عمدة القاري شرح صحيح البخاري

49 - (بابُ أمْرِ النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بالسَّكِينَةِ عِنْدَ الإفَاضَةِ وإشارَتِهِ إلَيْهِمْ بِالسَّوْطِ)

أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان أَمر النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِالسَّكِينَةِ أَي: الْوَقار عِنْد الْإِفَاضَة من عَرَفَة، وشارة النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَى أَصْحَابه بِالسَّوْطِ بذلك.

1761 - حدَّثنا سعِيدُ بنُ أبِي مَرْيَمَ قَالَ حدَّثنا إبْرَاهِيمُ بنُ سُوَيْدٍ قَالَ حدَّثني عَمْرُو بنُ أبِي عَمْرٍ ومَولَى المُطَّلِبِ قَالَ أَخْبرنِي سَعيدُ بنُ جُبَيْرٍ مَولى وَالِبَةَ الكُوفِيُّ قَالَ حدَّثني ابنُ عَبَّاسٍ رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا أنَّهُ دفَعَ مَعَ النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَوْمَ عَرَفةَ فسَمِعَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ورَاءَهُ زَجْرا شَدِيدا وضَرْبا وصَوْتا لِلإبِلِ فأشَارَ بِسَوْطِهِ إلَيْهِمْ وَقَالَ أيُّهَا النَّاسُ عَلَيْكُم بالسَّكِينَةِ فإنَّ البِرَّ لَيْسَ بالإيضَاعِ.
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة، وللترجمة جزآن: أَحدهمَا: أمره، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، بِالسَّكِينَةِ فيطابقه قَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (يَا أَيهَا النَّاس عَلَيْكُم بِالسَّكِينَةِ) ، وَالْآخر: إِشَارَته صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَيْهِم بِالسَّوْطِ، فيطابقه قَوْله: (فَأَشَارَ إِلَيْهِم بِسَوْطِهِ) .
ذكر رِجَاله: وهم خَمْسَة: الأول: سعيد بن أبي مَرْيَم، وَهُوَ سعيد بن مُحَمَّد بن الحكم بن أبي مَرْيَم الجُمَحِي مَوْلَاهُم أَبُو مُحَمَّد، وَقد مر.

(10/9)


الثَّانِي: إِبْرَاهِيم بن سُوَيْد، بِضَم السِّين الْمُهْملَة وَفتح الْوَاو وَسُكُون الْيَاء آخر الْحُرُوف: ابْن حَيَّان، بِفَتْح الْحَاء الْمُهْملَة وَتَشْديد الْيَاء آخر الْحُرُوف وبالنون. الثَّالِث: عَمْرو بن أبي عَمْرو بِالْوَاو فيهمَا، وَاسم أبي عَمْرو: ميسرَة ضد الميمنة قد مر فِي كتاب الْعلم فِي: بَاب الْحِرْص. الرَّابِع: سعيد بن جُبَير، بِضَم الْجِيم وَفتح الْبَاء الْمُوَحدَة وَسُكُون الْيَاء آخر الْحُرُوف وَفِي آخِره رَاء، مولى والبة، بِكَسْر اللَّام وَفتح الْبَاء الْمُوَحدَة الْخَفِيفَة: بطن من بني أَسد، قَتله الْحجَّاج فِي سنة خمس وَتِسْعين. الْخَامِس: عبد الله بن عَبَّاس، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا.
ذكر لطائف إِسْنَاده: فِيهِ: التحديث بِصِيغَة الْجمع فِي موضِعين، وبصيغة الْإِفْرَاد فِي موضِعين. وَفِيه: الْإِخْبَار بِصِيغَة الْإِفْرَاد فِي مَوضِع وَاحِد. وَفِيه: أَن شَيْخه بَصرِي وَإِبْرَاهِيم وَعَمْرو مدنيان وَسَعِيد كُوفِي وَتكلم فِي إِبْرَاهِيم فَقَالَ ابْن حبَان: فِي حَدِيثه مَنَاكِير وَلَكِن عِنْد البُخَارِيّ ثِقَة، وَقد تَابعه فِي هَذَا الحَدِيث سُلَيْمَان بن بِلَال عِنْد الْإِسْمَاعِيلِيّ، وَعَمْرو مولى الْمطلب بن عبد الله بن حنْطَب بن الْحَارِث بن عبيد بن عمر بن مَخْزُوم.
وَهَذَا الحَدِيث من أَفْرَاد البُخَارِيّ.
ذكر مَعْنَاهُ: قَوْله: (دفع مَعَ النَّبِي، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم) أَي: انْصَرف مَعَه من عَرَفَة يَوْم عَرَفَة. قَوْله: (زجرا) ، بِفَتْح الزَّاي وَسُكُون الْجِيم وَفِي آخِره رَاء: وَهُوَ الصياح لحث الْإِبِل. قَوْله: (وَضَربا) وَفِي رِوَايَة كَرِيمَة: (وصوتا) ، أَيْضا بعد: ضربا، وَكَأَنَّهُ تَصْحِيف من: ضربا، فعطف: صَوتا، عَلَيْهِ. قَوْله: (عَلَيْكُم بِالسَّكِينَةِ) إغراء أَي: لازموا السكينَة فِي السّير، يَعْنِي الرِّفْق وَعدم الْمُزَاحمَة، وَعلل ذَلِك بقوله: (فَإِن الْبر) أَي: الْخَيْر (لَيْسَ بِالْإِيضَاعِ) أَي: السّير السَّرِيع من أوضع: إِذا سَار سيرا عنيفا وَيُقَال: هُوَ سير مثل الخبب. وَقَالَ الْمُهلب: إِنَّمَا نَهَاهُم عَن الْإِسْرَاع إبْقَاء علهيم لِئَلَّا يجحفوا بِأَنْفسِهِم مَعَ بعد الْمسَافَة.
أوْضَعُوا أسْرَعُوا خِلاَلَكُمْ مِنَ التَّخَلُّلِ بَيْنَكُمْ وفَجَّرْنَا خِلالَهُمَا بَيْنَهُمَا

هُوَ من كَلَام البُخَارِيّ أَشَارَ بِهِ إِلَى تَفْسِير الإيضاع فِي الحَدِيث لِأَنَّهُ مصدر من أوضع يوضع إضاعا إِذا أسْرع فِي السّير، وَلما كَانَت لَفْظَة: أوضعوا، مَذْكُورَة فِي الْقُرْآن فِي سُورَة بَرَاءَة، وَهُوَ قَوْله تَعَالَى: {لَو خَرجُوا فِيكُم مَا زادوكم إلاَّ خبالاً ولأوضعوا خلالكم يبغونكم الْفِتْنَة} (التَّوْبَة: 74) . الْآيَة، وَالْمعْنَى: مَا زادوكم إلاَّ شَيْئا خبالاً، والخبال: الشَّرّ وَالْفساد، ولأوضعوا خلالكم ولسعوا بَيْنكُم بالتضريب وَهُوَ الإغراء بَين الْقَوْم وإفساد ذَات الْبَيْت، وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيّ: وَالْمعْنَى: ولأوضعوا أَي: أَسْرعُوا ركائبهم لِأَن الرَّاكِب أسْرع من الْمَاشِي، وَقَرَأَ ابْن الزبير، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا: ولأرقصوا من: رقصت النَّاقة رقصا إِذا أسرعت، وأرقصتها أَنا، وقرىء: ولأوفضوا.

1761 - حدَّثنا سعِيدُ بنُ أبِي مَرْيَمَ قَالَ حدَّثنا إبْرَاهِيمُ بنُ سُوَيْدٍ قَالَ حدَّثني عَمْرُو بنُ أبِي عَمْرٍ ومَولَى المُطَّلِبِ قَالَ أَخْبرنِي سَعيدُ بنُ جُبَيْرٍ مَولى وَالِبَةَ الكُوفِيُّ قَالَ حدَّثني ابنُ عَبَّاسٍ رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا أنَّهُ دفَعَ مَعَ النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَوْمَ عَرَفةَ فسَمِعَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ورَاءَهُ زَجْرا شَدِيدا وضَرْبا وصَوْتا لِلإبِلِ فأشَارَ بِسَوْطِهِ إلَيْهِمْ وَقَالَ أيُّهَا النَّاسُ عَلَيْكُم بالسَّكِينَةِ فإنَّ البِرَّ لَيْسَ بالإيضَاعِ.
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة، وللترجمة جزآن: أَحدهمَا: أمره، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، بِالسَّكِينَةِ فيطابقه قَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (يَا أَيهَا النَّاس عَلَيْكُم بِالسَّكِينَةِ) ، وَالْآخر: إِشَارَته صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَيْهِم بِالسَّوْطِ، فيطابقه قَوْله: (فَأَشَارَ إِلَيْهِم بِسَوْطِهِ) .
ذكر رِجَاله: وهم خَمْسَة: الأول: سعيد بن أبي مَرْيَم، وَهُوَ سعيد بن مُحَمَّد بن الحكم بن أبي مَرْيَم الجُمَحِي مَوْلَاهُم أَبُو مُحَمَّد، وَقد مر. الثَّانِي: إِبْرَاهِيم بن سُوَيْد، بِضَم السِّين الْمُهْملَة وَفتح الْوَاو وَسُكُون الْيَاء آخر الْحُرُوف: ابْن حَيَّان، بِفَتْح الْحَاء الْمُهْملَة وَتَشْديد الْيَاء آخر الْحُرُوف وبالنون. الثَّالِث: عَمْرو بن أبي عَمْرو بِالْوَاو فيهمَا، وَاسم أبي عَمْرو: ميسرَة ضد الميمنة قد مر فِي كتاب الْعلم فِي: بَاب الْحِرْص. الرَّابِع: سعيد بن جُبَير، بِضَم الْجِيم وَفتح الْبَاء الْمُوَحدَة وَسُكُون الْيَاء آخر الْحُرُوف وَفِي آخِره رَاء، مولى والبة، بِكَسْر اللَّام وَفتح الْبَاء الْمُوَحدَة الْخَفِيفَة: بطن من بني أَسد، قَتله الْحجَّاج فِي سنة خمس وَتِسْعين. الْخَامِس: عبد الله بن عَبَّاس، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا.
ذكر لطائف إِسْنَاده: فِيهِ: التحديث بِصِيغَة الْجمع فِي موضِعين، وبصيغة الْإِفْرَاد فِي موضِعين. وَفِيه: الْإِخْبَار بِصِيغَة الْإِفْرَاد فِي مَوضِع وَاحِد. وَفِيه: أَن شَيْخه بَصرِي وَإِبْرَاهِيم وَعَمْرو مدنيان وَسَعِيد كُوفِي وَتكلم فِي إِبْرَاهِيم فَقَالَ ابْن حبَان: فِي حَدِيثه مَنَاكِير وَلَكِن عِنْد البُخَارِيّ ثِقَة، وَقد تَابعه فِي هَذَا الحَدِيث سُلَيْمَان بن بِلَال عِنْد الْإِسْمَاعِيلِيّ، وَعَمْرو مولى الْمطلب بن عبد الله بن حنْطَب بن الْحَارِث بن عبيد بن عمر بن مَخْزُوم.
وَهَذَا الحَدِيث من أَفْرَاد البُخَارِيّ.
ذكر مَعْنَاهُ: قَوْله: (دفع مَعَ النَّبِي، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم) أَي: انْصَرف مَعَه من عَرَفَة يَوْم عَرَفَة. قَوْله: (زجرا) ، بِفَتْح الزَّاي وَسُكُون الْجِيم وَفِي آخِره رَاء: وَهُوَ الصياح لحث الْإِبِل. قَوْله: (وَضَربا) وَفِي رِوَايَة كَرِيمَة: (وصوتا) ، أَيْضا بعد: ضربا، وَكَأَنَّهُ تَصْحِيف من: ضربا، فعطف: صَوتا، عَلَيْهِ. قَوْله: (عَلَيْكُم بِالسَّكِينَةِ) إغراء أَي: لازموا السكينَة فِي السّير، يَعْنِي الرِّفْق وَعدم الْمُزَاحمَة، وَعلل ذَلِك بقوله: (فَإِن الْبر) أَي: الْخَيْر (لَيْسَ بِالْإِيضَاعِ) أَي: السّير السَّرِيع من أوضع: إِذا سَار سيرا عنيفا وَيُقَال: هُوَ سير مثل الخبب. وَقَالَ الْمُهلب: إِنَّمَا نَهَاهُم عَن الْإِسْرَاع إبْقَاء علهيم لِئَلَّا يجحفوا بِأَنْفسِهِم مَعَ بعد الْمسَافَة.
أوْضَعُوا أسْرَعُوا خِلاَلَكُمْ مِنَ التَّخَلُّلِ بَيْنَكُمْ وفَجَّرْنَا خِلالَهُمَا بَيْنَهُمَا

هُوَ من كَلَام البُخَارِيّ أَشَارَ بِهِ إِلَى تَفْسِير الإيضاع فِي الحَدِيث لِأَنَّهُ مصدر من أوضع يوضع إضاعا إِذا أسْرع فِي السّير، وَلما كَانَت لَفْظَة: أوضعوا، مَذْكُورَة فِي الْقُرْآن فِي سُورَة بَرَاءَة، وَهُوَ قَوْله تَعَالَى: {لَو خَرجُوا فِيكُم مَا زادوكم إلاَّ خبالاً ولأوضعوا خلالكم يبغونكم الْفِتْنَة} (التَّوْبَة: 74) . الْآيَة، وَالْمعْنَى: مَا زادوكم إلاَّ شَيْئا خبالاً، والخبال: الشَّرّ وَالْفساد، ولأوضعوا خلالكم ولسعوا بَيْنكُم بالتضريب وَهُوَ الإغراء بَين الْقَوْم وإفساد ذَات الْبَيْت، وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيّ: وَالْمعْنَى: ولأوضعوا أَي: أَسْرعُوا ركائبهم لِأَن الرَّاكِب أسْرع من الْمَاشِي، وَقَرَأَ ابْن الزبير، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا: ولأرقصوا من: رقصت النَّاقة رقصا إِذا أسرعت، وأرقصتها أَنا، وقرىء: ولأوفضوا.

59 - (بابُ الجَمْعِ بَيْنَ الصَّلاَتَيْنِ بالمُزْدَلِفَةِ)

أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان الْجمع بَين الْمغرب وَالْعشَاء فِي الْمزْدَلِفَة.

2761 - حدَّثنا عَبْدُ الله بنُ يُوسُفَ قَالَ أخبرنَا مالِكٌ عَن مُوسى بنِ عُقْبَةَ عنْ كُرَيْبٍ عنْ أُسَامةَ بنِ زَيْدٍ رَضِي الله تَعَالَى عنهُمَا أنَّهُ سَمِعَهُ يَقُولُ دفَعَ رسُولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مِنْ عَرَفَةَ فنزَلَ الشِّعْبَ فبَالَ ثُمَّ تَوَضَّأ ولَمْ يُسْبِغ الوُضُوءَ فَقُلْتُ لَهُ الصَّلاَةُ فَقَالَ الصَّلاَةُ أمامَكَ فجَاءَ المُزْدَلِفَةَ فَتَوَضَّأ فأسْبَغَ ثُمَّ أقيمَتِ الصَّلاَةُ فَصَلى المَغْرِبَ ثُمَّ أنَاخَ كُلُّ إنْسَانٍ بَعِيرَهُ فِي مَنْزِلِهِ ثُمَّ أُقِيمَتِ الصَّلاةُ فصَلَّى ولَمْ يُصَلِّ بَيْنَهُمَا..
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (فجَاء الْمزْدَلِفَة) إِلَى آخِره، وَقد مر هَذَا الحَدِيث فِي كتاب الْوضُوء فِي: بَاب إسباغ الْوضُوء، فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ: عَن عبد الله بن مسلمة عَن مَالك، وَهَهُنَا أخرجه: عَن عبد الله بن يُوسُف عَن مَالك، والتفاوت فِي الْإِسْنَاد فِي شيخيه

(10/10)


فَقَط، وَفِي المتنين شَيْء يسير، وَقد مر الْكَلَام فِيهِ هُنَاكَ مُسْتَوفى.
قَوْله: (عَن كريب عَن أُسَامَة) قَالَ ابْن عبد الْبر: رَوَاهُ أَصْحَاب مَالك عَنهُ هَكَذَا إلاَّ أَشهب وَابْن الْمَاجشون فَإِنَّهُمَا أدخلا بَين كريب وَأُسَامَة عبد الله بن عَبَّاس، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا، أخرجه النَّسَائِيّ. قَوْله: (وَلم يسبغ الْوضُوء) ، قَالَ ابْن عبد الْبر: أَي: استنجى بِهِ وَأطلق عَلَيْهِ اسْم الْوضُوء اللّغَوِيّ لِأَنَّهُ من الْوَضَاءَة وَهِي النَّظَافَة، وَمعنى الإسباغ الْإِكْمَال أَي: لم يكمل وضوءه فيتوضأ للصَّلَاة، قَالَ: وَقد قيل: إِن معنى قَوْله: (لم يسبغ الْوضُوء) أَي: لم يتَوَضَّأ فِي جَمِيع أَعْضَاء الْوضُوء، بل اقْتصر على بَعْضهَا. وَقيل: إِنَّه تَوَضَّأ وضوأ خَفِيفا، وَقَالَ الْقُرْطُبِيّ: اخْتلف الشُّرَّاح فِي قَوْله: (وَلم يسبغ الْوضُوء) ، هَل المُرَاد بِهِ: اقْتصر على بعض الْأَعْضَاء فَيكون وضوأ لغويا؟ وَاقْتصر على بعض الْعدَد فَيكون وضوأ شَرْعِيًّا؟ قَالَ: وَكِلَاهُمَا مُحْتَمل، لَكِن يعضد من قَالَ بِالثَّانِي قَوْله فِي الرِّوَايَة الْأُخْرَى: (وضُوءًا خَفِيفا) لِأَنَّهُ لَا يُقَال فِي النَّاقِص: خَفِيف فَإِن قلت: قَول أُسَامَة للنَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: الصَّلَاة، يدل على أَنه رَآهُ أَنه تَوَضَّأ وضوء الصَّلَاة. قلت: يحْتَمل أَن يكون مُرَاده: أَتُرِيدُ الصَّلَاة؟ فلِمَ لَم تتوضأ وضوء الصَّلَاة؟ وَقَالَ الْخطابِيّ: إِنَّمَا ترك إسباغه حِين نزل الشّعب ليَكُون مستصحبا للطَّهَارَة فِي طَرِيقه، وَتجوز فِيهِ، لِأَنَّهُ لم يرد أَن يُصَلِّي بِهِ، فَلَمَّا نزل وَأَرَادَهَا أسبغه فَإِن قلت: هَذَا يدل على أَنه تَوَضَّأ وضوء الصَّلَاة وَلكنه خفف، ثمَّ لما نزل تَوَضَّأ وضُوءًا آخر وأسبغه، وَالْوُضُوء لَا يشرع مرَّتَيْنِ لصَلَاة وَاحِدَة، قَالَه ابْن عبد الْبر، رَحمَه الله تَعَالَى قلت: لَا نسلم عدم مَشْرُوعِيَّة تكْرَار الْوضُوء لصَلَاة وَاحِدَة، وَلَئِن سلمنَا فَيحْتَمل أَنه تَوَضَّأ ثَانِيًا عَن حدث طَار، وَالله أعلم.

69 - (بابُ منْ جَمَعَ بَيْنَهُمَا ولَمْ يَتَطَوَّعْ)

أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان حكم من جمع بَين الصَّلَاتَيْنِ أَي: الْمغرب وَالْعشَاء، وَلم يتَطَوَّع، أَي: لم يصل تَطَوّعا بَين الصَّلَاتَيْنِ المذكورتين.

3761 - حدَّثنا آدَمُ قَالَ حدَّثنا ابنُ أبي ذِئْبٍ عنِ الزُّهْرِيِّ عنْ سَالِمِ بنِ عَبْدِ الله عنِ ابنِ عُمَرَ رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا قَالَ جمَعَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بَيْنَ المَغْرِبِ والعِشَاءِ بِجَمْعٍ كُلُّ واحِدَةٍ مِنْهُمَا بِإقَامَةٍ ولَمْ يُسَبِّحْ بَيْنَهُمَا ولاَ عَلَى أثَرِ كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا..
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة صَرِيحًا من مَتنه، وَرِجَاله قد ذكرُوا غير مرّة، وآدَم هُوَ ابْن أبي إِيَاس، وَاسم أبي إِيَاس: عبد الرَّحْمَن، أَصله من خُرَاسَان سكن عسقلان، وَابْن أبي ذِئْب، بِكَسْر الذَّال الْمُعْجَمَة: وَهُوَ مُحَمَّد بن عبد الرَّحْمَن بن أبي ذِئْب، وَاسم أبي ذِئْب: هِشَام الْمدنِي، وَالزهْرِيّ هُوَ مُحَمَّد بن مُسلم بن شهَاب الْمدنِي.
قَوْله: (بِجمع) ، بِفَتْح الْجِيم: وَهُوَ الْمزْدَلِفَة، وَقد فسرناه غير مرّة. قَوْله: (وَلم يسبح بَينهمَا) أَي: لم يتَطَوَّع بَين الْمغرب وَالْعشَاء. قَوْله: (وَلَا على إِثْر) ، بِكَسْر الْهمزَة بِمَعْنى: الْأَثر، بِفتْحَتَيْنِ، أَي: عَقِيبه.
والْحَدِيث أخرجه أَبُو دَاوُد أَيْضا فِي الْحَج عَن أَحْمد بن حَنْبَل وَعَن عُثْمَان بن أبي شيبَة وَعَن مخلد بن خَالِد. وَأخرجه النَّسَائِيّ فِيهِ عَن عَمْرو بن عَليّ، وَفِي الصَّلَاة عَن إِسْحَاق بن إِبْرَاهِيم عَن وَكِيع.
ذكر مَا يُسْتَفَاد مِنْهُ فِيهِ: الْجمع بَين الْمغرب وَالْعشَاء فِي الْمزْدَلِفَة، وَهَذَا لَا خلاف فِيهِ، وَلَكِن الْخلاف فِيهِ: هَل هُوَ للنسك أَو لمُطلق السّفر، أَو للسَّفر الطَّوِيل، فَمن قَالَ: للنسك، قَالَ: يجمع أهل مَكَّة وَمنى وعرفة والمزدلفة، وَمن قَالَ: لمُطلق السّفر، قَالَ: يجمعُونَ سوى أهل الْمزْدَلِفَة، وَمن قَالَ للسَّفر الطَّوِيل، قَالَ: يتم أهل مَكَّة وَمنى وعرفة والمزدلفة وَجَمِيع من كَانَ بَينه وَبَينهَا دون مَسَافَة الْقصر، وَيقصر من طَال سَفَره. وَقَالَ التِّرْمِذِيّ: وَالْعَمَل على هَذَا الحَدِيث عِنْد أهل الْعلم أَنه لَا يُصَلِّي الْمغرب دون جمع. وَقَالَ شَيخنَا زين الدّين، رَحمَه الله تَعَالَى: كَأَنَّهُ أَرَادَ الْعَمَل عَلَيْهِ مَشْرُوعِيَّة واستحبابا لَا تحتما وَلَا لُزُوما، فَإِنَّهُم لم يتفقوا على ذَلِك، بل اخْتلفُوا فِيهِ. فَقَالَ سُفْيَان الثَّوْريّ: لَا يُصَلِّيهمَا حَتَّى يَأْتِي جمعا وَله السعَة فِي ذَلِك إِلَى نصف اللَّيْل، فَإِن صلاهما دون جمع أعَاد، وَكَذَا قَالَ أَبُو حنيفَة: إِن صلاهما قبل أَن يَأْتِي الْمزْدَلِفَة فَعَلَيهِ الْإِعَادَة، وَسَوَاء صلاهما قبل مغيب الشَّفق أَو بعده، فَعَلَيهِ أَن يعيدهما إِذا أَتَى الْمزْدَلِفَة. وَقَالَ مَالك: لَا يُصليهَا أحد قبل جمع إلاَّ من عذر، فَإِن صلاهما من عذر لم يجمع بَينهمَا حَتَّى يغيب الشَّفق، وَذهب الشَّافِعِي إِلَى أَن هَذَا هُوَ الْأَفْضَل، وَأَنه إِن جمع بَينهمَا فِي وَقت الْمغرب أَو فِي وَقت الْعشَاء، بِأَرْض عَرَفَات أَو غَيرهَا أَو صلى كل

(10/11)


صَلَاة فِي وَقتهَا جَازَ ذَلِك، وَبِه قَالَ الْأَوْزَاعِيّ وَإِسْحَاق بن رَاهَوَيْه وَأَبُو ثَوْر، وَأَبُو يُوسُف وَأَشْهَب، وَحَكَاهُ النَّوَوِيّ عَن أَصْحَاب الحَدِيث، وَبِه قَالَ من التَّابِعين: عَطاء وَعُرْوَة وَسَالم وَالقَاسِم وَسَعِيد بن جُبَير. وَفِيه: أَن الْإِقَامَة لكل وَاحِدَة من الْمغرب وَالْعشَاء.
وَفِيه: للْعُلَمَاء سِتَّة أَقْوَال: أَحدهَا: أَنه يُقيم لكل مِنْهُمَا وَلَا يُؤذن لوَاحِدَة مِنْهُمَا، وَهُوَ قَول الْقَاسِم وَمُحَمّد وَسَالم وَهُوَ إِحْدَى الرِّوَايَات عَن ابْن عمر، وَبِه قَالَ إِسْحَاق بن رَاهَوَيْه وَأحمد بن حَنْبَل فِي أحد الْقَوْلَيْنِ عَنهُ. وَهُوَ قَول الشَّافِعِي وَأَصْحَابه فِيمَا حَكَاهُ الْخطابِيّ وَالْبَغوِيّ وَغير وَاحِد، وَقَالَ النَّوَوِيّ فِي (شرح مُسلم) : الصَّحِيح عِنْد أَصْحَابنَا أَنه يُصَلِّيهمَا بِأَذَان للأولى وَإِقَامَتَيْنِ لكل وَاحِدَة إِقَامَة. وَقَالَ فِي الْإِيضَاح إِنَّه الْأَصَح. الثَّانِي: أَن يُصَلِّيهمَا بِإِقَامَة وَاحِدَة للأولى وَهُوَ إِحْدَى الرِّوَايَات عَن ابْن عمر، وَهُوَ قَول سُفْيَان الثَّوْريّ فِيمَا حَكَاهُ التِّرْمِذِيّ والخطابي وَابْن عبد الْبر وَغَيرهم. الثَّالِث: أَنه يُؤذن للأولى وَيُقِيم لكل وَاحِدَة مِنْهُمَا، وَهُوَ قَول أَحْمد بن حَنْبَل فِي أصح قوليه، وَبِه قَالَ أَبُو ثَوْر وَعبد الْملك بن الْمَاجشون من الْمَالِكِيَّة، والطَّحَاوِي، وَقَالَ الْخطابِيّ هُوَ قَول أهل الرَّأْي، وَذكر ابْن عبد الْبر أَن الْجوزجَاني حَكَاهُ عَن مُحَمَّد بن الْحسن عَن أبي يُوسُف عَن أبي حنيفَة. الرَّابِع: أَنه يُؤذن للأولى وَيُقِيم لَهَا وَلَا يُؤذن للثَّانِيَة وَلَا يُقيم لَهَا، وَهُوَ قَول أبي حنيفَة وَأبي يُوسُف، حَكَاهُ النَّوَوِيّ وَغَيره. قلت: هَذَا هُوَ مَذْهَب أَصْحَابنَا، وَعند زفر: بِأَذَان وَإِقَامَتَيْنِ. الْخَامِس: أَنه يُؤذن لكل مِنْهُمَا وَيُقِيم، وَبِه قَالَ عمر بن الْخطاب وَعبد الله بن مَسْعُود، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا، وَهُوَ قَول مَالك وَأَصْحَابه إلاَّ ابْن الْمَاجشون، وَلَيْسَ لَهُم فِي ذَلِك حَدِيث مَرْفُوع، قَالَه ابْن عبد الْبر. السَّادِس: أَنه لَا يُؤذن لوَاحِدَة مِنْهُمَا وَلَا يُقيم، حَكَاهُ الْمُحب الطَّبَرِيّ عَن بعض السّلف، وَهَذَا كُله فِي جمع التَّأْخِير.
أما جمع التَّقْدِيم كالظهر وَالْعصر بنمرة فَفِيهِ ثَلَاثَة أَقْوَال: أَحدهَا: أَنه يُؤذن للأولى وَيُقِيم لَهَا وَلَا يُقيم لكل مِنْهُمَا، وَهُوَ قَول الشَّافِعِي وَجُمْهُور أَصْحَابه. وَالثَّانِي: أَنه يُؤذن للأولى وَيُقِيم لَهَا وَلَا يُقيم للثَّانِيَة، وَهُوَ مَذْهَب أبي حنيفَة. وَالثَّالِث: أَنه يُؤذن لكل مِنْهُمَا وَيُقِيم، وَهُوَ وَجه حَكَاهُ الرَّافِعِيّ عَن ابْن كج عَن أبي الْحُسَيْن الْقطَّان أَنه أخرجه وَجها. فَإِن قلت: مَا الأَصْل فِي هَذِه الْأَقْوَال؟ قلت: الَّذِي قَالَ بِأَذَان وَاحِد وَإِقَامَتَيْنِ، قَالَ بِرِوَايَة جَابر، وَالَّذِي قَالَ بِلَا أَذَان وَلَا إِقَامَة قَالَ بِحَدِيث أبي أَيُّوب وَابْن عمر، فَإِنَّهُ لَيْسَ فيهمَا أَذَان وَلَا إِقَامَة، وَكَذَا رَوَاهُ طلق بن حبيب وَابْن سِيرِين وَنَافِع عَن ابْن عمر من فعله، وَالَّذِي قَالَ بِإِقَامَة وَاحِدَة قَالَ بِحَدِيث الزُّهْرِيّ عَن سَالم عَن ابْن عمر: (أَن رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، جمع بَين الْمغرب وَالْعشَاء بِجمع بِإِقَامَة وَاحِدَة) ، وَكَذَا رَوَاهُ ابْن عَبَّاس مَرْفُوعا عِنْد مُسلم، وَالَّذِي قَالَ بِإِقَامَة للمغرب وَإِقَامَة للعشاء بِحَدِيث أُمَامَة وَكَذَا فعله عمر بن الْخطاب، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، فَهَذِهِ الْأَحَادِيث الَّتِي رويت كلهَا مُسندَة، قَالَه ابْن حزم، وَقَالَ: وَأَشد الِاضْطِرَاب فِي ذَلِك عَن ابْن عمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، فَإِنَّهُ رُوِيَ عَنهُ من عمله الْجمع بَينهمَا بِلَا أَذَان وَلَا إِقَامَة، وَرُوِيَ عَنهُ أَيْضا إِقَامَة وَاحِدَة، وَرُوِيَ عَنهُ مَوْقُوفا بِأَذَان وَاحِد وَإِقَامَة وَاحِدَة.، وَرُوِيَ عَنهُ مُسْندًا الْجمع بَينهمَا بإقامتين، وروى عَنهُ مُسْندًا بِأَذَان وَاحِد وَإِقَامَة وَاحِدَة. قَالَ: وَهنا قَول سادس وَلم نجده مرويا عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَهُوَ مَا روينَاهُ عَن ابْن مَسْعُود أَنه: صلى الْمغرب بِالْمُزْدَلِفَةِ كل وَاحِد مِنْهُمَا بِأَذَان وَإِقَامَة. قلت: هَذَا رَوَاهُ البُخَارِيّ عَن ابْن مَسْعُود رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا على مَا يَأْتِي، إِن شَاءَ الله تَعَالَى.
وَفِيه: أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لم يتَنَفَّل بَين الْمغرب وَالْعشَاء حِين جمع بَينهمَا بِالْمُزْدَلِفَةِ وَلَا عقيب كل وَاحِدَة مِنْهُمَا، وَذَلِكَ لِأَنَّهُ لما لم يكن بَين الْمغرب وَالْعشَاء مهلة لم يتَنَفَّل صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بَينهمَا، بِخِلَاف الْعشَاء فَإِنَّهُ يحْتَمل أَن يكون المُرَاد أَنه لم يتَنَفَّل عقيبها، لكنه تنفل بعد ذَلِك فِي أثْنَاء اللَّيْل، وَنقل ابْن الْمُنْذر الْإِجْمَاع على ترك التَّطَوُّع بَين الصَّلَاتَيْنِ بِالْمُزْدَلِفَةِ، وَمن تنفل بَينهمَا لم يَصح أَنه جمع بَينهمَا.

4761 - حدَّثنا خالِدُ بنُ مَخْلَدٍ قَالَ حدَّثنا سُلَيْمانُ بنُ بِلالٍ قَالَ حدَّثنا يَحْيى بنُ سعِيدٍ قَالَ أَخْبرنِي عَدِيُّ بنُ ثَابِتٍ قَالَ حدَّثني عَبْدُ الله بنُ يَزِيدُ الخَطْمِيُّ قَالَ حدَّثني أبُو أيُّوبَ الأنْصَارِيُّ أنَّ رسولَ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم جمعَ فِي حَجَّةِ الوَدَاعِ المَغْرِبَ والْعِشَاءَ بِالمُزْدَلِفةِ.
(الحَدِيث 4761 طرفه فِي: 4144) .
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة.
ذكر رِجَاله: وهم سِتَّة: الأول: خَالِد بن مخلد، بِفَتْح الْمِيم وَسُكُون الْخَاء الْمُعْجَمَة: البَجلِيّ أَبُو الْهَيْثَم وَيُقَال: أَبُو مُحَمَّد، وَقد مر فِي أول كتاب الْعلم. الثَّانِي: سُلَيْمَان بن بِلَال أَبُو أَيُّوب الْقرشِي التَّيْمِيّ. الثَّالِث: يحيى بن سعيد

(10/12)


الْأنْصَارِيّ. الرَّابِع: عدي بن ثَابت، هُوَ عدي بن أبان بن ثَابت الْأنْصَارِيّ إِمَام مَسْجِد الشِّيعَة وقاضيهم. الْخَامِس: عبد الله ابْن يزِيد من الزِّيَادَة الخطمي، بِفَتْح الْخَاء الْمُعْجَمَة وَسُكُون الطَّاء الْمُهْملَة، نِسْبَة إِلَى خطمة، وهم فَخذ من الْأَوْس، وَقد مر فِي آخر كتاب الْإِيمَان. السَّادِس: أَبُو أَيُّوب الْأنْصَارِيّ واسْمه خَالِد بن زيد.
ذكر لطائف إِسْنَاده: فِيهِ: التحديث بِصِيغَة الْجمع فِي ثَلَاثَة مَوَاضِع وبصيغة الْإِفْرَاد فِي موضِعين. وَفِيه: الْإِخْبَار بِصِيغَة الْإِفْرَاد فِي مَوضِع وَاحِد. وَفِيه: القَوْل فِي ثَلَاثَة مَوَاضِع. وَفِيه: أَن شَيْخه كُوفِي، وَيُقَال لَهُ: قطواني، وقطوان محلّة على بَاب الْكُوفَة وَكَانَ يغْضب إِذا قيل لَهُ: قطواني، لِأَن الْبَقَّال يُقَال لَهُ: قطوان. وَفِيه: أَن بَقِيَّة الروَاة مدنيون. وَفِيه: رِوَايَة التَّابِعِيّ عَن التَّابِعِيّ وهما يحيى وعدي. وَفِيه: رِوَايَة الصَّحَابِيّ عَن الصَّحَابِيّ، وهما: عبد الله بن يزِيد وَأَبُو أَيُّوب. وَفِيه: رِوَايَة الرَّاوِي عَن جده وَهُوَ عدي لِأَن عبد الله بن يزِيد جده لأمه.
ذكر تعدد مَوْضِعه وَمن أخرجه غَيره أخرجه البُخَارِيّ أَيْضا فِي الْمَغَازِي عَن القعْنبِي عَن مَالك. وَأخرجه مُسلم فِي الْمَنَاسِك عَن يحيى بن يحيى عَن سُلَيْمَان بن بِلَال، وَعَن قُتَيْبَة وَمُحَمّد بن رمح، كِلَاهُمَا عَن اللَّيْث. وَأخرجه النَّسَائِيّ فِي الصَّلَاة عَن قُتَيْبَة عَن مَالك، وَفِي الْحَج عَن يحيى بن حبيب وَعَن عَمْرو بن عَليّ. وَأخرجه ابْن مَاجَه فِي الْحَج عَن مُحَمَّد ابْن رمح بِهِ. قلت: وَفِي الْبَاب عَن جَابر رَوَاهُ مُسلم وَأَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيّ فِي الحَدِيث الطَّوِيل فِي صفة حجه، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَفِيه: (حَتَّى أَتَى الْمزْدَلِفَة فصلى بهَا الْمغرب وَالْعشَاء بِأَذَان وَاحِد وَإِقَامَتَيْنِ وَلم يسبح بَينهمَا) . وَعَن أبي بن كَعْب وَخُزَيْمَة بن ثَابت، روى حَدِيثهمَا الطَّبَرِيّ فِي (تَهْذِيب الْآثَار) ، وَحَدِيث خُزَيْمَة رَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ أَيْضا فِي (الْكَبِير) و (الْأَوْسَط) وَعَن ابْن عَبَّاس: روى حَدِيثه ابْن حزم فِي حجَّة الْوَدَاع من رِوَايَة الثَّوْريّ عَن سَلمَة بن كهيل عَن سعيد بن جُبَير (عَن ابْن عَبَّاس أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم صلى الصَّلَاتَيْنِ بِالْمُزْدَلِفَةِ بِإِقَامَة وَاحِدَة) . وَعَن الْبَراء: روى حَدِيثه ابْن عبد الْبر فِي (التَّمْهِيد) وَقَالَ: هُوَ عِنْد أهل الْحِفْظ خطأ.

79 - (بابُ منْ أذَّنَ وأقامَ لِكُلِّ واحِدَةٍ مِنْهُمَا)

أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان من أذن وَأقَام لكل وَاحِدَة من الْمغرب وَالْعشَاء بِالْمُزْدَلِفَةِ.

5761 - حدَّثنا عَمْرُو بنُ خالِدٍ قَالَ حدَّثنا زُهَيْرٌ قَالَ حدَّثنا أبُو إسْحَاقَ قَالَ سَمِعْتُ عَبْدَ الرَّحْمانِ ابنَ يَزِيدَ يَقُولُ حَجَّ عَبدُ الله رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ فأتينَا المُزْدلِفةِ حِينَ الأذَانِ بِالعَتْمةِ أوْ قريبَا مِن ذالِك فأمرَ رَجلاً فأذَّنَ وأقامَ ثُمَّ صَلَّى المَغْرِبَ وصلَّى بَعْدَها رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ دَعَا بِعَشَائِهِ فتَعَشَّى ثُمَّ أمرَ أُرَى رَجُلاً فأذَّنَ وأقامَ قَالَ عَمْرٌ ولاَ أعْلَمُ الشَّكَّ إلاَّ مِنْ زُهَيْرٍ ثُمَّ صَلَّى العِشَاءَ رَكْعَتَيْنِ فلَمَّا طلَعَ الفَجْرُ قَالَ إنَّ النبيَّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كانَ لَا يُصَلِّي هاذِهِ السَّاعَةَ إلاَّ هاذِهِ الصَّلاةَ فِي هاذا المَكَانِ مِنْ هذَا اليَوْمِ قَالَ عَبْدُ الله هُمَا صَلاتانِ تُحَوَّلانِ عَنْ وَقْتِهِمَا صَلاةُ المَغْرِبِ بَعْدَما يَأتي النَّاسُ المُزْدَلِفَةَ والْفَجْرُ حِينَ يَبْزُغُ الفَجْرُ قَالَ رَأيْتُ النبيَّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَفْعَلُهُ.
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (فَأذن وَأقَام فِي موضِعين) .
ذكر رِجَاله: وهم خَمْسَة: الأول: عَمْرو بن خَالِد بن فروخ، مر فِي: بَاب إطْعَام الطَّعَام، فِي كتاب الْإِيمَان. الثَّانِي: زُهَيْر بن مُعَاوِيَة بن خديج أَبُو خَيْثَمَة الْجعْفِيّ، مر فِي: بَاب لَا يستنجى بروث. الثَّالِث: أَبُو إِسْحَاق عَمْرو بن عبد الله السبيعِي، بِفَتْح السِّين. الرَّابِع: عبد الرَّحْمَن بن يزِيد بن قيس أَخُو الْأسود النَّخعِيّ. الْخَامِس: عبد الله بن مَسْعُود.
ذكر لطائف إِسْنَاده: فِيهِ: التحديث بِصِيغَة الْجمع فِي ثَلَاثَة مَوَاضِع. وَفِيه: السماع. وَفِيه: القَوْل فِي موضِعين. وَفِيه: أَن شَيْخه من أَفْرَاده وَأَنه حراني سكن مصر وَأَن الْبَقِيَّة كوفيون. وَفِيه: رِوَايَة التَّابِعِيّ عَن التَّابِعِيّ وهما أَبُو إِسْحَاق

(10/13)


وَعبد الرَّحْمَن.
والْحَدِيث أخرجه البُخَارِيّ أَيْضا عَن عبد الله بن رَجَاء عَن إِسْرَائِيل عَن أبي إِسْحَاق بِهِ، وَأخرجه النَّسَائِيّ فِيهِ عَن هِلَال بن الْعَلَاء.
ذكر مَعْنَاهُ: قَوْله: (حج عبد الله) ، وَفِي رِوَايَة النَّسَائِيّ عَن هِلَال بن الْعَلَاء بن هِلَال، قَالَ: حَدثنَا حُسَيْن هُوَ ابْن عَيَّاش، قَالَ: حَدثنَا زُهَيْر، قَالَ: حَدثنَا أَبُو إِسْحَاق، قَالَ: سَمِعت عبد الرَّحْمَن بن يزِيد، قَالَ: حج عبد الله فَأمرنِي عَلْقَمَة أَن ألزمهُ فَلَزِمته، فأتينا الْمزْدَلِفَة، فَلَمَّا كَانَ حِين طلع الْفجْر، قَالَ: قُم. قَالَ: يَا أَبَا عبد الرَّحْمَن، إِن هَذِه السَّاعَة مَا رَأَيْتُك صليت فِيهَا قطّ؟ قَالَ: إِن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ زُهَيْر: وَلم يكن فِي كتاب الله كَانَ لَا يُصَلِّي هَذِه السَّاعَة إلاَّ هَذِه الصَّلَاة فِي هَذَا الْمَكَان من هَذَا الْيَوْم. قَالَ عبد الله: هما صلاتان تؤخران عَن وقتهما: صَلَاة الْمغرب بَعْدَمَا تَأتي النَّاس الْمزْدَلِفَة، وَصَلَاة الْغَدَاء حِين يبزغ الْفجْر. قَالَ: رَأَيْت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يفعل ذَلِك. قَوْله: (بالعتمة) أَي: وَقت الْعشَاء الْآخِرَة. قَوْله: (أَو قَرِيبا من ذَلِك) أَي: من مغيب الشَّفق. قَوْله: (فَأمر رجلا) لم يدر اسْمه. قيل: يحْتَمل أَن يكون هُوَ عبد الرَّحْمَن بن يزِيد. قَوْله: (ثمَّ دَعَا بعشائه) ، بِفَتْح الْعين: هُوَ مَا يتعشى بِهِ من الْمَأْكُول. قَوْله: (أُرى) ، أَي: أَظن أَنه أَمر بِالتَّأْذِينِ وَالْإِقَامَة، وَهَذَا هُوَ المُرَاد من الشَّك. قَوْله: (قَالَ عَمْرو) هُوَ عَمْرو بن خَالِد شيخ البُخَارِيّ، وَهَذَا يبين أَن الشَّك من زُهَيْر الْمَذْكُور فِي السَّنَد، وَأخرجه الْإِسْمَاعِيلِيّ من طَرِيق الْحسن بن مُوسَى عَن زُهَيْر مثل مَا رَوَاهُ عَمْرو عَنهُ، وَلم يقل مَا قَالَ عَمْرو. وَأخرجه الْبَيْهَقِيّ من طَرِيق عبد الرَّحْمَن بن عَمْرو عَن زُهَيْر، وَقَالَ فِيهِ: ثمَّ أَمر، قَالَ زُهَيْر: أرى فَأذن وَأقَام. قَوْله: (فَلَمَّا طلع الْفجْر) وَفِي رِوَايَة الْمُسْتَمْلِي والكشميهني: (فَلَمَّا حِين طلع الْفجْر) ، وَفِي رِوَايَة الْحُسَيْن بن عَيَّاش عَن زُهَيْر: (فَلَمَّا كَانَ حِين طلع الْفجْر) ، وَالتَّقْدِير فِي هَذِه الرِّوَايَة: فَلَمَّا كَانَ حِين طُلُوع الْفجْر. وَقَالَ الْكرْمَانِي: وجزاؤه مَحْذُوف، وَهِي: صَلَاة الْفجْر، أَو الْمَذْكُور: جَزَاء على سَبِيل الْكِنَايَة لِأَن هَذَا القَوْل رَدِيف فعل الصَّلَاة. قَوْله: (قَالَ عبد الله) هُوَ ابْن مَسْعُود، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ. قَوْله: (تحولان) أما تَحْويل الْمغرب هُوَ تَأْخِيره إِلَى وَقت الْعشَاء الْآخِرَة، وَأما تَحْويل الصُّبْح فَهُوَ أَنه قدم على الْوَقْت الظَّاهِر طلوعه لكل أحد كَمَا هُوَ الْعَادة فِي أَدَاء الصَّلَاة إِلَى غير الْمُعْتَاد، وَهُوَ حَال عدم ظُهُوره للْكُلّ، فَمن قَائِل: طلع الصُّبْح، وَمن قَائِل: لم يطلع، وَقد تحقق الطُّلُوع لرَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، إِمَّا بِالْوَحْي أَو بِغَيْرِهِ، وَالْمرَاد أَنه كَانَ فِي سَائِر الْأَيَّام يُصَلِّي بعد الطُّلُوع، وَفِي ذَلِك الْيَوْم صلى حَال الطُّلُوع. قَالَ الْكرْمَانِي: وَالْغَرَض أَنه بَالغ فِي ذل الْيَوْم فِي التبكير، يَعْنِي: الِاسْتِحْبَاب فِي التبكير فِي ذَلِك الْيَوْم آكِد من غَيره لإِرَادَة الِاشْتِغَال بالمناسك. قلت: حَاصِل الْكَلَام أَنه لَيْسَ مَعْنَاهُ أَنه أوقع صَلَاة الْفجْر قبل طلوعه، وَإِنَّمَا المُرَاد أَنه صلاهَا قبل الْوَقْت الْمُعْتَاد، فعلهَا فِيهِ فِي الْحَضَر. قَوْله: (عَن وقتهما) ، كَذَا فِي رِوَايَة الْأَكْثَرين، وَفِي رِوَايَة السَّرخسِيّ، رَحمَه الله تَعَالَى، عَنهُ: عَن وَقتهَا بِالْإِفْرَادِ. قَوْله: (حِين بزغ) ، بزاي وغين مُعْجمَة، وروى (حِين يبزغ) ، بِضَم الزَّاي من بَاب: نصر ينصر.
ذكر مَا يُسْتَفَاد مِنْهُ فِيهِ: مَشْرُوعِيَّة الْأَذَان وَالْإِقَامَة لكل من الصَّلَاتَيْنِ إِذا جمع بَينهمَا، وَقَالَ ابْن حزم: لم نجده مرويا عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَلَو ثَبت عَنهُ لَقلت بِهِ، وَقد وجد عَن عمر من فعله. قلت: أخرجه الطَّحَاوِيّ بِإِسْنَاد صَحِيح عَنهُ، وَقَالَ: حَدثنَا ابْن أبي دَاوُد، قَالَ: حَدثنَا أَحْمد بن يُونُس، قَالَ: حَدثنَا إِسْرَائِيل عَن مَنْصُور عَن إِبْرَاهِيم عَن الْأسود أَنه صلى مَعَ عمر بن الْخطاب، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، صَلَاتَيْنِ مرَّتَيْنِ يجمع كل صَلَاة بِأَذَان وَإِقَامَة وَالْعشَاء بَينهمَا، ثمَّ قَالَ الطَّحَاوِيّ: مَا كَانَ من فعل عمر وتأذينه للثَّانِيَة لكَون أَن النَّاس تفَرقُوا لعشائهم، فَأذن ليجمعهم، وَكَذَلِكَ نقُول نَحن إِذا تفرق النَّاس عَن الإِمَام لأجل عشَاء أَو لغيره، قَالَ: وَكَذَلِكَ معنى مَا رُوِيَ عَن عبد الله بن مَسْعُود، وَقَالَ بَعضهم: وَلَا يخفى تكلفه، وَلَو تأتى لَهُ ذَلِك فِي حق عمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، لكَونه كَانَ الإِمَام لم يتأت لَهُ فِي حق ابْن مَسْعُود، قلت دَعْوَى التَّكَلُّف فِي ذَلِك هُوَ عين التَّكْلِيف لِأَن قَوْله قَوْله لم يتأت قَوْله لَهُ فِي حق ابْن مَسْعُود غير مرضِي من وَجْهَيْن: أَحدهمَا: أَن الظَّاهِر أَنه كَانَ إِمَامًا لِأَنَّهُ أَمر رجلا، فَأذن وَأقَام، فَظَاهره يدل على أَنه كَانَ إِمَامًا. وَالثَّانِي: أَنا وَإِن سلمنَا أَنه لم يكن إِمَامًا، فَمَا الْمَانِع أَن يكون فعل مَا فعله اقْتِدَاء بعمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ؟ وَقد أَخذ مَالك بِظَاهِر الحَدِيث الْمَذْكُور، وروى ابْن عبد الْبر

(10/14)


عَن أَحْمد بن خَالِد أَنه كَانَ يتعجب من مَالك حَيْثُ أَخذ بِحَدِيث ابْن مَسْعُود، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، وَهُوَ من رِوَايَة الْكُوفِيّين مَعَ كَونه مَوْقُوفا، وَمَعَ كَونه لم يروه وَيتْرك مَا رُوِيَ عَن أهل الْمَدِينَة وَهُوَ مَرْفُوع، وَقَالَ ابْن عبد الْبر: وَأَنا أعجب من الْكُوفِيّين حَيْثُ أخذُوا بِمَا رَوَاهُ أهل المدينا. وَهُوَ: أَن يجمع بَينهمَا بِأَذَان وَإِقَامَة وَاحِدَة. وَتركُوا مَا رَوَوْهُ فِي ذَلِك عَن ابْن مَسْعُود، مَعَ أَنهم لَا يعدلُونَ بِهِ أحدا؟ قلت: لَا تعجب هَهُنَا أصلا، أما وَجه مَا فعله مَالك فَلِأَنَّهُ اعْتمد على صَنِيع عمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، فِي ذَلِك وَإِن كَانَ لم يروه فِي (الْمُوَطَّأ) ، وَأما الْكُوفِيُّونَ فَإِنَّهُم اعتمدوا على حَدِيث جَابر الطَّوِيل الَّذِي أخرجه مُسلم: (أَنه جمع بَينهمَا بِأَذَان وَاحِد وَإِقَامَتَيْنِ) ، وَهُوَ أَيْضا قَول الشَّافِعِي فِي الْقَدِيم، وَرِوَايَة عَن أَحْمد، وَقَول ابْن الْمَاجشون، وقووا ذَلِك أَيْضا بِالْقِيَاسِ على الْجمع بَين الظّهْر وَالْعصر بِعَرَفَة. وَفِيه: حجَّة للحنفية على ترك الْجمع بَين الصَّلَاتَيْنِ فِي غير عَرَفَة وَجمع، وَقَالَ بَعضهم: وَأجَاب المجوزون بِأَن من حفظ حجَّة على من لم يحفظ، وَقد ثَبت الْجمع بَين الصَّلَاتَيْنِ من حَدِيث ابْن عمر وَأنس وَابْن عَبَّاس وَغَيرهم، وَأَيْضًا فالاستدلال بِهِ إِنَّمَا هُوَ من طَرِيق الْمَفْهُوم وهم لَا يَقُولُونَ بِهِ، وَأما من قَالَ بِهِ فشرطه أَن لَا يُعَارضهُ مَنْطُوق، وَأَيْضًا فالحصر فِيهِ لَيْسَ على ظَاهره لإجماعهم على مَشْرُوعِيَّة الْجمع بَين الظّهْر وَالْعصر بِعَرَفَة. قلت: قد استقصينا الْكَلَام فِيهِ فِي كتاب الصَّلَاة فِي: بَاب الْجمع فِي السّفر بَين الْمغرب وَالْعشَاء، وَقَوله: وهم لَا يَقُولُونَ بِهِ، أَي: بِالْمَفْهُومِ لَيْسَ على إِطْلَاقه، لِأَن الْمَفْهُوم على قسمَيْنِ مَفْهُوم مُوَافقَة وَمَفْهُوم مُخَالفَة، وهم قَائِلُونَ بِمَفْهُوم الْمُوَافقَة لِأَنَّهُ فحوى الْخطاب كَمَا تقرر فِي مَوْضِعه. وَفِيه: أَنه صلى بعد الْمغرب رَكْعَتَيْنِ. فَإِن قلت: قد تقدم أَنه لم يسبح بَينهمَا؟ قلت: قَالَ الْكرْمَانِي: لم يشْتَرط فِي جمع التَّأْخِير الْمُوَالَاة، فالأمران جائزان، وَالْأَحْسَن فِي هَذَا مَا قَالَه الطَّحَاوِيّ، رَحمَه الله، وَهُوَ: أَنه اخْتلف عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي الصَّلَاتَيْنِ بِمُزْدَلِفَة هَل صلاهما مَعًا أَو عمل بَينهمَا عملا؟ فَفِي حَدِيث ابْن عمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا السَّابِق: وَلم يسبح بَينهمَا. وَفِي حَدِيث ابْن مَسْعُود، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ: هَذَا وَصلى بعْدهَا رَكْعَتَيْنِ، ثمَّ قَالَ فِي آخر الحَدِيث، رَأَيْت النَّبِي، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، يَفْعَله، فَلَمَّا اخْتلفُوا فِي ذَلِك وَكَانَت الصَّلَاتَان بِعَرَفَة تصلى إِحْدَاهمَا فِي إِثْر صاحبتها وَلَا يعْمل بَينهمَا عمل، فالنظر على ذَلِك أَن تكون الصَّلَاتَان بِمُزْدَلِفَة كَذَلِك، وَلَا يعْمل بَينهمَا عمل قِيَاسا عَلَيْهِمَا، وَالْجَامِع كَون كل وَاحِدَة مِنْهُمَا فرضا فِي حق محرم بِحَجّ فِي مَكَان مَخْصُوص ليتدارك الْوُقُوف بِعَرَفَة والنهوض إِلَى الْوُقُوف بِمُزْدَلِفَة فَافْهَم.

89 - (بابُ منْ قَدَّمَ ضَعَفَةَ أهْلِهِ بِلَيْلٍ فَيَقِفُونَ بِالمُزْدَلِفَةِ ويَدْعُونَ ويُقَدِّمُ إذَا غابَ القَمَرُ)

أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان شَأْن من قدم ضعفة أَهله، و: الضعفة، بِفَتْح الْعين: جمع ضَعِيف، وَقَالَ ابْن حزم: الضعفة هم الصّبيان وَالنِّسَاء فَقَط. قلت: يدْخل فِيهِ الْمَشَايِخ العاجزون لِأَنَّهُ رُوِيَ عَن ابْن عَبَّاس أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قد ضعفة بني هَاشم وصبيانهم بلَيْل، رَوَاهُ ابْن حبَان فِي (الثِّقَات) : وَقَوله: ضعفه بني هَاشم، أَعم من النِّسَاء وَالصبيان والمشايخ العاجزين وَأَصْحَاب الْأَمْرَاض، لِأَن الْعلَّة خوف الزحام عَلَيْهِم، وَعَن ابْن عَبَّاس: (أَرْسلنِي رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي ضعفة أَهله، فصلينا الصُّبْح بمنى ورمينا الْجَمْرَة، رَوَاهُ النَّسَائِيّ. وَقَالَ الْمُحب الطَّبَرِيّ: لم يكن ابْن عَبَّاس من الضعفة، وَمَا رَوَاهُ النَّسَائِيّ يرد عَلَيْهِ. قَوْله: (بلَيْل) أَي: فِي ليل، وَالْبَاء تتَعَلَّق بقوله: (قدم) وتقديمهم من منزلهم الَّذِي نزلُوا بِهِ بِجمع. قَوْله: (وَيدعونَ بِالْمُزْدَلِفَةِ) يَعْنِي: يذكرُونَ الله مَا بدا لَهُم، قَوْله: (وَيقدم إِذا غَابَ الْقَمَر) بَيَان لقَوْله: بلَيْل، لِأَن قَوْله: بلَيْل، أَعم من أَن يكون فِي أول اللَّيْل أَو فِي وَسطه أَو فِي آخِره. وَبَينه بقوله: (إِذا غَابَ) ، لِأَن مغيب الْقَمَر تِلْكَ اللَّيْلَة يَقع عِنْد أَوَائِل الثُّلُث الْأَخير، وَمن ثمَّة قَيده الشَّافِعِي وَأَصْحَابه بِالنِّصْفِ الثَّانِي، وروى الْبَيْهَقِيّ من حَدِيث ابْن عَبَّاس: أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ يَأْمر نِسَاءَهُ وَثقله فِي صَبِيحَة جمع أَن يفيضوا مَعَ أول الْفجْر بسواد، وَأَن لَا يرموا الْجَمْرَة إلاَّ مصبحين، وروى أَبُو دَاوُد (عَن ابْن عَبَّاس، قَالَ: كَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يقدم ضعفة أَهله بِغَلَس وَيَأْمُرهُمْ، يَعْنِي: لَا يرْمونَ الْجَمْرَة حَتَّى تطلع الشَّمْس) ،، وَقَالَ الْكرْمَانِي: وَيقدم بِلَفْظ الْمَفْعُول وَالْفَاعِل قلت: أَرَادَ بِلَفْظ الْبناء للْمَجْهُول، وَالْبناء للمعلوم فَفِي الأول يرجع الضَّمِير إِلَى الضعفة، فَيكون مَفْعُولا وَفِي الثَّانِي يرجع إِلَى لفظ: فَيكون فَاعِلا، فَافْهَم.

(10/15)


6761 - حدَّثنا يَحْيَى بنُ بُكَيْرٍ قَالَ حدَّثنا اللَّيْثُ عنْ يُونُسَ عنِ ابنِ شِهَابٍ قَالَ سالِمٌ وكانَ عَبْدُ الله بنُ عُمَرَ رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا يُقَدِّمُ ضَعَفَةَ أهْلِهِ فيَقِفُونَ عِنْدَ المَشْعَرِ الحَرَامِ بِالمُزْدَلِفَةِ بِلَيْلٍ فيَذْكُرُونَ الله عزَّ وجَلَّ مَا بَدَا لَهُمْ ثُمَّ يَرْجِعُونَ قَبْلَ أنْ يَقِفَ الإمَامُ وقَبْلَ أنْ يَدْفَعَ فَمِنْهُمْ منْ يَقْدَمُ مِنىً لِصَلاةِ الفَجْرِ ومِنْهُمْ منْ يَقْدَمُ بَعدَ ذلِكَ فإذَا قَدِمُوا رَمَوا الجَمْرَةَ وكانَ ابنُ عُمَرَ رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا يَقُولُ أرْخَصَ فِي أُولائِكَ رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم.
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة فِي قَوْله: (يقدم ضعفة أَهله) وَفِي قَوْله: (فيقفون) وَفِي قَوْله: (فَيذكرُونَ الله تَعَالَى) ، لِأَن الْمَعْنى: يدعونَ الله ويذكرونه مَا بدا لَهُم.
وَرِجَاله قد ذكرُوا غير مرّة. وَيحيى بن بكير هُوَ يحيى بن عبد الله بن بكير الْمصْرِيّ، وَاللَّيْث بن سعد الْمصْرِيّ، وَيُونُس بن يزِيد الْأَيْلِي، وَابْن شهَاب هُوَ مُحَمَّد بن مُسلم الزُّهْرِيّ الْمدنِي، وَسَالم هُوَ ابْن عبد الله ابْن عمر، وَفِي رِوَايَة مُسلم: عَن يُونُس بن شهَاب أَن سَالم بن عبد الله أخبرهُ.
قَوْله: (عِنْد الْمشعر الْحَرَام) ، بِفَتْح الْمِيم، وَقيل: إِن أَكثر الْعَرَب يكسر الْمِيم، قَالَ القتبي: لم يقْرَأ بِهِ أحد، وَذكر الْهُذلِيّ أَن أَبَا السمال بِاللَّامِ فِي آخِره قَرَأَهُ بِالْكَسْرِ، وَقَالَ ابْن قرقول: تكسر فِي اللُّغَة لَا فِي الرِّوَايَة، وَهُوَ الْمزْدَلِفَة، وَفِي (الموعب) لِابْنِ التياني: عَن قطرب قَالُوا: مشْعر ومشعر ومشعر، ثَلَاث لُغَات، وَقَالَ الْأَزْهَرِي: يُسمى مشعرا لِأَنَّهُ معلم لِلْعِبَادَةِ. وَقَالَ الْكرْمَانِي صَاحب (الْمَنَاسِك) : الْأَصَح أَن الْمشعر الْحَرَام فِي الْمزْدَلِفَة لَا غير الْمزْدَلِفَة، وحد الْمزْدَلِفَة مَا بَين مأزمي عَرَفَة وَقرن محسر يَمِينا وَشمَالًا من الشعاب وَالْجِبَال، وَقَالَ الْكرْمَانِي الشَّارِح: وَاخْتلف فِيهِ، وَالْمَعْرُوف عَن أَصْحَابنَا أَنه قزَح، بِضَم الْقَاف وَفتح الزَّاي وبالمهملة: وَهُوَ جبل مَعْرُوف بِالْمُزْدَلِفَةِ، والْحَدِيث يدل عَلَيْهِ، وَقَالَ غَيرهم: إِنَّه نفس الْمزْدَلِفَة. وَفِي (التَّلْوِيح) : والمزدلفة لَهَا اسمان آخرَانِ: جمع والمشعر الْحَرَام. وَفِي حَدِيث أَن قزَح هُوَ الْمشعر الْحَرَام، وَعَن ابْن عمر: أَن الْمشعر الْحَرَام هُوَ الْمزْدَلِفَة كلهَا. وَقَالَ بَعضهم: لَو كَانَ الْمشعر الْحَرَام هُوَ الْمزْدَلِفَة لقَالَ، عز وَجل: فاذكروا الله فِي الْمشعر الْحَرَام، وَلم يقل: عِنْده، كَمَا إِذا قلت: أَنا عِنْد الْبَيْت، لَا تكون فِي الْبَيْت. وَقَالَ أَبُو عَليّ الهجري فِي (كتاب النَّوَادِر) : وَآخر مُزْدَلِفَة محسر وَأول من بطن محسر محسر بِضَم الْمِيم وَفتح الْحَاء الْمُهْملَة وَكسر السِّين الْمُشَدّدَة الْمُهْملَة وَفِي آخِره رَاء وَاد بِجمع وَهِي مزلدلفة، وَفِي (التَّلْوِيح) : وَهُوَ بَين يَدي موقف الْمزْدَلِفَة مِمَّا يَلِي منى، وَهُوَ مسيل قدر رمية بِحجر بَين الْمزْدَلِفَة وَمنى، وَذكره أَبُو عبيد. وَعند الطَّبَرِيّ: إسم فَاعل من: حسر، بتَشْديد السِّين، سمي بذلك لِأَن فيل أَصْحَاب الْفِيل حسر فِيهِ، أَي: أعيى وكلَّ عَن السّير. قيل: هَذَا غلط، لِأَن الْفِيل لم يعبر الْحرم. وَقيل: سمي بِهِ لِأَنَّهُ يحسر سالكه ويتعبهم، وَيُسمى: وادِ النَّار، وَيُقَال: إِن رجلا اصطاد فِيهِ فَنزلت نَار فَأَحْرَقتهُ، وَحِكْمَة الْإِسْرَاع فِيهِ لِأَنَّهُ كَانَ موقفا لِلنَّصَارَى، فاستحب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الْإِسْرَاع فِيهِ. قَوْله: (الْحَرَام) ، صفة الْمشعر، أَي: الْمحرم أَي الَّذِي يحرم عَلَيْهِ الصَّيْد فِيهِ وَغَيره، فَإِنَّهُ من الْحرم، وَيجوز أَن يكون مَعْنَاهُ: ذَا الْحُرْمَة. قَوْله: (مَا بدا لَهُم) ، بِلَا همزَة أَي: مَا ظهر لَهُم وسنح فِي خواطرهم وأرادوه. قَوْله: (ثمَّ يرجعُونَ) أَي: إِلَى منى قبل أَن يقف الإِمَام بِالْمُزْدَلِفَةِ، وَفِي رِوَايَة مُسلم: (ثمَّ يدْفَعُونَ) . قَوْله: (وَقبل أَن يدْفع) أَي: الإِمَام. قَوْله: (لصَلَاة الْفجْر) ، أَي: عِنْد صَلَاة الْفجْر. قَوْله: (رموا الْجَمْرَة) أَي: جَمْرَة الْعقبَة، وَهِي مرمى يَوْم النَّحْر، وَيُقَال لَهَا: الْجَمْرَة الْكُبْرَى. قَوْله: (أرخص) من الإرخاص، وَهُوَ فعل مَاض وفاعله قَوْله: (رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم) كَذَا وَقع: أرخص، وَفِي بعض الرِّوَايَات: رخص، بِالتَّشْدِيدِ من الرُّخْصَة الَّتِي هِيَ ضد الْعَزِيمَة، وَهَذَا أظهر وَأَصَح، لِأَن أرخص من الرُّخص الَّذِي هُوَ ضد الغلاء. قَوْله: (فِي أُولَئِكَ) ، هم الضعفة الْمَذْكُورَة فِي الحَدِيث، وَاحْتج بِهِ ابْن الْمُنْذر لقَوْل من أوجبت الْمبيت بِمُزْدَلِفَة على غير الضعفة، لِأَن حكم من لم يرخص فِيهِ لَيْسَ كَحكم من رخص فِيهِ. قلت: وَقد اخْتلف السّلف فِي الْمبيت بِالْمُزْدَلِفَةِ، فَذهب أَبُو حنيفَة وَأَصْحَابه وَالثَّوْري وَأحمد وَإِسْحَاق وَأَبُو ثَوْر وَمُحَمّد بن إِدْرِيس فِي أحد قوليه: إِلَى وجوب الْمبيت بهَا، وَأَنه لَيْسَ بِرُكْن، فَمن تَركه فَعَلَيهِ دم، وَهُوَ قَول عَطاء وَالزهْرِيّ وَقَتَادَة وَمُجاهد، وَعَن الشَّافِعِي: سنة، وَهُوَ قَول مَالك. وَقَالَ ابْن بنت الشَّافِعِي

(10/16)


وَابْن خُزَيْمَة الشافعيان: هُوَ ركن، وَقَالَ عَلْقَمَة وَالنَّخَعِيّ وَالشعْبِيّ: من ترك الْمبيت بِمُزْدَلِفَة فَاتَهُ الْحَج. وَفِي (شرح التَّهْذِيب) : وَهُوَ قَول الْحسن، وَإِلَيْهِ ذهب أَبُو عبيد الْقَاسِم بن سَلام. وَقَالَ الشَّافِعِي: يحصل الْمبيت بساعة فِي النّصْف الثَّانِي من اللَّيْل دون الأول. وَعَن مَالك: النُّزُول بِالْمُزْدَلِفَةِ وَاجِب، وَالْمَبِيت بهَا سنة، وَكَذَا الْوُقُوف مَعَ الإِمَام سنة. وَقَالَ أهل الظَّاهِر: من لم يدْرك مَعَ الإِمَام صَلَاة الصُّبْح بِالْمُزْدَلِفَةِ بَطل حجه بِخِلَاف النِّسَاء وَالصبيان والضعفاء. وَعند أَصْحَابنَا الْحَنَفِيَّة: لَو ترك الْوُقُوف بهَا بعد الصُّبْح من غير عذر فَعَلَيهِ دم، وَإِن كَانَ بِعُذْر الزحام فتعجل السّير إِلَى منى، فَلَا شَيْء عَلَيْهِ، والمأمور بِهِ فِي الْآيَة الْكَرِيمَة الذّكر دون الْوُقُوف، ووقف الْوُقُوف بالمشعر بعد طُلُوع الْفجْر من يَوْم النَّحْر إِلَى أَن يسفر جدا، وَعَن مَالك: لَا يقف أحد إِلَى الْأَسْفَار، بل يدْفَعُونَ قبل ذَلِك.

7761 - حدَّثنا سُلَيْمَانُ بنُ حَرْبٍ قَالَ حدَّثنا حَمَّادُ بنُ زَيْدٍ عنْ أيُّوبَ عنْ عِكْرِمَةَ عنِ ابنِ عَبَّاسٍ رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا قَالَ بَعَثَنَا رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم منْ جَمْعٍ بِلَيْلٍ.
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة لِأَن ابْن عَبَّاس كَانَ فِي جملَة الضُّعَفَاء الَّذين قدمهم النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِاللَّيْلِ من جمع، وَقد تكَرر ذكر رِجَاله، وَأَيوب هُوَ السّخْتِيَانِيّ، وَلما روى التِّرْمِذِيّ حَدِيث ابْن عَبَّاس هَذَا، قَالَ: وَرُوِيَ عَنهُ من غير وَجه. بَيَان ذَلِك أَنه رَوَاهُ عَنهُ جمَاعَة، وهم: عبيد الله بن أبي يزِيد، وَعَطَاء بن أبي رَبَاح، وَالْحسن العرني، ومقسم، وكريب. أما رِوَايَة عبيد الله ابْن أبي يزِيد عَنهُ فاتفق عَلَيْهَا الشَّيْخَانِ من رِوَايَة سُفْيَان بن عُيَيْنَة وَحَمَّاد بن زيد، فرواها كِلَاهُمَا عَن عبيد الله بن أبي يزِيد، والآن يَأْتِي بَيَانه. وَأخرجه أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيّ أَيْضا من طَرِيق ابْن عُيَيْنَة. وَأما رِوَايَة عَطاء فأخرجها مُسلم فِي (صَحِيحه) عَن عبد بن حميد عَن مُحَمَّد بن بكر عَن ابْن جريج عَن عَطاء أَن ابْن عَبَّاس قَالَ: (بَعَثَنِي نَبِي الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِسحر من جمع فِي ثقل نَبِي الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم) الحَدِيث. وَأخرجه أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيّ وَابْن مَاجَه. وَأما رِوَايَة الْحسن العرني فأخرجها أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيّ وَابْن مَاجَه من رِوَايَة سَلمَة بن كهيل عَن الْحسن العرني (عَن ابْن عَبَّاس، قَالَ: قدمنَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَيْلَة الْمزْدَلِفَة أغيلمة بني عبد الْمطلب على جمرات، فَجعل يلطخ أفخاذنا، وَيَقُول: أبني لَا ترموا الْجَمْرَة حَتَّى تطلع الشَّمْس) . وَقَالَ أَبُو دَاوُد: اللطخ الضَّرْب اللين، وَرَوَاهُ ابْن حبَان فِي (صَحِيحه) . وَأما رِوَايَة مقسم فأخرجها التِّرْمِذِيّ وَانْفَرَدَ بهَا. قَالَ: حَدثنَا أَبُو كريب حَدثنَا وَكِيع عَن المَسْعُودِيّ عَن الحكم عَن مقسم عَن ابْن عَبَّاس أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قدم ضعفة أَهله، وَقَالَ: لَا ترموا الْجَمْرَة حَتَّى تطلع الشَّمْس. وَأما رِوَايَة كريب فأخرجها الْبَيْهَقِيّ من رِوَايَة مُوسَى بن عقبَة عَن كريب عَن ابْن عَبَّاس (أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ يَأْمر نِسَاءَهُ) الحَدِيث. وَقد ذَكرْنَاهُ عَن قريب.

8761 - حدَّثنا عَلِيٌّ قَالَ حدَّثنا سُفْيَانُ قَالَ أَخْبرنِي عُبَيْدُ الله بنُ أبي يَزِيدَ سَمِعَ ابنَ عَبَّاسٍ رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا يَقُولُ أنَا مِمَّنْ قَدَّمَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَيْلَةَ المُزْدَلِفَةَ فِي ضَعَفَةِ أهْلِهِ.
(انْظُر الحَدِيث 7761 وطرفه) .
هَذَا طَرِيق آخر لحَدِيث ابْن عَبَّاس الْمَذْكُور، وَهَذَا وَجه من الْوُجُوه الْخَمْسَة الَّتِي ذَكرنَاهَا آنِفا، وَذكر البُخَارِيّ هَهُنَا وَجها آخر وَهُوَ: عَن عِكْرِمَة عَن ابْن عَبَّاس الْمَذْكُور فِيمَا قبله، وَهَذَا الطَّرِيق أخرجه عَن عَليّ بن الْمَدِينِيّ عَن سُفْيَان بن عُيَيْنَة عَن عبيد الله بن أبي يزِيد من الزِّيَادَة، مولى أهل مَكَّة مر فِي: بَاب وضع المَاء عِنْد الْخَلَاء وَالْفرق بَين الطَّرِيقَيْنِ أَن الطَّرِيق الأول يَقْتَضِي بِحَسب الظَّاهِر أَنه كَانَ مُخْتَصًّا بِالْبَعْثِ من جمع بِاللَّيْلِ، وَالطَّرِيق الثَّانِي يَقْتَضِي عدم الِاخْتِصَاص قطعا.
262 - (حَدثنَا مُسَدّد عَن يحي عَن ابْن جريج قَالَ حَدثنِي عبد الله مولى أَسمَاء عَن أَسمَاء أَنَّهَا نزلت لَيْلَة جمع عِنْد الْمزْدَلِفَة فَقَامَتْ تصلي فصلت سَاعَة ثمَّ قَالَت يَا بني هَل غَابَ الْقَمَر قلت لَا فصلت سَاعَة ثمَّ قَالَت هَل غَابَ الْقَمَر قلت نعم قَالَت فارتحلوا فارتحلنا ومضينا حَتَّى رمت الْجَمْرَة ثمَّ

(10/17)


رجعت فصلت الصُّبْح فِي منزلهَا فَقلت لَهَا يَا هنتاه مَا أرانا إِلَّا قد غلسنا قَالَت يَا بني إِن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أذن للظعن) مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْلهَا " فارتحلوا فارتحلنا " لِأَن ارتحالهم كَانَ عقيب غيبوبة الْقَمَر وَقد ذكرنَا أَن مغيب الْقَمَر فِي تِلْكَ اللَّيْلَة كَانَ عِنْد أَوَائِل الثُّلُث الْأَخير من اللَّيْل. (ذكر رِجَاله) وهم خَمْسَة مُسَدّد بن مسرهد عَن يحيى الْقطَّان عَن عبد الْملك بن عبد الْعَزِيز بن جريج عَن عبد الله بن كيسَان مولى أَسمَاء أَبُو عمر وَلَيْسَ لَهُ فِي البُخَارِيّ سوى هَذَا الحَدِيث وَآخر سَيَأْتِي فِي أَبْوَاب الْعمرَة وَأَسْمَاء هَذِه هِيَ بنت أبي بكر الصّديق رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا (ذكر لطائف إِسْنَاده) فِيهِ التحديث بِصِيغَة الْجمع فِي مَوضِع وبصيغة الْإِفْرَاد فِي مَوضِع وَقد صرح ابْن جريج بتحديث عبد الله لَهُ وَكَذَا رَوَاهُ مُسلم عَن مُحَمَّد بن أبي بكر الْمقدمِي وَابْن خُزَيْمَة عَن بنْدَار وَكَذَا أخرجه أَحْمد فِي مُسْنده كلهم عَن يحيى وَأخرجه مُسلم من طَرِيق عِيسَى بن يُونُس والإسماعيلي من طَرِيق دَاوُد الْعَطَّار وَالطَّبَرَانِيّ من طَرِيق ابْن عُيَيْنَة والطَّحَاوِي من طَرِيق سعيد بن سَالم وَأَبُو نعيم من طَرِيق مُحَمَّد بن بكر كلهم عَن ابْن جريج وَأخرجه أَبُو دَاوُد عَن مُحَمَّد بن خَلاد عَن يحيى الْقطَّان عَن ابْن جريج عَن عَطاء أَخْبرنِي مخبر عَن أَسمَاء وَأخرجه مَالك عَن يحيى بن سعيد عَن عَطاء أَن مولى أَسمَاء أخبرهُ وَكَذَا أخرجه الطَّبَرَانِيّ من طَرِيق أبي خَالِد الْأَحْمَر عَن يحيى فَالظَّاهِر أَن ابْن جريج سَمعه من عَطاء ثمَّ لَقِي عبد الله فَأَخذه عَنهُ وَيحْتَمل أَن يكون مولى أَسمَاء شيخ عَطاء غير عبد الله (ذكر مَعْنَاهُ) قَوْله " يَا بني " بِضَم الْبَاء الْمُوَحدَة مصغر ابْن قَوْله " فارتحلوا " أَمر بالارتحال وَفِي رِوَايَة مُسلم " قَالَت ارحل بِي " قَوْله " فمضينا " وَفِي رِوَايَة ابْن عُيَيْنَة " فمضينا بهَا " قَوْله " ثمَّ رجعت " أَي إِلَى منزلهَا بمنى قَوْله " يَا هنتاه " أَي يَا هَذِه يُقَال للمذكر إِذا كنى عَنهُ هن وللمؤنث هنة وزيدت الْألف لمد الصَّوْت وَالْهَاء لإِظْهَار الْألف وَهُوَ بِفَتْح الْهَاء وَسُكُون النُّون وَقد تفتح وإسكانها أشهر ثمَّ بِالتَّاءِ الْمُثَنَّاة من فَوق وَقد تسكن الْهَاء الَّتِي فِي آخرهَا وتضم قَوْله " مَا أرانا " بِضَم الْهمزَة أَي مَا نظن إِلَّا قد غلسنا أَي تقدمنا على الْوَقْت الْمَشْرُوع وَهُوَ من التغليس وَهُوَ السّير بِغَلَس وَهِي ظلمَة آخر اللَّيْل وَفِي رِوَايَة لمُسلم " فَقلت لَهَا لقد غلسنا " بِدُونِ قَوْله " مَا أرانا " وَفِي رِوَايَة مَالك " لقد جِئْنَا منى بِغَلَس " وَفِي رِوَايَة دَاوُد الْعَطَّار " لقد ارتحلنا بلَيْل " وَفِي رِوَايَة أبي دَاوُد " فَقلت إِنَّا رمينَا الْجَمْرَة بِغَلَس " قَوْله " أذن للظعن " بِضَم الظَّاء وَالْعين وبسكون الْعين أَيْضا جمع ظَعِينَة وَهِي النِّسَاء وَفِي الْمُحكم هُوَ جمع ظاعن وَسميت النِّسَاء بهَا لِأَنَّهُنَّ يظعن بارتحال أَزوَاجهنَّ ويقمن بإقامتهم تَقول ظعن يظعن ظعنا وظعونا ذهب وأظعنه هُوَ والظعينة الْجمل يظعن عَلَيْهِ والظعينة الهودج تكون فِيهِ الْمَرْأَة وَقيل هُوَ الهودج كَانَت فِيهِ امْرَأَة أَو لم تكن وَعَن ابْن السّكيت كل امْرَأَة ظَعِينَة سَوَاء كَانَت فِي هودج أَو غَيره وَقَالَ ابْن سَيّده الْجمع ظعائن وظعن وأظعان وظعنات الأخيرتان جمع الْجمع وَفِي الْجَامِع وَلَا يُقَال ظعن إِلَّا لِلْإِبِلِ الَّتِي عَلَيْهَا الهوادج وَقيل الظعن الْجَمَاعَة من النِّسَاء وَالرِّجَال (ذكر مَا يُسْتَفَاد مِنْهُ) اسْتدلَّ بِهَذَا الحَدِيث قوم على جَوَاز الرَّمْي قبل طُلُوع الشَّمْس بعد طُلُوع الْفجْر للَّذين يتقدمون قبل النَّاس وَهُوَ قَول عَطاء بن أبي رَبَاح الْمَكِّيّ وَطَاوُس بن كيسَان وَمُجاهد وَإِبْرَاهِيم النَّخعِيّ وَالشعْبِيّ وَسَعِيد بن جُبَير وَالشَّافِعِيّ وَقَالَ عِيَاض مَذْهَب الشَّافِعِي رمي الْجَمْرَة من نصف اللَّيْل وَتعلق بِأَنَّهُ أم سَلمَة رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا قدمت قبل الْفجْر وَكَانَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أمرهَا أَن تفيض وتوافيه الصُّبْح مَكَّة وَظَاهر هَذَا عِنْده تَعْجِيل الرَّمْي قبل الْفجْر وَمذهب مَالك أَن الرَّمْي يحل بطول الْفجْر وَمذهب الثَّوْريّ وَالنَّخَعِيّ أَنَّهَا لَا ترمي إِلَّا بعد طُلُوع الشَّمْس وَهُوَ مَذْهَب أبي حنيفَة وَأبي يُوسُف وَمُحَمّد وَأحمد واسحق قَالُوا فَإِن رَمَوْهَا قبل طُلُوع الشَّمْس أجزأتهم وَقد أساؤا وَقَالَ الكاشاني من أَصْحَابنَا أول وقته الْمُسْتَحبّ مَا بعد طُلُوع الشَّمْس وَآخر وقته آخر النَّهَار كَذَا قَالَ أَبُو حنيفَة وَقَالَ أَبُو يُوسُف يَمْتَد إِلَى وَقت الزَّوَال فَإِذا زَالَت الشَّمْس يفوت الْوَقْت وَيكون فِيمَا بعده قَضَاء فَإِن لم يرم حَتَّى غربت الشَّمْس يَرْمِي قبل الْفجْر من الْيَوْم الثَّانِي وَلَا شَيْء عَلَيْهِ فِي قَوْله أَصْحَابنَا وَللشَّافِعِيّ قَولَانِ فِي قَول إِذا غربت الشَّمْس فقد فَاتَ الْوَقْت وَعَلِيهِ الْفِدْيَة وَفِي قَول لَا يفوت إِلَّا فِي آخر أَيَّام

(10/18)


التَّشْرِيق فَإِن أخر الرَّمْي حَتَّى طلع الْفجْر من الْيَوْم الثَّانِي رمى وَعَلِيهِ دم للتأخير فِي قَول أبي حنيفَة وَفِي قَول أبي يُوسُف وَمُحَمّد لَا شَيْء عَلَيْهِ وَبِه قَالَ الشَّافِعِي وَقَالَ مَالك فِي الْمُوَطَّأ سَمِعت بعض أهل الْعلم يكره رمي الْجَمْرَة حَتَّى يطلع الْفجْر من يَوْم النَّحْر وَمن رمى فقد حل لَهُ النَّحْر وَقَالَ الطَّحَاوِيّ فِي الْجَواب عَن حَدِيث أَسمَاء الْمَذْكُور يحْتَمل أَن يكون أَرَادَ بالتغليس فِي الدّفع من مُزْدَلِفَة وَيجوز أَن يكون أَرَادَ بالتغليس فِي الرَّمْي فَأخْبرت أَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أذن لَهُم فِي التغليس لما سَأَلَهَا عَن التغليس بِهِ من ذَلِك. وَفِيه اسْتدلَّ بَعضهم على إِسْقَاط الْوُقُوف بالمشعر الْحَرَام عَن الضعفة قيل لَا دلَالَة فِيهِ لِأَنَّهُ سُئِلَ عَن الْوُقُوف -

0861 - حدَّثنا محَمَّدُ بنُ كَثِيرٍ أخبرنَا سُفْيانُ قَالَ حدَّثنا عَبْدُ الرَّحْمانِ هُوَ ابنُ القَاسِمِ عَن الْقَاسِمِ عنْ عائِشَةَ رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا قالَتْ اسْتَأذَنَتْ سَوْدَةُ النبيَّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَيْلَةَ جَمْعٍ وكانَتْ ثَقِيلَةً ثَبْطَةً فأذِنَ لَهَا.
(الحَدِيث 0861 طرفه فِي: 1861) .
مطابقته للتَّرْجَمَة من حَيْثُ أَن سَوْدَة كَانَت من الضعفة الَّذين قدمُوا بلَيْل. وَرِجَاله قد تكَرر ذكرهم، وسُفْيَان هُوَ الثَّوْريّ وَعبد الرَّحْمَن بن الْقَاسِم بن مُحَمَّد بن أبي بكر الصّديق، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، يروي عَن عمته عَائِشَة أم الْمُؤمنِينَ، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا، وَسَوْدَة، بِفَتْح السِّين الْمُهْملَة: بنت زَمعَة أم الْمُؤمنِينَ، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا.
والْحَدِيث أخرجه مُسلم أَيْضا فِي الْحَج: حَدثنَا ابْن نمير، قَالَ: حَدثنَا أبي، قَالَ: حَدثنَا عبيد الله بن عمر عَن عبد الرَّحْمَن بن الْقَاسِم عَن الْقَاسِم (عَن عَائِشَة، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا، قَالَت: وددت أَنِّي كنت اسْتَأْذَنت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَمَا استأذنته سَوْدَة، فأصلي الصُّبْح بمنى فأرمي الْجَمْرَة قبل أَن يَأْتِي النَّاس. فَقيل لعَائِشَة: فَكَانَت سَوْدَة استأذنته؟ قَالَت: نعم، كَانَت امْرَأَة ثَقيلَة ثبطة، فاستأذنت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَأذن لَهَا) وَعَن أبي بكر ابْن أبي شيبَة: عَن وَكِيع وَعَن زُهَيْر بن حَرْب قَالَ: حَدثنَا عبد الرَّحْمَن كِلَاهُمَا عَن سُفْيَان عَن عبد الرَّحْمَن بن الْقَاسِم بِهَذَا الْإِسْنَاد نَحوه. وَأخرجه ابْن مَاجَه فِيهِ عَن عَليّ بن مُحَمَّد عَن وَكِيع، نَحوه (أَن سَوْدَة بنت زَمعَة كَانَت امْرَأَة ثبطة فاستأذنت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَن تدفع من جمع قبل دفع النَّاس فَأذن لَهَا) وَرَوَاهُ أَبُو عوَانَة من طَرِيق ابْن قبيصَة عَن الثَّوْريّ: (قدم رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم سَوْدَة لَيْلَة جمع) . قَوْله: (ثبطة) ، بِفَتْح الثَّاء الْمُثَلَّثَة وَكسر الْبَاء الْمُوَحدَة وسكونها وبالطاء الْمُهْملَة أَي: بطيئة الْحَرَكَة كَأَنَّهَا تثبط بِالْأَرْضِ أَي: تتشبث، وَقَالَ ابْن قرقول: ضبطناه بِكَسْر الْبَاء الْمُوَحدَة، وَضَبطه الجياني عَن ابْن سراج بِالْكَسْرِ والإسكان.

1861 - حدَّثنا أبُو نُعَيْمٍ قَالَ حدَّثنا أفْلَحُ بنُ حُمَيْدٍ عنْ القَاسِمِ بنِ مُحَمَّدٍ عنْ عائِشَةَ رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا قالَتْ نزَلْنَا المُزْدَلِفَةَ فاسْتَأذَنَتْ النبيَّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم سَوْدَةُ أنْ تَدْفَعَ قَبْلَ حَطْمَةِ النَّاسِ وكانَتِ امْرَأةً بَطِيئَةً فأذِنَ لَهَا فدَفَعَتْ قَبْلَ حَطْمَةِ النَّاسِ وأقَمْنَا حَتَّى أصْبَحْنَا نَحْنُ ثُم دَفَعْنَا بِدَفْعِهِ فَلأنْ أكونَ اسْتَأذَنْتُ رسولَ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كمَا اسْتَأذَنَتْ سَوْدَةُ أحَبُّ إلَيَّ مِنْ مَفْرُوحٍ بِهِ.
(انْظُر الحَدِيث 0861) .
هَذَا طَرِيق آخر فِي حَدِيث سَوْدَة يبين فِيهِ مَا استأذنته سَوْدَة لِأَن فِي الطَّرِيق السَّابِق لم يذكر فِيهِ مَا استأذنته سَوْدَة رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا. وَأخرج هَذَا الطَّرِيق عَن أبي نعيم الْفضل بن دُكَيْن عَن أَفْلح بن حميد بن نَافِع الْأنْصَارِيّ. وَأخرجه مُسلم أَيْضا عَن القعْنبِي عَن أَفْلح بن حميد عَن الْقَاسِم (عَن عَائِشَة أَنَّهَا قَالَت: اسْتَأْذَنت سَوْدَة رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَيْلَة الْمزْدَلِفَة أَن تدفع قبله وَقبل حطمة النَّاس، وَكَانَت امْرَأَة ضخمة ثبطة يَقُول الْقَاسِم: والثبطة الثَّقِيلَة) الحَدِيث، وَهَذَا فِيهِ تَفْسِير الثبطة عَن الْقَاسِم، وَكَذَا وَقع فِي رِوَايَة أبي عوَانَة من طَرِيق ابْن أبي فديك عَن أَفْلح، وَلَفظه: (وَكَانَت امْرَأَة ثبطة، قَالَ: الثبطة الثَّقِيلَة) ، فعلى هَذَا قَوْله فِي رِوَايَة مُحَمَّد بن كثير شيخ البُخَارِيّ الَّذِي مضى، وَكَانَت امْرَأَة ثَقيلَة ثبطة، من الإدراج، أدرج الرَّاوِي التَّفْسِير بعد الأَصْل، فَظن الرَّاوِي الآخر أَن اللَّفْظَيْنِ ثابتان فِي أصل الْمَتْن، فَقدم وَأخر.
قَوْله: (أَن تدفع) أَي: تتقدم قبل حطمة النَّاس، والحطمة بِالْفَتْح الزحمة. قَوْله: (ثمَّ دفعنَا بِدَفْعِهِ) ، أَي: بِدفع رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم. قَوْله: (فَلِأَن أكون)

(10/19)


بِفَتْح اللَّام مُبْتَدأ وَخَبره، قَوْله: أحب. وَقَوله: (كَمَا اسْتَأْذَنت سَوْدَة) جملَة مُعْتَرضَة بَينهمَا، وَلَفْظَة: مَا، فِي: كَمَا، مَصْدَرِيَّة أَي: كاستئذان سَوْدَة. قَوْله: (من مفروح بِهِ) أَي: من مَا يفرح بِهِ من كل شَيْء.

99 - (بابُ صَلاةِ الفَجْرِ بِالمُزْدَلِفَةِ)

أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان وَقت صَلَاة الْفجْر بِالْمُزْدَلِفَةِ، وَفِي بعض النّسخ: بَاب من يُصَلِّي الْفجْر، وَالْأول أصح.

3861 - حدَّثنا عَبْدُ الله بنُ رَجَاءٍ قَالَ حدَّثنا إسْرَائِيلُ عنْ أبي إسْحَاقَ عَن عَبْدِ الرَّحْمانِ بنِ يَزِيدَ قَالَ خَرجْنا معَ عَبْدِ الله رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ إِلَى مَكَّةَ ثُمَّ قَدِمْنَا جَمْعا فصَلَّى الصَّلاتَيْنِ كُلَّ صَلاَةٍ وَحْدَها بأذَانٍ وإقَامةٍ والْعَشَاءُ بيْنَهُمَا ثُمَّ صلَّى الْفَجْرَ حِينَ طلَعَ الفَجْرُ قائِلٌ يَقُولُ طلَعَ الْفَجْرُ وقائِلٌ يقُولُ لَمْ يَطْلُعِ الْفَجْرُ ثُمَّ قالَ إنَّ رسولَ الله قَالَ إنَّ هَاتَيْنِ الصَّلاَتَيْنِ حُوِّلَتَا عنْ وَقْتِهِمَا فِي هاذَا

(10/20)


المَكَانِ المَغْرِبَ والْعِشَاءَ فَلاَ يَقْدَمُ النَّاسُ جَمْعا حَتَّى يُعْتِمُوا وصَلاَةَ الْفَجْرِ هاذِهِ السَّاعَةَ ثُمَّ وقَفَ حَتَّى أسْفَرَ ثُمَّ قَالَ لَوْ أنَّ أميرَ المُؤمِنِينَ أفاضَ الآنَ أصَابَ السُّنَّةَ فَمَا أدْرِي أقوْلُهُ كانِ أسْرَعَ أمْ دَفْعُ عُثْمَانَ رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ فلَمْ يَزَلْ يُلَبِّي حَتَّى رَمى جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ يَوْمَ النَّحْرِ.
(انْظُر الحَدِيث 5761 وطرفه) .
هَذَا طَرِيق آخر فِي حَدِيث عبد الله بن مَسْعُود، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ السَّابِق عَن عبد الله بن رَجَاء، بِفَتْح الرَّاء وَالْجِيم: ابْن الْمثنى الْبَصْرِيّ عَن إِسْرَائِيل بن يُونُس عَن جده أبي إِسْحَاق عَمْرو بن عبد الله السبيعِي الْكُوفِي عَن عبد الرَّحْمَن بن يزِيد النَّخعِيّ الْكُوفِي. قَوْله: (خرجنَا) وَفِي رِوَايَة أبي ذَر: (خرجت) ، بِالْإِفْرَادِ. قَوْله: (مَعَ عبد الله) هُوَ ابْن مَسْعُود. قَوْله: (ثمَّ قدمنَا جمعا) أَي: الْمزْدَلِفَة. قَوْله: (فصلى الصَّلَاتَيْنِ) أَي: الْمغرب وَالْعشَاء. قَوْله: (كل صَلَاة) بِنصب: كل، أَي: صلى كل صَلَاة مِنْهُمَا. قَوْله: (وَالْعشَاء بَينهمَا) بِفَتْح الْعين لَا بِكَسْرِهَا، لِأَن المُرَاد بِهِ الطَّعَام الَّذِي يتعشى بِهِ، وَالْوَاو فِيهِ للْحَال. قَوْله: (الْمغرب وَالْعشَاء) ، يجوز النصب فيهمَا على أَنه عطف بَيَان لقَوْله: (هَاتين الصَّلَاتَيْنِ) ، وَيجوز الرّفْع فيهمَا على أَن الْمغرب خبر مُبْتَدأ مَحْذُوف أَي: إِحْدَى الصَّلَاتَيْنِ الْمغرب، وَالْأُخْرَى الْعشَاء. قَوْله: (حولنا) أَي: غَيرنَا. قَوْله: (فَلَا يقدم) بِفَتْح الدَّال. قَوْله: (جمعا) أَي: الْمزْدَلِفَة. قَوْله: (حَتَّى يعتموا) بِضَم الْيَاء من الإعتام، وَهُوَ الدُّخُول فِي وَقت الْعشَاء الْآخِرَة. قَوْله: (هَذِه السَّاعَة) أَي: بعد طُلُوع الصُّبْح قبل ظُهُوره للعامة. قَوْله: (حَتَّى أَسْفر) أَي: حَتَّى أَضَاء الصُّبْح وانتشر. قَوْله: (فَمَا أَدْرِي) ، هُوَ كَلَام عبد الرَّحْمَن بن يزِيد الرَّاوِي عَن ابْن مَسْعُود، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، وَقَالَ الْكرْمَانِي: هُوَ قَول عبد الله بن مَسْعُود، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، وَهَذَا غلط وَالظَّاهِر أَنه قد وَقع من النَّاسِخ، وَالله تَعَالَى أعلم. قَوْله: (أصَاب السّنة) ، يَعْنِي فعل رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم. قَوْله: (أم دفع عُثْمَان) ، يَعْنِي: من مُزْدَلِفَة، وَكَانَ حِينَئِذٍ أميرَ الْمُؤمنِينَ، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، وَالْمرَاد أَن السّنة الدّفع من الْمشعر الْحَرَام عِنْد الْإِسْفَار قبل طُلُوع الشَّمْس خلافًا لما كَانَ عَلَيْهِ أهل الْجَاهِلِيَّة. قَوْله: (فَلم يزل يُلَبِّي) أَي: لم يزل ابْن مَسْعُود يُلَبِّي حَتَّى رمى جَمْرَة الْعقبَة يَوْم النَّحْر.
وَاخْتلف السّلف فِي الْوَقْت الَّذِي يقطع فِيهِ الْحَاج التَّلْبِيَة، فَذَهَبت طَائِفَة إِلَى أَن التَّلْبِيَة لَا تقطع حَتَّى يَرْمِي جَمْرَة الْعقبَة، وَهُوَ مَرْوِيّ عَن ابْن مَسْعُود وَابْن عَبَّاس، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا، وَبِه قَالَ عَطاء وطاووس وَالنَّخَعِيّ وَابْن أبي ليلى وَالثَّوْري وَأَبُو حنيفَة وَالشَّافِعِيّ وَأحمد وَإِسْحَاق، وروى عَن عَليّ، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، أَنه كَانَ يُلَبِّي فِي الْحَج. فَإِذا زاغت الشَّمْس من يَوْم عَرَفَة قطعهَا. وَقَالَ مَالك: وَذَلِكَ الْأَمر الَّذِي لم يزل عَلَيْهِ أهل الْعلم ببلدنا، وَقَالَ ابْن شهَاب: وَفعل ذَلِك الْأَئِمَّة أَبُو بكر وَعمر وَعُثْمَان وَعَائِشَة وَابْن الْمسيب، وَذكر ابْن الْمُنْذر عَن سعد مثله، وَذكر أَيْضا عَن مَكْحُول، وَكَانَ ابْن الزبير، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا، يَقُول: أفضل الدُّعَاء يَوْم عَرَفَة التَّكْبِير، وروى مَعْنَاهُ عَن جَابر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، ثمَّ اخْتلف بعض هَؤُلَاءِ، فَقَالَ الثَّوْريّ وَأَبُو حنيفَة وَالشَّافِعِيّ وَأَبُو ثَوْر، يقطع التَّلْبِيَة مَعَ أول حَصَاة يرميها من جَمْرَة الْعقبَة. وَقَالَ أَحْمد وَإِسْحَاق وَطَائِفَة من أهل النّظر، والأثر لَا يقطعهَا حَتَّى يَرْمِي جَمْرَة الْعقبَة بأسرها، قَالُوا: وَهُوَ قَول ظَاهر الحَدِيث أَن رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، لم يزل يُلَبِّي حَتَّى رمى جَمْرَة الْعقبَة، وَلم يقل: حَتَّى رمى بَعْضهَا. قلت: روى الْبَيْهَقِيّ من حَدِيث شريك عَن عَامر بن شَقِيق عَن أبي وَائِل (عَن عبد الله قَالَ: رمقت النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَلم يزل يُلَبِّي حَتَّى رمى جَمْرَة الْعقبَة بِأول حَصَاة) فَإِن قلت: أخرج ابْن خُزَيْمَة فِي صَحِيحه، (عَن الْفضل بن عَبَّاس، قَالَ: أفضت مَعَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من عَرَفَات، فَلم يزل يُلَبِّي حَتَّى رمى جَمْرَة الْعقبَة، يكبر مَعَ كل حَصَاة ثمَّ قطع التَّلْبِيَة مَعَ آخر حَصَاة. قلت: قَالَ الْبَيْهَقِيّ: هَذِه زِيَادَة غَرِيبَة لَيست فِي الرِّوَايَات عَن الْفضل، وَإِن كَانَ ابْن خُزَيْمَة قد اخْتَارَهَا، وَقَالَ الذَّهَبِيّ فِيهِ نَكَارَة. وَقَوله: (يكبر مَعَ كل حَصَاة) ، يدل على أَنه قطع التَّلْبِيَة مَعَ أول حَصَاة، وَهَذَا ظَاهر لَا يخفى. فَإِن قلت: هَذَا حكم الْحَاج، فَمَا حكم الْمُعْتَمِر؟ قلت: قَالَ قوم: يقطع الْمُعْتَمِر التَّلْبِيَة إِذا دخل الْحرم، وَقَالَ قوم: لَا يقطعهَا حَتَّى يرى بيُوت مَكَّة، وَقَالَ قوم: حَتَّى يدْخل بيُوت مَكَّة. وَقَالَ أَبُو حنيفَة: لَا يقطعهَا حَتَّى يسْتَلم الْحجر، فَإِذا استلمه قطعهَا، وَقَالَ اللَّيْث إِذا بلغ الْكَعْبَة قطعهَا، وَقَالَ الشَّافِعِي: لَا يقطعهَا حَتَّى يفْتَتح الطّواف، وَقَالَ مَالك: إِن أحرم من الْمِيقَات قطعهَا إِذا دخل الْحرم، وَإِن أحرم من الْجِعِرَّانَة أَو من التَّنْعِيم قطعهَا إِذا دخل بيُوت مَكَّة، أَو إِذا دخل الْمَسْجِد. وَاسْتدلَّ أَبُو حنيفَة بِمَا

(10/21)


رَوَاهُ وَكِيع عَن عمر بن ذَر عَن مُجَاهِد، قَالَ: قَالَ ابْن عَبَّاس: لَا يقطع الْمُعْتَمِر التَّلْبِيَة حَتَّى يسْتَلم الرُّكْن. وَقَالَ ابْن حزم: وَالَّذِي نقُول بِهِ هُوَ قَول قَول ابْن مَسْعُود، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ أَنه لَا يقطعهَا حَتَّى يتم جَمِيع عمل الْعمرَة.