عمدة القاري شرح
صحيح البخاري 9 - (بابُ مَا يُسْتَحَبُّ أنْ يُغْسَلَ
وِتْرا)
كلمة: مَا، مَصْدَرِيَّة وَكَذَا كلمة: أَن،
وَالتَّقْدِير: هَذَا بَاب فِي بَيَان اسْتِحْبَاب غسل
الْمَيِّت وترا. قيل: يحْتَمل أَن تكون: مَا، مَصْدَرِيَّة
(8/41)
أَو مَوْصُولَة وَالثَّانِي أظهر. قلت:
الأول أظهر، بل الْمَعْنى لَا يَصح إلاَّ على هَذَا.
وَقَالَ بَعضهم: وَفِيه نظر، لِأَنَّهُ لَو كَانَ المُرَاد
ذَلِك أوقع التَّعْبِير: بِمن، الَّتِي لمن يعقل قلت:
هَذَا نظر يسْتَحق الْعَمى لِأَن المُرَاد من التَّرْجَمَة
بَيَان اسْتِحْبَاب غسل الْمَيِّت وترا لَا بَيَان من
يسْتَحبّ ذَلِك، فَإِن حَدِيث الْبَاب بطريقيه فِي بَيَان
الِاسْتِحْبَاب لَا فِي بَيَان الْمُسْتَحبّ وَغَيره.
4521 - حدَّثني مُحَمَّدٌ قَالَ حدَّثنا عَبْدُ الوَهَّابِ
الثَّقَفِي عنْ أيُّوبَ عَنْ مُحَمَّدٍ عنْ أمِّ عَطِيَّةَ
رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا قالَتْ دَخَلَ عَلَيْنَا
رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَنَحْنُ نَغْسِلُ
ابْنَتَهُ فَقَالَ اغْسِلْنَهَا ثَلاثا أوْ خَمْسا أوْ
أكْثَرَ مِنْ ذالِكَ بِمَاءٍ وَسِدْرٍ وَاجْعَلْنَ فِي
الآخِرَةِ كافُورا فإذَا فَرَغْتُنَّ فآذِنَّنِي فَلَمَّا
فَرَغْنَا آذَنَّاهُ فألْقَى إلَيْنَا حِقْوَهُ فَقَالَ
أشْعِرْنَهَا إيَّاهُ فَقَالَ أيُّوبُ وَحَدَّثَتنِي
حَفْصَةُ بِمِثلِ حَدِيثِ مُحَمَّدٍ وكانَ فِي حدِيث
حَفْصَةَ اغْسِلْنَهَا وِتْرا وكانَ فِيهِ ثَلاثا أوْ
خَمْسا أوْ سَبْعا وكانَ فِيهِ أنَّهُ قَالَ ابْدَأوا
بِمَيَامِنِهَا وَمَوَاضِعِ الوُضُوءِ مِنْهَا وكانِ فِيهِ
أنَّ أُمَّ عَطِيَّةَ قالَتْ وَمَشَطْنَاهَا ثَلاثَةَ
قُرُونٍ..
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة، وَقَالَ بَعضهم أورد
المُصَنّف فِيهِ حَدِيث أم عَطِيَّة أَيْضا من رِوَايَة
أَيُّوب عَن مُحَمَّد وَلَيْسَ فِيهِ التَّصْرِيح بالوتر،
وَمن رِوَايَة أَيُّوب، قَالَ: حَدَّثتنِي حَفْصَة، وَفِيه
ذَلِك. قلت: مُرَاده من قَوْله: وترا، فِي التَّرْجَمَة
أَن يكون خلاف الشفع، وَهُوَ مَوْجُود فِي حَدِيث الْبَاب،
وَهُوَ قَوْله: (ثَلَاثًا أَو خمْسا) وَلَيْسَ المُرَاد
مِنْهُ لفظ الْوتر حَتَّى إِذا ذكر حَدِيثا لَيْسَ فِيهِ
لفظ الْوتر لَا يكون مطابقا للتَّرْجَمَة، وَإِن كَانَ
مُرَاد هَذَا الْقَائِل لفظ الْوتر فَلَيْسَ بموجود هَذَا
أَيْضا فِي حَدِيث حَفْصَة، وَالْحَدِيثَانِ سَوَاء فِي
الدّلَالَة على الْوتر، فَكيف يفرق بَينهمَا؟ وَلَفظ
الْوتر لم يَقع فِي حَدِيث أم عَطِيَّة إلاَّ فِي رِوَايَة
هِشَام بن حسان عَن حَفْصَة عَنْهَا، على مَا يَجِيء فِي:
بَاب يلقى شعر الْمَرْأَة خلفهَا.
ذكر رِجَاله: وهم خَمْسَة: الأول: مُحَمَّد، ذكر بِلَا
نِسْبَة فِي أَكثر الرِّوَايَات، قَالَ ابْن السكن: هُوَ
مُحَمَّد بن سَلام، وَوَقع عِنْد الْأصيلِيّ: حَدثنَا
مُحَمَّد بن الْمثنى. وَأخرجه الْإِسْمَاعِيلِيّ من
رِوَايَة مُحَمَّد بن الْوَلِيد. وَهُوَ التسترِي، ولقبه
حمدَان وَهُوَ من شُيُوخ البُخَارِيّ أَيْضا. الثَّانِي:
عبد الْوَهَّاب بن عبد الْمجِيد الثَّقَفِيّ الْبَصْرِيّ،
يكنى أَبَا مُحَمَّد. الثَّالِث: أَيُّوب السّخْتِيَانِيّ.
الرَّابِع: مُحَمَّد بن سِيرِين. الْخَامِس: أم عَطِيَّة.
وَقد مر الْكَلَام فِيهِ. ولنتكلم فِي الزِّيَادَات
الَّتِي فِيهِ.
قَوْله: (فَقَالَ أَيُّوب) يَعْنِي السّخْتِيَانِيّ،
وَوَقع فِي رِوَايَة الْأَكْثَرين: بِالْفَاءِ، وَفِي
رِوَايَة الْأصيلِيّ: بِالْوَاو، وَرُبمَا يظنّ أَنه
مُعَلّق وَلَيْسَ كَذَلِك، بل هُوَ بِالْإِسْنَادِ
الْمَذْكُور، وَقد رَوَاهُ الْإِسْمَاعِيلِيّ بالإسنادين
مَوْصُولا. قَوْله: (وابدأوا) ويروى: (وابدأن) ، بِلَفْظ
خطاب جمع الْمُؤَنَّث، وَهُوَ ظَاهر وَأما رِوَايَة:
(ابدأوا) بِجمع الْمُذكر فوجهها أَن يكون تَغْلِيبًا
للذكور لِأَنَّهُنَّ كن محتاجات إِلَى معاونة الرِّجَال من
حمل المَاء إلَيْهِنَّ وَنَحْوه، أَو الْخطاب بِاعْتِبَار
الْأَشْخَاص أَو النَّاس. قَوْله: (بميامنها) جمع ميمنة.
قَوْله: (ومشطناها) من: مشطت الماشطة تمشطهَا مشطا: إِذا
سرحت شعرهَا. قَوْله: (ثَلَاثَة قُرُون) انتصاب ثَلَاثَة
يجوز أَن يكون بِنَزْع الْخَافِض أَي: بِثَلَاثَة قُرُون،
أَو على الظَّرْفِيَّة أَي: فِي ثَلَاثَة قُرُون، والقرون
جمع: الْقرن، وَهُوَ الْخصْلَة من الشّعْر، وَحَاصِل
الْمَعْنى: جعلن شعرهَا ثَلَاث ضفائر بعد أَن حللوها
بالمشط.
ذكر مَا يُسْتَفَاد مِنْهُ: فِيهِ: الْغسْل بِالْمَاءِ
والسدر وَجعل الشّعْر ثَلَاثَة قُرُون، وَقد ذَكرْنَاهُ.
وَفِيه: فِي حَدِيث حَفْصَة التَّنْصِيص على لفظ الْوتر
بِالثلَاثِ أَو بالخمس أَو بالسبع، وَفِي حَدِيث غَيرهَا
التَّنْصِيص على عدد الثَّلَاث وَالْخمس، وَقد مر
الْكَلَام فِيهِ أَيْضا. وَقَالَ بَعضهم: قَوْله: وترا
ثَلَاثًا أَو خمْسا، اسْتدلَّ بِهِ على أَن أقل الْوتر
ثَلَاث، وَلَا دلَالَة فِيهِ لِأَنَّهُ سيق مساق الْبَيَان
للمراد إِذْ لَو أطلق لتناول الْوَاحِدَة فَمَا فَوْقهَا؟
قلت: المُرَاد بِالْغسْلِ الإنقاء، والتنصيص على الْوتر
بِالْعدَدِ الْمَذْكُور لأجل اسْتِحْبَاب الْوتر فِي
الغسلات لِأَن الله وتر يحب الْوتر، حَتَّى لَو حصل
الإنقاء بالمرة الْوَاحِدَة لقام بِالْوَاجِبِ كَمَا فِي
الِاسْتِنْجَاء، وَفِيه: الْبدَاءَة بالميامن لِأَن
النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ يحب التَّيَمُّن
فِي شَأْنه كُله، أَي: فِي التنظيفات. وَفِيه:
الِابْتِدَاء بمواضع الْوضُوء مِنْهَا. قَالَ فِي
(التَّوْضِيح) : مَعْنَاهُ عِنْد مَالك أَن يبْدَأ بهَا
عِنْد الْغسْل الَّذِي هُوَ مَحْض الْعِبَادَة فِي غسل
الْجَسَد من أَذَى، وَهُوَ الْمُسْتَحبّ.
(8/42)
وَقَالَ أَبُو حنيفَة: لَا يوضأ الْمَيِّت.
قلت: لم يقل أَبُو حنيفَة بِهَذَا، بل مذْهبه أَنه يوضأ من
غير مضمضة واستنشاق، وَقد مر الْكَلَام فِيهِ فِيمَا مضى.
وَفِيه: مشط شعرهَا بِثَلَاث ضفائر. وَبِه قَالَ
الشَّافِعِي، وَعِنْدنَا يَجْعَل ضفيرتين على صدرها فَوق
الدرْع، وَقَالَ الشَّافِعِي: يسرح شعرهَا وَيجْعَل ثَلَاث
ضفائر وَيجْعَل خلف ظهرهَا، وَبِه قَالَه أَحْمد
وَإِسْحَاق. قُلْنَا: لَيْسَ فِي الحَدِيث إِشَارَة من
النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَى ذَلِك، وَإِنَّمَا
الْمَذْكُور فِيهِ الْإِخْبَار من أم عَطِيَّة أَنَّهَا
مشطت شعرهَا ثَلَاثَة قُرُون، وَكَونهَا فعلت ذَلِك
بِأَمْر النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم احْتِمَال،
وَالْحكم لَا يثبت بِهِ، وَلِأَن مَا ذكره زِينَة
وَالْمَيِّت مستغن عَنْهَا. فَإِن قلت: جَاءَ فِي حَدِيث
ابْن حبَان: (واجعلن لَهَا ثَلَاثَة قُرُون) . قلت: هَذَا
أَمر بالتضفير، وَنحن لَا ننكر التضفير حَتَّى يكون
الحَدِيث حجَّة علينا، وَإِنَّمَا ننكر جعلهَا خلف ظهرهَا،
لِأَن هَذَا التصنيع زِينَة، وَالْمَيِّت مَمْنُوع
مِنْهَا، ألاَ ترى أَن عَائِشَة، رَضِي الله تَعَالَى
عَنْهَا، قَالَت: (علام تنصون ميتكم؟) أخرجه عبد
الرَّزَّاق فِي (مُصَنفه) عَن سُفْيَان عَن حَمَّاد عَن
إِبْرَاهِيم عَنْهَا، وتنصون: فِي نصوت الرجل أنصوه نصوا
إذات مددت ناصيه، وأرادت عَائِشَة مِنْهُ أَن الْمَيِّت
لَا يحْتَاج إِلَى التسريح وَنَحْوه، لِأَنَّهُ للبلى
وَالتُّرَاب.
01 - (بابٌ يُبْدَأ بِمَيَامِنِ المَيِّتِ)
أَي: هَذَا بَاب يذكر فِيهِ أَن الْغَاسِل يبْدَأ بميامن
الْمَيِّت.
5521 - حدَّثنا عَلِيُّ بنُ عَبْدِ الله قَالَ حَدثنَا
إسْمَاعِيلُ بنُ إبْرَاهِيمَ قَالَ حدَّثنا خالِدٌ عنْ
حَفْصَةَ بِنْتِ سِيرِينَ عنْ أُمِّ عَطِيَّةَ رَضِي الله
تَعَالَى عَنْهَا قالَتْ قَالَ رسولُ الله صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم فِي غَسْلِ ابْنَتِهِ ابْدَأنَ
بِمَيَامِنِهَا وَمَوَاضِعِ االوُضُوءِ منْهَا..
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة، وَعلي بن عبد الله هُوَ
الْمَعْرُوف بِابْن الْمَدِينِيّ، وَإِسْمَاعِيل هُوَ ابْن
علية، وخَالِد هُوَ الْحذاء. قَوْله: (حَدثنَا خَالِد. .)
إِلَى آخِره، وَقَالَ مُسلم: حَدثنَا يحيى بن يحيى، قَالَ:
أخبرنَا هشيم عَن خَالِد عَن حَفْصَة بنت سِيرِين عَن أم
عَطِيَّة أَن رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم،
حَيْثُ أمرهَا أَن تغسل ابْنَته فَقَالَ لَهَا: إبدأن
بميامنها. قَوْله: (إبدأن) أَمر لجمع الْمُؤَنَّث من
بَدَأَ يبْدَأ، والبداءة بالميامن فِي الغسلات الَّتِي لَا
وضوء فِيهَا. قَوْله: (ومواضع الْوضُوء) أَي: فِي الغسلات
الْمُتَّصِلَة بِالْوضُوءِ. قَوْله: (مِنْهَا) أَي: من
الِابْنَة، وَفِي هَذَا رد على أبي قلَابَة يَقُول: يبْدَأ
أَولا بِالرَّأْسِ ثمَّ باللحية، وَالْحكمَة فِي أمره صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم بِالْوضُوءِ تَجْدِيد أثر سيماء
الْمُؤمنِينَ فِي ظُهُور أثر الْغرَّة والتحجيل.
11 - (بابُ مَوَاضِع الوُضُوءِ مِنَ المَيِّتِ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان الْبدَاءَة بمواضع الْوضُوء من
الْمَيِّت، أَشَارَ بِهِ إِلَى استحبابها.
6521 - حدَّثنا يَحْيَى بنُ مُوسى اقال حدَّثنا وَكِيعٌ
عنْ سُفْيَانَ عنْ خالِدِ الحَذَّاءِ عنْ حَفْصَةَ بِنْتِ
سِيرِينَ عنْ أُمِّ عَطِيَّةَ رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا
قالَتْ لَمَّا غَسَّلْنَا بِنْتَ النبيِّ صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم قَالَ لَنا وَنَحْنُ نَغْسِلُهَا ابْدَأُوا
بِمَيَامِنِهَا وَمَوَاضِعِ الوُضُوءِ مِنْهَا..
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (ومواضع الْوضُوء
مِنْهَا) ، وَيحيى بن مُوسَى بن عبد ربه السّخْتِيَانِيّ
الْبَلْخِي، وَيُقَال لَهُ: خت، مَاتَ فِي سنة تسع
وَثَلَاثِينَ وَمِائَتَيْنِ، وَهُوَ من أَفْرَاد
البُخَارِيّ، وسُفْيَان هُوَ الثَّوْريّ.
وَقَالَ بَعضهم: اسْتدلَّ بِهِ على اسْتِحْبَاب
الْمَضْمَضَة والاستنشق فِي غسل الْمَيِّت، خلافًا
للجنفية، بل قَالُوا: لَا يسْتَحبّ وضوؤه أصلا. قلت: هَذَا
تَقول على الْحَنَفِيَّة، وَمذهب أبي حنيفَة: أَن
الْمَيِّت يوضأ لَكِن لَا يمضمض وَلَا يستنشق لتعذر
إِخْرَاج المَاء من الْأنف والفم، وَقد ذَكرْنَاهُ مرّة.
قَوْله: (ابدأوا) بِصِيغَة الْخطاب للْجمع الْمُذكر،
وَهَذِه فِي رِوَايَة الْأَكْثَرين، وَفِي رِوَايَة
الْكشميهني: (ابدأن) ، بِصِيغَة الْخطاب للْجمع
الْمُؤَنَّث، وَقد ذكرنَا وَجه: إبدأوا، عَن قريب.
(8/43)
21 - (بابٌ هَلْ تُكَفَّنُ المَرْأةُ فِي
إزَارِ الرَّجُل)
أَي: هَذَا بَاب يذكر فِيهِ: هَل تكفن الْمَرْأَة فِي
إِزَار الرجل؟ وَجَوَاب الِاسْتِفْهَام مَحْذُوف،
تَقْدِيره: نعم، تكفن. ولاعتماده على مَا فِي الحَدِيث
اقْتصر على الِاسْتِفْهَام بِدُونِ الْجَواب.
7521 - حدَّثنا عَبْدُ الرَّحْمانِ بنُ حَمَّادٍ قَالَ
أخبرَنَا ابنُ عَوْنٍ عنْ محَمَّدٍ عنْ أُمِّ عَطِيَّةَ
قالَتْ تُوُفِّيَتْ بِنْتُ النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم فَقَالَ لَنَا اغْسِلْنَهَا ثَلاثا أوْ خَمْسا أوْ
أكْثَرَ مِنْ ذالِكَ إنْ رَأيْتُنَّ فإذَا فَرَغْتُنَّ
فآذِنَّنِي فَلَمَّا فَرَغْنَا آذَنَّاهُ فَنَزَعَ مِنْ
حَقْوِهِ إزَارَهُ فأعْطَانَا وَقَالَ أشْعِرْنَهَا
إيَّاهُ..
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (فأعطانا) ، وَهَذَا يدل
على جَوَاز تكفين الْمَرْأَة فِي إِزَار الرجل، وَعبد
الرَّحْمَن بن حَمَّاد أَبُو سَلمَة الْبَصْرِيّ
الْعَنْبَري، مَاتَ سنة إثنتي عشرَة وَمِائَتَيْنِ، وَهُوَ
من أَفْرَاد البُخَارِيّ، وَابْن عون هُوَ: عبد الله بن
عون بن أرطبان الْبَصْرِيّ، وَمُحَمّد هُوَ ابْن سِيرِين.
وَقَالَ ابْن الْمُنْذر: وَلَا خلاف بَين الْعلمَاء أَنه
يجوز تكفين الْمَرْأَة فِي ثوب الرجل وَعَكسه، وَأكْثر
الْعلمَاء على أَنَّهَا تكفن فِي خَمْسَة أَثوَاب. وَقَالَ
ابْن الْقَاسِم: الْوتر أحب إِلَى مَالك فِي الْكَفَن،
وَإِن لم يُوجد إلاَّ ثَوْبَان تلف فيهمَا. وَقَالَ أَشهب:
لَا بَأْس بتكفين الْمَرْأَة فِي ثوب الرجل. وَقَالَ ابْن
شعْبَان: الْمَرْأَة فِي عدد الأكفان أَكثر من الرِّجَال،
وَأقله لَهَا خَمْسَة، وَقَالَ ابْن الْمُنْذر: درع وخمار
ولفافتان: لفافة تَحت الدرْع تلف بهَا، وَأُخْرَى فَوْقه،
وثوب لطيف يشد على وَسطهَا يجمع ثِيَابهَا. وَقَالَ
أَصْحَابنَا: تكفن الْمَرْأَة فِي خَمْسَة أَثوَاب: درع
وَإِزَار وخمار ولفافة وخرقة ترْبط فَوق ثدييها، تلبس
الدرْع وَهُوَ الْقَمِيص أَولا، ثمَّ يوضع الْخمار على
رَأسهَا كالمقنعة منشورا فَوق الدرْع تَحت اللفافة
والإزار، ثمَّ الْخمار فَوق ذَلِك تَحت الْإِزَار، ثمَّ
الْإِزَار تَحت اللفافة، وتربط الْخِرْقَة فَوق اللفافة
عِنْد الصَّدْر. وَقَالَ إِبْنِ الْمُنْذر: كل من يحفظ
عَنهُ يرى أَن تكفن الْمَرْأَة فِي خَمْسَة أَثوَاب:
كالشعبي وَالنَّخَعِيّ وَالْأَوْزَاعِيّ وَالشَّافِعِيّ
وَأحمد وَإِسْحَاق وَأبي ثَوْر، وَعَن ابْن سِيرِين: تكفن
الْمَرْأَة فِي خَمْسَة أَثوَاب: درع وخمار ولفافتين
وخرقة، وَعَن النَّخعِيّ: تكفن فِي خَمْسَة: درع وخمار
ولفافة ومبطن ورداء. وَعَن الْحسن: فِي خَمْسَة: درع وخمار
وَثَلَاث لفائف وَعَن عَطاء: تكفن فِي ثَلَاثَة أَثوَاب:
درع وثوب تَحْتَهُ تلف بِهِ، وثوب فَوْقه. وَقَالَ
الشَّافِعِي: تكفن فِي خَمْسَة: ثَلَاث لفائف وَإِزَار
وخمار. وَفِي الْقَدِيم: قَمِيص ولفافتان، وَهُوَ
الْأَصَح، وَاخْتَارَهُ الْمُزنِيّ. وَقَالَ أَحْمد: تكفن
فِي قَمِيص ومئزر ولفافة ومقنعة وخامسة تشد بهَا فخذاها.
31 - (بابٌ يَجْعَلُ الكافُورَ فِي آخِرِهِ)
أَي: هَذَا بَاب يذكر فِيهِ أَنه يَجْعَل الكافور فِي آخر
الْغسْل، وَفِي بعض النّسخ الْأَخِيرَة أَي: فِي الغسلة
الْأَخِيرَة.
8521 - حدَّثنا حامِدُ بنُ عُمَرَ قَالَ حدَّثنا حَمَّادُ
بنُ زَيْدٍ عنْ أيُّوبَ عنْ مُحَمَّدٍ عنْ أُمِّ عَطِيَّةَ
قالَتْ تُوُفِّيَتْ إحْدَى بَنَاتِ النبيِّ صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم فَخَرَجَ فَقَالَ اغْسهلْنَهَا ثَلاثَا أوْ
خَمْسا أوْ أكْثَرَ مِنْ ذالِكَ إنْ رَأيْتُنَّ بِمَاءٍ
وِسِدْرٍ وَاجْعَلْنَ فِي الآخِرَةِ كافُورا أوْ شَيْئا
منْ كافُورٍ فإذَا فَرَغْتُنَّ فآذِنَّنِي قالَتْ فَلَمَّا
فَرَغْنَا آذَنَّاهُ فألْقَى إلَيْنَا حِقْوَهُ فقالَ
أشْعِرْنَهَا إيَّاهُ..
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (واجعلن فِي الْآخِرَة
كافورا) . وحامد عمر بن حَفْص الثَّقَفِيّ البكراوي
الْبَصْرِيّ، قَاضِي كرمان، سكن نيسابور وَمَات بهَا أول
سنة ثَلَاث وَثَلَاثِينَ وَمِائَتَيْنِ، وَأَيوب هُوَ
السّخْتِيَانِيّ وَمُحَمّد هُوَ ابْن سِيرِين.
9521 - وعنْ أيُّوبَ عنْ حَفْصَةَ أُمِّ عَطِيَّةَ رَضِي
الله تَعَالَى عَنْهُمَا بِنَحْوِهِ. وقالَتْ إنَّهُ قَالَ
اغْسِلْنَهَا ثَلاثَا أوْ خَمْسا أوْ سَبْعا أوْ أكْثَرَ
مِنْ ذالِكَ إنْ رَأيْتُنَّ قالَتْ حَفْصَةُ قالَتْ أُمُّ
عَطِيَّةَ رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا وَجَعَلْنَا
(8/44)
رَأْسَهَا ثَلاَثَةَ قُرُونٍ..
هُوَ عطف على الْإِسْنَاد الأول تَقْدِيره: وَحدثنَا
حَامِد بن عمر حَدثنَا حَمَّاد بن زيد عَن أَيُّوب
السّخْتِيَانِيّ عَن حَفْصَة بنت سِيرِين. قَوْله:
(بِنَحْوِهِ) أَي: بِنَحْوِ الحَدِيث الأول. قَوْله:
(وَجَعَلنَا رَأسهَا) أَي: شعر رَأسهَا (ثَلَاث قُرُون)
أَي: ثَلَاث ضفائر.
41 - (بابُ نَقْضِ شَعْرِ المَرْأةِ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان نقض شعر الْمَرْأَة الْميتَة
عِنْد الْغسْل، وَذكر الْمَرْأَة خرج مخرج الْغَالِب،
لِأَن حكم الرجل الْمَيِّت كَذَلِك إِذا كَانَ شعره مضفورا
ليصل المَاء إِلَى أصُول الشّعْر لأجل التَّنْظِيف، وَفِي
بعض النّسخ: بَاب، بِالْقطعِ. وينقض، على صِيغَة
الْمَجْهُول، وَشعر الْمَرْأَة كَلَام إضافي مَرْفُوع
لِأَنَّهُ مفعول نَاب عَن الْفَاعِل. فَافْهَم.
وَقَالَ ابنُ سِيرِينَ لاَ بَأسَ أنْ يُنْقَضَ شَعْرُ
المَرْأَةِ
أَي: قَالَ مُحَمَّد بن سِيرِين: لَا بَأْس بِنَقْض شعر
الْمَرْأَة، ويروى: بِنَقْض شعر الْمَيِّت، وَهُوَ أَعم
لتنَاوله الرجل وَالْمَرْأَة، من حَيْثُ الحكم. وَهَذَا
التَّعْلِيق وَصله سعيد بن مَنْصُور، عَن أَيُّوب عَن
مُحَمَّد بن سِيرِين، وروى ابْن أبي شيبَة فِي (مُصَنفه) :
عَن حَفْصَة حَدثنَا أَشْعَث عَن مُحَمَّد أَنه كَانَ
يَقُول إِذا غسلت الْمَرْأَة ذوب شعرهَا ثَلَاث ذوائب ثمَّ
جعل خلفهَا.
0621 - حدَّثنا أحْمَدُ قَالَ حدَّثنا عَبْدُ الله بنُ
وَهَبٍ قَالَ أخبرنَا ابنُ جُرَيْجٍ قَالَ أيُّوبُ
وَسَمِعْتُ حَفْصَةَ بِنْتَ سِيرِينَ قالَتْ حدَّثَتْنَا
أُمُّ عَطِيَّةَ رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا أنَّهُنَّ
جَعَلْنَ رَأسَ بِنْتِ رسولِ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
ثَلاَثَةَ قُرُونٍ نَقَضْنَهُ ثُمَّ غَسَلْنَهُ ثُمَّ
جَعَلْنَهُ ثَلاثَةَ قُرُونٍ..
مطابقته ظَاهِرَة، وَأحمد، كَذَا وَقع غير مَنْسُوب فِي
رِوَايَة الْأَكْثَرين، وَنسبه ابْن السكن. وَقَالَ:
أَحْمد بن صَالح الْمصْرِيّ، وَقَالَ: الجياني، وَقيل:
أَحْمد بن عِيسَى التسترِي، وَقَالَ ابْن مَنْدَه
الْأَصْفَهَانِي: كلما قَالَ البُخَارِيّ فِي (الْجَامِع)
: حَدثنَا أَحْمد عَن ابْن وهب، فَهُوَ: ابْن صَالح
الْمصْرِيّ، وَإِذا حدث عَن أَحْمد بن عِيسَى ذكره بنسبته،
وَابْن وهب هُوَ: عبد الله بن وهب الْمصْرِيّ، وَابْن جريج
هُوَ عبد الْملك بن عبد الْعَزِيز بن جريج.
قَوْله: (قَالَ أَيُّوب: وَسمعت حَفْصَة) الْوَاو، فِيهِ
مَعْطُوف على مُقَدّر تَقْدِيره: سَمِعت كَذَا وَسمعت
حَفْصَة. قَوْله: (أَنَّهُنَّ) أَي: أَن النِّسَاء
اللَّاتِي باشرن غسل بنت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم قيل: مِنْهُنَّ أَسمَاء بنت عُمَيْس وَصفِيَّة بنت
عبد الْمطلب وليلى بنت قانف، وَفِي رِوَايَة أبي دَاوُد:
وقانف، بِالْقَافِ وَالنُّون. قَوْله: (جعلن رَأس بنت
رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم) أَي: جعلن شعر
رَأسهَا. قَوْله: (ثَلَاثَة قُرُون) أَي: ثَلَاث ضفائر.
قَوْله: (نقضنه) لأجل إِيصَال المَاء إِلَى أُصُوله.
قَوْله: (ثمَّ جعلنه ثَلَاثَة قُرُون) ، يَعْنِي بعد
الْغسْل لينجمع وينضم وَلَا ينتشر، وَفِي رِوَايَة مُسلم
من حَدِيث أَيُّوب عَن حَفْصَة (عَن أم عَطِيَّة: مشطناها
ثَلَاثَة قُرُون) . قَالَ بَعضهم: أَي سرحناها بالمشط.
وَفِيه: حجَّة للشَّافِعِيّ وَمن وَافقه على اسْتِحْبَاب
تَسْرِيح الشّعْر. قلت: لَيْت شعري كَيفَ يَقُول: وَفِيه
حجَّة للشَّافِعِيّ، وَهُوَ لَا يرى قَول الصَّحَابِيّ
وَلَا فعله حجَّة، وَأم عَطِيَّة أخْبرت ذَلِك عَن فعلهن
وَلَا يخبر عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم؟
51 - (بابٌ كَيْفَ الإشْعَارُ لِلْمَيِّتِ)
أَي: هَذَا بَاب يذكر فِيهِ كَيفَ الْإِشْعَار للْمَيت فِي
قَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (أشعرنها إِيَّاه) ،
وَإِنَّمَا أورد هَذِه التَّرْجَمَة مُخْتَصًّا بقوله:
كَيفَ الْإِشْعَار؟ مَعَ أَن هَذِه اللَّفْظَة قد ذكرت فِي
الْأَحَادِيث الْمَذْكُورَة غير مرّة تَنْبِيها على أَن
الْإِشْعَار مَعْنَاهُ فِي هَذَا الطَّرِيق: الإلفاف،
وَهُوَ قَوْله: وَزعم الْإِشْعَار ألففنها فِيهِ، على مَا
يَجِيء الْآن.
وَقَالَ الحسَنُ الخِرْقَةُ الخَامِسَةُ تَشُدُّ بِهَا
الفَخِذَيْنِ وَالوَرِكَيْنِ تَحْتَ الدِّرْعِ
مطابقته للتَّرْجَمَة من حَيْثُ إِن شدّ الفخذين والوركين
بالخرقة الْخَامِسَة هُوَ لفها، وَقد فسر الْإِشْعَار فِي
آخر حَدِيث
(8/45)
الْبَاب باللف، وَبِهَذَا الْمِقْدَار
يسْتَأْنس بِهِ فِي وَجه الْمُطَابقَة. وَالْحسن: هُوَ
الْبَصْرِيّ، وَأَشَارَ بقوله: (الْخِرْقَة الْخَامِسَة)
إِلَى أَن الْمَيِّت يُكفن بِخَمْسَة أَثوَاب، لَكِن هَذَا
فِي حق النِّسَاء، وَفِي حق الرِّجَال بِثَلَاثَة، وَهُوَ
كفن السّنة فِي حَقّهمَا على مَا عرف فِي مَوْضِعه.
قَوْله: (الفخذين والوركين) منصوبان على المفعولية،
وَالْفَاعِل هُوَ الضَّمِير الَّذِي فِي: يشد، الرَّاجِع
إِلَى الْغَاسِل بِالْقَرِينَةِ الدَّالَّة عَلَيْهِ،
ويروى: (الفخذان والوركان) ، مرفوعين لِأَنَّهُمَا مفعولان
نابا عَن الْفَاعِل، فَفِي الأولى: يشد، على بِنَاء
الْمَعْلُوم، وَفِي الثَّانِيَة على بِنَاء الْمَجْهُول.
قَوْله: (تَحت الدرْع) ، بِكَسْر الدَّال وَهُوَ الْقَمِيص
هُنَا. وَقَالَ صَاحب (التَّلْوِيح) : وَهَذَا التَّعْلِيق
رَوَاهُ وأخلى بعده بَيَاضًا. وَقَالَ بَعضهم: وَقد وَصله
ابْن أبي شيبَة نَحوه. قلت: لم يبين وَصله بِمن وَفِي أَي
مَوضِع وَصله، وَالظَّاهِر أَنه غير صَحِيح، ثمَّ قَالَ:
وروى الجوزقي من طَرِيق إِبْرَاهِيم بن حبيب بن الشَّهِيد
عَن هِشَام بن حسان عَن حَفْصَة (عَن أم عَطِيَّة، قَالَت:
فكفناها فِي خَمْسَة أَثوَاب وخمرناها بِمَا يخمر بِهِ
الْحَيّ) ، وَهَذَا يصلح مُسْتَندا لكَون كفن الْمَرْأَة
خَمْسَة أَثوَاب، لِأَن قَوْله: (الْخِرْقَة الْخَامِسَة
تستدعي الْأَرْبَعَة قبْلَة) وَهَذَا عين مَذْهَب أبي
حنيفَة، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ.
1621 - حدَّثنا أحْمَدُ قَالَ حدَّثنا عَبْدُ الله بنُ
وَهَبٍ قَالَ أخبرنَا ابنُ جُرَيْجٍ أنَّ أيُّوبَ
أخْبَرَهُ قَالَ سَمِعْتُ ابنَ سِيرِينَ يقُولُ جاءَتْ
أُمُّ عَطِيَّةَ رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا امْرَأةٌ
مِنَ الأنْصَارِ مِنَ الَّلاتِي بايَعْنَ قَدِمَتِ
البَصْرَةَ تبَادِرُ ابْنا لَهَا فَلَمْ تُدْرِكْهُ
فَحَدَّثَتْنعا قالَتْ دَخَلَ عَلَيْنَا النَبِيُّ صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم وَنَحْنُ نَغْسِلُ ابْنَتَهُ فَقَالَ
اغْسِلْنَهَا ثَلاثا أوْ خَمْسا أوْ أكْثَرَ مِنْ ذالِكَ
إنْ رَأيْتُنَّ ذالِكَ بِمَاءٍ وَسِدْر وَاجْعَلْنَ فِي
الآخِرَةِ كَافُورا فإذَا فَرَغْتُنَّ فآذِنَّنِي قالَتْ
فَلَمَّا فَرَغْنَا ألْقَى إلَيْنَا حِقْوَهُ فَقَالَ
أشْعِرْنَهَا إيَّاهُ وَلَمْ يَزِدْ عَلَى ذالِكَ وَلاَ
أدْرِي أيُّ بَنَاتِهِ وَزَعَمَ الإْشْعَارَ الْفُفْنَهَا
فيهِ وكَذالِكَ كانَ ابنُ سِيرِينَ يَأمُرُ بِالمَرْأةِ
أنْ تُشْعَرَ وَلاَ تُؤْزَرَ..
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (وَزعم الْإِشْعَار
ألففنها فِيهِ) ، وَفِيه بَيَان كَيْفيَّة الْإِشْعَار،
وَهُوَ: اللف. وَصدر السَّنَد مثل صدر سَنَد الحَدِيث فِي
الْبَاب السَّابِق، لِأَن فِي كل مِنْهُمَا: حَدثنَا
أَحْمد، قَالَ: حَدثنَا ابْن وهب، قَالَ: أخبرنَا ابْن
جريج، إِلَى هُنَا كِلَاهُمَا سَوَاء عَن أَحْمد بن صَالح
على الْخلاف عَن عبد الله بن وهب الْمصْرِيّ عَن عبد
الْملك بن عبد الْعَزِيز بن جريج، وَهُنَاكَ قَالَ:
أَيُّوب وَسمعت حَفْصَة بنت سِيرِين، قَالَ: حَدثنَا أم
عَطِيَّة، وَهنا أَن أَيُّوب أخبرهُ قَالَ: سَمِعت ابْن
سِيرِين يَقُول جَاءَت أم عَطِيَّة امْرَأَة ... الحَدِيث.
ذكر مَعْنَاهُ: قَوْله: (امْرَأَة من الْأَنْصَار) ،
مَرْفُوع لِأَنَّهُ عطف بَيَان، وَلَا يلْزم فِي عطف
الْبَيَان أَن يكون من الْأَعْلَام والكنى، وَكلمَة: من،
فِي الْمَوْضِعَيْنِ بَيَانِيَّة، وَيجوز أَن تكون
الثَّانِيَة للتَّبْعِيض. قَوْله: (قدمت الْبَصْرَة)
بَيَان لقَوْله: (جَاءَت) أَو بدل مِنْهُ، قَوْله: (تبادر
ابْنا لَهَا) جملَة حَالية، و: تبادر، من الْمُبَادرَة
وَهِي الْإِسْرَاع، وَالْمعْنَى: أَنَّهَا أسرعت فِي
الْمَجِيء إِلَى بصرة لأجل إبنها الَّذِي كَانَ فِيهَا
وَلم تُدْرِكهُ لِأَنَّهُ إِمَّا مَاتَ قبل مجيئها،
وَإِمَّا خرج إِلَى مَوضِع آخر. قَوْله: (فحدثتنا) أَي: أم
عَطِيَّة، وَالْقَائِل بِهَذَا ابْن سِيرِين. قَوْله:
(ذَلِك) ، بِكَسْر الْكَاف، خطابا لأم عَطِيَّة لِأَنَّهَا
كَانَت الغاسلة. قَوْله: (فِي الْآخِرَة) أَي: فِي الغسلة
الْآخِرَة. قَوْله: (حقوه) أَي: إزَاره. قَوْله: (وَلم
يزدْ على ذَلِك) أَي: قَالَ أَيُّوب: لم يزدْ ابْن سِيرِين
على الْمَذْكُور، بِخِلَاف حَفْصَة بنت سِيرِين فَإِنَّهَا
زَادَت أَشْيَاء مِنْهَا أَنَّهَا قَالَت: قَالَ رَسُول
الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (إبدأوا بميامنها ومواضع
الْوضُوء مِنْهَا) . قَوْله: (وَلَا أَدْرِي أَي بَنَاته)
أَي: قَالَ أَيُّوب: وَلَا أَدْرِي أَي بَنَاته كَانَت
المغسولة، فَأَي، مُبْتَدأ وَخَبره مَحْذُوف،
وَالتَّقْدِير: أَي بَنَاته كَانَت، وَنَحْوه وَهَذَا لَا
يُنَافِي مَا قَالَه آخَرُونَ: أَنَّهَا زَيْنَب، إِذْ عدم
علمه لَا يُنَافِي علم الْغَيْر، وَقد صرح عَاصِم فِي
رِوَايَته عَن حَفْصَة أَنَّهَا زَيْنَب، وَهِي رِوَايَة
مُسلم، قَالَ: حَدثنَا أَبُو بكر بن أبي شيبَة وَعَمْرو
النَّاقِد جَمِيعًا عَن أبي مُعَاوِيَة. قَالَ عَمْرو:
حَدثنَا مُحَمَّد بن حَازِم أَبُو مُعَاوِيَة. قَالَ:
حَدثنَا عَاصِم الْأَحول عَن حَفْصَة بنت سِيرِين عَن أم
عَطِيَّة. قَالَت: لما مَاتَت زَيْنَب بنت رَسُول الله صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ لنا رَسُول الله صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم: (إغسلنها وترا) الحَدِيث. قَوْله: (وَزعم)
أَي: أَيُّوب. قَوْله: (الْإِشْعَار) ، مَنْصُوب بقوله:
(زعم) . أَي: قَالَ أَيُّوب: إِن معنى أشعرنها فِي
الحَدِيث أَي ألففنها
(8/46)
فِيهِ من الإلفاف، وَذكر فِيهِ لَفْظَة
الْإِشْعَار مَعَ أَنه لَيْسَ فِيهِ صِيغَة الْأَمر، ثمَّ
فسره بِصِيغَة الْأَمر. بقوله: (ألففنها فِيهِ) ، وَذَلِكَ
لِأَنَّهُ طلب الِاخْتِصَار، وَتَقْدِيره: أَن الْإِشْعَار
هُوَ اللف، فَمَعْنَى: أشعرنها إِيَّاه، ألففنها فِيهِ.
وَلَا التباس فِيهِ للقرينة الدَّالَّة على ذَلِك. قَوْله:
(وَكَذَلِكَ كَانَ ابْن سِيرِين) أَي: قَالَ أَيُّوب:
وَكَذَلِكَ كَانَ مُحَمَّد بن سِيرِين يَأْمر
بِالْمَرْأَةِ أَن تشعر، أَي: تلف، وتشعر على صِيغَة
الْمَجْهُول وَكَذَلِكَ قَوْله: (وَلَا تؤزر) أَي: وَلَا
تجْعَل الشعار عَلَيْهَا مثل الْإِزَار، لِأَن الْإِزَار
لَا يعم الْبدن بِخِلَاف الشعار. وَكَانَ ابْن سِيرِين
أعلم التَّابِعين بِعَمَل الْمَوْتَى، وَأَيوب بعده.
قَوْله: (لَا تؤزر) ، بِضَم التَّاء وَسُكُون الْهمزَة
وَفتح الزَّاي، وَيجوز بِفَتْح الْهمزَة وَتَشْديد الزَّاي
من: التأزير.
61 - (بابٌ هَلْ يُجْعَلُ شَعرُ المَرْأةِ ثَلاَثَةَ
قُرُونٍ)
أَي: هَذَا بَاب يذكر فِيهِ: هَل يَجْعَل شعر الْمَرْأَة
ثَلَاثَة قُرُون؟ أَي: ضفائر؟ وَجَوَاب الِاسْتِفْهَام
مَحْذُوف تَقْدِيره يَجْعَل، وَالدَّلِيل عَلَيْهِ أَن فِي
غَالب النّسخ: بَاب يَجْعَل. . إِلَى آخِره، بِدُونِ كلمة:
هَل.
2621 - حدَّثنا قَبِيصَةُ قَالَ حدَّثنا سُفْيَانُ عنْ
هِشَامٍ عنْ أمِّ الهُذَيْلِ عنْ أُمِّ عَطِيَّةَ رَضِي
الله تَعَالَى عَنْهَا قالَتْ ضَفَرْنَا شَعَرَ بِنْتِ
النَّبِيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم تَعْنِي ثَلاَثَةَ
قُرُونٍ..
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة.
ذكر رِجَاله: وهم خَمْسَة: الأول: قبيصَة، بِفَتْح الْقَاف
وَكسر الْبَاء الْمُوَحدَة: ابْن عقبَة العامري.
الثَّانِي: سُفْيَان الثَّوْريّ. الثَّالِث: هِشَام بن
حسان الفردوسي الْأَزْدِيّ. الرَّابِع: أم الْهُذيْل،
بِضَم الْهَاء وَفتح الذَّال الْمُعْجَمَة وَسُكُون
الْيَاء آخر الْحُرُوف، وَفِي آخِره لَام، وَاسْمهَا:
حَفْصَة بنت سِيرِين. الْخَامِس: أم عَطِيَّة.
ذكر لطائف إِسْنَاده: فِيهِ: التحديث بِصِيغَة الْجمع فِي
موضِعين. وَفِيه: العنعنة فِي ثَلَاثَة مَوَاضِع. وَفِيه:
القَوْل فِي مَوضِع وَاحِد. وَفِيه: أَن شَيْخه وَشَيخ
شَيْخه كوفيان وَهِشَام بَصرِي وَأم الْهُذيْل مصريان.
وَفِيه: ثَلَاثَة ذكرُوا من غير نِسْبَة. وَفِيه:
اثْنَتَانِ مذكورتان بالكنية، وَلم تذكر أم حَفْصَة
بكنيتها إلاَّ فِي هَذَا الطَّرِيق.
ذكر مَعْنَاهُ: قَوْله: (ضفرنا) ، بالضاد وَتَخْفِيف
الْفَاء، من الضفر وَهُوَ نسج الشّعْر عريضا، وَكَذَلِكَ
التضفير. قَوْله: (تَعْنِي) أَي: أم عَطِيَّة. قَوْله:
(ثَلَاثَة قُرُون) أَي: ضفائر.
وَقَالَ وَكِيعٌ قَالَ سفْيَانُ ناصِيَتَهَا وَقَرْنَيْهَا
أَي: قَالَ وَكِيع بن جراح عَن سُفْيَان الثَّوْريّ
بِهَذَا الْإِسْنَاد: ناصيتها وقرنيها، أَي: جَانِبي
رَأسهَا، وَهَذَا التَّعْلِيق وَصله الْإِسْمَاعِيلِيّ عَن
مُحَمَّد بن علوِيَّة: حَدثنَا عَمْرو بن عبد الله حَدثنَا
وَكِيع عَن سُفْيَان، وَرَوَاهُ أَيْضا عَن حَارِث
الْمحَاربي عَن سُفْيَان، وَمن حَدِيث عبد الله بن صَالح
حَدثنَا هَارُون بن عبد الله حَدثنَا قبيصَة حَدثنَا
سُفْيَان عَن هِشَام، وَرَوَاهُ الْفرْيَابِيّ عَن
سُفْيَان. وَمعنى: ناصيتها وقرنيها، أَنَّهَا جعلت ناصيتها
ضفيرة وقرناها ضفيرتين، وَلَا تنَافِي بَين قَوْلهَا:
قرنيها، هَهُنَا وَفِيمَا قبله ثَلَاثَة قُرُون، لِأَن
المُرَاد بالقرنين جانبا الرَّأْس، كَمَا ذكرنَا،
وبالقرون: الذوائب.
قَالَ الْكرْمَانِي: وَفِيه: اسْتِحْبَاب تضفير الشّعْر
خلافًا للكوفيين. قلت: لَيْت شعري كَيفَ ينْقل هَؤُلَاءِ
مَذَاهِب النَّاس على غير مَا هِيَ عَلَيْهِ، والكوفيون
مَا أَنْكَرُوا التضفير، وَإِنَّمَا مَذْهَبهم أَن شعرهَا
يَجْعَل ضفيرتين على صدرها فَوق الدرْع، وَعند الشَّافِعِي
وَمن تبعه: يَجْعَل ثَلَاثَة ضفائر خلف ظهرهَا. وَقَالَ
بَعضهم: وَالْحَنَفِيَّة ترسل شعر الْمَرْأَة خلفهَا وعَلى
وَجههَا مُتَفَرقًا. قلت: هَذَا أبعد من الصَّوَاب من
ذَاك، وَلم ينْقل أحد مِنْهُم بِهَذَا الْوَجْه إلاَّ
مِمَّن لَا يقبل قَوْله، وَقد مضى الْكَلَام فِيهِ فِي:
بَاب مَا يسْتَحبّ أَن يغسل وترا.
71 - (بَاب يُلْقَى شَعَرُ المَرْأةِ خَلْفَهَا)
أَي: هَذَا بَاب يذكر فِيهِ: يلقى شعر الْمَرْأَة خلفهَا
بعد الْفَرَاغ من الْغسْل، وَفِي رِوَايَة الْأصيلِيّ
وَأبي الْوَقْت: يَجْعَل شعر الْمَرْأَة خلفهَا، وَفِي
رِوَايَة الْحَمَوِيّ: يلقى شعر الْمَرْأَة خلفهَا
ثَلَاثَة قُرُون.
3621 - حدَّثنا مُسَدَّدٌ قَالَ حدَّثنا يَحْيى بنُ
سَعِيدٍ عنْ هِشَامِ بنِ حَسَّانٍ قَالَ حدَّثَتْنَا
(8/47)
حَفْصَةُ عنْ أُمِّ عَطِيَّةَ رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا
قالَتْ تُوُفِّيَتْ إحْدَى بَنَاتِ النَّبِيِّ صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم فَأَتَانَا النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم فَقَالَ اغْسِلْنَهَا بِالسِّدْرِ وِتْرا ثَلاَثا
أوْ خَمْسا أوْ أكْثَرَ مِنْ ذالِكَ إنْ رَأيْتُنَّ ذالِكَ
وَاجْعَلْنَ فِي الآخِرَةِ كافُورا أوْ شَيْئا مِنْ
كافُورٍ فَإذَا فَرَغْتُنَّ فَآذِنَّنِي فَلَمَّا
فَرَغْنَا آذَنَّاهُ فألْقَى إلَيْنَا حِقْوَهُ
فَضَفَرْنَا شَعَرَهَا ثَلاثَةَ قُرُونٍ وَألْقَيْنَاهَا
خَلْفَهَا..
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (فألقيناها خلفهَا) ،
وَهَذِه التَّرْجَمَة هِيَ الْعَاشِرَة الَّتِي ذكرهَا
هَهُنَا، والحادية عشرَة ذكرهَا فِي كتاب الْوضُوء.
قَوْله: (فضفرنا شعرهَا) . وَفِي رِوَايَة النَّسَائِيّ:
عَن عَمْرو بن عَليّ عَن يحيى بِلَفْظ: (ومشطناها) ، وَفِي
رِوَايَة عبد الرَّزَّاق من طَرِيق أَيُّوب عَن حَفْصَة:
(ضفرنا رَأسهَا ثَلَاثَة قُرُون: ناصيتها وقرنيها) .
وَاسْتدلَّ بَعضهم بِهَذَا الحَدِيث على عدم وجوب الْغسْل
على غاسل الْمَيِّت لِأَنَّهُ مَوضِع تَعْلِيم، وَلم
يَأْمر بِهِ، وردَّ بِأَنَّهُ يحْتَمل أَن يكون شرع ذَلِك
بعد هَذِه الْقَضِيَّة. وَفِي هَذِه الْمَسْأَلَة خلاف،
فَعَن عَليّ وَأبي هُرَيْرَة أَنَّهُمَا قَالَا: (من غسل
مَيتا فليغتسل) ، وَبِه قَالَ سعيد بن الْمسيب وَمُحَمّد
بن سِيرِين وَالزهْرِيّ. وَقَالَ النَّخعِيّ وَأحمد
وَإِسْحَاق: يتَوَضَّأ. وَقَالَ مَالك: أحب لَهُ الْغسْل،
واستحبه الشَّافِعِي، وَقَالَ الْبُوَيْطِيّ: إِن صَحَّ
الحَدِيث قلت بِوُجُوبِهِ، وَعند عَامَّة أهل الْعلم: لَا
غسل عَلَيْهِ، وَهُوَ قَول ابْن عَبَّاس وَابْن عمر
وَعَائِشَة وَالْحسن الْبَصْرِيّ وَالنَّخَعِيّ.
وَاسْتدلَّ الْفَرِيق الأول بِمَا رَوَاهُ ابْن خُزَيْمَة
فِي (صَحِيحه) وَالْحَاكِم فِي (مُسْتَدْركه) : (عَن
عَائِشَة أَن النَّبِي، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، كَانَ
يغْتَسل من أَربع: من الْجَنَابَة، وَيَوْم الْجُمُعَة،
وَمن الْحجامَة، وَغسل الْمَيِّت) . وَبِمَا رَوَاهُ أَبُو
هُرَيْرَة: أخرجه ابْن حبَان فِي (صَحِيحه) : قَالَ رَسُول
الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (من غسل الْمَيِّت فليغتسل،
وَمن حمله فَليَتَوَضَّأ) . وَقَالَ التِّرْمِذِيّ: هَذَا
حَدِيث حسن، وروى ابْن أبي شيبَة بِسَنَد صَحِيح: (أَن
عليا، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، لما غسل أَبَاهُ أمره
النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَن يغْتَسل) . وَعَن
مَكْحُول قَالَ: سَأَلَ رجل حُذَيْفَة عَن غسل الْمَيِّت
فَعلمه، وَقَالَ: إِذا فرغت فاغتسل، وَعَن أبي قلَابَة
بِسَنَد صَحِيح أَنه كَانَ إِذا غسل مَيتا اغْتسل. وأجابت
الْفرْقَة الثَّانِيَة بِمَا قَالَ الْحَاكِم: عَن
مُحَمَّد بن يحيى الذهلي: لَا نعلم فِيمَن غسل مَيتا
فليغتسل حَدِيثا ثَابتا، وَلَو ثَبت للزمني اسْتِعْمَاله،
وَحَدِيث أبي هُرَيْرَة رُوِيَ مَوْقُوفا، وَقَالَ ابْن
أبي حَاتِم عَن أَبِيه: إِن رَفعه خطأ، إِنَّمَا هُوَ
مَوْقُوف لَا يرفعهُ الثِّقَات. وَقَالَ أَبُو دَاوُد:
هَذَا حَدِيث مَنْسُوخ. وَقَالَ ابْن الْعَرَبِيّ: قَالَت
جمَاعَة أهل الحَدِيث: هُوَ حَدِيث ضَعِيف، وروى
الدَّارَقُطْنِيّ حَدِيثا عَن ابْن عمر؛ فمنا من اغْتسل
وَمنا من لم يغْتَسل، وَالله أعلم. |