عمدة القاري شرح
صحيح البخاري 73 - (بابُ منْ بَلَغَتْ عِنْدَهُ صَدَقَةُ
بِنْتِ مَخَاضٍ ولَيْسِتْ عِنْدَهُ)
أَي: هَذَا بَاب يذكر فِيهِ من بلغت عِنْده. . إِلَى
آخِره. قَوْله: (صَدَقَة) ، مَرْفُوع لِأَنَّهُ فَاعل:
بلغت، وَهُوَ مُضَاف إِلَى: بنت مَخَاض. قَوْله:
(وَلَيْسَت عِنْده) ، جملَة حَالية، وَقَالَ ابْن بطال:
ذكر الحَدِيث وَلم يذكر مَا بوب لَهُ وَكَأَنَّهَا غَفلَة
مِنْهُ، ورد عَلَيْهِ بِأَنَّهَا غَفلَة مِمَّن ظن بِهِ
الْغَفْلَة، وَإِنَّمَا مقْصده أَن يسْتَدلّ على أَن من
بلغت صدقته بنت مَخَاض وَلَيْسَت عِنْده هِيَ وَلَا ابْن
لبون لَكِن عِنْده مثلا: حَقه، وَهِي أرفع من بنت مَخَاض،
لِأَن بَينهمَا بنت لبون، وَقد تقرر أَن بَين بنت
اللَّبُون وَبنت الْمَخَاض عشْرين درهما أَو شَاتين،
وَكَذَلِكَ سَائِر مَا وَقع ذكره فِي الحَدِيث من سنّ
يزِيد أَو ينقص، إِنَّمَا ذكر فِيهِ مَا يَليهَا لَا مَا
يَقع بَينهمَا بتفاوت دَرَجَة، فَأَشَارَ البُخَارِيّ
إِلَى أَنه يستنبط من الزَّائِد والناقص الْمُتَّصِل مَا
يكون مُنْفَصِلا بِحِسَاب ذَلِك، فعلى من بلغت صدقته بنت
مَخَاض وَلَيْسَت عِنْده إلاَّ حقة أَن يرد عَلَيْهِ
الْمُصدق أَرْبَعِينَ درهما أَو أَربع شِيَاه جبرانا، أَو
بِالْعَكْسِ، فَلَو ذكر اللَّفْظ الَّذِي ترْجم بِهِ لما
أفهم هَذَا الْغَرَض فتدبره. وَقيل: إِن من أمعن النّظر
فِي تراجم هَذَا الْكتاب وَمَا أودعهُ فِيهَا من أسرار
الْمَقَاصِد استبعد أَن يفعل أَو يضع لفظا لغير معنى أَو
يرسم فِي الْبَاب خَبرا يكون غَيره بِهِ أقعد وَأولى،
وَإِنَّمَا قصد بِذكر مَا لم يترجم بِهِ أَن يُقرر أَن
الْمَقْصُود إِذا وجد الْأَعْلَى مِنْهُ أَو الأنقص شرع
الْجبرَان كَمَا شرع ذَلِك فِيمَا يتضمنه هَذَا الْخَبَر
من ذكر الْأَسْنَان، فَإِنَّهُ لَا فرق بَين فقد بنت
مَخَاض وَوُجُود الْأَكْمَل مِنْهَا، قَالَ: وَلَو جعل
الْعُمْدَة فِي هَذَا الْبَاب الْخَبَر الْمُشْتَمل على
ذكر فقد بنت الْمَخَاض لَكَانَ نصا فِي التَّرْجَمَة
ظَاهرا، فَلَمَّا تَركه وَاسْتدلَّ بنظيره أفهم مَا
ذَكرْنَاهُ من الْإِلْحَاق بِنَفْي الْفَارِق وتسويته عين
فقد ابْنة الْمَخَاض، وَوُجُود الْأَكْمَل بَينهَا وَبَين
فقد الحقة، وَوُجُود الْأَكْمَل مِنْهَا.
(9/15)
انْتهى. قلت: هَذَا تَطْوِيل مخل،
وَالْأَوْجه أَن يُقَال: هُوَ جَار على عَادَته فِي أَنه
يذكر فِي الْبَاب حَدِيثا، وَيكون أصل ذَلِك الحَدِيث
فِيهِ مَا يحْتَاج إِلَيْهِ فِي الْبَاب، وَلم يذكرهُ ليكل
النَّاظر إِلَى الْبَحْث وَالنَّظَر.
3541 - حدَّثنا محَمَّدُ بنُ عَبْدِ الله قَالَ حدَّثني
أبي قَالَ حدَّثني ثُمامَةُ أنَّ أنسا رَضِي الله تَعَالَى
عنهُ حدَّثَهُ أنَّ أَبَا بَكْرٍ رَضِي الله تَعَالَى عنهُ
كتَبَ لَهُ فَريضَةَ الصَّدَقةِ الَّتِي أمَرَ الله
رسولَهُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَنْ بَلَغَتْ عِنْدَهُ
مِنَ الإبِلِ صَدَقَةُ الجَذَعَةِ ولَيْسَتْ عِنْدَهُ
جَذَعَةٌ وعِنْدَهُ حقَّةٌ فإنَّهَا تُقْبَلُ مِنْهُ
الحِقَّةُ ويَجْعَلُ مَعَها شَاتَيْنِ إنِ اسْتَيْسَرَتا
لَهُ أوْ عِشْرِينَ دِرْهَما ومَنْ بَلَغَتْ عِنْدَهُ
صدَقَةُ الحِقَّةِ ولَيْسَتْ عِنْدَهُ الحِقَّةُ
وَعِنْدَهُ الجَذَعَةُ فإنَّهَا تُقْبَلُ مِنْهُ
الجَذَعَةُ ويُعْطِيهِ المُصَدِّقُ عِشْرِينَ درْهَما أوْ
شَاتَيْنِ ومَنْ بَلَغَتْ عِنْدَهُ صَدَقَةُ الحِقَّةِ
وَلَيْسَتْ عِنْدَهُ إلاَّ بِنْتُ لَبُونٍ فإنَّهَا
تُقْبَلُ مِنْهُ بِنْتُ لَبُون ويُعْطى شاتَيْنِ أوْ
عِشْرِينَ دِرْهَما ومَنْ بَلَغَت صَدَقَتُهُ بِنْتَ
لَبُونٍ وعِنْدَهُ حِقَّةٌ فإنَّهَا تُقْبَلُ مِنْهُ
الحِقَّةُ ويُعْطِيهِ المُصَدِّقُ عِشْرينَ دِرْهَما أوْ
شَاتَيْنِ ومَنْ بَلَغَتْ صَدَقَتُهُ بِنْتَ لَبُونٍ
ولَيْسَتْ عِنْدَهُ وَعِنْدَهُ بِنْتُ مَخَاضٍ فإنَّهَا
تُقْبَلُ مِنْهُ بِنْتُ مَخَاضٍ ويُعْطِي مَعَهَا
عِشْرِينَ دِرْهَما أوْ شَاتَيْنِ..
هَذَا من جملَة الحَدِيث الَّذِي ذكره فِي: بَاب الْعرض
فِي الزَّكَاة، عَن أنس بِهَذَا الْإِسْنَاد بِعَيْنِه.
قَوْله: (كتب لَهُ فَرِيضَة الصَّدَقَة) وَفِي رِوَايَة
أبي دَاوُد: (هَذِه فَرِيضَة الصَّدَقَة الَّتِي فَرضهَا
رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم) ، وَقَالَ ابْن
الْعَرَبِيّ فِي كِتَابه (المسالك شرح موطأ مَالك) : ثَبت
عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي الْمَاشِيَة
ثَلَاثَة كتب: كتاب أبي بكر، وَكتاب آل عَمْرو بن حزم،
وَكتاب عمر بن الْخطاب، وَعَلِيهِ عول مَالك لطول مُدَّة
خِلَافَته وسعة بَيْضَة الْإِسْلَام فِي أَيَّامه
وَكَثْرَة مصدقيه، وَمَا من أحد اعْترض عَلَيْهِ فِيهِ،
وَلِأَنَّهُ اسْتَقر بِالْمَدِينَةِ وَجرى عَلَيْهِ
الْعَمَل مَعَ أَنه رِوَايَة سَائِر أهل الْمَدِينَة.
وَقَالَ أَبُو الْحَارِث: قَالَ أَحْمد بن حَنْبَل: كتاب
عَمْرو بن حزم فِي الصَّدقَات صَحِيح وَإِلَيْهِ أذهب.
قَوْله: (من بلغت عِنْده) كلمة: من، مُبْتَدأ فِيهَا معنى
الشَّرْط. وَقَوله: (فَإِنَّهَا) خَبره. قَوْله: (صَدَقَة
الْجَذعَة) كَلَام إضافي مَرْفُوع لِأَنَّهُ فَاعل: بلغت،
وَالْوَاو فِي: وَلَيْسَت، وَفِي: وَعِنْده، للْحَال، وَقد
مر تَفْسِير الْجَذعَة والحقة وَبنت اللَّبُون وَبنت
مَخَاض عَن قريب. قَوْله: (إِن استيسرتا) أَي: إِن وجدتا
فِي مَاشِيَته، يُقَال: تيَسّر واستيسر بِمَعْنى. قَوْله:
(أَو عشْرين) أَي: أَو يَجْعَل عشْرين درهما بَدَلا من
الشاتين. قَوْله: (وَمن بلغت عِنْده صَدَقَة الحقة)
الْكَلَام فِيهِ من حَيْثُ الْمَعْنى وَالْإِعْرَاب مثل
الْكَلَام فِي قَوْله: (وَمن بلغت عِنْده من الْإِبِل
صَدَقَة الْجَذعَة) ، وَكَذَا فِي لفظ: (وَمن بلغت) ، فِي
الْمَوَاضِع الثَّلَاثَة.
ذكر مَا يُسْتَفَاد مِنْهُ: قَالَ ابْن الْمُنْذر: اخْتلف
فِي المَال الَّذِي لَا يُوجد فِيهِ السن الَّذِي يجب
وَيُوجد دونهَا فَكَانَ النَّخعِيّ يَقُول بِظَاهِر هَذَا
الحَدِيث، وَهُوَ قَول الشَّافِعِي وَأَبُو ثَوْر،
وَرُوِيَ عَن عَليّ، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، يرد عشرَة
دَرَاهِم أَو شَاتين، وَهُوَ قَول الثَّوْريّ، وَقَالَ
ابْن حزم: وَهُوَ قَول عمر بن الْخطاب، وَقَالَ
الْقُرْطُبِيّ: وَهُوَ قَول عُبَيْدَة وَأحد قولي
إِسْحَاق، وَقَوله الثَّانِي كَقَوْل الشَّافِعِي. وَقيل:
تُؤْخَذ فِيهَا قيمَة السن الَّذِي يجب عَلَيْهِ، وَهُوَ
قَول مَكْحُول وَالْأَوْزَاعِيّ، وَقيل: تُؤْخَذ قيمَة
السن الَّذِي وَجب عَلَيْهِ، وَإِن شَاءَ أَخذ الْفضل
مِنْهَا ورد عَلَيْهِ فِيهِ دَرَاهِم، وَإِن شَاءَ أَخذ
دونهَا وَأخذ الْفضل دَرَاهِم وَلم يعين عشْرين درهما
وَلَا غَيرهَا، وَهُوَ قَول أبي حنيفَة. وَقَالَ مَالك:
على رب المَال أَن يبْتَاع للمصدق السن الَّذِي يجب
عَلَيْهِ، وَلَا خير فِي أَن يُعْطِيهِ بنت مَخَاض عَن بنت
ليون وَيزِيد ثمنا، أَو يُعْطي بنت لبون عَن بنت مَخَاض
وَيَأْخُذ ثمنا، وَقَول أبي يُوسُف وَأحمد مثل قَول
الشَّافِعِي: إِذا وَجَبت عَلَيْهِ بنت مَخَاض وَلم تُوجد
أَخذ ابْن ليون.
وَفِيه: فِي قَوْله: (أَو عشْرين) ، دَلِيل على أَن دفع
الْقيم فِي الزَّكَاة جَائِز خلافًا للشَّافِعِيّ
وَأَيْضًا، فَإِن قَوْله تَعَالَى: {خُذ من أَمْوَالهم
صَدَقَة} (التَّوْبَة: 301) . جعل فِيهِ مَحل الْأَخْذ مَا
يُسمى مَالا، ثمَّ التَّقْيِيد بِأَنَّهَا شَاة أَو
نَحْوهَا زِيَادَة
(9/16)
على كتاب الله تَعَالَى، وَأَنه يجْرِي
مجْرى النّسخ فَلَا يجوز ذَلِك بِخَبَر الْوَاحِد
وَالْقِيَاس، وَأما مَا ورد من ذكر علين الشَّاة وَذكر عين
صنف من أَصْنَاف الْإِبِل وَالْبَقر فلبيان الْوَاجِب
بِمَا سمى، وَتَخْصِيص الْمُسَمّى لبَيَان أَنه أبسر على
صَاحب الْمَاشِيَة أَلا ترى أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
لما قَالَ: فِي الْخمس من الْإِبِل شَاة، وحرف، فِي،
حَقِيقَة للظرف، وَعين الشَّاة لَا تُوجد فِي الْإِبِل،
عرفنَا أَن المُرَاد قدرهَا من المَال. قَالَ الْخطابِيّ:
وَفِيه: دَلِيل على أَن كل وَاحِدَة من الشَّاة
وَالْعِشْرين درهما أصل فِي نَفسه لَيست بِبَدَل، وَذَلِكَ
أَنه خَيره بِحرف: أَو. قُلْنَا: لَا دَلِيل لَهُ على
هَذَا الْكَلَام، بل التَّخْيِير يدل على أَن الأَصْل
قدرهَا من المَال، كَمَا قَرَّرْنَاهُ.
83 - (بابُ زَكَاةِ الغَنَمِ)
أَي: هَذَا بَيَان زَكَاة الْغنم. الْغنم، جمع لَا وَاحِد
لَهُ من لَفظه، وَعَن أبي حَاتِم: هِيَ أُنْثَى، وَعَن
صَاحب (الْعين) : الْجمع أَغْنَام وأغانم وغنوم، وَوَاحِد
الْغنم من غير لَفظهَا: شَاة، وَهُوَ يَقع على الذّكر
وَالْأُنْثَى، وَالْأَصْل: شاهة، حذفت الْهَاء لِاجْتِمَاع
الهاءين، وَالْجمع: شَاءَ وشياه وشيه وشوي وشواه وأشاوه.
وَعَن سيبوه: شِيَاه، بِالْألف وَالتَّاء، وَأَرْض مشاهة
من الشَّاء، وَرجل شاوي ذُو شَاءَ، والضائنة مِنْهَا
ذَوَات الصُّوف، والضأن والضان والضئن والضين: اسْم
للْجمع، وَعَن صَاحب (الْعين) : أضؤن، جمع ضَأْن. وَعَن
أبي حَاتِم: الضَّأْن مُؤَنّثَة، الْوَاحِد ضائن وضائنة.
وَقَالَ ابْن سَيّده: الضَّأْن، اسْم للْجمع وَلَيْسَ
بِجمع، والماعز والمعز والمعيز اسْم للْجمع، والمعزاة
لُغَة فِي المعزى. وَعَن أبي حَاتِم السجسْتانِي: يُقَال:
شَاة من الظباء، وَمن بقر الْوَحْش، وَمن حمره، أنْشد
أَبُو زيد:
(كَأَنَّهُ شَاة من النعام)
زَاد هِشَام، وَيُسمى الظبي والظبية والثور وَالْبَقَرَة
شَاة، كَمَا يُقَال للْمَرْأَة: إِنْسَان، وَيُقَال: شَاة
للتيس وَالْغنم والكبش. وَذكر النّحاس: أَن الشَّاة يكنى
بهَا عَن الْمَرْأَة، وَفِي (الْجَامِع) للقزاز: الشَّاء
إسم للْجمع.
4541 - حدَّثنا مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الله بنِ المُثَنَّى
الأَنْصَارِيُّ قَالَ حدَّثني أبي قَالَ حدَّثني ثَمَامَةُ
بنُ عَبْدِ الله بنِ أنَسٍ أنَّ أنسا حدَّثَهُ أنَّ أبَا
بَكْرٍ رَضِي الله تَعَالَى عنهُ كَتَبَ لَهُ هاذا
الكِتَابَ لَمَّا وَجَّهَهُ إلَى البَحْرَيْنِ:
بِسْمَ الله الرَّحْمانِ الرَّحِيمِ هاذِهِ فَرِيضَةُ
الصَّدَقَةِ الَّتِي فَرَضَ رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم عَلَى المُسْلِمِينَ وَالَّتِي أمَرَ الله بِهَا
رَسولَهُ فَمَنْ سُئِلَهَا مِنَ المُسْلِمينَ عَلى
وجْهِهَا ومَنْ سُئِلَ فَوْقَهَا فَلاَ يُعْطِ فِي أرْبَعٍ
وعِشْرِينَ مِنَ الإبِلِ فَمَا دُونَهَا مِنَ الغَنَمِ
مِنْ كُلِّ خَمْسٍ شاةٌ إذَا بَلَغَتْ خَمْسا وعِشْرِينَ
إلَى خَمْسٍ وثَلاَثِينَ فَفِيهَا بِنْتُ مَخَاضٍ أُنْثَى
فَإِذا بَلَغَتْ سِتّا وَثَلاَثِينَ إلَى خَمْسٍ
وَأرْبَعِينَ فَفِيهَا بِنْتُ لَبُونٍ أُنْثَى فإذَا
بَلَغَتْ سِتّا وَأرْبَعِينَ إلَى سِتِّينَ فَفِيهَا
حِقَّةٌ طَرُوقَةُ الجَمَلِ فإذَا بَلَغَتْ وَاحِدَةً
وَسِتِّينَ إلَى خَمْسٍ وسَبْعِينَ فِفِيهَا جذَعَةٌ فإذَا
بَلَغَتْ يَعْنِي سِتّا وسَبْعِينَ إلَى تِسْعِينَ
فَفِيهَا بِنْتَ لَبُونٍ فإذَا بَلَغَتْ إحْدَى
وَتِسْعِينَ إلَى عِشْرِينَ ومِائَةٍ فَفِيهَا حِقَّتَانِ
طَرُوقَتَا الجَمَلِ فإذَا زَادَتْ عَلَى عِشْرِينَ
وَمائَةٍ فَفِي كلِّ أرْبَعِينَ بِنْتُ لَبُونٍ وَفِي
كُلِّ خَمْسينَ حِقَّةٌ ومَنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهُ إلاَّ
أرْبَعٌ مِنَ الإبِلِ فَلَيْسَ فِيهَا صَدَقَةٌ
(9/17)
إلاَّ أنْ يَشَاءَ رَبُّهَا فإذَا بَلَغَتْ
خَمْسا مِنَ الإبِلِ فَفِيهَا شَاة وَفي صدَقَةِ الغَنَمُ
فِي سائِمَتِهَا إذَا كانَتْ أرْبَعِينَ إلَى عِشْرِينَ
وَمِائَةَ شاةٌ فإذَا زَادَتْ عَلى عِشْرِينَ وَمِائَةٍ
إلَى مِائَتَيْنِ شاتانِ فإذَا زَادتْ عَلَى مائَتَيْنِ
إلَى ثَلاَثِمَائَةٍ فَفِيهَا ثَلاَثٌ فإذَا زَادَتْ عَلَى
ثَلاَثِمَائَةٍ فَفِي كلِّ مائَةِ شاةٌ فإذَا كانَتْ
سَائِمَةُ الرَّجُلِ ناقِصَةً مِنْ أرْبَعِين شَاة
وَاحِدَةً فَلَيْسَ فِيهَا صدَقَةٌ إلاَّ أنْ يَشَاءَ
رَبُّهَا وَفي الرِّقة رُبْعُ العُشْرِ فإنْ لَمْ تَكُنْ
إلاَّ تِسْعِينَ وَمِائَة فَلَيْسَ فِيهَا شيءٌ إلاَّ أنْ
يَشَاءَ رَبُّهَا..
حَدِيث أنس هَذَا قد تقدم مقطعا بِهَذَا الْإِسْنَاد
بِعَيْنِه، وَهُوَ مُشْتَمل على بَيَان زَكَاة الْإِبِل
وَالْغنم وَالْوَرق، وَعبد الله بن الْمثنى أَبُو شيخ
البُخَارِيّ احتلف فِيهِ، قَول ابْن معِين، فَقَالَ مرّة:
صَالح، وَقَالَ مرّة: لَيْسَ بِشَيْء. وَقَالَ أَبُو
زرْعَة: قوي، وَكَذَا قَالَ أَبُو حَاتِم وَالْعجلِي.
وَقَالَ النَّسَائِيّ: لَيْسَ بِقَوي، وَقَالَ الْعقيلِيّ:
لَا يُتَابع فِي أَكثر حَدِيثه. قلت: قد تَابعه على
حَدِيثه هَذَا حَمَّاد ابْن سَلمَة فَرَوَاهُ عَن ثُمَامَة
أَنه أعطَاهُ كتابا، زعم أَن أَبَا بكر، رَضِي الله
تَعَالَى عَنهُ، كتبه لأنس وَعَلِيهِ خَاتم رَسُول الله
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حِين بَعثه مُصدقا، هَكَذَا أخرجه
أَبُو دَاوُد عَن أبي سَلمَة عَنهُ، وَقد سقناه
بِتَمَامِهِ فِي: بَاب مَا كَانَ من خليطين، وَرَوَاهُ
أَحْمد فِي (مُسْنده) قَالَ: حَدثنَا أَبُو كَامِل، قَالَ:
حَدثنَا حَمَّاد قَالَ أخذت هَذَا الْكتاب من ثُمَامَة بن
عبد الله بن أنس عَن أنس: أَن أَبَا بكر. . فَذكره،
وَقَالَ إِسْحَاق بن رَاهَوَيْه فِي (مُسْنده) : أخبرنَا
النَّضر بن شُمَيْل حَدثنَا حَمَّاد بن سَلمَة أَخذنَا
هَذَا الْكتاب من ثُمَامَة يحدثه عَن أنس عَن النَّبِي صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم، فَذكره، فَظهر من هَذَا أَن حمادا
سَمعه من ثُمَامَة وأقرأه الْكتاب، فَانْتفى بذلك تَعْلِيل
من أعله بِكَوْنِهِ مُكَاتبَة، وَكَذَا انْتَفَى تَعْلِيل
من أعله بِكَوْن عبد الله بن الْمثنى لم يُتَابع عَلَيْهِ.
ذكر مَعْنَاهُ: قَوْله: (كتب لَهُ هَذَا الْكتاب) أَي: كتب
لأنس، وَكَانَ ذَلِك مَا وَجهه عَاملا على الْبَحْرين
وَهُوَ تَثْنِيَة: بَحر، خلاف الْبر مَوضِع مَعْرُوف بَين
بحري: فَارس والهند، ومقارب جَزِيرَة الْعَرَب، وَيُقَال:
هُوَ اسْم لإقليم مَشْهُور يشْتَمل على مدن مَعْرُوفَة
قاعدتها هجر، وَهَكَذَا يتَلَفَّظ بِلَفْظ التَّثْنِيَة،
وَالنِّسْبَة إِلَيْهَا بحراني. قَوْله: (بِسم الله
الرَّحْمَن الرَّحِيم) ذكر التَّسْمِيَة فِي أول كِتَابه
لقَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (كل أَمر ذِي بَال لَا
يبْدَأ فِيهِ بِبسْم الله أَبتر) . وَقَالَ
الْمَاوَرْدِيّ: يسْتَدلّ بِهِ على إِثْبَات الْبَسْمَلَة
فِي ابْتِدَاء الْكتب، وعَلى أَن الِابْتِدَاء بِالْحَمْد
لَيْسَ بِشَرْط. قلت: كَمَا ورد الِابْتِدَاء بالبسملة فِي
أول كل أَمر، ورد الِابْتِدَاء بِالْحَمْد أَيْضا، وَلَكِن
الْجمع بَينهمَا بِأَن الأولية أَمر نسبي فَكل ثَان
بِالنِّسْبَةِ إِلَى ثَالِث أول. فَافْهَم. قَوْله: (هَذِه
فَرِيضَة الصَّدَقَة) ، أَي: نُسْخَة فَرِيضَة الصَّدَقَة،
فَحذف الْمُضَاف للْعلم بِهِ. قَوْله: (الَّتِي) ، كَذَا
فِي غير مَا نُسْخَة. وَفِي بَعْضهَا: (الَّذِي) ، وَمعنى
الْفَرْض: الْإِيجَاب، وَذَلِكَ أَن الله تَعَالَى قد
أوجبهَا وَأحكم فَرضهَا فِي كِتَابه الْعَزِيز، ثمَّ أَمر
رَسُوله بالتبليغ فأضيف الْفَرْض إِلَيْهِ بِمَعْنى
الدُّعَاء إِلَيْهِ، وَحمل النَّاس عَلَيْهِ، وَقد فرض
الله طَاعَته على الْخلق فَجَاز أَن يُسمى أمره وتبليغه
عَن الله فرضا على هَذَا الْمَعْنى. وَقيل: معنى الْفَرْض
هُنَا معنى التَّقْدِير، وَمِنْه: فرض القَاضِي نَفَقَة
الْأزْوَاج، وَفرض الإِمَام أرزاق الْجند، وَمَعْنَاهُ
رَاجع إِلَى قَوْله: {لنبين للنَّاس مَا نُزِّل إِلَيْهِم}
(النَّحْل: 44) . وَقيل: معنى الْفَرْض هُنَا السّنة،
وَمِنْه مَا رُوِيَ أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فرض
كَذَا أَي: سنه، وَعَن ثَعْلَب: الْفَرْض الْوَاجِب،
وَالْفَرْض الْقِرَاءَة، يُقَال: فرضت حزبي، أَي: قرأته،
وَالْفَرْض السّنة. قَوْله: (وَالَّتِي أَمر الله بهَا) ،
كَذَا فِي كثير من النّسخ: بهَا، بِالْبَاء وَوَقع أَيْضا:
مِنْهَا، بِحرف: من، وَقيل: وَقع فِي كثير من النّسخ
بِحَذْف: بهَا، وأنكرها النَّوَوِيّ فِي (شرح الْمُهَذّب)
. وَقَوله: (وَالَّتِي) وَقع هُنَا بِحرف الْعَطف، وَوَقع
فِي رِوَايَة أبي دَاوُد: الَّتِي، قد ذَكرْنَاهُ:
الَّتِي، بِدُونِ حرف الْعَطف على أَنَّهَا بدل من
الْجُمْلَة الأولى. قَوْله: (فَمن سئلها) ، بِضَم السِّين
أَي: فَمن سُئِلَ الصَّدَقَة من الْمُسلمين، وَهِي
الزَّكَاة. قَوْله: (على وَجههَا) ، أَي: على حسب مَا سنّ
رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من فرض مقاديرها.
قَوْله: (فليعطها) ، أَي: على هَذِه الْكَيْفِيَّة المبينة
فِي الحَدِيث. قَوْله: (وَمن سُئِلَ فَوْقهَا) ، أَي:
زَائِدا على الْفَرِيضَة الْمعينَة أما فِي السن أَو
الْعدَد. قَوْله: (فَلَا يُعْط) ، ويروى: (فَلَا يُعْطه) ،
بالضمير أَي: فَلَا يُعْطي الزَّائِد على الْوَاجِب.
وَقيل: لَا يُعْطي شَيْئا من الزَّكَاة لهَذَا الْمُصدق
لِأَنَّهُ خَان بِطَلَبِهِ فَوق الْوَاجِب، فَإِذا ظَهرت
خيانته سَقَطت طَاعَته، فَعِنْدَ ذَلِك هُوَ يتَوَلَّى
إِخْرَاجه أَو يُعْطي لساع آخر. قَوْله: (فِي أَربع
وَعشْرين من الْإِبِل) إِلَى آخِره شُرُوع فِي بَيَان
كَيْفيَّة الْفَرِيضَة، وَبَيَان كَيْفيَّة أَخذهَا.
وَقَالَ الطَّيِّبِيّ: فِي أَربع وَعشْرين اسْتِئْنَاف
بَيَان لقَوْله: (هَذِه فَرِيضَة الصَّدَقَة) كَأَنَّهُ
أَشَارَ بِهَذِهِ إِلَى مَا فِي الذِّهْن، ثمَّ أَتَى بِهِ
بَيَانا لَهُ. قَوْله: (فِي أَربع) خبر مُبْتَدأ مُقَدّر
مقدما تَقْدِيره فِي أبع وَعشْرين من الْإِبِل زَكَاة
وَكلمَة من بَيَانه قَوْله: (فَمَا دونهَا) أَي: فَمَا دون
أَربع وَعشْرين. وَقَوله: (من الْغنم) ، مُتَعَلق بالمبتدأ
الْمُقدر. قَوْله: (من كل خمس) ، خبر لقَوْله: (شَاة) ،
وَكلمَة: من، للتَّعْلِيل، أَي: لأجل كل خمس من الْإِبِل.
وَقَالَ الطَّيِّبِيّ: من الْغنم من كل خمس
(9/18)
شَاة. من الأولى ظرف مُسْتَقر لِأَنَّهُ
بَيَان لشاة توكيدا كَمَا فِي قَوْله: (فِي كل خمس ذود من
الْإِبِل) و: من، الثَّانِيَة لَغوا ابتدائية مُتَّصِلَة
بِالْفِعْلِ الْمَحْذُوف، أَي: ليعط فِي أَربع وَعشْرين
شَاة كائنة من الْغنم لأجل كل خمس من الْإِبِل. قَوْله:
(من الْغنم) ، كَذَا هُوَ بِكَلِمَة: من، فِي رِوَايَة
الْأَكْثَرين، وَفِي رِوَايَة ابْن السكن بِإِسْقَاط: من.
قيل: هُوَ الصَّوَاب، إِن شَاءَ الله تَعَالَى، فعلى
قَوْله: (الْغنم) مَرْفُوع بِالِابْتِدَاءِ، وَخَبره: فِي
أَربع وَعشْرين، ثمَّ بَين ذَلِك بقوله: (من كل خمس شَاة)
، ويروى: (فِي كل خمس) ، بِكَلِمَة: فِي، عوض: من، وَقَالَ
ابْن بطال: وَفِي نُسْخَة البُخَارِيّ بِزِيَادَة لفظ: من
الْغنم، وَهُوَ غلط عَن بعض الكتبة. وَقَالَ الْكرْمَانِي:
وَقَالَ الْفُقَهَاء: فِيهِ تَفْسِير من وَجه وإجمال من
وَجه، فالتفسير أَنه لَا يجب فِي أَربع وَعشْرين إلاَّ
الْغنم، والإجمال أَنه لَا يدْرِي قدر الْوَاجِب. ثمَّ
قَالَ بعد ذَلِك مُفَسرًا لهَذَا الْإِجْمَال: فِي كل خمس
شَاة، فَكَانَ هَذَا بَيَانا لابتداء النّصاب، وَقدر
الْوَاجِب فِيهِ، فَأول نِصَاب الْإِبِل خمس، وَقَالَ:
إِنَّمَا بَدَأَ بِزَكَاة الْإِبِل لِأَنَّهَا غَالب
أَمْوَالهم وتعم الْحَاجة إِلَيْهَا، وَلِأَن أعداد نصبها
وأسنان الْوَاجِب فِيهَا يصعب ضَبطهَا، وَتَقْدِيم
الْخَبَر على الْمُبْتَدَأ لِأَن الْمَقْصُود بَيَان النصب
إِذْ الزَّكَاة إِنَّمَا تجب بعد النّصاب فَكَانَ
تَقْدِيمه أهم لِأَنَّهُ السَّابِق فِي السَّبَب، وَكَذَا
تَقْدِيم الْخَبَر فِي قَوْله: (بنت مَخَاض انثى) ،
قَوْله: (انثى) للتَّأْكِيد، وَقيل: احْتِرَاز عَن
الْخُنْثَى، وَفِيه نظر. قَوْله: (بنت لبون) ، انثى،
الْكَلَام فِيهِ كَالْكَلَامِ فِي: (بنت مَخَاض أُنْثَى) .
وَقَالَ الطَّيِّبِيّ: وصفهَا بِالْأُنْثَى تَأْكِيدًا
كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى: {نفخة وَاحِدَة} (الحاقة: 31)
. أَو لِئَلَّا يفهم أَن الْبِنْت هُنَا وَالِابْن فِي
ابْن لبون كالبنت فِي: بنت طبق، وَالِابْن فِي: ابْن آوى،
يشْتَرك فِيهِ الذّكر وَالْأُنْثَى. قَوْله: (طروقة
الْجمل) ، صفة لقَوْله: (حقة) ، وَقد فسرنا الطروقة من:
طرقها الْفَحْل إِذا ضربهَا، يَعْنِي جَامعهَا. قَوْله:
(فَإِذا بلغت يَعْنِي سِتا وَسبعين) ، كَذَا فِي الأَصْل
بِزِيَادَة: يَعْنِي، وَكَأن الْعدَد حذف من الأَصْل
اكْتِفَاء بِدلَالَة الْكَلَام عَلَيْهِ، فَذكره بعض
رُوَاته وأتى بِلَفْظ: يَعْنِي، لينبه على أَنه مزبدا،
وَشك أحد رُوَاته فِيهِ. وَقَالَ الْكرْمَانِي: لَعَلَّ
الْمَكْتُوب لم يكن فِيهِ لفظ: سِتا وَسبعين، أَو ترك
الرَّاوِي ذكره لظُهُور المُرَاد ففسره الرَّاوِي عَنهُ
توضيحا. وَقَالَ: يَعْنِي. فَإِن قلت: لم غير الأسلوب
حَيْثُ لم يقل فِي جَوَابه مثل ذَلِك؟ قلت: إشعارا بانتهاء
أَسْنَان الْإِبِل فِيهِ، وتعدد الْوَاجِب عِنْده فَغير
اللَّفْظ عِنْد مُغَايرَة الحكم. قَوْله: (إِلَّا أَن
يَشَاء رَبهَا) ، أَي: إلاَّ أَن يتَبَرَّع صَاحبهَا
ويتطوع، وَهُوَ كَمَا ذكر فِي حَدِيث الْأَعرَابِي فِي
الْإِيمَان: (إلاَّ أَن تطوع) . قَوْله: (وَإِذا كَانَت)
فِي رِوَايَة الْكشميهني (إِذا بلغت) قَوْله (فازدادت على
عشْرين وَمِائَة) أَي وَاحِدَة فصاعد قَوْله (فِي سائمتها)
أَي: راعيتها. قَالَ الْكرْمَانِي: وَهُوَ دَلِيل على أَن
لَا زَكَاة فِي المعلوفة، أما من جِهَة اعْتِبَار مَفْهُوم
الصّفة، وَأما من جِهَة أَن لفظ: فِي سائمتها، بدل عَنهُ
بِإِعَادَة الْجَار، والمبدل فِي حكم الطرح فَلَا يجب فِي
مُطلق الْغنم. فَإِن قلت: لَا يجوز أَن يكون: شَاة،
مُبْتَدأ و: فِي صَدَقَة الْغنم، خَبره لِأَن لفظ
الصَّدَقَة يأباه، فَمَا وَجه إعرابه؟ قلت: لَا نسلم،
وَلَئِن سلمنَا فَلفظ: فِي صَدَقَة، يتَعَلَّق بِفَرْض أَو
كتب مُقَدرا، أَي: فرض فِي صدقتها شَاة أَو كتب فِي شَأْن
صَدَقَة الْغنم هَذَا، وَهُوَ إِذا كَانَت أَرْبَعِينَ
إِلَى آخِره، وَحِينَئِذٍ يكون شَاة خبر مُبْتَدأ
مَحْذُوف، أَي: فزكاتها شَاة أَو بِالْعَكْسِ، أَي:
فَفِيهَا شَاة. وَقَالَ التَّيْمِيّ: شَاة، رفع
بِالِابْتِدَاءِ، و: فِي صَدَقَة الْغنم، فِي مَوضِع
الْخَبَر، وكذك: شَاتَان، وَالتَّقْدِير: فِيهَا شَاتَان،
وَالْخَبَر مَحْذُوف. قَوْله: (وَاحِدَة) ، إِمَّا
مَنْصُوب بِنَزْع الْخَافِض أَي: بِوَاحِدَة، وَإِمَّا
حَال من ضمير النَّاقِصَة، وَفِي بعض الرِّوَايَة: بِشَاة
وَاحِدَة، بِالْجَرِّ. قَوْله: (وَفِي الرقة) ، بِكَسْر
الرَّاء وَتَخْفِيف الْقَاف: الْوَرق، وَالْهَاء عوض عَن
الْوَاو، نَحْو: الْعدة والوعد، وَهِي: الْفضة المضروبة،
وَيجمع على: رقين. مثل: أرة وأرين. قَوْله: (فَإِن لم تكن)
، أَي: الرقة، قَوْله: (إِلَّا تسعين وَمِائَة) ، قَالَ
الْخطابِيّ: هَذَا يُوهم أَنَّهَا إِذا زَاد عَلَيْهِ
شَيْء قبل أَن يتم مِائَتَيْنِ كَانَ فِيهَا الصَّدَقَة،
وَلَيْسَ الْأَمر كَذَلِك، لِأَن نصابها المئتان.
وَإِنَّمَا ذكر التسعين لِأَنَّهُ آخر فصل من فُصُول
الْمِائَة، والحساب إِذا جَاوز الْآحَاد كَانَ تركيبه
بِالْعُقُودِ كالعشرات والمئات والألوف، فَذكر التسعين
ليدل بذلك على أَن لَا صَدَقَة فِيمَا نقص عَن كَمَال
الْمِائَتَيْنِ، يدل على صِحَّته حَدِيث: (لَا صَدَقَة
إِلَّا فِي خمس أَوَاقٍ) .
ذكر مَا يُسْتَفَاد مِنْهُ فِيهِ: فِي قَوْله: (فَلَا
يُعْط) ، دَلِيل على أَن الإِمَام وَالْحَاكِم إِذا ظهر
فسقهما بَطل حكمهمَا، قَالَه الْخطابِيّ. وَفِيه: فِي
قَوْله: (من الْمُسلمين) ، دلَالَة على أَن الْكَافِر لَا
يُخَاطب بذلك. وَفِيه: فِي قَوْله: (فليعطها) دلَالَة على
دفع الْأَمْوَال الظَّاهِرَة إِلَى الْأَمَام. وَفِيه: من
أول الحَدِيث إِلَى قَوْله: (فَإِذا زَادَت على عشْرين
وَمِائَة) ، لَا خلاف فِيهِ بَين الْأَئِمَّة، وَعَلَيْهَا
اتّفقت
(9/19)
الْأَخْبَار عَن كتب الصَّدقَات الَّتِي
كتبهَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَالْخلاف
فِيمَا إِذا زَادَت على مائَة وَعشْرين، فَعِنْدَ
الشَّافِعِي: فِي كل أَرْبَعِينَ بنت لبون، وَفِي كل خمسين
حقة. وَاسْتدلَّ بِهَذَا الحَدِيث، ومذهبه أَنه إِذا
زَادَت على مائَة وَعشْرين وَاحِدَة فَفِيهَا ثَلَاث
بَنَات لبون، فَإِذا صَارَت مائَة وَثَلَاثِينَ فَفِيهَا
حقة وبنتا لبون، ثمَّ يَدُور الْحساب على الأربعينات
والخمسينات، فَيجب فِي كل أَرْبَعِينَ بنت لبون، وَفِي كل
خمسين حقة، وَبِه قَالَ إِسْحَاق بن رَاهَوَيْه وَأحمد فِي
رِوَايَة، وَقَالَ مُحَمَّد بن (إِسْحَاق وَأَبُو عبيد
وَأحمد فِي رِوَايَة: لَا يتَغَيَّر الْفَرْض إِلَى
ثَلَاثِينَ وَمِائَة، فَيكون فِيهَا حقة وبنتا لبون. وَعَن
مَالك، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، رِوَايَتَانِ روى عَنهُ
ابْن الْقَاسِم وَابْن عبد الحكم، رحمهمَا الله تَعَالَى:
أَن السَّاعِي بِالْخِيَارِ بَين أَن يَأْخُذ ثَلَاث
بَنَات لبون أَو حقتين، وَهُوَ قَول مطرف وَابْن أبي
حَازِم وَابْن دِينَار وَأصبغ. وَقَالَ ابْن الْقَاسِم،
رَحمَه الله تَعَالَى: فِيهَا ثَلَاث بَنَات لبون، وَلَا
يُخَيّر السَّاعِي إِلَى أَن يبلغ ثَلَاثِينَ وَمِائَة،
فَيكون فِيهَا حَقه وابنتا لبون، وَهُوَ قَول الزُّهْرِيّ
وَالْأَوْزَاعِيّ وَأبي ثَوْر، رَضِي الله تَعَالَى
عَنْهَا. وروى عبد الْملك وَأَشْهَب وَابْن نَافِع عَن
مَالك: أَن الْفَرِيضَة لَا تَتَغَيَّر بِزِيَادَة
وَاحِدَة حَتَّى تزيد عشرا، فَيكون فِيهَا بِنْتا لبون
وحقة، وَهُوَ مَذْهَب أَحْمد. وَعند أهل الظَّاهِر: إِذا
زَادَت على عشْرين وَمِائَة ربع بعير أَو ثمنه أَو عشره،
فَفِي كل خمسين حقة، وَفِي كل أَرْبَعِينَ بنت لبون،
وَهُوَ قَول الاصطخري. وَقَالَ مُحَمَّد بن جرير:
يتَخَيَّر بَين الاسئناف وَعَدَمه لوُرُود الْأَخْبَار
بهما. وَوَقع فِي (النِّهَايَة) للشَّافِعِيَّة، وَفِي
(الْوَسِيط) أَيْضا أَنه قَول ابْن جُبَير، أَن بدل، ابْن
جرير، وَهُوَ تَصْحِيف، وَحكى السفاقسي عَن حَمَّاد بن أبي
سُلَيْمَان وَالْحكم بن عتيبة أَن فِي مائَة وَخمْس
وَعشْرين حقتين وَبنت مَخَاض، وَعند أبي حنيفَة
وَأَصْحَابه: تسْتَأْنف الْفَرِيضَة فَيكون فِي الْخمس
شَاة مَعَ الحقتين، وَفِي الْعشْر شَاتَان، وَفِي خمس
عشرَة ثَلَاث شِيَاه وَفِي عشْرين أَربع شِيَاه، وَفِي خمس
وَعشْرين بنت مَخَاض، وَفِي سِتّ وَثَلَاثِينَ بنت لبون
فَإِذا بلغت مائَة وستا وَتِسْعين فَفِيهَا أَربع حقاق
إِلَى مِائَتَيْنِ، ثمَّ تسْتَأْنف الْفَرِيضَة أبدا كَمَا
تسْتَأْنف فِي الْخمسين الَّتِي بعد الْمِائَة وَالْخمسين،
وَهَذَا قَول ابْن مَسْعُود وَإِبْرَاهِيم النَّخعِيّ
وسُفْيَان الثَّوْريّ وَأهل الْعرَاق، وَحكى السفاقسي أَنه
قَول عمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، لكنه غير مَشْهُور
عَنهُ. وَاحْتج أَصْحَابنَا بِمَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُد
فِي (الْمَرَاسِيل) وَإِسْحَاق بن رَاهَوَيْه فِي
(مُسْنده) والطَّحَاوِي فِي (مشكله) عَن حَمَّاد بن
سَلمَة. قلت: لقيس بن سعد: خُذ لي كتاب مُحَمَّد بن عَمْرو
بن حزم، فَأَعْطَانِي كتابا أخبر أَنه من أبي بكر بن
مُحَمَّد بن عَمْرو بن حزم أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم كتبه لجده، فَقَرَأته فَكَانَ فِيهِ ذكر مَا يخرج من
فَرَائض الْإِبِل، فَقص الحَدِيث إِلَى: أَن تبلغ عشْرين
وَمِائَة، فَإِذا كَانَت أَكثر من عشْرين وَمِائَة
فَإِنَّهُ يُعَاد إِلَى أول فَرِيضَة الْإِبِل وَمَا كَانَ
أقل من خمس وَعشْرين فَفِيهِ الْغنم، فِي كل خمس ذود شَاة.
وَأما الَّذِي اسْتدلَّ بِهِ الشَّافِعِي فَنحْن قد
عَملنَا بِهِ لأَنا قد أَوجَبْنَا فِي الْأَرْبَعين بنت
لبون، فَإِن الْوَاجِب فِي الْأَرْبَعين مَا هُوَ
الْوَاجِب فِي سِتّ وَثَلَاثِينَ، وَكَذَلِكَ أَوجَبْنَا
فِي خمسين حقة، وَهَذَا الحَدِيث لَا يتَعَرَّض لنفي
الْوَاجِب عَمَّا دونه، وَإِنَّمَا هُوَ عمل بِمَفْهُوم
النَّص فَنحْن عَملنَا بالنصين، وَهُوَ أعرض عَن الْعَمَل
بِمَا روينَاهُ. فَإِن قلت: قَالَ ابْن الْجَوْزِيّ: هَذَا
الحَدِيث مُرْسل، وَقَالَ هبة الله الطَّبَرِيّ: هَذَا
الْكتاب صحيفَة لَيْسَ بِسَمَاع وَلَا يعرف أهل
الْمَدِينَة كلهم عَن كتاب عَمْرو بن حزم إلاَّ مثل
روايتنا، رَوَاهَا الزُّهْرِيّ وَابْن الْمُبَارك وَأَبُو
أويس، كلهم عَن أبي بكر بن مُحَمَّد بن عَمْرو بن حزم عَن
أَبِيه عَن جده مثل قَوْلنَا، ثمَّ لَو تَعَارَضَت
الرِّوَايَتَانِ عَن عَمْرو بن حزم بقيت روايتنا عَن أبي
بكر الصّديق، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، وَهِي فِي
(الصَّحِيح) وَبهَا عمل الْخُلَفَاء الْأَرْبَعَة.
وَقَالَ الْبَيْهَقِيّ هَذَا حَدِيث مُنْقَطع بَين أبي بكر
بن حزم إِلَى النَّبِي، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَقيس بن
سعد، أَخذه عَن كتاب لَا عَن سَماع، وَكَذَلِكَ حَمَّاد بن
سَلمَة أَخذه عَن كتاب لَا عَن سَماع، وَقيس بن سعد
وَحَمَّاد بن سَلمَة، وَإِن كَانَا من الثِّقَات،
فروايتهما هَذِه تخَالف رِوَايَة الْحفاظ عَن كتاب عَمْرو
بن حزم وَغَيره، وَحَمَّاد بَين سَلمَة سَاءَ حفظه فِي آخر
عمره فالحفاظ لَا يحتجون بِمَا يُخَالف فِيهِ، ويتجنبون
مَا ينْفَرد بِهِ، وخاصة عَن قيس بن سعد وَأَمْثَاله. قلت:
الْأَخْذ من الْكتاب حجَّة، صرح الْبَيْهَقِيّ فِي (كتاب
الْمدْخل) : أَن الْحجَّة تقوم بِالْكتاب، وَإِن كَانَ
السماع أولى مِنْهُ بِالْقبُولِ، وَالْعجب من
الْبَيْهَقِيّ أَنه يُصَرح بِمثل هَذَا القَوْل ثمَّ
يَنْفِيه فِي الْموضع الَّذِي تقوم عَلَيْهِ الْحجَّة.
وَقَوله: وَعمل بهَا الْخُلَفَاء الْأَرْبَعَة، غير مُسلم
لِأَن ابْن أبي شيبَة روى فِي (مُصَنفه) : حَدثنَا يحيى بن
سعيد عَن سُفْيَان عَن أبي إِسْحَاق عَن عَاصِم بن حَمْزَة
عَن عَليّ، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، قَالَ: إِذا زَادَت
الْإِبِل على عشْرين وَمِائَة يسْتَقْبل بهَا الْفَرِيضَة،
وَحدثنَا يحيى بن سعيد عَن سُفْيَان عَن مَنْصُور عَن
إبراهي مثله. فَإِن قلت: قَالَ الْبَيْهَقِيّ:
(9/20)
قَالَ الشَّافِعِي فِي كِتَابه الْقَدِيم:
رَاوِي هَذَا مَجْهُول عَن عَليّ، رَضِي الله تَعَالَى
عَنهُ، وَأكْثر الروَاة عَن ذَلِك الْمَجْهُول يزْعم أَن
الَّذِي روى هَذَا عَنهُ غلط عَلَيْهِ، وَأَن هَذَا لَيْسَ
فِي حَدِيثه. قلت: الَّذِي رَوَاهُ عَن عَليّ، رَضِي الله
تَعَالَى عَنهُ، هُوَ عَاصِم بن حَمْزَة كَمَا ذَكرْنَاهُ،
وَهُوَ لَيْسَ بِمَجْهُول بل مَعْرُوف، روى عَنهُ الحكم
وَأَبُو إِسْحَاق السبيعِي وَغَيرهمَا، وَوَثَّقَهُ ابْن
الْمَدِينِيّ وَالْعجلِي، وَأخرج لَهُ أَصْحَاب السّنَن
الْأَرْبَعَة، وَإِن أَرَادَ الشَّافِعِي بقوله: يزْعم أَن
الَّذِي يرْوى هَذَا عَنهُ غلط عَلَيْهِ، أَبَا إِسْحَاق
السبيعِي فَلم يقل أحد غَيره إِنَّه غلط، وَقد ذكر
الْبَيْهَقِيّ وَغَيره عَن يَعْقُوب الْفَارِسِي وَغَيره
من الْأَئِمَّة أَنهم أحالوا بالغلط على عَاصِم، وَأما
قَول الْبَيْهَقِيّ وَحَمَّاد بن سَلمَة: سَاءَ حفظه فِي
آخر عمره، فالحفاظ لَا يحتجون بِمَا يُخَالف فِيهِ، فصادر
عَن تعسف وتمحل لِأَنَّهُ لم ير أحد من أَئِمَّة هَذَا
الشَّأْن ذكر حمادا بِشَيْء من ذَلِك، وَالْعجب مِنْهُ
أَنه أقتصر فِيهِ فِيهِ على هَذَا الْمِقْدَار، لِأَنَّهُ
ذكره فِي غير هَذَا الْموضع بِأَسْوَأ مِنْهُ. وَقَوله:
وخاصة عَن قيس بن سعد، بَاطِل، وَمَا لقيس بن سعد
فَإِنَّهُ وَثَّقَهُ كَثِيرُونَ وَأخرج لَهُ مُسلم على أَن
روايتهم الَّتِي يستدلون بهَا غير سَالِمَة عَن النزاع،
فَإِن الدَّارَقُطْنِيّ ذكر فِي كتاب (التتبع على
الصَّحِيحَيْنِ) أَن ثُمَامَة لم يسمعهُ من أنس وَلَا
سَمعه عبد الله بن الْمثنى من ثُمَامَة. انْتهى. وَكَيف
يَقُول الْبَيْهَقِيّ: وروينا الحَدِيث من حَدِيث ثُمَامَة
بن عبد الله بن أنس عَن أنس من أوجه صَحِيحَة، وَفِي
(الْأَطْرَاف) للمقدسي: قيل لِابْنِ معِين: حَدِيث
ثُمَامَة عَن أنس فِي الصَّدقَات؟ قَالَ: لَا يَصح
وَلَيْسَ بِشَيْء، وَلَا يَصح فِي هَذَا حَدِيث فِي
الصَّدقَات، وَفِي إِحْدَى رِوَايَات الْبَيْهَقِيّ: عبد
الله بن الْمثنى، قَالَ السَّاجِي: ضَعِيف مُنكر الحَدِيث،
وَقَالَ أَبُو دَاوُد: لَا أخرج حَدِيثه، وَذكره ابْن
الْجَوْزِيّ فِي (الضُّعَفَاء) وَقَالَ: قَالَ أَبُو
سَلمَة: كَانَ ضَعِيفا فِي الحَدِيث. وَأما قَول
الظَّاهِرِيَّة، الَّذِي قَالَ بِهِ ابْن حزم أَيْضا
فَبَاطِل بِلَا شُبْهَة إِذْ لم يرد الشَّرْع بِجعْل
السَّائِمَة نِصَابا بِربع بعير أَو ثمنه أَو عشره،
وتعلقوا بقوله: فَإِذا زَادَت، وَقَالُوا: الزِّيَادَة
تحصل بِالثّمن وَالْعشر.
وَفِيه: فِي قَوْله: (فِي كل خمس شَاة) تعلق مَالك وَأحمد
على تعين إِخْرَاج الْغنم فِي مثل ذَلِك حَتَّى لَو أخرج
بَعِيرًا عَن الْأَرْبَع وَالْعِشْرين لم يجزه عِنْدهمَا،
وَعند الْجُمْهُور، وَهُوَ قَول الشَّافِعِي إِنَّه
يجْزِيه لِأَنَّهُ يجزىء عَن خمس وَعشْرين فَمَا دونهَا
إولى لِأَن الأَصْل أَن يجب من جنس المَال، وَإِنَّمَا عدل
عَنهُ رفقا بالمالك، فَإِذا رَجَعَ بِاخْتِيَارِهِ إِلَى
الأَصْل أَجزَأَهُ، فَإِن كَانَت قيمَة الْبَعِير مثلا دون
قيمَة أَربع شِيَاه فَفِيهِ خلاف عِنْد الشَّافِعِيَّة
وَغَيرهم، والأقيس أَنه لَا يجزىء.
وَفِيه: فِي قَوْله: (فِي أَربع وَعشْرين) دلَالَة على أَن
الْأَرْبَع مَأْخُوذَة عَن الْجَمِيع، وَإِن كَانَت
الْأَرْبَع الزَّائِدَة على الْعشْرين وقصا، وَهُوَ قَول
الشَّافِعِي فِي (الْبُوَيْطِيّ) وَقَالَ فِي غَيره:
إِنَّه عَفْو، وَيظْهر أثر الْخلاف فِيمَن لَهُ تسع من
الْإِبِل فَتلف مِنْهَا أَرْبَعَة بعد الْحول، وَقبل
التَّمَكُّن حَيْثُ قَالُوا: إِنَّه شَرط فِي الْوُجُوب،
وَجَبت عَلَيْهِ شَاة بِلَا خلاف، وَكَذَا إِذا قَالُوا:
التَّمَكُّن شَرط فِي الضَّمَان، وَقَالُوا: الوقص عَفْو.
فَإِن قَالُوا يتَعَلَّق بِهِ الْفَرْض وَجب خَمْسَة أتساع
شَاة، وَالْأول قَول الْجُمْهُور كَمَا نَقله ابْن
الْمُنْذر، وَعَن مَالك رِوَايَة كَالْأولِ.
وَفِيه: أَن مَا دون خمس من الْإِبِل لَا زَكَاة فِيهِ
وَهَذَا بِالْإِجْمَاع.
وَفِيه: فِي قَوْله: (إِلَى خمس وَثَلَاثِينَ إِلَى خمس
وَأَرْبَعين إِلَى سِتِّينَ) دَلِيل على أَن الأوقاص لَيست
بِعَفْو، وَأَن الْفَرْض يتَعَلَّق بِالْجَمِيعِ وَهُوَ
أحد قولي الشَّافِعِي. قَالَ صَاحب (التَّوْضِيح) :
وَالأَصَح خِلَافه.
وَفِيه: أَن زَكَاة الْغنم فِي كل أَرْبَعِينَ شَاة، وَقد
أجمع الْعلمَاء على أَن لَا شَيْء فِي أقل من الْأَرْبَعين
من الْغنم، وَأَن فِي الْأَرْبَعين شَاة، وَفِي مائَة
وَعشْرين شَاتين وثلاثمائة ثَلَاث شِيَاه، وَإِذا زَادَت
وَاحِدَة فَلَيْسَ فِيهَا شَيْء إِلَى أَرْبَعمِائَة
فَفِيهَا أَربع شِيَاه، ثمَّ فِي كل مائَة شَاة، وَهَذَا
قَول أبي حنيفَة وَمَالك وَالشَّافِعِيّ وَأحمد فِي
(الصَّحِيح) عَنهُ، وَالثَّوْري وَإِسْحَاق
وَالْأَوْزَاعِيّ وَجَمَاعَة أهل الْأَثر، وَهُوَ قَول
عَليّ وَابْن مَسْعُود. وَقَالَ الشّعبِيّ وَالنَّخَعِيّ
وَالْحسن بن حَيّ: إِذا زَادَت على ثَلَاثمِائَة وَاحِدَة
فَفِيهَا أَربع شِيَاه إِلَى أَرْبَعمِائَة، فَإِذا زَادَت
وَاحِدَة يجب فِيهَا خمس شِيَاه، وَهِي رِوَايَة عَن
أَحْمد، وَهُوَ مُخَالف للآثار. وَقيل: إِذا زَادَت على
مِائَتَيْنِ فَفِيهَا شَاتَان حَتَّى تبلغ أَرْبَعِينَ
وَمِائَتَيْنِ، حَكَاهُ ابْن التِّين وفقهاء الْأَمْصَار
على خِلَافه.
وَفِيه: أَن شَرط وجوب الزَّكَاة فِي الْغنم السّوم عِنْد
أبي حنيفَة وَالشَّافِعِيّ، وَهِي الراعية فِي كلأ مُبَاح،
وَقَالَ ابْن حزم: قَالَ مَالك وَاللَّيْث وَبَعض
أَصْحَابنَا: تزكّى السوائم والمعلوفة والمتخذة للرُّكُوب
وللحرث وَغير ذَلِك من الْإِبِل وَالْغنم، وَقَالَ بعض
أَصْحَابنَا: أما الْإِبِل فَنعم، وَأما الْبَقر وَالْغنم
فَلَا زَكَاة إلاَّ فِي سائمتها، وَهُوَ قَول أبي الْحسن
بن الْمُفلس، وَقَالَ بَعضهم: أما الْإِبِل وَالْغنم فتزكى
سائمتها وَغير سائمتها، وَأما الْبَقر فَلَا يزكّى إلاَّ
سائمتها، وَهُوَ قَول أبي بكر بن دَاوُد، وَلم يخْتَلف أحد
من أَصْحَابنَا فِي أَن سَائِمَة الْإِبِل وَغير سَائِمَة
الْإِبِل مِنْهَا
(9/21)
تزكّى سَوَاء. وَقَالَ بَعضهم: تزكّى غير
السَّائِمَة عَن كل وَاحِدَة مرّة وَاحِدَة فِي الدَّهْر،
ثمَّ لَا يُعِيد الزَّكَاة فِيهَا. وَقَالَ أَصْحَابنَا
الْحَنَفِيَّة: وَلَيْسَ فِي العوامل والحوامل والمعلوفة
صَدَقَة، هَذَا قَول أَكثر أهل الْعلم كعطاء وَالْحسن
وَالنَّخَعِيّ وَابْن جُبَير وَالثَّوْري وَاللَّيْث
وَالشَّافِعِيّ وَأحمد وَإِسْحَاق وَأبي ثَوْر وَأبي عبيد
وَابْن الْمُنْذر، ويروى عَن عمر بن عبد الْعَزِيز،
وَقَالَ قَتَادَة وَمَكْحُول وَمَالك: تجب الزَّكَاة فِي
الْمَعْلُومَة والنواضح بالعمومات، وَهُوَ مَذْهَب معَاذ
وَجَابِر بن عبد الله وَسَعِيد بن عبد الْعَزِيز
وَالزهْرِيّ، وَرُوِيَ عَن عَليّ ومعاذ أَنه: لَا زَكَاة
فِيهَا، وَهُوَ قَول أبي حنيفَة، وَحجَّة من اشْتَرَطَهُ
كتاب الصّديق وَحَدِيث عَمْرو بن حزم مثله، وَشرط فِي
الْإِبِل حَدِيث بهز بن حَكِيم عَن أَبِيه عَن جده.
مَرْفُوعا: (فِي كل سَائِمَة من كل أَرْبَعِينَ من
الْإِبِل ابْنة لبون) . رَوَاهُ أَبُو دَاوُد
وَالنَّسَائِيّ وَالْحَاكِم، وَقَالَ: صَحِيح الْإِسْنَاد،
وَقد ورد تَقْيِيد السّوم وَهُوَ مَفْهُوم الصّفة،
وَالْمُطلق يحمل على الْمُقَيد إِذا كَانَا فِي حَادِثَة
وَاحِدَة، وَالصّفة إِذا قرنت بالإسم الْعلم تنزل منزلَة
الْعلَّة لإِيجَاب الحكم. وَعَن عَليّ، رَضِي الله
تَعَالَى عَنهُ، عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم:
(لَيْسَ فِي العوامل صَدَقَة) ، رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ
وَصَححهُ ابْن الْقطَّان، وَرَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ
أَيْضا من حَدِيث ابْن عَبَّاس وَعَمْرو بن شُعَيْب عَن
أَبِيه عَن جده، وَعَن جَابر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ:
(قَالَ: لَا يُؤْخَذ من الْبَقر الَّتِي يحرث عَلَيْهَا من
الزَّكَاة شَيْء) ، وَرَفعه حجاج عَن ابْن جريج عَن زِيَاد
بن سعد عَن أبي الزبير، عَنهُ بِلَفْظ: (لَيْسَ فِي
المثيرة صَدَقَة) ، وَفِي (مُصَنف) ابْن أبي شيبَة من
حَدِيث لَيْث عَن طَاوُوس عَن معَاذ أَنه: كَانَ لَا
يَأْخُذ من الْبَقر العوامل صَدَقَة، حَدثنَا هَاشم عَن
مُغيرَة ابْن إِبْرَاهِيم وَمُجاهد، قَالَا: لَيْسَ فِي
الْبَقَرَة العوامل صَدَقَة، وَمن حَدِيث حجاج عَن الحكم
أَن عمر بن عبد الْعَزِيز، قَالَ: (لَيْسَ فِي العوامل
شَيْء) ، وَكَذَا قَالَه سعيد بن جُبَير وَالشعْبِيّ
وَالضَّحَّاك وَعَمْرو بن دِينَار وَعَطَاء، وَفِي
(الْأَسْرَار) للدبوسي وَعلي وَجَابِر وَابْن عَبَّاس،
رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُم: وَحجَّة من مَنعه مَا
رَوَاهُ إِسْمَاعِيل القَاضِي فِي (مبسوطه) عَن اللَّيْث،
قَالَ: رَأَيْت الْإِبِل الَّتِي تكرى لِلْحَجِّ تزكّى
بِالْمَدِينَةِ، وَيحيى بن سعيد وَرَبِيعَة وَغَيرهمَا من
أهل الْمَدِينَة حُضُور لَا ينكرونه، ويرون ذَلِك من
السّنة إِذا لم تكن مُتَفَرِّقَة وَعَن طَلْحَة بن أبي
سعيد أَن عمر بن عبد الْعَزِيز كتب، وَهُوَ خَليفَة: أَن
تُؤْخَذ الصَّدَقَة من الَّتِي تعْمل فِي الرِّيف. قَالَ
طَلْحَة: حضرت ذَلِك وعاينته. وَعند أبي حنيفَة وَأحمد:
أَن السَّائِمَة هِيَ الَّتِي تكتفي بالرعي فِي أَكثر
الْحول لِأَن اسْم السّوم لَا يَزُول عَنْهَا بالعلف
الْيَسِير وَلِأَن الْعلف البسير لَا يُمكن التَّحَرُّز
عَنهُ، وَلِأَن الضَّرُورَة تَدْعُو إِلَيْهِ فِي بعض
الأحيان لعدم المرعى فِيهِ، وَاعْتبر الشَّافِعِي السّوم
فِي جَمِيع الْحول وَلَو علفت قدرا أتعيش بِدُونِهِ بِلَا
ضَرَر بيِّن وَجَبت الزَّكَاة. وَفِي (الْبَدَائِع) : إِن
أسيمت الْإِبِل أَو الْبَقر أَو الْغنم للْحَمْل أَو
الرّكُوب أَو اللَّحْم فَلَا زَكَاة فِيهَا، وَإِن أسيمت
للتِّجَارَة فَفِيهَا زَكَاة التِّجَارَة حَتَّى لَو
كَانَت أَرْبعا من الْإِبِل أَو أقل تَسَاوِي مِائَتي
دِرْهَم يجب فِيهَا خَمْسَة دَرَاهِم، وَإِن كَانَت خمْسا
لَا تَسَاوِي مِائَتي دِرْهَم لَا يجب فِيهَا الزَّكَاة.
وَفِي (الذَّخِيرَة) : من اشْترى إبِلا سَائِمَة بنية
التِّجَارَة وَحَال عَلَيْهَا الْحول وَهِي سَائِمَة تجب
فِيهَا زَكَاة التِّجَارَة دون زَكَاة السَّائِمَة.
وَفِيه: أَن الزَّكَاة فِي الْفضة ربع عشرهَا، مثلا إِذا
كَانَت مِائَتَا دِرْهَم فزكاتها خَمْسَة دَرَاهِم، وَفِي
أَرْبَعمِائَة عشرَة دَرَاهِم وَفِي ألف خَمْسَة
وَعِشْرُونَ، وَفِي عشرَة آلَاف مِائَتَان وَخَمْسُونَ
درهما، وَفِي عشْرين ألفا خَمْسمِائَة، وَفِي أَرْبَعِينَ
ألفا ألف، وَفِي مائَة ألف أَلفَانِ وَخَمْسمِائة. . وهلم
جرا.
وَفِيه: أَن الْفضة إِن لم تكن إِلَّا تسعين وَمِائَة
فَلَيْسَ فِيهَا شَيْء لعدم النّصاب، إلاَّ أَن يتَطَوَّع
صَاحبهَا.
93 - (بابٌ لاَ تُؤْخَذُ فِي الصَّدَقَةِ هَرِمَةٌ وَلاَ
ذَاتُ عَوَارٍ وَلاَ تَيْسٌ إلاَّ مَا شاءَ المُصَدِّقُ)
أَي: هَذَا بَاب يذكر فِيهِ: (لَا تُؤْخَذ فِي الصَّدَقَة)
أَي: فِي الزَّكَاة (هرمة) بِفَتْح الْهَاء وَكسر الرَّاء:
أَي: كَبِيرَة سَقَطت أسنانها، وَعَن الْأَصْمَعِي:
الْهَرم، الَّذِي قد بلغ إقصى السن، وَقَالَ أَبُو حَاتِم:
امْرَأَة هرمة وَرِجَال هرمون وهرائم، وَنسَاء هرمات،
وَرُبمَا قيل: شُيُوخ هرمى، وَقد هرم هرما مِثَال: حذر،
وَقَالَ صَاحب (الْعين) : ومهرما وَنسَاء هرمى. وَفِي
(الْكَامِل) لأبي الْعَبَّاس: وَقد أهرمه الدَّهْر وهرمه.
قَوْله: (عوار) ، بِفَتْح الْعين وَبِضَمِّهَا: وَهُوَ
الْعَيْب أَي: وَلَا تُؤْخَذ فِي الصَّدَقَة ذَات عيب.
وَقيل: بِالْفَتْح الْعَيْب وبالضم: العور. قَوْله: (وَلَا
تَيْس) ، وَهُوَ فَحل الْغنم، وَقَيده ابْن التِّين أَنه
من الْمعز أَي: وَلَا يُؤْخَذ فِي الصَّدَقَة تَيْس،
مَعْنَاهُ: إِذا كَانَت مَاشِيَة كلهَا أَو بَعْضهَا
إِنَاثًا لَا يُؤْخَذ مِنْهُ الذّكر، إِنَّمَا تُؤْخَذ
الْأُنْثَى إلاَّ فِي موضِعين وَردت بهما السّنة.
أَحدهمَا:
(9/22)
أَخذ التبيع من ثَلَاثِينَ من الْبَقر،
وَالْآخر: أَخذ ابْن اللَّبُون من خمس وَعشْرين من
الْإِبِل، بدل بنت الْمَخَاض عِنْد عدمهَا. وَأما إِذا
كَانَت مَاشِيَة كلهَا ذُكُورا فَيُؤْخَذ الذّكر، وَقيل:
إِنَّمَا لَا يُؤْخَذ التيس لِأَنَّهُ مَرْغُوب عَنهُ
لنتنه وَفَسَاد لَحْمه، أَو لِأَنَّهُ رُبمَا يقْصد بِهِ
الْمَالِك مِنْهُ الفحولة فيتضرر بِإِخْرَاجِهِ. قَوْله:
(إِلَّا مَا شَاءَ الْمُصدق) روى أَبُو عبيد، بِفَتْح
الدَّال، وَجُمْهُور الْمُحدثين بِكَسْرِهَا، فعلى الأولى
يُرَاد بِهِ الْمُعْطِي وَيكون الِاسْتِثْنَاء مُخْتَصًّا
بقوله: (وَلَا تَيْس) لِأَن رب المَال لَيْسَ لَهُ أَن
يخرج فِي صدقته ذَات عوار، والتيس وَإِن كَانَ غير
مَرْغُوب فِيهِ لنتنه فَإِنَّهُ رُبمَا زَاد على خِيَار
الْغنم فِي الْقيمَة لطلب الفحولة، وعَلى الثَّانِي
مَعْنَاهُ إلاَّ مَا شَاءَ الْمُصدق مِنْهَا، وَرَأى ذَلِك
أَنْفَع للمستحقين فَإِنَّهُ وكيلهم فَلهُ أَن يَأْخُذ مَا
شَاءَ، وَيحْتَمل تَخْصِيص ذَلِك إِذا كَانَت الْمَوَاشِي
كلهَا مَعِيبَة. وَقَالَ الطَّيِّبِيّ: هَذَا إِذا كَانَ
الِاسْتِثْنَاء مُتَّصِلا، وَيحْتَمل أَن يكون
مُنْقَطِعًا، وَالْمعْنَى: لَا يخرج الْمُزَكي النَّاقِص
والمعيب لَكِن يخرج مَا شَاءَ الْمُصدق من السَّلِيم أَو
الْكَامِل. وَفِي (التَّلْوِيح) : قَالَ بَعضهم: الْمُصدق،
بتَشْديد الصَّاد وَالدَّال، وَقَالَ أَصله: الْمُتَصَدّق،
فأدغمت التَّاء فِي الصَّاد لقرب مخرجهما. قلت: لَيْسَ
كَذَلِك، بل أبدلت التَّاء صادا ثمَّ أدغمت الصَّاد فِي
الصَّاد على مَا تَقْتَضِيه الْقَوَاعِد الصرفية.
5541 - حدَّثنا مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الله قَالَ حدَّثني
أبِي قَالَ حدَّثني ثُمَامَةُ أنَّ أنسا رَضِي الله
تَعَالَى عنهُ حدَّثَهُ أنَّ أبَا بَكْرٍ رَضِي الله
تَعَالَى عنهُ كتَبَ لهُ الَّتِي أمَرَ الله رَسولَهُ صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم وَلاَ يُخْرَجُ فِي الصَّدَقَةِ
هَرِمَةٌ وَلاَ ذَاتُ عَوَارٍ وَلاَ تَيْسٌ إلاَّ مَا شاءَ
المُصَدِّقُ..
قد ذكرنَا أَن البُخَارِيّ قطع هَذَا الحَدِيث قطعا، فترجم
لكل قِطْعَة مِنْهَا تَرْجَمَة، وَهَذَا الْإِسْنَاد
بِعَيْنِه قد ذكر غير مرّة، وَنَفس لفظ الحَدِيث هُوَ عين
التَّرْجَمَة فَلَا مُطَابقَة بَينهمَا أقوى وأنسب من
ذَلِك، وَقد فسرنا أَلْفَاظه. وَأما الحكم فِيهِ فعامة
الْفُقَهَاء على الْعَمَل بِهِ، فالمأخوذ فِي الصَّدقَات
الْعدْل، وَهُوَ مَا بَين خِيَار المَال ودونه، فَإِن
كَانَ المَال كُله معيبا يُؤْخَذ الْوسط مِنْهُ، وَهُوَ
قَول الشَّافِعِي أَيْضا. وَعند مَالك: يُكَلف بسليم من
الْعَيْب، وَهُوَ مَشْهُور مذهبع، وَيُؤْخَذ فِي
الصَّغِيرَة الَّتِي تبلغ سنّ الْجذع، وَعند أبي حنيفَة
وَالشَّافِعِيّ: إِذا كَانَت كلهَا صغَارًا أَو مراضا أَخذ
مِنْهَا، ونحا إِلَيْهِ مُحَمَّد بن الحكم والمخزومي
والماجشون وَمُحَمّد وَأَبُو يُوسُف، وَقَالَ مطرف: إِن
كَانَت عِجَافًا أَو ذَوَات عوار أَو تيوسا أخذنها، وَإِن
كَانَت مواحض أَو أكولة أَو سخالاً لم تُؤْخَذ مِنْهَا.
وَقَالَ عبد الْملك: يَأْخُذ من ذَلِك كُله إِذا لم تكن
فِيهَا جَذَعَة أَو ثنية إلاَّ أَن تكون سخالاً فَلَا
يُؤْخَذ مِنْهَا. وَقَالَ مُحَمَّد بن الْحسن: إِن السخال
والعجاجيل لَا شَيْء فِيهَا.
وَتَحْقِيق مَذْهَب الْحَنَفِيَّة فِي هَذَا الْبَاب مَا
قَالَه صَاحب (الْهِدَايَة) : وَلَيْسَ فِي الفصلان
والعجاجيل والحملان صَدَقَة، وَهَذَا آخر أَقْوَال أبي
حنيفَة، وَبِه قَالَ مُحَمَّد بن الْحسن وَالثَّوْري
وَالشعْبِيّ وَدَاوُد أَبُو سُلَيْمَان، وَكَانَ يَقُول
أَولا: يجب فِيهَا مَا يجب فِي الْكِبَار من الْجذع
والتثنية، وَبِه قَالَ زفر وَمَالك وَأَبُو عبيد وَأَبُو
بكر من الْحَنَابِلَة، وَفِي (الْمُغنِي) : فِي
(الصَّحِيح) : ثمَّ رَجَعَ، وَقَالَ: تجب وَاحِدَة
مِنْهَا، وَبِه قَالَ الْأَوْزَاعِيّ وَإِسْحَاق
وَيَعْقُوب وَالشَّافِعِيّ فِي (الْجَدِيد) وصححوه، ثمَّ
رَجَعَ إِلَى مَا ذَكرْنَاهُ آنِفا. وروى عَن الثَّوْريّ:
أَن الْمُصدق يَأْخُذ مُسِنَّة وَيرد على صَاحب المَال فضل
مَا بَين المسنة وَالصَّغِيرَة الَّتِي هِيَ فِي
مَاشِيَته، وَهُوَ وَجه للحنابلة، وَهنا قَول آخر ضَعِيف
جدا لم ينْقل عَن غير الْحَنَابِلَة: أَنه يجب فِي خمس
وَعشْرين من الفصلان وَاحِدَة مِنْهَا، وَفِي سِتّ
وَثَلَاثِينَ مِنْهَا كسن وَاحِدَة مِنْهَا مرَّتَيْنِ،
وَفِي سِتّ وَأَرْبَعين وَاحِدَة سنّهَا مثل سنّ وَاحِدَة
مِنْهَا كسن وَاحِدَة مِنْهَا مرَّتَيْنِ، وَفِي سِتّ
وَأَرْبَعين وَاحِدَة سنّهَا مثل سنّ وَاحِدَة مِنْهَا
ثَلَاث مَرَّات، وَفِي إِحْدَى وَسِتِّينَ وَاحِدَة مثل
سنّهَا أَربع مَرَّات، وَفِي (شرح الْمُهَذّب) للنووي:
إِذا كَانَت الْمَاشِيَة صغَارًا أَو وَاحِدَة مِنْهَا فِي
سنّ الْفَرْض يجب سنّ الْفَرْض الْمَنْصُوص عَلَيْهِ عِنْد
الشَّافِعِي، وَهُوَ قَول مَالك وَأحمد، فَإِن هَلَكت
المسنة بعد الْحول لَا يُؤْخَذ مِنْهَا شَيْء فِي قَول أبي
حنيفَة وَمُحَمّد، وَيجْعَل تبعا لَهَا فِي الْوُجُوب
والهلاك، فَإِذا هَلَكت بِغَيْر صنع أحد تجْعَل كَأَنَّهَا
هَلَكت مَعَ الصغار، وَعند أبي يُوسُف: يجب تِسْعَة
وَثَلَاثُونَ جزأ من أَرْبَعِينَ جزأ من حمل هُوَ أفضلهَا،
وَيسْقط فضل المسنة، كَأَن الْكل كَانَ حملانا وَهلك
مِنْهَا حمل، وَعند زفر: يجب مثلهَا من تَثْنِيَة وسط،
وَإِن هَلَكت الصغار وَبقيت المسنة يجب فِيهَا جُزْء من
شَاة وسط اتِّفَاقًا. ذكره الوبري.
04 - (بابُ أخْذِ العَنَاقِ فِي الصَّدَقَةِ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان جَوَاز أَخذ العناق فِي
الصَّدَقَة: أَي: الزَّكَاة، والعناق، بِفَتْح الْعين
وَتَخْفِيف النُّون: ولد الْمعز إِذا أَتَى عَلَيْهِ
(9/23)
أَرْبَعَة أشهر وَفصل من أمه وَقَوي على
الرَّعْي، فَإِن كَانَ ذكرا فَهُوَ جدي، وَإِن كَانَ
أُنْثَى فَهُوَ عنَاق، فَإِذا أَتَى عَلَيْهِ حول فالذكر
ثني وَالْأُنْثَى عنز، ثمَّ يكون جذعا فِي السّنة
الثَّانِيَة. وَنقل ابْن التِّين عَن القَاضِي إبي
مُحَمَّد: أَن المُرَاد بالعناق الْجَذعَة من الْمعز،
وَقَالَ الدَّاودِيّ: وَاخْتلف فِي الْجذع من الْمعز،
فَقيل: ابْن سنة. وَقيل: وَدخل فِي الثَّانِيَة، وَاخْتلف
فِي الثني فَقيل: إِذا أسقط سنة وَاحِدَة أَو اثْنَتَيْنِ
أَو ثناياه كلهَا فَهُوَ ثني، وَقيل: لَا يكون سنيا إلاَّ
بِسُقُوط ثِنْتَيْنِ، وَأما الْجذع من الضَّأْن فَفِيهِ
أَرْبَعَة أَقْوَال عِنْد الملكية: ابْن سنة، ابْن عشرَة
أشهر، ابْن ثَمَانِيَة، ابْن سِتَّة، وَالأَصَح عِنْد
الشَّافِعِيَّة: مَا اسْتكْمل سنة وَدخل فِي الثَّانِيَة.
6541 - حدَّثنا أبُو اليَمَانِ قَالَ أخبرنَا شُعَيْبٌ عنِ
الزُّهْرِيِّ ح وَقَالَ اللَّيْثُ حدَّثنا عَبْدُ
الرَّحْمانِ بنُ خالِدٍ عنِ ابنِ شِهَابٍ عنْ عُبَيْدِ
الله بنِ عَبْدِ الله بنِ عُتْبَةَ بنِ مَسْعُودٍ أنَّ
أَبَا هُرَيْرَةَ رَضِي الله تَعَالَى عنهُ قَالَ قَالَ
أبُو بَكْرٍ رَضِي الله تَعَالَى عنهُ لَوْ مَنَعُونِي
عَنَاقا كانُوا يُؤَدُّونَهَا إلَى رسُولِ الله صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم لَقَاتَلْتُهُمْ عَلَى مَنْعِهَا. قَالَ
عُمَرُ رَضِي الله تَعَالَى عنهُ فَمَا هُوَ إلاَّ أنْ
رَأيْتُ أنَّ الله شَرَحَ صَدْرَ أبِي بَكْرٍ رَضِي الله
تَعَالَى عنهُ بالقِتَالِ فَعَرَفْتُ أنَّهُ الحَقُّ.
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (لَو مَنَعُونِي
عنَاقًا) إِلَى آخِره، وَكَأَنَّهُ أَشَارَ بِهَذِهِ
التَّرْجَمَة إِلَى جَوَاز أَخذ الصَّغِير من الْغنم فِي
الزَّكَاة، وَهَذَا الحَدِيث قِطْعَة من حَدِيث قصَّة عمر
مَعَ أبي بكر، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا، فِي قتال
مانعي الزَّكَاة، وَقد مر الحَدِيث بِتَمَامِهِ مطولا فِي
أول الزَّكَاة، أخرجه هُنَاكَ من طَرِيق وَاحِد عَن أبي
الْيَمَان الحكم بن نَافِع عَن شُعَيْب بن أبي حَمْزَة عَن
مُحَمَّد بن مُسلم الزُّهْرِيّ عَن عبيد الله آخِره،
وَهَهُنَا أخرجه من طَرِيقين: أَحدهمَا عَن أبي الْيَمَان
عَن شُعَيْب عَن الزُّهْرِيّ عَن عبيد الله، وَالْآخر
مُعَلّق حَيْثُ قَالَ: قَالَ اللَّيْث ... إِلَى آخِره،
وَوَصله الذهلي فِي الزهريات عَن أبي صَالح عَن اللَّيْث.
ذكر مَا يُسْتَفَاد مِنْهُ: اخْتلفُوا فِي أَخذ العناق
والسخال، والبهم إِذا كَانَت الْغنم كَذَلِك كلهَا، أَو
كَانَ فِي الْإِبِل فصلان أَو فِي الْبَقر عجاجيل، فَقَالَ
مَالك: عَلَيْهِ فِي الْغنم جَذَعَة أَو ثنية، وَعَلِيهِ
فِي الْإِبِل وَالْبَقر مَا فِي الْكِبَار مِنْهَا، وَهُوَ
قَول زفر وَأبي ثَوْر، وَقَالَ أَبُو يُوسُف
وَالْأَوْزَاعِيّ وَالشَّافِعِيّ: يُؤْخَذ مِنْهَا إِذا
كَانَت صغَارًا من كل صنف وَاحِد مِنْهَا، وَقَالَ أَبُو
حنيفَة وَالثَّوْري وَمُحَمّد: لَا شَيْء فِي الفصلان
وَلَا فِي العجاجيل، وَلَا فِي صغَار الْغنم لَا مِنْهَا
وَلَا من غَيرهَا، وَذكر ابْن الْمُنْذر: وَكَانَ أَبُو
حنيفَة وَأَصْحَابه وَالثَّوْري وَالشَّافِعِيّ وَأحمد
يَقُولُونَ: فِي أَرْبَعِينَ حملا مُسِنَّة، وعَلى هَذَا
القَوْل هم موافقون لقَوْل مَالك، وَقد مر تَحْقِيق هَذَا
فِي الْبَاب السَّابِق، فَإِن قلت: كَيفَ وَجه
الِاسْتِدْلَال بِهَذَا الحَدِيث عِنْد من يرى جَوَاز أَخذ
الصَّغِير إِذا كَانَت الْمَاشِيَة كلهَا صغَارًا؟ قلت:
قَالُوا: قَول أبي بكر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ: (لَو
مَنَعُونِي عنَاقًا كَانُوا يؤدونها) يدل على أَنَّهَا
مَأْخُوذَة فِي الصَّدَقَة، وَهُوَ مَذْهَب البُخَارِيّ
أَيْضا، فَلذَلِك ترْجم بالترجمة الْمَذْكُورَة، وَأجَاب
المانعون، بِأَن تَأْوِيله: يؤدون عَنْهَا مَا يجوز
أَدَاؤُهُ، وَيشْهد لَهُ قَول عمر، رَضِي الله تَعَالَى
عَنهُ: أعدد عَلَيْهِم السخلة وَلَا تأخذها، وَإِنَّمَا
خرج قَول الصّديق على الْمُبَالغَة بِدَلِيل الرِّوَايَة
الْأُخْرَى: لَو مَنَعُونِي عقَالًا، والعقال لَيْسَ فِيهِ
زَكَاة، وَالله تَعَالَى أعلم.
14 - (بابٌ لاَ تُؤْخَذُ كَرَائِمُ أمْوَالِ النَّاسِ فِي
الصَّدَقَةِ)
أَي: هَذَا بَاب يذكر فِيهِ: لَا تُؤْخَذ ... إِلَى آخِره،
والكرائم جمع كَرِيمَة، يُقَال: نَاقَة كَرِيمَة، أَي:
غزيرة اللَّبن، وَيدخل فِيهِ الحديثة الْعَهْد بالنتاج،
والسمينة للْأَكْل وَالْحَامِل.
8541 - حدَّثنا أُمَيَّةُ بنُ بِسْطَامٍ قَالَ حدَّثنا
يَزِيدُ بنُ زُرَيْعٍ قَالَ حدَّثنا رَوْحُ بنُ القَاسِمِ
عنْ إسْمَاعِيلَ بنِ أُمَيَّةَ عنْ يَحْيى بنِ عَبْدِ الله
بنِ صَيْفِي عنْ أبِي مَعْبَدٍ عنِ ابنِ عَبَّاسٍ رَضِي
الله تَعَالَى عنهُما أنَّ رسولَ الله صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم لَمَّا بَعَثَ مُعَاذا رَضِي الله عنهُ عَلَى
اليَمَنِ قَالَ إنَّكَ تَقْدَمُ عَلَى قَوْمٍ أهْلِ
كِتَابٍ
(9/24)
فلْيَكُنْ أوَّلَ مَا تَدْعُوهُمْ إليْهِ
عِبَادَةُ الله فإذَا عَرَفُوا الله فأخْبَرَهُمْ أنَّ
الله قَدْ فَرَضَ عَلَيْهِمْ خَمْسَ صَلَوَاتٍ فِي
يَوْمِهِمْ ولَيْلَتِهِمْ فإذَا فَعَلُوا فأخْبِرْهُمْ
أنَّ الله فَرَضَ علَيْهِمْ زَكاةً تُؤْخَذُ مِنْ
أمْوَالِهِمْ وَتُرَدُّ عَلَى فُقَرَائِهِمْ فإذَا
أطَاعُوا بِهَا فَخُذْ مِنْهُمُ وَتَوَقَّ كَرَائِمَ
أمْوَالِ النَّاسِ..
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (وتوق كرائم أَمْوَال
النَّاس) ، وَقد مضى هَذَا الحَدِيث فِي أول الزَّكَاة،
فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ: عَن أبي عَاصِم الضَّحَّاك بن
مخلد عَن زَكَرِيَّا بن إِسْحَاق عَن يحيى بن عبد الله
إِلَى آخِره، وَهنا أخرجه: عَن أُميَّة بن بسطَام، بِكَسْر
الْبَاء الْمُوَحدَة وَبِفَتْحِهَا، وَالْأول أشهر،
وَقَالَ ابْن الصّلاح: أعجمي لَا ينْصَرف، وَمِنْهُم من
صرفه العيشي، بِفَتْح الْعين الْمُهْملَة وَسُكُون الْيَاء
آخر الْحُرُوف وبالشين الْمُعْجَمَة، مَاتَ سنة إِحْدَى
وَثَلَاثِينَ وَمِائَتَيْنِ، وَهُوَ يروي عَن يزِيد بن
زُرَيْع مصغر الزَّرْع المرادف للحرث، مر فِي: بَاب الْجنب
يخرج، وَهُوَ يروي عَن روح، بِفَتْح الرَّاء: ابْن
الْقَاسِم، مر فِي: بَاب مَا جَاءَ فِي غسل الْبَوْل،
وَهُوَ يروي عَن إِسْمَاعِيل بن أُميَّة الْأمَوِي
الْمَكِّيّ، مَاتَ فِي سنة تسع وَثَلَاثِينَ وَمِائَة، عَن
يحيى بن عبد الله عَن أبي معبد، بِفَتْح الْمِيم واسْمه:
نَافِذ، بالنُّون. وَالْفَاء والذال الْمُعْجَمَة،
والتفاوت بَينهمَا يسير، وَلَيْسَ فِي الَّذِي رَوَاهُ أول
الزَّكَاة.
قَوْله: (وتوق كرائم أَمْوَال النَّاس) ، فلنذكر فِيهِ بعض
شَيْء، وَإِن كَانَ الْكَلَام قد مضى فِيهِ هُنَاكَ
مُسْتَوفى، فَقَوله: (على الْيمن) ، وَهُوَ الإقليم
الْمَعْرُوف، وَإِنَّمَا قَالَ: على الْيمن، مَعَ أَن
الْبَعْث يتَعَدَّى بإلى لِأَنَّهُ ضمن فِيهِ معنى
الْولَايَة أَي: بعث واليا عَلَيْهِم. قَوْله: (تقدم)
بِفَتْح الدَّال من قدم، بِالْكَسْرِ، إِذا جَاءَ من
السّفر. وَأما قدُم بِالضَّمِّ فَمَعْنَاه: تقدم. قَوْله:
(أول) ، بِالنّصب لِأَنَّهُ خبر كَانَ، واسْمه قَوْله:
(عبَادَة الله) . قَوْله: (فَإِذا عرفُوا الله) أَي:
بِالتَّوْحِيدِ، وَنفي الألوهية عَن غَيره. وَقَالَ
الْكرْمَانِي. فَإِن قلت: مُقْتَضى الظَّاهِر أَن يُقَال:
معرفَة الله بِقَرِينَة، فَإِذا عرفُوا الْحق. فَإِن قلت:
المُرَاد من الْعِبَادَة الْمعرفَة، كَمَا قيل بِهِ فِي
قَوْله تَعَالَى: {وَمَا خلقت الْجِنّ وَالْإِنْس إلاَّ
ليعبدونِ} (الذاريات: 65) . أَي: ليعرفونِ. انْتهى قلت:
معنى الْعِبَادَة التَّوْحِيد، وَمعنى قَوْله: {إلاَّ
ليعبدونِ} (الذاريات: 65) . إلاَّ ليعرفونِ. قَوْله:
(وَترد على فقرائهم) ، مَعْطُوف على مَحْذُوف تَقْدِيره:
تُؤْخَذ من أَمْوَالهم وَترد على فقرائهم، والمحذوف
مَوْجُود فِي بعض النّسخ. قَوْله: (توق) ، أَي: إحذر
النفائس وَخيَار أَمْوَالهم. قَالَ صَاحب (الْمطَالع) :
أَي: جَامِعَة الْكَمَال الْمُمكن فِي حَقّهَا من: غزارة
اللَّبن، وجمال الصُّورَة، وَكَثْرَة اللَّحْم، وَالصُّوف.
24 - (بابٌ لَيْسَ فِيمَا دُونَ خَمْسِ ذَوْدٍ صَدَقَةٌ)
أَي: هَذَا بَاب يذكر فِيهِ: لَيْسَ فِيمَا دون خمس ذود
زَكَاة، وَقد مر تَفْسِيره وَشرح حَدِيث الْبَاب أَيْضا
فِي: بَاب زَكَاة الْوَرق، وَقد تكلّف بَعضهم، فَقَالَ:
هَذِه التَّرْجَمَة تتَعَلَّق بِزَكَاة الْإِبِل،
وَإِنَّمَا اقتطعها من ثمَّ لِأَن التَّرْجَمَة
الْمُتَقَدّمَة مسوقة للْإِيجَاب، وَهَذِه للنَّفْي،
فَلذَلِك فصل بَينهمَا بِزَكَاة الْغنم وتوابعه. انْتهى.
قلت: هَذَا تعسف لَيْسَ فِيهِ زِيَادَة فَائِدَة لِأَنَّهُ
لَا يُرَاعِي التَّرْتِيب بَين الْأَبْوَاب وَإِنَّمَا
أعَاد هَذَا الحَدِيث هُنَا للِاخْتِلَاف فِي سَنَده،
وَلِأَنَّهُ ترْجم هُنَاكَ للورق وَهَهُنَا لِلْإِبِلِ.
9541 - حدَّثنا عَبْدُ الله بنُ يُوسُفَ قَالَ أخبرنَا
مالِكٌ عَن مُحَمَّدِ بنِ عَبْدِ الرَّحْمانِ بنِ أبِي
صَعْصَعَةَ المَازِنِيِّ عنْ أبِيهِ عنْ أبِي سَعِيدٍ
الخُدْرِيِّ رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ أنَّ رسولَ الله
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ لَيْسَ فِيمَا دُونَ
خَمْسَةِ أوْسُق مِنَ التَّمْرِ صَدَقَةٌ ولَيْسَ فِيمَا
دُون خَمْسِ أوَاقٍ مِنَ الوَرِقِ صَدَقَةٌ ولَيْسَ فِيمَا
دُونَ خَمْسِ ذَوْدٍ مِنَ الإبِلِ صَدَقَةٌ.
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي الْجُزْء الْأَخير من الحَدِيث،
وَمُحَمّد بن عبد الرَّحْمَن بن أبي صعصعة الْمَازِني،
كَذَا هُوَ فِي رِوَايَة مَالك، وَالْمَعْرُوف أَنه:
مُحَمَّد بن عبد الرَّحْمَن بن عبد الله بن أبي صعصعة نسب
إِلَى جده، وجده نسب إِلَى جده.
قَوْله: (عَن أَبِيه) ، كَذَا رَوَاهُ مَالك، وروى
إِسْحَاق بن رَاهَوَيْه فِي (مُسْنده) عَن أبي أُسَامَة
عَن الْوَلِيد بن كثير عَن مُحَمَّد هَذَا عَن عَمْرو
(9/25)
ابْن يحيى وَعباد بن تَمِيم كِلَاهُمَا عَن
أبي سعيد، وَنقل الْبَيْهَقِيّ عَن مُحَمَّد بن يحيى
الذهلي أَن مُحَمَّدًا أسمعهُ من ثَلَاثَة أنفس وَأَن
الطَّرِيقَيْنِ محفوظان.
34 - (بابُ زَكَاةِ البَقَرِ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان إِيجَاب زَكَاة الْبَقر.
الْبَقر: جمع بقرة، وَهُوَ الباقر أَيْضا، وَيُقَال لَهَا:
باقر إِذا كَانَت جمَاعَة مَعَ الرُّعَاة، وَالْبَقر
أَيْضا اسْم للْجمع، كالكليب وَالْعَبِيد، والبيقور مثله.
وَفِي (الْمُحكم) : الْبَقَرَة من الأهلي والوحشي تكون
للمذكر والمؤنث، وَالْجمع: بقر، وَجمع الْبَقَرَة أبقر،
كزمن وأزمن، فَأَما باقر وبقير وباقورة، فأسماء للْجمع.
وَفِي (كتاب الوحوش) لهشام الكرنبائي: يُقَال للْأُنْثَى
من بقر الْوَحْش، بقرة ونعجة ومهاة، وَقد يُقَال فِي
الشّعْر للبقرة: ثورة، وَلم يَجِيء فِي الْكَلَام:
والباقرة جماع بقرة والبقير لَا وَاحِد لَهُ، وَفِي
(الصِّحَاح) ؛ وَالْجمع الْبَقَرَات، وَفِي (الْمغرب)
للمطرزي: والباقور والبيقور والأبقور: الْبَقر، وَكَذَا
الباقورة.
وَقَالَ أبُو حُمَيْدٍ قَالَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم لأَعْرِفَنَّ مَا جَاءَ الله رَجُلٌ بِبَقَرَةٍ
لَهَا خُوَارٌ ويُقَالُ جُؤَارٌ تَجْأرُونَ تَرْفَعُونَ
أصْوَاتَكُمْ كَما تجْأرُ البَقَرَةُ
مطابقته للتَّرْجَمَة من حَيْثُ إِن الحَدِيث يتَضَمَّن
الْوَعيد فِيمَن لم يؤد زَكَاة الْبَقر، فَيدل على وجوب
زَكَاة الْبَقر، وَقد قُلْنَا: إِن التَّقْدِير فِي
التَّرْجَمَة: بَاب فِي بَيَان إِيجَاب زَكَاة الْبَقر،
وَهَذَا التَّعْلِيق قِطْعَة من حَدِيث ابْن اللتيبة أخرجه
مُسْندًا مَوْصُولا من طرق، وَهَذَا الْقدر وَقع عِنْده
مَوْصُولا فِي كتاب: ترك الْحِيَل، وَأَبُو حميد، بِضَم
الْحَاء: السَّاعِدِيّ الْأنْصَارِيّ، قيل: اسْمه عبد
الرَّحْمَن، وَقيل: الْمُنْذر بن سعد، مر فِي اسْتِقْبَال
الْقبْلَة. قَوْله: (لأعرفن) أَي: لأعرفنكم غَدا على هَذِه
الْحَالة، وَفِي رِوَايَة الْكشميهني: لأعرفن، بِحرف
النَّفْي، أَي: مَا يَنْبَغِي أَن تَكُونُوا على هَذِه
الْحَالة فأعرفكم بهَا. قَالَ القَاضِي: رِوَايَة النَّفْي
أشهر، وَرِوَايَة: لأعرفن، أَكثر. رَوَاهُ مُسلم. قَوْله:
(مَا جَاءَ الله رجل) كلمة: مَا، مَصْدَرِيَّة، وَلَفْظَة:
الله، مَنْصُوبَة بقوله: جَاءَ، وَرجل مَرْفُوع لِأَنَّهُ
فَاعل: جَاءَ، وَهَذِه الْجُمْلَة فِي مَحل النصب على
أَنَّهَا مفعول قَوْله: لأعرفن، وَتَقْدِير الْكَلَام:
لأعرفن مَجِيء رجل إِلَى الله يَوْم الْقِيَامَة ببقرة
لَهَا خوار، بِضَم الْخَاء الْمُعْجَمَة وَبِغير الْهمزَة،
وَهُوَ: صَوت الْبَقر. قَوْله: (وَيُقَال جؤار) ، من
كَلَام البُخَارِيّ: أَي: يُقَال: جؤار، بِضَم الْجِيم
وبالهمزة مَوضِع: خوار، بِضَم الْخَاء الْمُعْجَمَة.
وَقَالَ ابْن الْأَثِير: الْمَشْهُور بِالْخَاءِ
الْمُعْجَمَة. وَأما: الجؤار، بِالْجِيم والهمزة
فَمَعْنَاه: رفع الصَّوْت، والاستغاثة من جأر يجأر جأرا
وجؤارا إِذا رفع صَوته مَعَ تضرع واستغاثة. قَالَه فِي
(الْمُحكم) : وَقَالَ ثَعْلَب: هُوَ رفع الصَّوْت
بِالدُّعَاءِ. وَفِي كتاب (الوحوش) للكرنبائي: الخوار غير
مَهْمُوز، والجؤار مَهْمُوز وهما سَوَاء. قَوْله: (تجأرون)
أَشَارَ بِهِ إِلَى الْمَذْكُور فِي الْقُرْآن فِي سُورَة
الْمُؤمنِينَ، مَعْنَاهُ: ترفعون أَصْوَاتكُم، وَقد جرت
عَادَة البُخَارِيّ إِذا وقف على لَفْظَة غَرِيبَة تطابق
كلمة فِي الْقُرْآن نقل تَفْسِير تِلْكَ الْكَلِمَة
الَّتِي من الْقُرْآن تكثيرا للفائدة وتنبيها على مَا وَقع
من ذَلِك فِي الْقُرْآن، وَقد روى ابْن أبي حَاتِم هَذَا
التَّفْسِير عَن السّديّ، وروى أَيْضا من طَرِيق عَليّ بن
أبي طَلْحَة عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله: (تجأرون) قَالَ:
تَسْتَغِيثُونَ.
0641 - حدَّثنا عُمَرُ بنُ حَفْصِ بنُ غِيَاثٍ قَالَ
حدَّثنا الأعْمَشُ عنِ المَعْرُوِرِ ابنِ سُوَيْدٍ عنْ
أبِي ذَرٍّ رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ. قَالَ انْتَهَيْتُ
إلَى النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم. قَالَ والَّذِي
نَفْسِي بِيَدِهِ أوْ وَالَّذِي لاَ إلاهَ غَيْرُهُ أوْ
كَمَا حَلَفَ مَا مِنْ رَجُلٍ تَكُونُ لَهُ إبِلٌ أوْ
بَقَرٌ أوْ غَنَمٌ لاَ يُؤَدِّي حَقَّهَا إلاَّ أُتِيَ
بِهَا يوْمَ القِيَامَةِ أعْظَمَ مَا تَكُونُ وَأسْمَنَهُ
تَطَؤُهُ بِأخْفَافِهَا وَتَنْطَحُهُ بِقُرُونِهَا كلَّمَا
جازَتْ أُخْرَاهَا رُدَّتْ عليهِ أُولاهَا حَتَّى يُقْضى
بَيْنَ النَّاسِ.
(الحَدِيث 0641 طرفه فِي: 8366) .
مطابقته للتَّرْجَمَة مثل الَّذِي ذَكرْنَاهُ فِي الحَدِيث
السَّابِق.
ذكر رِجَاله: وهم: خَمْسَة، كلهم قد ذكرُوا، وَالْأَعْمَش
(9/26)
هُوَ سُلَيْمَان، والمعرور، بِفَتْح
الْمِيم وَسُكُون الْعين الْمُهْملَة وبالراء المكررة، مر
فِي: بَاب الْمعاصِي، فِي كتاب الْإِيمَان.
وَأخرجه البُخَارِيّ أَيْضا فِي النذور مقطعا. وَأخرجه
مُسلم فِي الزَّكَاة عَن أبي بكر بن أبي شيبَة، وَعَن أبي
كريب وَعَن أبي مُعَاوِيَة، ثَلَاثَتهمْ عَن الْأَعْمَش
عَنهُ بِهِ، وَأخرجه التِّرْمِذِيّ فِيهِ عَن هناد بِهِ
وَعَن مُحَمَّد بن عبد الله بن الْمُبَارك. وَأخرجه ابْن
مَاجَه فِيهِ عَن عَليّ بن مُحَمَّد عَن وَكِيع بِهِ
مُخْتَصرا (مَا من صَاحب إبل) الحَدِيث.
ذكر مَعْنَاهُ: قَوْله: (انْتَهَيْت إِلَى النَّبِي صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم) ويروى: (انْتَهَيْت إِلَيْهِ) أَي:
إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، هَكَذَا فسره
الْكرْمَانِي، أَيْضا. وَقَالَ صَاحب (التَّلْوِيح) :
انْتَهَيْت إِلَيْهِ يَعْنِي: إِلَى النَّبِي صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم. وَفِي رِوَايَة مُسلم: (انْتَهَيْت إِلَى
رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم) ، وَفِي رِوَايَة
التِّرْمِذِيّ: (جِئْت إِلَى رَسُول الله صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم) . أما رِوَايَة مُسلم فَقَالَ: حَدثنَا
أَبُو بكر بن أبي شيبَة، قَالَ: حَدثنَا وَكِيع، قَالَ:
حَدثنَا الْأَعْمَش عَن الْمَعْرُور بن سُوَيْد (عَن أبي
ذَر، قَالَ: انْتَهَيْت إِلَى رَسُول الله صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم وَهُوَ جَالس فِي ظلّ الْكَعْبَة، فَلَمَّا
رَآنِي، قَالَ: هم الأخسرون وَرب الْكَعْبَة) الحَدِيث،
وَفِيه: (مَا من صَاحب إبل وَلَا بقر وَلَا غنم لَا
يُؤَدِّي زَكَاتهَا إلاَّ جَاءَت يَوْم الْقِيَامَة أعظم
مَا كَانَت وأسمنه تنطحه بقرونها وتطؤه بأخفافها، كلما
نفدت أخراها عَادَتْ عَلَيْهِ أولاها حَتَّى يقْضى بَين
النَّاس) . وَأما رِوَايَة التِّرْمِذِيّ، فَقَالَ:
حَدثنَا هناد بن السّري حَدثنَا أَبُو مُعَاوِيَة عَن
الْأَعْمَش عَن الْمَعْرُور بن سُوَيْد (عَن أبي ذَر،
قَالَ: جِئْت إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
وَهُوَ جَالس فِي ظلّ الْكَعْبَة، قَالَ: فرآني مُقبلا،
فَقَالَ: هم الأخسرون وَرب الْكَعْبَة يَوْم الْقِيَامَة)
الحَدِيث، وَفِيه: (ثمَّ قَالَ: وَالَّذِي نَفسِي بِيَدِهِ
لَا يَمُوت رجل فيدع إبِلا أَو بقر لم يؤد زَكَاتهَا إلاَّ
جَاءَت يَوْم الْقِيَامَة أعظم مَا كَانَت وأسمنه تطؤه
بأخفافها وتنطحه بقرونها كلما نفدت. .) إِلَى آخِره، نَحْو
رِوَايَة مُسلم. وَقَالَ بَعضهم: قَوْله: قَالَ:
انْتَهَيْت إِلَيْهِ) هُوَ مقول الْمَعْرُور، وَالضَّمِير
يعود على أبي ذَر، وَهُوَ الْحَالِف. انْتهى قلت: رِوَايَة
مُسلم وَالتِّرْمِذِيّ تظهر غلط هَذَا الْقَائِل،
وَهَذَانِ العمدتان فِي هَذَا الْأَمر يصرحان أَن قَوْله:
انْتَهَيْت، مقول أبي ذَر، وَلَيْسَ بمقول الْمَعْرُور،
وَأَن الْحَالِف هُوَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم.
قَوْله: (أَو كَمَا حلف) ، يَعْنِي: حَالفا بِلَا خلاف،
وَلَكِن أَبَا ذَر تردد بَين هَذِه الْأَلْفَاظ وَلم
يضبطها كَمَا وَقع. قَوْله: (مَا من رجل) مقول قَوْله:
(قَالَ: وَالَّذِي نَفسِي بِيَدِهِ) وَهَذِه الْجُمْلَة
مُعْتَرضَة بَين قَالَ ومقولة. قَوْله: (لَا يُؤَدِّي
حَقّهَا) أَي: زَكَاتهَا، وَكَذَا صرح فِي رِوَايَة مُسلم
حَيْثُ قَالَ: (لَا يُؤَدِّي مُسلم زَكَاتهَا) . قَوْله:
(أُتِي بهَا) بِضَم الْهمزَة. قَوْله: (أعظم) ، نصب على
الْحَال. قَوْله: (وأسمنه) ، الضَّمِير فِيهِ يرجع إِلَى
مَا يكون. قَوْله: (وتنطحه) ، بِكَسْر عينه وَهُوَ الَّذِي
اخْتَارَهُ ثَعْلَب فِي (الفصيح) وماضيه: نطح، بِفَتْح
الْعين. قَالَ الْقَزاز: النطح ضرب الْكَبْش بِرَأْسِهِ،
وَحكى المطرزي فِي (شَرحه) يَنْطَح، بِفَتْح الْعين فِي
الْمُسْتَقْبل وَفِي الْمَاضِي بِالتَّشْدِيدِ: نطح قلت:
لَيْسَ هَذَا من ذَلِك وَلَا يَأْتِي من: فعَّل،
بِالتَّشْدِيدِ إلاَّ بِفعل كَذَلِك بِالتَّشْدِيدِ.
وَقيل: النطح مَخْصُوص بالكباش، وَكَانَ ابْن خروف يخطؤه
فِي ذَلِك، وَقد اسْتعْمل فِي غير الكباش، وَحكى ابْن
قُتَيْبَة: نطح الْكَبْش والثور، وَحكى اللغويون: نطح
الشجاع قرنه فصرعه. وَفِي كتاب (الفصيح) : نطح الْكَبْش
وَغَيره يَنْطَح. وَفِي (الْمُنْتَهى) لأبي الْمعَانِي:
وتناطحت الأمواج. وَقَالَ ابْن درسْتوَيْه فِي كِتَابه
(شرح الفصيح) : النطح بالقرنين أَو الرأسين، ويخص بذلك
الكباش لِأَنَّهَا مولعة بِهِ، حَتَّى إِن الأقران فِي
الْحَرْب تشبه بهَا، فَيُقَال: تناطحوا وانتطحوا، ونطح
فلَان قرنه فصرعه. قَوْله: (بأخفافها) جمع: خف، فالخف
للبعير كَمَا أَن الْقرن للبقر وَالْغنم. قَوْله: (كلما
جَازَت) أَي: مرت. قَوْله: (ردَّتْ) على صِيغَة
الْمَجْهُول ويروى على صِيغَة الْمَعْلُوم، فالفاعل أما
الأولى، وَأما الْأُخْرَى. قَوْله: (عَلَيْهِ) أَي: على
رجل لَهُ إبل، وَهُوَ الْمَذْكُور، وَمَعْنَاهُ: يُعَاقب
بِهَذِهِ الْعقُوبَة حَتَّى يقْضِي بَين النَّاس أَي:
إِلَى أَن يفرغ الْحساب.
رَوَاهُ بُكَيْرٌ عنْ أبِي صَالِحٍ عنْ أبِي هُرَيْرَةَ
رَضِي الله تَعَالَى عنهُ عنِ النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم
أَي: روى هَذَا الحَدِيث بكير بن عبد الله بن الْأَشَج عَن
أبي صَالح ذكْوَان السمان عَن أبي هُرَيْرَة، رَضِي الله
تَعَالَى عَنهُ. وَأخرجه مُسلم مطولا مَوْصُولا من طَرِيق
بكير بِهَذَا الْإِسْنَاد، فَقَالَ: حَدثنِي هَارُون بن
سعيد الْأَيْلِي، قَالَ: حَدثنَا ابْن وهب، قَالَ:
أَخْبرنِي عَمْرو بن الْحَارِث أَن بكيرا حَدثهُ عَن
ذكْوَان عَن أبي هُرَيْرَة، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ،
عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه قَالَ: (إِذا
لم يؤد الْمَرْء حق الله أَو الصَّدَقَة فِي إبِله) وسَاق
الحَدِيث بِنَحْوِ حَدِيث سُهَيْل عَن أَبِيه. فَإِن قلت:
لم يذكر البُخَارِيّ كَيْفيَّة
(9/27)
زَكَاة الْبَقر، وَإِنَّمَا ذكر مَا يدل على وُجُوبهَا
فَقَط؟ قلت: قَالَ النَّوَوِيّ: الحَدِيث الَّذِي ذكره
البُخَارِيّ أصح الْأَحَادِيث الْوَارِدَة فِي زَكَاة
الْبَقر، وَلم يذكر البُخَارِيّ فِي ذَلِك شَيْئا.
وَأرَاهُ لم يَصح عِنْده فِي ذَلِك حَدِيث. قلت: روى أَبُو
عَليّ الطوسي وَالتِّرْمِذِيّ (عَن معَاذ: بَعَثَنِي
النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَى الْيمن وَأَمرَنِي
أَن آخذ من أَرْبَعِينَ بقرة مُسِنَّة، وَمن كل ثَلَاثِينَ
بقرة تبيعا) ، وَحسنه التِّرْمِذِيّ، وَرَوَاهُ الْحَاكِم.
وَقَالَ: صَحِيح على شَرط الشَّيْخَيْنِ وَلم يخرجَاهُ.
وروى الْحَاكِم أَيْضا من حَدِيث عَمْرو ابْن حزم (عَن
كتاب النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: فِي كل
أَرْبَعِينَ باقورة بقرة) . وَاخْتلف النَّاس فِي زَكَاة
الْبَقر، فَقَالَت الظَّاهِرِيَّة: لَا زَكَاة فِي أقل من
خمسين من الْبَقر، فَإِذا ملك خمسين بقرة عَاما قمريا
مُتَّصِلا فَفِيهَا بقرة، وَفِي الْمِائَة بقرتان، ثمَّ
فِي كل خمسين بقرة بقرة، وَلَا شَيْء فِي الزِّيَادَة
حَتَّى تبلغ الْخمسين، وَقَالَت طَائِفَة: لَيْسَ فِيمَا
دون ثَلَاثِينَ شَيْء فَإِذا بلغت ثَلَاثِينَ فَفِيهَا
تبيع، ثمَّ لَا شَيْء فِيهَا حَتَّى تبلغ أَرْبَعِينَ،
فَإِذا بلغتهَا فَفِيهَا بقرة، ثمَّ لَا شَيْء فِيهَا
حَتَّى تبلغ خمسين فَإِذا بلغتهَا فَفِيهَا بقرة وَربع
بقرة، ثمَّ لَا شَيْء فِيهَا حَتَّى تبلغ سبعين، فَإِذا
بلغتهَا فَفِيهَا تبيع ومسنة، وَرُوِيَ ذَلِك عَن
إِبْرَاهِيم، وَهِي رِوَايَة غير مَشْهُورَة عَن أبي
حنيفَة، وَالْمَشْهُور عَن أبي حنيفَة: لَيْسَ فِي أقل من
ثَلَاثِينَ من الْبَقر صَدَقَة، فَإِذا كَانَت ثَلَاثِينَ
سَائِمَة وَحَال عَلَيْهَا الْحول فَفِيهَا تبيع أَو تبيعه
وَهِي الَّتِي طعنت فِي الثَّالِثَة، فَإِذا زَادَت على
أَرْبَعِينَ فَفِي الزِّيَادَة بِقدر ذَلِك إِلَى سِتِّينَ
عِنْد أبي حنيفَة، فَفِي الْوَاحِدَة الزَّائِدَة ربع عشر
مُسِنَّة، وَفِي السِّتين نصف عشر مُسِنَّة، وَقَالَ أَبُو
يُوسُف وَمُحَمّد: لَا شَيْء فِي الزِّيَادَة حَتَّى تبلغ
سِتِّينَ فَيكون فِيهَا تبيعان أَو تبيعتان، وَهِي
رِوَايَة عَن أبي حنيفَة، وَفِي سبعين مُسِنَّة وتبيع،
وَفِي ثَمَانِينَ مسنتان، وَفِي تسعين ثَلَاثَة أتبعة،
وَفِي الْمِائَة تبيعان ومسنة، وعَلى هَذَا يتَغَيَّر
الْفَرْض فِي كل عشرَة من تبيع إِلَى مُسِنَّة، ومذهبنا
مَذْهَب عَليّ بن أبي طَالب وَأبي سعيد الْخُدْرِيّ
وَالشعْبِيّ وطاووس وَشهر بن حُوسِبَ وَعمر بن عبد
الْعَزِيز وَالْحسن وَمَالك وَالشَّافِعِيّ وَأحمد. |