عمدة القاري شرح صحيح البخاري

81 - (بابُ الثِّيَابِ البِيضِ لِلْكَفَنِ)

أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان حكم الثِّيَاب الْبيض لأجل الْكَفَن، وَالْبيض بِكَسْر الْبَاء جمع أَبيض، وَلما فرغ عَن بَيَان أَحْكَام غسل الْمَوْتَى شرع فِي بَيَان الْكَفَن على التَّرْتِيب.

91 - (بابُ الكفَنِ فِي ثَوْبَيْنِ)

أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان جَوَاز الْكَفَن فِي ثَوْبَيْنِ، وَأَشَارَ بِهَذِهِ التَّرْجَمَة إِلَى أَن الثَّلَاثَة لَيْسَ بِوَاجِب. بل هُوَ كفن السّنة فَإِن اقْتصر على الْإِثْنَيْنِ من غير ضَرُورَة يكون ترك السّنة، وَأما الْوَاحِد فَلَا بُد مِنْهُ.

5621 - حدَّثنا أبُو النُّعْمَانِ قَالَ حدَّثنا حَمَّادٌ عنْ أيُّوبَ عنْ سَعِيدِ بنِ جُبَيْرٍ عنِ ابنِ عَبَّاسٍ رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُم. قَالَ بَيْنَمَا رَجُلٌ وَاقِفٌ بِعَرَفَةَ إذْ وَقَعَ عنْ رَاحِلَتِهِ فَوَقَصَتْهُ أوْ قالَ فأوْقَصَتْهُ قَالَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم اغْسِلُوهُ بِمَاءٍ وسِدْر وَكَفِّنُوهُ فِي ثَوْبَيْنِ وَلاَ تُحَنِّطُوهُ وَلاَ تُخَمِّرُوا رَأسَهُ فإنَّهُ يُبْعَثُ يَوْمَ القِيَامَةِ مُلَبِّيا..
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة.
ذكر رِجَاله: وهم خَمْسَة: الأول: أَبُو النُّعْمَان: اسْمه مُحَمَّد بن الْفضل السدُوسِي، يعرف بعارم. الثَّانِي: حَمَّاد بن زيد. الثَّالِث: أَيُّوب السّخْتِيَانِيّ. الرَّابِع: سعيد بن جُبَير. الْخَامِس: عبد الله بن عَبَّاس، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُم.
ذكر لطائف إِسْنَاده: فِيهِ: التحديث بِصِيغَة الْجمع فِي موضِعين. وَفِيه: العنعنة فِي فِي ثَلَاثَة مَوَاضِع. وَفِيه: القَوْل فِي موضِعين. وَفِيه: شَيْخه وَحَمَّاد وَأَيوب بصريون وَسَعِيد بن جُبَير كُوفِي. وَفِيه: شَيْخه بكنيته وَاثْنَانِ بِلَا نِسْبَة. وَفِيه: حَمَّاد عَن أَيُّوب، وَفِي رِوَايَة الْأصيلِيّ حَمَّاد بن زيد عَن أَيُّوب.
ذكر تعدد

(8/48)


مَوْضِعه وَمن أخرجه غَيره: أخرجه البُخَارِيّ، رَحمَه الله تَعَالَى أَيْضا، فِي الْجَنَائِز عَن قُتَيْبَة ومسدد، وَفِي الْحَج عَن سُلَيْمَان بن حَرْب، وَأخرجه مُسلم عَن أبي الرّبيع الزهْرَانِي، وَأخرجه أَبُو دَاوُد، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، فِيهِ عَن سُلَيْمَان وَمُحَمّد بن عبيد ومسدد. وَأخرجه النَّسَائِيّ فِيهِ عَن قُتَيْبَة. عَن حَفْص وَأخرجه ابْن ماجة عَن أبي بكر بن أبي شيبَة. (ذكر الِاخْتِلَاف فِي عدد كَفنه وَفِي صفته) فَفِي البُخَارِيّ مَا ذكر وَفِي مُسلم " عَن عَائِشَة قَالَت أدرج رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فِي حلَّة يَمَانِية كَانَت لعبد الله بن أبي بكر ثمَّ نزعت عَنهُ وكفن فِي ثَلَاثَة أَثوَاب سحُولِيَّة يَمَانِية لَيْسَ فِيهَا عِمَامَة وَلَا قَمِيص " الحَدِيث وَفِي سنَن أبي دَاوُد عَنْهَا " أدرج رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فِي ثوب وَاحِد حبرَة ثمَّ أخرج عَنهُ " وَفِيه أَيْضا مثل رِوَايَة البُخَارِيّ وَفِيه عَن ابْن عَبَّاس " فِي ثَلَاثَة أَثوَاب نجرانية الْحلَّة ثَوْبَان وقميصه الَّذِي مَاتَ فِيهِ " قَالَ عُثْمَان بن أبي شيبَة " فِي ثَلَاثَة أَثوَاب حلَّة حَمْرَاء وقميصه الَّذِي مَاتَ فِيهِ " وَفِي التِّرْمِذِيّ عَنْهَا " كفن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فِي ثَلَاثَة أَثوَاب بيض يَمَانِية وَلَيْسَ فِيهَا قَمِيص وَلَا عِمَامَة " قَالَ فَذكرُوا لعَائِشَة قَوْلهم فِي ثَوْبَيْنِ وَبرد حبرَة فَقَالَت قد أُتِي بالبرد وَلَكنهُمْ ردُّوهُ وَلم يكفنوه فِيهِ وَفِي النَّسَائِيّ عَنْهَا كَذَلِك وَفِي سنَن ابْن ماجة كَذَلِك وَفِي رِوَايَة لَهُ " عَن ابْن عمر قَالَ كفن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فِي ثَلَاثَة رياط بيض سحُولِيَّة " وَفِي رِوَايَة عَن ابْن عَبَّاس قَالَ " كفن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فِي ثَلَاثَة أَثوَاب قَمِيصه الَّذِي مَاتَ فِيهِ وحلة نجرانية " وَفِي مُسْند أَحْمد عَنْهَا " أَن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - كفن فِي ثَلَاث رياط بيض يَمَانِية " وَفِيه أَيْضا عَن ابْن عَبَّاس " كفن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فِي ثَوْبَيْنِ أَبيض وَبرد أَحْمَر " وَانْفَرَدَ أَحْمد بِالْحَدِيثين وَعند أبي سعيد بن الْأَعرَابِي " عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ كفن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فِي ريطتين وَبرد نجراني " وَعند ابْن عَسَاكِر " كفن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فِي ثَلَاثَة أَثوَاب لَيْسَ فِيهَا قَمِيص وَلَا قبَاء وَلَا عِمَامَة " وَعند ابْن أبي شيبَة " عَن عَليّ رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ أَن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - كفن فِي ثَلَاثَة أَثوَاب " وَفِي إِسْنَاده سُوَيْد بن عَمْرو وَثَّقَهُ ابْن معِين وَالْعجلِي وَغَيرهمَا وَضَعفه ابْن حبَان وَفِيه عبد الله بن مُحَمَّد بن عقيل اخْتلف فِي الِاحْتِجَاج بِهِ وَعند الْبَزَّار " كفن فِي سَبْعَة ثَلَاثَة سحُولِيَّة وقميصه وعمامة وَسَرَاويل والقطيفة الَّتِي جعلت تَحْتَهُ " وَعند ابْن سعد " عَن الشّعبِيّ كفن فِي ثَلَاثَة أَثوَاب برد يَمَانِية غِلَاظ إِزَار ورداء ولفافة " وَعَن مرّة بن شُرَحْبِيل " عَن ابْن مَسْعُود أَن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - لما ثقل قُلْنَا فيمَ نكفنك قَالَ فِي ثِيَابِي هَذِه إِن شِئْتُم أَو فِي يَمَانِية أَو فِي ثِيَاب مصر " وَعَن مُحَمَّد بن سِيرِين " عَن أبي هُرَيْرَة أَن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - زر عَلَيْهِ قَمِيصه الَّذِي كفن فِيهِ " قَالَ ابْن سِيرِين وَأَنا زررت على أبي هُرَيْرَة وَعند أبي بشر الدولابي عَن سَالم عَن أَبِيه أَن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - كفن فِي ثَلَاثَة أَثوَاب ثَوْبَيْنِ صحارين وثوب حبرَة " وَعند ابْن عدي " عَن ابْن عَبَّاس قَالَ كفن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فِي ثَوْبَيْنِ أبيضين سحولتين " وَقَالَ التِّرْمِذِيّ وَقد رُوِيَ فِي كفن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - رِوَايَات مُخْتَلفَة حَدِيث عَائِشَة أصح الرِّوَايَات الَّتِي رويت فِي كفن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَالْعَمَل على حَدِيث عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا عِنْد أَكثر أهل الْعلم من أَصْحَاب النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَغَيرهم (ذكر مَعْنَاهُ) قَوْله " يَمَانِية " بتَخْفِيف الْيَاء منسوبة إِلَى الْيمن وَإِنَّمَا خففوا الْيَاء وَإِن كَانَ الْقيَاس تَشْدِيد يَاء النّسَب لأَنهم حذفوا يَاء النّسَب لزِيَادَة الْألف وَكَانَ الأَصْل يمنية قَالَ الْأَزْهَرِي فِي التَّهْذِيب قَوْلهم رجل يمَان مَنْسُوب إِلَى الْيمن وَكَانَ فِي الأَصْل يمني فزادوا الْفَا قبل النُّون وحذفوا يَاء النِّسْبَة قَالَ وَكَذَلِكَ قَالُوا رجل شآم كَانَ فِي الأَصْل شَامي فزادوا الْفَا وحذفوا يَاء النِّسْبَة قَالَ وَهَذَا قَول الْخَلِيل وسيبويه وَقَالَ الْهَرَوِيّ فِي الغريبين يُقَال رجل يمَان وَالْأَصْل يماني فخففوا يَاء النِّسْبَة وَحكى الْجَوْهَرِي فِيهِ التَّشْدِيد مَعَ إِثْبَات الْألف فَيُقَال يماني وَهِي لُغَة حَكَاهَا سِيبَوَيْهٍ أَيْضا وَالتَّخْفِيف أصح قَوْله " سحُولِيَّة " قَالَ الْأَزْهَرِي بِالْفَتْح نَاحيَة بِالْيمن تعْمل فِيهَا الثِّيَاب وبالضم الثِّيَاب الْبيض وَقيل بِالْفَتْح نِسْبَة إِلَى قَرْيَة بِالْيمن وبالضم ثِيَاب الْقطن وَفِي التَّلْخِيص لأبي هِلَال العسكري وَفِي الحَدِيث " كفن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فِي ثَوْبَيْنِ سحولين " بِفَتْح السِّين فسحول قَبيلَة بِالْيمن تنْسب إِلَيْهَا هَذِه الثِّيَاب والسحل ثوب أَبيض وَجمعه سحول وسحل وَذكر ابْن سَيّده والقزاز أَن السحل ثوب لَا يبرم غزله طاقين والسحل ثوب أَبيض رَقِيق وَخص بِهِ بَعضهم الْقطن وَجمعه أسحال وَسحُول مَوضِع بِالْيمن تعْمل فِيهِ هَذِه الثِّيَاب وَفِي الْمغرب للمطرزي منسوبة إِلَى سحول قَرْيَة بِالْيمن بِالْفَتْح وَالضَّم

(8/49)


قَوْله " من كُرْسُف " بِضَم الْكَاف وَسُكُون الرَّاء وَضم السِّين الْمُهْملَة وَفِي آخِره فَاء وَهُوَ الْقطن وَتَفْسِير بَقِيَّة الْأَلْفَاظ الَّتِي فِي أَحَادِيث غير الْبَاب قَوْله " حبرَة " بِكَسْر الْحَاء الْمُهْملَة وَفتح الْبَاء الْمُوَحدَة وَالرَّاء برد هُوَ يمَان يُقَال برد حبير وَبرد حبرَة على الْوَصْف وَالْإِضَافَة وَالْجمع حبر وحبرات وَقيل الْحبرَة مَا كَانَ من البرود مخططا موشيا وَفِي التَّهْذِيب لَيْسَ حبرَة موضعا أَو شَيْئا مَعْلُوما إِنَّمَا هُوَ وشى كَقَوْلِك ثوب قرمز والقرمز صبغه قَوْله " نجرانية " بِفَتْح النُّون وَسُكُون الْجِيم نِسْبَة إِلَى نَجْرَان بليدَة فِي الْيمن قَوْله " حلَّة " بِضَم الْحَاء الْمُهْملَة وَتَشْديد اللَّام وَهِي إِزَار ورداء وَلَا تكون الْحلَّة إِلَّا من اثْنَيْنِ قَوْله " رياط " بِكَسْر الرَّاء وَتَخْفِيف الْيَاء آخر الْحُرُوف جمع ريطة وَهِي كل ملاءة لَيست بلفقين وكل ثوب رَقِيق لين وَيجمع على ريط أَيْضا والقطيفة بِفَتْح الْقَاف وَكسر الطَّاء كسَاء لَهُ خمل (ذكر مَا يُسْتَفَاد مِنْهُ) بِهِ احْتج أَصْحَابنَا فِي أَن كفن السّنة فِي حق الرجل ثَلَاثَة أَثوَاب وَلَكِن قَوْلهم فِي الْكتب إِزَار وقميص ولفافة يمْنَع الِاسْتِدْلَال بِهِ فَيكون حجَّة عَلَيْهِم فِي عدم الْقَمِيص وَالشَّافِعِيّ أَخذ بِظَاهِرِهِ وَاحْتج بِهِ على أَن الْمَيِّت يُكفن فِي ثَلَاثَة لفائف وَبِه قَالَ أَحْمد وَلَكِن الَّذِي يتم بِهِ اسْتِدْلَال أَصْحَابنَا فِيمَا ذَهَبُوا إِلَيْهِ بِحَدِيث جَابر بن سَمُرَة فَإِنَّهُ قَالَ " كفن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فِي ثَلَاثَة أَثوَاب قَمِيص وَإِزَار ولفافة " رَوَاهُ ابْن عدي فِي الْكَامِل وَفِيه ترك الْعِمَامَة وَفِي الْمَبْسُوط وَكره بعض مَشَايِخنَا الْعِمَامَة لِأَنَّهُ يصير شفعا وَاسْتَحْسنهُ بعض الْمَشَايِخ لما رُوِيَ عَن ابْن عمر رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا أَنه كفن ابْنه واقدا فِي خَمْسَة أَثوَاب قَمِيص وعمامة وَثَلَاث لفائف وأدار الْعِمَامَة إِلَى تَحت حنكه رَوَاهُ سعيد بن مَنْصُور

(بَاب الْكَفَن فِي ثَوْبَيْنِ)
أَي هَذَا بَاب فِي بَيَان جَوَاز الْكَفَن فِي ثَوْبَيْنِ وَأَشَارَ بِهَذِهِ التَّرْجَمَة إِلَى أَن الثَّلَاثَة لَيْسَ بِوَاجِب بل هُوَ كفن السّنة فَإِن اقْتصر على الِاثْنَيْنِ من غير ضَرُورَة يكون ترك السّنة وَأما الْوَاحِد فَلَا بُد مِنْهُ
27 - (حَدثنَا أَبُو النُّعْمَان قَالَ حَدثنَا حَمَّاد عَن أَيُّوب عَن سعيد بن جُبَير عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُم. قَالَ بَيْنَمَا رجل وَاقِف بِعَرَفَة إِذْ وَقع عَن رَاحِلَته فوقصته أَو قَالَ فأوقصته قَالَ النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - اغسلوه بِمَاء وَسدر وكفنوه فِي ثَوْبَيْنِ وَلَا تحنطوه وَلَا تخمروا رَأسه فَإِنَّهُ يبْعَث يَوْم الْقِيَامَة ملبيا) مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. (ذكر رِجَاله) وهم خَمْسَة. الأول أَبُو النُّعْمَان اسْمه مُحَمَّد بن الْفضل السدُوسِي يعرف بعارم. الثَّانِي حَمَّاد بن زيد. الثَّالِث أَيُّوب السّخْتِيَانِيّ. الرَّابِع سعيد بن جُبَير. الْخَامِس عبد الله بن عَبَّاس رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُم. (ذكر لطائف إِسْنَاده) فِيهِ التحديث بِصِيغَة الْجمع فِي موضِعين وَفِيه العنعنة فِي ثَلَاثَة مَوَاضِع وَفِيه القَوْل فِي موضِعين وَفِيه شَيْخه وَحَمَّاد وَأَيوب بصريون وَسَعِيد بن جُبَير كُوفِي وَفِيه شَيْخه بكنيته وَاثْنَانِ بِلَا نِسْبَة وَفِيه حَمَّاد عَن أَيُّوب وَفِي رِوَايَة الْأصيلِيّ حَمَّاد بن زيد عَن أَيُّوب. (ذكر تعدد مَوْضِعه وَمن أخرجه غَيره) أخرجه البُخَارِيّ رَحمَه الله تَعَالَى أَيْضا فِي الْجَنَائِز عَن قُتَيْبَة ومسدد وَفِي الْحَج عَن سُلَيْمَان بن حَرْب وَأخرجه مُسلم عَن أبي الرّبيع الزهْرَانِي وَأخرجه أَبُو دَاوُد رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ فِيهِ عَن سُلَيْمَان وَمُحَمّد بن عبيد ومسدد وَأخرجه النَّسَائِيّ فِيهِ عَن قُتَيْبَة -
ذكر مَعْنَاهُ: قَوْله: (بَيْنَمَا) ، أَصله: بَين، فزيدت فِيهِ الْألف وَالْمِيم، وَهُوَ من الظروف الزمانية يُضَاف إِلَى جملَة من فعل وفاعل ومبتدأ وَخبر، وَيحْتَاج إِلَى جَوَاب يتم بِهِ الْمَعْنى، وَجَوَابه هُنَا قَوْله: (إِذْ وَقع) أَي: وَقع رجل وَاقِف. قَوْله: (فوقصته) (أَو قَالَ: فأوقصته) شكّ من الرَّاوِي: الأول: من الوقص وَهُوَ كسر الْعُنُق، وَهُوَ الْمَعْرُوف عِنْد أهل اللُّغَة. وَالثَّانِي: من الإيقاص وَهُوَ شَاذ، لِأَن الْأَصَح هُوَ الثلاثي. وَفِي (فصيح ثَعْلَب) : وقص الرجل إِذا سقط عَن دَابَّته فاندقت عُنُقه فَهُوَ موقوص، وَعَن

(8/50)


الْكسَائي: وقصا، وَلَا يكون: وقصت الْعُنُق نَفسهَا. وَقَالَ الْخطابِيّ: مَعْنَاهُ أَنَّهَا صرعته فَكسرت عُنُقه، وَقَالَ: أقصعته بِتَقْدِيم الصَّاد الْمُهْملَة على الْعين الْمُهْملَة، لَيْسَ بِشَيْء، والقصع هُوَ كسر الْعَطش، وَيحْتَمل أَن يستعار لكسر الرَّقَبَة وَأما الإقعاص، أَي: بِتَقْدِيم الْعين فَهُوَ إعجال الْهَلَاك أَي: لم يلبث أَن مَاتَ. وَقَالَ الْجَوْهَرِي: يُقَال ضربه فأقعصه، أَي: قَتله مَكَانَهُ وَيُقَال: قصع القملة أَي قَتلهَا، وقصع المَاء عطشه أَي: أذهبه وسكنه، وَاعْلَم أَن الضَّمِير الْمَرْفُوع فِي (فوقصته) ، للراحلة، والمنصوب يرجع إِلَى الرجل. وَقَالَ بَعضهم: وَيحْتَمل أَن يكون فَاعل: وقصته، الْوَقْعَة أَو الرَّاحِلَة، بِأَن تكون أَصَابَته بعد أَن وَقع قلت: الْفَاعِل هُوَ الرَّاحِلَة، وَهُوَ الَّذِي يَقْتَضِيهِ ظَاهر التَّرْكِيب، وَكَون الْفَاعِل هُوَ الْوَقْعَة بعيد) وَخلاف الظَّاهِر، وَقَالَ أَيْضا: وَقَالَ الْكرْمَانِي: فوقصته أَي رَاحِلَته. قلت: لم يقل الْكرْمَانِي هَذَا، وَإِنَّمَا نقل عَن الْخطابِيّ مَا ذَكرْنَاهُ عَنهُ آنِفا، والعنق، بِضَمَّتَيْنِ وبسكون النُّون، وَصله مَا بَين الرَّأْس والجسد، وَيذكر وَيُؤَنث، فَمن قَالَ: عنق بِإِسْكَان النُّون ذكر، وَمن قَالَ بِضَم النُّون أنث، وَعند ابْن خالويه: التصغير فِي لُغَة من ذكَّر: عنيق، وَفِي لُغَة من أنث، عنيقة. وَالْجمع أَعْنَاق. قَوْله: (وكفنوه فِي ثَوْبَيْنِ) إِنَّمَا لم يزده ثَالِثا إِكْرَاما لَهُ، كَمَا فِي الشَّهِيد لم يزدْ على ثِيَابه. قَوْله: (وَلَا تحنطوه) بِالْحَاء الْمُهْملَة أَي: لَا تمسوه حنوطا. قَوْله: (وَلَا تخمروا رَأسه) أَي: وَلَا تغطوها. وَفِي (أَفْرَاد مُسلم) : (وَلَا تخمروا رَأسه وَلَا وَجهه) . وَقَالَ الْبَيْهَقِيّ: وَذكر الْوَجْه وهم من بعض رُوَاته فِي الْإِسْنَاد والمتن، وَالصَّحِيح: (لَا تغطوا رَأسه) . قَوْله: (فَإِنَّهُ) أَي: فَإِن هَذَا الرجل. قَوْله: (ملبيا) ، نصب على الْحَال، أَي: حَال كَونه قَائِلا لبيْك، وَالْمعْنَى أَنه يحْشر يَوْم الْقِيَامَة على هَيئته الَّتِي مَاتَ عَلَيْهَا ليَكُون ذَلِك عَلامَة لحجه، كالشهيد يَأْتِي وأوداجه تشخب دَمًا. وَفِي (التَّوْضِيح) : وَفِي رِوَايَة (ملبدا) أَي: على هَيْئَة ملبدا شعره بصمغ وَنَحْوه.
ذكر مَا يُسْتَفَاد مِنْهُ: احْتج بِهِ الشَّافِعِي وَأحمد وَإِسْحَاق وَأهل الظَّاهِر فِي أَن الْمحرم على إِحْرَامه بعد الْمَوْت، وَلِهَذَا يحرم ستر رَأسه وتطييبه، وَهُوَ قَول عُثْمَان وَعلي وَابْن عَبَّاس وَعَطَاء وَالثَّوْري. وَذهب أَبُو حنيفَة وَمَالك وَالْأَوْزَاعِيّ إِلَى أَنه يصنع بِهِ مَا يصنع بالحلال، وَهُوَ مَرْوِيّ عَن عَائِشَة وَابْن عمر وَطَاوُس لِأَنَّهَا عبَادَة شرعت فبطلت بِالْمَوْتِ: كَالصَّلَاةِ وَالصِّيَام. وَقَالَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (إِذا مَاتَ ابْن آدم انْقَطع عمله إلاَّ من ثَلَاث. .) وإحرامه من عمله، وَلِأَن الْإِحْرَام لَو بَقِي لطيف بِهِ وكملت مَنَاسِكه، وَقَالَ بَعضهم: وَأجِيب: بِأَن ذَلِك ورد على خلاف الأَصْل، فَيقْتَصر بِهِ على مورد النَّص، وَلَا سِيمَا قد وضح أَن الْحِكْمَة فِي ذَلِك اسْتِبْقَاء شعار الْإِحْرَام كاستبقاء دم الشُّهَدَاء قلت: لَا نسلم أَنه ورد على خلاف الأَصْل، وَكَيف ورد على خلاف الأَصْل وَقد أَمر بِغسْلِهِ بِالْمَاءِ والسدر، وَهُوَ الأَصْل فِي الْمَوْتَى؟ وَأما قَوْله: لَا تحنطوه. . إِلَى آخِره فَهُوَ مَخْصُوص بِهِ، وَالدَّلِيل عَلَيْهِ قَوْله: الْحِكْمَة فِي ذَلِك. . إِلَى آخِره. وَفِيه: الرَّد على كَلَامه، بَيَان ذَلِك أَن اسْتِبْقَاء دم الشَّهِيد مَخْصُوص بِهِ، فَكَذَلِك اسْتِبْقَاء شعار الْإِحْرَام مَخْصُوص بالموقوص. وَأَجَابُوا عَن الحَدِيث بِأَنَّهُ لَيْسَ عَاما بِلَفْظِهِ، لِأَنَّهُ فِي شخص معِين، وَلِأَنَّهُ لم يقل يبْعَث يَوْم الْقِيَامَة ملبيا لِأَنَّهُ محرم، فَلَا يتَعَدَّى حكمه إِلَى غَيره إلاَّ بِدَلِيل. وَقَالَ: اغسلوه بسدر، وَالْمحرم لَا يجوز غسله بسدر، وَذكر الطرطوشي فِي (كتاب الْحَج) أَن أَبَا الشعْثَاء جَابر بن زيد روى عَن ابْن عَبَّاس، قَالَ: لَا تخمروا رَأسه وخمروا وَجهه. وَقد روى عبد الرَّزَّاق ابْن جريج عَن عَطاء أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: (خمروا وُجُوههم وَلَا تتشبهوا باليهود وَرَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ بِإِسْنَاد عَن عَطاء عَن ابْن عَبَّاس يرفعهُ وَحكم ابْن الْقطَّان بِصِحَّتِهِ وَلَفظه (خمروا وُجُوه مَوْتَاكُم) . وَفِي (الْمُوَطَّأ) أَن عبد الله بن عمر لما مَاتَ ابْنه وَاقد وَهُوَ محرم كَفنه وخمر وَجهه وَرَأسه، وَقَالَ: لَوْلَا أَنا محرمون لحنطناك يَا وَاقد. وَفِي (المُصَنّف) بأسانيد جِيَاد: عَن عَطاء، قَالَ: وَسُئِلَ عَن الْمحرم يغطى رَأسه إِذا مَاتَ؟ قيل: غطى ابْن عمر وكشف غَيره. وَقَالَ طَاوُوس: يغيب رَأس الْمحرم إِذا مَاتَ. وَقَالَ الْحسن: إِذا مَاتَ الْمحرم فَهُوَ حَلَال، وَمن حَدِيث مجَالد عَن عَامر: (إِذا مَاتَ الْمحرم ذهب إِحْرَامه) . وَمن حَدِيث إِبْرَاهِيم عَن عَائِشَة: إِذا مَاتَ الْمحرم ذهب إِحْرَام صَاحبكُم، وَقَالَهُ عِكْرِمَة بِسَنَد جيد، وَحكى ابْن حزم أَنه صَحَّ عَن عَائِشَة تحنيط الْمَيِّت الْمحرم إِذا مَاتَ، وتطييبه وتخمير رَأسه، وَعَن جَابر عَن أبي جَعْفَر، قَالَ: الْمحرم يُغطي رَأسه وَلَا يكْشف. وَفِيه: جَوَاز الْكَفَن فِي ثَوْبَيْنِ، وَهُوَ كفن الْكِفَايَة، وكفن الضَّرُورَة وَاحِد. وَفِيه: فِي قَوْله: (فِي ثَوْبَيْنِ) اسْتِدْلَال بَعضهم على إِبْدَال ثِيَاب الْمحرم. وَقَالَ بَعضهم: وَلَيْسَ بِشَيْء لِأَنَّهُ سَيَأْتِي فِي الْحَج بِلَفْظ: فِي ثَوْبه) ، وللنسائي من طَرِيق يُونُس بن نَافِع عَن عَمْرو بن دِينَار: (فِي ثوبيه الَّذين أحرم فيهمَا) . قلت: ظَاهر متن الحَدِيث هُنَا يدل على صِحَة اسْتِدْلَال بَعضهم على إِبْدَال ثِيَاب الْمحرم، وَهَذَا يدل على أَنه خرج من

(8/51)


الْإِحْرَام، وَلَا يضرنا رِوَايَة: ثوبيه، وَلَا رِوَايَة النَّسَائِيّ، لِأَن رِوَايَة: ثَوْبَيْنِ، أقوى لكَون البُخَارِيّ أخرجه من ثَلَاث طرق. وَفِيه: غسله بالسدر، وَهَذَا يدل على أَنه خرج من الْإِحْرَام، وَعكس صَاحب التَّوْضِيح فَقَالَ: غسله بالسدر يدل على أَنه جَائِز للْمحرمِ. وَفِيه: رد على مَالك وَأبي حنيفَة وَآخَرين حَيْثُ منعُوهُ. قلت: ظَاهر الحَدِيث يرد عَلَيْهِ كَلَامه، لِأَن الأَصْل عدم جَوَاز غسل الْمحرم بالسدر، فلولا أَنه خرج عَن لإحرام مَا أَمر بِغسْلِهِ بالسدر. وَفِيه: إِطْلَاق الْوَاقِف على الرَّاكِب، وَالرجل لم يُوقف على اسْمه، وَكَانَ وُقُوعه عَن رَاحِلَته عِنْد الصخرات موقف رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، قَالَه ابْن حزم وَفِيه: أَن الْكَفَن من رَأس المَال. وَفِيه: أَن الْمحرم إِذا مَاتَ لَا يكمل عَلَيْهِ غَيره كَالصَّلَاةِ، وَقد وَقع أجره على الله، وَمِنْه أَخذ بَعضهم أَن النِّيَابَة فِي الْحَج لَا تجوز لِأَنَّهُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لم يَأْمر أحدا أَن يكمل عَن هَذَا الموقوص أَفعَال الْحَج، وَلَا يخفى مَا فِيهِ من النّظر. وَفِيه: أَن إِحْرَام الرجل فِي الرَّأْس دون الْوَجْه. وَفِيه: أَن من شرع فِي طَاعَة ثمَّ حَال بَينه وَبَين إِتْمَامهَا الْمَوْت يُرْجَى لَهُ أَن الله تَعَالَى يَكْتُبهُ فِي الْآخِرَة من أهل ذَلِك الْعَمَل، ويقبله مِنْهُ إِذا صحت النِّيَّة، وَيشْهد لَهُ قَوْله تَعَالَى: {وَمن يخرج من بَيته مُهَاجرا إِلَى الله} (النِّسَاء: 001) . الْآيَة.

02 - (بابُ الحُنُوطِ لِلْمَيِّتِ)

أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان حكم الحنوط للْمَيت، وَقد مر تَفْسِير الحنوط.

6621 - حدَّثنا قتَيْبَةُ قَالَ حدَّثنا حَمَّادٌ عَنْ أيُّوبَ عنْ سَعِيدِ بنِ جُبَيْرٍ عنِ ابنِ عَبَّاسٍ رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا قَالَ بَيْنَمَا رَجُلٌ واقِفٌ مَعَ رَسُولِ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِعَرَفَةَ إذْ وَقَعَ مِنْ رَاحِلَتِهِ فأقْصَعَتْهُ أوْ قَالَ فأفعَصتْهُ فَقَالَ رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم اغْسِلُوهُ بِمَاءٍ وسِدْرٍ وَكَفِّنُوهُ فِي ثَوْبَيْنِ وَلاَ تُحَنِّطُوهِ وَلاَ تخَمِّرُوا رأْسَهُ فإنَّ الله يَبْعَثُهُ يَوْمَ القِيَامَةِ مُلَبِّيا..
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (وَلَا تحنطوه) ، وَهَذَا الحَدِيث بِعَيْنِه هُوَ الحَدِيث السَّابِق سندا ومتنا، غير أَن شَيْخه هُنَا: قُتَيْبَة ابْن سعد، وَهُنَاكَ: أَبُو النُّعْمَان.
قَوْله: (فأقصعته أَو قَالَ: فأفعصته) شكّ من الرَّاوِي من ابْن عَبَّاس، فَالْأول: بِتَقْدِيم الْقَاف على الصَّاد الْمُهْملَة، وَالثَّانِي: بِتَقْدِيم الْعين على الصَّاد، من قعاص الْغنم.

12 - (بابٌ كيْفَ يُكَفَّنُ المحْرِمُ)

أَي: هَذَا بَاب يذكر فِيهِ كَيفَ يُكفن الْمحرم إِذا مَاتَ، وَلَيْسَت هَذِه التَّرْجَمَة بموجودة فِي رِوَايَة الْأصيلِيّ، قيل: ضمن هَذِه التَّرْجَمَة الِاسْتِفْهَام عَن الْكَيْفِيَّة، مَعَ أَنَّهَا مبينَة، لَكِنَّهَا لما كَانَت يحْتَمل أَن تكون خَاصَّة بذلك الرجل وَأَن تكون عَامَّة لكل محرم آثر المُصَنّف الِاسْتِفْهَام، وَقَالَ بَعضهم: يظْهر أَن المُرَاد بقوله: كَيفَ يُكفن؟ أَي: كَيْفيَّة التَّكْفِين؟ وَلم يرد الإستفهام. وَكَيف يظنّ بِهِ أَنه مُتَرَدّد فِيهِ وَقد جزم قبل ذَلِك بِأَنَّهُ عَام فِي حق كل أحد حَيْثُ ترْجم بِجَوَاز التَّكْفِين فِي ثَوْبَيْنِ؟ قلت: قَوْله لم يرد بِهِ الِاسْتِفْهَام، غير صَحِيح، لِأَن: كَيفَ، للاستفهام الْحَقِيقِيّ فِي الْغَالِب، وَمَعْنَاهُ السُّؤَال عَن الْحَال، وَعدم تردد البُخَارِيّ فِي: بَاب التَّكْفِين فِي ثَوْبَيْنِ، لَا يسْتَلْزم عدم تردده فِي هَذَا الْبَاب.
29 - (حَدثنَا أَبُو النُّعْمَان قَالَ أخبرنَا أَبُو عوَانَة عَن أبي بشر عَن سعيد بن جُبَير عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا أَن رجلا وقصه بعيره وَنحن مَعَ النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَهُوَ محرم فَقَالَ النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - اغسلوه بِمَاء وَسدر وكفنوه فِي ثَوْبَيْنِ وَلَا تمسوه طيبا وَلَا تخمروا رَأسه فَإِن الله يَبْعَثهُ يَوْم الْقِيَامَة ملبدا) مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله " وَلَا تخمروا رَأسه " وَهُوَ مثل الحَدِيث الأول غير أَن سَنَده عَن أبي النُّعْمَان مُحَمَّد بن الْفضل عَن ابْن عوَانَة الوضاح بن عبد الله الْيَشْكُرِي وَيُقَال الْكِنْدِيّ الوَاسِطِيّ عَن أبي بشر بِكَسْر الْبَاء الْمُوَحدَة جَعْفَر بن أبي

(8/52)


وحشية قَوْله " وَنحن " الْوَاو فِيهِ للْحَال وَكَذَلِكَ الْوَاو فِي " وَهُوَ محرم " قَوْله " وَلَا تمسوه " بِضَم التَّاء وَكسر الْمِيم من الإمساس قَوْله " ملبدا " كَذَا هُوَ فِي رِوَايَة الْأَكْثَرين وَفِي رِوَايَة الْمُسْتَمْلِي " ملبيا " كَمَا فِي الرِّوَايَة الأولى وَالثَّانيَِة وَهُوَ من التلبيد وَهُوَ أَن يَجْعَل الْمحرم فِي رَأسه شَيْئا من الصمغ ليلتصق شعره فَلَا يشعث فِي الْإِحْرَام وَأنكر عِيَاض رِوَايَة التلبيد وَقَالَ لَيْسَ لَهُ معنى (قلت) لَهُ معنى وَهُوَ أَن الله تَعَالَى يَبْعَثهُ على هَيئته الَّتِي مَاتَ عَلَيْهَا
30 - (حَدثنَا مُسَدّد قَالَ حَدثنَا حَمَّاد بن زيد عَن عَمْرو وَأَيوب عَن سعيد بن جُبَير عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ كَانَ رجل وَاقِف مَعَ النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - بِعَرَفَة فَوَقع عَن رَاحِلَته. قَالَ أَيُّوب فوقصته وَقَالَ عَمْرو فأقعصته فَمَاتَ فَقَالَ اغسلوه بِمَاء وَسدر وكفنوه فِي ثَوْبَيْنِ وَلَا تحنطوه وَلَا تخمروا رَأسه فَإِنَّهُ يبْعَث يَوْم الْقِيَامَة. قَالَ أَيُّوب يُلَبِّي. وَقَالَ عَمْرو ملبيا) مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله " وَلَا تخمروا وَجهه " وَهَذَا طَرِيق آخر لحَدِيث ابْن عَبَّاس عَن مُسَدّد إِلَى آخِره وَعَمْرو بِفَتْح الْعين هُوَ ابْن دِينَار وَحَمَّاد بن زيد يرويهِ عَن عَمْرو وَعَن أَيُّوب جَمِيعًا وَكِلَاهُمَا يرويان عَن سعيد بن جُبَير قَوْله " كَانَ رجل وَاقِف " بِالرَّفْع لِأَن كَانَ تَامَّة ويروى " وَاقِفًا " بِالنّصب على أَنَّهَا نَاقِصَة قَوْله " قَالَ أَيُّوب فوقصته " أَي قَالَ أَيُّوب السّخْتِيَانِيّ فِي رِوَايَته " فوقصته " بِالْقَافِ بعْدهَا الصَّاد من الوقص وَهُوَ كسر الْعُنُق كَمَا ذكرنَا قَوْله " وَقَالَ عَمْرو " أَي قَالَ عَمْرو بن دِينَار فِي رِوَايَة " فأقعصته " بِالْقَافِ بعْدهَا الْعين ثمَّ الصَّاد المهملتان من الإقعاص وَهُوَ إعجال الْهَلَاك كَمَا قُلْنَا فِيمَا مضى مستقصى قَوْله " قَالَ أَيُّوب " أَي قَالَ أَيُّوب السّخْتِيَانِيّ فِي رِوَايَته " يُلَبِّي " بِصِيغَة الْمُضَارع الْمَبْنِيّ للْفَاعِل وَقَالَ عَمْرو بن دِينَار فِي رِوَايَته " ملبيا " على صِيغَة اسْم الْفَاعِل الْمَنْصُوب على الْحَال وَالْفرق بَينهمَا أَن يُلَبِّي يدل على تجدّد التَّلْبِيَة مستمرا وملبيا يدل على ثُبُوتهَا -
22 - (بابُ الكَفَنِ فِي القَمِيصِ الَّذِي يُكَفُّ أوْ لاَ يُكَفُّ وَمَنْ كُفِّنَ بِغَيْرِ قَمِيصٍ)

أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان كفن الْمَيِّت حَال كَونه فِي الْقَمِيص الَّذِي يكف، بِضَم الْيَاء آخر الْحُرُوف وَفتح الْكَاف وَتَشْديد الْفَاء. قَالَ الْكرْمَانِي: أَي فِي الْقَمِيص الَّذِي خيطت حَاشِيَته أَولا، يكف على صِيغَة الْمَجْهُول أَيْضا أَي: أَو لَمْ تخط حَاشِيَته. وكف الثَّوَاب هُوَ خياطَة حَاشِيَته، وكففت الثَّوْب أَي: خطت حَاشِيَته. وَقَالَ ابْن التِّين: ضَبطه بَعضهم: بِضَم الْيَاء وَفتح الْكَاف وَتَشْديد الْفَاء، وَضَبطه بَعضهم: بِفَتْح الْيَاء وَضم الْكَاف وَتَشْديد الْفَاء، وَقيل: بِفَتْح الْيَاء وَسُكُون الْكَاف وَكسر الْفَاء من الْكِفَايَة، وَأَصلهَا يَكْفِي أَو لَا يَكْفِي. وَقيل: هَذَا لحن، إِذْ لَا مُوجب لحذف الْيَاء، وَقد جزم الْمُهلب بِأَنَّهُ الصَّوَاب، وَأَن الْيَاء سَقَطت من الْكَاتِب غَلطا. قلت: لَا ينْسب هَذَا إِلَى غلط من الْكَاتِب، وَإِنَّمَا سُقُوط الْيَاء من مثل هَذَا من غير مُوجب اكْتِفَاء بالكسرة جَاءَ من بعض الْعَرَب، وَفِي نُسْخَة صَاحب (التَّلْوِيح) : بَاب الْكَفَن فِي الْقَمِيص، وَمن كفن بِغَيْر قَمِيص. وَقَالَ: كَذَا فِي نُسْخَة سَمَاعنَا، وَفِي بعض النّسخ: بَاب الْكَفَن فِي الْقَمِيص الَّذِي يكف أَو لَا يكف. وَقَالَ ابْن بطال: صَوَابه يَكْفِي أَو لَا يَكْفِي بِإِثْبَات الْيَاء، وَمَعْنَاهُ: طَويلا كَانَ الثَّوْب أَو قَصِيرا، فَإِنَّهُ يجوز الْكَفَن فِيهِ.

9621 - حدَّثنا مُسَدَّدٌ قَالَ حدَّثنا يَحْيَى بنُ سَعِيدٍ عنْ عُبَيْدِ الله قَالَ حدَّثني نافَعٌ عنِ ابنِ عُمَرَ رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا أنَّ عَبْدَ الله بنِ أُبَيٍّ لَمَّا تُوُفِّيَ جاءَ ابنُهُ إلَى النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فقالَ يَا رسولَ الله أعْطِنِي قَمِيصَكَ أُكَفِّنْهُ فِيهِ وَصَلِّ علَيْهِ وَاسْتَغْفِرْ لَهُ فأعْطَاهُ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَمِيصَهُ فَقَالَ آذِنِّي أُصَلِّي عَلَيْه فآذَنَهُ فَلَمَّا أرَادَ أنْ يُصَلِّيَ عَلَيْهِ جَذَبَهُ عُمَرُ رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ فَقَالَ ألَيْسَ الله نهَاكَ أنْ تُصَلِّيَ عَلَى المُنَافِقِينَ فَقَالَ أَنا بَيْنَ خِيرَتَيْنِ قَالَ الله تَعَالَى اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أوْ لاَ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَنْ يَغْفِرَ الله لَهُم فَصَلَّى عَلَيْهِ فَنَزَلَتْ عَلَيْهِ وَلاَ تُصَلِّ عَلَى أحَدٍ مِنْهُمْ ماتَ أبَدا.
.

(8/53)


مطابقته للتَّرْجَمَة من حَيْثُ اشتماله على الْكَفَن فِي الْقَمِيص، وَذَلِكَ أَن النَّبِي، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، أعْطى قَمِيصه لعبد الله ابْن أبي وكفن فِيهِ.
وَرِجَاله قد ذكرُوا غير مرّة، وَيحيى بن سعيد هُوَ الْقطَّان، وَعبيد الله بن عمر الْعمريّ.
وَأخرجه البُخَارِيّ أَيْضا فِي اللبَاس عَن صَدَقَة بن الْفضل. وَأخرجه مُسلم فِي اللبَاس وَفِي التَّوْبَة عَن مُحَمَّد بن الْمثنى وَأبي قدامَة. وَأخرجه التِّرْمِذِيّ فِي التَّفْسِير عَن مُحَمَّد بن بشار. وَأخرجه النَّسَائِيّ فِيهِ وَفِي الْجَنَائِز عَن عَمْرو بن عَليّ. وَأخرجه ابْن مَاجَه فِيهِ عَن أبي بشر بكر بن خلف.
ذكر مَعْنَاهُ: قَوْله: (أَن عبد الله بن أبي) ، بِضَم الْهمزَة وَفتح الْبَاء الْمُوَحدَة وَتَشْديد الْيَاء آخر الْحُرُوف: ابْن سلول رَأس الْمُنَافِقين، وَأبي هُوَ: أَبُو مَالك بن الْحَارِث بن عبيد، وسلول امْرَأَة من خُزَاعَة، وَهِي أم أبي مَالك بن الْحَارِث وَأم عبد الله ابْن أبي: خَوْلَة بنت الْمُنْذر بن حرَام من بني النجار، وَكَانَ عبد الله سيد الْخَزْرَج فِي الْجَاهِلِيَّة، وَكَانَ عبد الله هَذَا هُوَ الَّذِي تولى كبره فِي قصَّة الصديقة، وَهُوَ الَّذِي قَالَ: ليخرجن الْأَعَز مِنْهَا الْأَذَل. وَقَالَ: لَا تنفقوا عَليّ من عِنْد رَسُول الله حَتَّى يَنْفضوا، وَرجع يَوْم أحد بِثلث الْعَسْكَر إِلَى الْمَدِينَة بعد أَن خَرجُوا مَعَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم.
قَوْله: (لما توفّي) قَالَ الْوَاقِدِيّ: مرض عبد الله بن أبي فِي لَيَال بَقينَ من شَوَّال، وَمَات فِي ذِي الْقعدَة سنة تسع منصرف رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من تَبُوك، وَكَانَ مَرضه عشْرين لَيْلَة، وَكَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يعودهُ فِيهَا، فَلَمَّا كَانَ الْيَوْم الَّذِي توفّي فِيهِ دخل عَلَيْهِ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَهُوَ يجود بِنَفسِهِ، فَقَالَ: قد نهيتك عَن حب الْيَهُود، فَقَالَ: قد أبْغضهُم أسعد بن زُرَارَة فَمَا نَفعه، ثمَّ قَالَ: يَا رَسُول الله لَيْسَ هَذَا بِحِين عتاب هُوَ الْمَوْت فَإِن مت فَاحْضُرْ غسْلي وَأَعْطِنِي قَمِيصك الَّذِي يَلِي جسدك فَكَفِّنِّي فِيهِ وصل عَليّ واستغفر لي، فَفعل ذَلِك بِهِ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم. وَقَالَ الْحَاكِم: كَانَ على النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَمِيصَانِ، فَقَالَ عبد الله: وَأَعْطِنِي قَمِيصك الَّذِي يَلِي جسدك فَأعْطَاهُ إِيَّاه. وَفِي حَدِيث الْبَاب أَن ابْنه هُوَ الَّذِي أعطَاهُ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَمِيصه على مَا يَجِيء الْآن. قَوْله: (جَاءَ ابْنه) أَي: ابْن عبد الله بن أبي، وَكَانَ اسْمه: الْحباب، بِضَم الْحَاء الْمُهْملَة وَتَخْفِيف الْبَاء الْمُوَحدَة وَفِي آخِره بَاء أَيْضا، فَسَماهُ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِعَبْد الله كاسم أَبِيه، وَهُوَ من فضلاء الصَّحَابَة وخيارهم، شهد الْمشَاهد وَاسْتشْهدَ يَوْم الْيَمَامَة فِي خلَافَة أبي بكر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، وَكَانَ أَشد النَّاس على أَبِيه، وَلَو أذن لَهُ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِيهِ لضرب عُنُقه. قَوْله: (فَقَالَ: أَعْطِنِي قَمِيصك) ، الْقَائِل هُوَ عبد الله بن عبد الله بن أبي. قَوْله: (أكَفنهُ فِيهِ) أَي: أكفن عبد الله بن أبي فِيهِ. قَوْله: (فَأعْطَاهُ قَمِيصه) أَي: أعطي النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عبد الله بن عبد الله قَمِيصه، وَهَذَا صَرِيح فِي أَن ابْنه هُوَ الَّذِي أعْطى لَهُ رَسُول الله قَمِيصه، وَفِي رِوَايَة للْبُخَارِيّ: عَن جَابر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، على مَا سَيَأْتِي، إِن شَاءَ الله تَعَالَى، أَنه أخرج بَعْدَمَا أَدخل حفرته فَوَضعه على ركبته وَنَفث فِيهِ من رِيقه وَألبسهُ قَمِيصه، وَكَانَ أهل عبد الله بن أبي خَشوا على النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الْمَشَقَّة فِي حُضُوره، فبادروا إِلَى تَجْهِيزه قبل وُصُول النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فَلَمَّا وصل وجدهم قد دلوه فِي حفرته، فَأَمرهمْ بِإِخْرَاجِهِ إنجازا لوعده فِي تكفينه فِي الْقَمِيص وَالصَّلَاة عَلَيْهِ. فَإِن قلت: فِي رِوَايَة الْوَاقِدِيّ: إِن عبد الله بن أبي هُوَ الَّذِي أعطَاهُ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الْقَمِيص، وَفِي رِوَايَة البُخَارِيّ أَن ابْنه هُوَ الَّذِي أعطَاهُ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَفِي رِوَايَة جَابر أَنه ألبسهُ قَمِيصه بَعْدَمَا أخرجه من حفرته؟ قلت: رِوَايَة الْوَاقِدِيّ وَغَيره لَا تقاوم رِوَايَة البُخَارِيّ، وَأما التَّوْفِيق بَين رواتي ابْن عمر وَجَابِر رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُم، فَقيل: إِن معنى قَوْله فِي حَدِيث ابْن عمر: فَأعْطَاهُ، أَي: أنعم لَهُ بذلك، فَأطلق على الْوَعْد اسْم الْعَطِيَّة مجَازًا لتحَقّق وُقُوعهَا. وَقَالَ ابْن الْجَوْزِيّ، يجوز أَن يكون أعطَاهُ قميصين قَمِيصًا للكفن ثمَّ أخرجه فألبسه غَيره، وَالله أعلم. فَإِن قلت: مَا الْحِكْمَة فِي دفع قَمِيصه لَهُ وَهُوَ كَانَ رَأس الْمُنَافِقين؟ قلت: أُجِيب عَن هَذَا بأجوبة. فَقيل: كَانَ ذَلِك إِكْرَاما لوَلَده. وَقيل: لِأَنَّهُ مَا سُئِلَ شَيْئا فَقَالَ: لَا. وَقيل: إِنَّه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: إِن قَمِيصِي لن يُغني عَنهُ شَيْئا من الله، إِنِّي أُؤَمِّل من أَبِيه أَن يدْخل فِي الأسلام بِهَذَا السَّبَب، فروى أَنه أسلم من الْخَزْرَج ألف مَا رَأَوْهُ يطْلب الِاسْتِشْفَاء بِثَوْب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَالصَّلَاة عَلَيْهِ، وَقَالَ أَكْثَرهم: إِنَّمَا ألبسهُ قَمِيصه مُكَافَأَة لما صنع فِي إلباس الْعَبَّاس عَم النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَمِيصه يَوْم بدر، وَكَانَ الْعَبَّاس طَويلا فَلم يَأْتِ عَلَيْهِ إلاَّ قَمِيص ابْن أبي، وروى عبد بن حميد عَن ابْن عَبَّاس أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: لم يخدع إنْسَانا قطّ، غير أَن ابْن أبي قَالَ يَوْم الْحُدَيْبِيَة كلمة حَسَنَة، وَهِي: أَن الْكفَّار قَالُوا: لَو طفت أَنْت بِالْبَيْتِ؟ فَقَالَ: لَا، لي فِي رَسُول الله إسوة حَسَنَة، فَلم يطف. قَوْله: (فَقَالَ: آذني) أَي: أعلمني، وَهُوَ أَمر من: آذن وَيُؤذن إِيذَانًا. قَوْله: (أصلِّ عَلَيْهِ) يجوز فِيهِ الْوَجْهَانِ: الْجَزْم جَوَابا لِلْأَمْرِ، وَعدم الْجَزْم استئنافا.

(8/54)


قَوْله: (فَقَالَ: أَلَيْسَ الله نهاك؟) أَي: فَقَالَ عمر للنَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: أَلَيْسَ الله نهاك أَن تصلي على الْمُنَافِقين؟ وَكلمَة: أَن، مَصْدَرِيَّة تَقْدِيره نهاك من الصَّلَاة عَلَيْهِم، أَخذ ذَلِك عمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، من قَوْله تَعَالَى: {اسْتغْفر لَهُم أَو لَا تستغفر لَهُم} (التَّوْبَة: 08) . وَبِهَذَا يدْفع من يسْتَشْكل فِي قَول عمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، هَذَا فَإِن قَوْله تَعَالَى: {وَلَا تصل على أحد مِنْهُم مَاتَ أبدا} (التَّوْبَة: 48) . نزل بعد ذَلِك كَمَا يَقْتَضِيهِ سِيَاق حَدِيث الْبَاب. فَإِن قلت: لَيْسَ فِيهِ الصَّلَاة؟ قلت: لما كَانَت الصَّلَاة تَتَضَمَّن الاسْتِغْفَار وَغَيره أَولهَا على ذَلِك، وَقَالَ الْإِسْمَاعِيلِيّ: الإستغفار وَالدُّعَاء يُسمى صَلَاة. قَوْله: (أَنا بَين خيرتين) ، تَثْنِيَة خيرة على وزن: عنبة إسم من قَوْلك: إختاره الله، أَي: أَنا مُخَيّر بَين أَمريْن وهما الاسْتِغْفَار وَعَدَمه، فإيهما أردْت إختاره. وَقَالَ الدَّاودِيّ: هَذَا اللَّفْظ أَعنِي قَوْله: (أَنا بَين خيرتين) ، غير مَحْفُوظ لِأَنَّهُ خلاف مَا رَوَاهُ أنس، وَأرى رِوَايَة أنس هِيَ المحفوظة، لِأَنَّهُ قَالَ هُنَاكَ: (أَلَيْسَ قد نهاك الله تَعَالَى أَن تصلي على الْمُنَافِقين) ؟ ثمَّ قَالَ: فَنزلت: {وَلَا تصل على أحد مِنْهُم مَاتَ أبدا} (التَّوْبَة: 48) . جعل النَّهْي بعد قَوْله: (أَلَيْسَ قد نهاك) ، وَقَالَ صَاحب (التَّوْضِيح) بل هُوَ أَي: قَوْله: (أَنا بَين خيرتين) مَحْفُوظ، وَكَانَ عمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، فهم النَّهْي من الاسْتِغْفَار لاشتمالها عَلَيْهِ. وَقَالَ صَاحب (التَّلْوِيح) : الصَّحِيح مَا رَوَاهُ أنس، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، وَإِنَّمَا فعل ذَلِك رَجَاء التَّخْفِيف. قَوْله: {قَالَ اسْتغْفر لَهُم أَو لَا تستغفر لَهُم إِن تستغفر لَهُم سبعين مرّة} (التَّوْبَة: 48) . ذكر السّبْعين على التكثير. وَرُوِيَ أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: لأَسْتَغْفِرَن لَهُم أَكثر من سبعين فَنزلت: {سَوَاء عَلَيْهِم استغفرت لَهُم} (المُنَافِقُونَ: 6) . الْآيَة، فَتَركه. واستغفار الشَّارِع لسعة حمله عَمَّن يُؤْذِيه أَو لِرَحْمَتِهِ عِنْد جَرَيَان الْقَضَاء عَلَيْهِم، أَو إِكْرَاما لوَلَده. وَقيل: معنى الْآيَة الشَّرْط، أَي: إِن شِئْت فَاسْتَغْفر وَإِن شِئْت فَلَا، نَحْو قَوْله تَعَالَى: {قل انفقوا طَوْعًا أَو كرها لن يتَقَبَّل مِنْكُم} (التَّوْبَة: 35) . وَقيل: مَعْنَاهُ هما سَوَاء، وَقيل: مَعْنَاهُ الْمُبَالغَة فِي الْيَأْس. وَقَالَ الْفراء: لَيْسَ بِأَمْر، إِنَّمَا هُوَ على تَأْوِيل الْجَزَاء. وَقَالَ ابْن النّحاس: مِنْهُم من قَالَ: {اسْتغْفر لَهُم} (التَّوْبَة: 08) . مَنْسُوخ بقوله: {وَلَا تصل} (التَّوْبَة: 48) . وَمِنْهُم من قَالَ: لَا، بل هِيَ على التهديد، وتوهم بَعضهم أَن قَوْله: {لَا تصل} (التَّوْبَة: 48) . نَاسخ لَهُ لقَوْله: {وصل عَلَيْهِم} (التَّوْبَة: 301) . وَهُوَ غلط، فَإِن تِلْكَ نزلت فِي أبي لبَابَة وَجَمَاعَة مَعَه لما ربطوا أنفسهم لتخلفهم عَن تَبُوك.
ذكر مَا يُسْتَفَاد مِنْهُ: فِيهِ: دلَالَة على الْكَفَن فِي الْقَمِيص، وَسَوَاء كَانَ الْقَمِيص مكفوف الْأَطْرَاف أَو غير مكفوف. وَمِنْهُم من قَالَ: إِن الْقَمِيص لَا يسوغ إلاَّ إِذا كَانَت أَطْرَافه غير مَكْفُوفَة. أَو كَانَ غير مزرر ليشبه الرِّدَاء، ورد البُخَارِيّ ذَلِك بالترجمة الْمَذْكُورَة وَفِي (الخلافيات) للبيهقي، من طَرِيق ابْن عون، قَالَ: كَانَ مُحَمَّد بن سِيرِين يسْتَحبّ أَن يكون قَمِيص الْمَيِّت كقميص الْحَيّ مكففا مزررا. وَفِيه: النَّهْي عَن الصَّلَاة على الْكَافِر الْمَيِّت، وَهل يجوز غسله وتكفينه وَدَفنه أم لَا؟ فَقَالَ ابْن التِّين: من مَاتَ لَهُ وَالِد كَافِر لَا يغسلهُ وَلَده الْمُسلم وَلَا يدْخلهُ قَبره إلاَّ أَن يخَاف أَن يضيع فيواريه، نَص عَلَيْهِ مَالك فِي (الْمُدَوَّنَة) وروى أَن عليا، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، جَاءَ إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَأخْبرهُ أَن أَبَاهُ مَاتَ، فَقَالَ: إذهب فواره، وَلم يَأْمُرهُ بِغسْلِهِ، وروى أَنه أمره بِغسْلِهِ، وَلَا أصل لَهُ، كَمَا قَالَ القَاضِي عبد الْوَهَّاب. وَقَالَ الطَّبَرِيّ: يجوز أَن يقوم على قبر وَالِده الْكَافِر لإصلاحه وَدَفنه، قَالَ: وَبِذَلِك صَحَّ الْخَبَر، وَعمل بِهِ أهل الْعلم. وَقَالَ ابْن حبيب: لَا بَأْس أَن يحضرهُ ويلي أَمر تكفينه، فَإِذا كفن دَفنه. وَقَالَ صَاحب (الْهِدَايَة) : وَإِن مَاتَ الْكَافِر وَله ابْن مُسلم يغسلهُ ويكفنه ويدفنه، بذلك أُمر عَليّ، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، فِي حق أَبِيه أبي طَالب، وَهَذَا أخرجه ابْن سعد فِي (الطَّبَقَات) فَقَالَ: أخبرنَا مُحَمَّد بن عمر الْوَاقِدِيّ، حَدثنِي مُعَاوِيَة بن عبد الله بن عبيد الله بن أبي رَافع عَن أَبِيه عَن جده عَن عَليّ، قَالَ: لما أخْبرت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِمَوْت أبي طَالب، بَكَى ثمَّ قَالَ لي: إذهب فاغسله وكفنه، وواره. قَالَ: فَفعلت ثمَّ أَتَيْته، فَقَالَ لي: إذهب فاغتسل. قَالَ: وَجعل رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يسْتَغْفر لَهُ أَيَّامًا، وَلَا يخرج من بَيته حَتَّى نزل جِبْرَائِيل عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام بِهَذِهِ الْآيَة: {مَا كَانَ للنَّبِي وَالَّذين آمنُوا أَن يَسْتَغْفِرُوا للْمُشْرِكين} (التَّوْبَة: 311) . الْآيَة. وَقَالَ صَاحب (الْهِدَايَة) : لَكِن يغسل غسل الثَّوْب النَّجس ويلف فِي خرقَة من غير مُرَاعَاة سنة التَّكْفِين من اعْتِبَار عدد وَغير حنوط، وَبِه قَالَ الشَّافِعِي. وَقَالَ مَالك وَأحمد: لَيْسَ لوَلِيّ الْكَافِر غسله وَلَا دَفنه، وَلَكِن قَالَ مَالك: لَهُ مواراته. وَفِيه: فَضِيلَة عمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ. وَفِيه: فِي قَول عمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، أَلَيْسَ الله نهاك أَن تصلي على الْمُنَافِقين؟ جَوَاز الشَّهَادَة على الأنسان بِمَا فِيهِ فِي الْحَيَاة وَالْمَوْت عِنْد الْحَاجة، وَإِن كَانَت مَكْرُوهَة. وَفِيه: جَوَاز الْمَسْأَلَة لمن عِنْده جدة تبركا.

(8/55)


0721 - حدَّثنا مالِكُ بنُ إسْمَاعِيلَ قَالَ حدَّثنا ابنُ عُيَيْنَةَ عنْ عَمْرٍ وسَمِعَ جابِرا رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ قالَ أتَى النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَبْدَ الله بنَ أُبَيٍّ بَعْدَمَا دُفِنَ فأخْرَجَهُ فَنَفَثَ فِيهِ مِنْ رِيقِهِ وَألْبَسَهُ قَمِيصَهُ..
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة فِي قَوْله: (وَألبسهُ قَمِيصه) وَعَن مَالك بن إِسْمَاعِيل بن زِيَاد النَّهْرِي الْكُوفِي، وَابْن عُيَيْنَة هُوَ سُفْيَان ابْن عُيَيْنَة، وَعَمْرو هُوَ ابْن دِينَار.
وَأخرجه البُخَارِيّ أَيْضا فِي الْجَنَائِز: عَن عَليّ بن عبد الله، وَفِي اللبَاس: عَن عبد الله بن عُثْمَان، وَفِي الْجِهَاد: عَن عبد الله بن مُحَمَّد الْجعْفِيّ. وَأخرجه مُسلم فِي التَّوْبَة عَن زُهَيْر بن حَرْب وَأبي بكر بن أبي شيبَة وَأحمد بن عَبدة. وَأخرجه النَّسَائِيّ فِي الْجَنَائِز عَن الْحَارِث بن مِسْكين وَعبد الْجَبَّار بن عَلَاء وَعبد الله بن مُحَمَّد الزُّهْرِيّ فرقهم.
ذكر مَعْنَاهُ: قَوْله: (أَتَى النَّبِي، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم) ، جملَة من الْفِعْل وَالْفَاعِل و (عبد الله) بِالنّصب مَفْعُوله. قَوْله: (بَعْدَمَا دفن) ، وَهَذَا يدل على أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَا جَاءَهُ إلاَّ بعد أَن دفنوه، فَلذَلِك قَالَ: فَأخْرجهُ، أَي: من قَبره، وَقد ذكرنَا فِيمَا مضى أَن أهل عبد الله بن أبي خَشوا على النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الْمَشَقَّة فِي حُضُوره فبادروا إِلَى تَجْهِيزه قبل وُصُول النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَى آخر مَا ذَكرْنَاهُ. قَوْله: (فنفث فِيهِ من رِيقه) . وَفِي (تَفْسِير الثَّعْلَبِيّ) : لما مَاتَ عبد الله بن أبي انْطلق ابْنه ليؤذن بِهِ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فَقَالَ لَهُ: مَا اسْمك؟ قَالَ: الْحباب. قَالَ: أَنْت عبد الله، والحباب شَيْطَان، ثمَّ شهده النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَنَفث فِي جلده وَدَلاهُ فِي قَبره، فَمَا لبث النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إلاَّ يَسِيرا حَتَّى نزلت عَلَيْهِ: {وَلَا تصلِّ على أحد مِنْهُم} (التَّوْبَة: 48) . الْآيَة، وَفِي (تَفْسِير أبي بكر بن مرْدَوَيْه) من حَدِيث ابْن إِسْحَاق عَن الزُّهْرِيّ عَن عبيد الله عَن ابْن عَبَّاس عَن عمر: جَاءَ عبد الله بن عبد الله فَقَالَ: يَا رَسُول الله إِن عبد الله قد وضع مَوضِع الْجَنَائِز، فَانْطَلق فصلى عَلَيْهِ. قَوْله: (وَألبسهُ قَمِيصه) ، قد مر فِي حَدِيث ابْن عمر أَن ابْن عبد الله بن أبي جَاءَ إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَسَأَلَهُ قَمِيصه فَأعْطَاهُ، وَقد ذكرنَا هُنَاكَ وَجه التَّوْفِيق بَين الرِّوَايَتَيْنِ. وَقَالَ ابْن الْجَوْزِيّ: يجوز أَن يكون جَابر شَاهد من ذَلِك مَا لم يُشَاهِدهُ ابْن عمر، وَفِي (التَّلْوِيح) : كَانَ البُخَارِيّ فهم من قَول جَابر: أخرج بعد دَفنه فِيهِ وَألبسهُ قَمِيصه أَنه كَانَ دفن بِغَيْر قَمِيص، فَلهَذَا بوب: وَمن دفن بِغَيْر قَمِيص قلت: هَذَا الَّذِي قَالَه إِنَّمَا يتمشى على التَّرْجَمَة الَّتِي فِي نسخته الَّتِي ادّعى أَنَّهَا كَذَلِك فِي نُسْخَة سَمَاعه، وَقد ذَكرْنَاهُ، وَذكرنَا أَيْضا أَنه يجوز أَن يكون أعطَاهُ قميصين، وَيجوز أَن يكون خلع عَنهُ الْقَمِيص الَّذِي كفن فِيهِ وَألبسهُ قَمِيصه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم.
ذكر مَا يُسْتَفَاد مِنْهُ: فِيهِ: جَوَاز إِخْرَاج الْمَيِّت من قَبره لحَاجَة أَو لمصْلحَة وَنَفث الرِّيق فِيهِ، قَالَه الْكرْمَانِي. وَفِي (التَّوْضِيح) : وَهُوَ دَلِيل لِابْنِ الْقَاسِم الَّذِي يَقُول بِإِخْرَاجِهِ إِذا لم يصل عَلَيْهِ للصَّلَاة مَا لم يخْش التَّغَيُّر. وَقَالَ ابْن وهب: إِذا سوى عَلَيْهِ التُّرَاب فَاتَ إِخْرَاجه. وَقَالَهُ يحيى بن يحيى: وَقَالَ أَشهب: إِذا أهيل عَلَيْهِ التُّرَاب فَاتَ إِخْرَاجه وَيصلى عَلَيْهِ فِي قَبره. وَفِي (الْمَبْسُوط) و (الْبَدَائِع) : لَو وضع الْمَيِّت فِي قَبره لغير الْقبْلَة أَو على شقَّه الْأَيْسَر أَو جعل رَأسه فِي مَوضِع رجلَيْهِ وأهيل عَلَيْهِ التُّرَاب لَا ينبش قَبره لِخُرُوجِهِ من أَيْديهم، فَإِن وضع اللَّبن وَلم يهل التُّرَاب عَلَيْهِ ينْزع اللَّبن وتراعى السّنة فِي وَضعه، وَيغسل إِن لم يكن غسل. وَهُوَ قَول أَشهب، وَرِوَايَة ابْن نَافِع عَن مَالك، وَقَالَ الشَّافِعِي: يجوز نبشه إِذا وضع لغير الْقبْلَة.
وَأما نقل الْمَيِّت من مَوضِع إِلَى مَوضِع فكرهه جمَاعَة وَجوزهُ آخَرُونَ، فَقيل: إِن نقل ميلًا أَو ميلين فَلَا بَأْس بِهِ. وَقيل: مَا دون السّفر. وَقيل: لَا يكره السّفر أَيْضا. وَعَن عُثْمَان، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، أَنه أَمر بقبور كَانَت عِنْد الْمَسْجِد أَن تحول إِلَى البقيع، وَقَالَ: توسعوا فِي مَسْجِدكُمْ. وَعَن مُحَمَّد أَنه إِثْم ومعصية. وَقَالَ الْمَازرِيّ: ظَاهر مَذْهَبنَا جَوَاز نقل الْمَيِّت من بلد إِلَى بلد. وَقد مَاتَ سعد بن أبي وَقاص وَسَعِيد بن زيد بالعقيق ودفنا بِالْمَدِينَةِ. وَفِي (الْحَاوِي) قَالَ الشَّافِعِي: لَا أحب نَقله إلاَّ أَن يكون بِقرب مَكَّة أَو الْمَدِينَة أَو بَيت الْمُقَدّس، فَاخْتَارَ إِن ينْقل إِلَيْهَا لفضل الدّفن فِيهَا. وَقَالَ الْبَغَوِيّ والبندنيجي: يكره نَقله. وَقَالَ القَاضِي حُسَيْن والدارمي وَالْبَغوِيّ: يحرم نَقله. قَالَ النَّوَوِيّ: هَذَا هُوَ الْأَصَح، وَلم ير أَحْمد بَأْسا أَن يحول الْمَيِّت من قَبره إِلَى غَيره، وَقَالَ: قد نبش معَاذ امْرَأَته، وحول طَلْحَة وَخَالف الْجَمَاعَة فِي ذَلِك.

32 - (بَاب الكَفَنِ بِغَيْرِ قَمِيصٍ)

أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان الْكَفَن بِغَيْر قَمِيص، وَهَذِه التَّرْجَمَة مَوْجُودَة عِنْد الْأَكْثَرين، وَعند الْمُسْتَمْلِي سَاقِطَة.

(8/56)


1721 - حدَّثنا أبُو نُعَيْمٍ قَالَ حَدثنَا سُفْيَانُ عنْ هِشَامٍ عنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا قالَتْ كُفِّنَ النبيّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي ثَلاثَةِ أثْوَابٍ سَحُولٍ كُرْسُفٍ لَيْسَ فِيهَا قَميصٌ وَلاَ عَمَامةٌ..
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (لَيْسَ فِيهَا قَمِيص وَلَا عِمَامَة) ، هَذِه التَّرْجَمَة تَتَضَمَّن التَّرْجَمَة الَّتِي قبلهَا الَّتِي صورتهَا: وَمن كفن بِغَيْر قَمِيص، كَمَا هِيَ فِي بعض النّسخ. وَقد ذَكرْنَاهُ.
وَأَبُو نعيم، بِضَم النُّون: الْفضل بن دُكَيْن، وسُفْيَان هُوَ الثَّوْريّ، وَهِشَام هُوَ ابْن عُرْوَة بن الزبير بن الْعَوام.
قَوْله: (سحول) ، بِضَم السِّين والحاء الْمُهْمَلَتَيْنِ، وَفِي آخِره لَام: جمع سحل، وَهُوَ الثَّوْب الْأَبْيَض النقي وَهِي صفة لأثواب. قَوْله: (كُرْسُف) ، بِضَم الْكَاف: هُوَ الْقطن، وَهُوَ بَيَان لسحول، وَالْمعْنَى: ثَلَاثَة أَثوَاب بيض نقية من قطن، وَقَالَ الْكرْمَانِي. فَإِن قلت: لِمَ لَا تَجْعَلهُ اسْم الْقرْيَة؟ قلت: لِأَن تَقْدِيره حِينَئِذٍ من سحول وَحذف حرف الْجَرّ من الِاسْم الصَّرِيح غير فصيح، وَلَو صحت الرِّوَايَة بِالْإِضَافَة فَهُوَ ظَاهر. انْتهى. قلت: هَذَا السُّؤَال مَعَ جَوَابه غير موجهين، لِأَن المُرَاد من السحول الثِّيَاب الْبيض كَمَا قُلْنَا، وَقد تقدم فِي: بَاب الثِّيَاب الْبيض للكفن، بِلَفْظ: كفن فِي ثَلَاثَة أَثوَاب يَمَانِية بيض سحُولِيَّة من كُرْسُف، فالسحولية هَهُنَا، بِفَتْح السِّين نِسْبَة إِلَى سحول قَرْيَة بِالْيمن، والسحول هَهُنَا، بِضَم السِّين، وَقَالَ الْأَزْهَرِي، بِفَتْح السِّين: الْمَدِينَة، وبالضم: الثِّيَاب الْبيض، وَقد تعسف الْكرْمَانِي فِيهِ لعدم إمعانه فِي الِاطِّلَاع عَلَيْهِ.

42 - (بابُ الكَفَنِ بِلاَ عِمَامَةٌ)

أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان الْكَفَن بِلَا عِمَامَة، هَذِه التَّرْجَمَة هَكَذَا فِي رِوَايَة الْأَكْثَرين، وَعند الْمُسْتَمْلِي: بَاب الْكَفَن فِي الثِّيَاب الْبيض، فَالْأول أولى وأرجح لِئَلَّا تَتَكَرَّر التَّرْجَمَة بِلَا فَائِدَة، وَفِي بعض النّسخ لَا تُوجد هَذِه التَّرْجَمَة أصلا.

3721 - حدَّثنا أسْمَاعِيلُ قَالَ حدَّثني مالِكٌ عنْ هِشَامِ بنِ عُرْوَةَ عنْ أبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا أنَّ رسولَ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كُفِّنَ فِي ثَلاثَةِ أثْوَابٍ بِيضٍ سَحُولِيَّةٍ لَيْسَ فِيهَا قَمِيصٌ وَلاَ عِمَامَةٌ..
قد مر هَذَا الحَدِيث فِي: بَاب الثِّيَاب الْبيض للكفن، أخرجه عَن مُحَمَّد بن مقَاتل عَن عبد الله عَن هِشَام. . إِلَى آخِره. وَفِيه زِيَادَة وَهِي: يَمَانِية، بعد قَوْله: (أَثوَاب) ، وَلَفظ: (كُرْسُف) بعد قَوْله: (سحُولِيَّة) . وَهَذَا أخرجه النَّسَائِيّ أَيْضا عَن قُتَيْبَة عَن مَالك.

52 - (بابُ الكَفَنِ مِنْ جَمِيعِ المَالِ)

أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان أَن كفن الْمَيِّت من جَمِيع المَال، يَعْنِي لَا من الثُّلُث كَمَا ذهب إِلَيْهِ خلاس بن عمر، وَذكر الطَّحَاوِيّ، رَحمَه الله، أَنه أحد قولي سعيد بن الْمسيب، وَقَول طَاوُوس فَإِنَّهُمَا قَالَا: الْكَفَن من الثُّلُث، وَعَن طَاوُوس: من الثُّلُث إِن كَانَ قَلِيلا.
وَبِهِ قالَ عَطَاءٌ وَالزُّهْرِيُّ وَعَمْرُو بنُ دِينَارٍ وقَتَادَةُ

أَي: يكون الْكَفَن من جَمِيع المَال. قَالَ عَطاء بن أبي رَبَاح، وَوَصله الدَّارمِيّ من طَرِيق ابْن الْمُبَارك عَن ابْن جريج عَنهُ،

(8/57)


قَالَ: الحنوط والكفن من رَأس المَال. قَوْله: (وَالزهْرِيّ) ، هُوَ مُحَمَّد بن مُسلم بن شهَاب، وَوصل قَوْله عبد الرَّزَّاق: أخبرنَا معمر عَن الزُّهْرِيّ وَقَتَادَة قَالَا: الْكَفَن من جَمِيع المَال. قَوْله: (وَعَمْرو بن دِينَار) ، عطف على قَوْله: (وَالزهْرِيّ) وَقَالَ عبد الرَّزَّاق: عَن ابْن جريج عَن عَطاء: الْكَفَن والحنوط من رَأس المَال. قَالَ: وَقَالَهُ عمر بن دِينَار. قَوْله: (وَقَتَادَة) هُوَ ابْن دعامة السدُوسِي، وَهُوَ أَيْضا قَالَ مثل مَا قَالَ عَطاء وَالزهْرِيّ، وَقد مر الْآن.
وَقَالَ عَمْرُو بنُ دِينَارٍ الحَنُوطُ مِنْ جَمِيعِ المَالِ

ذكر عبد الرَّزَّاق عَنهُ هَكَذَا، وَقد ذَكرْنَاهُ.
وَقَالَ إبْرَاهِيمُ يُبْدَأُ بِالكَفَنِ ثُمَّ بِالدَّيْنِ ثُمَّ بِالوَصِيَّةِ

أَي: قَالَ إِبْرَاهِيم النَّخعِيّ، وَوصل قَوْله الدَّارمِيّ، وَإِنَّمَا يبْدَأ بالكفن أَولا لِأَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لم يستفسر فِي حَدِيث حَمْزَة وَمصْعَب بن عمر بِأَنَّهُ عَلَيْهِمَا دين، وَلَو لم يكن مقدما على الدّين لاستفسر لِأَنَّهُ مَوضِع الْحَاجة إِلَى الْبَيَان، وسكوت الشَّارِع فِي مَوضِع الْحَاجة إِلَى الْبَيَان بَيَان. فَإِن قلت: يرد عَلَيْهِ العَبْد الْجَانِي والمرهون وَالْمُسْتَأْجر فِي بعض الرِّوَايَات، وَالْمُشْتَرِي قبل الْقَبْض إِذا مَاتَ المُشْتَرِي قبل أَدَاء الثّمن، فَإِن ولي الْجِنَايَة وَالْمُرْتَهن وَالْمُسْتَأْجر وَالْبَائِع أَحَق بِالْعينِ من تجهيز الْمَيِّت وتكفينه، فَإِن فضل شَيْء من ذَلِك يصرف إِلَى التَّجْهِيز والتكفين. قلت: هَذَا كُله لَيْسَ بتركة لِأَن التَّرِكَة مَا يتْركهُ الْمَيِّت من الْأَمْوَال صافيا عَن تعلق حق الْغَيْر بِعَيْنِه، وَهَهُنَا تعلق بِعَيْنِه حق الْغَيْر قبل أَن يكون تَرِكَة.
وَقَالَ سُفْيَانُ أجْرُ القَبْرِ والغَسْلِ هُوَ مِنَ الكَفَنِ

سُفْيَان هُوَ الثَّوْريّ قَوْله: (أجر الْقَبْر) أَي: أجر حفر الْقَبْر، وَأجر الْغسْل من جنس الْكَفَن، أَو: من بعض الْكَفَن، وَالْغَرَض: أَن حكمه حكم الْكَفَن فِي أَنه من رَأس المَال لَا من الثُّلُث.

4721 - حدَّثنا حْمَدُ بنُ مُحَمَّدٍ المَكِّيُّ قَالَ حدَّثنا إبْرَاهِيمُ بنُ سَعْدٍ عنْ سَعْدٍ عنْ أبِيهِ. قَالَ أُتِيَ عَبْدُ الرَّحمانِ بنُ عَوْفٍ رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ يَوْما بِطَعَامِهِ فَقَالَ قُتِلَ مُصْعَبُ بنُ عُمَيْرٍ وكانَ خَيْرا مِنِّي فَلَمْ يُوجَدْ لَهُ مَا يُكَفَّنُ فِيهِ إلاَّ بُرْدَةٌ وَقُتِلَ حَمْزَةُ أوْ رَجلٌ آخَرُ خَيْرٌ مِنِّي فَلَمْ يُوجَدْ لَهُ مَا يُكَفَّنُ فِيهِ إلاَّ بُرْدَةٌ لَقَدْ خَشِيتُ أنْ تَكُونَ قَدْ عُجِّلَتْ لَنَا طَيِّبَاتُنَا فِي حَيَاتِنَا الدُّنْيَا ثُمَّ جَعَلَ يَبْكِي.
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (فَلم يُوجد لَهُ مَا يُكفن فِيهِ إلاَّ بردة) وكفن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مُصعب بن عُمَيْر فِي بردته، وَحَمْزَة ابْن عبد الْمطلب، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، فِي بردته، وَلم يلْتَفت إِلَى غَرِيم وَلَا إِلَى وَصِيَّة وَلَا إِلَى وَارِث، وَبَدَأَ بالتكفين على ذَلِك كُله، فَعلم أَن التَّكْفِين مقدم وَأَنه من جَمِيع المَال لِأَن جَمِيع مَا لَهما كَانَ لكل مِنْهُمَا بردة.
ذكر رِجَاله: وهم خَمْسَة: الأول: أَحْمد بن مُحَمَّد الْمَكِّيّ الْأَزْرَقِيّ أَبُو مُحَمَّد، وَيُقَال الزرقي. الثَّانِي: إِبْرَاهِيم بن سعد بن إِبْرَاهِيم بن عبد الرَّحْمَن بن عَوْف، مر فِي: بَاب تفاضل أهل الْإِيمَان. الثَّالِث: أَبوهُ سعد بن إِبْرَاهِيم، كَانَ قَاضِي الْمَدِينَة، مَاتَ سنة خمس وَعشْرين وَمِائَة،. الرَّابِع: أَبُو سعد إِبْرَاهِيم ابْن عبد الرَّحْمَن. الْخَامِس: عبد الرَّحْمَن بن عَوْف، أحد الْعشْرَة المبشرة، أسلم قَدِيما على يَد الصّديق وَهَاجَر الهجرتين وَشهد الْمشَاهد وَثَبت يَوْم أحد وجرح عشْرين جِرَاحَة وَأكْثر، وَصلى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم خَلفه يَوْم تَبُوك، مَاتَ سنة اثْنَتَيْنِ وَثَلَاثِينَ وَدفن فِي البقيع.
ذكر لطائف إِسْنَاده: فِيهِ: التحديث بِصِيغَة الْجمع فِي موضِعين. وَفِيه: العنعنة فِي مَوضِع وَاحِد. وَفِيه: القَوْل فِي موضِعين. وَفِيه: أَن شَيْخه من أَفْرَاده. وَفِيه: الثَّلَاثَة الْبَقِيَّة مدنيون. وَفِيه: إِبْرَاهِيم يروي عَن أَبِيه عَن جده عَن جد أَبِيه، تَوْضِيحه إِبْرَاهِيم يروي عَن أَبِيه سعد، وَسعد يروي عَن أَبِيه إِبْرَاهِيم، وَإِبْرَاهِيم يروي عَن أَبِيه عبد الرَّحْمَن. فإبراهيم يروي عَن أَبِيه عَن جده إِبْرَاهِيم. ويروي عَن جد أَبِيه عبد الرَّحْمَن. فَافْهَم.
وَأخرجه البُخَارِيّ فِي الْجَنَائِز عَن مُحَمَّد بن مقَاتل، وَفِي الْمَغَازِي عَن عَبْدَانِ، كِلَاهُمَا عَن عبد الله بن الْمُبَارك عَن شُعْبَة عَن سعد بن إِبْرَاهِيم بِهِ.

(8/58)


ذكر مَعْنَاهُ: قَوْله: (أُتِي) ، بِضَم الْهمزَة على صِيغَة الْمَجْهُول، وَعبد الرَّحْمَن بِالرَّفْع لِأَنَّهُ نَائِب عَن الْفَاعِل. قَوْله: (قتل) على صِيغَة الْمَجْهُول أَيْضا، وَمصْعَب بن عُمَيْر مَرْفُوع كَذَلِك، وَهُوَ بِضَم الْمِيم، وَسُكُون الصَّاد وَفتح الْعين الْمُهْمَلَتَيْنِ، وَعُمَيْر: بِضَم الْعين مصغر عَمْرو: الْقرشِي الْعَبدَرِي، كَانَ من أجلة الصَّحَابَة، بَعثه رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَى الْمَدِينَة يُقْرِئهُمْ الْقُرْآن ويفقههم فِي الدّين، وَهُوَ أول من جمع الْجُمُعَة بِالْمَدِينَةِ قبل الْهِجْرَة، وَكَانَ فِي الْجَاهِلِيَّة من أنعم النَّاس عَيْشًا وألينهم لباسا وَأَحْسَنهمْ جمالاً. فَلَمَّا أسلم زهد فِي الدُّنْيَا وتقشف وتحشف، وَفِيه نزل: {رجال صدقُوا مَا عَاهَدُوا الله عَلَيْهِ} (الْأَحْزَاب: 32) . قتل يَوْم أحد شَهِيدا رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ. قَوْله: (وَكَانَ خيرا مني) ، يَعْنِي: قَالَ عبد الرَّحْمَن: كَانَ مُصعب خيرا مني، إِنَّمَا قَالَ هَذَا القَوْل تواضعا وهضما لنَفسِهِ، كَمَا قَالَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (لَا تفضلُونِي على يُونُس ابْن مَتى) . وإلاَّ فعبد الرَّحْمَن من الْعشْرَة المبشرة. قَوْله: (إِلَّا بردة) وَاحِدَة البرود، وَهُوَ رِوَايَة الْكشميهني، وَفِي رِوَايَة غَيره: (إلاَّ بردَهُ) ، بالضمير الْعَائِد عَلَيْهِ، والبردة، بِضَم الْبَاء الْمُوَحدَة: النمرة كالمئزر، وَرُبمَا اتزر بِهِ، وَرُبمَا ارتدى، وَرُبمَا كَانَ لأَحَدهم بردتان يترز بِأَحَدِهِمَا ويرتدي بِالْأُخْرَى، وَرُبمَا كَانَت كَبِيرَة. وَقيل: النمرة: كل شملة مخططة من ميازر الْعَرَب، وَقَالَ القتبي: هِيَ بردة تلبسها الْإِمَاء. وَقَالَ ثَعْلَب: هِيَ ثوب مخططة تلبسها الْعَجُوز. وَقيل: كسَاء ملون، وَقَالَ الْفراء: هِيَ دراعة تلبس أَو تجْعَل على الرَّأْس، فِيهَا لونان سَواد وَبَيَاض. قَوْله: (وَقتل حَمْزَة) ، وَهُوَ حَمْزَة بن عبد الْمطلب عَم رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأَخُوهُ من الرضَاعَة، يُقَال لَهُ: أَسد الله، وَحين أسلم اعتز الْإِسْلَام بِإِسْلَامِهِ، اسْتشْهد يَوْم أحد، وَهُوَ سيد الشُّهَدَاء، وفضائله كَثِيرَة جدا. قَوْله: (أَو رجل آخر) ، لم يعرف هَذَا الرجل وَلم يَقع هَذَا فِي أَكثر الرِّوَايَات وَلم يذكر إلاَّ حَمْزَة وَمصْعَب، وَكَذَا أخرجه أَبُو نعيم فِي (مستخرجه) من طَرِيق مَنْصُور بن أبي مُزَاحم عَن إِبْرَاهِيم بن سعد. قَوْله: (لقد خشيت) إِلَى آخِره، من كَلَام عبد الرَّحْمَن، وَكَانَ خَوفه وبكاؤه، وَإِن كَانَ أحد الْعشْرَة الْمَشْهُود لَهُم بِالْجنَّةِ، مِمَّا كَانَ عَلَيْهِ الصَّحَابَة من الإشفاق وَالْخَوْف من التَّأَخُّر عَن اللحاق بالدرجات العلى وَطول الْحساب.
ذكر مَا يُسْتَفَاد مِنْهُ: فِيهِ: مَا ترْجم البُخَارِيّ من أَن الْكَفَن من جَمِيع المَال، وَهُوَ قَول جُمْهُور الْعلمَاء. وَفِيه: أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كفن حَمْزَة ومصعبا فِي برديهما، وَهُوَ يدل على جَوَاز التَّكْفِين فِي ثوب وَاحِد عِنْد عدم غَيره، وَالْأَصْل ستر الْعَوْرَة، وَإِنَّمَا اسْتحبَّ لَهما صلى الله عَلَيْهِ وَسلم التَّكْفِين فِي تِلْكَ الثِّيَاب الَّتِي لَيست بسابغة لِأَنَّهُمَا فِيهَا قتلا وَفِيهِمَا يبعثان إِن شَاءَ الله تَعَالَى. وَفِيه: أَن الْعَالم يذكر سيرة الصَّالِحين وتقللهم من الدُّنْيَا لتقل رغبته فِيهَا، ويبكي خوفًا من تَأَخّر لحاقه بالأخيار، ويشفق من ذَلِك. وَفِيه: أَنه يَنْبَغِي للمرء أَن يتَذَكَّر نعم الله عِنْده ويعترف بالتقصير عَن أَدَاء شكرها، ويتخوف أَن يقاص بهَا فِي الْآخِرَة وَيذْهب سَعْيه فِيهَا.