عمدة القاري شرح
صحيح البخاري 85 - (بابُ اسْتِلاَمِ الرُّكْنِ
بالمِحْجَن)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان استلام الرُّكْن أَي الْحجر
الْأسود. قَوْله: (بالمحجن) ، بِكَسْر الْمِيم وَسُكُون
الْحَاء الْمُهْملَة وَفتح الْجِيم وَفِي آخِره نون:
وَهُوَ عطا فِي طرفه اعوجاج، وَهُوَ مثل الصولجان. وَفِي
(الْمُحكم) : هُوَ الْعَصَا المعوجة، وكل مَعْطُوف معوج
كَذَلِك، وَقَالَ الأصمغي: المحجن عَصَاهُ معوجة الرَّأْس.
وَفِي (مجمع الغرائب) : هُوَ شبه الصولجان يجذب بِهِ
الشَّيْء، وَقَالَ ابْن سَيّده: حجن الْعود يحجنه حجنا
وحجنه) عطفه، والحجن والحجنة والتحجن: اعوجاج الشَّيْء.
7061 - حدَّثنا أحْمَدُ بنُ صَالِحٍ ويَحْيَى بنُ
سُلَيْمَانَ قالاَ حدَّثنا ابنُ وَهْبٍ قَالَ أخبرَني
يُونُسُ عنِ ابنِ شِهَابٍ عَنْ عُبَيْدِ الله بنِ عَبْدِ
الله عَن ابنِ عَبَّاسٍ رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا
قَالَ طافَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي حَجَّةِ
الوَدَاعِ عَلَى بَعِيرٍ يَسْتَلِمُ الرُّكْنَ
بِمِحْجَنٍ..
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (يسْتَلم الرُّكْن
بمحجن) .
ذكر رِجَاله: وهم: سَبْعَة: الأول: أَحْمد بن صَالح أَبُو
جَعْفَر، توفّي فِي ذِي الْقعدَة سنة ثَمَان وَأَرْبَعين
وَمِائَتَيْنِ. الثَّانِي: يحيى بن سُلَيْمَان أَبُو سعيد
الْجعْفِيّ. الثَّالِث: عبد الله بن وهب. الرَّابِع:
يُونُس بن يزِيد. الْخَامِس: مُحَمَّد بن مُسلم بن شهَاب
الزُّهْرِيّ. السَّادِس: عبيد الله، بِضَم الْعين: ابْن
عبد الله بن عتبَة بن مَسْعُود. السَّابِع: عبد الله بن
عَبَّاس.
ذكر لطائف إِسْنَاده: فِيهِ: التحديث بِصِيغَة الْجمع فِي
موضِعين. وَفِيه: الْإِخْبَار بِصِيغَة الْإِفْرَاد فِي
مَوضِع. وَفِيه: العنعنة فِي ثَلَاثَة مَوَاضِع. وَفِيه:
القَوْل فِي ثَلَاثَة مَوَاضِع. وَفِيه: أَن لَهُ شيخين
أَحْمد بن صَالح مصري، وَيحيى بن سُلَيْمَان كُوفِي سكن
مصر، وَكِلَاهُمَا من أَفْرَاده، وَابْن وهب مصري وَيُونُس
أيلي وَابْن شهَاب وَعبيد الله مدنيان.
ذكر من أخرجه غَيره أخرجه مُسلم فِي الْحَج أَيْضا عَن أبي
الطَّاهِر وحرملة بن يحيى. وَأخرجه أَبُو دَاوُد فِيهِ عَن
أَحْمد بن صَالح، وَأخرجه ابْن مَاجَه فِيهِ عَن أبي
الطَّاهِر، وَأخرج مُسلم أَيْضا: (عَن أبي الطُّفَيْل:
رَأَيْت رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، يطوف
بِالْبَيْتِ ويستلم الرُّكْن بمحجن مَعَه، وَيقبل المحجن)
. وروى مُسلم أَيْضا عَن جَابر: (طَاف النَّبِي، صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم، فِي حجَّة الْوَدَاع على رَاحِلَته،
يسْتَلم الْحجر بِمِحْجَنِهِ لِأَن يرَاهُ النَّاس، وليشرف
ليسألوه) . وروى عَن عَائِشَة أَيْضا قَالَت: (طَاف
النَّبِي، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فِي حجَّة الْوَدَاع
حول الْكَعْبَة على بعيره يسْتَلم الرُّكْن كَرَاهِيَة أَن
يصرف النَّاس عَنهُ) . وروى أَبُو دَاوُد عَن صَفِيَّة بنت
شيبَة، قَالَت: (لما اطْمَأَن رَسُول الله، صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم، بِمَكَّة عَام الْوَدَاع، طَاف على بعيره
يسْتَلم الرُّكْن بمحجن فِي يَده، قَالَت: وَأَنا أنظر
إِلَيْهِ) . قلت: هَذَا يرد قَول النَّسَائِيّ
وَالْبرْقَانِي أَن صَفِيَّة لَيست لَهَا صُحْبَة، وروى
ابْن أبي حَاتِم من حَدِيث أَيمن بن نابل عَن قدامَة بن
عبد الله قَالَ: رَأَيْت رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم، يطوف بِالْبَيْتِ يسْتَلم الْحجر بِمِحْجَنِهِ،
وخرجه الْحَاكِم من حَدِيث أبي عَاصِم عَن أَيمن، قَالَ:
صَحِيح على شَرط البُخَارِيّ، وروى أَبُو أَحْمد
الْجِرْجَانِيّ من حَدِيث أبي مَالك الْأَشْجَعِيّ عَن
أَبِيه: (رَأَيْت رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم،
يطوف حول الْبَيْت، فَإِذا ازْدحم النَّاس عَلَيْهِ
اسْتَلم الرُّكْن بمحجن بِيَدِهِ) .
(9/252)
ذكر مَعْنَاهُ: قَوْله: (طَاف النَّبِي صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم فِي حجَّة الْوَدَاع على بعير) قَالَ
ابْن بطال: استلامه بالمحجن رَاكِبًا يحْتَمل أَن يكون
لشكوى بِهِ. قلت: روى أَبُو دَاوُد: (قدم النَّبِي صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم مَكَّة وَهُوَ يشتكي، فَطَافَ على
رَاحِلَته، فَلَمَّا أَتَى على الرُّكْن اسْتَلم بمحجن،
فَلَمَّا فرغ من طَوَافه أَنَاخَ فصلى رَكْعَتَيْنِ) .
وَفِي إِسْنَاده يزِيد بن أبي زِيَاد وَفِيه مقَال.
قَوْله: (يسْتَلم) جملَة وَقعت حَالا. قَوْله: (الرُّكْن)
أَي: الْحجر الْأسود، وَقَالَ النَّوَوِيّ: قَالَ
أَصْحَابنَا: الْأَفْضَل أَن يطوف مَاشِيا وَلَا يركب
إلاَّ لعذر مرض أَو نَحوه، أَو كَانَ مِمَّن يحْتَاج إِلَى
ظُهُوره لِيَسْتَفْتِيَ ويقتدي بِهِ، فَإِن كَانَ لغير عذر
جَازَ بِلَا كَرَاهَة، لكنه خلاف الأولى، وَقَالَ أَمَام
الْحَرَمَيْنِ: من أَدخل الْبَهِيمَة الَّتِي لَا يُؤمن من
تلويثها الْمَسْجِد بِشَيْء. فَإِن أمكن الاستيثاق فَذَاك،
وإلاَّ فإدخالها الْمَسْجِد مَكْرُوه، وَجزم جمَاعَة من
أَصْحَابنَا بِكَرَاهَة الطّواف رَاكِبًا من غير عذر،
مِنْهُم الْمَاوَرْدِيّ والبندنيجي وَأَبُو الطّيب
والعبدري، وَالْمَشْهُور الأول وَالْمَرْأَة وَالرجل فِي
ذَلِك سَوَاء، والمحمول على الأكتاف كالراكب، وَبِه قَالَ
أَحْمد وَدَاوُد وَابْن الْمُنْذر، وَقَالَ مَالك وَأَبُو
حنيفَة: إِن طَاف رَاكِبًا لعذر أَجزَأَهُ، وَلَا شَيْء
عَلَيْهِ، وَإِن كَانَ لغير عذر فَعَلَيهِ دم. قَالَ أَبُو
حنيفَة: وَإِن كَانَ بِمَكَّة أعَاد الطّواف، فَلَو طَاف
زحفا مَعَ الْقُدْرَة على الْقيام فَهُوَ صَحِيح، لكنه
يكره، وَقَالَ أَبُو الطّيب فِي (التعليقة) : طَوَافه زحفا
كطوافه مَاشِيا منتصبا، لَا فرق بَينهمَا، وَاعْتَذَرُوا
عَن ركُوب سيدنَا رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم،
بِأَن النَّاس كَثُرُوا عَلَيْهِ وغشوه بِحَيْثُ إِن
الْعَوَاتِق خرجن من الْبيُوت لينظرن إِلَيْهِ، أَو
لِأَنَّهُ يستفتى، أَو لِأَنَّهُ كَانَ يشكو كَمَا تقدم،
وَاسْتدلَّ المالكيون بِأَن فِي الحَدِيث دلَالَة على
طَهَارَة بَوْل الْبَعِير، وَذهب أَبُو حنيفَة
وَالشَّافِعِيّ فِي آخَرين إِلَى نَجَاسَته.
ذكر مَا يُسْتَفَاد مِنْهُ: أَنه إِذا عجز عَن تَقْبِيل
الْحجر استلمه بِيَدِهِ أَو بعصا، ثمَّ قبل مَا اسْتَلم
بِهِ، كَمَا مر فِي (صَحِيح مُسلم) من حَدِيث أبي
الطُّفَيْل. وَقَالَ القَاضِي عِيَاض: وَانْفَرَدَ مَالك
عَن الْجُمْهُور، فَقَالَ: لَا يقبل يَده، وَإِذا عجز عَن
الاستلام أَشَارَ بِيَدِهِ أَو بِمَا فِي يَده، وَلَا
يُشِير إِلَى الْقبْلَة بالفم، لِأَنَّهُ لم ينْقل ويراعى
ذَلِك فِي كل طوفة، فَإِن لم يفعل فَلَا شَيْء عَلَيْهِ.
قَالَ الْمُهلب: واستلامه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بالمحجن
يدل على أَنه لَيْسَ بِفَرْض، وَإِنَّمَا هُوَ سنة. أَلا
ترى إِلَى قَول عمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ: لَوْلَا
أَنِّي رَأَيْت رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم،
قبَّلك مَا قبَّلتك.
وَمِمَّا يُسْتَفَاد مِنْهُ: أَن فِي قَوْله فِي حجَّة
الْوَدَاع ردا على من كره تَسْمِيَة حجَّة رَسُول الله صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم، حجَّة الْوَدَاع وَالْمُنكر غالط.
وَقَالَ الْمُهلب: وَفِيه: أَنه لَا يجب أَن يطوف أحد فِي
وَقت صَلَاة الْجَمَاعَة إلاَّ من وَرَاء النَّاس، وَلَا
يطوف بَين الْمُصَلِّين وَبَين الْبَيْت، فيشغل الإِمَام
وَالنَّاس ويؤذيهم، وَترك أَذَى الْمُسلم أفضل من صَلَاة
الْجَمَاعَة، كَمَا قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم: (من أكل من هَذِه الشَّجَرَة فَلَا يقربن
مَسْجِدنَا) .
تَابَعَهُ الدَّرَاوَرْدِيُّ عَن ابْن أخِي الزُّهْرِيِّ
عنْ عَمِّهِ
أَي: تَابع يُونُس عَن ابْن شهَاب عبد الْعَزِيز
الدَّرَاورْدِي، بِفَتْح الدَّال الْمُهْملَة وَالرَّاء
وَفتح الْوَاو وَسُكُون الرَّاء وَكسر الدَّال، وَقد تقدم
فِي: بَاب الصَّلَوَات الْخمس كَفَّارَة، وَهُوَ يرْوى عَن
مُحَمَّد بن عبد الله ابْن أخي مُحَمَّد بن مُسلم
الزُّهْرِيّ، وَتقدم هُوَ فِي: بَاب إِذا لم يكن
الْإِسْلَام على الْحَقِيقَة، وَأخرج هَذِه الْمُتَابَعَة
الْإِسْمَاعِيلِيّ عَن الْحسن: حَدثنَا مُحَمَّد بن عباد
الْمَكِّيّ، حَدثنَا عبد الْعَزِيز بن مُحَمَّد عَن ابْن
أخي الزُّهْرِيّ عَن عَمه عَن عبيد الله (عَن ابْن
عَبَّاس: أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم طَاف
بِالْبَيْتِ يسْتَلم الرُّكْن بالمحجن) .
95 - (بابُ مَنْ لَمْ يَسْتَلِمْ إلاَّ الرُّكْنَيْنِ
اليَمَانِيَيْنِ)
أَي: هَذَا بَاب يذكر فِيهِ من لم يسْتَلم إلاَّ
الرُّكْنَيْنِ اليمانيين، أَي: دون الرُّكْنَيْنِ
الشاميين، وَالْيَاء فِي اليمانيين مُخَفّفَة على
الْمَشْهُور، لِأَن الْألف فِيهِ عوض عَن يَاء النِّسْبَة،
فَلَو شددت يلْزم الْجمع بَين الْعِوَض والمعوض، وَجوز
سِيبَوَيْهٍ التَّشْدِيد، وَقَالَ: إِن الْألف زَائِدَة
كَمَا زيدت النُّون فِي صنعاني، وهما: الرُّكْن الْأسود
والركن الْيَمَانِيّ الَّذِي يَلِيهِ، فَقيل لَهما:
اليمانيان، تَغْلِيبًا، كَمَا يُقَال: الأبوان.
(9/253)
8061 - وقالَ محَمَّدُ بنُ بَكْرٍ أخبرَنا
ابنُ جُرَيْجٍ أخبرَني عَمْرُو بنُ دِينارٍ عَن أبي
الشَّعْثَاءِ أنَّهُ قالَ ومَنْ يَتَّقِي شَيْئا مِنَ
البَيْتِ وكانَ مُعَاوِيَةُ يَسْتَلِمُ الأرْكَانَ فَقَالَ
لَهُ ابنُ عَبَّاسٍ رَضِي الله تَعَالَى عنهُما إنَّهُ لَا
يُسْتَلَمُ هاذَانِ الرُّكْنَانِ فَقَالَ لَيْسَ شَيْءٌ
مِنَ البَيْتِ مَهْجُورا وكانَ ابنُ الزُّبَيْرِ رَضِي
الله تَعَالَى عَنْهُمَا يَسْتَلمُهُنَّ كُلّهُنَّ.
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (لَا يسْتَلم هَذَانِ
الركنان) أَي: الركنان الشاميان، فَإِذا لم يستلما ينْحَصر
الاستلام على الرُّكْنَيْنِ اليمانيين، وَهَذَا الحَدِيث
مُعَلّق، علقه عَن مُحَمَّد بن بكر البرْسَانِي، بِضَم
الْبَاء الْمُوَحدَة وَسُكُون الرَّاء وبالسين الْمُهْملَة
وبالنون: نِسْبَة إِلَى برسان، حَيّ من الأزد، وَقد تقدم
فِي: بَاب تَضْييع الصَّلَاة، وَهُوَ يرْوى عَن عبد الْملك
بن عبد الْعَزِيز ابْن جريج عَن عَمْرو بن دِينَار عَن
جَابر بن زيد أبي الشعْثَاء، مؤنث الْأَشْعَث، وَقد تقدم
فِي: بَاب الْغسْل بالصاع، وَقد وصل هَذَا التَّعْلِيق
الإِمَام أَحْمد فِي (مُسْنده) فَقَالَ: حَدثنَا عبد
الرَّزَّاق حَدثنَا معمر وَالثَّوْري (و) حَدثنَا روح
حَدثنَا الثَّوْريّ عَن ابْن خَيْثَم (عَن أبي الطُّفَيْل،
قَالَ: كنت مَعَ ابْن عَبَّاس وَمُعَاوِيَة، فَكَانَ
مُعَاوِيَة لَا يمر بِرُكْن إلاَّ استلمه، فَقَالَ لَهُ
عبد الله بن عَبَّاس: لَا يسْتَلم هَذَا الركنان) (ح)
قَالَ: وَحدثنَا روح، حَدثنَا سعيد وَعبد الْوَهَّاب عَن
سعيد عَن قَتَادَة عَن أبي الطُّفَيْل (و) حَدثنَا
مَرْوَان بن شُجَاع حَدثنِي خصيف عَن مُجَاهِد عَن ابْن
عَبَّاس، فَذكره.
وَأخرجه مُسلم من حَدِيث عَمْرو بن الْحَارِث عَن قَتَادَة
دون قصَّة مُعَاوِيَة بِلَفْظ: (لم أرَ رَسُول الله صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم يسْتَلم غير الرُّكْنَيْنِ اليمانيين)
، وَوَصله التِّرْمِذِيّ وَالْحَاكِم من طَرِيق عبد الله
بن عُثْمَان بن خَيْثَم عَن أبي الطُّفَيْل، قَالَ: كنت
مَعَ ابْن عَبَّاس وَمُعَاوِيَة، فَكَانَ مُعَاوِيَة لَا
يمر بِرُكْن إلاَّ استلمه، فَقَالَ ابْن عَبَّاس: إِن
رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لم يسْتَلم إلاَّ
الْحجر واليماني، فَقَالَ مُعَاوِيَة: لَيْسَ شَيْء من
الْبَيْت مهجور، أَو روى أَحْمد أَيْضا من طَرِيق شُعْبَة
عَن قَتَادَة (عَن أبي الطُّفَيْل، قَالَ: حج مُعَاوِيَة
وَابْن عَبَّاس، فَجعل ابْن عَبَّاس يسْتَلم الْأَركان
كلهَا، فَقَالَ مُعَاوِيَة إِنَّمَا اسْتَلم رَسُول الله
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم هذَيْن الرُّكْنَيْنِ اليمانيين،
فَقَالَ ابْن عَبَّاس: لَيْسَ من أَرْكَانه شَيْء مهجور) ،
قَالَ عبد الله بن أَحْمد فِي (الْعِلَل) : سَأَلت أبي
عَنهُ فَقَالَ: قلبه شُعْبَة، يَقُول: النَّاس يخالفونني
فِي هَذَا، وَلكنه سمعته من قَتَادَة هَكَذَا. انْتهى.
وَقد رَوَاهُ سعيد بن أبي عرُوبَة عَن قَتَادَة على
الصَّوَاب أخرجه أَحْمد أَيْضا.
ذكر مَعْنَاهُ: قَوْله: (وَمن يَتَّقِي شَيْئا؟) كلمة: من،
استفهامية على سَبِيل الْإِنْكَار، فَلذَلِك لم يحذف
الْيَاء من: يَتَّقِي، وَيجوز أَن تكون شَرْطِيَّة على
رِوَايَة من يروي: فَكَانَ مُعَاوِيَة، بِالْفَاءِ،
وَذَلِكَ على لُغَة من لَا يُوجب الْجَزْم فِيهِ. قَوْله:
(وَكَانَ مُعَاوِيَة يسْتَلم الْأَركان) أَي: الْأَركان
الْأَرْبَعَة، أَي: اليمانيان والشاميان، والركن الْأسود
فِيهِ فضيلتان: كَون الْحجر الْأسود فِيهِ وَكَونه على
قَوَاعِد إِبْرَاهِيم، عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام،
واليماني فِيهِ الْفَضِيلَة الثَّانِيَة فَقَط. وَأما
الشاميان فَلَيْسَ شَيْء من الفضيلتين، فَلِذَا اخْتصَّ
الْأسود بشيئين: الاستلام والقبلة، وَأما الْيَمَانِيّ
فيستلم وَلَا يقبل، لِأَن فِيهِ فَضِيلَة وَاحِدَة. وَأما
الْآخرَانِ فَلَا يستلمان وَلَا يقبلان، وَقَالَ
التَّيْمِيّ: الركنان اللَّذَان يليان الْحجر ليسَا بركنين
أصليين، لِأَن وَرَاء ذَلِك الْحجر، وَهُوَ من الْبَيْت
فَلَو رفع جِدَار الْحجر وَضم إِلَى الْكَعْبَة فِي
الْبناء كَمَا كَانَ على بِنَاء إِبْرَاهِيم، عَلَيْهِ
الصَّلَاة وَالسَّلَام، لَكَانَ يستلمان. وَالله أعلم.
قَوْله: (إِنَّه) ، أَي: إِن الشان. قَوْله: (لَا يسْتَلم)
، على صِيغَة الْمَجْهُول الْغَائِب، هَكَذَا هُوَ فِي
رِوَايَة الْأَكْثَرين، وَفِي رِوَايَة الْحَمَوِيّ
وَالْمُسْتَمْلِي: (لَا نستلم هذَيْن الرُّكْنَيْنِ) ،
بالنُّون فِي أَوله على صِيغَة الْمُتَكَلّم. وَقَوله:
(هذَيْن الرُّكْنَيْنِ) بِالنّصب مَفْعُوله. قَوْله:
(مَهْجُورًا) ، بِالنّصب وَيجوز رَفعه على أَن يكون صفة
لقَوْله: شَيْء. قَوْله: (وَكَانَ ابْن الزبير يستلمهن
كُلهنَّ) أَي: وَكَانَ عبد الله بن الزبير، رَضِي الله
تَعَالَى عَنْهُمَا، يسْتَلم الْأَركان كلهَا، وَهَذَا
وَصله ابْن أبي شيبَة من طَرِيق عباد بن عبد الله بن
الزبير: أَنه رأى أَبَاهُ عبد الله بن الزبير يسْتَلم
الْأَركان كلهَا، وَقَالَ: إِنَّه لَيْسَ شَيْء مِنْهُ
مَهْجُورًا وَفِي مُسْند الشَّافِعِي رَحمَه الله
أَنبأَنَا مُوسَى الربذي عَن مُحَمَّد بن كَعْب أَن ابْن
عَبَّاس كَانَ يمسح على الرُّكْن الْيَمَانِيّ وَالْحجر،
وَكَانَ ابْن الزبير يمسح الْأَركان كلهَا، وَيَقُول: لَا
يَنْبَغِي لبيت الله أَن يكون شَيْء مِنْهُ مَهْجُورًا،
وَكَانَ ابْن عَبَّاس يَقُول: لقد كَانَ لكم فِي رَسُول
الله أُسْوَة حَسَنَة، وروى ابْن أبي شيبَة من حَدِيث ابْن
أبي ليلى، عَن عَطاء عَن يعلى بن أُميَّة، وَرَآهُ عمر،
رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، يسْتَلم الْأَركان كلهَا: يَا
يعلى مَا نَفْعل؟
(9/254)
قَالَ استلمها كلهَا لِأَنَّهُ لَيْسَ
شَيْء من الْبَيْت يهجر، فَقَالَ عمر: أما رَأَيْت رَسُول
الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يسْتَلم مِنْهَا إِلَّا
الْحجر؟ قَالَ يعلى: بلَى، قَالَ: فَمَا لَك أُسْوَة؟
قَالَ: بلَى.
ذكر مَا يُسْتَفَاد مِنْهُ: يُسْتَفَاد من هَذَا الحَدِيث
مذهبان: الأول: من يسْتَلم الْأَركان كلهَا، وَهُوَ
مَذْهَب مُعَاوِيَة وَعبد الله ابْن الزبير وَجَابِر بن
زيد وَعُرْوَة بن الزبير وسُويد بن غَفلَة، وَقَالَ ابْن
الْمُنْذر: وَهُوَ مَذْهَب جَابر بن عبد الله وَالْحسن
وَالْحُسَيْن وَأنس بن مَالك. الثَّانِي: مَذْهَب ابْن
عَبَّاس وَعمر بن الْخطاب، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُم،
ومذهبهما أَنه: لَا يسْتَلم إلاَّ الرُّكْن الْأسود والركن
الْيَمَانِيّ، وَهُوَ مَذْهَب أَصْحَابنَا الْحَنَفِيَّة
أَيْضا لِأَنَّهُمَا على قَوَاعِد إِبْرَاهِيم، عَلَيْهِ
الصَّلَاة وَالسَّلَام. وَقَالَ ابْن الْمُنْذر: وَقَالَ
أَكثر أهل الْعلم: لَا يسن استلام الرُّكْنَيْنِ الشاميين.
وروى ابْن أبي شيبَة، قَالَ: حَدثنَا ابْن نمير عَن حجاج
عَن عَطاء قَالَ: أدْركْت شَيخنَا ابْن عَبَّاس وجابرا
وَأَبا هُرَيْرَة وَعبيد بن عُمَيْر لَا يستلمون غَيرهمَا
من الْأَركان، يَعْنِي: الْأسود واليماني. قَالَ: وَحدثنَا
عبيد الله عَن عُثْمَان بن أبي الْأسود عَن مُجَاهِد،
قَالَ: الركنان اللَّذَان يليان الْحجر لَا يستلمان. وَفِي
كتاب الْحميدِي، من حَدِيث النَّخعِيّ عَن عَائِشَة
مَرْفُوعا: (مَا مَرَرْت بالركن الْيَمَانِيّ قطّ إلاَّ
وجدت جِبْرِيل، عَلَيْهِ السَّلَام، قَائِما عِنْده) .
وَمن حَدِيث الحكم بن أبان عَن عِكْرِمَة عَن ابْن عَبَّاس
مثله، بِزِيَادَة قَوْله: (يَا مُحَمَّد أدن فاستلم) .
وَفِي حَدِيث أبي هُرَيْرَة (وكَلَ الله بِهِ سبعين ألف
ملك) . وَفِي حَدِيث ابْن عمر مَرْفُوعا: (مسحهما
كَفَّارَة للخطايا) ، رَوَاهُ الْحَاكِم وَقَالَ: صَحِيح
الْإِسْنَاد، وَالله أعلم.
06 - (بابُ تَقْبِيلِ الحَجَرِ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان مَشْرُوعِيَّة تَقْبِيل الْحجر
وَهُوَ بِفَتْح الْحَاء وَالْجِيم وَهُوَ الْحجر الْأسود.
0161 - حدَّثنا أحْمَدُ بنُ سِنَانٍ قَالَ حدَّثنا يَزيدُ
بنُ هَارُونَ قَالَ أخبرَنا ورْقَاءُ قَالَ أخبرنَا زَيْدُ
بنُ أسْلَمَ عنْ أبِيهِ قالَ رَأيْتُ عُمَرَ بنَ
الخَطَّابِ رَضِي الله تَعَالَى عنهُ قَبَّلَ الحَجَرَ
وَقَالَ لَوْلا أنِّي رَأيْتُ رسولَ الله صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم قَبَّلَكَ مَا قَبَّلْتُكَ.
(انْظُر الحَدِيث 7951 وطرفه) .
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة، وَقد مر هَذَا الحَدِيث
بأتم مِنْهُ فِي: بَاب الرمل فِي الْحَج وَالْعمْرَة.
أخرجه عَن سعيد بن أبي مَرْيَم عَن مُحَمَّد بن جَعْفَر
عَن زيد بن أسلم عَن أَبِيه إِلَى آخِره، وَمر أَيْضا فِي:
بَاب مَا ذكر فِي الْحجر الْأسود، أخرجه عَن مُحَمَّد ابْن
كثير عَن سُفْيَان عَن الْأَعْمَش عَن إِبْرَاهِيم عَن
عَابس بن ربيعَة عَن عمر إِلَى آخِره، وَأخرجه هُنَا عَن
أَحْمد بن سِنَان، بِكَسْر السِّين الْمُهْملَة وَتَخْفِيف
النُّون الأولى: أَبُو جَعْفَر الْقطَّان الوَاسِطِيّ
صَاحب الْمسند إِمَام زَمَانه، مَاتَ بعد البُخَارِيّ سنة
تسع وَخمسين وَمِائَتَيْنِ، عَن يزِيد بن هَارُون
الوَاسِطِيّ، وَقد مر فِي: بَاب وضع المَاء عِنْد
الْخَلَاء، عَن زيد بن أسلم، بِلَفْظ الْمَاضِي، الحبشي
البجاوي، بِفَتْح الْبَاء الْمُوَحدَة وَالْجِيم: مولى
عمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، مَاتَ بِالْمَدِينَةِ زمن
عبد الْملك، وَقد مر الْكَلَام فِيهِ مُسْتَوفى.
1161 - حدَّثنا مُسَدَّدٌ قَالَ حدَّثنا حَمَّادٌ عَنِ
الزّبَيْرِ بنِ عَرَبِيٍّ قَالَ سَأَلَ رَجُلٌ ابنَ عُمَرَ
رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا عنِ اسْتِلامِ الْحَجَرِ
فَقَالَ رأيْتُ رسولَ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
يَسْتَلِمُهُ ويُقَبِّلُهُ قَالَ قُلْتُ أرَأيْتَ إنْ
زُحِمْتُ أرَأيْتَ إنْ غُلِبْتُ قَالَ اجْعَلْ أرَأيْتَ
بالْيَمَنِ رَأيْتُ رسولَ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
يَسْتَلِمُهُ ويُقَبِّلُهُ.
(انْظُر الحَدِيث 6061) .
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة.
ذكر رِجَاله: وهم: خَمْسَة: الأول: مُسَدّد، وَقد تكَرر
ذكره. الثَّانِي: حَمَّاد بن زيد. الثَّالِث: زبير بن
عَرَبِيّ، بِفَتْح الْعين الْمُهْملَة وبالراء وبالباء
الْمُوَحدَة الْمَكْسُورَة ثمَّ يَاء النِّسْبَة، وَوَقع
عِنْد الْأصيلِيّ عَن أبي أَحْمد الْجِرْجَانِيّ الزبير بن
عدي، بدال مُهْملَة مَكْسُورَة بعْدهَا يَاء مُشَدّدَة.
وَقَالَ الغساني هُوَ وهم. الرَّابِع: الرجل الْمَجْهُول
ظَاهرا وَلَكِن هُوَ الزبير بن عَرَبِيّ الرَّاوِي،
كَذَلِك وَقع فِي رِوَايَة أبي دَاوُد الطَّيَالِسِيّ عَن
حَمَّاد حَدثنَا الزبير سَأَلت ابْن عمر.
(9/255)
الْخَامِس: عبد الله بن عمر.
ذكر لطائف إِسْنَاده: فِيهِ: التحديث بِصِيغَة الْجمع فِي
موضِعين. وَفِيه: السُّؤَال. وَفِيه: أَن شَيْخه وَمن
بعدهمَا بصريون. وَفِيه: أَن حمادا ذكر مُجَردا فِي
رِوَايَة الْأَكْثَرين وَفِي رِوَايَة أبي الْوَقْت ذكر
باسم أَبِيه حَمَّاد بن زيد.
والْحَدِيث أخرجه التِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ جَمِيعًا
فِي الْحَج عَن قُتَيْبَة، كِلَاهُمَا عَن حَمَّاد بن زيد
عَنهُ بِهِ.
ذكر مَعْنَاهُ: قَوْله: (يستلمه) أَي: يمسحه بِالْيَدِ.
قَوْله: (أَرَأَيْت) أَي: أَخْبرنِي. قَوْله: (إِن زحمت) ،
بِضَم الزَّاي على صِيغَة الْمَجْهُول، ويروى: (إِن زوحمت)
، بِزِيَادَة الْوَاو من الْمُزَاحمَة. قَوْله: (إِن غلبت)
، بِضَم الْغَيْن الْمُعْجَمَة على صِيغَة الْمَجْهُول
للمتكلم، أَي: أَخْبرنِي عَن حكمه عِنْد الإزدحام
وَالْغَلَبَة. قَوْله: (قَالَ) الْقَائِل هُوَ عبد الله بن
عمر. قَوْله: (أَرَأَيْت بِالْيمن؟) أَي: إجعل لفظ
أَرَأَيْت بِالْيمن، وَكَانَ السَّائِل يمنينا. وَقَوله:
أَرَأَيْت فِي مَحل النصب لِأَنَّهُ مفعول: إجعل، بالتأويل
الْمَذْكُور. وَقَوله: (بِالْيمن) فِي مَحل النصب على
الْحَال. حَاصِل هَذَا الْكَلَام: إِذا كنت طَالب السّنة
فاترك الرَّأْي. وقولك: أَرَأَيْت وَنَحْوه بِالْيمن،
وَاتبع السّنة وَلَا تتعرض لغير ذَلِك، وَإِنَّمَا قَالَ
ذَلِك لِأَنَّهُ فهم مِنْهُ مُعَارضَة الحَدِيث
بِالرَّأْيِ. قَوْله: (رَأَيْت رَسُول الله صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم) من كَلَام ابْن عمر، أَعَادَهُ
للتَّأْكِيد وَفهم مِنْهُ أَنه لَا يرى الزحام عذرا فِي
ترك الاستلام، وَقد روى سعيد بن مَنْصُور من طَرِيق
الْقَاسِم بن مُحَمَّد، قَالَ: رَأَيْت ابْن عمر يزاحم على
الرُّكْن حَتَّى يدمي، وروى الفاكهي من طرق عَن ابْن
عَبَّاس كَرَاهَة الْمُزَاحمَة، وَقَالَهُ: لَا تؤذي وَلَا
تؤذى.
وَقَالَ مُحَمَّدُ بنُ يُوسُفَ الْفِرَبْرِيُّ وَجدْتُ فِي
كِتابِ أبي جَعْفَرَ. قَالَ أبُو عَبْدِ الله الزُّبَيْرُ
بنُ عَدِيٍّ كُوفِيٌّ والزُّبَيْرُ بنُ عَرَبيٍّ بَصَرِيٌّ
لما وقف البُخَارِيّ على التَّصْحِيف فِي الزبير بن
عَرَبِيّ، بالراء، حَيْثُ رُوِيَ بِالدَّال، نبه عَلَيْهِ
بقوله الزبير بن عَرَبِيّ بالراء، بَصرِي، وَالزُّبَيْر بن
عدي بِالدَّال كُوفِي، وهما راويان تابعيان، وَنقل ذَلِك
الْفربرِي. وَقَالَ مُحَمَّد بن يُوسُف الْفربرِي، وَهُوَ
أحد الروَاة الْمَشْهُورين عَن البُخَارِيّ. قَوْله: (وجدت
فِي كتاب أبي جَعْفَر) وَهُوَ مُحَمَّد بن أبي حَاتِم
ورَّاق البُخَارِيّ. قَوْله: (قَالَ أَبُو عبد الله) ،
مقول قَول الْفربرِي، وَالْمرَاد مِنْهُ البُخَارِيّ
نَفسه، وَأَشَارَ بِهِ إِلَى أَنه فرق بَين الزبير لِأَن
الزبير بن عَرَبِيّ بالراء بَصرِي وَالزُّبَيْر بن عدي
بِالدَّال كُوفِي، وَأَرَادَ بِهِ أَن الرَّاوِي هُنَا
السَّائِل عَن عبد الله بن عمر هُوَ الزبير بن عَرَبِيّ
بالراء، وَقَالَ التِّرْمِذِيّ أَيْضا: الزبير، هَذَا
يَعْنِي الَّذِي يروي عَنهُ حَمَّاد هُوَ ابْن عَرَبِيّ،
يَعْنِي بالراء، وَالزُّبَيْر بن عدي بِالدَّال كُوفِي
يكنى أَبَا سَلمَة، وَذكر البُخَارِيّ وَأَبُو حَاتِم
وَغَيرهمَا أَن أَبَا سَلمَة كنية الزبير بن عَرَبِيّ،
وَالزُّبَيْر بن عدي كنيته أَبُو عدي، وَلما ذكر أَبُو
دَاوُد هَذَا الحَدِيث من رِوَايَة حَمَّاد حَدثنَا الزبير
بن الْعَرَبِيّ قَالَ: سَأَلت ابْن عمر، وَذكر ابْن
الْعَرَبِيّ بِالْألف واللاَّم، وَهَذَا أَيْضا مِمَّا
يزِيل الْإِشْكَال، وَيُؤَيِّدهُ أَن الرَّاوِي هُنَا هُوَ
ابْن عَرَبِيّ، بالراء لَا بِالدَّال.
16 - (بابُ مَنْ أشارَ إِلَى الرُّكْنِ إذَا أتَى إلَيْهِ)
أَي: هَذَا بَاب يذكر فِيهِ من أَشَارَ إِلَى الرُّكْن
أَي: الْحجر الْأسود إِذا أَتَى إِلَيْهِ من الطّواف.
2161 - حدَّثنا مُحَمَّدُ بنُ المُثَنَّى قَالَ حدَّثنا
عَبْدُ الوَهَّابِ قَالَ حدَّثنا خالِدٌ عنْ عِكْرِمَةَ
عنِ ابنِ عَبَّاسٍ رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا قَالَ
طَافَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بالْبَيْتِ عَلَى
بَعِيرٍ كُلَّمَا أتَى عَلى الرُّكْنِ أشارَ إلَيْهِ..
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة، وَقد مر هَذَا الحَدِيث
فِي: بَاب استلام الرُّكْن بمحجن، وَفِيه: يسْتَلم
الرُّكْن بمحجن، وَلَيْسَ فِيهِ: كلما أَتَى على الرُّكْن
أَشَارَ إِلَيْهِ، وَقَالَ ابْن التِّين: تقدم أَنه كَانَ
يستلمه بمحجن، فَدلَّ على قربه من الْبَيْت، لَكِن من طَاف
رَاكِبًا، يسْتَحبّ لَهُ أَن يبعد إِن خَافَ أَن يُؤْذِي
أحدا فَيحمل فعله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم على الْأَمْن من
ذَلِك، وَأَن يكون فِي حَال إِشَارَته بَعيدا حَيْثُ خَافَ
ذَلِك.
وَرِجَال الحَدِيث الْمَذْكُور: مُحَمَّد بن الْمثنى بن
عبيد أَبُو مُوسَى، يعرف بالزمن الْبَصْرِيّ، وَعبد
الْوَهَّاب بن عبد الْمجِيد الْبَصْرِيّ، وخَالِد بن
مهْرَان الْحذاء الْبَصْرِيّ، وَوَقع خَالِد هُنَا
مُجَردا، وَوَقع فِي بعض الرِّوَايَة: خَالِد الْحذاء.
ذكر تعدد مَوْضِعه وَمن أخرجه غَيره أخرجه البُخَارِيّ
أَيْضا فِي الْحَج عَن إِسْحَاق الوَاسِطِيّ ومسدد وَفِي
(9/256)
الطَّلَاق أَيْضا عَن عبد الله بن
مُحَمَّد، وَأخرجه التِّرْمِذِيّ فِي الْحَج،
وَالنَّسَائِيّ أَيْضا كِلَاهُمَا عَن بشر بن هِلَال.
قَوْله: (أَشَارَ إِلَيْهِ) أَي: بالمحجن الَّذِي فِي
يَده، وَإِن لم يكن فِي يَده شَيْء يُشِير إِلَيْهِ
بِيَدِهِ. فَإِن قلت: هَذَا الحَدِيث صَرِيح بِجَوَاز
الطّواف على الْبَعِير، وَهل يجوز على الْخَيل فيقاس على
الْبَعِير أم لَا. قلت: قد ورد عَن عمر، رَضِي الله
تَعَالَى عَنهُ، منع الطّواف على الْخَيل فِيمَا رَوَاهُ
سعيد بن مَنْصُور عَن عَمْرو بن دِينَار، قَالَ: طَاف رجل
على فرس فمنعوه، وَقَالَ: أتمنعوني أَن أَطُوف على
كَوْكَب؟ قَالَ: فَكتب بذلك إِلَى عمر، فَكتب عمر: أَن
امنعوه، وَهَذَا مُنْقَطع. قَالَ الْمُحب الطَّبَرِيّ:
وَلَعَلَّ الْمَنْع فِي الْخَيل من الْخُيَلَاء والتعاظم.
قلت: فعلى هَذَا لَا يمْنَع من الطّواف على الْحمار، أللهم
إلاَّ إِذا كَانَ الْمَنْع من جِهَة الْخَوْف من تلويثه
بِمَا يخرج مِنْهُ.
26 - (بابُ التَّكْبِيرِ عِنْدَ الرُّكْنِ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان اسْتِحْبَاب التَّكْبِير عِنْد
الرُّكْن أَي: الْحجر الْأسود.
3161 - حدَّثنا مُسَدَّدٌ قَالَ حدَّثنا خالِدُ بنُ عَبْدِ
الله قَالَ حدَّثنا خالِدٌ الحَذَّاءُ عنُ عِكْرِمَةَ عَنُ
ابنِ عَبَّاسٍ رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا قَالَ طَافَ
النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِالْبَيْتِ عَلَى
بَعِيرٍ كُلَّمَا أتَى الرُّكْنَ أشَارَ إلَيْهِ بِشَيءٍ
كانَ عِنْدَهُ وكَبَّرَ..
هَذَا طَرِيق آخر فِي حَدِيث عبد الله بن عَبَّاس، أخرجه
عَن مُسَدّد عَن خَالِد بن عبد الله الطَّحَّان عَن خَالِد
بن مهْرَان الْحذاء، وَفِيه زِيَادَة على حَدِيثه
الْمَاضِي فِي الْبَاب السَّابِق، وَهِي قَوْله: (بِشَيْء
كَانَ عِنْد فَكبر) فَدلَّ هَذَا على اسْتِحْبَاب
التَّكْبِير عِنْد الرُّكْن الْأسود فِي كل طوفة.
تابَعَهُ إبْرَاهِيمُ بنُ طَهْمَانَ عنْ خَالِدٍ
الحَذَّاءِ
أَي: تَابع خَالِد بن عبد الله الطَّحَّان إِبْرَاهِيم بن
طهْمَان الْهَرَوِيّ أَبُو سعيد عَن خَالِد الْحذاء فِي
التَّكْبِير، وَقد وَصله البُخَارِيّ فِي كتاب الطَّلَاق.
36 - (بابُ مَنْ طافَ بِالْبَيْتِ إذَا قَدِمَ مَكَّةَ
قَبْلَ أنْ يَرْجِعَ إلَى بَيْتِهِ ثُمَّ صَلَّى
رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ خَرَجَ إلَى الصَّفَا)
أَي: هَذَا بَاب يذكر فِيهِ بَيَان من طَاف بِالْبَيْتِ
... إِلَى آخِره، وَكلمَة: من، مَوْصُولَة، وَمرَاده
بِهَذِهِ التَّرْجَمَة بَيَان أَن: من قدم مَكَّة حَاجا
أَو مُعْتَمِرًا أَن يطوف بِالْبَيْتِ ثمَّ يُصَلِّي
رَكْعَتَيْنِ، ثمَّ يخرج إِلَى الصَّفَا وَيسْعَى بَينه
وَبَين الْمَرْوَة، فَإِن كَانَ مُعْتَمِرًا حل وَحلق،
وَإِن كَانَ حَاجا ثَبت على إِحْرَامه حَتَّى يخرج إِلَى
منى يَوْم التَّرويَة لعمل الْحَج، وَقَالَ ابْن بطال:
غَرَضه بِهَذِهِ التَّرْجَمَة الرَّد على من زعم أَن
الْمُعْتَمِر إِذا طَاف حل قبل أَن يسْعَى بَين الصَّفَا
والمروة. قلت: مَذْهَب ابْن عَبَّاس: أَن الْمُعْتَمِر يحل
من عمرته بِالطّوافِ بِالْبَيْتِ، وَلَا يحْتَاج إِلَى
السَّعْي بَين الصَّفَا والمروة، وَرُوِيَ عَنهُ أَنه
قَالَ: الْعمرَة الطّواف، وَبِه قَالَ ابْن رَاهَوَيْه،
فَأَرَادَ البُخَارِيّ رد هَذَا القَوْل، وَبَين أَن
الْعمرَة هِيَ الطّواف بِالْبَيْتِ وَصَلَاة رَكْعَتَيْنِ
بعده، ثمَّ الْخُرُوج إِلَى الصَّفَا للسعي بَينه وَبَين
الْمَرْوَة، وَأَشَارَ بقوله: (من طَاف بِالْبَيْتِ) إِلَى
آخِره أَن صُورَة الْعمرَة هِيَ هَذَا، وَبَينهَا
بِثَلَاثَة أَشْيَاء: أَولهَا: هُوَ قَوْله: (من طَاف
بِالْبَيْتِ إِذا قدم مَكَّة) ، فَعلم من هَذَا أَن من قدم
مَكَّة وَدخل الْمَسْجِد لَا يشْتَغل بِشَيْء، بل يبْدَأ
بِالطّوافِ ويقصد الْحجر الْأسود، وَهُوَ تَحِيَّة
الْمَسْجِد الْحَرَام، ثمَّ الِابْتِدَاء بِالطّوافِ
مُسْتَحبّ لكل أحد سَوَاء كَانَ محرما أَو غَيره، إلاَّ
إِذا خَافَ فَوت الصَّلَاة الْمَكْتُوبَة عَن وَقتهَا، أَو
فَوتهَا مَعَ الْجَمَاعَة، وَإِن كَانَ الْوَقْت وَاسِعًا
أَو كَانَ عَلَيْهِ مَكْتُوبَة فَائِتَة، فَإِنَّهُ يقدم
هَذَا كُله على الطّواف، ثمَّ هَذَا الطّواف يُسمى طواف
الْقدوم، وَهُوَ سنة، فَلَو تَركه صَحَّ حجه وَلَا شَيْء
عَلَيْهِ إلاَّ فَوت الْفَضِيلَة. وَفِي (شرح الْمُهَذّب)
: هَذَا هُوَ الْمَذْهَب، وَذكر جمَاعَة من الخراسانيين
وَغَيرهم وُجُوبه فِي وَجه ضَعِيف شَاذ، وَيلْزم
بِتَرْكِهِ دم. الثَّانِي: هُوَ قَوْله: (ثمَّ صلى
رَكْعَتَيْنِ) ، لما فِي حَدِيث جَابر الطَّوِيل: (لما فرغ
من رَكْعَتي الطّواف رَجَعَ إِلَى الرُّكْن فاستلمه، ثمَّ
خرج إِلَى الصَّفَا وَالسَّعْي بَينهمَا) . الثَّالِث:
هُوَ قَوْله: (ثمَّ خرج إِلَى الصَّفَا) يَعْنِي للسعي
بَينه وَبَين الْمَرْوَة.
(9/257)
4161 - حدَّثنا أصْبَغُ عنِ ابنِ وَهْبٍ
قَالَ أَخْبرنِي عَمْرٌ وعنْ مُحَمَّدِ بنِ عَبْدِ
الرَّحْمنِ ذَكَرْتُ لِعُرْوَةَ. قَالَ فأخْبَرَتْنِي
عائِشَةُ رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا أَن أوَّلَ شَيءٍ
بَدَأ بِهِ حِينَ قَدِمَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
أنَّهُ تَوَضَّ ثُمَّ طافَ ثُمَّ لَمْ تَكُنْ عُمْرَةً
ثُمَّ حَجَّ أبُو بَكْرٍ وعُمَرَ رَضِي الله تَعَالَى
عنهُمَا مِثْلَهُ ثُمَّ حَجَجْتُ مَعَ أبِي الزُّبَيْرِ
رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا فأوَّلُ شَيْءٍ بَدَأ بِهِ
الطَّوَافُ ثُمَّ رَأيْتُ المُهاجِرِينَ وَالأنْصَارَ
يَفْعَلُونَهُ وقَدْ أخْبَرَتْنِي أُمِّي أنَّها أهَلَّتْ
هيَ وأُخْتُهَا والزُّبَيْرُ وفُلانٌ وفُلانٌ بِعُمْرَةٍ
فلَمَّا مَسَحُوا الرُّكْنَ حَلُّوا.
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (إِن أول شَيْء بَدَأَ
بِهِ حِين قدم النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه
تَوَضَّأ ثمَّ طَاف) .
ذكر رِجَاله: وهم: سِتَّة: الأول: أصبغ ابْن الْفرج، وَقد
مر عَن قريب، الثَّانِي: عبد الله بن وهب، وَقد تكَرر
ذكره. الثَّالِث: عَمْرو، بِفَتْح الْعين: ابْن الْحَارِث.
الرَّابِع: مُحَمَّد بن عبد الرَّحْمَن أَبُو الْأسود
النَّوْفَلِي الْمَعْرُوف بيتيم عُرْوَة. الْخَامِس:
عُرْوَة بن الزبير بن الْعَوام. السَّادِس: أم
الْمُؤمنِينَ عَائِشَة، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا.
ذكر لطائف إِسْنَاده: فِيهِ: التحديث بِصِيغَة الْجمع فِي
مَوضِع والإخبار بِصِيغَة الْإِخْبَار فِي موضِعين.
وَفِيه: العنعنة فِي موضِعين. وَفِيه: الذّكر. وَفِيه: أَن
الثَّلَاثَة الأول من الروَاة مصريون والإثنان الْآخرَانِ
مدنيان.
أخرجه مُسلم فِي الْحَج عَن هَارُون بن سعيد الْأَيْلِي
على مَا نذكرهُ الْآن.
ذكر مَعْنَاهُ: قَوْله: (ذكرت لعروة) أَي: ذكرت لعروة مَا
قيل فِي حكم القادم إِلَى مَكَّة، وَحذف البُخَارِيّ
صُورَة السُّؤَال وَجَوَابه، وَاقْتصر على الْمَرْفُوع
مِنْهُ، وَقد ذكره مُسلم مكملاً فَقَالَ: حَدثنِي هَارُون
بن سعيد الْأَيْلِي قَالَ: حَدثنَا ابْن وهب قَالَ:
أَخْبرنِي عَمْرو، وَهُوَ ابْن الْحَارِث، (عَن مُحَمَّد
بن عبد الرَّحْمَن: أَن رجلا من أهل الْعرَاق قَالَ لَهُ:
سل لي عُرْوَة بن الزبير عَن رجل يهل بِالْحَجِّ، فَإِذا
طَاف بِالْبَيْتِ أيحلّ أَو لَا؟ فَإِن قَالَ لَك: لَا
يحل، فَقل لَهُ: إِن رجلا يَقُول فِي ذَلِك فَسَأَلته
فَقَالَ: لَا يحل من أهلَّ بِالْحَجِّ إلاَّ بِالْحَجِّ.
قلت: فَإِن رجلا كَانَ يَقُول ذَلِك، قَالَ: بئس مَا
قَالَ، فتصداني الرجل فَسَأَلَنِي، فَحَدَّثته، فَقَالَ:
قل لَهُ فَإِن رجلا كَانَ يخبر أَن رَسُول الله صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم قد فعل ذَلِك، وَمَا شَأْن أَسمَاء
وَالزُّبَيْر فعلا ذَلِك؟ قَالَ: فَجِئْته فَذكرت لَهُ
ذَلِك، فَقَالَ: من هَذَا؟ فَقلت: لَا أَدْرِي. قَالَ:
فَمَا باله لَا يأتيني نَفسه يسألني؟ أَظُنهُ عراقيا؟ قلت:
لَا أَدْرِي. قَالَ: فَإِنَّهُ قد كذب، قد حج رَسُول الله
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فأخبرتني عَائِشَة أَن أول شَيْء
بَدَأَ بِهِ حِين قدم مَكَّة أَنه تَوَضَّأ ثمَّ طَاف
بِالْبَيْتِ، ثمَّ حج أَبُو بكر، رَضِي الله تَعَالَى
عَنهُ، وَكَانَ أول شَيْء بَدَأَ بِهِ الطّواف
بِالْبَيْتِ، ثمَّ لم يكن غَيره، ثمَّ عمر، رَضِي الله
تَعَالَى عَنهُ، مثل ذَلِك، ثمَّ حج عُثْمَان، رَضِي الله
تَعَالَى عَنهُ، فرأيته أول شَيْء بَدَأَ بِهِ الطّواف
بِالْبَيْتِ، ثمَّ لم يكن غَيره، ثمَّ مُعَاوِيَة وَعبد
الله بن عمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُم، ثمَّ حججْت
مَعَ أبي الزبير بن الْعَوام، فَكَانَ أول شَيْء بَدَأَ
بِهِ الطّواف بِالْبَيْتِ، ثمَّ لم يكن غَيره، ثمَّ
رَأَيْت الْمُهَاجِرين وَالْأَنْصَار يَفْعَلُونَ ذَلِك،
ثمَّ لم يكن غَيره، ثمَّ آخر من رَأَيْت فعل ذَلِك ابْن
عمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا، ثمّ لم ينقضها
بِعُمْرَة، وَهَذَا ابْن عمر عِنْدهم، أَفلا يسألونه؟
وَلَا أحد مِمَّن مضى كَانُوا يبدأون بِشَيْء حِين يضعون
أَقْدَامهم أول من الطّواف بِالْبَيْتِ، ثمَّ لَا يحلونَ،
وَقد رَأَيْت أُمِّي وخالتي حِين تقدمان لَا تبتدآن
بِشَيْء أول من الْبَيْت تطوفان بِهِ، ثمَّ لَا تحلان،
وَقد أَخْبَرتنِي أُمِّي أَنَّهَا أَقبلت هِيَ وَأُخْتهَا
وَالزُّبَيْر وَفُلَان وَفُلَان بِعُمْرَة قطّ، فَلَمَّا
مسحوا الرُّكْن حلوا، وَقد كذب فِيمَا ذكر من ذَلِك) .
وَإِنَّمَا سقت هَذَا بِتَمَامِهِ لِأَنَّهُ كالشرح
لحَدِيث البُخَارِيّ، ونشرح حَدِيث مُسلم ليظْهر لَك
المُرَاد من حَدِيث البُخَارِيّ الَّذِي اقْتصر مِنْهُ على
الْمَرْفُوع.
قَوْله: (إِن رجلا) ، مُبْهَم لم يدر. قَوْله: (أَيحلُّ؟)
الْهمزَة للاستفهام على سَبِيل الاستخبار. قَوْله:
(فتصداني) ، أَي: تعرض لي، هَكَذَا هُوَ فِي جَمِيع النّسخ
بالنُّون، وَالْأَشْهر فِي اللُّغَة: تصدى لي، بِاللَّامِ.
قَوْله: (ثمَّ لم يكن غَيره هَكَذَا) ، هُوَ فِي جَمِيع
النّسخ بالغين الْمُعْجَمَة وَالْيَاء آخر الْحُرُوف،
قَالَ عِيَاض: هُوَ تَصْحِيف، وَصَوَابه، ثمَّ لم تكن
عمْرَة، بِضَم الْعين الْمُهْملَة وبالميم، وَكَانَ
السَّائِل لعروة إِنَّمَا سَأَلَهُ عَن فسخ الْحَج إِلَى
الْعمرَة على مَذْهَب من يرى، وَاحْتج بِأَمْر النَّبِي
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَهُم بذلك فِي حجَّة الْوَدَاع،
فَأعلمهُ عُرْوَة أَن النَّبِي، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم،
لم يفعل ذَلِك بِنَفسِهِ وَلَا من جَاءَ بعده، وَقَالَ
النَّوَوِيّ:
(9/258)
لَيْسَ هُوَ كَمَا قَالَ، بل هُوَ صَحِيح
فِي الرِّوَايَة صَحِيح الْمَعْنى لِأَن قَوْله: (غَيره) ،
يتَنَاوَل الْعمرَة وَغَيرهَا وَيكون تَقْدِير الْكَلَام:
ثمَّ حج أَبُو بكر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، فَكَانَ
أول شَيْء بَدَأَ بِهِ الطّواف بِالْبَيْتِ، ثمَّ لم يكن
غَيره أَي: غير الْحَج، وَلم يفسخه إِلَى غَيره لَا عمْرَة
وَلَا قرَان. قَوْله: (ثمَّ حججْت مَعَ أبي الزبير بن
الْعَوام) ، أَي: مَعَ وَالِدي، وَهُوَ الزبير. وَقَوله:
(الزبير) بدل من أبي، قَالَه النَّوَوِيّ، وَالْأَظْهَر
أَنه عطف بَيَان. قَوْله: (فَلَمَّا مسحوا الرُّكْن) أَي:
الْحجر الْأسود (حلوا) أَي: صَارُوا حَلَالا. قَالَ
النَّوَوِيّ: المُرَاد بالماسحين من سوى عَائِشَة، وإلاَّ
فعائشة، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا، لم تمسح الرُّكْن
قبل الْوُقُوف بِعَرَفَات فِي حجَّة الْوَدَاع، بل كَانَت
قارنة، ومنعها الْحيض من الطّواف قبل يَوْم النَّحْر.
ثمَّ جِئْنَا إِلَى شرح حَدِيث البُخَارِيّ. فَقَوله:
(بَدَأَ) وَقَوله: (قدم) تنَازعا فِي الْعَمَل. قَوْله:
(ثمَّ لم تكن عمْرَة) ، قَالَ عِيَاض: كَانَ السَّائِل
لعروة إِنَّمَا سَأَلَهُ عَن فسخ الْحَج إِلَى الْعمرَة
على مَذْهَب من رأى ذَلِك، فَأعلمهُ عُرْوَة أَن النَّبِي،
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، لم يفعل ذَلِك بِنَفسِهِ، وَلَا
من جَاءَ بعده، وَفِي إِعْرَاب: عمْرَة، وَجْهَان: الرّفْع
على أَن: كَانَ، تَامَّة وَيكون مَعْنَاهُ: ثمَّ لم تحصل
عمْرَة، وَالنّصب على أَن: كَانَ، نَاقِصَة وَيكون
مَعْنَاهُ: ثمَّ لم تكن تِلْكَ الفعلة عمْرَة، وَقد ذكرنَا
أَنه وَقع فِي رِوَايَة مُسلم: غَيره، بدل: عمْرَة، وَقد
مضى الْكَلَام فِيهِ آنِفا. قَوْله: (مثله) أَي: مثل حج
النَّبِي، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم. قَوْله: (ثمَّ حججْت
مَعَ أبي الزبير) أَي: حجَّة مصاحبة مَعَ أبي، أَي: مَعَ
وَالِدي وَهُوَ الزبير بن الْعَوام. وَقَوله: (الزبير) ،
بدل من أبي أَو عطف بَيَان، وَهَكَذَا وَقع فِي رِوَايَة
مُسلم، وَقد ذَكرنَاهَا آنِفا، وَوَقع فِي رِوَايَة
الْكشميهني: (ثمَّ حججْت مَعَ ابْن الزبير) يَعْنِي:
أَخَاهُ عبد الله بن الزبير، قَالَ عِيَاض: وَهُوَ
تَصْحِيف، وَجه ذَلِك أَنه وَقع فِي طَرِيق آخر فِي
الحَدِيث على مَا يَأْتِي: مَعَ أبي الزبير بن الْعَوام،
وَفِيه بعد ذكر أبي بكر وَعمر ذكر عُثْمَان ثمَّ
مُعَاوِيَة وَعبد الله بن عمر، رَضِي الله تَعَالَى
عَنْهُم، قَالَ: ثمَّ حججْت مَعَ أبي الزبير، فَذكره، وَقد
عرف أَن قتل الزبير كَانَ قبل موت مُعَاوِيَة وَابْن عمر،
وَكَانَ قتل الزبير ابْن الْعَوام يَوْم الْجمل فِي جمادي
الأولى سنة سِتّ وَثَلَاثِينَ، وقبره بوادي السبَاع
نَاحيَة الْبَصْرَة، وَكَانَ موت مُعَاوِيَة بن أبي
سُفْيَان فِي رَجَب سنة تسع وَخمسين، وَمَوْت عبد الله بن
عمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا كَانَ سنة ثَلَاث
وَسبعين. وَقَالَ الْوَاقِدِيّ: سنة أَربع وَسبعين،
وَكَانَت وفاتخ بِمَكَّة المشرفة. قَوْله: (وأخبرتني
أُمِّي) ، وَهِي: أَسمَاء بنت أبي بكر الصّديق، وَأُخْتهَا
عَائِشَة أم الْمُؤمنِينَ، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُم.
فَإِن قلت: لم تطف عَائِشَة فِي تِلْكَ الْحجَّة لأجل
حَيْضهَا، فَمَا وَجه ذكرهَا هُنَا؟ قلت: يحمل على أَنه
أَرَادَ حجَّة أُخْرَى غير حجَّة الْوَدَاع، وَقد حجت
عَائِشَة، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا بعد النَّبِي صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم كثيرا. قَوْله: (فَلَمَّا مسحوا
الرُّكْن) ، أَي: الْحجر الْأسود، ومسحه يكون فِي أول
الطّواف، وَلَكِن لَا يحصل التَّحَلُّل بِمُجَرَّد الْمسْح
فِي أول الطّواف، فَلَا بُد من التَّقْدِير، وَتَقْدِيره:
فَلَمَّا مسحوا الرُّكْن وَأَتمُّوا طوافهم وسعيهم وحلقوا
حلوا، وحذفت هَذِه المقدرات للْعلم بهَا لظهورها، وَقد
أَجمعُوا على أَنه لَا يتَحَلَّل قبل تَمام الطّواف.
تمّ مَذْهَب الْجُمْهُور أَنه لَا بُد أَيْضا من السَّعْي
بعده ثمَّ الْحلق أَو التَّقْصِير، وَقَالَ الْكرْمَانِي:
لَا حَاجَة إِلَى التَّأْوِيل، إِذْ مسح الرُّكْن كِنَايَة
عَن الطّواف، سِيمَا وَالْمسح يكون أَيْضا فِي الأطواف
السَّبْعَة، فَالْمُرَاد: لما فرغوا من الطّواف حلوا،
وَأما السَّعْي وَالْحلق فهما عِنْد بعض الْعلمَاء ليسَا
بركنين. انْتهى. قلت: لَا بُد من التَّأْوِيل لِأَن
الْكَلَام على مَذْهَب الْجُمْهُور، كَمَا ذَكرْنَاهُ،
وَأَرَادَ بقوله: عِنْد بعض الْعلمَاء مَا ذهب إِلَيْهِ
ابْن عَبَّاس وَابْن رَاهَوَيْه من أَن الْمُعْتَمِر
يتَحَلَّل بعد الطّواف، فَلَا حَاجَة إِلَى السَّعْي، وَقد
ردوا عَلَيْهِمَا ذَلِك، وَقَالَ ابْن التِّين قَوْله:
(فَلَمَّا مسحوا حلوا) يُرِيد ركن الْمَرْوَة، وَأما ركن
الْبَيْت فَلَا يحل بمسحه حَتَّى يسْعَى بَين الصَّفَا
والمروة، وَقَالَ بَعضهم، وَهُوَ متعقب بِرِوَايَة أبي
الْأسود عَن عبد الله مولى أَسمَاء: (عَن أَسمَاء قَالَت:
اعْتَمَرت أَنا وَعَائِشَة وَالزُّبَيْر، وَفُلَان
وَفُلَان، فَلَمَّا مسحنا الْبَيْت أَحللنَا) وَسَيَأْتِي
هَذَا فِي أَبْوَاب الْعمرَة. انْتهى. قلت: يقدر هُنَا
أَيْضا مَا قدر فِي قَوْله: (فَلَمَّا مسحوا الرُّكْن
حلوا) فَلَا اعْتِرَاض حِينَئِذٍ.
ذكر مَا يُسْتَفَاد مِنْهُ فِيهِ: مطلوبية الْوضُوء
للطَّواف، وَاخْتلفُوا هَل هُوَ وَاجِب أَو شَرط؟ فَقَالَ
أَبُو حنيفَة: لَيْسَ بِشَرْط، فَلَو طَاف على غير وضوء
صَحَّ طَوَافه، فَإِن كَانَ ذَلِك للقدوم فَعَلَيهِ
صَدَقَة، وَأَن كَانَ طواف الزِّيَارَة فَعَلَيهِ شَاة،
وَقَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ وَأحمد: هُوَ شَرط. وَفِيه:
أَن أول شَيْء يَفْعَله دَاخل الْحرم الِابْتِدَاء
بِالطّوافِ للقدوم، وَاسْتثنى الشَّافِعِي من هَذَا
الْمَرْأَة الجميلة والشريفة الَّتِي لَا تبرز للرِّجَال،
فَيُسْتَحَب لَهَا تَأْخِير الطّواف وَدخُول الْمَسْجِد
إِلَى اللَّيْل، لِأَنَّهُ أستر لَهَا وَأسلم من
الْفِتْنَة. وَقَالَ
(9/259)
ابْن الْمُنْذر: سنّ الشَّارِع للقادمين
المحرمين بِالْحَجِّ تَعْجِيل الطّواف وَالسَّعْي بَين
الصَّفَا والمروة عِنْد دُخُولهمْ، وَفعل هُوَ ذَلِك على
مَا روته عَائِشَة، وَأمر من حل من أَصْحَابه أَن يحرموا
إِذا انْطَلقُوا إِلَى منى، وَأما من أحرم من مَكَّة من
أَهلهَا أَو غَيرهم فهم يؤخرون طوافهم وسعيهم إِلَى يَوْم
النَّحْر، بِخِلَاف القادمين التَّفْرِيق السّنة بَين
الْفَرِيقَيْنِ، وَكَانَ ابْن عَبَّاس يَقُول: يَا أهل
مَكَّة إِنَّمَا طوافكم بِالْبَيْتِ وَبَين الصَّفَا
والمروة يَوْم النَّحْر.
حَدثنَا ابراهيم بن الْمُنْذر قَالَ حَدثنَا أَبُو ضَمرَة
أنس قَالَ حَدثنَا مُوسَى بن عقبَة عَن نَافِع عَن عبد
الله بن عمر رَضِي الله عَنْهُمَا أَن رَسُول الله صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ إِذا طَاف فِي الْحَج أَو
الْعمرَة أول مَا يقدم يسْعَى ثَلَاثَة أطواف وَمَشى
أَرْبَعَة ثمَّ سجد سَجْدَتَيْنِ ثمَّ يطوف بَين الصَّفَا
والمروة
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (أول مَا يقدم يسْعَى.
.) إِلَى آخِره، وَأَبُو ضَمرَة بِفَتْح الضَّاد
الْمُعْجَمَة وَسُكُون الْمِيم هُوَ أنس بن عِيَاض. .
قَوْله: (أول) ، نصب على أَنه ظرف، وَالْعَامِل فِيهِ:
يسْعَى. قَوْله: (أَرْبَعَة) أَي: أَرْبَعَة أطواف.
قَوْله: (سَجْدَتَيْنِ) أَي: رَكْعَتَيْنِ للطَّواف،
وَهُوَ من إِطْلَاق الْجُزْء وَإِرَادَة الْكل.
7161 - حدَّثنا إبْرَاهِيمُ بنُ المُنْذِرِ قَالَ حدَّثنا
أنَسُ بنُ عِيَاضٍ عنْ عُبَيْدِ الله عنْ نَافِعٍ عَنِ
ابنِ عُمَرَ رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا أنَّ النبيَّ
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كانَ إذَا طافَ بِالْبَيْتِ
الطَّوَافَ الأول يَخُبُّ ثَلاثَةَ أطْوَافٍ ويَمْشِي
أرْبَعَةً وأنَّهُ كانَ يَسْعَى بَطْنَ المَسِيلِ إذَا
طافَ بَيْنَ الصَّفَا والمَرْوَةِ..
هَذَا وَجه آخر فِي حَدِيث ابْن عمر الْمَذْكُور،
كِلَاهُمَا من رِوَايَة نَافِع عَن ابْن عمر، لَكِن الأول:
عَن مُوسَى بن عقبَة عَن نَافِع، وَالثَّانِي: عَن عبيد
الله بن عمر عَن نَافِع، والراوي عَنْهُمَا وَاحِد وَهُوَ
أنس عَن عِيَاض.
قَوْله: (الطّواف الأول) ، يُرِيد بِهِ طَوافا بعده سمي
احْتِرَازًا عَن مثل طواف الْوَدَاع. قَوْله: (يخب) ،
بِضَم الْخَاء الْمُعْجَمَة أَي: يرمل. قَوْله: (يسْعَى)
أَي: بعد وَقَوله: (بطن المسيل) ، مَنْصُوب على الظّرْف،
والمسيل بالوادي الَّذِي بَين الصَّفَا والمروة، وَهُوَ
قدر مَعْرُوف، وَذَلِكَ قبل الْوُصُول إِلَى الْميل
الأخضرين اللَّذين أَحدهمَا بِفنَاء الْمَسْجِد، وَالْآخر
بدار الْعَبَّاس، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ.
46 - (بابُ طَوَافِ النِّسَاءِ مَعَ الرِّجَالِ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان حكم طواف النِّسَاء مَعَ
الرِّجَال، هَل يختلطن بِالرِّجَالِ أَو يطفن مَعَهم على
حِدة من غير اخْتِلَاط بهم أَو ينفردن؟
(وَقَالَ لي عَمْرو بن عَليّ حَدثنَا أَبُو عَاصِم قَالَ
ابْن جريج أَخْبرنِي عَطاء إِذْ منع ابْن هِشَام النِّسَاء
الطّواف مَعَ الرِّجَال قَالَ كَيفَ تمنعهن وَقد طَاف
نسَاء النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -
مَعَ الرِّجَال قلت أبعد الْحجاب أَو قبل قَالَ إِي لعمري
لقد أَدْرَكته بعد الْحجاب قلت كَيفَ يخالطن الرِّجَال
قَالَ لم يكن يخالطن كَانَت عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا
تَطوف حجرَة من الرِّجَال لَا تخالطهم فَقَالَت امْرَأَة
انطلقي نستلم يَا أم الْمُؤمنِينَ قَالَت عَنْك وأبت فَكُن
يخْرجن متنكرات بِاللَّيْلِ فيطفن مَعَ الرِّجَال ولكنهن
كن إِذا دخلن الْبَيْت قمن حَتَّى يدخلن وَأخرج الرِّجَال
وَكنت آتِي عَائِشَة أَنا وَعبيد بن عُمَيْر وَهِي مجاورة
فِي جَوف ثبير قلت وَمَا حجابها قَالَ هِيَ فِي قبَّة
تركية لَهَا غشاوة وَمَا بَيْننَا وَبَينهَا غير ذَلِك
وَرَأَيْت عَلَيْهَا درعا موردا)
(9/260)
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة وَهُوَ من
أَفْرَاده وَهُوَ من بَاب الْعرض والمذاكرة وَقد سقط فِي
بعض النّسخ وَهُوَ مَوْجُود فِي الْأُصُول وأطراف خلف
وَذكره الْبَيْهَقِيّ وصاحبا المستخرجين وَقَالَ أَبُو
نعيم هُوَ حَدِيث عَزِيز ضيق الْمخْرج وَأخرجه أَولا من
طَرِيق البُخَارِيّ ثمَّ أخرجه من طَرِيق أبي قُرَّة
مُوسَى بن طَارق عَن ابْن جريج قَالَ مثله غير قصَّة عَطاء
مَعَ عبيد بن عُمَيْر وَأخرجه عبد الرَّزَّاق فِي مُصَنفه
عَن ابْن جريج بِتَمَامِهِ وَرِجَاله أَرْبَعَة عَمْرو بن
عَليّ بن بَحر أَبُو حَفْص الْبَاهِلِيّ الْبَصْرِيّ
الصَّيْرَفِي وَأَبُو عَاصِم النَّبِيل الضَّحَّاك بن مخلد
وَابْن جريج هُوَ عبد الْملك بن عبد الْعَزِيز بن جريج
أَبُو الْوَلِيد الْمَكِّيّ وَعَطَاء ابْن أبي رَبَاح
الْمَكِّيّ وَمن لطائف هَذَا السَّنَد أَن البُخَارِيّ
يذكر عَن شَيْخه عَمْرو بن عَليّ وَهُوَ يروي عَن شيخ
البُخَارِيّ أَيْضا وَهُوَ أَبُو عَاصِم (ذكر مَعْنَاهُ)
قَوْله " إِذْ منع " أَي حِين منع ابْن هِشَام وَهُوَ فِي
مَحل النصب على أَنه مفعول ثَان لأخبرني وَقَالَ
الْكرْمَانِي الْمَفْعُول الثَّانِي هُوَ قَالَ كَيفَ
تمنعهن وَقَالَ يجوز أَن يكون إِذْ منع مَفْعُولا ثَانِيًا
وَالتَّقْدِير أَخْبرنِي بِزَمَان الْمَنْع قَائِلا كَيفَ
تمنعهن وَابْن هِشَام هُوَ إِبْرَاهِيم بن هِشَام بن
إِسْمَاعِيل بن هِشَام بن الْمُغيرَة بن عبد الله بن عمر
بن مَخْزُوم خَال هِشَام بن عبد الْملك بن مَرْوَان ووالي
الْمَدِينَة كَمَا قَالَه الْكَلْبِيّ وَأَخُوهُ مُحَمَّد
بن هِشَام وَكَانَا خاملين قبل الْولَايَة وَقيل ابْن
هِشَام فِي الْخَبَر هُوَ مُحَمَّد أَخُو إِبْرَاهِيم تولى
مُحَمَّد إمرة مَكَّة وَأَخُوهُ إِبْرَاهِيم إمرة
الْمَدِينَة وفوض هِشَام لإِبْرَاهِيم إمرة الْحَج
بِالنَّاسِ فِي خِلَافَته وَقَالَ خَليفَة بن خياط فِي
تَارِيخه وَفِي سنة خمس وَعشْرين وَمِائَة كتب الْوَلِيد
بن يزِيد إِلَى يُوسُف بن عمر الثَّقَفِيّ فَقدم عَلَيْهِ
فَدفع إِلَيْهِ خَالِد بن عبد الله الْقَسرِي ومحمدا
وَإِبْرَاهِيم ابْني هِشَام بن إِسْمَاعِيل بن إِبْرَاهِيم
المخزوميين وَأمره بِقَتْلِهِم فعذبهم حَتَّى قَتلهمْ ثمَّ
الظَّاهِر أَن الَّذِي منع النِّسَاء الطّواف مَعَ
الرِّجَال هُوَ هَذَا ابْن هِشَام وَقد روى الفاكهي من
طَرِيق زَائِدَة عَن إِبْرَاهِيم النَّخعِيّ قَالَ نهى عمر
رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ أَن يطوف الرِّجَال مَعَ
النِّسَاء قَالَ فَرَأى رجلا مَعَهُنَّ فَضَربهُ بِالدرةِ
قَالَ الفاكهي وَيذكر عَن ابْن عُيَيْنَة أول من فرق بَين
الرِّجَال وَالنِّسَاء فِي الطّواف خَالِد بن عبد الله
الْقَسرِي (قلت) الأول اسْم لفرد سَابق وكل وَاحِد أول
بِالنِّسْبَةِ إِلَى مَا بعده وَكَانَت إمرة خَالِد فِي
مَكَّة فِي زمن عبد الْملك بن مَرْوَان وَذَلِكَ قبل ابْن
هِشَام بِمدَّة طَوِيلَة " قَالَ كَيفَ تمنعهن " بِلَفْظ
الْخطاب وبلفظ الْغَيْبَة أَي كَيفَ يمنعهن الْمَانِع
قَوْله " وَقد طَاف نسَاء النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - مَعَ الرِّجَال " يَعْنِي طفن فِي
وَقت وَاحِد غير مختلطات بِالرِّجَالِ لِأَن سنتهن أَن
يطفن ويصلين من وَرَاء الرِّجَال وَقَالَ ابْن بطال من
السّنة إِذا أَرَادَ النِّسَاء دُخُول الْبَيْت أَن يخرج
الرِّجَال مِنْهُ بِخِلَاف الطّواف بِهِ قَوْله " أبعد
الْحجاب " مقول ابْن جريج والهمزة فِي أبعد للاستفهام
وَهُوَ رِوَايَة الْمُسْتَمْلِي وَفِي رِوَايَة غَيره
بِدُونِ الِاسْتِفْهَام وَمعنى بعد الْحجاب بعد آيَة
الْحجاب وَهُوَ قَوْله تَعَالَى {قل للمؤمنات يغضضن من
أبصارهن} أَو قَوْله تَعَالَى {وَإِذا سَأَلْتُمُوهُنَّ
مَتَاعا فَاسْأَلُوهُنَّ من وَرَاء حجاب} قَوْله " أَو قبل
" بِالضَّمِّ أَو بِالتَّنْوِينِ قَوْله " أَي لعمري "
بِكَسْر الْهمزَة بِمَعْنى نعم قَوْله " أَدْرَكته " أَي
قَالَ عَطاء أدْركْت طواف النِّسَاء مَعَهم وَإِنَّمَا ذكر
ذَلِك عَطاء لدفع وهم من يتَوَهَّم أَنه حمل ذَلِك عَن
غَيره وَدلّ على أَنه رأى ذَلِك مِنْهُنَّ قَوْله " كَيفَ
يخالطن " وَفِي رِوَايَة الْمُسْتَمْلِي " يخالطهن " فِي
الْمَوْضِعَيْنِ وَالرِّجَال بِالرَّفْع على الفاعلية
قَوْله " حجرَة " بِفَتْح الْحَاء الْمُهْملَة وَسُكُون
الْجِيم بعْدهَا رَاء أَي نَاحيَة من النَّاس معتزلة قَالَ
الْقَزاز هُوَ مَأْخُوذ من قَوْلهم نزل فلَان حجرَة من
النَّاس أَي مُعْتَزِلا وَقيل بِمَعْنى مَحْجُورا بَينهَا
وَبَين الرِّجَال بِثَوْب وَنَحْوه وَقَالَ ابْن قرقول
هُوَ بِسُكُون الْجِيم وَفتح الْحَاء لَا غير وَفِيه نظر
لِأَن ابْن عديس ذكر فِي كِتَابه الْمثنى تعد حجرَة وحجرة
بِالْفَتْح وَالضَّم أَي نَاحيَة وَقَالَ ابْن سَيّده
وَجَمعهَا حواجر على غير قِيَاس وَفِي رِوَايَة الْكشميهني
حجزة بالزاي وَفِي رِوَايَة عبد الرَّزَّاق هَكَذَا بالزاي
قَوْله " فَقَالَت امْرَأَة " وَزَاد الفاكهي فِي
رِوَايَته مَعهَا وَلم يدر اسْمهَا وَقيل يحْتَمل أَن يكون
دقرة بِكَسْر الدَّال الْمُهْملَة وَسُكُون الْقَاف
امْرَأَة روى عَنْهَا يحيى بن أبي كثير أَنَّهَا كَانَت
تَطوف مَعَ عَائِشَة بِاللَّيْلِ فَذكر قصَّة ذكرهَا
الفاكهي قَوْله " تستلم " بِالرَّفْع والجزم ويروى "
تستلمي " بِحَذْف النُّون قَوْله " انطلقي عَنْك " أَي عَن
جِهَة نَفسك ولأجلك قَوْله " وأبت " أَي منعت عَائِشَة
الاستلام قَوْله " يخْرجن " وَفِي رِوَايَة الفاكهي " وَكن
يخْرجن " إِلَى آخِره قَوْله " متنكرات " قَالَ وَفِي
رِوَايَة عبد الرَّزَّاق مستترات قَوْله " إِذا دخلن
الْبَيْت قمن " وَفِي رِوَايَة الفاكهي " سترن " قَوْله "
حِين يدخلن " وَفِي رِوَايَة الْكشميهني " حَتَّى يدخلن "
وَقَالَ
(9/261)
الْكرْمَانِي مَا معنى هَذَا التَّرْكِيب
إِذْ هُوَ غير ظَاهر ثمَّ قَالَ أَي إِذا أردن الدُّخُول
وقفن قائمات حَتَّى يدخلن حَال كَون الرِّجَال مخرجين
مِنْهُ قَوْله " وَأخرج الرِّجَال " بِلَفْظ أخرج على
صِيغَة الْمَجْهُول قَوْله " وَكنت آتِي عَائِشَة " أَي
قَالَ كنت أجيء إِلَى عَائِشَة أَنا وَعبيد بن عُمَيْر
اللَّيْثِيّ الْحِجَازِي قَاضِي مَكَّة ولد فِي زمن
النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَوْله "
وَهِي مجاورة " الْوَاو للْحَال أَي مُقِيمَة قَوْله "
ثبير " بِفَتْح الثَّاء الْمُثَلَّثَة وَكسر الْبَاء
الْمُوَحدَة وَسُكُون الْيَاء آخر الْحُرُوف وَفِي آخِره
رَاء وَهُوَ جبل عَظِيم بِالْمُزْدَلِفَةِ على يسَار
الذَّاهِب مِنْهَا إِلَى منى وعَلى يَمِين الذَّاهِب من
منى إِلَى عَرَفَات وَهُوَ منصرف وَذكر ياقوت أَن بِمَكَّة
سَبْعَة جبال كل مِنْهَا يُسمى ثبيرا الأول أعظم جبال
مَكَّة بَينهَا وَبَين عَرَفَة وَقَالَ الْأَصْمَعِي هُوَ
ثبير حراء وَهُوَ المُرَاد بقَوْلهمْ فِي الْجَاهِلِيَّة
أشرق ثبير كَيْمَا تغير. الثَّانِي ثبير الزنج لِأَن الزنج
كَانُوا يَلْعَبُونَ عِنْده. الثَّالِث ثبير الْأَعْرَج.
الرَّابِع ثبير الحضراء. الْخَامِس ثبير النصع وَهُوَ جبل
الْمزْدَلِفَة. السَّادِس ثبير عيناء كل هَذِه جبال
مَكَّة. السَّابِع ثبير مَا فِي ديار مزينة أقطعه رَسُول
الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - شُرَيْح بن
ضَمرَة الْمُزنِيّ وَقَالَ الْبكْرِيّ السَّابِع ثبير
الأحدب على الْإِضَافَة وَحَكَاهُ ابْن الْأَنْبَارِي على
النَّعْت وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيّ ثبيران جبلان مفترقان
تصب بَينهمَا أفاعية وَهِي وَاد يصب من منى يُقَال
لأَحَدهمَا ثبير عيناء وَالْآخر ثبير الْأَعْرَج قَوْله "
وَمَا حجابها " زَاد الفاكهي حِينَئِذٍ قَوْله " هِيَ
قبَّة " أَي عَائِشَة فالقبة وَهِي خيمة فِي الأَصْل
والقبلة التركية تعْمل من لبود تضرب فِي الأَرْض قَوْله "
وَرَأَيْت عَلَيْهَا " أَي على عَائِشَة " درعا موردا "
أَي قَمِيصًا أَحْمَر لَونه لون الْورْد وَفِي رِوَايَة
عبد الرَّزَّاق " درعا معصفرا وَأَنا صبي " فَبين بذلك
سَبَب رُؤْيَته - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -
إِيَّاهَا وَيحْتَمل أَن يكون رأى مَا عَلَيْهَا
اتِّفَاقًا لَا قصدا (ذكر مَا يُسْتَفَاد مِنْهُ) فِيهِ
طواف النِّسَاء متنكرات. وَفِيه طواف اللَّيْل. وَفِيه ستر
نسَاء النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -
بعد ذَلِك وحجبهن وَفِيه رِوَايَة الْمَرْأَة عَن
الْمَرْأَة. وَفِيه الْمُجَاورَة بِمَكَّة وَهُوَ نوع من
الِاعْتِكَاف وَهُوَ ضَرْبَان مجاورة لَيْلًا وَنَهَارًا
أَو مجاورة نَهَارا فَقَط. وَفِيه جَوَاز الْمُجَاورَة فِي
الْحرم كُله وَإِن لم يكن فِي الْمَسْجِد الْحَرَام كَذَا
قَالَه ابْن بطال وَفِيه نظر لِأَن ثبيرا خَارج من مَكَّة.
وَفِيه طواف النِّسَاء من وَرَاء الرِّجَال -
9161 - حدَّثنا إسْمَاعِيلُ قَالَ حدَّثنا مالِكٌ عنْ
مُحَمَّدِ بنِ عَبْدِ الرَّحْمانِ بنِ نَوْفَلٍ عَنْ
عُرْوَةَ بنِ الزُّبَيْرِ عنْ زَيْنَبَ بنْتِ أبي سلَمَةَ
عنْ أُمِّ سَلَمَةَ رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا زَوْجِ
النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قالَتْ شكَوْتُ إِلَى
رسولِ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أنِّي أشْتَكِي
فَقَالَ طُوفي مِنْ ورَاءِ النَّاسِ وأنْتِ راكِبَةٌ
فطُفْتُ ورَسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حِينَئِذٍ
يُصَلِّي الصُّبْحَ إلَى جَنْبِ الْبَيْتِ وهُوَ يَقْرأُ
والطُّورِ وكِتَابٍ مَسْطُورٍ..
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (طوفي من وَرَاء
النَّاس) . وَرِجَاله قد ذكرُوا غير مرّة. وَإِسْمَاعِيل
هُوَ ابْن أبي أويس ابْن أُخْت مَالك، وَمُحَمّد هُوَ
يَتِيم عُرْوَة، وَزَيْنَب هِيَ بنت أم سَلمَة ربيبة
النَّبِي، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَكَانَ اسْمهَا برة
فسماها رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، زَيْنَب،
ولدت بِأَرْض الْحَبَشَة وأبوها أَبُو سَلمَة واسْمه عبد
الله بن عبد الْأسد، وَأمّهَا أم سَلمَة، وَاسْمهَا: هِنْد
بنت أبي أُميَّة.
وَقد مضى هَذَا الحَدِيث فِي: بَاب إِدْخَال الْبَعِير فِي
الْمَسْجِد فِي كتاب الصَّلَاة، فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ:
عَن عبد الله بن يُوسُف عَن مَالك ... إِلَى آخِره، وَقد
مضى الْكَلَام فِيهِ هُنَاكَ مُسْتَوفى.
قَوْله: (إِنِّي أشتكي) أَي: شَكَوْت إِلَى رَسُول الله،
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، مرضِي وَإِنِّي ضَعِيفَة.
قَوْله: (وَأَنت) الْوَاو فِيهِ للْحَال، وَكَذَلِكَ
الْوَاو فِي: وَرَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم.
قَوْله: (يُصَلِّي) ، جملَة فعلية وَقعت حَالا، وَكَذَا
الْوَاو فِي قَوْله: (وَهُوَ يقْرَأ) للْحَال، وَإِنَّمَا
أمرهَا بِالطّوافِ من وَرَاء النَّاس لِأَن سنة النِّسَاء
التباعد عَن الرِّجَال فِي الطّواف، وَلِأَن قربهَا يخَاف
مِنْهُ تأذي النَّاس بدابتها، وَإِنَّمَا طافت فِي حَال
صلَاته، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، ليَكُون أستر لَهَا،
وَكَانَت هَذِه الصَّلَاة صَلَاة الصُّبْح.
وَفِيه: الصَّلَاة بِجنب الْبَيْت والجهر بِالْقِرَاءَةِ.
(9/262)
|