَاء الْمُوَحدَة ابْن تَمِيم بن زيد بن عَاصِم الْأنْصَارِيّ وَعبد الله بن زيد بن عَاصِم الْمَازِني بِكَسْر الزَّاي بعْدهَا نون الْأنْصَارِيّ وَكِلَاهُمَا قد تقدما هُنَاكَ (ذكر لطائف إِسْنَاده) فِيهِ التحديث بِصِيغَة الْجمع فِي مَوضِع وَاحِد وَفِيه الْإِخْبَار كَذَلِك فِي مَوضِع وَاحِد وَفِيه العنعنة فِي ثَلَاثَة مَوَاضِع وَفِيه أَن رُوَاته مدنيون غير شَيْخه وَهُوَ من أَفْرَاده وَفِيه رِوَايَة الرجل عَن عَمه وَهُوَ عباد يروي عَن عَمه عبد الله بن زيد (ذكر من أخرجه غَيره) أخرجه مُسلم فِي الْمَنَاسِك عَن قُتَيْبَة عَن مَالك بن أنس فِيمَا قَرَأَ عَلَيْهِ عَن عبد الله بن أبي بكر عَن عباد بن تَمِيم عَن عبد الله بن زيد الْمَازِني أَن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ " مَا بَين بَيْتِي ومنبري رَوْضَة من رياض الْجنَّة " وَأخرجه النَّسَائِيّ فِيهِ وَفِي الصَّلَاة عَن قُتَيْبَة بِهِ (ذكر مَعْنَاهُ) قَوْله " مَا بَين بَيْتِي " كلمة مَا مَوْصُولَة مَرْفُوع محلا بِالِابْتِدَاءِ وَخَبره هُوَ قَوْله " رَوْضَة " الرَّوْضَة فِي كَلَام الْعَرَب المطمئن من الأَرْض فِيهِ النبت والعشب قَوْله " بَيْتِي " هُوَ الصَّحِيح من الرِّوَايَة وروى مَكَانَهُ " قَبْرِي " وَجعله بَعضهم تَفْسِير البيتي قَالَه زيد بن أسلم وَحمل كثير من الْعلمَاء الحَدِيث على ظَاهره فَقَالُوا ينْقل ذَلِك الْموضع بِعَيْنِه إِلَى الْجنَّة كَمَا قَالَ تَعَالَى {وأورثنا الأَرْض نتبوأ من الْجنَّة حَيْثُ نشَاء} ذكر أَن الْجنَّة تكون فِي الأَرْض يَوْم الْقِيَامَة وَيحْتَمل أَن يُرِيد بِهِ أَن الْعَمَل الصَّالح فِي ذَلِك الْموضع يُؤَدِّي صَاحبه إِلَى الْجنَّة كَمَا قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - " ارتعوا فِي رياض الْجنَّة " يَعْنِي حلق الذّكر وَالْعلم لما كَانَت مؤدية إِلَى الْجنَّة فَيكون مَعْنَاهُ التحريض على زِيَارَة قَبره - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَالصَّلَاة فِي مَسْجده وَكَذَا " الْجنَّة تَحت ظلال السيوف "

(7/261)


واستبعده ابْن التِّين وَقَالَ يُؤَدِّي إِلَى الشنططة وَالشَّكّ فِي الْعُلُوم الضرورية وَقيل أَنَّهَا من رياض الْجنَّة الْآن حَكَاهُ ابْن التِّين وَأنْكرهُ وَالْحمل على التَّأْوِيل الثَّانِي يحْتَمل وَجْهَيْن أَحدهمَا أَن اتِّبَاع مَا يُتْلَى فِيهِ من الْقُرْآن وَالسّنة يُؤَدِّي إِلَى رياض الْجنَّة فَلَا يكون للبقعة فِيهَا فَضِيلَة إِلَّا لِمَعْنى اخْتِصَاص هَذِه الْمعَانِي بهَا دون غَيرهَا وَالثَّانِي أَن يُرِيد أَن مُلَازمَة ذَلِك الْموضع بِالطَّاعَةِ يُؤدى إِلَيْهَا لفضيلة الصَّلَاة فِيهِ على غَيره قَالَ وَهُوَ أبين لِأَن الْكَلَام خرج على تَفْضِيل ذَلِك الْموضع انْتهى (قلت) على هَذَا الْوَجْه أَيْضا لَا تكون للبقعة فَضِيلَة إِلَّا لأجل اخْتِصَاص ذَلِك الْمَعْنى بهَا وَالتَّحْقِيق فِيهِ أَن هَذَا الْكَلَام يحْتَمل أَن يكون حَقِيقَة إِذا نقل هَذَا الْموضع إِلَى الْجنَّة وَيحْتَمل أَن يكون مجَازًا بِاعْتِبَار الْمَآل كَمَا فِي قَوْله " الْجنَّة تَحت ظلال السيوف " أَي الْجِهَاد مآله إِلَى الْجنَّة أَو هُوَ تَشْبِيه أَي هُوَ كروضة وَسميت تِلْكَ الْبقْعَة الْمُبَارَكَة رَوْضَة لِأَن زوار قَبره من الْمَلَائِكَة وَالْإِنْس وَالْجِنّ لم يزَالُوا مكبون فِيهَا على ذكر الله تَعَالَى وعبادته وَقَالَ الْخطابِيّ معنى الحَدِيث تَفْضِيل الْمَدِينَة وخصوصا الْبقْعَة الَّتِي بَين الْبَيْت والمنبر يَقُول من لزم طَاعَة الله فِي هَذِه الْبقْعَة آلت بِهِ الطَّاعَة إِلَى رَوْضَة من رياض الْجنَّة وَمن لزم عبَادَة الله عِنْد الْمِنْبَر سقِِي فِي الْجنَّة من الْحَوْض وَقَالَ عِيَاض فِي تَفْسِير قَوْله " ومنبري على حَوْضِي " ذكر أَكثر الْعلمَاء أَن المُرَاد أَن هَذَا الْمِنْبَر بِعَيْنِه يُعِيدهُ الله تَعَالَى على حَوْضه قَالَ وَهَذَا هُوَ الْأَظْهر وَقيل أَن لَهُ هُنَاكَ منبرا على حَوْضه
218 - (حَدثنَا مُسَدّد عَن يحيى عَن عبيد الله قَالَ حَدثنِي خبيب بن عبد الرَّحْمَن عَن حَفْص بن عَاصِم عَن أبي هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ مَا بَين بَيْتِي ومنبري رَوْضَة من رياض الْجنَّة ومنبري على حَوْضِي) مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. (ذكر رِجَاله) وهم سِتَّة. الأول مُسَدّد. الثَّانِي يحيى بن سعيد الْقطَّان. الثَّالِث عبيد الله بن عمر الْعمريّ. الرَّابِع خبيب بِضَم الْخَاء الْمُعْجَمَة وَفتح الْبَاء الْمُوَحدَة وَسُكُون الْيَاء آخر الْحُرُوف بعْدهَا بَاء أُخْرَى مر فِي بَاب الصَّلَاة بعد الْفجْر. الْخَامِس حَفْص بن عَاصِم بن عمر بن الْخطاب رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ. السَّادِس أَبُو هُرَيْرَة. (ذكر لطائف إِسْنَاده) فِيهِ التحديث بِصِيغَة الْجمع فِي مَوضِع وَاحِد وبصيغة الْإِفْرَاد فِي مَوضِع وَاحِد وَفِيه العنعنة فِي أَرْبَعَة مَوَاضِع وَفِيه القَوْل فِي مَوضِع وَاحِد وَفِيه عبيد الله وَفِي رِوَايَة أبي ذَر والأصيلي عبيد الله هُوَ ابْن عمر الْعمريّ وَفِيه أَن شَيْخه بَصرِي وَهُوَ من أَفْرَاده وَيحيى أَيْضا بَصرِي والبقية مدنيون وَفِيه اثْنَان مذكوران من غير نِسْبَة وَاثْنَانِ مصغران (ذكر تعدد مَوْضِعه وَمن أخرجه غَيره) أخرجه البُخَارِيّ أَيْضا فِي آخر الْحَج عَن مُسَدّد وَفِي الْحَوْض عَن إِبْرَاهِيم بن الْمُنْذر وَفِي الِاعْتِصَام عَن عَمْرو بن عَليّ وَأخرجه مُسلم فِي الْحَج عَن زُهَيْر بن حَرْب وَمُحَمّد بن الْمثنى كِلَاهُمَا عَن يحيى الْقطَّان بِهِ وَعَن مُحَمَّد بن عبد الله بن نمير وروى هَذَا الحَدِيث مَالك عَن خبيب عَن حَفْص عَن أبي هُرَيْرَة أَو أبي سعيد قَالَ أَبُو عمر رَحمَه الله كَذَا رَوَاهُ عَن مَالك رُوَاة الْمُوَطَّأ كلهم فِيمَا علمت على الشَّك إِلَّا معن بن عِيسَى وروح بن عبَادَة فَإِنَّهُمَا قَالَا عَن أبي هُرَيْرَة وَأبي سعيد جَمِيعًا على الْجمع لَا على الشَّك وَرَوَاهُ ابْن مهْدي عَن مَالك فَجعله عَن أبي هُرَيْرَة وَحده لم يذكر أَبَا سعيد قَالَ والْحَدِيث مَحْفُوظ لأبي هُرَيْرَة بِهَذَا الْإِسْنَاد وَرَوَاهُ عبيد الله بن عمر عَن خبيب بِهَذَا قَالَ أَبُو الْعَبَّاس أَحْمد بن عمر الداني فِي كِتَابه أَطْرَاف الْمُوَطَّأ تَابع الْعمريّ فِي ذَلِك جمَاعَة وَهَكَذَا قَالَه البُخَارِيّ قَالَ أَبُو عمر ذكر مُحَمَّد بن سنجر حَدثنَا مُحَمَّد بن سُلَيْمَان الْقرشِي الْبَصْرِيّ عَن مَالك عَن ربيعَة عَن سعيد بن الْمسيب " عَن ابْن عمر رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا قَالَ أَخْبرنِي أبي أَن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ وضعت منبري على نَزعَة من نزع الْجنَّة وَمَا بَين بَيْتِي ومنبري رَوْضَة من رياض الْجنَّة " قَالَ أَبُو مُحَمَّد لم يُتَابع مُحَمَّد بن سُلَيْمَان أحد على هَذَا الْإِسْنَاد عَن مَالك وَمُحَمّد هَذَا ضَعِيف وَزَاد الدَّارَقُطْنِيّ فِي الغرائب " وقوائم منبري رواتب فِي الْجنَّة " وَقَالَ تفرد بِهِ مُحَمَّد بن سُلَيْمَان قَالَ أَبُو عَمْرو فِي هَذَا الْبَاب حَدِيث مُنكر رَوَاهُ عبد الْملك بن زيد الطَّائِي عَن عَطاء بن زيد مولى سعيد بن الْمسيب عَن سعيد بن الْمسيب عَن عمر بن الْخطاب قَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - " مَا بَين قَبْرِي ومنبري وأسطوانة التربة رَوْضَة من رياض الْجنَّة " قَالَ أَبُو عمر هَذَا حَدِيث مَوْضُوع وَضعه عبد الْملك وروى أَحْمد بن يحيى الْكُوفِي أخبرنَا مَالك بن أنس عَن نَافِع عَن ابْن عمر قَالَ قَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - " مَا بَين قَبْرِي ومنبري رَوْضَة من رياض الْجنَّة " قَالَ أَبُو عمر هَذَا إِسْنَاد خطأ وَعند

(7/262)


النَّسَائِيّ عَن سُهَيْل بن سعد مَرْفُوعا " منبري على نَزعَة من نزع الْجنَّة " وَعند الطَّبَرَانِيّ عَن سعد بن أبي وَقاص رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ " مَا بَين بَيْتِي ومصلاي رَوْضَة من رياض الْجنَّة " وَعند الضياء الْمَقْدِسِي عَن أبي بكر الصّديق رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ من رِوَايَة ابْن أبي سُبْرَة يرفعهُ " مَا بَين قَبْرِي ومنبري رَوْضَة من رياض الْجنَّة ومنبري على نَزعَة من نزع الْجنَّة " وَفِي مُسْند الْهَيْثَم بن كُلَيْب الشَّاشِي عَن جَابر وَابْن عمر نَحوه (ذكر مَعْنَاهُ) قَوْله " ومنبري على حَوْضِي " لَيست هَذِه الْجُمْلَة فِي رِوَايَة أبي ذَر والحوض هُوَ الْكَوْثَر وَالْوَاو فِيهِ زَائِدَة كَمَا فِي الْجَوْهَر وَقَالَ أَبُو عمر قد اسْتدلَّ أَصْحَابنَا بِهِ على أَن الْمَدِينَة أفضل من مَكَّة وركبوا عَلَيْهِ قَوْله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - " لموْضِع سَوط فِي الْجنَّة خير من الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا " وَقَالَ أَبُو عمر لَا دَلِيل فِيهِ لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَرَادَ ذمّ الدُّنْيَا وَالتَّرْغِيب فِي الْآخِرَة فَأخْبر أَن الْيَسِير من الْجنَّة خير من الدُّنْيَا كلهَا وَقَالَ الْقُرْطُبِيّ وللباطنية فِي هَذَا الحَدِيث من الغلو والتحريف مَا لَا يَنْبَغِي أَن يلْتَفت إِلَيْهِ وَقَالَ أَبُو عمر الْإِيمَان بالحوض عِنْد جمَاعَة الْعلمَاء وَاجِب الْإِقْرَار بِهِ وَقد نَفَاهُ أهل الْبدع من الْخَوَارِج والمعتزلة لأَنهم لَا يصدقون بالشفاعة وَلَا بالحوض وَلَا بالدجال نَعُوذ بِاللَّه تَعَالَى من بدعهم وَسَيَأْتِي إِن شَاءَ الله تَعَالَى أَحَادِيث الْحَوْض فِي موضعهَا الَّذِي ذكرهَا البُخَارِيّ

(بَاب مَسْجِد بَيت الْمُقَدّس)
أَي هَذَا بَاب فِي بَيَان فضل بَيت الْمُقَدّس
219 - (حَدثنَا أَبُو الْوَلِيد قَالَ حَدثنَا شُعْبَة عَن عبد الْملك قَالَ سَمِعت قزعة مولى زِيَاد قَالَ سَمِعت أَبَا سعيد الْخُدْرِيّ رَضِي الله عَنهُ يحدث بِأَرْبَع عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فأعجبنني وآنقنني قَالَ لَا تُسَافِر الْمَرْأَة يَوْمَيْنِ إِلَّا مَعهَا زَوجهَا أَو ذُو محرم وَلَا صَوْم فِي يَوْمَيْنِ الْفطر والأضحى وَلَا صَلَاة بعد صَلَاتَيْنِ بعد الصُّبْح حَتَّى تطلع الشَّمْس وَبعد الْعَصْر حَتَّى تغرب وَلَا تشد الرّحال إِلَّا إِلَى ثَلَاثَة مَسَاجِد مَسْجِد الْحَرَام وَمَسْجِد الْأَقْصَى ومسجدي) مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله " وَمَسْجِد الْأَقْصَى ". (ذكر رِجَاله) وهم خَمْسَة ذكرُوا غير مرّة وَاسم أبي الْوَلِيد هِشَام بن عبد الْملك الطَّيَالِسِيّ وَعبد الْملك بن عُمَيْر وقزعة بِالْقَافِ وَالزَّاي وَالْعين الْمُهْملَة المفتوحات مضى فِي بَاب فضل الصَّلَاة فِي مَسْجِد مَكَّة وَالْمَدينَة وَزِيَاد بِكَسْر الزَّاي وَتَخْفِيف الْيَاء آخر الْحُرُوف هُوَ زِيَاد بن أبي سُفْيَان وَقيل هُوَ مولى عبد الْملك بن مَرْوَان وَقيل بل هُوَ من بني الْحَرِيش (ذكر لطائف إِسْنَاده) فِيهِ التحديث بِصِيغَة الْجمع فِي موضِعين وَفِيه العنعنة فِي مَوضِع وَاحِد وَفِيه السماع فِي موضِعين وَفِيه القَوْل فِي ثَلَاثَة مَوَاضِع وَفِيه أَن شَيْخه بَصرِي وَشعْبَة واسطي وَعبد الْملك كُوفِي وقزعة بَصرِي. وَقد ذكرنَا فِي بَاب فضل الصَّلَاة فِي مَسْجِد مَكَّة وَالْمَدينَة من أخرجه غَيره وتعداد إِخْرَاج البُخَارِيّ إِيَّاه وَقد اقْتصر البُخَارِيّ هُنَاكَ فِي هَذَا الحَدِيث على قِطْعَة مِنْهُ وَذكر هَهُنَا تَمَامه وَأخرج هُنَاكَ أَيْضا عَن أبي هُرَيْرَة آخر حَدِيث أبي سعيد الَّذِي ذكره هَهُنَا وَهُوَ قَوْله " لَا تشد الرّحال " وَقد تكلمنا فِيهِ هُنَاكَ مستقصى وَبَقِي الْكَلَام فِي بَقِيَّة الحَدِيث فَنَقُول قَوْله " يحدث بِأَرْبَع " جملَة وَقعت حَالا من أبي سعيد أَي يحدث بِأَرْبَع كَلِمَات كلهَا حكم. الأولى قَوْله " لَا تُسَافِر الْمَرْأَة " وَالثَّانيَِة قَوْله " لَا صَوْم " وَالثَّالِثَة قَوْله " لَا صَلَاة " وَالرَّابِعَة قَوْله " لَا تشد الرّحال " قَوْله " فأعجبنني " بِلَفْظ صِيغَة الْجمع للمؤنث ويروى " فأعجبتني " بِصِيغَة الْإِفْرَاد وَالضَّمِير الَّذِي فِيهِ يرجع إِلَى قَوْله " بِأَرْبَع " قَوْله " وآنقنني " كَذَلِك بِلَفْظ الْجمع والإفراد وَهُوَ بِمد الْهمزَة وَفتح النُّون وَسُكُون الْقَاف يُقَال آنقه إِذا أعجبه وَشَيْء مونق أَي معجب وَقَالَ ابْن الْأَثِير الآنق بِالْفَتْح وَالسُّرُور وَالشَّيْء الأنيق المعجب والمحدثون يَرْوُونَهُ " أيقنني " وَلَيْسَ بِشَيْء وَقد جَاءَ فِي صَحِيح مُسلم " لَا أينق بحَديثه " أَي لَا أعجب وَهِي كَذَا تروى وَضَبطه الْأصيلِيّ " أتقنني " بتاء مثناة من فَوق من التوق وَلَيْسَ كَذَلِك إِنَّمَا الصَّوَاب أَن يُقَال من التوق توقنني كَمَا

(7/263)


يُقَال شوقتني من الشوق وَقَالَ بَعضهم وأعجبني تَأْكِيد لَفْظِي لأعجبنني (قلت) لَيْسَ كَذَلِك لِأَن التَّأْكِيد اللَّفْظِيّ أَن يُكَرر عين اللَّفْظ الْوَاحِد قَوْله " أَو ذُو محرم " قَالَ النَّوَوِيّ الْمحرم من النِّسَاء من حرم نِكَاحهَا على التَّأْبِيد بِسَبَب مُبَاح لحرمتها فقولنا على التَّأْبِيد احْتِرَاز من أُخْت الْمَرْأَة وبسبب مُبَاح احْتِرَاز من أم الموطوأة بِالشُّبْهَةِ لِأَن وطأ الشُّبْهَة لَا يُوصف بِالْإِبَاحَةِ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِفعل مُكَلّف ولحرمتها احْتِرَاز من الْمُلَاعنَة فَإِن تَحْرِيمهَا لَيْسَ لحرمتها بل عُقُوبَة وتغليظا قَالَ أَصْحَابنَا الْمحرم كل من لَا يحل لَهُ نِكَاحهَا على التَّأْبِيد لقرابة أَو رضَاع أَو صهرية وَالْعَبْد وَالْحر وَالْمُسلم وَالذِّمِّيّ سَوَاء إِلَّا الْمَجُوسِيّ الَّذِي يعْتَقد إِبَاحَة نِكَاحهَا وَالْفَاسِق لِأَنَّهُ لَا يحصل بِهِ الْمَقْصُود وَلَا بُد فِيهِ من الْعقل وَالْبُلُوغ لعجز الصَّبِي وَالْمَجْنُون عَن الْحِفْظ (ذكر مَا يُسْتَفَاد مِنْهُ) قد ذكرنَا أَن هَذَا الحَدِيث مُشْتَمل على أَرْبَعَة أَحْكَام الأول فِي حكم الْمَرْأَة الَّتِي تُسَافِر وَفِيه خَمْسَة مَذَاهِب الأول مَذْهَب الْحسن الْبَصْرِيّ وَالزهْرِيّ وَقَتَادَة فَإِنَّهُم قَالُوا لَا يجوز للْمَرْأَة أَن تُسَافِر لَيْلَتَيْنِ بِلَا زوج أَو محرم فَإِذا كَانَ أقل من ذَلِك يجوز وَاحْتَجُّوا فِي ذَلِك بِالْحَدِيثِ الْمَذْكُور الثَّانِي مَذْهَب إِبْرَاهِيم النَّخعِيّ وَالشعْبِيّ وَطَاوُس والظاهرية فَإِنَّهُم قَالُوا لَا يجوز للْمَرْأَة أَن تُسَافِر مُطلقًا سَوَاء كَانَ السّفر قَرِيبا أَو بَعيدا إِلَّا إِذا كَانَ مَعهَا زوج أَو ذُو محرم لَهَا وَاحْتَجُّوا فِي ذَلِك بِمَا رَوَاهُ الطَّحَاوِيّ حَدثنَا عبد الْأَعْلَى قَالَ حَدثنَا سُفْيَان بن عُيَيْنَة عَن عَمْرو سمع أَبَا معبد مولى ابْن عَبَّاس يَقُول قَالَ ابْن عَبَّاس " خطب رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - النَّاس فَقَالَ لَا تُسَافِر امْرَأَة إِلَّا وَمَعَهَا ذُو محرم وَلَا يدْخل عَلَيْهَا رجل إِلَّا وَمَعَهَا ذُو محرم فَقَامَ رجل فَقَالَ يَا رَسُول الله إِنِّي قد اكتتبت فِي غَزْوَة كَذَا وَكَذَا وَقد أردْت أَن أحج بامرأتي فَقَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - " احجج مَعَ امْرَأَتك " وَرَوَاهُ البُخَارِيّ وَمُسلم وَابْن مَاجَه بِنَحْوِهِ قَالُوا بِعُمُوم الحَدِيث واشتماله على حكم السّفر مُطلقًا وروى الطَّحَاوِيّ أَيْضا من حَدِيث سعيد المَقْبُري عَن أبي هُرَيْرَة رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ أَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ " لَا تُسَافِر الْمَرْأَة إِلَّا وَمَعَهَا ذُو محرم " وَأخرج الْبَزَّار عَنهُ نَحوه. الثَّالِث مَذْهَب عَطاء وَسَعِيد بن كيسَان وَقوم من الطَّائِفَة الظَّاهِرِيَّة فَإِنَّهُم قَالُوا بِجَوَاز سفر الْمَرْأَة فِيمَا دون الْبَرِيد فَإِذا كَانَ بريدا فَصَاعِدا فَلَيْسَ لَهَا أَن تُسَافِر إِلَّا بِمحرم وَاحْتَجُّوا فِي ذَلِك بِمَا رَوَاهُ الطَّحَاوِيّ ثمَّ الْبَيْهَقِيّ من حَدِيث سعيد المَقْبُري عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ قَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - " لَا تُسَافِر امْرَأَة بريدا إِلَّا مَعَ زوج أَو ذِي محرم " وَأخرجه أَبُو دَاوُد أَيْضا والبريد فرسخان وَقيل أَرْبَعَة فراسخ والفرسخ ثَلَاثَة أَمْيَال والميل أَرْبَعَة آلَاف ذِرَاع. الرَّابِع مَذْهَب الْأَوْزَاعِيّ وَاللَّيْث وَمَالك وَالشَّافِعِيّ فَإِنَّهُم قَالُوا للْمَرْأَة أَن تُسَافِر فِيمَا دون الْيَوْم بِلَا محرم وَفِيمَا زَاد على ذَلِك لَا إِلَّا بِزَوْج أَو محرم لَكِن عِنْد مَالك وَالشَّافِعِيّ لَهَا أَن تُسَافِر لِلْحَجِّ الْفَرْض بِلَا زوج ومحرم وَإِن كَانَ بَينهَا وَبَين مَكَّة سفر أَو لم يكن فَإِنَّهُمَا خصا النَّهْي عَن ذَلِك بالأسفار الْغَيْر الْوَاجِبَة وَاحْتَجُّوا فِي ذَلِك بِمَا رَوَاهُ مُسلم من حَدِيث أبي سعيد أَن أَبَاهُ أخبرهُ أَنه سمع أَبَا هُرَيْرَة يَقُول قَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - " لَا يحل لامْرَأَة تؤمن بِاللَّه وَالْيَوْم الآخر أَن تُسَافِر مسيرَة يَوْم إِلَّا مَعَ ذِي محرم ". الْخَامِس مَذْهَب الثَّوْريّ وَالْأَعْمَش وَأبي حنيفَة وَأبي يُوسُف وَمُحَمّد فَإِنَّهُم قَالُوا لَيْسَ للْمَرْأَة أَن تُسَافِر مَسَافَة ثَلَاثَة أَيَّام فَصَاعِدا إِلَّا مَعَ زوج أَو ذِي محرم فَإِذا كَانَ أقل من ذَلِك فلهَا أَن تُسَافِر بِغَيْر محرم وَاحْتَجُّوا فِي ذَلِك بِمَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُد حَدثنَا أَحْمد بن حَنْبَل قَالَ حَدثنِي يحيى بن سعيد عَن عبيد الله عَن نَافِع عَن ابْن عمر عَن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ " لَا تُسَافِر الْمَرْأَة ثَلَاثًا إِلَّا وَمَعَهَا ذُو محرم " وَأخرجه الطَّحَاوِيّ أَيْضا ثمَّ التَّوْفِيق بَينه وَبَين هَذِه الرِّوَايَات وَبَيَان الْعَمَل بِحَدِيث الثَّلَاث هُوَ أَن هَذِه الْأَحَادِيث كلهَا متفقة على حُرْمَة السّفر عَلَيْهَا بِغَيْر محرم مَسَافَة ثَلَاثَة أَيَّام فَمَا فَوْقهَا وَفِي تَقْيِيده بِالثلَاثِ إِبَاحَة لما دونهَا إِذْ لَو لم يكن كَذَلِك لما كَانَ لتعيين الثَّلَاث فَائِدَة ولكان نهى مُطلقًا وَكَلَام الْحَكِيم يصان عَن اللَّغْو وَعَما لَا فَائِدَة فِيهِ فَإِذا ثَبت بِذكر الثَّلَاث وتعينه إِبَاحَة مَا دونه يحْتَاج إِلَى التَّوْفِيق بَينه وَبَين مَا رُوِيَ من الْيَوْم واليومين والبريد فَيُقَال أَن خبر الثَّلَاث إِن كَانَ مُتَأَخِّرًا فَهُوَ نَاسخ وَإِن كَانَ مُتَقَدما فقد جَاءَت الْإِبَاحَة بِأَقَلّ مِنْهُ ثمَّ جَاءَ النَّهْي بعده عَن سفر مَا دون الثَّلَاث فَحرم مَا حرم الحَدِيث الأول وَزَاد عَلَيْهِ حُرْمَة أُخْرَى وَهِي مَا بَينه وَبَين الثَّلَاث فَوَجَبَ اسْتِعْمَال الثَّلَاث على مَا أوجبه فِي الْأَحْوَال كلهَا فَحِينَئِذٍ الْأَخْذ بِهِ أولى من الَّذِي يجب فِي حَال دون حَال وَقَالَ القَاضِي عِيَاض عَن أبي سعيد فِي رِوَايَة

(7/264)


ثَلَاث لَيَال وَفِي رِوَايَة أُخْرَى عَنهُ يَوْمَيْنِ وَفِي الْأُخْرَى أَكثر من ثَلَاث وَفِي حَدِيث ابْن عمر ثَلَاث وَفِي حَدِيث أبي هُرَيْرَة مسيرَة لَيْلَة وَفِي الْأُخْرَى عَنهُ يَوْمًا وَلَيْلَة وَفِي الْأُخْرَى عَنهُ ثَلَاث وَهَذَا كُله لَا يتنافى وَلَا يخْتَلف فَيكون - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - منع من ثَلَاث وَمن يَوْمَيْنِ وَمن يَوْم أَو يَوْم وَلَيْلَة وَهُوَ أقلهَا وَقد يكون هَذَا مِنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فِي مَوَاطِن مُخْتَلفَة ونوازل مُتَفَرِّقَة فَحدث كل من سَمعهَا بِمَا بلغه مِنْهَا وَشَاهده وَإِن حدث بهَا وَاحِد فَحدث مَرَّات بهَا على اخْتِلَاف مَا سَمعهَا. الحكم الثَّانِي فِي صَوْم يومي الْعِيدَيْنِ أما صَوْم يَوْم عيد الْفطر فَحرم لكَونه عيدا للْمُسلمين وَأما صَوْم يَوْم عيد الْأَضْحَى فَحرم لِأَنَّهُ يَوْم القرابين وَهُوَ يَوْم ضِيَافَة الله تَعَالَى وَالصَّوْم فِيهِ إِعْرَاض عَن ضِيَافَة الله تَعَالَى وَقد روى الزُّهْرِيّ " عَن أبي عبيد مولى عبد الرَّحْمَن بن عَوْف قَالَ شهِدت عمر بن الْخطاب رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ فِي يَوْم نحر بَدَأَ بِالصَّلَاةِ قبل الْخطْبَة ثمَّ قَالَ سَمِعت رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - ينْهَى عَن صَوْم هذَيْن الْيَوْمَيْنِ أما يَوْم الْفطر ففطركم من صومكم وَعِيد للْمُسلمين وَأما يَوْم الْأَضْحَى فَكُلُوا من لحم نسككم " رَوَاهُ التِّرْمِذِيّ بِهَذَا اللَّفْظ وَرَوَاهُ أَيْضا بَقِيَّة السِّتَّة من طرق عَن الزُّهْرِيّ قَوْله " أما يَوْم الْفطر ففطركم " أَي فَهُوَ يَوْم فطركم وَوَصفه بذلك لبَيَان الْعلَّة وَهُوَ الْفَصْل بَين الصَّوْم وَالْفطر ليعلم انْتِهَاء الصَّوْم وَدخُول الْفطر وَقَوله " وَعِيد للْمُسلمين " عِلّة ثَانِيَة وَكَأَنَّهُ كَانَ من الْمَعْلُوم أَنه لَا يصام يَوْم عيد وَقَوله " وَأما يَوْم الْأَضْحَى فَكُلُوا من لحم نسككم " وَأَشَارَ بِهِ إِلَى الْعلَّة أَيْضا لِأَنَّهُ لَو كَانَ يَوْم صَوْم لم يُؤْكَل من النّسك ذَلِك الْيَوْم فَلم يكن لنحرها فِيهِ معنى وَقيل الْعلَّة فِي الْفطر يَوْم النَّحْر أَن فِيهِ دَعْوَة الله الَّتِي دَعَا عباده إِلَيْهَا من تضييفه وإكرامه لأهل منى وَغَيرهم لما شرع لَهُم من ذبح النّسك وَالْأكل مِنْهَا فَمن صَامَ هَذَا الْيَوْم فَكَأَنَّهُ رد على الله كرامته وَحكى صَاحب الْمُفْهم عَن الْجُمْهُور أَن فطرهما شرع غير مُعَلل وَفِي أَمر عمر رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ بِالْأَكْلِ من لحم النّسك إِشَارَة إِلَى مَشْرُوعِيَّة الْأكل من الْأُضْحِية وَهُوَ مُتَّفق على اسْتِحْبَابه وَاخْتلف فِي وُجُوبه. وَتَحْرِيم صَوْم هذَيْن الْيَوْمَيْنِ أَمر مجمع عَلَيْهِ بَين أهل الْعلم وكل مِنْهُمَا غير قَابل للصَّوْم عِنْدهم إِلَّا أَن الرَّافِعِيّ حكى عَن أبي حنيفَة أَنه لَو نذر صومهما لَكَانَ لَهُ أَن يَصُوم فيهمَا (قلت) لَيْسَ كَذَلِك مَذْهَب أبي حنيفَة وَإِنَّمَا مذْهبه أَنه لَو نذر صَوْم يَوْم النَّحْر أفطر وَقضى يَوْمًا مَكَانَهُ أما الْفطر فَلِأَن الصَّوْم فِيهِ مَعْصِيّة وَأما الْقَضَاء فَلِأَنَّهُ نذر بِصَوْم مَشْرُوع بِأَصْلِهِ وَالنَّهْي لَا يُنَافِي المشروعية كَمَا تقرر فِي الْأُصُول وَسَيَأْتِي الْبَحْث فِيهِ مستقصى فِي كتاب الصَّوْم. الحكم الثَّالِث فِي الصَّلَاة بعد الصُّبْح وَقد مر فِي كتاب الصَّلَاة. الحكم الرَّابِع فِي شدّ الرّحال وَقد مر فِي الْبَاب السَّابِق مستقصى

(بَاب استعانة الْيَد فِي الصَّلَاة إِذا كَانَ من أَمر الصَّلَاة)
وَفِي بعض النّسخ أَبْوَاب الْعَمَل فِي الصَّلَاة بَاب استعانة الْيَد إِلَى آخِره وَفِي بعض النّسخ صدر الْبَاب بالبسملة وَفِي غَالب النّسخ مثل الْمَذْكُور هَهُنَا أَي بَاب فِي بَيَان حكم استعانة الْيَد أَرَادَ بِهِ وضع الْيَد على شَيْء فِي الصَّلَاة إِذا كَانَ ذَلِك من أَمر الصَّلَاة كَمَا وضع النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - يَده على رَأس ابْن عَبَّاس وفتل أُذُنه وأداره إِلَى يَمِينه فترجم البُخَارِيّ بِمَا ذكره مستنبطا مِنْهُ فِي استعانة الْمُصَلِّي بِمَا يتقوى بِهِ على صلَاته وَقيد بقوله " إِذا كَانَ من أَمر الصَّلَاة " لِأَنَّهُ إِذا اسْتَعَانَ بهَا فِي غير أَمر الصَّلَاة يكون عَبَثا والعبث فِي الصَّلَاة مَكْرُوه (وَقَالَ ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا يَسْتَعِين الرجل فِي صلَاته بِمَا شَاءَ من جسده) قيل لَا مُطَابقَة بَين هَذَا الْأَثر والأثرين اللَّذين بعده وَبَين التَّرْجَمَة لِأَنَّهُ قيد التَّرْجَمَة بقوله إِذا كَانَ من أَمر الصَّلَاة والْآثَار مُطلقَة (وَأجِيب) بِأَنَّهُ وَإِن كَانَت الْآثَار مُطلقَة فَهِيَ مُقَيّدَة فِي نفس الْأَمر مَعْلُوم ذَلِك من الْخَارِج لِأَن الْعَمَل بإطلاقها يُؤَدِّي إِلَى جَوَاز الْعَبَث وَهُوَ غير مُرَاد لأحد (فَإِن قلت) التَّرْجَمَة مُقَيّدَة بِالْيَدِ وآثر ابْن عَبَّاس بالجسد وَالْيَد جُزْء مِنْهُ (قلت) إِذا جَازَت الِاسْتِعَانَة بِالْيَدِ لأجل أَمر الصَّلَاة فَكَذَلِك جَازَت بِمَا شَاءَ من جسده قِيَاسا عَلَيْهَا (وَوضع أَبُو إِسْحَاق قلنسوته فِي الصَّلَاة ورفعها) أَبُو إِسْحَق هُوَ عَمْرو بن عبد الله السبيعِي الْكُوفِي من كبار التَّابِعين قَالَ الْعجلِيّ كُوفِي تَابِعِيّ ثِقَة سمع ثَمَانِيَة وَثَلَاثِينَ من

(7/265)


أَصْحَاب النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - مَاتَ سنة سِتّ وَعشْرين وَمِائَة وَهُوَ ابْن سِتّ وَتِسْعين سنة وَهُوَ مَعْدُود من جملَة مَشَايِخ أبي حنيفَة رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ وَوضع القلنسوة ورفعها لَا يكون إِلَّا بِالْيَدِ وَهَكَذَا هُوَ فِي نُسْخَة وَفِي نُسْخَة أُخْرَى أَو رَفعهَا بِكَلِمَة أَو قَالَ ابْن قرقول أَو رَفعهَا لعبدوس والقابسي على الشَّك وَعند النَّسَفِيّ وَأبي ذَر والأصيلي " ورفعها " من غير شكّ وَهُوَ الصَّوَاب (وَوضع عَليّ رَضِي الله عَنهُ كَفه على رصغه الْأَيْسَر إِلَّا أَن يحك جلدا أَو يصلح ثوبا) قَالَ ابْن التِّين كَذَا وَقع فِي البُخَارِيّ بالصَّاد يَعْنِي لفظ رصغه وَقَالَ خَلِيل هُوَ لُغَة فِي الرسغ وَقَالَ غَيره صَوَابه بِالسِّين وَهُوَ حد مفصل الْكَفّ فِي الذِّرَاع والقدم من السَّاق وَفِي الْمُحكم الرسغ مُجْتَمع السَّاقَيْن والقدمين وَقيل هُوَ مفصل مَا بَين الساعد والكف والساق والقدم وَكَذَلِكَ هُوَ من كل دَابَّة وَالْجمع أرساغ قَوْله " إِلَّا أَن يحك " إِلَى آخِره من كَلَام عَليّ رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ لَا من كَلَام البُخَارِيّ من التَّرْجَمَة للبعد بَينهمَا وَقَالَ الْإِسْمَاعِيلِيّ فِي مستخرجه هُوَ من التَّرْجَمَة وَلَيْسَ كَذَلِك لِأَن ابْن أبي شيبَة أخرجه فِي مُصَنفه عَنهُ بِهَذَا اللَّفْظ إِلَّا أَن يصلح ثَوْبه أَو يحك جسده وَقَالَ بَعضهم وَصرح بِكَوْنِهِ من كَلَام البُخَارِيّ لَا من كَلَام عَليّ رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ الْعَلامَة عَلَاء الدّين مغلطاي فِي شَرحه وَتَبعهُ من أَخذ ذَلِك عَنهُ مِمَّن أدركناه وَهُوَ وهم (قلت) هَذَا الْقَائِل هُوَ الَّذِي وهم فَإِن مغلطاي مَا قَالَ ذَلِك من عِنْده وَإِنَّمَا نَقله عَن الْإِسْمَاعِيلِيّ فَانْظُر فِي شَرحه ترَاهُ قَالَ قَالَه الْإِسْمَاعِيلِيّ وَقَالَ ابْن بطال اخْتلف السّلف فِي الِاعْتِمَاد فِي الصَّلَاة والتوكؤ على الشَّيْء فَقَالَت طَائِفَة لَا بَأْس أَن يَسْتَعِين فِي الصَّلَاة بِمَا شَاءَ من جسده وَغَيره وَذكره ابْن أبي شيبَة عَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ أَنه كَانَ يتَوَكَّأ على عصى وَعَن أبي ذَر مثله وَقَالَ عَطاء كَانَ أَصْحَاب مُحَمَّد - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - يتوكئون على العصي فِي الصَّلَاة وأوتد عَمْرو بن مَيْمُون وتدا إِلَى الْحَائِط فَكَانَ إِذا سئم الْقيام فِي الصَّلَاة أَو شقّ عَلَيْهِ أمسك بالوتد يعْتَمد عَلَيْهِ وَقَالَ الشّعبِيّ لَا بَأْس أَن يعْتَمد على الْحَائِط وَكره ذَلِك غَيرهم وَعَن الْحسن أَنه كره أَن يعْتَمد على الْحَائِط فِي الْمَكْتُوبَة إِلَّا من عِلّة وَلم ير بِهِ بَأْسا فِي النَّافِلَة وَقَالَ مَالك وَكَرِهَهُ ابْن سِيرِين فِي الْفَرِيضَة والتطوع وَقَالَ مُجَاهِد إِذا توكأ على الْحَائِط ينقص من صلَاته قدر ذَلِك قَالَ وَالْعَمَل فِي الصَّلَاة على ثَلَاثَة أضْرب يسير جدا كالغمز وحك الْجَسَد وَالْإِشَارَة فَهَذَا لَا ينقص عمده وَلَا سَهْوه وَكَذَلِكَ التخطي إِلَى الفرجة الْقَرِيبَة. الثَّانِي أَكثر من هَذَا يبطل عمده دون سَهْوه كالانصراف من الصَّلَاة. الثَّالِث الْمَشْي الْكثير وَالْخُرُوج من الْمَسْجِد فَهَذَا يبطل الصَّلَاة عمده وسهوه وَفِي مُسْند أَحْمد " عَن ابْن عمر نهى رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَن يجلس الرجل فِي الصَّلَاة وَهُوَ مُعْتَمد على يَده " وَعند أبي دَاوُد " رأى رجل يتكىء على يَده الْيُسْرَى وَهُوَ قَاعد فِي الصَّلَاة فَقَالَ لَا تجْلِس هَكَذَا فَإِن هَكَذَا يجلس الَّذين يُعَذبُونَ " وَفِي رِوَايَة " تِلْكَ صَلَاة المغضوب عَلَيْهِم " وَقَالَ أَبُو دَاوُد حَدثنَا عبد السَّلَام بن عبد الرَّحْمَن الوابصي حَدثنَا أبي عَن شَيبَان عَن حُصَيْن " عَن هِلَال بن يسَاف قَالَ قدمت الرقة فَقَالَ لي بعض أَصْحَابِي هَل لَك من رجل من أَصْحَاب النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ قلت عتيمة فدفعنا إِلَى وابصة فَقلت لصاحبي نبدأ فَنَنْظُر إِلَى دله فَإِذا عَلَيْهِ قلنسوة لَا طليبة ذَات أذنين وبرنس خَز أغبر وَإِذا هُوَ مُعْتَمد على عصى فِي صلَاته فَقُلْنَا بعد أَن سلمنَا فَقَالَ حَدَّثتنِي أم قيس بنت محص أَن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - لما أسن وَحمل اللَّحْم اتخذ عمودا فِي مُصَلَّاهُ يعْتَمد عَلَيْهِ " (قلت) وابصة بن معبد بن عتبَة بن الْحَارِث قَوْله " إِلَى دله " بِفَتْح الدَّال الْمُهْملَة وَتَشْديد اللَّام وَهُوَ السمت والهيئة الَّتِي يكون عَلَيْهَا الْإِنْسَان من السكينَة وَالْوَقار وَحسن السِّيرَة والطريقة واستقامة المنظر وَبِهَذَا الحَدِيث قَالَ أَصْحَابنَا أَن الضَّعِيف أَو الشَّيْخ الْكَبِير إِذا كَانَ قَادِرًا على الْقيام مُتكئا على شَيْء يُصَلِّي قَائِما مُتكئا وَلَا يقْعد وَفِي الْخُلَاصَة وَلَا يجوز غير ذَلِك وَكَذَا لَو قدر على أَن يعْتَمد على عصى أَو كَانَ لَهُ خَادِمًا لَو اتكأ عَلَيْهِ قدر على الْقيام فَإِنَّهُ يقوم ويتكىء وَلَو صلى مُعْتَمدًا على العصى من غير عِلّة هَل تكره أم لَا فَقيل تكره مُطلقًا وَقيل لَا تكره فِي التَّطَوُّع
220 - (حَدثنَا عبد الله بن يُوسُف قَالَ أخبرنَا مَالك عَن مخرمَة بن سُلَيْمَان عَن كريب مولى ابْن عَبَّاس أَنه أخبرهُ عَن عبد الله بن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا أَنه بَات عِنْد مَيْمُونَة أم الْمُؤمنِينَ

(7/266)


رَضِي الله عَنْهَا وَهِي خَالَته قَالَ فاضطجعت على عرض الوسادة واضطجع رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَأَهله فِي طولهَا فَنَامَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - حَتَّى انتصف اللَّيْل أَو قبله بِقَلِيل أَو بعده بِقَلِيل ثمَّ اسْتَيْقَظَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فَجَلَسَ يمسح النّوم عَن وَجهه بيدَيْهِ ثمَّ قَرَأَ الْعشْر آيَات خَوَاتِيم سُورَة آل عمرَان ثمَّ قَامَ إِلَى شن معلقَة فَتَوَضَّأ مِنْهَا فَأحْسن وضوأه ثمَّ قَامَ يُصَلِّي. قَالَ عبد الله بن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فصنعت مثل مَا صنع ثمَّ ذهبت فَقُمْت إِلَى جنبه فَوضع رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - يَده الْيُمْنَى على رَأْسِي وَأخذ بأذني الْيُمْنَى يفتلها بِيَدِهِ فصلى رَكْعَتَيْنِ ثمَّ رَكْعَتَيْنِ ثمَّ رَكْعَتَيْنِ ثمَّ رَكْعَتَيْنِ ثمَّ رَكْعَتَيْنِ ثمَّ رَكْعَتَيْنِ ثمَّ أوتر ثمَّ اضْطجع حَتَّى جَاءَهُ الْمُؤَذّن فَقَامَ فصلى رَكْعَتَيْنِ خفيفتين ثمَّ خرج فصلى الصُّبْح) مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله " وَأخذ بأذني الْيُمْنَى " وَذَلِكَ لإدارته من الْجَانِب الْأَيْسَر إِلَى الْجَانِب الْأَيْمن وَذَلِكَ من مصلحَة الصَّلَاة وَقد ذكر البُخَارِيّ هَذَا الحَدِيث فِي اثنى عشر موضعا أَولهَا عَن إِسْمَاعِيل بن أبي أويس فِي بَاب قِرَاءَة الْقُرْآن بعد الْحَدث وَغَيره فِي كتاب الْوضُوء وَقد تكلمنا هُنَاكَ على جَمِيع مَا يتَعَلَّق بِهِ

(بَاب مَا ينْهَى من الْكَلَام فِي الصَّلَاة)
أَي هَذَا بَاب فِي بَيَان مَا ينْهَى من الْكَلَام فِي الصَّلَاة وَفِي رِوَايَة الْأصيلِيّ والكشميهني بَاب مَا ينْهَى عَنهُ من الْكَلَام
221 - (حَدثنَا ابْن نمير قَالَ حَدثنَا ابْن فُضَيْل قَالَ حَدثنَا الْأَعْمَش عَن إِبْرَاهِيم عَن عَلْقَمَة عَن عبد الله رَضِي الله عَنهُ أَنه قَالَ كُنَّا نسلم على النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَهُوَ فِي الصَّلَاة فَيرد علينا فَلَمَّا رَجعْنَا من عِنْد النَّجَاشِيّ سلمنَا عَلَيْهِ فَلم يرد علينا وَقَالَ إِن فِي الصَّلَاة شغلا) مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله " فَلم يرد علينا " إِلَى آخِره. (ذكر رِجَاله) وهم سِتَّة. الأول مُحَمَّد بن عبد الله بن نمير بِضَم النُّون وَسُكُون الْيَاء آخر الْحُرُوف وبالراء أَبُو عبد الرَّحْمَن الْهَمدَانِي رَيْحَانَة الْعرَاق مَاتَ سنة أَربع وَثَلَاثِينَ وَمِائَتَيْنِ. الثَّانِي مُحَمَّد بن فُضَيْل بِضَم الْفَاء وَفتح الضَّاد الْمُعْجَمَة مر فِي بَاب صَوْم رَمَضَان من كتاب الْإِيمَان. الثَّالِث سُلَيْمَان الْأَعْمَش وَقد تكَرر ذكره. الرَّابِع إِبْرَاهِيم النَّخعِيّ. الْخَامِس عَلْقَمَة بن قيس. السَّادِس عبد الله بن مَسْعُود (ذكر لطائف إِسْنَاده) فِيهِ التحديث بِصِيغَة الْجمع فِي ثَلَاثَة مَوَاضِع وَفِيه العنعنة فِي ثَلَاثَة مَوَاضِع وَفِيه القَوْل فِي ثَلَاثَة مَوَاضِع وَفِيه أَن رجال إِسْنَاده كلهم كوفيون وَفِيه أَنه ذكر شَيْخه بنسبته إِلَى جده لِأَن اسْم أَبِيه عبد الله كَمَا ذكرنَا الْآن وَقد تكلّف الْكرْمَانِي فِي هَذَا فَقَالَ مَا حَاصله أَنه ذكره فِي بَاب إتْيَان مَسْجِد قبَاء أَنه عبد الله لَا مُحَمَّد فَكيف يفرق بَينهمَا ثمَّ قَالَ يحصل الْفرق بِذكر شيوخهما وَمَعْرِفَة طبقتهما وتاريخ وفاتهما وَلَعَلَّ غَرَض البُخَارِيّ فِي مثل هَذَا الْإِبْهَام التَّرْغِيب فِي معرفَة طَبَقَات الرِّجَال وامتحان استحضارهم وَنَحْو ذَلِك انْتهى (قلت) الْمَذْكُور فِي بَاب إتْيَان مَسْجِد قبَاء ابْن نمير فَقَط وَكَذَلِكَ فِي هَذَا الْبَاب الْمَذْكُور ابْن نمير فِي موضِعين وَالْكل وَاحِد غير أَنه تَارَة ينْسب إِلَى أَبِيه وَتارَة إِلَى جده وَفِيه أَن الْمَذْكُور من الرِّجَال اثْنَان بِابْن فلَان أَحدهمَا مَنْسُوب إِلَى جده وَالْآخر مَنْسُوب إِلَى أَبِيه وَفِيه وَاحِد مَذْكُور بلقبه وَثَلَاثَة مذكورون بِلَا نِسْبَة. (ذكر تعدد مَوْضِعه وَمن أخرجه غَيره) أخرجه البُخَارِيّ أَيْضا فِي هِجْرَة الْحَبَشَة عَن يحيى بن حَمَّاد عَن أبي عوَانَة وَفِي الصَّلَاة عَن عبد الله بن أبي شيبَة وَعَن ابْن نمير عَن إِسْحَق بن مَنْصُور عَن هريم بن سُفْيَان وَأخرجه مُسلم فِي الصَّلَاة عَن أبي بكر بن أبي شيبَة وَزُهَيْر وَابْن نمير وَأبي سعيد الْأَشَج أربعتهم عَن ابْن فُضَيْل بِهِ وَعَن ابْن نمير عَن

(7/267)


إِسْحَاق بن مَنْصُور بِهِ وَأخرجه أَبُو دَاوُد فِيهِ عَن ابْن نمير عَن فُضَيْل بِهِ وَأخرجه النَّسَائِيّ فِيهِ عَن حميد بن مسْعدَة عَن بشر بن الْمفضل عَن شُعْبَة عَنهُ بِهِ (ذكر مَعْنَاهُ) قَوْله " كُنَّا نسلم على النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَهُوَ فِي الصَّلَاة " وَفِي رِوَايَة أبي وَائِل " كُنَّا نسلم فِي الصَّلَاة ونأمر بحاجاتنا " وَفِي رِوَايَة أبي الْأَحْوَص " خرجت فِي حَاجَة وَنحن يسلم بَعْضنَا على بعض فِي الصَّلَاة " قَوْله " وَهُوَ فِي الصَّلَاة " جملَة حَالية قَوْله " فَيرد علينا " أَي يرد السَّلَام علينا وَهُوَ فِي الصَّلَاة قَوْله " فَلَمَّا رَجعْنَا من عِنْد النَّجَاشِيّ بِفَتْح النُّون وَقيل بِكَسْرِهَا وكل من ملك الْحَبَشَة يُسمى النَّجَاشِيّ كَمَا يُسمى كل من ملك الرّوم قيصرا وكل من ملك الْفرس يُسمى كسْرَى وكل من ملك التّرْك يُسمى خافانا وكل من ملك الْهِنْد يُسمى بطلميوسا وكل من ملك الْيمن يُسمى تبعا وَقَالَ ابْن إِسْحَاق لما احْتمل الْمُسلمُونَ من أَذَى الْكفَّار وَاشْتَدَّ ذَلِك عَلَيْهِم قصد بَعضهم الْهِجْرَة فِرَارًا بدينهم من الْفِتْنَة قَالَ وَلما رأى رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - مَا يُصِيب أَصْحَابه من الْبلَاء وَمَا هُوَ فِيهِ من الْعَافِيَة بمكانه من الله تَعَالَى وَمن عَمه أبي طَالب وَأَنه لَا يقدر على أَن يمنعهُم مِمَّا هم فِيهِ من الْبلَاء قَالَ لَهُم لَو خَرجْتُمْ إِلَى أَرض الْحَبَشَة فَإِن بهَا ملكا لَا يظلم عِنْده أحد وَهِي أَرض صدق حَتَّى يَجْعَل الله لكم فرجا مِمَّا أَنْتُم فِيهِ فَخرج عِنْد ذَلِك الْمُسلمُونَ من أَصْحَاب رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - إِلَى أَرض الْحَبَشَة مَخَافَة الْفِتْنَة وفرارا إِلَى الله تَعَالَى بدينهم فَكَانَت أول هِجْرَة فِي الْإِسْلَام وَقَالَ الْوَاقِدِيّ كَانَت هجرتهم إِلَى الْحَبَشَة فِي رَجَب سنة خمس من النُّبُوَّة وَأَن أول من هَاجر مِنْهُم أحد عشر رجلا وَأَرْبع نسْوَة وَأَنَّهُمْ انْتَهوا إِلَى الْبَحْر مَا بَين ماش وراكب فاستأجروا سفينة بِنصْف دِينَار إِلَى الْحَبَشَة وهم عُثْمَان بن عَفَّان وَامْرَأَته رقية بنت رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَأَبُو حُذَيْفَة بن عتبَة وَامْرَأَته سهلة بنت سُهَيْل وَالزُّبَيْر بن الْعَوام وَمصْعَب بن عُمَيْر وَعبد الرَّحْمَن بن عَوْف وَأَبُو سَلمَة بن عبد الْأسد وَامْرَأَته أم سَلمَة بنت أبي أُميَّة وَعُثْمَان بن مَظْعُون وعامر بن ربيعَة الْعَنزي وَامْرَأَته ليلى بنت أبي حثْمَة وَأَبُو سُبْرَة بن أبي دِرْهَم وحاطب بن عَمْرو وَسُهيْل بن بَيْضَاء وَعبد الله بن مَسْعُود رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُم وَقَالَ ابْن جرير وَقَالَ الْآخرُونَ كَانُوا اثْنَيْنِ وَثَمَانِينَ رجلا سوى نِسَائِهِم وَأَبْنَائِهِمْ وعمار بن يَاسر يشك فِيهِ فَإِن كَانَ فيهم فقد كَانُوا ثَلَاثَة وَثَمَانِينَ رجلا وَلما رجعُوا من عِنْد النَّجَاشِيّ كَانَ رجوعهم من عِنْده إِلَى مَكَّة وَذَلِكَ أَن الْمُسلمين الَّذين ذَكَرْنَاهُمْ أَنهم هَاجرُوا إِلَى الْحَبَشَة بَلغهُمْ أَن الْمُشْركين أَسْلمُوا فَرَجَعُوا إِلَى مَكَّة فوجدوا الْأَمر بِخِلَاف ذَلِك وَاشْتَدَّ الْأَذَى عَلَيْهِم فَخَرجُوا إِلَيْهَا أَيْضا فَكَانُوا فِي الْمرة الثَّانِيَة أَضْعَاف الأولى وَكَانَ ابْن مَسْعُود مَعَ الْفَرِيقَيْنِ وَاخْتلف فِي مُرَاده بقوله فَلَمَّا رَجعْنَا هَل أَرَادَ الرُّجُوع الأول أَو الثَّانِي فمالت جمَاعَة مِنْهُم أَبُو الطّيب الطَّبَرِيّ إِلَى الأول وَقَالُوا تَحْرِيم الْكَلَام كَانَ بِمَكَّة وحملوا حَدِيث زيد بن أَرقم على أَنه وَقَومه لم يبلغهم النّسخ وَقَالُوا لَا مَانع من أَن يتَقَدَّم الحكم ثمَّ تنزل الْآيَة بوفقه ومالت طَائِفَة إِلَى التَّرْجِيح فَقَالُوا بترجيح حَدِيث ابْن مَسْعُود فَإِنَّهُ حكى لفظ النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - بِخِلَاف زيد فَلم يحكه وَقَالَت طَائِفَة إِنَّمَا أَرَادَ ابْن مَسْعُود رُجُوعه الثَّانِي وَقد ورد أَنه قدم الْمَدِينَة وَالنَّبِيّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - يتجهز إِلَى بدر وروى الْحَاكِم فِي مُسْتَدْركه من طَرِيق أبي إِسْحَاق عَن عبد الله بن عتبَة بن مَسْعُود قَالَ بعثنَا رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - إِلَى النَّجَاشِيّ ثَمَانِينَ رجلا فَذكر الحَدِيث بِطُولِهِ وَفِي آخِره " فتعجل عبد الله بن مَسْعُود فَشهد بَدْرًا " وَقَالَ ابْن إِسْحَق إِن الْمُؤمنِينَ وهم بِالْحَبَشَةِ لما بَلغهُمْ أَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - هَاجر إِلَى الْمَدِينَة رَجَعَ مِنْهُم إِلَى مَكَّة ثَلَاثَة وَثَلَاثُونَ رجلا فَمَاتَ مِنْهُم رجلَانِ بِمَكَّة وَحبس بهَا مِنْهُم سَبْعَة وَتوجه إِلَى الْمَدِينَة أَرْبَعَة وَعِشْرُونَ رجلا فَشَهِدُوا بَدْرًا فَبَان من ذَلِك أَن ابْن مَسْعُود كَانَ من هَؤُلَاءِ وَأَن اجْتِمَاعهم بِالنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - كَانَ بِالْمَدِينَةِ قَوْله " شغلا " بِضَم الشين والغين وبسكون الْغَيْن والتنوين فِيهِ للتنويع أَي نوعا من الشّغل لَا يَلِيق مَعَه الِاشْتِغَال بِغَيْرِهِ قَالَه الْكرْمَانِي وَيجوز أَن يكون للتعظيم أَي شغلا عَظِيما وَهُوَ اشْتِغَال بِاللَّه تَعَالَى دون غَيره فِي مثل هَذِه الْحَالة (ذكر مَا يُسْتَفَاد مِنْهُ) فِيهِ دلَالَة على أَن الْكَلَام كَانَ مُبَاحا فِي الصَّلَاة ثمَّ حرم وَكَذَلِكَ فِي حَدِيث زيد بن أَرقم الْآتِي ذكره وَاخْتلفُوا مَتى حرم فَقَالَ قوم بِمَكَّة وَاسْتَدَلُّوا بِحَدِيث ابْن مَسْعُود ورجوعه من عِنْد النَّجَاشِيّ إِلَى مَكَّة وَقَالَ آخَرُونَ بِالْمَدِينَةِ بِدَلِيل حَدِيث زيد بن أَرقم فَإِنَّهُ من الْأَنْصَار أسلم بِالْمَدِينَةِ وَسورَة الْبَقَرَة مَدَنِيَّة وَقَالُوا ابْن مَسْعُود لما عَاد إِلَى مَكَّة من

(7/268)


الْحَبَشَة رَجَعَ إِلَى النَّجَاشِيّ إِلَى الْحَبَشَة فِي الْهِجْرَة الثَّانِيَة ثمَّ ورد على رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - بِالْمَدِينَةِ وَهُوَ يتجهز لبدر وَقَالَ الْخطابِيّ إِنَّمَا نسخ الْكَلَام بعد الْهِجْرَة بِمدَّة يسيرَة وَأجَاب الْأَولونَ بِأَنَّهُ قَالَ فَلَمَّا رَجعْنَا من عِنْد النَّجَاشِيّ وَلم يقل فِي الْمرة الثَّانِيَة وحملوا حَدِيث زيد على أَنه إِخْبَار عَن الصَّحَابَة الْمُتَقَدِّمين كَمَا يَقُول الْقَائِل قتلناكم وهزمناكم يعنون الْآبَاء والأجداد ورد قَول الْخطابِيّ بتعذر التَّارِيخ وَفِيه نظر لِأَن فِي حَدِيث جَابر الَّذِي رَوَاهُ مُسلم " بَعَثَنِي رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فِي حَاجَة ثمَّ أَدْرَكته وَهُوَ يُصَلِّي فَسلمت عَلَيْهِ فَأَشَارَ إِلَيّ فَلَمَّا فرغ قَالَ إِنَّك سلمت آنِفا وَأَنا أُصَلِّي فَهُوَ الَّذِي مَنَعَنِي أَن أُكَلِّمك " وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ وَابْن مَاجَه وَفِي لفظ " كَانَ ذَلِك وَهُوَ منطلق إِلَى بني المصطلق " وَهَذَا يرد أَيْضا مَا قَالَه ابْن حبَان من قَوْله توهم من لم يحكم صناعَة الْعلم أَن نسخ الْكَلَام فِي الصَّلَاة كَانَ بِالْمَدِينَةِ لحَدِيث زيد بن أَرقم وَلَيْسَ كَذَلِك لِأَن الْكَلَام فِي الصَّلَاة كَانَ مُبَاحا إِلَى أَن رَجَعَ ابْن مَسْعُود وَأَصْحَابه من عِنْد النَّجَاشِيّ فوجدوا إِبَاحَة الْكَلَام قد نسخت وَكَانَ بِالْمَدِينَةِ مُصعب بن عُمَيْر يقري الْمُسلمين ويفقههم وَكَانَ الْكَلَام بِالْمَدِينَةِ مُبَاحا كَمَا كَانَ فِي مَكَّة فَلَمَّا نسخ ذَلِك بِمَكَّة تَركه النَّاس بِالْمَدِينَةِ فَحكى زيد ذَلِك الْفِعْل لَا أَن نسخ الْكَلَام كَانَ بِالْمَدِينَةِ وَقَالَ ابْن حبَان فِي مَوضِع آخر بِأَن زيد بن أَرقم أَرَادَ بقوله " كُنَّا نتكلم " من كَانَ يُصَلِّي خلف النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - بِمَكَّة من الْمُسلمين ورد هَذَا أَيْضا بِأَنَّهُم مَا كَانُوا بِمَكَّة يَجْتَمعُونَ إِلَّا نَادرا وَبِمَا رَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ من حَدِيث أبي أُمَامَة رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُم أَجْمَعِينَ " كَانَ الرجل إِذا دخل الْمَسْجِد فَوَجَدَهُمْ يصلونَ سَأَلَ الَّذِي إِلَى جنبه فيخبره بِمَا فَاتَهُ فَيَقْضِي ثمَّ يدْخل مَعَهم حَتَّى جَاءَ معَاذ يَوْمًا فَدخل فِي الصَّلَاة " فَذكر الحَدِيث وَهَذَا كَانَ بِالْمَدِينَةِ قطعا لِأَن أَبَا أُمَامَة ومعاذ بن جبل إِنَّمَا أسلما بِالْمَدِينَةِ (فَإِن قلت) فِي حَدِيث جَابر الْمَذْكُور إِشْكَال على قَول أبي حنيفَة حَيْثُ قَالَ الْمُصَلِّي إِذا سلم عَلَيْهِ لَا يرد بِلَفْظ وَلَا بِإِشَارَة (قلت) حَدِيث جَابر رُوِيَ بِوُجُوه مُخْتَلفَة. مِنْهَا مَا رَوَاهُ الطَّحَاوِيّ حَدثنَا أَحْمد بن دَاوُد قَالَ حَدثنَا مُسَدّد قَالَ حَدثنَا إِسْمَاعِيل بن إِبْرَاهِيم قَالَ حَدثنَا هِشَام بن أبي عبد الله قَالَ حَدثنَا أَبُو الزبير " عَن جَابر قَالَ كُنَّا مَعَ النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فِي سفر فَبَعَثَنِي فِي حَاجَة فَانْطَلَقت إِلَيْهَا ثمَّ رجعت إِلَيْهِ وَهُوَ على رَاحِلَته فَسلمت عَلَيْهِ فَلم يرد عَليّ ورأيته يرْكَع وَيسْجد فَلَمَّا سلم رد عَليّ " فَهَذَا جَابر بن عبد الله يخبر أَن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - لم يرد عَلَيْهِ وَأَنه لما فرغ من صلَاته رد عَلَيْهِ وروى أَيْضا مرّة عَن أبي بكرَة عَن أبي دَاوُد عَن هِشَام فَذكر بِإِسْنَادِهِ مثله غير أَنه لم يقل فَلم يرد عَليّ وَقَالَ " فَلَمَّا فرغ من صلَاته قَالَ أما إِنَّه لم يَمْنعنِي أَن أرد عَلَيْك إِلَّا أَنِّي كنت أُصَلِّي " فَأَخْبرنِي هَذَا أَن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - لم يرد عَلَيْهِ فِي الصَّلَاة فَدلَّ ذَلِك على أَن تِلْكَ الْإِشَارَة الَّتِي كَانَت مِنْهُ فِي الصَّلَاة لم تكن ردا وَإِنَّمَا كَانَت نهيا (فَإِن قلت) روى الطَّحَاوِيّ أَيْضا عَن جَابر من رِوَايَة الْأَعْمَش عَن أبي سُفْيَان قَالَ سَمِعت جَابِرا يَقُول مَا أحب أَن أسلم على الرجل وَهُوَ يُصَلِّي وَلَو سلم عَليّ لرددت عَلَيْهِ (قلت) هُوَ كره أَن يسلم على الْمُصَلِّي وَقد كَانَ سلم على رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَهُوَ يُصَلِّي فَأَشَارَ إِلَيْهِ فَلَو كَانَت الْإِشَارَة الَّتِي كَانَت من النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - رد السَّلَام عَلَيْهِ إِذا لما كره ذَلِك لِأَن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - لم يَنْهَهُ عَنهُ وَلكنه إِنَّمَا كره ذَلِك لِأَن إِشَارَة النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - تِلْكَ كَانَت عِنْده نهيا لَهُ عَن السَّلَام عَلَيْهِ وَهُوَ يُصَلِّي (فَإِن قلت) قد قَالَ وَلَو سلم عَليّ لرددت (قلت) لَهُ أفقال جَابر لرددت فِي الصَّلَاة قد يجوز أَن يكون أَرَادَ بقوله " لرددت " أَي بعد فراغي من الصَّلَاة قَالَ الطَّحَاوِيّ وَقد دلّ على ذَلِك من مذْهبه مَا حَدثنَا عَليّ بن زيد قَالَ حَدثنَا مُوسَى بن دَاوُد قَالَ حَدثنَا همام قَالَ سَأَلَ سُلَيْمَان بن مُوسَى عَطاء أسألت جَابِرا عَن الرجل يسلم عَلَيْك وَأَنت تصلي فَقَالَ لَا ترد عَلَيْهِ حَتَّى تقضي صَلَاتك فَقَالَ نعم ثمَّ الْأَئِمَّة اخْتلفُوا فِي هَذَا الْبَاب فَقَالَ قوم مِنْهُم يرد السَّلَام نطقا وَهُوَ الْمَرْوِيّ عَن أبي هُرَيْرَة وَجَابِر وَالْحسن وَسَعِيد بن الْمسيب وَقَتَادَة وَإِسْحَاق وَمِنْهُم من قَالَ يسْتَحبّ رده بِالْإِشَارَةِ وَبِه قَالَ الشَّافِعِي وَمَالك وَأحمد وَأَبُو ثَوْر وَقيل يرد فِي نَفسه روى ذَلِك عَن أبي حنيفَة أَيْضا وَقَالَ قوم يرد بعد السَّلَام وَهُوَ قَول عَطاء وَالثَّوْري وَالنَّخَعِيّ وَهُوَ الْمَرْوِيّ عَن أبي ذَر وَأبي الْعَالِيَة وَبِه قَالَ مُحَمَّد بن الْحسن وَقَالَ أَبُو يُوسُف لَا يرد لَا فِي الْحَال وَلَا بعد الْفَرَاغ وَقَالَت طَائِفَة من الظَّاهِرِيَّة إِذا كَانَت الْإِشَارَة مفهمة قطعت عَلَيْهِ صلَاته لما رُوِيَ عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ قَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - " التَّسْبِيح للرِّجَال والتصفيق

(7/269)


للنِّسَاء وَمن أَشَارَ فِي صلَاته إِشَارَة تفهم مِنْهُ ليعدها " رَوَاهُ الطَّحَاوِيّ وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد أَيْضا وَلَفظه " فليعدلها " ثمَّ قَالَ وَهَذَا الحَدِيث وهم وَقَالَ إِسْحَاق بن إِبْرَاهِيم بن هانىء سُئِلَ أَحْمد عَن هَذَا الحَدِيث فَقَالَ لَا يثبت إِسْنَاده لَيْسَ بِشَيْء وَأعله ابْن الْجَوْزِيّ بِابْن إِسْحَاق فِي سَنَده وَقَالَ أَبُو غطفان مَجْهُول وَهُوَ فِي إِسْنَاده أَيْضا قَالَ صَاحب التَّحْقِيق أَبُو غطفان هُوَ ابْن طريف وَيُقَال ابْن مَالك المري قَالَ عَبَّاس الدوري سَمِعت ابْن معِين يَقُول فِيهِ ثِقَة وَقَالَ النَّسَائِيّ فِي الكنى أَبُو غطفان ثِقَة قيل اسْمه سعد وَذكره ابْن حبَان فِي الثِّقَات وَأخرج لَهُ مُسلم فِي صَحِيحه فَحِينَئِذٍ يكون إِسْنَاد الحَدِيث صَحِيحا وَأَبُو دَاوُد لم يبين كَيْفيَّة الْوَهم فَلَا يَبْنِي عَلَيْهِ شَيْء فَإِن كَانَ قَول أبي دَاوُد من جِهَة أبي غطفان فقد بَينا حَاله وتعليل ابْن الْجَوْزِيّ بِابْن إِسْحَق لَيْسَ بِشَيْء لِأَن ابْن إِسْحَاق من الثِّقَات الْكِبَار عِنْد الْجُمْهُور
222 - (حَدثنَا ابْن نمير قَالَ حَدثنَا إِسْحَاق بن مَنْصُور قَالَ حَدثنَا هريم بن سُفْيَان عَن الْأَعْمَش عَن إِبْرَاهِيم عَن عَلْقَمَة عَن عبد الله رَضِي الله عَنهُ عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - نَحوه) هَذَا طَرِيق آخر للْحَدِيث الْمَذْكُور وَابْن نمير هُوَ مُحَمَّد بن عبد الله بن نمير الْمَذْكُور فِي الحَدِيث الأول وَإِسْحَاق بن مَنْصُور السَّلُولي بِفَتْح السِّين الْمُهْملَة وَضم اللَّام الأولى نِسْبَة إِلَى سلول قَبيلَة من هوَازن وهريم بِضَم الْهَاء وَفتح الرَّاء مصغر هرم بن سُفْيَان البَجلِيّ أَبُو مُحَمَّد وَالْأَعْمَش هُوَ سُلَيْمَان بن مهْرَان وَإِبْرَاهِيم بن يزِيد النَّخعِيّ وعلقمة بن قيس وَرِجَال الْإِسْنَاد كلهم كوفيون قَوْله " نَحوه " أَي نَحْو طَرِيق مُحَمَّد بن فُضَيْل عَن الْأَعْمَش إِلَى آخِره وَأخرجه مُسلم أَيْضا بالطريقين أَحدهمَا من طَرِيق ابْن فُضَيْل عَن الْأَعْمَش وَالْآخر عَن ابْن نمير عَن إِسْحَاق بن مَنْصُور السَّلُولي وَأخرجه أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيّ من طَرِيق أبي وَائِل عَن ابْن مَسْعُود فَقَالَ أَبُو دَاوُد حَدثنَا مُوسَى بن إِسْمَاعِيل حَدثنَا أبان حَدثنَا عَاصِم عَن أبي وَائِل " عَن عبد الله قَالَ كُنَّا نسلم فِي الصَّلَاة ونأمر بحاجتنا فَقدمت على رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَهُوَ يُصَلِّي فَسلمت عَلَيْهِ فَلم يرد عَليّ السَّلَام فأخذني مَا قدم وَحدث فَلَمَّا قضى رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ إِن الله تَعَالَى يحدث من أمره مَا يَشَاء وَإِن الله قد أحدث من أمره أَن لَا تكلمُوا فِي الصَّلَاة فَرد عَليّ السَّلَام " وَأخرجه الطَّحَاوِيّ وَابْن مَاجَه من طَرِيق أبي الْأَحْوَص عَنهُ فَقَالَ الطَّحَاوِيّ حَدثنَا عَليّ بن شيبَة قَالَ حَدثنَا عبيد الله بن مُوسَى قَالَ حَدثنَا إِسْرَائِيل عَن أبي إِسْحَاق عَن أبي الْأَحْوَص " عَن عبد الله قَالَ خرجت فِي حَاجَة وَنحن يسلم بَعْضنَا على بعض فِي الصَّلَاة فَلَمَّا رجعت فَسلمت فَلم يرد عَليّ وَقَالَ إِن فِي الصَّلَاة شغلا " وَقَالَ ابْن مَاجَه حَدثنَا أَحْمد بن سعيد الدَّارمِيّ حَدثنَا النَّضر بن شُمَيْل حَدثنَا يُونُس بن أبي إِسْحَاق عَن أبي إِسْحَاق عَن أبي الْأَحْوَص " عَن عبد الله قَالَ كُنَّا نسلم فِي الصَّلَاة فَقيل لنا إِن فِي الصَّلَاة شغلا " وَأَبُو وَائِل شَقِيق ابْن سَلمَة وَأَبُو إِسْحَاق عَمْرو بن عبد الله السبيعِي وَأَبُو الْأَحْوَص عَوْف بن مَالك
223 - (حَدثنَا إِبْرَاهِيم بن مُوسَى قَالَ أخبرنَا عِيسَى هُوَ ابْن يُونُس عَن إِسْمَاعِيل عَن الْحَارِث بن شبيل عَن أبي عَمْرو الشَّيْبَانِيّ قَالَ قَالَ لي زيد بن أَرقم إِن كُنَّا لنتكلم فِي الصَّلَاة على عهد النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - يكلم أَحَدنَا صَاحبه بحاجته حَتَّى نزلت {حَافظُوا على الصَّلَوَات وَالصَّلَاة الْوُسْطَى وَقومُوا لله قَانِتِينَ} فَأمرنَا بِالسُّكُوتِ) مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله " فَأمرنَا بِالسُّكُوتِ " وَالْأَمر بِالسُّكُوتِ نهي عَن الْكَلَام. (ذكر رِجَاله) وهم سِتَّة. الأول إِبْرَاهِيم بن مُوسَى بن يزِيد بن زادان التَّمِيمِي الْفراء أَبُو إِسْحَق مر فِي الْحيض. الثَّانِي عِيسَى بن يُونُس بن أبي إِسْحَاق السبيعِي مر فِي بَاب من صلى بِالنَّاسِ وَذكر حَاجَة. الثَّالِث إِسْمَاعِيل بن أبي خَالِد الأحمسي البَجلِيّ وَاسم أبي خَالِد سعد وَيُقَال هُرْمُز مر فِي الْإِيمَان. الرَّابِع الْحَارِث بن شبيل بِضَم الشين الْمُعْجَمَة وَفتح الْبَاء الْمُوَحدَة وَسُكُون الْيَاء آخر الْحُرُوف وباللام البَجلِيّ وَلَيْسَ لَهُ فِي البُخَارِيّ إِلَّا هَذَا الحَدِيث. الْخَامِس أَبُو عَمْرو بِفَتْح الْعين الشَّيْبَانِيّ واسْمه سعيد بن إِيَاس مر فِي بَاب

(7/270)


فضل الصَّلَاة لوَقْتهَا. السَّادِس زيد بن أَرقم بِفَتْح الْهمزَة وَالْقَاف وَسُكُون الرَّاء الْأنْصَارِيّ الخزرجي مَاتَ سنة ثَمَان وَسِتِّينَ (ذكر لطائف إِسْنَاده) فِيهِ التحديث بِصِيغَة الْجمع فِي مَوضِع وبصيغة الْإِخْبَار كَذَلِك فِي مَوضِع وَفِيه العنعنة فِي ثَلَاثَة مَوَاضِع وَفِيه القَوْل فِي ثَلَاثَة مَوَاضِع وَفِيه أَن شَيْخه رازي والبقية كوفيون وَفِيه أحد الروَاة مُفَسّر بنسبته إِلَى أَبِيه وَالْآخر مَذْكُور بِلَا نِسْبَة وَالْآخر مَذْكُور بِالْكِتَابَةِ. (ذكر تعدد مَوْضِعه وَمن أخرجه غَيره) أخرجه البُخَارِيّ أَيْضا فِي التَّفْسِير عَن مُسَدّد عَن يحيى بن سعيد وَأخرجه مُسلم فِي الصَّلَاة عَن يحيى بن يحيى وَعَن أبي بكر بن أبي شيبَة وَعَن إِسْحَاق بن إِبْرَاهِيم وَأخرجه أَبُو دَاوُد فِيهِ عَن مُحَمَّد بن عِيسَى وَأخرجه التِّرْمِذِيّ فِيهِ عَن أَحْمد بن منيع وَفِي التَّفْسِير أَيْضا كَذَلِك وَأخرجه النَّسَائِيّ فِي الصَّلَاة عَن إِسْمَاعِيل بن مَسْعُود وَفِي التَّفْسِير عَن سُوَيْد بن نصر (ذكر مَعْنَاهُ) قَوْله " عَن أبي عَمْرو الشَّيْبَانِيّ " لَيْسَ لَهُ فِي الصَّحِيحَيْنِ عَن زيد بن أَرقم غير هَذَا الحَدِيث قَوْله " إِن كُنَّا لنتكلم " كلمة إِن مُخَفّفَة من الثَّقِيلَة وَاللَّام فِي " لنتكلم " للتَّأْكِيد قَوْله " يكلم أَحَدنَا " جملَة استئنافية كَأَنَّهَا جَوَاب عَن قَول الْقَائِل كَيفَ كُنْتُم تتكلمون فَقَالَ يكلم أَحَدنَا صَاحبه بحاجته وَفِي لفظ " وَيسلم بَعْضنَا على بعض " وَعند مُسلم " ونهينا عَن الْكَلَام " وَلَفظ التِّرْمِذِيّ " كُنَّا نتكلم خلف رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فِي الصَّلَاة يكلم الرجل منا صَاحبه إِلَى جنبه حَتَّى نزلت {وَقومُوا لله قَانِتِينَ} قَالَ فَأمرنَا بِالسُّكُوتِ ونهينا عَن الْكَلَام " قَوْله {حَافظُوا} أَي واظبوا وداوموا قَوْله {الْوُسْطَى} أَي الفضلى من قَوْلهم الْأَفْضَل الْأَوْسَط وَلذَلِك أفردت وعطفت على الصَّلَوَات لانفرادها بِالْفَضْلِ فالصفة بالوسطى أَي الفضلى وَارِدَة للإشعار بعلية الحكم قَوْله {قَانِتِينَ} نصب على الْحَال من الضَّمِير الَّذِي فِي {قومُوا} واشتقاقه من الْقُنُوت وَهُوَ يرد لمعان كَثِيرَة بِمَعْنى الطَّاعَة والخشوع وَالصَّلَاة وَالدُّعَاء وَالْعِبَادَة وَالْقِيَام وَطول الْقيام وَقَالَ ابْن بطال الْقُنُوت فِي هَذِه الْآيَة بِمَعْنى الطَّاعَة والخشوع لله تَعَالَى وَلَفظ الرَّاوِي يشْعر بِأَن المُرَاد بِهِ السُّكُوت لِأَن حمله على مَا يشْعر بِهِ كَلَام الرَّاوِي أولى وأرجح لِأَن المشاهدين للوحي والتنزيل يعلمُونَ سَبَب النُّزُول وَقَول الصَّحَابِيّ فِي الْآيَة نزلت فِي كَذَا يتنزل منزلَة الْمسند وَقَالَ عِكْرِمَة كَانُوا يَتَكَلَّمُونَ فنهوا عَنْهَا قَوْله " فَأمرنَا " على صِيغَة الْمَجْهُول وَالْفَاء فِيهِ تشعر بتعليل مَا سبق وَأَيْضًا كلمة حَتَّى الَّتِي فِي قَوْله " حَتَّى نزلت " تشعر بذلك لِأَنَّهَا للغاية (ذكر مَا يُسْتَفَاد مِنْهُ) وَهُوَ على وُجُوه. فِيهِ الدّلَالَة على أَن الْكَلَام فِي الصَّلَاة كَانَ مُبَاحا فِي أول الْإِسْلَام ثمَّ نسخ لِأَن الْمُصَلِّي مُنَاد لرَبه عز وَجل فَالْوَاجِب عَلَيْهِ أَن لَا يقطع مناجاته بِكَلَام مَخْلُوق وَأَن يقبل على ربه ويلتزم الْخُشُوع ويعرض عَمَّا سوى ذَلِك وَقد ذكرنَا عَن قريب أَنه مَتى حرم وَالْحُرْمَة بقوله {وَقومُوا لله قَانِتِينَ} أَي ساكنين على مَا ذكرنَا وَأَرَادَ بقوله " فَأمرنَا بِالسُّكُوتِ " أَي عَن جَمِيع أَنْوَاع كَلَام الْآدَمِيّين. وَأجْمع الْعلمَاء على أَن الْكَلَام فِي الصَّلَاة عَامِدًا عَالما بِتَحْرِيمِهِ لغير مصلحتها أَو لغير إنقاذ هَالك أَو شبهه مُبْطل للصَّلَاة وَأما الْكَلَام لمصلحتها فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَالشَّافِعِيّ وَمَالك وَأحمد تبطل الصَّلَاة وَجوزهُ الْأَوْزَاعِيّ وَبَعض أَصْحَاب مَالك وَطَائِفَة قَليلَة واعتبرت الشَّافِعِيَّة ظُهُور حرفين وَإِن لم يَكُونَا مفهمين وَأما النَّاسِي فَلَا تبطل صلَاته بالْكلَام الْقَلِيل عِنْد الشَّافِعِي وَبِه قَالَ مَالك وَأحمد وَالْجُمْهُور وَعند أَصْحَابنَا تبطل وَقَالَ النَّوَوِيّ دليلنا حَدِيث ذِي الْيَدَيْنِ فَإِن كثر كَلَام النَّاسِي فَفِيهِ وَجْهَان مشهوران لِأَصْحَابِنَا أصَحهمَا تبطل صلَاته لِأَنَّهُ نَادِر وَأما كَلَام الْجَاهِل إِذا كَانَ قريب عهد بِالْإِسْلَامِ فَهُوَ ككلام النَّاسِي فَلَا تبطل صلَاته بقليله وَأجَاب بعض أَصْحَابنَا أَن حَدِيث قصَّة ذِي الْيَدَيْنِ مَنْسُوخ بِحَدِيث ابْن مَسْعُود وَزيد بن أَرقم لِأَن ذَا الْيَدَيْنِ قتل يَوْم بدر كَذَا رُوِيَ عَن الزُّهْرِيّ وَإِن قصَّته فِي الصَّلَاة كَانَت قبل بدر وَلَا يمْنَع من هَذَا كَون أبي هُرَيْرَة رَوَاهُ وَهُوَ مُتَأَخّر الْإِسْلَام عَن بدر لِأَن الصَّحَابِيّ قد يروي مَا لَا يحضرهُ بِأَن يسمعهُ من النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَو من صَحَابِيّ آخر (فَإِن قلت) قَالَ الْبَيْهَقِيّ فِي بَاب مَا يسْتَدلّ بِهِ على أَنه لَا يجوز أَن يكون حَدِيث ابْن مَسْعُود فِي تَحْرِيم الْكَلَام نَاسِخا لحَدِيث أبي هُرَيْرَة وَغَيره وَذَلِكَ لتقدم حَدِيث عبد الله وَتَأَخر حَدِيث أبي هُرَيْرَة (قلت) ذكر أَبُو عمر فِي التَّمْهِيد أَن الصَّحِيح فِي حَدِيث ابْن مَسْعُود أَنه لم يكن إِلَّا بِالْمَدِينَةِ وَبهَا نهى عَن الْكَلَام فِي الصَّلَاة وَقد روى حَدِيثه بِمَا يُوَافق حَدِيث زيد بن أَرقم وصحبة زيد لرَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - كَانَت بِالْمَدِينَةِ وَسورَة الْبَقَرَة مَدَنِيَّة (فَإِن قلت) فِي حَدِيث ابْن عَبَّاس

(7/271)


مَسْعُود الَّذِي رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَعَاصِم بن بَهْدَلَة قَالَ الْبَيْهَقِيّ صاحبا الصَّحِيح توقيا رِوَايَته لسوء حفظه (قلت) رَوَاهُ ابْن حبَان فِي صَحِيحه وَالنَّسَائِيّ فِي سنَنه وَلَيْسَ فِي حَدِيث عَاصِم فَلَمَّا رَجعْنَا من أَرض الْحَبَشَة إِلَى مَكَّة بل يحْتَمل أَن يُرِيد فَلَمَّا رَجعْنَا من أَرض الْحَبَشَة إِلَى الْمَدِينَة ليتفق حَدِيثه مَعَ حَدِيث زيد بن أَرقم وَقَالَ صَاحب الْكَمَال وَغَيره هَاجر ابْن مَسْعُود إِلَى الْحَبَشَة ثمَّ هَاجر إِلَى الْمَدِينَة وَلِهَذَا قَالَ الْخطابِيّ إِنَّمَا نسخ الْكَلَام بعد الْهِجْرَة بِمدَّة يسيرَة وَهَذَا يدل على اتِّفَاق حَدِيث ابْن مَسْعُود وَزيد بن أَرقم على أَن التَّحْرِيم كَانَ بِالْمَدِينَةِ (فَإِن قلت) قد ذكر الْبَيْهَقِيّ فِي كتاب الْمعرفَة عَن الشَّافِعِي أَن فِي حَدِيث ابْن مَسْعُود أَنه مر على النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - بِمَكَّة قَالَ فَوَجَدَهُ يُصَلِّي فِي فنَاء الْكَعْبَة الحَدِيث (قلت) لم يذكر ذَلِك أحد من أهل الحَدِيث غير الشَّافِعِي وَلم يذكر سَنَده لينْظر فِيهِ وَلم يجد لَهُ الْبَيْهَقِيّ سندا مَعَ كَثْرَة تتبعه وانتصاره لمَذْهَب الشَّافِعِي وَذكر الطَّحَاوِيّ فِي أَحْكَام الْقُرْآن أَن مهاجرة الْحَبَشَة لم يرجِعوا إِلَّا إِلَى الْمَدِينَة وَأنكر رجوعهم إِلَى دَار قد هَاجرُوا مِنْهَا لأَنهم منعُوا من ذَلِك وَاسْتدلَّ على ذَلِك بقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فِي حَدِيث سعد " وَلَا تردهم على أَعْقَابهم " (فَإِن قلت) قَالَ الْبَيْهَقِيّ الَّذِي قتل ببدر هُوَ ذُو الشمالين وَأما ذُو الْيَدَيْنِ الَّذِي أخبر النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - بسهوه فَإِنَّهُ بَقِي بعد النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - كَذَا ذكره شَيخنَا أَبُو عبد الله الْحَافِظ ثمَّ خرج عَنهُ بِسَنَدِهِ إِلَى معدي بن سُلَيْمَان قَالَ حَدثنِي شُعَيْب بن مطير عَن أَبِيه ومطير حَاضر فَصدقهُ قَالَ شُعَيْب يَا أبتاه أَخْبَرتنِي أَن ذَا الْيَدَيْنِ لقيك بِذِي خشب فأخبرك أَن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - الحَدِيث ثمَّ قَالَ الْبَيْهَقِيّ وَقَالَ بعض الروَاة فِي حَدِيث أبي هُرَيْرَة " فَقَالَ ذُو الشمالين يَا رَسُول الله أقصرت الصَّلَاة " وَكَانَ شَيخنَا أَبُو عبد الله يَقُول كل من قَالَ ذَلِك فقد أَخطَأ فَإِن ذَا الشمالين تقدم مَوته وَلم يعقب وَلَيْسَ لَهُ راو (قلت) قَالَ السَّمْعَانِيّ فِي الْأَنْسَاب ذُو الْيَدَيْنِ وَيُقَال لَهُ ذُو الشمالين لِأَنَّهُ كَانَ يعْمل بيدَيْهِ جَمِيعًا وَفِي الْفَاصِل للرامهرمزي ذُو الْيَدَيْنِ وَذُو الشمالين قد قيل أَنَّهُمَا وَاحِد وَقَالَ ابْن حبَان فِي الثِّقَات ذُو الْيَدَيْنِ وَيُقَال لَهُ أَيْضا ذُو الشمالين ابْن عبد عَمْرو بن نَضْلَة الْخُزَاعِيّ حَلِيف بن زهرَة والْحَدِيث الَّذِي اسْتدلَّ بِهِ على بَقَاء ذِي الْيَدَيْنِ بعد النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - ضَعِيف لِأَن معدي بن سُلَيْمَان مُتَكَلم فِيهِ قَالَ أَبُو زرْعَة واهي الحَدِيث وَقَالَ ابْن حبَان يروي المقلوبات عَن الثِّقَات والملزوقات عَن الْأَثْبَات لَا يجوز الِاحْتِجَاج بِهِ إِذا انْفَرد وَشُعَيْب مَا عرفنَا حَاله ووالده مطير لم يكْتب حَدِيثه وَقَالَ الذَّهَبِيّ لم يَصح حَدِيثه وَفِيه الْأَمر بالمحافظة على الصَّلَوَات وَالْأَمر للْوُجُوب وروى التِّرْمِذِيّ وَقَالَ حَدثنَا مُوسَى بن عبد الرَّحْمَن الْكُوفِي حَدثنَا زيد بن أَرقم الْحباب أخبرنَا مُعَاوِيَة بن صَالح حَدثنِي سليم بن عَامر قَالَ سَمِعت أَبَا أُمَامَة يَقُول سَمِعت رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - يخْطب فِي حجَّة الْوَدَاع فَقَالَ اتَّقوا الله وصلوا خمسكم وصوموا شهركم وأدوا زَكَاة أَمْوَالكُم وَأَطيعُوا إِذا أَمركُم تدْخلُوا جنَّة ربكُم وَرَوَاهُ ابْن حبَان فِي صَحِيحه وروى التِّرْمِذِيّ أَيْضا من حَدِيث أبي هُرَيْرَة أَنه قَالَ سَمِعت رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - يَقُول إِن أول مَا يُحَاسب بِهِ العَبْد يَوْم الْقِيَامَة من عمله صلَاته " الحَدِيث. وَفِيه الْأَمر بالمحافظة على الصَّلَاة الْوُسْطَى وَذكر الْعلمَاء فِيهِ عشْرين قولا الأول أَن الصَّلَاة الْوُسْطَى هِيَ الْعَصْر وَهُوَ قَول أبي هُرَيْرَة وَعلي بن أبي طَالب وَابْن عَبَّاس وَأبي بن كَعْب وَأبي أَيُّوب الْأنْصَارِيّ وَعبد الله بن مَسْعُود وَعبد الله بن عَمْرو فِي رِوَايَة وَسمرَة بن جُنْدُب وَأم سَلمَة رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُم وَقَالَ ابْن حزم وَلَا يَصح عَن عَليّ وَلَا عَن عَائِشَة غير هَذَا أصلا وَهُوَ قَول الْحسن الْبَصْرِيّ وَالزهْرِيّ وَإِبْرَاهِيم النَّخعِيّ وَمُحَمّد بن سِيرِين وَسَعِيد بن جُبَير وَأبي حنيفَة وَأبي يُوسُف وَمُحَمّد وَزفر وَيُونُس وَقَتَادَة وَالشَّافِعِيّ وَأحمد وَالضَّحَّاك بن مُزَاحم وَعبيد بن مَرْيَم وذر بن حُبَيْش وَمُحَمّد بن السَّائِب الْكَلْبِيّ وَآخَرين وَقَالَ أَبُو الْحسن الْمَاوَرْدِيّ هُوَ مَذْهَب جُمْهُور التَّابِعين وَقَالَ أَبُو عمر هُوَ قَول أَكثر أهل الْأَثر وَقَالَ ابْن عَطِيَّة عَلَيْهِ جُمْهُور النَّاس وَقَالَ أَبُو جَعْفَر الطَّبَرِيّ الصَّوَاب من ذَلِك مَا تظاهرت بِهِ الْأَخْبَار من أَنَّهَا الْعَصْر وَقَالَ أَبُو عمر وَإِلَيْهِ ذهب عبد الْملك بن حبيب وَقَالَ التِّرْمِذِيّ هُوَ قَول أَكثر الْعلمَاء من الصَّحَابَة فَمن بعدهمْ قَالَ الْمَاوَرْدِيّ هَذَا مَذْهَب الشَّافِعِي لصِحَّة الْأَحَادِيث فِيهِ (قلت) من

(7/272)


الْأَحَادِيث فِي ذَلِك حَدِيث عَليّ رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ عِنْد مُسلم عَنهُ أَنه قَالَ قَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - يَوْم الخَنْدَق " شغلونا عَن الصَّلَاة الْوُسْطَى صَلَاة الْعَصْر " وَحَدِيث ابْن مَسْعُود رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ عِنْد مُسلم أَيْضا عَنهُ " حبس الْمُشْركُونَ النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - عَن صَلَاة الْعَصْر حَتَّى غَابَتْ الشَّمْس فَقَالَ حبسونا عَن الصَّلَاة الْوُسْطَى " وَحَدِيث عَائِشَة رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا عِنْد مُسلم أَيْضا " عَن أبي يُونُس مولى عَائِشَة أَمرتنِي عَائِشَة أَن أكتب لَهَا مُصحفا وَقَالَت إِذا بلغت هَذِه الْآيَة فَآذِنِّي حَافظُوا على الصَّلَوَات قَالَ فَلَمَّا بلغتهَا آذَنتهَا فَأَمْلَتْ على حَافظُوا على الصَّلَوَات وَالصَّلَاة الْوُسْطَى وَصَلَاة الْعَصْر وَقَالَت سَمعتهَا من رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - " (قلت) كَذَا وَقع عِنْد مُسلم " وَصَلَاة الْعَصْر " بواو الْعَطف وَوَقع فِي رِوَايَة أبي بكر عبد الله بن أبي دَاوُد سُلَيْمَان بن الْأَشْعَث السجسْتانِي من رِوَايَة أبي هُرَيْرَة عَن قبيصَة بن ذُؤَيْب قَالَ فِي مصحف عَائِشَة حَافظُوا على الصَّلَوَات وَالصَّلَاة الْوُسْطَى صَلَاة الْعَصْر يَعْنِي بِلَا وَاو وَفِي كتاب ابْن حزم روينَا من طَرِيق ابْن مهْدي عَن أبي سهل مُحَمَّد بن عَمْرو الْأنْصَارِيّ عَن الْقَاسِم عَنْهَا فَذَكرته بِغَيْر وَاو قَالَ أَبُو مُحَمَّد فَهَذِهِ أصح رِوَايَة عَن عَائِشَة وَأَبُو سهل ثِقَة (قلت) وَفِيه رد لما قَالَه أَبُو عمر لم يخْتَلف فِي حَدِيث عَائِشَة فِي ثُبُوت الْوَاو قَالَ وعَلى تَقْدِير صِحَّته يُجَاب عَنهُ بأَشْيَاء. مِنْهَا أَنه من أَفْرَاد مُسلم وَحَدِيث عَليّ مُتَّفق عَلَيْهِ. الثَّانِي أَن من أثبت الْوَاو امْرَأَة ومسقطها جمَاعَة كَثِيرَة. الثَّالِث مُوَافقَة مذهبها لسُقُوط الْوَاو. الرَّابِع مُخَالفَة الْوَاو للتلاوة وَحَدِيث عَليّ مُوَافق. الْخَامِس حَدِيث عَليّ يُمكن فِيهِ الْجمع وحديثها لَا يُمكن فِيهِ الْجمع إِلَّا بترك غَيره. السَّادِس مُعَارضَة رِوَايَتهَا بِرِوَايَة الْبَراء بن عَازِب عِنْد مُسلم " نزلت هَذِه الْآيَة (حَافظُوا على الصَّلَوَات وَصَلَاة الْعَصْر) فقرأناها مَا شَاءَ الله ثمَّ نسخهَا الله فَنزلت {حَافظُوا على الصَّلَوَات وَالصَّلَاة الْوُسْطَى} فَقَالَ رجل هِيَ إِذا صَلَاة الْعَصْر فَقَالَ الْبَراء قد أَخْبَرتك كَيفَ نزلت وَكَيف نسخت ". السَّابِع تكون الْوَاو زَائِدَة كَمَا زيدت عِنْد بَعضهم فِي قَوْله تَعَالَى {وَكَذَلِكَ نري إِبْرَاهِيم ملكوت السَّمَوَات وَالْأَرْض وليكون من القانتين} وَقَوله تَعَالَى {وَكَذَلِكَ نصرف الْآيَات وليقولوا درست} وَقَالَ الْأَخْفَش فِي قَوْله تَعَالَى {حَتَّى إِذا جاؤها وَفتحت أَبْوَابهَا} لِأَن الْجَواب فتحت وَقيل أَن الْعَطف فِيهِ من بَاب التَّخْصِيص والتفضيل والتنبيه كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى {قل من كَانَ عدوا لله وَمَلَائِكَته وَرُسُله وَجِبْرِيل وميكال} {فَإِن قلت} قد حصل مَا ذكرت من التَّخْصِيص فِي الْعَطف وَهُوَ قَوْله تَعَالَى {وَالصَّلَاة الْوُسْطَى} فَوَجَبَ أَن يكون الْعَطف الثَّانِي وَهُوَ قَوْله (وَصَلَاة الْعَصْر) مغايرا لَهُ (قلت) لما اخْتلف اللفظان كَانَ الثَّانِي للتَّأْكِيد وَالْبَيَان كَمَا تَقول جَاءَنِي زيد الْكَرِيم والعاقل فتعطف إِحْدَى الصفتين على الْأُخْرَى وَمِنْهَا حَدِيث سَمُرَة بن جُنْدُب عِنْد التِّرْمِذِيّ عَنهُ " عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَنه قَالَ فِي الصَّلَاة الْوُسْطَى صَلَاة الْعَصْر " وَعند أَحْمد " أَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - سُئِلَ عَن الصَّلَاة الْوُسْطَى قَالَ هِيَ صَلَاة الْعَصْر " وَفِي لفظ قَالَ " {حَافظُوا على الصَّلَوَات وَالصَّلَاة الْوُسْطَى} وسماها لنا أَنَّهَا هِيَ الْعَصْر " وَعند الْحَاكِم محسنا من حَدِيث خبيب بن سُلَيْمَان عَن أَبِيه سُلَيْمَان بن سَمُرَة عَن سَمُرَة يرفعهُ " وأمرنا أَن نحافظ على الصَّلَوَات كُلهنَّ وأوصانا بِالصَّلَاةِ الْوُسْطَى ونبأنا أَنَّهَا صَلَاة الْعَصْر " وَحَدِيث حَفْصَة عِنْد أبي عمر فِي التَّمْهِيد بِسَنَد صَحِيح وَفِي الاستذكار اخْتلف فِي رَفعه وَفِي ثُبُوت الْوَاو فِيهِ أَنَّهَا أمرت كاتبها بكتب مصحف فَإِذا بلغ هَذِه الْآيَة يستأذنها فَلَمَّا بلغَهَا أَمرته بكتب حَافظُوا على الصَّلَاة الْوُسْطَى وَصَلَاة الْعَصْر ورفعته إِلَى النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَرَوَاهُ هِشَام عَن جَعْفَر بن إِيَاس عَن رجل حَدثهُ عَن سَالم عَنْهَا وَلم يثبت الْوَاو قَالَ وَالصَّلَاة الْوُسْطَى صَلَاة الْعَصْر وَحَدِيث ابْن عَبَّاس عِنْد الطَّبَرَانِيّ من حَدِيث ابْن أبي ليلى عَن الحكم عَن مقسم وَسَعِيد بن جُبَير عَنهُ قَالَ قَالَ النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - يَوْم الخَنْدَق " شغلونا عَن الصَّلَاة الْوُسْطَى مَلأ الله قُبُورهم وأجوافهم نَارا " وَفِي كتاب الْمَصَاحِف لِابْنِ أبي دَاوُد من حَدِيث أبي إِسْحَق عَن عبيد بن مَرْيَم سمع ابْن عَبَّاس قَرَأَ هَذِه الْحُرُوف " حَافظُوا على الصَّلَوَات وَالصَّلَاة الْوُسْطَى وَصَلَاة الْعَصْر " وَفِي كتاب ابْن حزم من هَذِه الطَّرِيق صَلَاة الْعَصْر أبغير وَاو ثمَّ قَالَ كَذَا قَالَه وَكِيع وَحَدِيث ابْن عمر عِنْد أبي عبيد الله مُحَمَّد بن يحيى بن مَنْدَه الْأَصْبَهَانِيّ حَدثنَا إِبْرَاهِيم بن عَامر بن إِبْرَاهِيم حَدثنَا أبي حَدثنَا يَعْقُوب القمي عَن عَنْبَسَة بن سعيد الرَّازِيّ عَن ابْن أبي ليلى وَلَيْث عَن نَافِع عَنهُ عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَنه قَالَ " الموتور أَهله وَمَاله من وتر صَلَاة الْوُسْطَى فِي جمَاعَة وَهِي صَلَاة الْعَصْر " وَحَدِيث أبي هُرَيْرَة عِنْد ابْن خُزَيْمَة

(7/273)


فِي صَحِيحه قَالَ قَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - " صَلَاة الْوُسْطَى صَلَاة الْعَصْر " وَحَدِيث أبي هِشَام بن عتبَة بن ربيعَة بن عبد شمس عِنْد ابْن جَعْفَر الطَّبَرِيّ من حَدِيث كهيل بن حَرْمَلَة سُئِلَ أَبُو هُرَيْرَة عَن الصَّلَاة الْوُسْطَى فَقَالَ اخْتَلَفْنَا فِيهَا كَمَا اختلفتم فِيهَا وَنحن بِفنَاء بَيت رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَفينَا الرجل الصَّالح أَبُو هَاشم بن عتبَة فَقَالَ أَنا أعلم ذَلِك فَقَامَ فَاسْتَأْذن على رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فَدخل عَلَيْهِ ثمَّ خرج إِلَيْنَا فَقَالَ أخبرنَا أَنَّهَا صَلَاة الْعَصْر قَالَ أَبُو مُوسَى الْمَدِينِيّ فِي كتاب الصَّحَابَة أَبُو هَاشم هَذَا لَهُ حديثان حسنان. وَقَالَ الذَّهَبِيّ أَبُو هَاشم بن عتبَة بن ربيعَة العبشمي أَخُو أبي حُذَيْفَة وأخو مُصعب بن عُمَيْر لأمه أسلم يَوْم الْفَتْح وَسكن الشَّام وَكَانَ صَالحا توفّي فِي زمن عُثْمَان رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ فِي التِّرْمِذِيّ وَغَيره وَحَدِيث أم حَبِيبَة رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا عِنْد الطَّبَرِيّ أَيْضا من رِوَايَة شُتَيْر بن شكيل عَنْهَا عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَنه قَالَ يَوْم الخَنْدَق " شغلونا عَن الصَّلَاة الْوُسْطَى صَلَاة الْعَصْر حَتَّى غربت الشَّمْس " وَحَدِيث رجل من الصَّحَابَة عِنْده أَيْضا قَالَ " أَرْسلنِي أَبُو بكر وَعمر رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا وَأَنا غُلَام صَغِير إِلَى النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أسأله عَن الصَّلَاة الْوُسْطَى فَأخذ أُصْبُعِي الصَّغِير فَقَالَ هَذِه الْفجْر وَقبض الَّتِي تَلِيهَا فَقَالَ هَذِه الظّهْر ثمَّ قبض الْإِبْهَام فَقَالَ هَذِه الْمغرب ثمَّ قبض الَّتِي تَلِيهَا فَقَالَ هَذِه الْعشَاء ثمَّ قَالَ أَي أصابعك بقيت فَقلت الْوُسْطَى فَقَالَ أَي الصَّلَاة بقيت فَقلت الْعَصْر قَالَ هِيَ الْعَصْر " وَرَوَاهُ الطَّبَرِيّ عَن أَحْمد بن إِسْحَاق حَدثنَا أَبُو أَحْمد حَدثنَا عبد السَّلَام مولى أبي مَنْصُور حَدثنِي إِبْرَاهِيم بن يزِيد الدِّمَشْقِي قَالَ " كنت جَالِسا عِنْد عبد الْعَزِيز بن مَرْوَان فَقَالَ يَا فلَان اذْهَبْ إِلَى فلَان فَقل لَهُ أيش سَمِعت من رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فِي الصَّلَاة الْوُسْطَى فَقَالَ رجل جَالس أَرْسلنِي " فَذكره وَحَدِيث أم سَلمَة رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا فِي كتاب الْمَصَاحِف لِابْنِ أبي دَاوُد أَنَّهَا " قَالَت لكاتب يكْتب لَهَا مُصحفا إِذا كتبت حَافظُوا على الصَّلَوَات وَالصَّلَاة الْوُسْطَى فاكتبها الْعَصْر " وَرَوَاهُ ابْن حزم من طَرِيق وَكِيع عَن دَاوُد بن قيس عَن عبد الله بن رَافع عَن أم سَلمَة رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا وَحَدِيث أنس بن مَالك أَن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ " شغلونا عَن صَلَاة الْعَصْر الَّتِي غفل عَنْهَا سُلَيْمَان بن دَاوُد عَلَيْهِمَا الصَّلَاة وَالسَّلَام حَتَّى تَوَارَتْ بالحجاب " ذكره إِسْمَاعِيل بن أبي زِيَاد الشَّامي فِي تَفْسِيره عَن أبان عَن أنس رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ (القَوْل الثَّانِي) إِن الصَّلَاة الْوُسْطَى الْمغرب وَهُوَ قَول قبيصَة بن ذِئْب قَالَ أَبُو عمر هَذَا لَا أعلم قَالَه غير قبيصَة قَالَ أَلا ترى أَنَّهَا لَيست بِأَقَلِّهَا وَلَا أَكْثَرهَا وَلَا تقصر فِي السّفر وَأَن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - لم يؤخرها عَن وَقتهَا وَلم يعجلها قَالَ أَبُو جَعْفَر وَجه قَوْله أَنه يُرِيد التَّوَسُّط الَّذِي هُوَ يكون صفة للشَّيْء الَّذِي يكون عدلا بَين الْأَمريْنِ كَالرّجلِ المعتدل الْقَامَة. (الثَّالِث) أَنَّهَا الْعشَاء الْأَخِيرَة وَهُوَ قَول الْمَازرِيّ وَزعم الْبَغَوِيّ فِي شرح السّنة أَن السّلف لم ينْقل عَن أحد مِنْهُم هَذَا القَوْل قَالَ وَقد ذكره بعض الْمُتَأَخِّرين (الرَّابِع) أَنَّهَا الصُّبْح وَهُوَ قَول جَابر بن عبد الله ومعاذ بن جبل وَابْن عَبَّاس فِي قَول وَابْن عمر فِي قَول وَعَطَاء بن أبي رَبَاح وَعِكْرِمَة وَمُجاهد وَالربيع بن أنس وَمَالك بن أنس وَالشَّافِعِيّ فِي قَول وَقَالَ أَبُو عمر وَمِمَّنْ قَالَ الصَّلَاة الْوُسْطَى صَلَاة الصُّبْح عبد الله بن عَبَّاس وَهُوَ أصح مَا رُوِيَ عَنهُ فِي ذَلِك وَهُوَ قَول طَاوس وَمَالك وَأَصْحَابه وروى النَّسَائِيّ من حَدِيث جَابر بن زيد " عَن ابْن عَبَّاس قَالَ أدْلج النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - ثمَّ عرس فَلم يَسْتَيْقِظ حَتَّى طلعت الشَّمْس أَو بَعْضهَا فَلم يصل حَتَّى ارْتَفَعت الشَّمْس وَهِي الصَّلَاة الْوُسْطَى " وَفِي حَدِيث صَالح أبي الْخَلِيل عَن جَابر بن زيد " عَن ابْن عَبَّاس أَنه قَالَ صَلَاة الْوُسْطَى صَلَاة الْفجْر " وَعَن أبي رَجَاء قَالَ " صليت مَعَ ابْن عَبَّاس صَلَاة الْغَدَاة فِي مَسْجِد الْبَصْرَة فقنت بِنَا قبل الرُّكُوع وَقَالَ هَذِه الصَّلَاة صَلَاة الْوُسْطَى الَّتِي قَالَ الله تَعَالَى {وَقومُوا لله قَانِتِينَ} " قَالَ الطَّحَاوِيّ وَقد خُولِفَ ابْن عَبَّاس فِي هَذِه الْآيَة فيمَ نزلت ثمَّ روى حَدِيث زيد بن أَرقم الْمَذْكُور فِيمَا مضى (قلت) المخالفون لِابْنِ عَبَّاس فِي سَبَب نزُول هَذِه الْآيَة زيد بن أَرقم من الصَّحَابَة وَمن التَّابِعين مُجَاهِد بن جُبَير وَالشعْبِيّ وَجَابِر بن زيد فَإِنَّهُم أخبروا أَن الْقُنُوت الْمَذْكُور فِي قَوْله تَعَالَى {وَقومُوا لله قَانِتِينَ} بِصُورَة الْأَمر هُوَ السُّكُوت عَن الْكَلَام فِي الصَّلَاة لأَنهم كَانُوا يَتَكَلَّمُونَ فِيهَا وَلَيْسَ هُوَ الْقُنُوت الَّذِي كَانَ يفعل فِي صَلَاة الصُّبْح فَلَا يُسمى حِينَئِذٍ بِسَبَب ذَلِك لصَلَاة الصُّبْح الصَّلَاة الْوُسْطَى على أَن عَمْرو بن مَيْمُون وَالْأسود وَسَعِيد بن جُبَير وَعمْرَان بن الْحَارِث قَالُوا لم يقنت ابْن عَبَّاس فِي الْفجْر وَقَالَ أَبُو بكر بن أبي شيبَة فِي مُصَنفه حَدثنَا وَكِيع قَالَ حَدثنَا سُفْيَان عَن وَاقد مولى زيد بن خليدة عَن سعيد بن جُبَير " عَن ابْن عَبَّاس وَابْن عمر رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا أَنَّهُمَا

(7/274)


كَانَا لَا يقنتان فِي الْفجْر " حَدثنَا هشيم قَالَ أخبرنَا حُصَيْن عَن عمرَان بن الْحَارِث قَالَ " صليت مَعَ ابْن عَبَّاس فِي دَاره صَلَاة الصُّبْح فَلم يقنت قبل الرُّكُوع وَلَا بعده ". (الْخَامِس) أَنَّهَا إِحْدَى الصَّلَوَات الْخمس وَلَا تعرف بِعَينهَا رُوِيَ عَن ابْن عمر من طَرِيق صَحِيحَة قَالَ نَافِع سَأَلَ رجل ابْن عمر عَن الصَّلَاة الْوُسْطَى فَقَالَ هِيَ مِنْهُنَّ فحافظوا عَلَيْهِنَّ كُلهنَّ وبنحوه قَالَ الرّبيع بن خَيْثَم وَزيد بن ثَابت فِي رِوَايَة وَشُرَيْح القَاضِي وَنَافِع وَقَالَ النقاش قَالَت طَائِفَة هِيَ الْخمس وَلم تميز أَي صَلَاة هِيَ قَالَ أَبُو عمر كل وَاحِدَة من الْخمس وسطى لِأَن قبل كل وَاحِدَة صَلَاتَيْنِ وَبعدهَا صَلَاتَيْنِ. (السَّادِس) أَنَّهَا هِيَ الْخمس إِذْ هِيَ الْوُسْطَى من الدّين كَمَا قَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - " بني الْإِسْلَام على خمس " قَالُوا فَهِيَ الْوُسْطَى من الْخمس رُوِيَ ذَلِك عَن مُعَاوِيَة بن جبل وَعبد الرَّحْمَن بن غنم فِيمَا ذكر النقاش وَفِي كتاب الْحَافِظ أبي الْحسن عَليّ بن الْمفضل قيل ذَلِك لِأَنَّهَا وسط الْإِسْلَام أَي خِيَاره وَكَذَلِكَ قَالَه عمر بن الْخطاب رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ (السَّابِع) أَنَّهَا هِيَ الْمُحَافظَة على وَقتهَا قَالَه ابْن أبي حَاتِم فِي كتاب التَّفْسِير حَدثنَا أَبُو سعيد الْأَشَج حَدثنَا الْمحَاربي وَابْن فُضَيْل عَن الْأَعْمَش عَن أبي الضُّحَى عَن مَسْرُوق أَنه قَالَ ذَلِك. (الثَّامِن) أَنَّهَا مواقيتها وَشَرطهَا وأركانها وتلاوة الْقُرْآن فِيهَا وَالتَّكْبِير وَالرُّكُوع وَالسُّجُود وَالتَّشَهُّد وَالصَّلَاة على النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فَمن فعل ذَلِك فقد أتمهَا وحافظ عَلَيْهَا قَالَه مقَاتل بن حبَان قَالَ ابْن أبي حَاتِم أَنبأَنَا بِهِ مُحَمَّد بن الْفضل حَدثنَا مُحَمَّد بن عَليّ بن شَقِيق أخبرنَا مُحَمَّد بن مُزَاحم عَن بكر بن مَعْرُوف عَنهُ وَذكر أَبُو اللَّيْث السَّمرقَنْدِي فِي تَفْسِيره عَن ابْن عَبَّاس نَحوه (التَّاسِع) أَنَّهَا الْجُمُعَة خَاصَّة حَكَاهُ الْمَاوَرْدِيّ وَغَيره لما اخْتصّت بِهِ دون غَيرهَا وَقَالَ ابْن سَيّده فِي الْمُحكم لِأَنَّهَا أفضل الصَّلَوَات وَمن قَالَ خلاف هَذَا فقد أَخطَأ إِلَّا أَن يَقُوله بِرِوَايَة يسندها إِلَى سيدنَا رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -. (الْعَاشِر) أَنَّهَا الْجُمُعَة يَوْم الْجُمُعَة وَفِي سَائِر الْأَيَّام الظّهْر حَكَاهُ أَبُو جَعْفَر مُحَمَّد بن مقسم فِي تَفْسِيره. (الْحَادِي عشر) أَنَّهَا صلاتان الصُّبْح وَالْعشَاء وَعَزاهُ ابْن مقسم فِي تَفْسِيره لأبي الدَّرْدَاء لقَوْله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - " لَو يعلمُونَ مَا فِي الْعَتَمَة وَالصُّبْح " الحَدِيث. (الثَّانِي عشر) أَنَّهَا الْعَصْر وَالصُّبْح وَهُوَ قَول أبي بكر الْمَالِكِي الْأَبْهَرِيّ (الثَّالِث عشر) أَنَّهَا الْجَمَاعَة فِي جَمِيع الصَّلَوَات حَكَاهُ الْمَاوَرْدِيّ. (الرَّابِع عشر) أَنَّهَا الْوتر. (الْخَامِس عشر) أَنَّهَا صَلَاة الضُّحَى. (السَّادِس عش) أَنَّهَا صَلَاة الْعِيدَيْنِ. (السَّابِع عشر) أَنَّهَا صَلَاة عيد الْفطر. (الثَّامِن عشر) أَنَّهَا صَلَاة الْخَوْف. (التَّاسِع عشر) أَنَّهَا صَلَاة عيد الْأَضْحَى. (الْعشْرُونَ) أَنَّهَا المتوسطة بَين الطول وَالْقصر وأصحها الْعَصْر للأحاديث الصَّحِيحَة الَّتِي ذَكرنَاهَا وَالْبَاقِي بَعْضهَا ضَعِيف وَبَعضهَا مَرْدُود وَقد أمرنَا بِالسُّكُوتِ وَفِي مُسلم ونهينا عَن الْكَلَام قَالَ ابْن الْعَرَبِيّ وَهَذَا بِظَاهِرِهِ يُعْطي أَن الْأَمر بالشَّيْء منهى عَن ضِدّه وَقد اخْتلف الأصوليون فِيهِ قَالَ وَلَيْسَ كَذَلِك فَإِن الْأَمر إِذا اقْتضى فعلا فالنهي عَن تَركه لَا يُعْطِيهِ الْأَمر بِذَاتِهِ وَإِنَّمَا يَقْتَضِيهِ أَن الِامْتِثَال لَا يَأْتِي إِلَّا بترك الضِّدّ وَقَالَ شَيخنَا زين الدّين الْأَمر بِالسُّكُوتِ منَاف لعدم السُّكُوت بِالذَّاتِ وَهُوَ الْمُسَمّى بالنقيض فَلَا نزاع فِي دلَالَة الْأَمر عَلَيْهِ لِأَنَّهُ جزؤه وَأما الْكَلَام فَهُوَ ضِدّه وَهُوَ مَحل النزاع بَيْننَا وَبَين الْمُعْتَزلَة فَأكْثر أَصْحَابنَا على أَن الْأَمر بالشَّيْء يدل على النَّهْي عَن ضِدّه وَذهب جُمْهُور الْمُعْتَزلَة وَكثير من أَصْحَابنَا إِلَى عدم دلَالَته عَلَيْهِ كَمَا حَكَاهُ صَاحب المحصل وَأما مَا حَكَاهُ صَاحب الْحَاصِل وَتَبعهُ الْبَيْضَاوِيّ من مُوَافقَة أَكثر أَصْحَابنَا لجمهور الْمُعْتَزلَة فَلَيْسَ بجيد ودلالته عَلَيْهِ بالالتزام فَإِن دلَالَة الِالْتِزَام دلَالَته على خَارج عَنهُ (قلت) ذهب بعض الشَّافِعِيَّة وَالْقَاضِي أَبُو بكر أَولا إِلَى أَن الْأَمر بالشَّيْء عين النَّهْي عَن ضِدّه وَقَالَ القَاضِي آخرا وَكثير من الشَّافِعِيَّة وَبَعض الْمُعْتَزلَة إِلَى أَن الْأَمر بالشَّيْء يسْتَلْزم النَّهْي عَن ضِدّه لِأَنَّهُ عينه إِذْ اللَّازِم غير الْمَلْزُوم وَذهب إِمَام الْحَرَمَيْنِ وَالْغَزالِيّ وَبَاقِي الْمُعْتَزلَة إِلَى أَنه لَا حكم لكل وَاحِد مِنْهُمَا فِي ضِدّه أصلا بل هُوَ مسكوت عَنهُ وَقَالَ أَبُو بكر الْجَصَّاص وَهُوَ مَذْهَب عَامَّة الْعلمَاء من أَصْحَابنَا وَأَصْحَاب الشَّافِعِي وَأهل الحَدِيث أَن الْأَمر بالشَّيْء نهي عَن ضِدّه إِذا كَانَ لَهُ ضد وَاحِد كالأمر بِالْإِيمَان نهي عَن الْكفْر وَإِن كَانَ لَهُ أضداد كالأمر بِالْقيامِ لَهُ أضداد من الْقعُود وَالرُّكُوع وَالسُّجُود والاضطجاع يكون الْأَمر بِهِ نهيا عَن جَمِيع أضداده كلهَا وَقَالَ بَعضهم يكون نهيا عَن وَاحِد مِنْهَا غير معِين وَفصل بَعضهم بَين الْأَمر للْإِيجَاب فَقَالَ أَمر الْإِيجَاب يكون نهيا عَن ضد الْمَأْمُور بِهِ وَعَن

(7/275)


أضداده لكَونه مَانِعا من فعل الْوَاجِب وَأمر النّدب لَا يكون كَذَلِك فَكَانَت أضداد الْمَنْدُوب غير مَنْهِيّ عَنْهَا لَا نهي تَحْرِيم وَلَا نهي تَنْزِيه وَمن لم يفصل جعل أَمر النّدب نهيا عَن ضِدّه فَهِيَ ندب حَتَّى يكون الِامْتِنَاع عَن ضد الْمَنْدُوب مَنْدُوبًا كَمَا يكون فعله وَأما النَّهْي عَن الشَّيْء فَأمر بضده إِن كَانَ لَهُ ضد وَاحِد باتفاقهم كالنهي عَن الْكفْر أَمر بِالْإِيمَان وَإِن كَانَ لَهُ أضداد فَعِنْدَ بعض أَصْحَابنَا وَبَعض أَصْحَاب الحَدِيث يكون أمرا بالأضداد كلهَا كَمَا فِي جَانب الْأَمر وَعند عَامَّة أَصْحَابنَا وَعَامة أَصْحَاب الحَدِيث يكون أمرا بِوَاحِد من الأضداد غير معِين وَذهب بَعضهم إِلَى أَنه يُوجب حُرْمَة ضِدّه وَقَالَ بَعضهم يدل على حُرْمَة ضِدّه وَقَالَ بعض الْفُقَهَاء يدل على كَرَاهَة ضِدّه وَقَالَ بَعضهم يُوجب كَرَاهَة ضِدّه ومختار القَاضِي الإِمَام أبي زيد وشمس الْأَئِمَّة وفخر الْإِسْلَام وَمن تَابعهمْ أَنه يَقْتَضِي كَرَاهَة ضِدّه وَالنَّهْي عَن الشَّيْء يَنْبَغِي أَن يكون ضِدّه فِي معنى سنة مُؤَكدَة فَافْهَم (فَإِن قلت) فَإِذا كَانَ قَوْله أمرنَا بِالسُّكُوتِ دَالا على النَّهْي عَن الْكَلَام فَمَا فَائِدَة ذكر النَّهْي عَن الْكَلَام فِي قَوْله " فَأمرنَا بِالسُّكُوتِ ونهينا عَن الْكَلَام " (قلت) التَّصْرِيح أبلغ من دلَالَة الِالْتِزَام فَاقْتضى التَّصْرِيح بِهِ نفي الْخلاف الْمَعْرُوف فِيهِ (فَإِن قلت) الْألف وَاللَّام فِي قَوْله " أمرنَا بِالسُّكُوتِ " لماذا (قلت) للْعهد لَا للْعُمُوم وَهِي رَاجِعَة إِلَى قَوْله " يكلم الرجل صَاحبه إِلَى جنبه " أَي فَأمرنَا بِالسُّكُوتِ عَمَّا كَانُوا يَفْعَلُونَهُ من ذَلِك وَكَذَلِكَ الْألف وَاللَّام فِي قَوْله " ونهينا عَن الْكَلَام " أَي عَن مُخَاطبَة الْآدَمِيّين وَحمل ابْن دَقِيق الْعِيد الْألف وَاللَّام فِي الْكَلَام على الْعُمُوم وَفِيه نظر لِأَن النَّهْي عَن الْكَلَام مَخْصُوص بمخاطبة الْآدَمِيّين بِدَلِيل حَدِيث مُعَاوِيَة بن الحكم أخرجه مُسلم وَأَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيّ من رِوَايَة عَطاء بن يسَار عَنهُ قَالَ " بَينا أَنا أُصَلِّي مَعَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - إِذْ عطس رجل من الْقَوْم فَقلت لَهُ يَرْحَمك الله فَرَمَانِي الْقَوْم بِأَبْصَارِهِمْ " الحَدِيث وَفِيه أَنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ " إِن هَذِه الصَّلَاة لَا يصلح فِيهَا شَيْء من كَلَام النَّاس إِنَّمَا هُوَ التَّسْبِيح وَالتَّكْبِير وَقِرَاءَة الْقُرْآن "