عمدة القاري شرح
صحيح البخاري 17 - (بابُ صَدَقَةِ الفِطْرِ عَلَى
العَبْدِ وَغَيْرِهِ مِنَ المُسْلِمِينَ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان وجوب صَدَقَة الْفطر على
العَبْد، فَظَاهر هَذِه التَّرْجَمَة أَنه كَانَ يرى
وُجُوبهَا على العَبْد وَإِن كَانَ سَيّده يتحملها عَنهُ،
وَقَالَ الْكرْمَانِي فَإِن قلت: العَبْد لَا يملك المَال،
فَكيف يجب عَلَيْهِ شَيْء؟ قلت: أوجبت طَائِفَة على نفس
العَبْد وعَلى السَّيِّد تَمْكِينه من كسبها كتمكينه من
صَلَاة الْفَرْض وَالْجُمُعَة على سَيّده عَنهُ، ثمَّ
افْتَرَقُوا فرْقَتَيْن، فَقَالَت طَائِفَة: على السَّيِّد
ابْتِدَاء، وَكلمَة: على، بِمَعْنى: عَن، وحروف الْجَرّ
يقوم بَعْضهَا مقَام بعض، وَقَالَ آخَرُونَ: تجب على
العَبْد، ثمَّ يحملهَا سَيّده عَنهُ. فَكَلمهُ الاستعلاء
جَارِيَة على ظَاهرهَا.
4051 - حدَّثنا عَبْدُ الله بنُ يُوسُفَ قَالَ أخبرنَا
مالِكٌ عنْ نافِعٍ عنِ ابنِ عُمَرَ رَضِي الله تَعَالَى
عَنْهُمَا أنَّ رسولَ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فرَضَ
زَكَاةَ الفِطْرِ صَاعا مِنْ تَمر أوْ صَاعا مِن شَعِيرٍ
عَلى كُلِّ حُرٍّ أوْ عَبْدٍ ذَكرٍ أوْ أُنْثَى مِنَ
المُسْلِمينَ..
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (أَو عبد. .) إِلَى
آخِره، وَقد مضى هَذَا الحَدِيث فِي الْبَاب الَّذِي قبله،
وَإِنَّمَا ذكره هُنَا لوَجْهَيْنِ: أَحدهمَا أَنه رَوَاهُ
هَهُنَا: عَن عبد الله بن يُوسُف، وَهُنَاكَ: عَن يحيى بن
مُحَمَّد، وَالْآخر لأجل التَّرْجَمَة الْمَذْكُورَة لينبه
على أَنه مِمَّن يرى وُجُوبهَا على العَبْد. وَقَالَ
الطَّيِّبِيّ: الْمَذْكُورَات جَاءَت مزدوجة على التضاد
للاستيعاب لَا للتخصيص، فَكَأَنَّهُ قَالَ: فرض على جَمِيع
الْمُسلمين، وَأما كَونهَا فيمَ وَجَبت؟ وعَلى من وَجَبت؟
فَيعلم من نُصُوص أُخر.
(9/111)
27 - (بابُ صَدَقَةِ الفِطْرِ مِنْ
شَعِيرٍ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان أَن صَدَقَة الْفطر صَاع من
شعير إِذا أَدَّاهَا مِنْهُ. قَوْله: (صَاع) ، بِالرَّفْع
على أَنه خبر مُبْتَدأ مَحْذُوف، تَقْدِيره: هِيَ صَاع من
شعير، وَيجوز أَن تكون: صَدَقَة الْفطر، مُبْتَدأ إِذا قطع
بَاب عَن الْإِضَافَة، فَيكون التَّقْدِير: هَذَا بَاب
يذكر فِيهِ صَدَقَة الْفطر صَاع من شعير، ويروى: (صَاعا من
شعير) ، بِالنّصب وَوَجهه أَن يقدر فِيهِ فعل الْإِخْرَاج،
وَتَقْدِيره: هَذَا بَاب إِخْرَاج صَدَقَة الْفطر صَاعا،
قيل: على سَبِيل الْحِكَايَة مِمَّا فِي لفظ الحَدِيث،
يَعْنِي الْمَذْكُور فِي الْبَاب السَّابِق.
37 - (بابُ صَدَقَةِ الفِطْرِ صَاعا مِنْ طَعَامٍ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان إِخْرَاج صَدَقَة الْفطر صَاعا
من طَعَام ويروى صَاع بِالرَّفْع وَوَجهه مَا ذَكرْنَاهُ
فِي الْبَاب السَّابِق.
6051 - حدَّثنا عَبْدُ الله بنُ يُوسُفَ قَالَ أخبرنَا
مالِكٌ عنْ زَيْدِ بنِ أسْلَمَ عنْ عِيَاضِ بنِ عَبْدِ
الله بنِ سَعْدِ بنِ أبي سَرْحٍ العَامِرِيِّ أنَّهُ
سَمِعَ أبَا سَعِيدٍ الخُدْرِيَّ رَضِي الله تَعَالَى عنهُ
يَقُولُ كُنَّا نُخْرِجُ زَكَاةَ الفِطْرِ صَاعا مِنْ
طَعَامٍ أوْ صَاعا مِنْ شَعيرٍ أوْ صَاعا مِن تَمْرٍ أوْ
صَاعا منْ أقِطٍ أوْ صَاعا مِنْ زَبِيبٍ.
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (صَاعا من طَعَام) .
وَفِيه: التحديث بِصِيغَة الْجمع فِي مَوضِع، والإخبار
كَذَلِك فِي مَوضِع. وَفِيه: العنعنة فِي موضِعين. وَفِيه:
السماع وَالْقَوْل فِي مَوضِع.
ذكر مَعْنَاهُ: قَوْله: (زَكَاة الْفطر) أَي: صَدَقَة
الْفطر، وَيسْتَعْمل كل مِنْهُمَا فِي مَوضِع الآخر.
قَوْله: (من طَعَام) الطَّعَام هُوَ الْبر بِدَلِيل ذكر
الشّعير مَعَه، وَقيل: أَرَادَ بِهِ التَّمْر لِأَن الْبر
كَانَ قَلِيلا عِنْدهم لَا يَتَّسِع لإِخْرَاج زَكَاة
الْفطر. قلت: هَذَا لَا يَتَأَتَّى إلاَّ فِي الرِّوَايَة
الَّتِي لَيْسَ فِيهَا ذكر التَّمْر، وَذَلِكَ أَن حَدِيث
أبي سعيد الْخُدْرِيّ، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، هَذَا
قد رُوِيَ بِوُجُوه مُخْتَلفَة: فَأخْرجهُ الطَّحَاوِيّ من
تسع طرق بأسانيد مُخْتَلفَة وَأَلْفَاظه متباينة. الأول:
مثل طَرِيق البُخَارِيّ: عَن عَليّ بن شيبَة عَن قبيصَة
عَن سُفْيَان عَن زيد بن أسلم عَن عِيَاض بن عبد الله (عَن
أبي سعيد الْخُدْرِيّ قَالَ: كُنَّا نعطي زَكَاة الْفطر من
رَمَضَان صَاعا من طَعَام أَو صَاعا من شعير أَو صَاعا من
أقط) ، وَهَذَا لَيْسَ فِيهِ ذكر التَّمْر، وَبَقِيَّة
طرقه فِيهَا ذكر التَّمْر، فَلَا يَتَأَتَّى أَن يُفَسر
الطَّعَام بِالتَّمْرِ، وَالطَّعَام فِي أصل اللُّغَة عَام
فِي كل مَا يقتات بِهِ من الْحِنْطَة وَالشعِير وَالتَّمْر
وَغير ذَلِك، وسنبسط الْكَلَام فِيهِ عَن قريب مَعَ بَيَان
اخْتِلَاف الْأَئِمَّة فِيهِ. قَوْله: (من أقط) ، بِفَتْح
الْهمزَة وَكسر الْقَاف وَفِي آخِره طاء مُهْملَة، وَهُوَ:
لبن مجفف يَابِس مستحجر يطْبخ بِهِ، وَرُبمَا تسكن قافه
فِي الشّعْر، يُقَال: ايتقطت، أَي اتَّخذت الأقط،
(9/112)
وَهُوَ افتعلت، وأقط طَعَامه يأقطه أقطا:
عمله بالأقط، وَهُوَ مأقوط، وَيُقَال لَهُ
بِالْفَارِسِيَّةِ: ماستينه، وبالتركية: قراقرط،
وبالتركمانية: قرط، بِضَم الْقَاف وَالرَّاء، بِلَا لفظ:
قرا.
ذكر مَا يُسْتَفَاد مِنْهُ: وَهُوَ على وُجُوه: الأول:
احْتج بِهِ الشَّافِعِي على أَن صَدَقَة الْفطر من
الْقَمْح صَاع، وَقَالَ: المُرَاد بِالطَّعَامِ الْبر فِي
الْعرف، وَقَالَ أَصْحَابه، لَا سِيمَا فِي رِوَايَة
الْحَاكِم: صَاعا من حِنْطَة، أخرجهَا فِي (مُسْتَدْركه)
من طَرِيق أَحْمد بن حَنْبَل عَن ابْن علية عَن أبي
إِسْحَاق عَن عبد الله بن عبد الله بن عُثْمَان بن حَكِيم
بن حزَام (عَن عِيَاض بن عبد الله قَالَ: قَالَ أَبُو سعيد
وَذكر عِنْده صَدَقَة الْفطر، فَقَالَ: لَا أخرج إلاَّ مَا
كنت أخرجه فِي عهد رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
صَاعا من تمر أَو صَاعا من حِنْطَة أَو صَاعا من شعير،
فَقَالَ لَهُ رجل من الْقَوْم: أَو مدّين من قَمح؟
فَقَالَ: لَا، تِلْكَ قيمَة مُعَاوِيَة لَا أقبلها وَلَا
أعمل بهَا) . وَصَححهُ الْحَاكِم، وَرَوَاهُ
الدَّارَقُطْنِيّ فِي (سنَنه) من حَدِيث يَعْقُوب
الدَّوْرَقِي عَن ابْن علية سندا ومتنا كَمَا ذَكرْنَاهُ،
وَمن الشَّافِعِيَّة من جعل هَذَا الحَدِيث حجَّة لنا من
جِهَة أَن مُعَاوِيَة جعل نصف صَاع من الْحِنْطَة عدل صَاع
من التَّمْر وَالزَّبِيب. وَقَالَ النَّوَوِيّ: هَذَا
الحَدِيث مُعْتَمد أبي حنيفَة، ثمَّ أجَاب عَنهُ بِأَنَّهُ
فعل صَحَابِيّ، وَقد خَالفه أَبُو سعيد وَغَيره من
الصَّحَابَة مِمَّن هُوَ أطول صُحْبَة مِنْهُ وَاعْلَم
بِحَال النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَقد أخبر
مُعَاوِيَة بِأَنَّهُ رأى لَا قَول سَمعه من النَّبِي صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم، قُلْنَا: أما قَوْلهم: إِن الطَّعَام
فِي الْعرف هُوَ الْبر فَمَمْنُوع، بل الطَّعَام يُطلق على
كل مَأْكُول، كَمَا ذَكرْنَاهُ، بل أُرِيد بِهِ هَهُنَا
غير الْحِنْطَة، وَالدَّلِيل عَلَيْهِ مَا وَقع فِي
رِوَايَة أبي دَاوُد: (صَاعا من طَعَام صَاعا من أقط) .
فَإِن قَوْله: (صَاعا من أقط) بدل من قَوْله: (صَاعا من
طَعَام) أَو بَيَان عَنهُ، وَلَو كَانَ المُرَاد من
قَوْله: (صَاعا من طَعَام) هُوَ الْبر لقَالَ: أَو صَاعا
من أقط بِحرف: أَو، الفاصلة بَين الشَّيْئَيْنِ. فَإِن
قلت: فِي رِوَايَة الطَّحَاوِيّ بِأَو الفاصلة بَين
الشَّيْئَيْنِ كَمَا مر؟ قلت: كفى لنا حجَّة رِوَايَة أبي
دَاوُد على مَا ادعينا مَعَ صِحَة حَدِيثه بِلَا خلاف،
وَمِمَّا يُؤَيّد مَا ذَكرْنَاهُ مَا جَاءَ فِيهِ عِنْد
البُخَارِيّ: (عَن أبي سعيد، قَالَ: كُنَّا نخرج فِي عهد
رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَوْم الْفطر صَاعا
من طَعَام. قَالَ أَبُو سعيد: وَكَانَ طعامنا: الشّعير
وَالزَّبِيب والأقط وَالتَّمْر) . وَأما مَا رَوَاهُ
الْحَاكِم فِيهِ (أَو صَاعا من حِنْطَة) ، فقد قَالَ أَبُو
دَاوُد: إِن هَذَا لَيْسَ بِمَحْفُوظ، وَقَالَ ابْن
خُزَيْمَة فِيهِ: وَذكر الْحِنْطَة فِي هَذَا الْخَبَر غير
مَحْفُوظ، وَلَا أَدْرِي مِمَّن الْوَهم، وَقَول الرجل
لَهُ: أَو مَدين من قَمح؟ دَال على أَن ذكر الْحِنْطَة فِي
أول الْخَبَر خطأ، وَوهم، لَو كَانَ صَحِيحا إِذْ لم يكن
لقَوْله: أَو مَدين من قَمح؟ معنى. وَقد عرف تساهل
الْحَاكِم فِي تَصْحِيح الْأَحَادِيث المدخولة، وَأما قَول
النَّوَوِيّ: إِنَّه فعل صَحَابِيّ، قُلْنَا: قد وَافقه
غَيره من الصَّحَابَة الجم الْغَفِير بِدَلِيل قَوْله فِي
الحَدِيث: (فَأخذ النَّاس بذلك) ، وَلَفظ: النَّاس،
للْعُمُوم، فَكَانَ إِجْمَاعًا، وَالله أعلم.
وَاعْلَم أَن مَذْهَب مَالك وَأحمد وَإِسْحَاق مثل مَذْهَب
الشَّافِعِي فِي تَقْدِيره بالصاع فِي الْبر، وَقَالَ
الْأَوْزَاعِيّ: يُؤَدِّي كل إِنْسَان مَدين من قبح بِمد
أهل بَلَده، وَقَالَ اللَّيْث: مَدين من قَمح بِمد هِشَام
وَأَرْبَعَة أَمْدَاد من التَّمْر وَالشعِير والأقط.
وَقَالَ أَبُو ثَوْر: الَّذِي يخرج فِي زَكَاة الْفطر صَاع
من تمر أَو شعير أَو طَعَام أَو زبيب أَو أقط إِن كَانَ
بدويا، وَلَا يُعْطي قيمَة شَيْء من هَذِه الْأَصْنَاف،
وَهُوَ يجدهَا. وَقَالَ أَبُو عمر: سكت أَبُو ثَوْر،
رَحمَه الله تَعَالَى، عَن ذكر الْبر، وَكَانَ أَحْمد،
رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، يسْتَحبّ إِخْرَاج التَّمْر.
وَالْأَصْل فِي هَذَا الْبَاب اعْتِبَار الْقُوت وَأَنه
لَا يجوز إلاَّ الصَّاع مِنْهُ. وَالْوَجْه الآخر:
اعْتِبَار التَّمْر وَالشعِير وَالزَّبِيب أَو قيمتهَا
على، مَا قَالَه الْكُوفِيُّونَ، وَقَالَ صَاحب
(الْهِدَايَة) رَحمَه الله تَعَالَى: الْفطْرَة نصف صَاع
من بر أَو دَقِيق أَو سويق أَو زبيب، أَو صَاع من تمر أَو
شعير. وَقَالَ أَبُو يُوسُف وَمُحَمّد: الزَّبِيب
بِمَنْزِلَة الشّعير، وَهُوَ رِوَايَة الْحسن عَن أبي
حنيفَة، وَالْأول رِوَايَة مُحَمَّد عَن أبي يُوسُف عَن
أبي حنيفَة، وَهِي رِوَايَة (الْجَامِع الصَّغِير) وَنصف
صَاع من بر مَذْهَب أبي بكر الصّديق وَعمر بن الْخطاب
وَعُثْمَان بن عَفَّان وَعلي بن أبي طَالب وَابْن مَسْعُود
وَجَابِر بن عبد الله وَأبي هُرَيْرَة وَابْن الزبير
وَابْن عَبَّاس وَمُعَاوِيَة وَأَسْمَاء بنت أبي بكر
الصّديق وَسَعِيد بن الْمسيب وَعَطَاء وَمُجاهد وَسَعِيد
بن جُبَير وَعمر بن عبد الْعَزِيز وطاووس وَالنَّخَعِيّ
وَالشعْبِيّ وعلقمة وَالْأسود وَعُرْوَة وَأبي سَلمَة بن
عبد الرَّحْمَن بن عَوْف وَأبي قلَابَة عبد الْملك بن
مُحَمَّد التَّابِعِيّ وَالْأَوْزَاعِيّ وَالثَّوْري
وَابْن الْمُبَارك وَعبد الله بن شَدَّاد وَمصْعَب بن
سعيد. قَالَ الطَّحَاوِيّ: وَهُوَ قَول الْقَاسِم وَسَالم
وَعبد الرَّحْمَن ابْن قَاسم وَالْحكم وَحَمَّاد،
وَرِوَايَة عَن مَالك ذكرهَا فِي الذَّخِيرَة، وَاحْتج
أَصْحَابنَا فِي هَذَا بِمَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُد من
حَدِيث
(9/113)
ثَعْلَبَة بن أبي صعير عَن أَبِيه، قَالَ:
قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (صَاع من بر
أَو قَمح على كل اثْنَيْنِ صَغِير أَو كَبِير حر أَو عبد
ذكر أَو أُنْثَى، أما غنيكم فيزكيه الله، وَأما فقيركم
فَيرد الله عَلَيْهِ أَكثر مِمَّا أعطَاهُ) . وَأَبُو
صعير، بِضَم الصَّاد وَفتح الْعين الْمُهْمَلَتَيْنِ
وَسُكُون الْيَاء آخر الْحُرُوف وَفِي آخِره رَاء،
وَيُقَال: ثَعْلَبَة بن عبد الله بن صعير العذري، حَلِيف
بني زهرَة. وَقَالَ ابْن معِين: ثَعْلَبَة ابْن عبد الله
بن أبي صعير، وثعلبة بن أبي مَالك جَمِيعًا رَأيا النَّبِي
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ فِي (الْكَمَال) : روى
ثَعْلَبَة عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي
زَكَاة الْفطر، روى عَنهُ ابْنه عبد الله، وَفِيه
اضْطِرَاب كثير عِنْد الروَاة، وَرُوِيَ عَن ثَعْلَبَة بن
عبد الله بن صعير عَن أَبِيه، ويروى: ثَعْلَبَة ابْن عبد
الله بن أبي صعير عَن أَبِيه، ويروى: عبد الله بن
ثَعْلَبَة بن صعير. وَقَالَ صَاحب (الإِمَام) : فِي
رِوَايَة مُحَمَّد بن يحيى الْجَزْم بقوله: عبد الله بن
ثَعْلَبَة بن صعير، وَكَذَا رِوَايَة ابْن جريج عَن
الزُّهْرِيّ، وَقَالَ ابْن مَاكُولَا: صَوَابه: ثَعْلَبَة
بن صعير العذري، أَو ابْن أبي صعير. فَإِن قلت: قَالَ
مهنَّا: ذكرت لِأَحْمَد حَدِيث ثَعْلَبَة بن أبي صعير فِي
صَدَقَة الْفطر نصف صَاع من بر، فَقَالَ: لَيْسَ بِصَحِيح
إِنَّمَا هُوَ مُرْسل، يرويهِ معمر وَابْن جريج عَن
الزُّهْرِيّ مُرْسلا. قلت: رَوَاهُ أَبُو دَاوُد عَن
مُسَدّد شيخ البُخَارِيّ عَن حَمَّاد ابْن زيد، روى لَهُ
الْجَمَاعَة، عَن النُّعْمَان بن رَاشد قَالَ البُخَارِيّ
هُوَ فِي الْأَمر صَدُوق روى لَهُ الْجَمَاعَة
وَالْبُخَارِيّ مستشداً عَن الزُّهْرِيّ روى لَهُ
الْجَمَاعَة وعَلى كل حَال الحَدِيث خبر الْوَاحِد يثبت
بِهِ الْوُجُوب.
وَمِمَّا احْتَجُّوا بِهِ حَدِيث ابْن عَبَّاس رَوَاهُ
أَبُو دَاوُد من حَدِيث حميد أخبرنَا عَن الْحسن، قَالَ:
خطب ابْن عَبَّاس فِي آخر رَمَضَان على مِنْبَر
الْبَصْرَة، فَقَالَ: أخرجُوا صَدَقَة صومكم، فَكَأَن
النَّاس لم يعلمُوا، قَالَ: من هَهُنَا من أهل
الْمَدِينَة؟ قومُوا إِلَى إخْوَانكُمْ فعلموهم فَإِنَّهُم
لَا يعلمُونَ، فرض رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
هَذِه الصَّدَقَة، صَاعا من تمر أَو شعير أَو نصف صَاع
قَمح) الحَدِيث. فَإِن قلت: قَالَ ابْن أبي حَاتِم: سَمِعت
أبي يَقُول: الْحسن لم يسمع ابْن عَبَّاس قلت: جَاءَ فِي
(مُسْند أبي يعلى الموصلى) فِي حَدِيث عَن الْحسن، قَالَ:
أَخْبرنِي ابْن عَبَّاس، وَهَذَا أَن ثَبت دلّ على سَمَاعه
مِنْهُ، وَقَالَ الْبَزَّار فِي (مُسْنده) بعد أَن
رَوَاهُ: لَا نعلم روى الْحسن عَن ابْن عَبَّاس غير هَذَا
الحَدِيث، وَلم يسمع الْحسن من ابْن عَبَّاس. قلت: وَلَئِن
سلمنَا هَذَا فَالْحَدِيث مُرْسل وَهُوَ حجَّة عندنَا،
وَيُؤَيِّدهُ طَرِيق آخر عَن ابْن عَبَّاس، رَوَاهُ
الْحَاكِم فِي (الْمُسْتَدْرك) من حَدِيث ابْن جريج عَن
عَطاء، (عَن ابْن عَبَّاس: أَن رَسُول الله صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم بعث صَارِخًا بِمَكَّة صَاح: إِن صَدَقَة
الْفطر حق وَاجِب مدَّان من قَمح أَو صَاع من شعير أَو
تمر) ، وَصَححهُ الْحَاكِم، وَرَوَاهُ الْبَزَّار بِلَفْظ:
(أَو صَاع مِمَّا سوى ذَلِك من الطَّعَام) . وَطَرِيق آخر
عَن ابْن عَبَّاس أخرجه الدَّارَقُطْنِيّ عَن
الْوَاقِدِيّ: حَدثنَا عبد الله بن عمرَان بن أبي أنس عَن
أَبِيه عَن أبي سَلمَة بن عبد الرَّحْمَن (عَن ابْن
عَبَّاس: أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَمر
بِزَكَاة الْفطر صَاعا من تمر أَو صَاعا من شعير أَو مَدين
من قَمح) . وَأعله بالواقدي، فَمَا لِلْوَاقِدِي؟ وَهُوَ
إِمَام مَشْهُور وَأحد مَشَايِخ الشَّافِعِي؟ وَطَرِيق آخر
عَن ابْن عَبَّاس أخرجه الدَّارَقُطْنِيّ. عَن سَلام
الطَّوِيل عَن زيد الْعمي عَن عِكْرِمَة عَن ابْن عَبَّاس،
قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم:
(صَدَقَة الْفطر عَن كل صَغِير وكبير ذكر أَو أُنْثَى نصف
صَاع من بر) الحَدِيث وَأعله بِسَلام.
وَمِمَّا احْتَجُّوا بِهِ مَا رَوَاهُ التِّرْمِذِيّ عَن
سَالم بن نوح عَن ابْن جريج عَن عَمْرو بن شُعَيْب عَن
أَبِيه عَن جده: (أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
بعث مناديا يُنَادي فِي فجاج مَكَّة: أَلا إِن صَدَقَة
الْفطر وَاجِبَة على كل مُسلم، وَفِيه مدَّان من قَمح) ،
وَقَالَ: حسن غَرِيب وَأعله ابْن الْجَوْزِيّ بسالم بن
نوح، قَالَ: قَالَ ابْن معِين: لَيْسَ بِشَيْء، وَتعقبه
صَاحب (التَّنْقِيح) فَقَالَ: صَدُوق، روى لَهُ مُسلم فِي
(صَحِيحه) ، وَقَالَ أَبُو زرْعَة: صَدُوق ثِقَة،
وَوَثَّقَهُ ابْن حبَان. وَطَرِيق آخر أخرجه
الدَّارَقُطْنِيّ عَن عَليّ بن صَالح عَن ابْن جريج (عَن
عَمْرو بن شُعَيْب عَن أَبِيه عَن جده: أَن رَسُول الله
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَمر صائحا فصاح: إِن صَدَقَة
الْفطر حق وَاجِب على كل مُسلم مدّان من قَمح) . قَالَ
ابْن الْجَوْزِيّ: عَليّ بن صَالح ضَعَّفُوهُ قَالَ صَاحب
(التَّنْقِيح) : هَذَا خطأ مِنْهُ وَلَا نعلم أحدا ضعفه
لكنه غير مَشْهُور الْحَال، وَقيل: هُوَ مكي مَعْرُوف،
وَهُوَ أحد الْعباد، وكنيته أَبُو الْحسن.
وَمِمَّا احْتَجُّوا بِهِ حَدِيث آخر رَوَاهُ أَحْمد فِي
(مُسْنده) من طَرِيق ابْن الْمُبَارك أخبرنَا ابْن
لَهِيعَة عَن مُحَمَّد بن عبد الرَّحْمَن بن نَوْفَل عَن
فَاطِمَة بنت الْمُنْذر (عَن أَسمَاء بنت أبي بكر، رَضِي
الله تَعَالَى عَنْهُمَا، قَالَت: كُنَّا نُؤَدِّي زَكَاة
الْفطر على عهد رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مدّين
من قَمح بِالْمدِّ الَّذِي نقتات بِهِ) ، وَضَعفه ابْن
الْجَوْزِيّ بِابْن لَهِيعَة. وَقَالَ صَاحب (التَّنْقِيح)
: وَحَدِيث ابْن لَهِيعَة يصلح للمتابعة سِيمَا إِذا كَانَ
من رِوَايَة إِمَام مثل ابْن الْمُبَارك عَنهُ.
وَمِمَّا احْتَجُّوا بِهِ حَدِيث آخر أخرجه
الدَّارَقُطْنِيّ عَن أبي بكر بن عَيَّاش
(9/114)
عَن أبي إِسْحَاق عَن الْحَارِث (عَن
عَليّ، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، عَن النَّبِي صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم أَنه قَالَ: فِي صَدَقَة الْفطر نصف صَاع
من بر أَو صَاع من تمر والْحَارث مَعْرُوف) . وَقَالَ
الدَّارَقُطْنِيّ: وَالصَّحِيح مَوْقُوف. وَمِمَّا
احْتَجُّوا بِهِ فِي حَدِيث زيد بن ثَابت قَالَ: (خَطَبنَا
رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ: من كَانَ
عِنْده شَيْء فليتصدق بِنصْف صَاع من بر. .) الحَدِيث،
رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ، وَفِيه سُلَيْمَان ابْن أَرقم
وَهُوَ مَتْرُوك الحَدِيث، وَحَدِيث جَابر بن عبد الله
رَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ فِي (الْأَوْسَط) قَالَ: قَالَ
رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (صَدَقَة الْفطر على
كل إِنْسَان مدّان من دَقِيق أَو قَمح، وَمن الشّعير صَاع،
وَمن الحلو زبيب أَو تمر صَاع صَاع) . وَفِيه اللَّيْث
ابْن حَمَّاد وَهُوَ ضَعِيف.
الْوَجْه الثَّانِي: فِي قَوْله: (أَو صَاعا من شعير أَو
صَاعا من تمر) ، وَهَذَا لَا خلاف فِيهِ غير أَن ابْن حزم
لم يجوز صَدَقَة الْفطر إلاَّ من الشّعير وَالتَّمْر،
والْحَدِيث حجَّة عَلَيْهِ.
الْوَجْه الثَّالِث: فِي قَوْله: (أَو صَاعا من أقط) قَالَ
النَّوَوِيّ: اخْتلفُوا فِي الأقط، قيل: لَا يجْزِيه
لِأَنَّهُ لَا يجب فِيهِ الْعشْر، وَقَالَ الْمَاوَرْدِيّ:
الْخلاف فِيهِ فِي أهل الْبَادِيَة أما أهل الْحَضَر فَلَا
يجزيهم قولا وَاحِدًا. وَقَالَ شَيخنَا زين الدّين، رَحمَه
الله تَعَالَى: وَقد اختالف فِي قَول الشَّافِعِي فِي
الأقط، وَقَالَ الشَّيْخ تَقِيّ الدّين فِي (شرح
الْعُمْدَة) : قد صَحَّ الحَدِيث بِهِ. وَهُوَ يرد قَول
الشَّافِعِي، وَقَالَ النَّوَوِيّ فِي (شرح مُسلم) :
وَيجْزِي الأقط على الْمَذْهَب وَعِنْدنَا: تجوز صَدَقَة
الْفطر بالأقط، وَفِي (التُّحْفَة) : فِي الأقط تعْتَبر
الْقيمَة. وَقَالَ مَالك: تجب صَدَقَة الْفطر من تِسْعَة
أَشْيَاء، وَهِي: الْقَمْح وَالشعِير والسلت والذرة والدخن
والأرز وَالتَّمْر وَالزَّبِيب والأقط، وَزَاد ابْن حبيب:
العلس، فَصَارَت عشرَة.
الْوَجْه الرَّابِع: فِي قَوْله: (أَو صَاعا من زبيب)
وَهَذَا أَيْضا لَا خلاف فِيهِ أَن الصَّدَقَة مِنْهُ
صَاع، قيل: هَذَا حجَّة على أبي حنيفَة حَيْثُ اكْتفى فِي
إِخْرَاج الزَّبِيب بِنصْف صَاع، كَمَا قَالَ فِي
الْقَمْح. قلت: هَذَا رِوَايَة عَن أبي حنيفَة
وَالرِّوَايَة الْأُخْرَى صَاع.
الْوَجْه الْخَامِس: احْتج بِالْحَدِيثِ الْمَذْكُور
بَعضهم على أَن صَدَقَة الْفطر فَرِيضَة كَالزَّكَاةِ
بِظَاهِر اللَّفْظ وَالْجُمْهُور على أَنَّهَا وَاجِبَة،
والْحَدِيث يخبر عَمَّا كَانُوا يَفْعَلُونَهُ وَالْوُجُوب
ثَبت بدلائل أُخْرَى.
الْوَجْه السَّادِس: أَنه يدل على أَنهم كَانُوا يخرجُون
صَدَقَة الْفطر عَن أنفسهم فَلَا يجب إخْرَاجهَا عَن
الْجَنِين، واستحبه أَحْمد فِي رِوَايَة، وأوجبه فِي
رِوَايَة وَهِي مَذْهَب دَاوُد وَأَصْحَابه، وَرُوِيَ عَن
عُثْمَان أَنه كَانَ يُعْطي عَن الْحمل. وَقَالَ أَبُو
قلَابَة: كَانُوا يخرجُون عَن الْحمل، وَقد أدْرك
الصَّحَابَة. وَفِي (الإِمَام) كَانَ عُثْمَان، رَضِي الله
تَعَالَى عَنهُ. يُعْطي صَدَقَة رَمَضَان عَن الْخَيل،
وَقَالَ أَبُو قلَابَة: كَانُوا يُعْطون عَن الْخَيل،
وَفِي (الوبري) : لَا يجب عَن فرسه وَلَا عَن غَيره من
سَائِر الْحَيَوَانَات غير الرَّقِيق، وَمَا رُوِيَ عَن
عُثْمَان وَغَيره مَحْمُول على التَّطَوُّع، وَالله أعلم.
47 - (بابُ صَدَقَةِ الفِطْرِ صَاعا منْ تَمْرٍ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان أَن صَدَقَة الْفطر صَاع من
تمر، هَذَا التَّقْدِير على كَون لفظ الْبَاب مُضَافا
إِلَى صَدَقَة الْفطر، وَإِذا قطع عَن الْإِضَافَة يكون
صَدَقَة الْفطر مُبْتَدأ أَو خَبره قَوْله: صَاع، وَوَقع
فِي رِوَايَة أبي ذَر: بَاب صَدَقَة الْفطر صَاعا،
بِالنّصب، وَقد ذكرنَا وَجهه فِي: بَاب صَدَقَة الْفطر
صَاعا من شعير.
7051 - حدَّثنا أحْمَدُ بنُ يُونُسَ قَالَ حَدثنَا
اللَّيْثُ عنْ نَافِعٍ أنَّ عَبْدَ الله قَالَ أمَرَ
النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِزَكَاةِ الفِطْرِ صَاعا
مِنْ تَمْرٍ أوْ صَاعا منْ شَعِيرٍ قَالَ عَبْدُ الله
رَضِي الله تَعَالَى عنهُ فجَعَلَ النَّاسُ عِدْلَهُ
مُدَّيْنِ مِنُ حِنْطَةٍ..
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (من تمر) .
وَرِجَاله قد ذكرُوا غير مرّة، وَاللَّيْث عنعن هُنَا،
وسماعه من نَافِع صَحِيح، وَفِي رِوَايَة الطَّحَاوِيّ
وَالدَّارَقُطْنِيّ وَالْحَاكِم وَآخَرين من طَرِيق يحيى
بن بكير عَن اللَّيْث عَن كثير بن فرقد عَن نَافِع وَزَاد
فِيهِ: (من الْمُسلمين) ، فَدلَّ على أَن اللَّيْث سَمعه
من نَافِع بِدُونِ هَذِه الزِّيَادَة، وَمن كثير بن فرقد
عَنهُ بِهَذِهِ الزِّيَادَة.
وَأخرجه مُسلم فِي الزَّكَاة عَن قُتَيْبَة وَمُحَمّد بن
رمح وَأخرجه ابْن مَاجَه فِيهِ عَن مُحَمَّد بن رمح بِهِ.
قَوْله: (أَمر) اسْتدلَّ بِهِ على وجوب صَدَقَة الْفطر،
قَالَ بَعضهم: فِيهِ
(9/115)
نظر لِأَنَّهُ يتَعَلَّق بالمقدار لَا
بِأَصْل الْإِخْرَاج. قلت: إِذا كَانَ الْمِقْدَار وَاجِبا
فبالضرورة يدل على وجوب الأَصْل لِأَن وجوب الْمِقْدَار
مَبْنِيّ عَلَيْهِ. قَوْله: (قَالَ عبد الله) أَي: عبد
الله بن عمر. قَوْله: (فَجعل النَّاس) أَرَادَ بِهِ
مُعَاوِيَة وَمن تبعه، وَوَقع ذَلِك صَرِيحًا فِي حَدِيث
أَيُّوب عَن نَافِع أخرجه الْحميدِي فِي (مُسْنده) عَن
سُفْيَان بن عُيَيْنَة، حَدثنَا أَيُّوب وَلَفظه: (صَدَقَة
الْفطر صَاع من شعير أَو صَاع من تمر، قَالَ ابْن عمر:
فَلَمَّا كَانَ مُعَاوِيَة عدل النَّاس نصف صَاع بر بِصَاع
من شعير) وَهَكَذَا أخرجه ابْن خُزَيْمَة فِي (صَحِيحه) من
وَجه آخر عَن سُفْيَان، وَقَالَ أَبُو دَاوُد: حَدثنَا
الْهَيْثَم بن خَالِد الْجُهَنِيّ، حَدثنَا حُسَيْن بن
عَليّ الْجعْفِيّ عَن زَائِدَة حَدثنَا عبد الْعَزِيز بن
أبي دَاوُد (عَن نَافِع عَن عبد الله بن عمر، قَالَ: كَانَ
النَّاس يخرجُون صَدَقَة الْفطر على عهد رَسُول الله، صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم، صَاعا من شعير أَو تمر أَو سلت أَو
زبيب، قَالَ عبد الله: فَلَمَّا كَانَ عمر، رَضِي الله
تَعَالَى عَنهُ، وَكَثُرت الْحِنْطَة جعل عمر نصف صَاع
حِنْطَة مَكَان صَاع من تِلْكَ الْأَشْيَاء) . وَقَالَ
مُسلم فِي (كتاب التَّمْيِيز) . عبد الْعَزِيز وهم فِيهِ
وَأعله ابْن الْجَوْزِيّ بِهِ، وَقَالَ صَاحب
(التَّنْقِيح) : وَعبد الْعَزِيز هَذَا، وَإِن كَانَ ابْن
حبَان تكلم فِيهِ، فقد وَثَّقَهُ يحيى الْقطَّان وَابْن
معِين وَأَبُو حَاتِم الرَّازِيّ وَغَيرهم، والموثقون لَهُ
أعرف من المضعفين، وَقد أخرج لَهُ البُخَارِيّ
اسْتِشْهَادًا. وَقَالَ الطَّحَاوِيّ، رَحمَه الله:
حَدثنَا فَهد، قَالَ: حَدثنَا عَمْرو بن طَارق، قَالَ:
حَدثنَا يحيى بن أَيُّوب عَن يُونُس بن يزِيد أَن نَافِعًا
أخبرهُ قَالَ: (قَالَ عبد الله بن عمر، رَضِي الله
تَعَالَى عَنْهُمَا: فرض رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم، زَكَاة الْفطر صَاعا من تمر أَو صَاعا من شعير على
كل إِنْسَان ذكر أَو أُنْثَى حر أَو عبد من الْمُسلمين) ،
وَكَانَ عبد الله بن عمر يَقُول: جعل النَّاس عدله مَدين
من حِنْطَة، فَقَوْل ابْن عمر: جعل النَّاس عدله مَدين من
حِنْطَة إِنَّمَا يُرِيد أَصْحَاب رَسُول الله صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم الَّذِي يجوز تعديلهم وَيجب الْوُقُوف
عِنْد قَوْلهم، فَإِنَّهُ قد رُوِيَ عَن عمر مثل ذَلِك فِي
كَفَّارَة الْيَمين أَنه قَالَ ذَلِك، فأطعم عني عشرَة
مَسَاكِين كل مِسْكين نصف صَاع من بر أَو صَاعا من تمر أَو
شعير، ويروى عَن عَليّ، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، مثل
ذَلِك مَعَ أَنه قد رُوِيَ عَن عمر وَعَن أبي بكر، رَضِي
الله تَعَالَى عَنْهُمَا أَيْضا، وَعَن عُثْمَان بن
عَفَّان، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، فِي صَدَقَة الْفطر
أَنَّهَا من الْحِنْطَة نصف صَاع. وَقَالَ أَبُو دَاوُد:
حَدثنَا عبد الله بن مُسلم حَدثنَا دَاوُد يَعْنِي ابْن
قيس عَن عِيَاض بن عبد الله عَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ
قَالَ: كُنَّا نخرج، إِذْ كَانَ فِينَا رَسُول الله صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم، زَكَاة الْفطر عَن كل صَغِير وكبير
حر أَو مَمْلُوك صَاعا من طَعَام أَو صَاعا من أقط أَو
صَاعا من شعير أَو صَاعا من تمر أَو صَاعا من زبيب، فَلم
نزل نخرجهُ حَتَّى قدم مُعَاوِيَة حَاجا أَو مُعْتَمِرًا
فَكلم النَّاس على الْمِنْبَر فَكَانَ فِيمَا كلم النَّاس
أَن قَالَ: إِنِّي أرى مَدين من سمراء الشَّام تعدل صَاعا
من تمر، فَأخذ بذلك النَّاس، فَقَالَ أَبُو سعيد: فَأَما
أَنا فَلَا أَزَال أخرجه أبدا مَا عِشْت) . وَقَالَ
النَّوَوِيّ: هَذَا الحَدِيث مُعْتَمد أبي حنيفَة، قَالَ
بِأَنَّهُ فعل صَحَابِيّ، وَقد خَالفه أَبُو سعيد وَغَيره
من الصَّحَابَة مِمَّن هُوَ أطول صُحْبَة مِنْهُ وَأعلم
بِحَال النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَقد أخبر
مُعَاوِيَة بِأَنَّهُ رَأْي رَآهُ، لَا قَول سَمعه من
النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، قُلْنَا: إِن قَوْله:
فعل صَحَابِيّ، لَا يمْنَع لِأَنَّهُ قد وَافقه غَيره من
الصَّحَابَة الجم الْغَفِير بِدَلِيل قَوْله فِي الحَدِيث:
فَأخذ النَّاس بذلك، وَلَفظ النَّاس للْعُمُوم، فَكَانَ
إِجْمَاعًا. وَلَا تضر مُخَالفَة أبي سعيد لذَلِك بقوله:
أما أَنا فَلَا أَزَال أخرجه، لِأَنَّهُ لَا يقْدَح فِي
الْإِجْمَاع، سِيمَا إِذا كَانَ فِيهِ الْخُلَفَاء
الْأَرْبَعَة، أَو نقُول: أَرَادَ الزِّيَادَة على قدر
الْوَاجِب تَطَوّعا. قَوْله: (من سمراء الشَّام) ، بِفَتْح
السِّين الْمُهْملَة وَسُكُون الْمِيم وَبعدهَا رَاء
ممدودة، وَهُوَ الْبر الشَّامي، وينطلق على كل بر. قَوْله:
(عدله) ، بِفَتْح الْعين وَكسرهَا، قَالَه الْكرْمَانِي،
وَالْأَظْهَر أَنه بِالْكَسْرِ أَي: نَظِيره. وَقَالَ
الْأَخْفَش: الْعدْل، بِالْكَسْرِ الْمثل، وبالفتح مصدر
عدلته بِهَذَا، وَقَالَ الْفراء، بِالْفَتْح مَا عَادل
الشَّيْء من غير جنسه، وبالكسر: الْمثل. قَوْله: (مَدين) ،
تَثْنِيَة مدّ، وَهُوَ ربع الصَّاع.
57 - (بابُ صَاعٍ مِنْ زَبِيبٍ)
أَي: هَذَا بَاب قَوْله: (صاعٌ) ، مُبْتَدأ، وَقَوله: (من
زبيب) صفته أَي: صَاع كَائِن من زبيب، وَخَبره مَحْذُوف
تَقْدِيره: صَاع من زبيب فِي صَدَقَة الْفطر مجزىء، وَلما
كَانَ حَدِيث أبي سعيد الْخُدْرِيّ مُشْتَمِلًا على
خَمْسَة أَصْنَاف وضع لكل صنف تَرْجَمَة، غير الأقط
تَنْبِيها على جَوَاز التَّخْيِير بَين هَذِه الْأَشْيَاء
فِي دفع الصَّدَقَة، وَلم يذكر الأقط كَأَنَّهُ لَا يرَاهُ
مجزئا عِنْد وجود غَيره، كَمَا هُوَ مَذْهَب أَحْمد.
(9/116)
8051 - حدَّثنا عَبْدُ الله بنُ مُنِيرٍ
سَمِعَ يَزيدَ العَدَنِيِّ قَالَ حدَّثنا سُفْيانُ عنْ
زَيْدِ بنِ أسْلَمَ قَالَ حدَّثني عِيَاضُ بنُ عَبْدِ الله
بنِ أبي سَرْحٍ عنْ أبي سَعِيدٍ الخُدْرِي رَضِي الله
تَعَالَى عَنهُ. قَالَ كُنَّا نُعْطِيهَا فِي زَمَانِ
النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم صَاعا مِنْ طَعَام أوْ
صَاعا مِنْ تَمْرٍ أَو صَاعا مِنْ شَعِيرٍ أوْ صَاعا مِنْ
زَبِيبٍ فَلَمَّا جاءَ مُعَاوِيَةُ وَجاءَتِ السَّمْرَاءُ
قَالَ أُرَي مُدَّا مِنْ هاذا يَعْدِلُ مُدَّيْنِ.
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (أَو صَاعا من زبيب) ،
وَعبد الله بن مُنِير، بِضَم الْمِيم وَكسر النُّون
وبالراء، مر فِي: بَاب الْوضُوء، وَيزِيد من الزِّيَادَة
ابْن أبي حَكِيم، بِفَتْح الْحَاء: الْعَدنِي، بالمهملتين
المفتوحتين وبالنون، مَاتَ سنة سِتّ وَأَرْبَعين وَمِائَة،
وسُفْيَان هُوَ الثَّوْريّ.
قَوْله: (عَن أبي سعيد) ، وَقد تقدم من رِوَايَة مَالك
بِلَفْظ: إِنَّه سمع أَبَا سعيد. قَوْله: (كُنَّا نعطيها)
أَي: صَدَقَة الْفطر. قَوْله: (فِي زمَان النَّبِي صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم) ، هَذَا حكمه حكم الرّفْع
لِإِضَافَتِهِ إِلَى زَمَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم،
وَفِيه إِشْعَار بِأَنَّهُ، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، اطلع
على ذَلِك وَقَررهُ لَهُ خُصُوصا فِي هَذِه الصُّورَة
الَّتِي كَانَت تُوضَع عِنْده وَتجمع بأَمْره، وَهُوَ
الْآمِر بقبضها وتفريقها. قَوْله: (صَاعا من طَعَام) ،
قَالَ الْخطابِيّ: المُرَاد بِالطَّعَامِ هُنَا:
الْحِنْطَة، وَأَنه اسْم خَاص لَهُ، وَيسْتَعْمل فِي
الْحِنْطَة عِنْد الْإِطْلَاق حَتَّى إِذا قيل: إذهب إِلَى
سوق الطَّعَام، فهم مِنْهُ سوق الْقَمْح، وَإِذا غلب
الْعرف نزل اللَّفْظ عَلَيْهِ، ورد عَلَيْهِ ابْن
الْمُنْذر: بِأَن هَذَا غلط مِنْهُ، وَذَلِكَ أَن أَبَا
سعيد أجمل الطَّعَام ثمَّ فسره، ثمَّ أكد كَلَامه بِمَا
رَوَاهُ حَفْص بن ميسرَة عَن زيد عَن عِيَاض على مَا
يَأْتِي فِي الْبَاب الَّذِي يَلِي هَذَا الْبَاب وَفِيه:
(وَكَانَ طعامنا الشّعير وَالزَّبِيب والأقط وَالتَّمْر) .
قلت: وَيُؤَيّد هَذَا مَا رَوَاهُ ابْن خُزَيْمَة من
طَرِيق فُضَيْل بن غَزوَان عَن نَافِع عَن ابْن عمر، رَضِي
الله تَعَالَى عَنْهُم، قَالَ: لم تكن الصَّدَقَة على عهد
رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَّا التَّمْر
وَالزَّبِيب وَالشعِير وَلم تكن خَاصَّة وَقَالَ ابْن
الْمُنْذر أَيْضا: لَا نعلم فِي الْقَمْح خَبرا ثَابتا عَن
النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يعْتَمد عَلَيْهِ، وَلم
يكن الْبر بِالْمَدِينَةِ فِي ذَلِك الْوَقْت إلاَّ
الشَّيْء الْيَسِير مِنْهُ، فَلَمَّا كثر فِي زمن
الصَّحَابَة رَأَوْا أَن نصف صَاع مِنْهُ يقوم مقَام صَاع
من شعير، وهم الْأَئِمَّة، فَغير جَائِز أَن يعدل عَن
قَوْلهم إلاَّ إِلَى قَول مثلهم، ثمَّ روى بِإِسْنَادِهِ
عَن عُثْمَان وَعلي وَأبي هُرَيْرَة وَجَابِر وَابْن
عَبَّاس وَابْن الزبير وَأمه أَسمَاء بنت أبي بكر، رَضِي
الله تَعَالَى عَنْهُم، بأسانيد صَحِيحَة: أَنهم رَأَوْا
أَن فِي زَكَاة الْفطر نصف صَاع من قَمح، وَقَالَ بَعضهم:
لَكِن حَدِيث أبي سعيد دَال على أَنه لم يُوَافق على
ذَلِك، وَكَذَلِكَ ابْن عمر، فَلَا إِجْمَاع فِي
الْمَسْأَلَة، خلافًا للطحاوي.
قلت: روى الطَّحَاوِيّ أَحَادِيث كَثِيرَة عَن النَّبِي
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَعَن أَصْحَابه من بعده وَعَن
تابعيهم من بعدهمْ فِي: أَن صَدَقَة الْفطر من الْحِنْطَة
نصف صَاع، وَمِمَّا سوى الْحِنْطَة صَاع، ثمَّ قَالَ: مَا
علمنَا أحدا من أَصْحَاب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم ولامن التَّابِعين روى عَنهُ خلاف ذَلِك، فَلَا
يَنْبَغِي لأحد أَن يُخَالف ذَلِك، إِذْ كَانَ قد صَار
إِجْمَاعًا فِي زمن أبي بكر وَعمر وَعُثْمَان وَعلي، رَضِي
الله تَعَالَى عَنْهُم، إِلَى زمن من ذكرنَا من
التَّابِعين، وَكَانَ قد ذكر: النخعيّ ومجاهدا وَسَعِيد بن
الْمسيب وَالْحكم ابْن عينة وَحَمَّاد بن أبي سُلَيْمَان
وَعبد الرَّحْمَن بن الْقَاسِم، ونهض هَذَا الْقَائِل
فَقَالَ: فَلَا إِجْمَاع فِي الْمَسْأَلَة خلافًا للطحاوي،
وَسَنَده فِي هَذَا هُوَ أَن أَبَا سعيد وَابْن عمر لم
يوافقا على ذَلِك. قلت: أما أَبُو سعيد فَإِنَّهُ لم يكن
يعرف فِي الْفطْرَة إلاَّ التَّمْر وَالشعِير والأقط
وَالزَّبِيب، وَالدَّلِيل عَلَيْهِ مَا رُوِيَ عَنهُ فِي
رِوَايَة: (كُنَّا نخرج على عهد
(9/117)
رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم صَاعا
من تمر أَو صَاعا من شعير) الحَدِيث، (لَا نخرج غَيره)
فَإِن قلت: فِي رِوَايَته الْأُخْرَى: (كُنَّا نخرج زَكَاة
الْفطر صَاعا من طَعَام؟) قلت: قد بيّنت فِيمَا مضى أَن
الطَّعَام اسْم لما يطعم مِمَّا يُؤْكَل ويقتات،
فَيتَنَاوَل الْأَصْنَاف الَّتِي ذكرهَا فِي حَدِيثه.
وَجَوَاب آخر: أَن أَبَا سعيد إِنَّمَا أنكر على
مُعَاوِيَة على إِخْرَاجه الْمَدِين من الْقَمْح لِأَنَّهُ
مَا كَانَ يعرف الْقَمْح فِي الْفطْرَة، وَكَذَلِكَ مَا
نقل عَن ابْن عمر. وَجَوَاب آخر: أَن أَبَا سعيد كَانَ
يخرج النّصْف الآخر تَطَوّعا، وَقَالَ هَذَا الْقَائِل
أَيْضا: أما من جعل نصف صَاع فِيهَا بدل صَاع من شعير فقد
فعل ذَلِك بِالِاجْتِهَادِ، وَفِي حَدِيث أبي سعيد مَا
كَانَ عَلَيْهِ من شدَّة الإتباع والتمسك بالآثار وَترك
الْعُدُول إِلَى الِاجْتِهَاد مَعَ وجود النَّص. قلت: مَعَ
وجود الْأَحَادِيث الصَّحِيحَة الصَّرِيحَة أَن الصَّدَقَة
من الْحِنْطَة نصف صَاع، كَيفَ يكون الِاجْتِهَاد؟ وَأَبُو
سعيد هُوَ الَّذِي اجْتهد حَتَّى جعل الطَّعَام برا، مَعَ
قَوْله: (كُنَّا نخرج على عهد رَسُول الله صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم صَاعا من تمر أَو صَاعا من شعير. .)
الحَدِيث، وَلَا نخرج غَيره، وَمَعَ مُخَالفَته الْآثَار
الَّتِي فِيهَا نصف صَاع من بر، كَيفَ ترك الْعُدُول إِلَى
الِاجْتِهَاد؟ وَقَوله: مَعَ وجود النَّص غير مُسلم،
لِأَنَّهُ لم يكن عِنْده نَص غير صَاع من طَعَام، وَلم يكن
عِنْده نَص صَرِيح على أَن الصَّدَقَة من الْبر صَاع؟
فَإِن قلت: كَيفَ تَقول: وَلم يكن عِنْده نَص صَرِيح على
أَن الصَّدَقَة من الْبر صَاع؟ وَقد روى الْحَاكِم
حَدِيثه، وَفِيه: (أَو صَاعا من حِنْطَة؟) قلت: ذكر ابْن
خُزَيْمَة أَن ذكر الْحِنْطَة فِي هَذَا الْخَبَر غير
مَحْفُوظ، وَلَا أَدْرِي مِمَّن الْوَهم. وَقَول الرجل
لَهُ: أَو مَدين من قَمح، دَال على أَن ذكر الْحِنْطَة فِي
أول الْخَبَر خطأ وَوهم، إِذْ لَو كَانَ صَحِيحا لم يكن
لقَوْله: أَو مَدين من قَمح، معنى. وَقد عرف تساهل
الْحَاكِم فِي تَصْحِيح الْأَحَادِيث المدخولة، وَكَذَلِكَ
أَشَارَ أَبُو دَاوُد فِي (سنَنه) أَن هَذَا لَيْسَ
بِمَحْفُوظ، وَقد ذكرنَا هَذَا فِيمَا مضى مفصلا.
67 - (بابُ الصَّدَقَةِ قَبْلَ العِيدِ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان أَن صَدَقَة الْفطر قبل خُرُوج
النَّاس إِلَى صَلَاة الْعِيد، وَقد ذكرنَا فِيمَا مضى أَن
وَقت وجوب صَدَقَة الْفطر عِنْد أبي حنيفَة بِطُلُوع
الْفجْر يَوْم الْفطر، وَهُوَ قَول اللَّيْث بن سعد
وَمَالك فِي رِوَايَة ابْن الْقَاسِم وَابْن وهب
وَغَيرهمَا، وَفِي رِوَايَة عَنهُ: تجب بآخر جُزْء من
لَيْلَة الْفطر وَأول جُزْء من يَوْم الْفطر. وَفِي
رِوَايَة أَشهب: تجب بغروب الشَّمْس من لَيْلَة الْفطر،
وَهُوَ قَول الْأَوْزَاعِيّ وَأحمد وَإِسْحَاق
وَالشَّافِعِيّ فِي الْجَدِيد، وَكَانَ قَالَ فِي
الْقَدِيم بِبَغْدَاد: إِنَّمَا تجب بِطُلُوع فجر يَوْم
الْفطر، وَبِه قَالَ أَبُو ثَوْر، رَحمَه الله تَعَالَى،
وَمَعَ هَذَا كُله يسْتَحبّ أَن يُخرجهَا قبل ذَهَابه
إِلَى صَلَاة الْعِيد، دلّ عَلَيْهِ حَدِيث الْبَاب.
9051 - حدَّثنا آدَمُ قَالَ حدَّثنا حَفْصُ بنُ مَيْسَرَةَ
قَالَ حدَّثنا مُوسى ابنُ عُقْبَةَ عنْ نافِعٍ عنِ ابنِ
عُمَرَ رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا أنَّ النبيَّ صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم أمَرَ بِزَكاةِ الفِطْرِ قَبْلَ
خُروجِ النَّاسِ إلَى الصَّلاَةِ..
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة من التَّقْرِير الَّذِي
ذكرنَا عِنْدهَا.
ذكر رِجَاله: وهم: خَمْسَة: آدم هُوَ ابْن أبي إِيَاس،
وَحَفْص ابْن ميسرَة ضد الميمنة أَبُو عمر بِدُونِ الْوَاو
الصَّنْعَانِيّ نزل الشَّام، مَاتَ سنة إِحْدَى
وَثَمَانِينَ وَمِائَة.
وَأخرجه مُسلم، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، فِي الزَّكَاة
عَن يحيى بن يحيى، وَأَبُو دَاوُد فِيهِ عَن عبد الله بن
مُحَمَّد النُّفَيْلِي. وَالتِّرْمِذِيّ، رَحمَه الله
تَعَالَى، فِيهِ عَن مُسلم بن عمر. وَالنَّسَائِيّ فِيهِ
عَن مُحَمَّد بن معدان وَعَن مُحَمَّد بن عبد الله بن
بزيع.
قَوْله: (أَمر) ، ظَاهره يَقْتَضِي وجوب الْأَدَاء قبل
صَلَاة الْعِيد، وَلكنه مَحْمُول على الِاسْتِحْبَاب،
وَذَلِكَ ليحصل الْغناء للْفُقَرَاء فِي هَذَا الْيَوْم
ويستريحون عَن الطّواف. وَوَقع فِي حَدِيث أخرجه ابْن سعد
عَن ابْن عمر قَالَ: (إغنوهم) ، يَعْنِي: الْمَسَاكِين،
(عَن طواف هَذَا الْيَوْم) . وَذكر ابْن الْعَرَبِيّ فِي
(الْعَارِضَة) : وَفِي كتاب مُسلم: (فرض رَسُول الله صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم صَدَقَة الْفطر على النَّاس وَقَالَ:
إغنوهم عَن سُؤال هَذَا الْيَوْم) ، وَقَالَ: هَذَا قوى
فِي الْأَثر، وَلكنه وهم فِي عزوه لمُسلم، وَهَذَا لم
يُخرجهُ مُسلم أصلا، وَإِنَّمَا أخرجه الدَّارَقُطْنِيّ
وَالْبَيْهَقِيّ. وَيسْتَحب إخْرَاجهَا يَوْم الْفطر قبل
الْخُرُوج إِلَى الصَّلَاة، وَهُوَ قَول ابْن عمر وَابْن
عَبَّاس وَعَطَاء بن أبي رَبَاح وَإِبْرَاهِيم النَّخعِيّ
وَالقَاسِم وَمُسلم بن يسَار وَأبي نَضرة وَعِكْرِمَة
وَالضَّحَّاك وَالْحكم بن عُيَيْنَة ومُوسَى بن وردان
وَمَالك وَالشَّافِعِيّ وَإِسْحَاق وَأهل كوفة، وَلم يحك
التِّرْمِذِيّ فِيهِ خلافًا لما أخرج هَذَا الحَدِيث،
وَحكى الْخطابِيّ الْإِجْمَاع فِيهِ، فَقَالَ فِي (معالم
السّنَن) : وَهُوَ قَول عَامَّة أهل الْعلم، وَنقل
الِاتِّفَاق فِي اسْتِحْبَاب إخْرَاجهَا فِي الْوَقْت
الْمَذْكُور. أما جَوَاز تَقْدِيمهَا عَلَيْهِ وتأخيرها
عَنهُ، فَالْخِلَاف فِيهِ مَشْهُور، وَقد ذَكرْنَاهُ
فِيمَا مضى.
0151 - حدَّثنا مُعَاذُ بنُ فَضَالَةَ قَالَ حدَّثنا أبُو
عُمَرَ عنْ زَيْدٍ عنْ عَيَاضِ بنِ عَبْدِ الله بنِ سَعْدٍ
عنْ أبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ رَضِي الله تَعَالَى عنهُ
قَالَ كُنَّا نُخْرِجُ فِي عَهْدِ رَسولِ الله صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم يَومَ الفِطْرِ صَاعا مِنْ طَعامٍ. وَقَالَ
أبُو سَعيدٍ وكانَ طَعَامنا الشَّعيرُ وَالزَّبِيبُ
وَالأقِطُ وَالتَّمْرُ.
مطابقته للتَّرْجَمَة تُؤْخَذ من قَوْله: (يَوْم الْفطر) ،
وَلَكِن لَا يدل على إخْرَاجهَا قبل الْخُرُوج إِلَى
الصَّلَاة صَرِيحًا، كَمَا
(9/118)
فِي حَدِيث ابْن عمر السَّابِق. ومعاذ،
بِضَم الْمِيم: ابْن فضَالة، بِفَتْح الْفَاء وَتَخْفِيف
الضَّاد الْمُعْجَمَة، وَقد مر فِي الصَّلَاة. وَأَبُو
عمر، بِضَم الْعين: هُوَ حَفْص بن ميسرَة وَقد مر الْآن،
وَزيد هُوَ زيد بن أسلم وَقد مر عَن قريب.
قَوْله (وَكَانَ طعامنا الشّعير) يدل صَرِيحًا على أَن
المُرَاد من قَوْله: (صَاعا من طَعَام) أَنه أحد
الْأَصْنَاف الْمَذْكُورَة، وَقد حققنا الْكَلَام فِيهِ
فِيمَا مضى، وَقَالَ الْكرْمَانِي: قَوْله: (قَالَ أَبُو
سعيد) منافٍ لما تقدم من قَوْلك: إِن الطَّعَام هُوَ
الْحِنْطَة، ثمَّ أجَاب عَن هَذَا نصْرَة لمذهبه بقوله:
لَا نزاع فِي أَن الطَّعَام بِحَسب اللُّغَة عَام لكل
مطعوم، إِنَّمَا الْبَحْث فِيمَا يعْطف عَلَيْهِ الشّعير
وَسَائِر الْأَطْعِمَة، فَإِن الْعَطف قرينَة لإِرَادَة
الْمَعْنى الْعرفِيّ مِنْهُ، وَهُوَ الْبر بِخُصُوصِهِ.
قلت: لَا نسلم أَن معنى هَذَا الْعَطف هُوَ الَّذِي
قَالَه، بل هَذَا الْعَطف يدل على أَن الطَّعَام الَّذِي
ذكره أَبُو سعيد هُوَ أحد الْأَصْنَاف الَّتِي ذكرهَا
فِيهِ، لِأَنَّهُ مثل التَّفْسِير لما قبله، وَالْأَصْل
اسْتِعْمَال الْأَلْفَاظ فِي مَعَانِيهَا اللُّغَوِيَّة،
كَمَا عرف فِي مَوْضِعه. ثمَّ قَالَ الْكرْمَانِي أَيْضا:
لِمَ لَا يكون من بَاب عطف الْخَاص على الْعَام نَحْو:
{فَاكِهَة ونخل ورمان} (الرَّحْمَن: 86) . وَأجَاب بِأَن
هَذَا الْعَطف إِنَّمَا هُوَ فِيمَا إِذا كَانَ الْخَاص
أشرف، وَهَذَا بعكس ذَلِك. قلت: لَا نسلم دَعْوَى عكس
الأشرفية فِيمَا نَحن فِيهِ، وَلَا يَخْلُو هَذَا أما من
حَيْثُ اللُّغَة أَو الشَّرْع أَو الْعرف، وكل مِنْهَا
منتفٍ، أما اللُّغَة فَلَيْسَ فِيهَا ذَلِك، وَأما
الشَّرْع فَعَلَيهِ الْبَيَان فِيهِ، وَأما الْعرف فَهُوَ
مُشْتَرك. فَافْهَم.
77 - (بابُ صَدَقَةِ الفِطْرِ عَلَى الحُرِّ
وَالمَمْلُوكِ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان وجوب صَدَقَة الْفطر على الْحر
والمملوك، وَكَأَنَّهُ أَرَادَ بِهَذِهِ التَّرْجَمَة أَن
الْحر والمملوك يستويان فِي صَدَقَة الْفطر، لَكِن
بَينهمَا فرق فِي جِهَة الْوُجُوب، لِأَن الْحر تجب على
نَفسه والمملوك على سَيّده، وَلَكِن فِيهِ أَيْضا فرق
وَهُوَ أَنه إِذا كَانَ للْخدمَة تجب على سَيّده، وَإِن
كَانَ للتِّجَارَة فَلَا تجب خلافًا للشَّافِعِيّ. وَقَالَ
شَيخنَا زين الدّين، رَحمَه الله: إِذا كَانَ: قُلْنَا
بقول الْجُمْهُور، أَن صَدَقَة الْفطر على سيد العَبْد لَا
على العَبْد، فَهَل وَجَبت على السَّيِّد ابْتِدَاء أَو
وَجَبت على العَبْد وتحملها السَّيِّد بالانتقال عَنهُ؟
قَالَ الرَّوْيَانِيّ: ظَاهر الْمَذْهَب هُوَ الأول. قَالَ
الإِمَام: وَذكر طَائِفَة من الْمُحَقِّقين أَن هَذَا
الْخلاف فِي فطْرَة الزَّوْجَة، وَأما فطْرَة العَبْد
فَتجب على السَّيِّد ابْتِدَاء بِلَا خلاف، وَتجب على
السَّيِّد سَوَاء كَانَ العَبْد مَرْهُونا أَو
مُسْتَأْجرًا أَو خائنا أَو ضَالًّا أَو مَغْصُوبًا أَو
آبقا، لِأَن ملكه لَا يَنْقَطِع بذلك. وَقَالَ ابْن
الْمُنْذر: أجمع من يحفظ عَنهُ من أهل الْعلم أَن لَا
صَدَقَة على الذِّمِّيّ عَن عَبده الْمُسلم، وَكَذَا ذكر
فِي (الْمُحِيط) لِأَن الْفطْرَة زَكَاة فَلَا تجب على
الْكَافِر زَكَاة، وَقَالَ أَبُو ثَوْر: تجب عَلَيْهِ إِن
كَانَ لَهُ مَال، لِأَن العَبْد يملك عِنْده، وَإِن كَانَ
عَبده آبقا أَو مأسورا أَو مَغْصُوبًا مجحودا لَا تجب
هَكَذَا فِي (الْبَدَائِع) و (الْيَنَابِيع) وَبِه قَالَ
أَبُو ثَوْر وَالشَّافِعِيّ وَابْن الْمُنْذر، وَعَن أبي
حنيفَة: تجب فِي الْآبِق، وَبِه قَالَ عَطاء وَالثَّوْري،
وَقَالَ الزُّهْرِيّ وَأحمد وَإِسْحَاق: تجب إِن كَانَ فِي
دَار الْإِسْلَام، وَفِي الْمَرْهُون على الْمَشْهُور إِن
فضل لَهُ بعد الدّين تجب، وَعَن أبي يُوسُف: لَا تجب
حَتَّى يفتكه وَإِن هلك قبله، وَلَا صَدَقَة على الرَّاهِن
بِخِلَاف عَبده الْمُسْتَغْرق بِالدّينِ، وَالَّذِي فِي
رقبته جِنَايَة. قَالَ أَبُو يُوسُف: ورقيق الأحباس ورقيق
القوام الَّذين يقومُونَ على زَمْزَم ورقيق الْفَيْء
وَالْغنيمَة والسبي والأسر قبل الْقِسْمَة لَا فطْرَة
فيهم، وَالْعَبْد الْمُوصى بِرَقَبَتِهِ لإِنْسَان وبخدمته
لآخر تجب على الْمُوصى لَهُ بِالرَّقَبَةِ دون الْخدمَة،
كَالْعَبْدِ الْمُسْتَعَار. وَقَالَ ابْن الْمَاجشون: تجب
على مَالك الْخدمَة، وَتجب عَن عبيد العبيد، وَبِه قَالَ
الشَّافِعِي. وَقَالَ مَالك: لَا شَيْء فيهم. وَفِي مُعتق
الْبَعْض أَقْوَال سِتَّة. الأول: لَا شَيْء فِيهِ، وَهُوَ
قَول أبي حنيفَة. وَالثَّانِي: تجب على الْمُعْتق لِأَن
لَهُ أَن يعتقهُ كُله إِن كَانَ لَهُ مَال، وَهُوَ
قَوْلهمَا لِأَنَّهُ حر عِنْدهمَا، وَالثَّالِث: يُؤَدِّي
الْمَالِك نصف صَدَقَة فطره، وَلَا شَيْء على العَبْد
فِيمَا عتق. وَالرَّابِع: تجب عَلَيْهِمَا صَدَقَة
كَامِلَة إِذا ملكا فضلا عَن قوتهما، قَالَه أَبُو ثَوْر
وَالشَّافِعِيّ. وَالْخَامِس: يُؤَدِّي الَّذِي يملك
نصِيبه صَدَقَة كَامِلَة، وَهُوَ قَول ابْن الْمَاجشون.
وَالسَّادِس: على سَيّده بِقدر مَا يملكهُ، وَفِي ذمَّة
الْمُعْتق بِقدر حُرِّيَّته، فَإِن لم يكن لَهُ مَال يزكّى
سَيّده كُله.
وَقَالَ الزُّهْرِيُّ فِي المَمْلُوكِينَ لِلتِّجَارَةِ
يُزَكَّى فِي التِّجَارَةِ ويُزَكَّى فِي الفِطْرِ
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة، الزُّهْرِيّ وَهُوَ
مُحَمَّد بن مُسلم بن شهَاب، وَهَذَا التَّعْلِيق وصل بعضه
أَبُو عبيد فِي (كتاب الْأَمْوَال)
(9/119)
وَقَالَ: حَدثنَا عبد الله بن صَالح عَن
اللَّيْث عَن يُونُس عَن ابْن شهَاب قَالَ: لَيْسَ على
الْمَمْلُوك زَكَاة، وَلَا يُزكي عَنهُ سَيّده إِلَّا
زَكَاة الْفطر قَوْله: للتِّجَارَة، يجوز أَن يكون
للْحَال، وَأَن يكون صفة أَي فِي المملوكين المعدين
للتِّجَارَة، فعلى الأول مَحَله النصب وعَلى الثَّانِي
الْجَرّ. قَوْله: (يزكّى) ، أَي: يُؤَدِّي الزَّكَاة فِي
مماليك التِّجَارَة من جِهَتَيْنِ، فَفِي رَأس الْحول تجب
زَكَاة قيمتهم، وَفِي صَدَقَة الْفطر زَكَاة بدنهم.
1151 - حدَّثنا أبُو النُّعْمَانِ قَالَ حدَّثنا حَمَّادُ
بنُ زَيْدٍ قَالَ حدَّثنا أيُّوبُ عنْ نَافِعٍ عنِ ابنِ
عُمَرَ رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا. قَالَ فرَضَ
النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم صَدَقَةَ الفِطْرِ أوْ
قَالَ رَمَضَان علَى الذَّكرِ وَالأنْثى وَالحُرِّ
والمَمْلُوكِ صَاعا مِنْ تَمْرٍ أوْ صَاعا مِنْ شَعِيرٍ
فعَدَلَ النَّاسُ بِهِ نِصْفَ صاعٍ مِنْ بُرٍّ فكانَ ابنُ
عُمرَ رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا يُعْطِي التَّمْرَ
فأعْوَزَ أهْلُ المَدِينَةِ مِنَ التَّمْرِ فأعْطى شَعِيرا
فكانَ ابنُ عُمَرَ يُعْطِي عَن الصَّغِيرِ والكَبِيرِ
حَتَّى كانِ يُعْطي عنْ بَنِيَّ وكانَ ابنُ عُمَرَ رَضِي
الله تَعَالَى عَنْهُمَا يُعْطِيها الَّذِينَ
يَقْبَلُونَهَا وكانُوا يُعْطُونَ قَبْلَ الفِطْرِ بِيومٍ
أوْ يَوْمَيْنِ..
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (والمملوك) ، وَرِجَاله
ذكرُوا غير مرّة، وَأَبُو النُّعْمَان مُحَمَّد بن الْفضل
وَأَيوب السّخْتِيَانِيّ، وَقد مضى الْكَلَام فِي صدر
الحَدِيث فِيمَا مضى عَن قريب.
قَوْله: (فَعدل النَّاس) أَي: مُعَاوِيَة وَمن كَانَ
مَعَه، وَقَالَ الْكرْمَانِي: (النَّاس) أَي: مُعَاوِيَة،
ثمَّ قَالَ: فَإِن قلت: التَّخْصِيص بِهِ خلاف الظَّاهِر،
فَيكون المُرَاد بِهِ الصَّحَابَة فَيصير إِجْمَاعًا
سكوتيا. ثمَّ قَالَ: قلت: الأَصْل فِي: اللَّام، أَن تكون
للْجِنْس الصَّادِق على الْقَلِيل وَالْكثير والاستغراق
مجَازًا. انْتهى. قلت: هَذَا تعسف، فَلَو قَالَ من الأول
مثل مَا قُلْنَا مَا كَانَ يحْتَاج إِلَى هَذَا
التَّطْوِيل، مَعَ أَن قَوْله الأَصْل فِي: اللَّام، أَن
تكون للْجِنْس لَيْسَ كَذَلِك، بل الأَصْل فِي اللَّام أَن
تكون للْعهد كَمَا قَالَه الْمُحَقِّقُونَ. قَوْله:
(فَكَانَ ابْن عمر يُعْطي التَّمْر) وَفِي رِوَايَة مَالك
فِي (الْمُوَطَّأ) عَن نَافِع: (كَانَ ابْن عمر لَا يخرج
إِلَّا التَّمْر فِي زَكَاة الْفطر إلاَّ مرّة وَاحِدَة
فَإِنَّهُ أخرج شَعِيرًا) . وَفِي رِوَايَة ابْن خُزَيْمَة
من طَرِيق عبد الْوَارِث عَن أَيُّوب: (كَانَ ابْن عمر
إِذا أعْطى أعْطى التَّمْر إلاَّ عَاما وَاحِدًا) .
قَوْله: (فأعوز) ، بِالْعينِ الْمُهْملَة وَالزَّاي: أَي:
احْتَاجَ. تَقول: أعوزني الشَّيْء إِذا احتجت إِلَيْهِ
وَلم تقدر عَلَيْهِ. قَالَ الْكرْمَانِي: فأعوز بِلَفْظ
الْمَعْرُوف والمجهول: يُقَال: أعوزه الشَّيْء إِذا
احْتَاجَ إِلَيْهِ فَلم يقدر عَلَيْهِ، وعوز الشَّيْء إِذا
لم يُوجد، وأعوز أَي: افْتقر. قَوْله: (حَتَّى أَن كَانَ)
قَالَ الْكرْمَانِي مَا محصله: إِنَّه روى: ان، بِكَسْر
الْهمزَة وَفتحهَا، وَشرط المخففة الْمَكْسُورَة، اللَّام،
وَشرط الْمَفْتُوحَة: قد، وَنَحْوه وَقد يكون وَاحِد
مِنْهُمَا مُقَدرا، أَو أَن: ان، مَصْدَرِيَّة و: كَانَ،
زَائِدَة. قلت: هَذَا تعسف، وَالْأَوْجه أَن يُقَال: أَن،
مُخَفّفَة من المثقلة، وَأَصله حَتَّى إِنَّه، كَانَ، أَي:
حَتَّى أَن ابْن عمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا،
كَانَ يُعْطي. قَوْله: (بني) أَصله بنُون لي، فَلَمَّا
أضيف إِلَى يَاء الْمُتَكَلّم صَار: بنيي، بياءين فأدغمت
الْيَاء فِي الْيَاء فَصَارَ: بني، قَالَ الْكرْمَانِي:
قَوْله: بني هُوَ قَول نَافِع يَعْنِي: كَانَ ابْن عمر
يُعْطي عَن أَوْلَادنَا وهم موَالِي عبد الله وَفِي
نَفَقَته، فَكَانَ يُعْطي عَنْهُم الْفطْرَة. قلت: قَوْله:
(بني) هُوَ قَول نَافِع، لَيْسَ قَول نَافِع لفظ بني
فَقَط، وَإِنَّمَا قَوْله من قَوْله: (فَكَانَ ابْن عمر.
.) إِلَى آخر الحَدِيث من كَلَام نَافِع، قَوْله: (وَكَانَ
ابْن عمر يُعْطِيهَا الَّذين يقبلونها) ، وهم الَّذين
ينصبهم الإِمَام لقبض الزكوات، وَقيل: مَعْنَاهُ من قَالَ:
أَنا فَقير، وَقَالَ بَعضهم: الأول أظهر. قلت: بل
الثَّانِي أظهر على مَا لَا يخفى. قَوْله: (وَكَانُوا)
أَي: النَّاس، يعطونها أَي: صَدَقَة الْفطر، قبل الْفطر:
أَي يَوْم الْفطر، بِيَوْم أَو يَوْمَيْنِ.
ذكر مَا يُسْتَفَاد مِنْهُ فِيهِ: صَدَقَة الْفطر من
التَّمْر وَالشعِير صَاع، وَفِيه: أَنهم عدلوا الصَّاع من
التَّمْر بِنصْف صَاع من الْبر، فَأَعْطوهُ، وَهُوَ حجَّة
للحنفية من أَن صَدَقَة الْفطر من الْبر نصف صَاع. وَفِيه:
أَن الذّكر وَالْأُنْثَى وَالْحر وَالْعَبْد سَوَاء فِي
الْفطْرَة. وَفِيه: جَوَاز تَقْدِيم صَدَقَة الْفطر قبل
يَوْم الْفطر بِيَوْم أَو يَوْمَيْنِ، وَقد استقصينا
الْكَلَام فِيهِ. وَفِيه: قَالَ ابْن بطال: لَا يجوز إلاَّ
أَن يُعْطي من قوته، لِأَن التَّمْر كَانَ بِهِ جلّ عيشهم،
فحين لم يَجدوا كَانُوا أعْطوا الشّعير. وَفِيه: أَن أَي
من قَالَ: أَنا فَقير فأقبلها يُعْطِيهِ وَلَا يسْأَل عَن
حَقِيقَة فقره.
(9/120)
87 - (بابُ صَدَقَةِ الفِطْرِ عَلَى الصَّغِيرِ
والكَبِيرِ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان وجوب صَدَقَة الْفطر على
الصَّغِير وَالْكَبِير، قيل: هَذِه التَّرْجَمَة تكْرَار.
قلت: فِيهِ التَّنْبِيه على أَن الصَّغِير وَالْكَبِير
سَوَاء فِي صَدَقَة الْفطر، غير أَن الْجِهَة مُخْتَلفَة
على مَا لَا يخفى.
2151 - حدَّثنا مُسَدَّدٌ قَالَ حدَّثنا يَحْيى عنْ
عُبَيْدِ الله قَالَ حدَّثني نافِعٌ عنِ ابنِ عُمَرَ رَضِي
الله تَعَالَى عَنْهُمَا، قَالَ فرَضَ رسولُ الله صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم صدَقَةَ الفِطْرِ صَاعا مِن شَعيرٍ أوْ
صَاعا مِن تَمْرٍ عَلى الصَّغِيرِ والكَبيرِ والحُرِّ
والمَمْلُوكِ..
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (على الصَّغِير
وَالْكَبِير) ، وَيحيى هُوَ الْقطَّان، وَعبيد الله، بِضَم
الْعين بتصغير العَبْد: ابْن عمر الْعمريّ. وَأخرجه أَبُو
دَاوُد أَيْضا عَن مُسَدّد نَحوه، وَقَالَ أَبُو دَاوُد:
وَرَوَاهُ سعيد الجُمَحِي عَن عبيد الله عَن نَافِع قَالَ
فِيهِ: (من الْمُسلمين) ، وَالْمَشْهُور عَن عبد الله
لَيْسَ فِيهِ: (من الْمُسلمين) . وَفِي رِوَايَة لأبي
دَاوُد عَن مُوسَى بن إِسْمَاعِيل: (وَالذكر وَالْأُنْثَى)
. وَبَقِيَّة الْكَلَام فِيهِ قد مرت غير مرّة. وَالله
أعلم، وَالْحَمْد لله وَحده. |