عمدة القاري شرح صحيح البخاري

(بَاب مَا يجوز من التَّسْبِيح وَالْحَمْد فِي الصَّلَاة للرِّجَال)
أَي هَذَا بَاب فِي بَيَان مَا يجوز من قَول سُبْحَانَ الله وَقَول الْحَمد لله فِي أثْنَاء الصَّلَاة للرِّجَال إِذا نابهم شَيْء فِيهَا نَحْو مَا إِذا رأى الْمُصَلِّي أَن إِمَامه يفعل شَيْئا فِي غير مَحَله يَقُول سُبْحَانَ الله ليسمع الإِمَام ذَلِك وَيرجع إِلَى الصَّوَاب وَإِنَّمَا قيد ذَلِك بِالرِّجَالِ لِأَن النِّسَاء إِذا نابهن شَيْء فِي الصَّلَاة يصفقن لقَوْله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - " التَّسْبِيح للرِّجَال والتصفيق للنِّسَاء " على مَا يَأْتِي بعد بَاب مُفردا وَيدخل فِي هَذَا مَا إِذا فتح على إِمَامه لَا تفْسد صلَاته
224 - (حَدثنَا عبد الله بن مسلمة قَالَ حَدثنَا عبد الْعَزِيز بن أبي حَازِم عَن أَبِيه عَن سهل رَضِي الله عَنهُ قَالَ خرج النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - يصلح بَين بني عَمْرو بن عَوْف وحانت الصَّلَاة فجَاء بِلَال أَبَا بكر رَضِي الله عَنْهُمَا فَقَالَ حبس النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فتؤم النَّاس قَالَ نعم إِن شِئْتُم فَأَقَامَ بِلَال الصَّلَاة فَتقدم أَبُو بكر رَضِي الله عَنهُ فصلى فجَاء النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - يمشي فِي الصُّفُوف يشقها شقا حَتَّى قَامَ فِي الصَّفّ الأول فَأخذ النَّاس بالتصفيح قَالَ سهل هَل تَدْرُونَ مَا التصفيح هُوَ التصفيق وَكَانَ أَبُو بكر رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ لَا يلْتَفت فِي صلَاته فَلَمَّا أَكْثرُوا الْتفت فَإِذا النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فِي الصَّفّ فَأَشَارَ إِلَيْهِ مَكَانك فَرفع أَبُو بكر يَدَيْهِ فَحَمدَ الله ثمَّ رَجَعَ الْقَهْقَرَى وَرَاءه وَتقدم النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فصلى) مطابقته للتَّرْجَمَة من حَيْثُ أَنه ذكر هَذَا الحَدِيث بِتَمَامِهِ فِي بَاب من دخل ليؤم النَّاس فجَاء الإِمَام الأول وَفِيه " من نابه شَيْء فِي الصَّلَاة فليسبح فَإِنَّهُ إِذا سبح الْتفت إِلَيْهِ وَإِنَّمَا التصفيق للنِّسَاء " وَذكر هَذِه التَّرْجَمَة هَهُنَا على هَذَا الْوَجْه اكْتِفَاء بِمَا ذكر هُنَاكَ لِأَن الحَدِيث وَاحِد على أَنه ذكره فِي سَبْعَة مَوَاضِع مترجما فِي كل مَوضِع بِمَا يُنَاسِبه وَقد ذَكرْنَاهُ هُنَاكَ مستقصى وَالشَّارِح هَهُنَا على قسمَيْنِ مِنْهُم من لم يتَعَرَّض قطّ لوجه هَذِه التَّرْجَمَة وَلَا لوجه مناسبتها للْحَدِيث مِنْهُم صَاحب التَّلْوِيح والتوضيح وَمِنْهُم من ذكر شَيْئا لَا يُسَاوِي سَمَاعه مِنْهُم الْكرْمَانِي فَإِنَّهُ قَالَ (فَإِن قلت) ذكر فِي التَّرْجَمَة لفظ التَّسْبِيح والْحَدِيث لَا يدل عَلَيْهِ (قلت)

(7/276)


علم من الْحَمد بِالْقِيَاسِ عَلَيْهِ إِلَى آخِره وَلم يذكر شَيْئا تَحْتَهُ طائل وَمِنْهُم من قَالَ أَرَادَ إِلْحَاق التَّسْبِيح بِالْحَمْد لجامع الذّكر لِأَن الَّذِي فِي الحَدِيث الَّذِي سَاقه ذكر التَّحْمِيد دون التَّسْبِيح وَاعْتَرضهُ بَعضهم وَقَالَ بل الحَدِيث مُشْتَمل عَلَيْهِمَا لكنه سَاقه هُنَا مُخْتَصرا وَقد تقدم فِي بَاب من دخل ليؤم النَّاس فِي أَبْوَاب الْإِمَامَة انْتهى (قلت) هَؤُلَاءِ كَأَنَّهُمْ فَهموا أَن المُرَاد من التَّرْجَمَة جَوَاز التَّسْبِيح وَالْحَمْد فِي الصَّلَاة مُطلقًا وَلَيْسَ كَذَلِك فَإِن مُرَاده الْإِتْيَان بِلَفْظ التَّسْبِيح لمن نابه شَيْء وَهُوَ فِي الصَّلَاة بِدَلِيل قَيده للرِّجَال فَإِنَّهُ ترْجم هَهُنَا بقوله بَاب مَا يجوز إِلَى آخِره وَفِيه قيد بقوله للرِّجَال ثمَّ ترْجم للنِّسَاء بِبَاب آخر وَهُوَ قَوْله بَاب التصفيق للنِّسَاء وَلَو كَانَ مُرَاده من التَّرْجَمَة الْإِطْلَاق فِي ذَلِك لما قَيده بقوله للرِّجَال فَإِن التَّسْبِيح وَالْحَمْد وَنَحْوهمَا لأمر نابه فِي الصَّلَاة يجوز للرِّجَال وَالنِّسَاء مَا لم يَقع جَوَابا لشَيْء آخر وَأما قَوْله فِي التَّرْجَمَة وَالْحَمْد فللتنبيه على أَن الَّذِي ينوبه شَيْء وَهُوَ فِي الصَّلَاة إِذا حمد الله عوض سُبْحَانَ الله فَإِنَّهُ يجوز لِأَن الْغَرَض من ذَلِك التَّنْبِيه على عرُوض أَمر لَا مُجَرّد التَّسْبِيح وَالْحَمْد لِأَن مُجَرّد التَّسْبِيح وَالْحَمْد وَنَحْوهمَا لَا يضر صَلَاة الْمُصَلِّي إِذا لم يَقع جَوَابا وَقَالَ صَاحب التَّوْضِيح وَفِيه يَعْنِي فِي هَذَا الحَدِيث أَن التَّسْبِيح جَائِز للرِّجَال وَالنِّسَاء عِنْدَمَا ينزل بهم من حَاجَة إِلَّا يرى أَن النَّاس أَكْثرُوا بالتصفيق لأبي بكر ليتأخر للنَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَبِهَذَا قَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ أَن من سبح فِي صلَاته لشَيْء ينوبه أَو أَشَارَ إِلَى إِنْسَان فَإِنَّهُ لَا يقطع صلَاته وَخَالف فِي ذَلِك أَبُو حنيفَة رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ (قلت) لَا نسلم أَن أَبَا حنيفَة خَالف فَإِنَّهُ هُوَ الَّذِي خَالف فَإِن مَذْهَب أبي حنيفَة أَنه إِذا سبح أَو حمد جَوَابا لإِنْسَان فَإِنَّهُ يقطع لِأَنَّهُ يكون كلَاما وَأما إِذا وَقع شَيْء من ذَلِك لغير جَوَاب فَلَا يضر ذَلِك لِأَن الصَّلَاة هِيَ التَّسْبِيح وَالتَّكْبِير وَقِرَاءَة الْقُرْآن كَمَا ثَبت ذَلِك فِي الصَّحِيح ثمَّ أَنهم فَهموا أَن حمد أبي بكر رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ وَهُوَ فِي الصَّلَاة إِنَّمَا كَانَ لأمر نابه وَهُوَ فِي الصَّلَاة وَلَيْسَ كَذَلِك فَإِنَّهُ حمد الله على مَا أَمر بِهِ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَقد صرح بِهِ فِي الحَدِيث فِي بَاب من دخل ليؤم النَّاس حَيْثُ قَالَ فَلَمَّا أَكثر النَّاس التصفيق فَرَأى رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فَأَشَارَ إِلَيْهِ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَن امْكُث مَكَانك فَرفع أَبُو بكر يَدَيْهِ فَحَمدَ الله على مَا أمره رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - من ذَلِك على أَن ابْن الْجَوْزِيّ ادّعى أَنه أَشَارَ بالشكر وَالْحَمْد بِيَدِهِ وَلم يتَكَلَّم ثمَّ إِن البُخَارِيّ روى حَدِيث هَذَا الْبَاب عَن عبد الله بن مسلمة بِفَتْح الْمِيم وَاللَّام ابْن قعنب التَّيْمِيّ الْحَارِثِيّ وَقد تقدم غير مرّة عَن عبد الْعَزِيز بن أبي حَازِم وَاسم أبي حَازِم بالزاي سَلمَة بن دِينَار الْمَدِينِيّ عَن أَبِيه سَلمَة عَن سهل بن سعد السَّاعِدِيّ الْأنْصَارِيّ وَأخرجه هُنَاكَ عَن عبد الله بن يُوسُف عَن مَالك عَن أبي حَازِم بن دِينَار عَن سهل بن سعد وَقد تكلمنا هُنَاكَ على مَا يتَعَلَّق بِهِ من الْأَنْوَاع فلنذكر هُنَا مَا هُوَ المهم وَإِن وَقع فِيهِ بعض التّكْرَار فَإِنَّهُ لَا يضر لبعد الْمسَافَة قَوْله " يصلح " حَال منتظرة قَوْله " وحانت الصَّلَاة " أَي حضرت وحلت قَوْله " حبس النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - " أَي تَأَخّر هُنَاكَ لأجل الصُّلْح قَوْله " يمشي " حَال أَيْضا وَكَذَلِكَ قَوْله " يشقها " أَي حَال يشق الصُّفُوف قَوْله " فَقَالَ سهل " وَهُوَ سهل بن سعد الْمَذْكُور قَوْله " هُوَ التصفيق " تَفْسِير لقَوْله " مَا التصفيح وَاحْتج بِهِ بَعضهم على أَن التصفيح والتصفيق بِمَعْنى وَاحِد وَبِه صرح الْخطابِيّ والجوهري وَأَبُو عَليّ القالي وَآخَرُونَ حَتَّى ادّعى ابْن حزم نفي الْخلاف فِي ذَلِك وَلَيْسَ كَذَلِك فَإِن القَاضِي عِيَاض حكى أَنه بِالْحَاء الضَّرْب بِظَاهِر إِحْدَى الْيَدَيْنِ على الْأُخْرَى وبالقاف بباطنها على بَاطِن الْأُخْرَى وَقيل بِالْحَاء الضَّرْب بأصبعين للإنذار والتنبيه وبالقاف بجميعها للهو واللعب وَأغْرب الدَّاودِيّ فَزعم أَن الصَّحَابَة ضربوا بأكفهم على أَفْخَاذهم قَالَ القَاضِي عِيَاض كَأَنَّهُ أَخذه من حَدِيث مُعَاوِيَة بن الحكم الَّذِي أخرجه مُسلم فَفِيهِ " وَجعلُوا يضْربُونَ بِأَيْدِيهِم على أَفْخَاذهم "

(بَاب من سمى قوما أَو سلم فِي الصَّلَاة على غَيره مُوَاجهَة وَهُوَ لَا يعلم)
أَي هَذَا بَاب فِي بَيَان حكم من سمى قوما بِذكر أسمائهم أَو سلم فِي صلَاته على غَيره مُوَاجهَة بِفَتْح الْجِيم وَهِي نصب على المصدرية وَالْحَال أَنه لَا يعلم أَي الْمُسلم عَلَيْهِ لَا يعلم يَعْنِي لَا يسمع السَّلَام وَلَيْسَ فِي رِوَايَة الْأَكْثَرين لفظ مُوَاجهَة وَإِنَّمَا هُوَ وَقع فِي رِوَايَة أبي ذَر وَقيل فِي رِوَايَة أبي ذَر عَن الْحَمَوِيّ على غير بِالتَّنْوِينِ بِلَا هَاء الضَّمِير وَقَالَ الْكرْمَانِي وَفِي بعض النّسخ على غَيره مُوَاجهَة بِلَفْظ اسْم الْفَاعِل الْمُضَاف إِلَى الضَّمِير وَإِضَافَة الْغَيْر إِلَيْهِ (فَإِن قلت) لم يبين فِي التَّرْجَمَة حكم الْبَاب مَا هُوَ أجواز أَو بطلَان (قلت)

(7/277)


كَأَنَّهُ ترك ذَلِك لاشتباه الْأَمر فِيهِ وَلَكِن قيل الظَّاهِر الْجَوَاز وَأَن شَيْئا فِي ذَلِك لَا يبطل الصَّلَاة لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - لم يَأْمُرهُم بِالْإِعَادَةِ فِيهِ إِنَّمَا علمهمْ مَا يستقبلون (قلت) وَفِيه نظر لِأَن هَذَا مَنْسُوخ وَقد كَانَ ذَلِك مقررا عِنْدهم ثمَّ مَنعهم النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - عَن ذَلِك وَأمرهمْ بِمَا يَقُولُونَ فنسخ هَذَا ذَاك
225 - (حَدثنَا عَمْرو بن عِيسَى قَالَ حَدثنَا أَبُو عبد الصَّمد عبد الْعَزِيز بن عبد الصَّمد قَالَ حَدثنَا حُصَيْن بن عبد الرَّحْمَن عَن أبي وَائِل عَن عبد الله بن مَسْعُود رَضِي الله عَنهُ. قَالَ كُنَّا نقُول التَّحِيَّة فِي الصَّلَاة ونسمي وَيسلم بَعْضنَا على بعض فَسَمعهُ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فَقَالَ قُولُوا التَّحِيَّات لله والصلوات والطيبات السَّلَام عَلَيْك أَيهَا النَّبِي وَرَحْمَة الله وَبَرَكَاته السَّلَام علينا وعَلى عباد الله الصَّالِحين أشهد أَن لَا إِلَه إِلَّا الله وَأشْهد أَن مُحَمَّدًا عَبده وَرَسُوله فَإِنَّكُم إِذا فَعلْتُمْ ذَلِك فقد سلمتم على كل عبد لله صَالح فِي السَّمَاء وَالْأَرْض) مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله " كُنَّا نقُول التَّحِيَّة فِي الصَّلَاة ونسمي وَيسلم بَعْضنَا على بعض " وللترجمة جزآن أَحدهمَا قَوْله من سمى قوما وَقد مر فِي بَاب مَا يتَخَيَّر من الدُّعَاء بعد التَّشَهُّد فِي حَدِيث عبد الله بن مَسْعُود أَيْضا قَالَ " كُنَّا إِذا كُنَّا مَعَ النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فِي الصَّلَاة قُلْنَا السَّلَام على الله من عباده السَّلَام على فلَان وَفُلَان " الحَدِيث وَفِي رِوَايَة عَنهُ " قُلْنَا السَّلَام على جِبْرَائِيل وَمِيكَائِيل " والجزء الآخر هُوَ قَوْله " أوسلم فِي الصَّلَاة " إِلَى آخِره وَهُوَ المُرَاد من قَوْله " وَيسلم بَعْضنَا على بعض ". (ذكر رِجَاله) وهم خَمْسَة. الأول عَمْرو بن عِيسَى أَبُو عُثْمَان الضبعِي بِضَم الضَّاد الْمُعْجَمَة الأدي بِفَتْح الْهمزَة وَفتح الدَّال. الثَّانِي عبد الْعَزِيز بن عبد الصَّمد الْعمي بِفَتْح الْعين الْمُهْملَة وَتَشْديد الْمِيم. الثَّالِث حُصَيْن بِضَم الْحَاء الْمُهْملَة وَفتح الصَّاد الْمُهْملَة ابْن عبد الرَّحْمَن مر فِي بَاب الْأَذَان بعد ذهَاب الْوَقْت. الرَّابِع أَبُو وَائِل واسْمه شَقِيق بن سَلمَة. الْخَامِس عبد الله بن مَسْعُود (ذكر لطائف إِسْنَاده) فِيهِ التحديث بِصِيغَة الْجمع فِي ثَلَاثَة مَوَاضِع وَفِيه العنعنة فِي موضِعين وَفِيه القَوْل فِي ثَلَاثَة مَوَاضِع وَفِيه أَن شَيْخه من أَفْرَاده وَهُوَ بَصرِي وَكَذَلِكَ عبد الْعَزِيز بَصرِي وحصين وَأَبُو وَائِل كوفيان وَفِيه عبد الْعَزِيز مَذْكُورا أَولا بالكنية ثمَّ بَين باسمه وَهُوَ مَذْكُور أَيْضا بنسبته إِلَى عَم قَبيلَة من بني تَمِيم وَفِيهِمْ كَثْرَة وَمن الروَاة زيد الْعمي وَهُوَ لقب لَهُ لِأَنَّهُ كلما كَانَ يسْأَل عَن شَيْء قَالَ حَتَّى أسأَل عمي (ذكر من أخرجه غَيره) أخرجه ابْن مَاجَه أَيْضا فِي الصَّلَاة عَن مُحَمَّد بن يحيى الذهلي عَن عبد الرَّزَّاق وَعَن مُحَمَّد بن معمر عَن قبيصَة بن عقبَة كِلَاهُمَا عَن سُفْيَان الثَّوْريّ عَن حُصَيْن بِهِ وَقد مر الْكَلَام فِيهِ مُسْتَوْفِي فِي بَاب التَّشَهُّد فِي الْأَخِيرَة وَفِي بَاب مَا يتَخَيَّر من الدُّعَاء بعد التَّشَهُّد قَوْله " التَّحِيَّة " بِالرَّفْع على الِابْتِدَاء وَقَوله " فِي الصَّلَاة " خَبره ويروى التَّحِيَّة بِالنّصب على أَنه مفعول قُلْنَا (فَإِن قلت) مقول القَوْل لَا بُد أَن يكون جملَة (قلت) قد يَقع مُفردا إِذا كَانَ عبارَة عَن الْجُمْلَة كَمَا فِي قَوْلك قلت قصَّة وَقلت خَبرا وَكَذَلِكَ هَهُنَا التَّحِيَّة بِالنّصب عبارَة عَن قَوْلهم السَّلَام على فلَان قَوْله " إِذا فَعلْتُمْ ذَلِك " أَي إِذا قُلْتُمُوهَا قَوْله " صَالح " بِالْجَرِّ صفة عبد وَلَفْظَة " لله " مُعْتَرضَة بَينهمَا

(بَاب التصفيق للنِّسَاء)
يجوز فِي بَاب الْإِضَافَة إِلَى التصفيق وَيجوز فِيهِ التَّنْوِين بِقطعِهِ عَن الْإِضَافَة فالتقدير فِي الأول هَذَا بَاب فِي بَيَان أَن التصفيق للنِّسَاء وَفِي الثَّانِي هَذَا بَاب يذكر فِيهِ التصفيق للنِّسَاء وَقد مر تَفْسِيره عَن قريب
226 - (حَدثنَا عَليّ بن عبد الله قَالَ حَدثنَا سُفْيَان قَالَ حَدثنَا الزُّهْرِيّ عَن أبي سَلمَة عَن أبي هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ التَّسْبِيح للرِّجَال والتصفيق للنِّسَاء)

(7/278)


مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة لِأَنَّهَا عين الحَدِيث وجزء مِنْهُ. (ذكر رِجَاله) وهم خَمْسَة. الأول عَليّ بن عبد الله بن الْمَدِينِيّ. الثَّانِي سُفْيَان بن عُيَيْنَة. الثَّالِث مُحَمَّد بن مُسلم الزُّهْرِيّ. الرَّابِع أَبُو سَلمَة بن عبد الرَّحْمَن بن عَوْف. الْخَامِس أَبُو هُرَيْرَة رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ والْحَدِيث أخرجه مُسلم فِي الصَّلَاة عَن أبي بكر بن أبي شيبَة وَعَمْرو النَّاقِد وَزُهَيْر بن حَرْب وَأخرجه أَبُو دَاوُد فِيهِ عَن قُتَيْبَة وَأخرجه النَّسَائِيّ عَن قُتَيْبَة وَمُحَمّد بن الْمثنى وَأخرجه ابْن مَاجَه فِيهِ عَن أبي بكر بن أبي شيبَة وَهِشَام بن عمار كلهم عَن سُفْيَان بن عُيَيْنَة وَفِي التَّوْضِيح وَقد قَامَ الْإِجْمَاع على أَن سنة الرجل إِذا نابه شَيْء فِي الصَّلَاة التَّسْبِيح وَإِنَّمَا اخْتلفُوا فِي النِّسَاء فَذَهَبت طَائِفَة إِلَى أَنَّهَا تصفيق وَهُوَ ظَاهر الحَدِيث وَبِه قَالَ إِسْحَاق وَالشَّافِعِيّ وَأَبُو ثَوْر وَهُوَ رِوَايَة عَن مَالك حَكَاهَا ابْن شعْبَان عَنهُ وَهُوَ مَذْهَب النَّخعِيّ وَالْأَوْزَاعِيّ وَذهب آخَرُونَ إِلَى أَنَّهَا تَسْبِيح وَهُوَ قَول مَالك وَتَأَول أَصْحَابه قَوْله " إِنَّمَا التصفيق للنِّسَاء " أَنه من شأنهن فِي غير الصَّلَاة فَهُوَ على وَجه الذَّم فَلَا تَفْعَلهُ الْمَرْأَة وَلَا الرجل فِي الصَّلَاة وَيَردهُ مَا ورد فِي حَدِيث حَمَّاد بن زيد عَن أبي حَازِم فِي بَاب الْأَحْكَام بِصِيغَة الْأَمر " فليسبح الرِّجَال وليصفق النِّسَاء " وَإِنَّمَا كره لَهَا التَّسْبِيح لِأَن صَوتهَا فتْنَة وَلِهَذَا منعت من الْأَذَان والإمامة والجهر بِالْقِرَاءَةِ فِي الصَّلَاة
227 - (حَدثنَا يحيى قَالَ أخبرنَا وَكِيع عَن سُفْيَان عَن أبي حَازِم عَن سهل بن سعد رَضِي الله عَنهُ قَالَ قَالَ النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - التَّسْبِيح للرِّجَال والتصفيق للنِّسَاء) مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة لِأَنَّهَا جُزْء من الحَدِيث وَيحيى هُوَ ابْن جَعْفَر الْبَلْخِي وَقَالَ الْكرْمَانِي يحيى إِمَّا يحيى بن مُوسَى الختي بِفَتْح الْخَاء الْمُعْجَمَة وَتَشْديد التَّاء الْمُثَنَّاة من فَوق وَإِمَّا يحيى بن جَعْفَر الْبَلْخِي قَالَ الكلاباذي إنَّهُمَا يرويان عَن وَكِيع فِي الْجَامِع وسُفْيَان هُوَ الثَّوْريّ وَأَبُو حَازِم بالزاي سَلمَة بن دِينَار وَقد مر الْكَلَام فِي الحَدِيث وَفِي بعض النّسخ يُوجد هُنَا عقيب هَذَا الْبَاب بَاب من صفق جَاهِلا من الرِّجَال فِي صلَاته لم تفْسد صلَاته قَالَ وَفِيه سهل بن سعد عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَلَيْسَ هَذَا بموجود فِي كثير من النّسخ وَلِهَذَا أنكر بذلك بعض الشُّرَّاح وَمَعْنَاهُ على تَقْدِير وجوده أَن التصفيق وَظِيفَة النِّسَاء فَمن صفق من الرِّجَال جَاهِلا بذلك فَلَيْسَ عَلَيْهِ إِعَادَة صلَاته لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - لم يَأْمر من صفق بِالْإِعَادَةِ وَذَلِكَ لكَونه عملا يَسِيرا وَبِه لَا تفْسد الصَّلَاة على مَا عرف

(بَاب من رَجَعَ الْقَهْقَرَى فِي صلَاته أَو تقدم بِأَمْر ينزل بِهِ)
أَي هَذَا بَاب فِي بَيَان الْمُصَلِّي الَّذِي رَجَعَ الْقَهْقَرَى فِي صلَاته وَقَالَ ابْن الْأَثِير الْقَهْقَرَى هُوَ الْمَشْي إِلَى خلف من غير أَن يُعِيد وَجهه إِلَى جِهَة مَشْيه قيل أَنه من بَاب الْقَهْر وَقَالَ الْجَوْهَرِي الْقَهْقَرَى الرُّجُوع إِلَى خلف فَإِذا قلت رجعت الْقَهْقَرَى فكأنك قلت رجعت الرُّجُوع الَّذِي يعرف بِهَذَا الِاسْم لِأَن الْقَهْقَرَى ضرب من الرُّجُوع (قلت) فعلى هَذَا انتصابه على المصدرية من غير لَفظه قَوْله " أَو تقدم " أَي تقدم الْمُصَلِّي إِلَى قُدَّام لأجل أَمر ينزل بِهِ
(رَوَاهُ سهل بن سعد عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -) أَي روى كل وَاحِد من رُجُوع الْمُصَلِّي الْقَهْقَرَى فِي صلَاته وتقدمه لأمر ينزل بِهِ سهل بن سعد وروى ذَلِك البُخَارِيّ عَن سهل فِي بَاب الصَّلَاة فِي الْمِنْبَر والسطوح فِي أَوَائِل كتاب الصَّلَاة فَقَالَ حَدثنَا عَليّ بن عبد الله قَالَ حَدثنَا سُفْيَان قَالَ أخبرنَا أَبُو حَازِم قَالُوا سَأَلُوا سهل بن سعد من أَي شَيْء الْمِنْبَر الحَدِيث وَفِيه " فَقَامَ عَلَيْهِ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَي على الْمِنْبَر إِلَى أَن قَالَ فَاسْتقْبل الْقبْلَة وَكبر وَقَامَ النَّاس خَلفه فَقَرَأَ وَركع وَركع النَّاس خَلفه ثمَّ رفع رَأسه ثمَّ رَجَعَ الْقَهْقَرَى فَسجدَ على الأَرْض ثمَّ عَاد إِلَى الْمِنْبَر ثمَّ قَرَأَ ثمَّ ركع ثمَّ رفع رَأسه ثمَّ رَجَعَ الْقَهْقَرَى حَتَّى سجد بِالْأَرْضِ فَهَذَا شَأْنه " وَقَالَ بَعضهم يُشِير بذلك يَعْنِي بقوله رَوَاهُ سهل بن سعد عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - إِلَى حَدِيثه الْمَاضِي قَرِيبا فَفِيهِ " فَرفع أَبُو بكر يَده فَحَمدَ الله ثمَّ رَجَعَ الْقَهْقَرَى " وَأما قَوْله " أَو تقدم " فَهُوَ مَأْخُوذ من الحَدِيث أَيْضا وَذَلِكَ أَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وقف فِي الصَّفّ الأول خلف أبي بكر على إِرَادَة الائتمام بِهِ فَامْتنعَ أَبُو بكر من ذَلِك فَتقدم النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَرجع أَبُو بكر من موقف الإِمَام

(7/279)


إِلَى موقف الْمَأْمُوم انْتهى (قلت) الَّذِي قَالَه يردهُ الضَّمِير الْمَنْصُوب فِي " رَوَاهُ " يفهم ذَلِك من لَهُ أدنى ذوق من أَحْوَال تركيب الْكَلَام وَلذَلِك أعدنا الضَّمِير فِيهِ إِلَى مَا قدرناه وَصَاحب التَّلْوِيح أَيْضا ذهل فِي هَذَا وَقَالَ بعد قَوْله " رَوَاهُ سهل " هَذَا الحَدِيث تقدم مُسْندًا فِي بَاب مَا يجوز من التَّسْبِيح فِي الصَّلَاة ثمَّ قَالَ وَفِي قَوْله " رَوَاهُ سهل " عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فِيهِ نظر وَذَلِكَ أَنه إِنَّمَا شَاهد الْفِعْل وَهُوَ التَّقَدُّم من سيدنَا رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - والتأخر من أبي بكر رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ ثمَّ قَالَ الْقَائِل الْمَذْكُور وَيحْتَمل أَن يكون المُرَاد بِحَدِيث سهل مَا تقدم فِي الْجُمُعَة من صلَاته - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - على الْمِنْبَر ونزوله الْقَهْقَرَى حَتَّى سجد فِي أصل الْمِنْبَر ثمَّ عَاد إِلَى مقَامه (قلت) قَوْله يحْتَمل غير سديد لِأَن البُخَارِيّ مَا أَرَادَ إِلَّا هَذَا الحَدِيث وَهُوَ الْمُنَاسب لما ذكره وَلَا يُقَال فِي مثل هَذَا بِالِاحْتِمَالِ
228 - (حَدثنَا بشر بن مُحَمَّد قَالَ أخبرنَا عبد الله. قَالَ يُونُس. قَالَ الزُّهْرِيّ أَخْبرنِي أنس بن مَالك أَن الْمُسلمين بَيْنَمَا هم فِي الْفجْر يَوْم الِاثْنَيْنِ وَأَبُو بكر رَضِي الله عَنهُ يُصَلِّي بهم ففجأهم النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَقد كشف ستر حجرَة عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا فَنظر إِلَيْهِم وهم صُفُوف فَتَبَسَّمَ يضْحك فنكص أَبُو بكر رَضِي الله عَنهُ على عَقِبَيْهِ وَظن أَن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - يُرِيد أَن يخرج إِلَى الصَّلَاة وهم الْمُسلمُونَ أَن يفتتنوا فِي صلَاتهم فَرحا بِالنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - حِين رَأَوْهُ فَأَشَارَ بِيَدِهِ أَن أَتموا ثمَّ دخل الْحُجْرَة وأرخى السّتْر وَتُوفِّي ذَلِك الْيَوْم) مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة فِي التَّقَدُّم يسْتَأْنس من قَوْله " ففجأهم النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - " وَهَذَا يدل على أَنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - اتَّصل بالصف فلولا ذَلِك لما نكص أَبُو بكر على عَقِبَيْهِ ومطابقته فِي التَّأَخُّر فِي قَوْله " فنكص أَبُو بكر على عَقِبَيْهِ " والْحَدِيث مر فِي بَاب أهل الْعلم وَالْفضل أَحَق بِالْإِمَامَةِ فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ عَن أبي الْيَمَان عَن شُعَيْب عَن الزُّهْرِيّ عَن أنس وَعَن أبي معمر عَن عبد الْوَارِث عَن عبد الْعَزِيز عَن أنس وَذكرنَا هُنَاكَ جَمِيع مَا يتَعَلَّق بِهِ. وَبشر بِكَسْر الْبَاء الْمُوَحدَة وَسُكُون الشين الْمُعْجَمَة وبالراء ابْن مُحَمَّد الْمروزِي قد مر فِي بَاب بَدْء الْوَحْي وَعبد الله هُوَ ابْن الْمُبَارك وَقد تكَرر ذكره وَيُونُس هُوَ ابْن يزِيد وَالزهْرِيّ هُوَ مُحَمَّد بن مُسلم قَوْله " قَالَ يُونُس قَالَ الزُّهْرِيّ " أَي قَالَ قَالَ يُونُس قَالَ الزُّهْرِيّ وَهِي تحذف خطأ فِي الِاصْطِلَاح لَا نطقا قَوْله " بَيْنَمَا هم " أَي الصَّحَابَة فِي صَلَاة الْفجْر والْحَدِيث الَّذِي فِيهِ " مروا أَبَا بكر " كَانَت صَلَاة الْعشَاء وَالَّذِي فِيهِ " خرج يهادي بَين اثْنَيْنِ " كَانَت صَلَاة الظّهْر قَوْله " وَأَبُو بكر " الْوَاو فِيهِ للْحَال قَوْله " ففجأهم " بِفَتْح الْجِيم وَكسرهَا أَي فاجأهم وَقَالَ ابْن التِّين كَذَا وَقع فِي الأَصْل بِالْألف وَحقه أَن يكْتب بِالْيَاءِ لِأَن عينه مَكْسُورَة كوطئهم (قلت) إِذا كسرت عينه يُقَال فَجِئَهُمْ وَإِذا فتحت يُقَال فجأهم قَوْله " كشف ستر حجرَة عَائِشَة " كَذَا هُوَ فِي أصل الْحَافِظ الدمياطي بِخَطِّهِ وَكَذَا فِي الْإِسْمَاعِيلِيّ وَأبي نعيم وَقَالَ الشَّيْخ قطب الدّين فِي سَمَاعنَا إِسْقَاط لفظ حجرَة قَوْله " فنكص " بالصَّاد وبالسين الْمُهْمَلَتَيْنِ أَي رَجَعَ بِحَيْثُ لم يستدبر الْقبْلَة وَهُوَ الرُّجُوع إِلَى الوراء قَوْله " فَرحا " نصب على التَّعْلِيل وَيجوز أَن يكون حَالا على تَأْوِيل فرحين قَوْله " أَن أَتموا " أَن مَصْدَرِيَّة أَي أَشَارَ بالإتمام

(بَاب إِذا دعت الْأُم وَلَدهَا فِي الصَّلَاة)
أَي هَذَا بَاب يذكر فِيهِ إِذا دعت الْأُم وَلَدهَا وَهُوَ فِي الصَّلَاة وَجَوَاب إِذا مَحْذُوف تَقْدِيره هَل تجب إجابتها أم لَا وَإِذا وَجَبت هَل تبطل الصَّلَاة أَو لَا وَفِي الْمَسْأَلَتَيْنِ خلاف فَلذَلِك لم يذكر الْجَواب
229 - (وَقَالَ اللَّيْث حَدثنِي جَعْفَر عَن عبد الرَّحْمَن بن هُرْمُز قَالَ قَالَ أَبُو هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ قَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - نادت امْرَأَة ابْنهَا وَهُوَ فِي صومعة قَالَت يَا جريج قَالَ اللَّهُمَّ أُمِّي وصلاتي

(7/280)


قَالَت يَا جريج قَالَ اللَّهُمَّ أُمِّي وصلاتي قَالَت يَا جريج قَالَ اللَّهُمَّ أُمِّي وصلاتي قَالَت اللَّهُمَّ لَا يَمُوت جريج حَتَّى ينظر فِي وَجه المياميس وَكَانَت تأوي إِلَى صومعته راعية ترعى الْغنم فَولدت فَقيل لَهَا مِمَّن هَذَا الْوَلَد قَالَت من جريج نزل من صومعته قَالَ جريج أَيْن هَذِه الَّتِي تزْعم أَن وَلَدهَا لي قَالَ يَا بابوس من أَبوك قَالَ راعي الْغنم) مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. (ذكر رِجَاله) وهم أَرْبَعَة الأول اللَّيْث بن سعد. الثَّانِي جَعْفَر بن ربيعَة بن شُرَحْبِيل بن حَسَنَة الْقرشِي. الثَّالِث عبد الرَّحْمَن بن هُرْمُز الْأَعْرَج. الرَّابِع أَبُو هُرَيْرَة (ذكر لطائف إِسْنَاده) فِيهِ التحديث بِصِيغَة الْإِفْرَاد فِي مَوضِع وَاحِد وَفِيه العنعنة فِي مَوضِع وَاحِد وَفِيه القَوْل فِي ثَلَاثَة مَوَاضِع وَفِيه أَن اللَّيْث وَشَيْخه مصريان وَعبد الرَّحْمَن مدنِي وَهَذَا تَعْلِيق من البُخَارِيّ لِأَنَّهُ لم يدْرك اللَّيْث وَوَصله الْإِسْمَاعِيلِيّ أخبرنَا أَبُو بكر الْمروزِي حَدثنَا عَاصِم بن عَليّ حَدثنَا اللَّيْث عَن جَعْفَر بن ربيعَة الحَدِيث مطولا وَفِيه " لَا أماتك الله حَتَّى تنظر فِي وَجهك زواني الْمَدِينَة فَعرف أَن ذَلِك يُصِيبهُ فَلَمَّا مروا بِهِ على بَيت الزواني خرجن يضحكن فَتَبَسَّمَ فَقَالُوا لم يضْحك حَتَّى مر بالزواني " وَوَصله أَبُو نعيم أَيْضا حَدثنَا أَبُو بكر بن خَلاد حَدثنَا أَحْمد بن إِبْرَاهِيم بن ملْحَان حَدثنَا يحيى بن بكير قَالَ حَدثنَا اللَّيْث عَن جَعْفَر وأسنده البُخَارِيّ أَيْضا فِي بَاب (وَاذْكُر فِي الْكتاب مَرْيَم إِذْ انتبذت من أَهلهَا) حَدثنَا مُسلم بن إِبْرَاهِيم حَدثنَا جرير بن حَازِم عَن مُحَمَّد بن سِيرِين عَن أبي هُرَيْرَة عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ " لم يتَكَلَّم فِي المهد إِلَّا ثَلَاثَة عِيسَى وَكَانَ فِي بني إِسْرَائِيل رجل يُقَال لَهُ جريج كَانَ يُصَلِّي فَجَاءَتْهُ أمه فدعته فَقَالَ أجيبها أَو أُصَلِّي فَقَالَت اللَّهُمَّ لَا تمته حَتَّى تريه وُجُوه المومسات وَكَانَ جريج فِي صومعته فتعرضت لَهُ امْرَأَة وكلمته فَأبى فَأَتَت رَاعيا فأمكنته من نَفسهَا فَولدت غُلَاما فَقيل لَهَا مِمَّن فَقَالَت من جريج فَأتوهُ فكسروا صومعته وأنزلوه وسبوه فَتَوَضَّأ وَصلى ثمَّ أَتَى الْغُلَام فَقَالَ من أَبوك قَالَ الرَّاعِي قَالُوا نَبْنِي صومعتك من ذهب قَالَ لَا إِلَّا من طين " الحَدِيث. (ذكر من أخرجه غَيره) أخرجه مُسلم فِي بَاب بر الْوَالِدين وَدُعَاء الوالدة على الْوَلَد حَدثنَا شَيبَان بن فروخ حَدثنَا سُلَيْمَان بن الْمُغيرَة حَدثنَا حميد بن هِلَال عَن أبي رَافع عَن أبي هُرَيْرَة رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَنه قَالَ " كَانَ جريج يتعبد فِي صومعته فَجَاءَت أمه فَقَالَت يَا جريج أَنا أمك كلمني فصادفته يُصَلِّي فَقَالَ اللَّهُمَّ أُمِّي وصلاتي فَاخْتَارَ صلَاته فَرَجَعت ثمَّ عَادَتْ فِي الثَّانِيَة فَقَالَت يَا جريج أَنا أمك فكلمني فَقَالَ اللَّهُمَّ أُمِّي وصلاتي فَاخْتَارَ صلَاته فَقَالَت اللَّهُمَّ إِن هَذَا جريج وَهُوَ ابْني وَإِنِّي كَلمته فَأبى أَن يكلمني اللَّهُمَّ لَا تمته حَتَّى تريه وُجُوه المومسات قَالَ وَلَو دعت عَلَيْهِ أَن يفتن لفتن وَكَانَ راعي ضَأْن يأوي إِلَى ديره قَالَ فَخرجت امْرَأَة من الْقرْيَة فَوَقع عَلَيْهَا الرَّاعِي فَحملت فَولدت غُلَاما فَقيل لَهَا مَا هَذَا قَالَت من صَاحب هَذَا الدَّيْر قَالَ فجاؤا بفؤسهم ومساحيهم فَنَادَوْهُ فصادفوه وَهُوَ يُصَلِّي فَلم يكلمهم قَالَ فَأخذُوا يهدمون ديره فَلَمَّا رأى ذَلِك نزل إِلَيْهِم فَقَالُوا لَهُ سل هَذِه فَتَبَسَّمَ ثمَّ مسح رَأس الصَّبِي فَقَالَ من أَبوك قَالَ أبي راعي الضَّأْن فَلَمَّا سمعُوا ذَلِك مِنْهُ قَالُوا لَهُ نَبْنِي مَا هدمناه من ديرك بِالذَّهَب وَالْفِضَّة قَالَ لَا وَلَكِن أعيدوه تُرَابا كَمَا كَانَ " وَأخرجه أَيْضا من طَرِيق جرير بن حَازِم عَن مُحَمَّد بن سِيرِين عَن أبي هُرَيْرَة عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ لم يتَكَلَّم فِي المهد " الحَدِيث وَفِيه " وَكَانَت امْرَأَة بغي يتَمَثَّل بحسنها فَقَالَت إِن شِئْتُم لأفتننه لكم فتعرضت لَهُ فَلم يلْتَفت إِلَيْهَا فَأَتَت رَاعيا كَانَ يأوي إِلَى صومعته فأمكنته من نَفسهَا فَوَقع عَلَيْهَا فَحملت فَلَمَّا ولدت قَالَت هُوَ من جريج فَأتوهُ فاستنزلوه وهدموا صومعته وَجعلُوا يضربونه فَقَالَ مَا شَأْنكُمْ قَالُوا زَنَيْت بِهَذِهِ الْبَغي فَولدت مِنْك فَقَالَ أَيْن الصَّبِي فجاؤا بِهِ فَقَالَ دَعونِي حَتَّى أُصَلِّي فصلى فَلَمَّا انْصَرف أَتَى الصَّبِي فطعن فِي بَطْنه وَقَالَ يَا غُلَام من أَبوك قَالَ فلَان الرَّاعِي قَالَ فَأَقْبَلُوا على جريج يقبلونه ويتمسحون بِهِ وَقَالُوا نَبْنِي لَك صومعتك من ذهب قَالَ لَا أعيدوها من طين كَمَا كَانَت فَفَعَلُوا " الحَدِيث وَأخرجه الْإِسْمَاعِيلِيّ وَأَبُو نعيم كَمَا ذكرنَا وَذكر الْفَقِيه أَبُو اللَّيْث السَّمرقَنْدِي فِي كِتَابه تَنْبِيه الغافلين كَانَ جريج رَاهِبًا فِي بني إِسْرَائِيل يعبد الله فِي صومعته فَجَاءَتْهُ أمه يَوْمًا وَهُوَ قَائِم فِي الصَّلَاة فنادته يَا جريج فَلم يجبها لاشتغاله بِصَلَاتِهِ فَقَالَت ابتلاك الله بالمومسات يَعْنِي الزواني وَكَانَت امْرَأَة فِي تِلْكَ الْبَلدة خرجت لحاجتها

(7/281)


فَأَخذهَا راعي الْغنم فواقعها عِنْد صومعة جريج فَحملت مِنْهُ وَكَانَ أهل تِلْكَ الْبَلدة يعظمون أَمر الزِّنَا فَظهر أَمر تِلْكَ الْمَرْأَة فِي الْبَلَد فَلَمَّا وضعت حملهَا أخبر الْملك أَن امْرَأَة قد ولدت من الزِّنَا فَدَعَاهَا فَقَالَ من أَيْن لَك هَذَا الْوَلَد قَالَت من جريج الراهب قد واقعني فَبعث الْملك أعوانه إِلَيْهِ وَهُوَ فِي الصَّلَاة فَنَادَوْهُ فَلم يجبهم حَتَّى جَاءُوا إِلَيْهِ بالمرور وهدموا صومعته وَجعلُوا فِي عُنُقه حبلا وجاؤا بِهِ إِلَى الْملك فَقَالَ لَهُ الْملك إِنَّك قد جعلت نَفسك عابدا ثمَّ تهتك حَرِيم النَّاس وتتعاطى مَا لَا يحل لَك قَالَ أَي شَيْء فعلت قَالَ إِنَّك قد زَنَيْت بِامْرَأَة كَذَا فَقَالَ لم أفعل فَلم يصدقوه وَحلف على ذَلِك وَلم يصدقوه فَقَالَ ردوني إِلَى أُمِّي فَردُّوهُ إِلَى أمه فَقَالَ لَهَا يَا أُمَّاهُ إِنَّك قد دَعَوْت الله عَليّ أفاستجاب الله دعاءك فادعي الله أَن يكْشف عني بدعائك فَقَالَت أمه اللَّهُمَّ إِن كَانَ جريج إِنَّمَا أَخَذته بدعوتي فاكشف عَنهُ فَرجع جريج إِلَى الْملك فَقَالَ أَيْن هَذِه الْمَرْأَة وَأَيْنَ الصَّبِي فجاؤا بِالْمَرْأَةِ وَالصَّبِيّ فَسَأَلُوهَا فَقَالَت بلَى هَذَا الَّذِي فعل بِي فَوضع جريج يَده على رَأس الصَّبِي وَقَالَ بِحَق الَّذِي خلق أَن تُخبرنِي من أَبوك فَتكلم الصَّبِي بِإِذن الله تَعَالَى وَقَالَ إِن أبي فلَان الرَّاعِي فَلَمَّا سَمِعت الْمَرْأَة بذلك اعْترفت وَقَالَت كنت كَاذِبَة وَإِنَّمَا فعل بِي فلَان الرَّاعِي وَفِي رِوَايَة أَن الْمَرْأَة كَانَت حَامِلا لم تضع بعد فَقَالَ لَهَا أَيْن أصبتك قَالَت تَحت شَجَرَة وَكَانَت الشَّجَرَة بِجنب صومعته قَالَ جريج أخرجُوا إِلَى تِلْكَ الشَّجَرَة ثمَّ قَالَ يَا شَجَرَة أَسأَلك بِالَّذِي خلقك أَن تخبريني من زنا بِهَذِهِ الْمَرْأَة فَقَالَ كل غُصْن مِنْهَا راعي الْغنم ثمَّ طعن بِأُصْبُعِهِ فِي بَطنهَا وَقَالَ يَا غُلَام من أَبوك فَنَادَى من بَطنهَا أبي راعي الضَّأْن فَاعْتَذر الْملك إِلَى جريج الراهب وَقَالَ إيذن لي ابْني صومعتك بِالذَّهَب قَالَ لَا قَالَ بِالْفِضَّةِ قَالَ لَا وَلكنه بالطين كَمَا كَانَت فبنوه بالطين وَفِي كتاب الْبر والصلة لعبد الله بن الْمُبَارك من حَدِيث الْحسن أَن اسْمه كَانَ جَريا وَأَنَّهُمْ لما أحاطوا بِهِ قَالَ بِاللَّه أما أنظرتموني ليَالِي أدعوا الله عز وَجل فأنظروه ليَالِي الله أعلم كم هِيَ فَأَتَاهُ آتٍ فِي مَنَامه فَقَالَ لَهُ إِذا اجْتمع النَّاس فاطعن فِي بطن الْمَرْأَة وَقل أيتها السخلة من أَنْت وَمن أَبوك فَإِنَّهُ سَيَقُولُ راعي الْغنم فَلَمَّا أصبح طعن فِي بطن الْمَرْأَة وَقَالَ أيتها السخلة من أَبوك قَالَت راعي الْغنم قَالَ الْحسن ذكر لي أَن مولودا لم يتَكَلَّم فِي بطن أمه إِلَّا هَذَا وَعِيسَى عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام (ذكر مَعْنَاهُ) قَوْله " وَهُوَ فِي صومته " الْوَاو فِيهِ للْحَال والصومعة على وزن فوعلة من صمعت إِذا دققت لِأَنَّهَا دقيقة الرَّأْس قَوْله " جريج " بِضَم الْجِيم وَفتح الرَّاء وَسُكُون الْيَاء آخر الْحُرُوف وَفِي آخِره جِيم أَيْضا قَوْله " اللَّهُمَّ أُمِّي وصلاتي " أَي اجْتمع إِجَابَة أُمِّي وإتمام صَلَاتي فوفقني لأفضلهما قَوْله " لَا يَمُوت جريج " نفي فِي معنى الدُّعَاء قَوْله " حَتَّى ينظر " بِضَم الْيَاء على صِيغَة الْمَجْهُول قَوْله " المياميس " جمع مومسة وَهِي الْفَاجِرَة المتجاهرة بِهِ وَفِي التَّلْوِيح المياميس الزواني والفاجرات الْوَاحِدَة مومسة وَالْجمع مومسات ومياميس وَقَالَ ابْن الْجَوْزِيّ إِثْبَات الْيَاء فِيهِ غلط وَالصَّوَاب حذفهَا (قلت) لَيْسَ بغلط لِأَن الْعَرَب يشبعون الكسرة فَتَصِير فِي صُورَة الْيَاء وَقَالَ ابْن قرقول وبالياء روينَا وَكَذَا ذكره أَصْحَاب الْعَرَبيَّة وَرَوَاهُ السماك المياميس بِضَم الْمِيم وَقَالَ الْقَزاز قد يُقَال للخدم مومسات قَوْله " يابابوس " كلمة يَا حرف نِدَاء وبابوس بِفَتْح الْبَاء الْمُوَحدَة وَبعد الْألف بَاء أُخْرَى مَضْمُومَة وَبعد الْوَاو الساكنة سين مُهْملَة قَالَ الْقَزاز هُوَ الصَّغِير ووزنه فاعول فاؤه وعينه من جنس وَاحِد وَهُوَ قَلِيل وَقيل هُوَ اسْم أعجمي وَقيل هُوَ عَرَبِيّ وَقَالَ الدَّاودِيّ هُوَ اسْم ذَلِك الْوَلَد بِعَيْنِه وَقَالَ ابْن بطال هُوَ الرَّضِيع وَقَالَ الْكرْمَانِي لَو صحت الرِّوَايَة بِكَسْر السِّين وتنوينها يكون كنية لَهُ وَمَعْنَاهُ يَا أَبَا شدَّة (ذكر مَا يُسْتَفَاد مِنْهُ) فِيهِ دلَالَة على أَن الْكَلَام لم يكن مَمْنُوعًا فِي الصَّلَاة فِي شريعتهم فَلَمَّا لم يجب أمه وَالْحَال أَن الْكَلَام مُبَاح لَهُ أستجيبت دَعْوَة أمه فِيهِ وَقد كَانَ الْكَلَام مُبَاحا أَيْضا فِي شريعتنا أَولا حَتَّى نزلت {وَقومُوا لله قَانِتِينَ} فَأَما الْآن فَلَا يجوز للْمُصَلِّي إِذا دعت أمه أَو غَيرهَا أَن يقطع صلَاته لقَوْله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - " لَا طَاعَة لمخلوق فِي مَعْصِيّة الْخَالِق " وَحقّ الله عز وَجل الَّذِي شرع فِيهِ آكِد من حق الْأَبَوَيْنِ حَتَّى يفرع مِنْهُ لَكِن الْعلمَاء يستحبون أَن يُخَفف صلَاته ويجيب أَبَوَيْهِ وَقَالَ صَاحب التَّوْضِيح وَصرح أَصْحَابنَا فَقَالُوا من خَصَائِص النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَنه لَو دَعَا إنْسَانا وَهُوَ فِي الصَّلَاة وَجب عَلَيْهِ الْإِجَابَة وَلَا تبطل صلَاته وَحكى الرَّوْيَانِيّ فِي الْبَحْر ثَلَاثَة أوجه فِي إِجَابَة أحد الْوَالِدين. أَحدهَا لَا تجب الْإِجَابَة. ثَانِيهَا تجب وَتبطل.

(7/282)


ثَالِثهَا تجب وَلَا تبطل وَالظَّاهِر عدم الْوُجُوب إِن كَانَت الصَّلَاة فرضا وَقد ضَاقَ الْوَقْت وَقَالَ عبد الْملك بن حبيب كَانَت صلَاته نَافِلَة وَإجَابَة أمه أفضل من النَّافِلَة وَكَانَ الصَّوَاب إجابتها لِأَن الِاسْتِمْرَار فِي صَلَاة النَّقْل تطوع وَإجَابَة أمه وبرها وَاجِب وَكَانَ يُمكنهُ أَن يخففها ويجيبها قيل لَعَلَّه خشِي أَن تَدعُوهُ إِلَى مُفَارقَة صومعته وَالْعود إِلَى الدُّنْيَا وتعلقاتها وَفِي الْوُجُوب فِي حق الْأُم حَدِيث مُرْسل رَوَاهُ ابْن أبي شيبَة عَن حَفْص بن غياث عَن ابْن أبي ذِئْب عَن مُحَمَّد بن الْمُنْكَدر عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ " إِذا دعتك أمك فِي الصَّلَاة فأجبها وَإِن دعَاك أَبوك فَلَا تجبه " وَقَالَ مَكْحُول رَوَاهُ الْأَوْزَاعِيّ عَنهُ وَقَالَ الْعَوام سَأَلت مُجَاهدًا عَن الرجل تَدعُوهُ أمه أَو أَبوهُ فِي الصَّلَاة قَالَ يجيبهما وَعَن مَالك إِذا منعته أمه عَن شُهُود الْعشَاء فِي جمَاعَة لم يطعها وَإِن منعته عَن الْجِهَاد أطاعها وَالْفرق ظَاهر لِأَن الْأَمْن غَالب فِي الأول دون الثَّانِي وَفِي كتاب الْبر والصلة عَن الْحسن فِي الرجل تَقول لَهُ أمه أفطر قَالَ يفْطر وَلَيْسَ عَلَيْهِ قَضَاء وَله أجر الصَّوْم وَإِذا قَالَت أمه لَهُ لَا تخرج إِلَى الصَّلَاة فَلَيْسَ لَهَا فِي هَذَا طَاعَة لِأَن هَذَا فرض وَقَالُوا إِن مُرْسل ابْن الْمُنْكَدر الْفُقَهَاء على خِلَافه وَلم يعلم بِهِ قَائِل غير مَكْحُول وَيحْتَمل أَن يكون مَعْنَاهُ إِذا دَعَتْهُ أمه فليجبها يَعْنِي بالتسبيح وَبِمَا أُبِيح للْمُصَلِّي الْإِجَابَة بِهِ وَقَالَ ابْن حبيب من أَتَاهُ أَبوهُ ليكلمه وَهُوَ فِي نَافِلَة فليخفف وَيسلم وَيتَكَلَّم وَفِي الِاحْتِجَاج لمن يَقُول أَن الزِّنَا يحرم كَمَا يحرم وَطْء الْحَلَال قَالَ الْقُرْطُبِيّ وَهُوَ رِوَايَة ابْن الْقَاسِم عَن مَالك فِي الْمُدَوَّنَة وَفِي الْمُوَطَّأ عَكسه لَا يحرم الزِّنَا حَلَالا قَالَ ويستدل بِهِ أَيْضا على أَن الْمَخْلُوق من مَاء الزَّانِي لَا تحل للزاني أم أمهَا وَهُوَ الْمَشْهُور وَقَالَ ابْن الْمَاجشون أَنَّهَا تحل وَوجه التَّمَسُّك على الْمَسْأَلَتَيْنِ أَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - حكى عَن جريج أَنه نسب الزِّنَا للزاني وَصدق الله نسبته بِمَا خلق لَهُ من الْعَادة فَكَانَت تِلْكَ النِّسْبَة صَحِيحَة فَيلْزم على هَذَا أَن تجْرِي بَينهمَا أَحْكَام الْأُبُوَّة والبنوة من التَّوَارُث والولايات وَغير ذَلِك وَقد اتّفق الْمُسلمُونَ على أَن لَا توارث بَينهمَا فَلم تصح تِلْكَ النِّسْبَة وَالْمرَاد من ذَلِك تَبْيِين هَذَا الصَّغِير من مَاء من كَانَ وَسَماهُ أَبَاهُ مجَازًا أَو يكون فِي شرعهم أَنه يلْحقهُ وَفِيه دلَالَة على صِحَة وُقُوع الكرامات من الْأَوْلِيَاء وَهُوَ قَول جُمْهُور أهل السّنة وَالْعُلَمَاء خلافًا للمعتزلة وَقد نسب لبَعض الْعلمَاء إنكارها وَالَّذِي نظنه بهم أَنهم مَا أَنْكَرُوا أَصْلهَا لتجويز الْعقل لَهَا وَلما وَقع فِي الْكتاب وَالسّنة وأخبار صالحي هَذِه الْأمة مَا يدل على وُقُوعهَا وَإِنَّمَا مَحل الْإِنْكَار ادِّعَاء وُقُوعهَا مِمَّن لَيْسَ مَوْصُوفا بشروطها وَلَا هُوَ أهل لَهَا. وَفِيه أَن كَرَامَة الْوَلِيّ قد تقع بِاخْتِيَارِهِ وَطَلَبه وَهُوَ الصَّحِيح عِنْد جمَاعَة الْمُتَكَلِّمين كَمَا فِي حَدِيث جريج. وَمِنْهُم من قَالَ لَا تقع بِاخْتِيَارِهِ وَطَلَبه. وَفِيه أَن الْكَرَامَة قد تقع بخوارق الْعَادَات على جَمِيع أَنْوَاعهَا وَمنعه بَعضهم وأدعى أَنَّهَا تخْتَص بِمثل إِجَابَة دُعَاء وَنَحْوه قَالَ بعض الْعلمَاء هَذَا غلط من قَائِله وإنكار للحس. فِيهِ دلَالَة على أَن من أَخذ بالشدة فِي أُمُور الْعِبَادَات كَانَ أفضل إِذا علم من نَفسه قُوَّة على ذَلِك لِأَن جريجا دَعَا الله فِي الْتِزَام الْخُشُوع لَهُ فِي صلَاته وفضله على الاستجابة لأمه فعاقبه الله تَعَالَى على ترك الاستجابة لَهَا بِمَا ابتلاه الله بِهِ من دَعْوَة أمه عَلَيْهِ ثمَّ أرَاهُ فضل مَا آثره من مُنَاجَاة ربه والتزام الْخُشُوع لَهُ أَن جعل لَهُ آيَة معْجزَة فِي كَلَام الطِّفْل فخلصه بهَا من محنة دَعْوَة أمه عَلَيْهِ. وَفِيه أَن من ابتلى بشيئين يسْأَل الله تَعَالَى أَن يلقِي فِي قلبه الْأَفْضَل ويحمله على أولي الْأَمريْنِ فَإِن جريجا لما ابْتُلِيَ بشيئين وَهُوَ قَوْله " اللَّهُمَّ أُمِّي وصلاتي " فَاخْتَارَ الْتِزَام مُرَاعَاة حق الله تَعَالَى على حق أمه وَقَالَ ابْن بطال قد يُمكن أَن يكون جريج نَبيا لِأَنَّهُ كَانَ فِي زمن تمكن النُّبُوَّة فِيهِ وروى اللَّيْث بن سعد عَن يزِيد بن حُوسِبَ عَن أَبِيه قَالَ سَمِعت رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - يَقُول " لَو كَانَ جريج الراهب فَقِيها عَالما لعلم أَن إِجَابَة أمه خير من عبَادَة ربه " قَالَ صَاحب التَّوْضِيح وحوشب هَذَا هُوَ ابْن طخمة بِالْمِيم الْحِمْيَرِي (قلت) قَالَ الذَّهَبِيّ فِي تَجْرِيد الصَّحَابَة حَوْشَب بن طخنة وَقيل طخمة يَعْنِي بِالْمِيم الْحِمْيَرِي الْأَلْهَانِي يعرف بِذِي ظليم أسلم على عهد النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وعداده فِي أهل الْيمن وَكَانَ مُطَاعًا فِي قومه كتب إِلَيْهِ النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فِي قتل الْأسود الْعَنسِي وَفِي تَارِيخ دمشق كَانَ على رجالة حمص يَوْم صفّين ثمَّ قَالَ حَوْشَب لَهُ صُحْبَة وَله حَدِيث فَفِي مُسْند الشاميين فِي مُسْند أَحْمد وَلَعَلَّه الأول ثمَّ قَالَ حَوْشَب بن يزِيد الفِهري مَجْهُول روى عَنهُ ابْنه يزِيد فِي ذكر جريج الراهب وَفِيه عظم بر الْوَالِدين وَأَن دعاءهما مستجاب وَعَن هَذَا قَالَ الْعلمَاء إِن إكرامهما وَاجِب وَلَو كَانَا كَافِرين حَتَّى روى عَن ابْن عَبَّاس أَن لَهُ أَن يزور قبر وَالِديهِ وَلَو كَانَا كَافِرين وَتجب نفقتهما على الْوَلَد

(7/283)


مَعَ اخْتِلَاف الدّين عِنْد أَصْحَابنَا وَقَالَ أَبُو عبد الْملك وَهَذَا من عجائب بني إِسْرَائِيل يَعْنِي أَمر جريج وَهَذَا من أَخْبَار الْآحَاد وَفِي صَحِيح مُسلم " لم يتَكَلَّم فِي المهد إِلَّا ثَلَاثَة عِيسَى ابْن مَرْيَم وَصَاحب جريج وَالصَّبِيّ الَّذِي قَالَت أمه وَرَأَتْ رجلا لَهُ شارة اللَّهُمَّ اجْعَل ابْني مثله فَنزع الثدي من فَمه وَقَالَ اللَّهُمَّ لَا تجعلني مثله " (فَإِن قلت) ظَاهر هَذَا يَقْتَضِي الْحصْر وَمَعَ هَذَا رُوِيَ عَن ابْن عَبَّاس شَاهد يُوسُف كَانَ فِي المهد قَالَه الْقُرْطُبِيّ وَعَن الضَّحَّاك تكلم فِي المهد أَيْضا يحيى بن زَكَرِيَّا عَلَيْهِمَا السَّلَام وَفِي حَدِيث صُهَيْب أَنه لما خدد الْأُخْدُود تَقَاعَسَتْ امْرَأَة عَن الْأُخْدُود فَقَالَ لَهَا صبيها وَهُوَ يرتضع مِنْهَا يَا أمه اصْبِرِي فَإنَّك على الْحق (قلت) الْجَواب عَن ذَلِك بِوَجْهَيْنِ أَحدهمَا أَن الثَّلَاثَة الْمَذْكُورين فِي الصَّحِيح لَيْسَ فِيهَا خلاف وَالْبَاقُونَ مُخْتَلف فيهم وَقَالَ ابْن عَبَّاس وَعِكْرِمَة كَانَ صَاحب يُوسُف ذَا لحية وَقَالَ مُجَاهِد الشَّاهِد هُوَ الْقَمِيص وَالْجَوَاب الآخر أَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ ذَلِك أَولا ثمَّ أطلعه الله على غَيرهم وَقد يُقَال التَّنْصِيص على الشَّيْء باسمه الْعلم لَا يَقْتَضِي الْخُصُوص سَوَاء كَانَ الْمَنْصُوص عَلَيْهِ باسمه الْعدَد مَقْرُونا أَو لم يكن (قلت) الْخلاف فِيهِ مَشْهُور

(بَاب مسح الْحَصَا فِي الصَّلَاة)
أَي هَذَا بَاب فِي بَيَان حكم مسح الْحَصَاة فِي الصَّلَاة وَفِي بعض النّسخ مسح الْحَصَى وَلم يبين فِي التَّرْجَمَة حكمه هَل هُوَ مُبَاح أَو مَكْرُوه أَو غير جَائِز للِاخْتِلَاف الْوَاقِع فِيهِ
230 - (حَدثنَا أَبُو نعيم قَالَ حَدثنَا شَيبَان عَن يحيى عَن أبي سَلمَة قَالَ حَدثنِي معيقيب أَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ فِي الرجل يُسَوِّي التُّرَاب حَيْثُ يسْجد قَالَ إِن كنت فَاعِلا فَوَاحِدَة) قيل لَا مُطَابقَة بَين الحَدِيث والترجمة لِأَن الْمَذْكُور فِي الحَدِيث التُّرَاب وَفِي التَّرْجَمَة الْحَصَى (قلت) قَالَ الْكرْمَانِي الْغَالِب فِي التُّرَاب الْحَصَى فَيلْزم من تَسْوِيَة التُّرَاب مسح الْحَصَى (قلت) فِيهِ نظر لِأَن الْحَصَى رُبمَا تكون غريقة فِي التُّرَاب عِنْد كَونهَا فِيهِ فَلَا يَقع عَلَيْهَا الْمسْح وَقيل ترْجم بالحصى وَفِي الحَدِيث التُّرَاب لينبه على إِلْحَاق الْحَصَى بِالتُّرَابِ فِي الِاقْتِصَار على التَّسْوِيَة مرّة وَقيل أَشَارَ بذلك إِلَى مَا ورد فِي بعض طرقه بِلَفْظ الْحَصَى كَمَا أخرجه مُسلم من طَرِيق وَكِيع عَن هِشَام الدستوَائي عَن يحيى بن أبي كثير عَن أبي سَلمَة " عَن معيقيب قَالَ ذكر النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - الْمسْح فِي الْمَسْجِد يَعْنِي الْحَصَى قَالَ إِن كنت لَا بُد فَاعِلا فَوَاحِدَة " وَفِي لفظ لَهُ فِي الرجل يُسَوِّي التُّرَاب حَيْثُ يسْجد قَالَ " إِن كنت فَاعِلا فَوَاحِدَة " وَقيل لما كَانَ فِي الحَدِيث يَعْنِي وَلَا يدْرِي أَهِي قَول الصَّحَابِيّ أَو غَيره عدل البُخَارِيّ إِلَى ذكر الرِّوَايَة الَّتِي فِيهَا التُّرَاب (قلت) الْأَوْجه أَن يُقَال جَاءَ فِي الحَدِيث لفظ الْحَصَى وَلَفظ التُّرَاب فَأَشَارَ بالترجمة إِلَى الْحَصَى وَبِالْحَدِيثِ إِلَى التُّرَاب ليشْمل الِاثْنَيْنِ (ذكر رِجَاله) وهم خَمْسَة. الأول أَبُو نعيم بِضَم النُّون الْفضل بن دُكَيْن. الثَّانِي شَيبَان بِفَتْح الشين الْمُعْجَمَة ابْن عبد الرَّحْمَن. الثَّالِث يحيى بن أبي كثير. الرَّابِع أَبُو سَلمَة بن عبد الرَّحْمَن بن عَوْف. الْخَامِس معيقب بِضَم الْمِيم وَفتح الْعين الْمُهْملَة وَسُكُون الْيَاء آخر الْحُرُوف وَكسر الْقَاف بعْدهَا بَاء مُوَحدَة ابْن أبي فَاطِمَة الدوسي حَلِيف بني عبد شمس أسلم قَدِيما كَانَ على خَاتم رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَاسْتَعْملهُ الشَّيْخَانِ على بَيت المَال وأصابه الجذام فَجمع لَهُ عمر رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ الْأَطِبَّاء فعالجوه فَوقف الْمَرَض وَهُوَ الَّذِي سقط من يَده خَاتم النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَيَّام عُثْمَان رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ فِي بِئْر أريس فَلم يُوجد فمذ سقط الْخَاتم اخْتلفت الْكَلِمَة وَتُوفِّي فِي آخر خلَافَة عُثْمَان وَقيل توفّي فِي سنة أَرْبَعِينَ فِي خلَافَة عَليّ رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ (ذكر لطائف إِسْنَاده) فِيهِ التحديث بِصِيغَة الْجمع فِي موضِعين وبصيغة الْإِفْرَاد فِي مَوضِع وَفِيه العنعنة فِي موضِعين وَفِيه أَن شَيْخه كُوفِي وشيبان بَصرِي سكن الْكُوفَة وَيحيى يمامي وَأَبُو سَلمَة مدنِي وَفِيه أَن معيقيبا لَيْسَ لَهُ فِي البُخَارِيّ إِلَّا هَذَا الحَدِيث فَقَط وَقَالَ ابْن التِّين وَلَيْسَ فِي الصَّحَابَة أحد أَجْذم غَيره (ذكر من أخرجه غَيره) أخرجه مُسلم

(7/284)


فِي الصَّلَاة عَن أبي مُوسَى عَن يحيى الْقطَّان وَعَن أبي بكر أبي وَكِيع وَعَن عبيد الله بن عمر القواريري وَعَن أبي بكر عَن الْحسن بن مُوسَى عَن شَيبَان بِهِ وَأخرجه أَبُو دَاوُد فِيهِ عَن مُسلم بن إِبْرَاهِيم عَن هِشَام وَأخرجه التِّرْمِذِيّ فِيهِ عَن الْحسن بن الحريث وَأخرجه النَّسَائِيّ فِيهِ عَن سُوَيْد بن نصر وَأخرجه ابْن ماجة فِيهِ عَن دُحَيْم وَمُحَمّد بن الصَّباح (ذكر مَعْنَاهُ) قَوْله " عَن أبي سَلمَة " وَفِي رِوَايَة التِّرْمِذِيّ من طَرِيق الْأَوْزَاعِيّ عَن يحيى حَدثنِي أَبُو سَلمَة قَوْله " فِي الرجل " أَي فِي شَأْن الرجل وَذكر الرجل لِأَنَّهُ الْغَالِب وَإِلَّا فَالْحكم جَار فِي الذّكر وَالْأُنْثَى من الْمُكَلّفين قَوْله " يُسَوِّي التُّرَاب " جملَة حَالية من الرجل قَوْله " حَيْثُ يسْجد " يَعْنِي فِي الْمَكَان الَّذِي يسْجد فِيهِ قَوْله " قَالَ " أَي الرَّسُول - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَوْله " إِن كنت فَاعِلا " أَي مسويا للتراب وَلَفظ الْفِعْل أَعم الْأَفْعَال وَلِهَذَا اسْتعْمل لفظ فاعلون فِي مَوضِع مؤدون فِي قَوْله تَعَالَى {وَالَّذين هم لِلزَّكَاةِ فاعلون} قَوْله " فَوَاحِدَة " بِالنّصب على إِضْمَار الناصب تَقْدِيره فامسح وَاحِدَة وَيجوز أَن تكون مَنْصُوبَة على أَنَّهَا صفة لمصدر مَحْذُوف وَالتَّقْدِير إِن كنت فَاعِلا فافعل فعلة وَاحِدَة يَعْنِي مرّة وَاحِدَة وَكَذَا فِي رِوَايَة التِّرْمِذِيّ " إِن كنت فَاعِلا فَمرَّة وَاحِدَة " وَيجوز رَفعهَا على الِابْتِدَاء وَخَبره مَحْذُوف أَي ففعلة وَاحِدَة تَكْفِي وَيجوز أَن تكون خبر مُبْتَدأ مَحْذُوف أَي الْمَشْرُوع فعلة وَاحِدَة (ذكر مَا يُسْتَفَاد مِنْهُ) فِيهِ الرُّخْصَة بمسح الْحَصَى فِي الصَّلَاة مرّة وَاحِدَة وَمِمَّنْ رخص بِهِ فِيهَا أَبُو ذَر وَأَبُو هُرَيْرَة وَحُذَيْفَة وَكَانَ ابْن مَسْعُود وَابْن عمر يفعلانه فِي الصَّلَاة وَبِه قَالَ من التَّابِعين إِبْرَاهِيم النَّخعِيّ وَأَبُو صَالح وَحكى الْخطابِيّ فِي المعالم كَرَاهَته عَن كثير من الْعلمَاء وَمِمَّنْ كرهه من الصَّحَابَة عمر بن الْخطاب وَجَابِر وَمن التَّابِعين الْحسن الْبَصْرِيّ وَجُمْهُور الْعلمَاء بعدهمْ وَحكى النَّوَوِيّ فِي شرح مُسلم اتِّفَاق الْعلمَاء على كَرَاهَته لِأَنَّهُ يُنَافِي التَّوَاضُع وَلِأَنَّهُ يشغل الْمُصَلِّي (قلت) فِي حكايته الِاتِّفَاق نظر فَإِن مَالِكًا لم ير بِهِ بَأْسا وَكَانَ يَفْعَله فِي الصَّلَاة وَفِي التَّلْوِيح رُوِيَ عَن جمَاعَة من السّلف أَنهم كَانُوا يمسحون الْحَصَى لموْضِع سجودهم مرّة وَاحِدَة وكرهوا مَا زَاد عَلَيْهَا وَذهب أهل الظَّاهِر إِلَى تَحْرِيم مَا زَاد على الْمرة الْوَاحِدَة وَقَالَ ابْن حزم فرض عَلَيْهِ أَن لَا يمسح الْحَصَى وَمَا يسْجد عَلَيْهِ إِلَّا مرّة وَاحِدَة وَتركهَا أفضل لَكِن يُسَوِّي مَوضِع سُجُوده قبل دُخُوله فِي الصَّلَاة وَأخرجه التِّرْمِذِيّ عَن أبي ذَر عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ " إِذا قَامَ أحدكُم إِلَى الصَّلَاة فَلَا يمسح الْحَصَى فَإِن الرَّحْمَة تواجهه " وَرَوَاهُ أَيْضا بَقِيَّة الْأَرْبَعَة وَقَالَ التِّرْمِذِيّ حَدِيث أبي ذَر حَدِيث حسن وتعليل النَّهْي عَن مسح الْحَصَى بِكَوْن الرَّحْمَة تواجهه يدل على أَن النَّهْي حكمته أَن لَا يشْتَغل خاطره بِشَيْء يلهيه عَن الرَّحْمَة المواجهة لَهُ فيفوته حَظه وَفِي معنى مسح الْحَصَى مسح الْجَبْهَة من التُّرَاب والطين والحصى فِي الصَّلَاة وَرَوَاهُ ابْن أبي شيبَة فِي مُصَنفه عَن أبي الدَّرْدَاء قَالَ " مَا أحب أَن لي حمر النعم وَأَنِّي مسحت مَكَان جبيني من الْحَصَى إِلَّا أَن يغلبني فامسح مسحة " وَفِي حَدِيث أبي سعيد الْخُدْرِيّ الْمُتَّفق عَلَيْهِ " أَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - انْصَرف عَن الصَّلَاة وعَلى جَبهته أثر المَاء والطين من صَبِيحَة إِحْدَى وَعشْرين " قَالَ القَاضِي عِيَاض وَكره السّلف مسح الْجَبْهَة فِي الصَّلَاة وَقبل الِانْصِرَاف يَعْنِي من الْمَسْجِد مِمَّا يتَعَلَّق بهَا من تُرَاب وَنَحْوه وَحكى ابْن عبد الْبر عَن سعيد بن جُبَير وَالشعْبِيّ وَالْحسن الْبَصْرِيّ أَنهم كَانُوا يكْرهُونَ أَن يمسح الرجل جَبهته قبل أَن ينْصَرف وَيَقُولُونَ هُوَ من الْجفَاء وَقَالَ ابْن مَسْعُود أَربع من الْجفَاء أَن تصلي إِلَى غير ستْرَة أَو تمسح جبهتك قبل أَن تَنْصَرِف أَو تبول قَائِما أَو تسمع الْمُنَادِي ثمَّ لَا تجيبه

(بَاب بسط الثَّوْب فِي الصَّلَاة للسُّجُود)
أَي هَذَا بَاب فِي بَيَان بسط الْمُصَلِّي ثَوْبه فِي الصَّلَاة ليسجد عَلَيْهِ وَلم يبين حكمه طلبا للْعُمُوم بِأَن يفعل ذَلِك وَهُوَ فِي الصَّلَاة أَو يَفْعَله قبل أَن يدْخل فِيهَا
231 - (حَدثنَا مُسَدّد قَالَ حَدثنَا بشر قَالَ حَدثنَا غَالب عَن بكر بن عبد الله عَن أنس بن مَالك رَضِي الله عَنهُ قَالَ كُنَّا نصلي مَعَ النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فِي شدَّة الْحر فَإِذا لم يسْتَطع أَحَدنَا أَن

(7/285)


يُمكن وَجهه من الأَرْض بسط ثَوْبه فَسجدَ عَلَيْهِ) مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة والْحَدِيث قد مر بشرحه فِي بَاب السُّجُود على الثَّوْب فِي شدَّة الْحر فِي أَوَائِل كتاب الصَّلَاة فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ عَن أبي الْوَلِيد هِشَام بن عبد الْملك عَن بشر بن الْمفضل عَن غَالب الْقطَّان إِلَى آخِره وَبشر بِكَسْر الْبَاء الْمُوَحدَة وَسُكُون الشين الْمُعْجَمَة