عمدة القاري شرح صحيح البخاري

141 - (بابُ رَفْعِ الْيَدَيْنِ عِنْدَ جَمْرَةِ الدُّنْيا والوُسْطَى)

أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان رفع الْيَدَيْنِ عِنْد جَمْرَة الدُّنْيَا أَي: الْقَرِيبَة إِلَى مَسْجِد الْخيف، وَالْوُسْطَى هِيَ الْجَمْرَة الثَّانِيَة بَين الْجَمْرَة الأولى وجمرة الْعقبَة.

241 - (بابُ الدُّعَاءِ عِنْدَ الجَمْرَتَيْنِ)

أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان الدُّعَاء عِنْد الْجَمْرَتَيْن الأولى وَالثَّانيَِة.

3571 - وقالَ مُحَمَّدٌ حدَّثنا عُثْمَانُ بنُ عُمَرَ قَالَ أخبرنَا يُونُسُ عنِ الزُّهْرِيِّ أنَّ رسولَ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كانَ إذَا رَمَى الجَمْرَةَ الَّتِي تَلِي مَسْجِدَ مِنىً يَرْمِيهَا بِسَبْعِ حَصَياتٍ يُكَبِّرُ كُلَّمَا رَمَى بِحَصَاةٍ ثُمَّ تَقَدَّمَ أمامَها فَوَقَفَ مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةَ رَافِعا يَدَيْهِ يَدْعُو وكانَ يُطِيلُ الوُقُوفَ ثُمَّ يأتِي الجَمْرَةَ الثَّانِيَةَ فيَرْمِيهَا بِسَبْعِ حَصَيَاتٍ يُكَبِّرُ كُلَّمَا رَمَى بِحَصَاةٍ ثُمَّ يَنْحَدِرُ ذَاتَ اليَسَارِ مِمَّا يَلِي الوَادِي فَيَقِفُ مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةِ رَافِعا يَدَيْهِ يَدْعُو ثُمَّ يأتِي الجَمْرَةَ الَّتِي عِنْدَ الْعَقَبَةِ فَيَرْمِيهَا بِسَبْعِ حَصَيَاتٍ يُكَبِّرُ عِنْدَ كْلِّ حَصَاةٍ ثُمَّ يَنْصَرِفُ ولاَ يَقِفُ عِنْدَهَا. قالَ الزُّهْرِيُّ سَمِعْتُ سَالِمَ بنَ عَبْدِ الله يُحَدِّثُ مِثْلَ هاذَا عنْ أبِيهِ عنِ النَّبِيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وكانَ ابنُ عُمَرَ يَفْعَلُهُ.
(انْظُر الحَدِيث 1571 وطرفه) .
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (رَافعا يَدَيْهِ يَدْعُو) .
وَرِجَاله أَرْبَعَة الأول: مُحَمَّد، ذكره مُجَردا عَن نسبه، وَاخْتلف فِيهِ،

(10/92)


فَقَالَ أَبُو عَليّ بن السكن: هُوَ مُحَمَّد بن بشار، وَقَالَ الكلاباذي: هُوَ مُحَمَّد بن بشار أَو مُحَمَّد بن الْمثنى. قَالَ: وروى البُخَارِيّ أَيْضا فِي (جَامعه) عَن مُحَمَّد بن عبد الله الذهلي، وَقَالَ بَعضهم: وَجزم غَيره بِأَنَّهُ الْهُذلِيّ. قلت: لم أر أحدا جزم بِهِ، وَإِنَّمَا وَقع الِاخْتِلَاف فِي هَؤُلَاءِ المحمدين، فَقَالَ ابْن السكن: هُوَ مُحَمَّد بن بشار وَلم يجْزم بِهِ، وَقَالَ الكلاباذي بِالشَّكِّ بَين مُحَمَّد بن بشار وَبَين مُحَمَّد ابْن الْمثنى. قَالَ: وروى البُخَارِيّ فِي (جَامعه) أَيْضا عَن مُحَمَّد بن عبد الله الذهلي وَلم يجْزم بِأحد مِنْهُم. الثَّانِي: عُثْمَان بن عمر بن فَارس الْعَبْدي الْبَصْرِيّ. الثَّالِث: يُونُس بن يزِيد الْأَيْلِي. الرَّابِع: مُحَمَّد بن مُسلم الزُّهْرِيّ. فَإِن قلت: مَا تَقول فِي هَذَا الحَدِيث؟ هَل هُوَ مُسْند أم مُرْسل؟ قلت: قَالَ الْكرْمَانِي: هَذَا من مَرَاسِيل الزُّهْرِيّ، وَلَا يصير مُسْندًا بِمَا ذكره آخرا لِأَنَّهُ قَالَ: يحدث بِمثلِهِ لَا بِنَفسِهِ. انْتهى. وَقَالَ بَعضهم: هُوَ بِالْإِسْنَادِ الْمصدر بِهِ الْبَاب، وَلَا اخْتِلَاف بَين أهل الحَدِيث بِأَن الْإِسْنَاد بِمثل هَذَا السِّيَاق مَوْصُول، وغايته أَنه من تَقْدِيم الْمَتْن على بعض السَّنَد، وَإِنَّمَا اخْتلفُوا فِي جَوَاز ذَلِك، ثمَّ قَالَ: وَأغْرب الْكرْمَانِي، فَقَالَ: وَنقل مَا قَالَه الَّذِي ذَكرْنَاهُ عَنهُ، ثمَّ قَالَ: وَلَيْسَ مُرَاد الْمُحدث بقوله: فِي هَذَا بِمثلِهِ إلاَّ نَفسه، ثمَّ احْتج فِي دَعْوَاهُ بِمَا رَوَاهُ الْإِسْمَاعِيلِيّ عَن ابْن نَاجِية عَن ابْن الْمثنى وَغَيره عَن عُثْمَان بن عمر، وَقَالَ فِي آخِره: قَالَ الزُّهْرِيّ: سَمِعت سالما يحدث بِهَذَا عَن أَبِيه عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فَعرف أَن المُرَاد بقوله: بِمثلِهِ: نَفسه. انْتهى. قلت: لَيْت شعري من أَيْن هَذَا التَّصَرُّف، وَكَيف يَصح احتجاجه فِي دَعْوَاهُ بِحَدِيث الْإِسْمَاعِيلِيّ، فَإِن الزُّهْرِيّ فِيهِ صرح بِالسَّمَاعِ عَن سَالم، وَسَالم صرح بِالتَّحْدِيثِ عَن أَبِيه، وَأَبوهُ صرح عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فَكيف يدل هَذَا على أَن المُرَاد بقوله بِمثلِهِ نَفسه؟ وَهَذَا شَيْء عَجِيب، لِأَن بَين قَوْله: يحدث بِهَذَا عَن أَبِيه، وَبَين قَوْله: يحدث مثل هَذَا عَن أَبِيه، فرقا عَظِيما لِأَن مثل الشَّيْء غَيره، فَكيف يكون نَفسه؟ تيقظ فَأَنَّهُ مَوضِع التَّأَمُّل. قَوْله: (رَافعا يَدَيْهِ) ، نصب على الْحَال. قَوْله: (يَدْعُو) جملَة وَقعت حَالا أَيْضا إِمَّا من الْأَحْوَال المتداخلة أَو المترادفة. وَبَقِيَّة الْكَلَام قد مرت آنِفا.

341 - (بابُ الطِّيبِ بَعْدَ رَمْيِ الجِمَارِ والحَلْقِ قَبْلَ الإفَاضَةِ)

أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان اسْتِعْمَال الطّيب بعد رمي جَمْرَة الْعقبَة وَبعد الْحلق قبل الْإِفَاضَة أَي: قبل طواف الزِّيَارَة وَهُوَ طواف الرُّكْن، وَإِنَّمَا لم يشر إِلَى الحكم فِي ذَلِك فِي التَّرْجَمَة لأجل الْخلاف فِيهِ. قَالَ ابْن الْمُنْذر: اخْتلف الْعلمَاء فِيمَا أُبِيح للْحَاج بعد رمي جَمْرَة الْعقبَة قبل الطّواف بِالْبَيْتِ، فروى عَن ابْن عَبَّاس، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، وَابْن الزبير وَعَائِشَة، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا: أَنه يحل لَهُ كل شَيْء إلاَّ النِّسَاء، وَهُوَ قَول سَالم وطاووس وَالنَّخَعِيّ، وَإِلَيْهِ ذهب أَبُو حنيفَة وَالشَّافِعِيّ وَأحمد وَإِسْحَاق وَأَبُو ثَوْر، وَاحْتَجُّوا فِيهِ بِحَدِيث الْبَاب، وروى عَن ابْن عمر وَابْنه: أَنه يحل لَهُ كل شَيْء إلاَّ النِّسَاء وَالطّيب وَقَالَ مَالك يحل لَهُ كل شَيْء إِلَّا النِّسَاء وَالصَّيْد. وَفِي (الْمُدَوَّنَة) : أكره لمن رمى جَمْرَة الْعقبَة أَن يتطيب حَتَّى يفِيض فَإِن فعل فَلَا شَيْء عَلَيْهِ. قلت: مَذْهَب عُرْوَة بن الزبير وَجَمَاعَة من السّلف، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُم، أَنه لَا يحل للْحَاج اللبَاس وَالطّيب يَوْم النَّحْر وَإِن رمى جَمْرَة الْعقبَة وَحلق وَذبح حَتَّى تحل لَهُ النِّسَاء، وَلَا تحل لَهُ النِّسَاء حَتَّى يطوف طواف الزِّيَارَة. وَاحْتَجُّوا فِي ذَلِك بِمَا رَوَاهُ الطَّحَاوِيّ: حَدثنَا يحيى بن عُثْمَان، قَالَ: حَدثنَا عبد الله بن يُوسُف، قَالَ: حَدثنَا ابْن لَهِيعَة عَن أبي الْأسود عَن عُرْوَة عَن أم قيس بنت مُحصن، قَالَت: دخل عَليّ عكاشة بن مُحصن وَآخر فِي منى مسَاء يَوْم الْأَضْحَى، فَنَزَعَا ثيابهما وتركا الطّيب. فَقلت: مَا لَكمَا؟ فَقَالَا: إِن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ لنا: من لم يفضِ إِلَى الْبَيْت من عَشِيَّة هَذِه فَليدع الثِّيَاب وَالطّيب. وَقَالَ عَلْقَمَة وَسَالم وطاووس وَعبيد الله بن الْحسن وخارجة بن زيد وَإِبْرَاهِيم النَّخعِيّ وَأَبُو حنيفَة وَأَبُو يُوسُف وَمُحَمّد وَالشَّافِعِيّ وَأحمد فِي (الصَّحِيح) وَأَبُو ثَوْر وَإِسْحَاق: إِذا رمى الْمحرم جَمْرَة الْعقبَة ثمَّ حلق حل لَهُ كل شَيْء كَانَ مَحْظُورًا بِالْإِحْرَامِ إلاَّ النِّسَاء.
وَاخْتلفُوا فِي حكم الطّيب. فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَأَصْحَابه وَالشَّافِعِيّ وَأَصْحَابه وَأحمد فِي رِوَايَة: حكم الطّيب حكم اللبَاس فَيحل كَمَا يحل اللبَاس. وَقَالَ مَالك وَأحمد فِي رِوَايَة: حكم الطّيب حكم الْجِمَاع فَلَا يحل لَهُ حَتَّى يحل الْجِمَاع. وَاحْتج أَبُو حنيفَة وَمن مَعَه بِحَدِيث الْبَاب. وَقَالَ صَاحب (التَّوْضِيح) : وَاحْتج الطَّحَاوِيّ لأَصْحَابه بِحَدِيث عَائِشَة، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا، مَرْفُوعا: (إِذا رميتم وحلقتم فقد حل لكم الطّيب وَالثيَاب وكل شَيْء إلاَّ النِّسَاء) . وَفِيه الْحجَّاج بن أَرْطَأَة، وَبِحَدِيث الْحسن الْبَصْرِيّ عَن ابْن عَبَّاس وَلم يسمع مِنْهُ، (قَالَ: إِذا رميتم الْجَمْرَة فقد حل لكم

(10/93)


كل شَيْء إِلَّا النِّسَاء. فَقَالَ لَهُ رجل: وَالطّيب؟ فَقَالَ: أما أَنا فقد رَأَيْت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يضمخ رَأسه بالمسك. أفطيب هُوَ؟ قلت: سُبْحَانَ الله. آثَار التعصب الْبَاطِل لَا تَخْلُو عَنْهُم، فَلم لم يذكر صَاحب (التَّوْضِيح) حَدِيث الْبَاب فِي احتجاج الطَّحَاوِيّ لأبي حنيفَة وَأَصْحَابه، فَإِنَّهُ احْتج لَهُم أَولا بِحَدِيث الْبَاب، وَأخرجه من طرق، وَاحْتج أَيْضا بِالْحَدِيثِ الَّذِي ذكره صَاحب (التَّوْضِيح) وَصدر كَلَامه بِهِ، وغمز بقوله: وَفِيه الْحجَّاج بن أَرْطَأَة، فَمَا للحجاج بن أَرْطَأَة وَقد احتجت بِهِ الْأَرْبَعَة وَالْبَيْهَقِيّ أَيْضا أخرج حَدِيثه؟ وَأما حَدِيث ابْن عَبَّاس فَإِنَّهُ طعن فِيهِ بِأَن الْحسن الْبَصْرِيّ لم يسمع من ابْن عَبَّاس، فَإِنَّهُ لَيْسَ بالْحسنِ الْبَصْرِيّ، وَإِنَّمَا هُوَ الْحسن العرني، وَقد روى عَن يحيى بن معِين أَن الْحسن العرني لم يسمع من ابْن عَبَّاس، وَغَيره قَالَ: سمع مِنْهُ، فالمثبت أولى من النَّافِي على مَا عرف، وَقد ذهل صَاحب (التَّوْضِيح) وَلم يفرق بَين الْبَصْرِيّ والعرني، وَمَعَ هَذَا فَحَدِيث ابْن عَبَّاس هَذَا أخرجه النَّسَائِيّ وَابْن مَاجَه أَيْضا. وَأما الْجَواب عَن حَدِيث أم قيس، أُخْت عكاشة بن مُحصن، فَإِنَّهُ لَا يُعَارض حَدِيث عَائِشَة، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا، لِأَن حَدِيث عَائِشَة فِيهِ من الصِّحَّة مَا لَيْسَ فِي حَدِيث أم قيس، وَفِيه ابْن لَهِيعَة وَهُوَ ضَعِيف، وَحَدِيثه هَذَا شَاذ.

441 - (بابُ طَوَافِ الوَدَاعِ)

أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان حكم طواف الْوَدَاع، وَإِنَّمَا أضمر الحكم اكْتِفَاء بِمَا فِي حَدِيث الْبَاب.

5571 - حدَّثنا مُسَدَّدٌ قَالَ حَدثنَا سُفْيَانُ عنِ ابنِ طَاووسِ عَنْ أبِيهِ عنِ ابنِ عَبَّاسٍ رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا قَالَ أُمِرَ النَّاسُ أنْ يَكُونَ آخِرُ عَهْدِهِمْ بالْبَيْتِ إلاَّ أنَّهُ خُفِّفَ عَنِ الحَائِضِ..
مطابقته للتَّرْجَمَة تُؤْخَذ من قَوْله: (أَن يكون آخر عَهدهم بِالْبَيْتِ) ، وَهُوَ لَا يكون إلاَّ بِالطّوافِ، وَهُوَ فِي آخر الْعَهْد طواف الْوَدَاع.
وَرِجَاله: تكَرر ذكرهم، وسُفْيَان بن عُيَيْنَة وَابْن طَاوُوس هُوَ عبد الله بن طَاوُوس.
وَأخرجه البُخَارِيّ أَيْضا عَن مُسلم ابْن إِبْرَاهِيم، فَعَن قريب يَأْتِي، وَأخرجه أَيْضا فِي الطَّهَارَة عَن مُعلى بن أَسد. وَأخرجه مُسلم فِي الْحَج عَن سعيد بن مَنْصُور وَأبي بكر بن أبي شيبَة، كِلَاهُمَا عَن سُفْيَان بِهِ. وَأخرجه النَّسَائِيّ فِيهِ عَن مُحَمَّد بن عبد الله بن يزِيد الْمقري، والْحَارث بن مِسْكين، كِلَاهُمَا عَن سُفْيَان بِهِ. وَعَن جَعْفَر بن مُسَافر مُخْتَصرا.
قَوْله: (أَمر النَّاس) ، على صِيغَة الْمَجْهُول، وأصل الْكَلَام: أَمر النَّبِي، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، النَّاس أَن يكون آخر عَهدهم بِالْبَيْتِ. وَرَوَاهُ مُسلم نَحوه عَن سُفْيَان عَن ابْن طَاوُوس عَن أَبِيه عَن ابْن عَبَّاس، وَرَوَاهُ أَيْضا عَن سُلَيْمَان الْأَحول عَن طَاوُوس عَن ابْن عَبَّاس، قَالَ: (كَانَ النَّاس يَنْصَرِفُونَ فِي كل وَجه، فَقَالَ رَسُول الله،

(10/94)


صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: لَا ينصرفن أحدكُم حَتَّى يكون آخر عَهده بِالْبَيْتِ) . قَالَ زُهَيْر: يَنْصَرِفُونَ كل، وَجه وَلم يقل: فِي. وروى مُسلم أَيْضا من رِوَايَة الْحسن بن مُسلم (عَن طَاوُوس، قَالَ: كنت مَعَ ابْن عَبَّاس إِذْ قَالَ زيد بن ثَابت: تَعْنِي أَن تصدر الْحَائِض قبل أَن يكون آخر عهدها بِالْبَيْتِ؟ فَقَالَ لَهُ ابْن عَبَّاس: أما لَا فسل فُلَانَة الْأَنْصَارِيَّة، هَل أمرهَا بذلك رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم؟ قَالَ: فَرجع زيد إِلَى ابْن عَبَّاس يضْحك، وَهُوَ يَقُول: مَا أَرَاك إلاَّ قد صدقت!) . وَفِي رِوَايَة: (فَسَأَلَهَا زيد ثمَّ رَجَعَ وَهُوَ يضْحك، فَقَالَ ... الحَدِيث كَمَا حَدَّثتنِي) . وَفِي رِوَايَة الْبَيْهَقِيّ: (أرسل زيد إِلَى ابْن عَبَّاس: إِنِّي وجدت الَّذِي قلت كَمَا قلت، فَقَالَ ابْن عَبَّاس: إِنِّي لأعْلم قَول رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم للنِّسَاء، وَلَكِن أَحْبَبْت أَن أَقُول مَا فِي كتاب الله تَعَالَى، ثمَّ تَلا هَذِه الْآيَة: {ثمَّ ليقضوا تفثهم وليوفوا نذورهم وليطوفوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيق} (الْحَج: 92) . فقد قَضَت التفث ووفت النّذر وطافت بِالْبَيْتِ فَمَا بَقِي) . قَوْله: (أما لَا) بِكَسْر الْهمزَة وَفتح اللَّام وبالإمالة الْخفية، وَهُوَ الصَّوَاب الْمَشْهُور. قَالَ القَاضِي: ضَبطه الطَّبَرِيّ والأصيلي بِكَسْر اللَّام، قَالَ: وَالْمَعْرُوف فِي كَلَام الْعَرَب فتحهَا إلاَّ على لُغَة من يمِيل. وَقَالَ ابْن الْأَنْبَارِي قَوْلهم: إفعل هَذَا إِمَّا لَا، مَعْنَاهُ: إفعله إِن كنت لَا تفعل غَيره. وَقَالَ ابْن الْأَثِير: أصل هَذِه الْكَلِمَة أَن وَمَا، فأدغمت النُّون فِي الْمِيم، وَمَا زَائِدَة فِي اللَّفْظ لَا حكم لَهَا، وَقد أمالت الْعَرَب: لَا، إمالة خُفْيَة. قَالَ: والعوام يشبعون إمالتها فَتَصِير ألفها يَاء، وَهُوَ خطأ، وَمَعْنَاهُ: إِن لم تفعل هَذَا فَلْيَكُن هَذَا. قَوْله: (بِالْبَيْتِ) خبر: كَانَ، يَعْنِي طواف الْوَدَاع لَا بُد أَن يكون آخر الْعَهْد بِهِ. قَالَ النَّوَوِيّ: هُوَ وَاجِب يلْزم بِتَرْكِهِ دم على الصَّحِيح عندنَا، وَهُوَ قَول أَكثر الْعلمَاء. وَقَالَ مَالك وَدَاوُد وَابْن الْمُنْذر: هُوَ سنة لَا شَيْء فِي تَركه. وَقَالَ أَصْحَابنَا الْحَنَفِيَّة: هُوَ وَاجِب على الآفاقي دون الْمَكِّيّ والميقاتي، وَمن دونهم، وَقَالَ أَبُو يُوسُف: أحب إليَّ أَن يطوف الْمَكِّيّ لِأَنَّهُ يخْتم الْمَنَاسِك، وَلَا يجب على الْحَائِض وَالنُّفَسَاء، وَلَا على الْمُعْتَمِر لِأَن وُجُوبه عرف نصا فِي الْحَج، فَيقْتَصر عَلَيْهِ وَلَا على فَائت الْحَج، لِأَن الْوَاجِب عَلَيْهِ الْعمرَة وَلَيْسَ لَهَا طواف الْوَدَاع، وَقَالَ مَالك: إِنَّمَا أَمر النَّاس أَن يكون آخر نسكهم الطّواف لقَوْله تَعَالَى: {ذَلِك وَمن يعظم شَعَائِر الله فَإِنَّهَا من تقوى الْقُلُوب} (الْحَج: 23) . وَقَالَ: {ثمَّ محلهَا إِلَى الْبَيْت الْعَتِيق} (الْحَج: 33) . فَمحل الشعائر كلهَا وانقضاؤها بِالْبَيْتِ الْعَتِيق. قَالَ: وَمن أخَّر طواف الْوَدَاع وَخرج وَلم يطف، إِن كَانَ قَرِيبا رَجَعَ فَطَافَ، وَإِن لم يرجع فَلَا شَيْء عَلَيْهِ. وَقَالَ عَطاء وَالثَّوْري وَأَبُو حنيفَة وَالشَّافِعِيّ فِي أظهر قوليه، وَأحمد وَإِسْحَاق وَأَبُو ثَوْر: إِن كَانَ قَرِيبا رَجَعَ فَطَافَ، وَإِن تبَاعد مضى وإهراق دَمًا.
وَاخْتلفُوا فِي حد الْقرب، فَروِيَ أَن عمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، رد رجلا من مر الظهْرَان وَلم يكن ودع، وَبَين مر الظهْرَان وَمَكَّة ثَمَانِيَة عشر ميلًا، وَعند أبي حنيفَة يرجع مَا لم يبلغ الْمَوَاقِيت، وَعند الشَّافِعِي: يرجع من مَسَافَة لَا تقصر فِيهَا الصَّلَاة. وَعند الثَّوْريّ: يرجع مَا لم يخرج من الْحرم. وَاخْتلفُوا فِيمَن ودع ثمَّ بدا لَهُ فِي شِرَاء حَوَائِجه. فَقَالَ عَطاء: يُعِيد حَتَّى يكون آخر عَهده الطّواف بِالْبَيْتِ وبنحوه. قَالَ الثَّوْريّ وَالشَّافِعِيّ وَأحمد وَأَبُو ثَوْر، وَقَالَ مَالك: لَا بَأْس أَن يَشْتَرِي بعض حَوَائِجه وَطَعَامه فِي السُّوق، وَلَا شَيْء عَلَيْهِ، وَإِن أَقَامَ يَوْمًا أَو نَحوه أعَاد. وَقَالَ أَبُو حنيفَة: لَو ودع وَأقَام شهرا أَو أَكثر أَجزَأَهُ. وَلَا إِعَادَة عَلَيْهِ.

6571 - حدَّثنا أصبَغُ بنُ الفَرَجِ قَالَ أخْبَرَنا ابنُ وَهْبٍ عنْ عَمْرِو بنِ الحَارِثِ عَنْ قَتَادَةَ أنَّ أنَسَ بنَ مالِكٍ رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ حدَّثهُ أنَّ النبيَّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم صَلَّى الظُّهْرَ والْعَصْرَ والمَغْرِبَ والْعِشَاءِ ثُمَّ رَقَدَ رَقْدَةً بالمحَصَّبِ ثُمَّ رَكِبَ إلَى البَيْتِ فَطَافَ بِهِ.
(الحَدِيث 6571 طرفه فِي: 4671) .
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (ثمَّ ركب إِلَى الْبَيْت فَطَافَ بِهِ) لِأَن المُرَاد بِهِ طواف الْوَدَاع. فَإِن قلت: مَا وَجه قَوْله: إِنَّه صلى الظّهْر بالمحصب وَرمي هَذَا الْيَوْم يكون بعد الزَّوَال؟ قلت: لَا بُعد فِي هَذَا، لِأَنَّهُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم رمى فنفر فَنزل المحصب فصلى الظّهْر بِهِ، والْحَدِيث من أَفْرَاده. وَرِجَاله قد ذكرُوا وَابْن وهب هُوَ عبد الله بن وهب، وَقَالَ الْإِسْمَاعِيلِيّ تكلم أَحْمد فِي حَدِيث عَمْرو عَن قَتَادَة أَن أنس بن مَالك، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، حدث أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فَلهَذَا أَتَى البُخَارِيّ بالمتابعة أَيْضا. قَوْله: (بالمحصب) الْبَاء فِيهِ مُتَعَلق بقوله: صلى، وَقَوله: ثمَّ رقد عطف عَلَيْهِ، والمحصب، بِفَتْح الصَّاد الْمُشَدّدَة: اسْم لمَكَان متسع بَين منى وَمَكَّة، وَهُوَ بَين الجبلين إِلَى الْمَقَابِر، سمي بِهِ لِاجْتِمَاع الْحَصْبَاء فِيهِ بِحمْل السَّبِيل إِلَيْهِ.

(10/95)


تابَعَهُ اللَّيْثُ قَالَ حدَّثني خالِدٌ عنْ سَعِيدٍ عنْ قَتادَةَ أنَّ أنَسَ بنَ مالِكٍ رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ حدَّثَهُ عنِ النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم

أَي: تَابع عَمْرو بن الْحَارِث فِي رِوَايَته لهَذَا الحَدِيث عَن قَتَادَة اللَّيْث بن سعد وَذكر هَذِه الْمُتَابَعَة الْبَزَّار وَالطَّبَرَانِيّ من طَرِيق عبد الله بن صَالح كَاتب اللَّيْث عَن اللَّيْث عَن خَالِد بن يزِيد السكْسكِي عَن سعيد بن أبي هِلَال، وهما قد تقدما فِي أول كتاب الْوضُوء، وَذكر الْبَزَّار وَالطَّبَرَانِيّ أَن خَالِدا تفرد بِهَذَا الحَدِيث عَن سعيد، وَأَن اللَّيْث تفرد بِهِ عَن خَالِد، وَأَن سعيد بن أبي هِلَال لم يروِ عَن قَتَادَة عَن أنس غير هَذَا.

541 - (بابٌ إذَا حاضَتِ المَرْأةُ بَعْدَما أفَاضَتْ)

أَي: هَذَا بَاب يذكر فِيهِ الْمَرْأَة إِذا حَاضَت بَعْدَمَا أفاضت، يَعْنِي: بَعْدَمَا طافت طواف الْإِفَاضَة الَّذِي هُوَ ركن وَجَوَاب إِذا مَحْذُوف تَقْدِيره: هَل يجب عَلَيْهَا طواف الْوَدَاع أم يسْقط عَنْهَا بِسَبَب الْحيض، وَإِذا وَجب هَل يجْبر بِدَم أم لَا.

7571 - حدَّثنا عَبْدُ الله بنُ يُوسُفَ قَالَ أخبرنَا مالِكٌ عنْ عَبْدِ الرَّحْمانِ بنِ القَاسِمِ عنْ أبِيهِ عَن عَائِشَةَ رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا أنَّ صَفِيَّةَ بِنْتَ حُيَيٍّ زَوْجَ النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حاضَتْ فَذَكَرَتْ ذَلِكَ لِرَسُولِ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ أحَابِسَتُنَا هِيَ قالُوا إنَّهَا قَدْ أفَاضَتْ قَالَ فَلاَ إِذا..
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (أَنَّهَا أفاضت قَالَ: فَلَا إِذا) ، وَجه ذَلِك أَن حَاصِل الْمَعْنى أَن طواف الْوَدَاع سَاقِط عَن الْحَائِض لِأَنَّهُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لما أخبر عَن صَفِيَّة أَنَّهَا حَاضَت قَالَ: أحابستنا هِيَ؟ فَلَمَّا أخبر أَنَّهَا قد أفاضت من قبل أَن تحيض، قَالَ: فَلَا إِذا، أَي: فَلَا تحبسنا حِينَئِذٍ، لِأَنَّهَا أدَّت الْفَرْض الَّذِي هُوَ ركن الْحَج. وَهَذَا قَول عوام أهل الْعلم، وَخَالف فِي ذَلِك طَائِفَة، فَقَالُوا: لَا يحل لأحد أَن ينفر حَتَّى يطوف طواف الْوَدَاع، وَلم يعذروا فِي ذَلِك حَائِضًا بحيضها، ذكره الطَّحَاوِيّ، وَقَالَ ابْن الْمُنْذر: رُوِيَ ذَلِك عَن عمر وَابْن عمر وَزيد بن ثَابت، فَإِنَّهُم أمروا الْحَائِض بالْمقَام إِذا كَانَت حَائِضًا لطواف الْوَدَاع، فكأنهم أوجبوه عَلَيْهَا كَمَا يجب عَلَيْهَا طواف الْإِفَاضَة، وَأسْندَ ابْن الْمُنْذر عَن عمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، بِإِسْنَاد صَحِيح إِلَى نَافِع (عَن ابْن عمر، ققال: طافت امْرَأَة بِالْبَيْتِ يَوْم النَّحْر ثمَّ حَاضَت، فَأمر عمر بحبسها بِمَكَّة بعد أَن ينفر النَّاس حَتَّى تطهر وَتَطوف بِالْبَيْتِ) . ثمَّ قَالَ: وَقد ثَبت رُجُوع ابْن عمر وَزيد بن ثَابت عَن ذَلِك، وَبَقِي عمر فخالفناه لثُبُوت حَدِيث عَائِشَة، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا، وَأَشَارَ بذلك إِلَى أَحَادِيث هَذَا الْبَاب، وَقد روى ابْن أبي شيبَة من طَرِيق الْقَاسِم بن مُحَمَّد: كَانَ الصَّحَابَة يَقُولُونَ: إِذا أفاضت الْمَرْأَة قبل أَن تحيض فقد فرغت، إلاَّ عمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، فَإِنَّهُ كَانَ يَقُول: آخر عهدها بِالْبَيْتِ، وَقد وَافق عمر على رِوَايَة ذَلِك عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم غَيره، فروى أَحْمد وَأَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيّ والطَّحَاوِي، وَاللَّفْظ لأبي دَاوُد. من طَرِيق الْوَلِيد بن عبد الرَّحْمَن بن الْحَارِث ابْن عبد الله بن أَوْس الثَّقَفِيّ، فَقَالَ: أتيت عمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، فَسَأَلته عَن الْمَرْأَة تَطوف بِالْبَيْتِ يَوْم النَّحْر، ثمَّ تحيض؟ قَالَ: ليكن آخر عهدها بِالْبَيْتِ. فَقَالَ الْحَارِث، كَذَلِك أفتاني رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فَقَالَ عمر: أربت عَن يَديك! سَأَلتنِي عَن شَيْء سَأَلت عَنهُ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لكيما أخالفه، وَرَوَاهُ التِّرْمِذِيّ أَيْضا وَلَفظه: (خَرَرْت عَن يَديك) ، وَمعنى: أربت عَن يَديك، سَقَطت إرابك، وَهُوَ جمع أرب، وَهُوَ الْعُضْو، وَمعنى خَرَرْت سَقَطت، وَأجَاب الطَّحَاوِيّ عَن هَذَا الحَدِيث بِأَنَّهُ نسخ بِحَدِيث عَائِشَة الْمَذْكُور، وَبِحَدِيث ابْن عَبَّاس، رَوَاهُ الطَّحَاوِيّ فَقَالَ: حَدثنَا يُونُس، قَالَ: حَدثنَا سُفْيَان عَن ابْن طَاوُوس عَن أَبِيه عَن ابْن عَبَّاس: أَمر النَّاس أَن يكون آخر عَهدهم بِالْبَيْتِ، إلاَّ أَنه قد خفف عَن الْمَرْأَة الْحَائِض. وَأخرجه مُسلم أَيْضا. فَإِن قلت: روى الطَّحَاوِيّ أَيْضا عَن ابْن عَبَّاس، فَقَالَ: حَدثنَا يُونُس، قَالَ: حَدثنَا سُفْيَان عَن سُلَيْمَان وَهُوَ ابْن أبي مُسلم الْأَحول عَن طَاوُوس (عَن ابْن عَبَّاس، قَالَ: كَانَ النَّاس ينفرون من كل وَجه، فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: لَا ينفرن أحد حَتَّى يكون آخر عَهده الطّواف بِالْبَيْتِ) ، وَهَذِه الرِّوَايَة لَا تدل على سُقُوط طواف الْوَدَاع عَن أحد. قلت: هَذَا مُطلق، وَالْأول مُقَيّد فَيحمل الْمُطلق على الْمُقَيد.

(10/96)


قَوْله: (حَاضَت) أَي: بعد أَن أفاضت يَوْم النَّحْر. قَوْله: (فَذكرت) أَي: عَائِشَة، وروى: (فَذكر) على صِيغَة الْمَجْهُول، قَوْله: (أحابستنا؟) الْهمزَة فِيهِ للاستفهام، أَي: أمانعتنا من التَّوَجُّه من مَكَّة فِي الْوَقْت الَّذِي أردنَا التَّوَجُّه فِيهِ ظنا مِنْهُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنَّهَا مَا طافت طواف الْإِفَاضَة. قَوْله: (إِنَّهَا أفاضت) أَي: طافت طواف الْإِفَاضَة. قَوْله: (قَالَ: فَلَا إِذا) أَي: قَالَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: أَي فَلَا حبس علينا حِينَئِذٍ.

9571 - حدَّثنا أبُو النُّعْمَانِ قَالَ حدَّثنا حَمَّادٌ عنْ أيُّوبَ عنْ عِكْرِمَةَ أنَّ أهْلَ المَدِينَةِ سألُوا ابنَ عَبَّاسَ رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا عنِ امْرَأةٍ طَافَتْ ثُمَّ حَاضَتْ قالَ لَهُمْ تَنْفِرُ قَالُوا لَا نَأخُذُ بِقَوْلِكَ ونَدَعُ قَوْلَ زَيْدٍ قَالَ إذَا قَدِمْتُمُ المَدِينَةِ فَسَلُوا فَقَدِمُوا المَدِينَةَ فَسَألُوا فَكانَ فِيمَنْ سَألُوا أُمَّ سُلَيْمٍ فَذَكَرَتْ حَدِيثَ صَفِيَّةَ.
مطابقته للتَّرْجَمَة تُؤْخَذ من قَوْله: (فَذكرت حَدِيث صَفِيَّة) على مَا لَا يخفى، وَأَبُو النُّعْمَان مُحَمَّد بن الْفضل السدُوسِي وَحَمَّاد هُوَ ابْن زيد، وَأَيوب هُوَ السّخْتِيَانِيّ.
قَوْله: (إِن أهل الْمَدِينَة) أَي: بعض أَهلهَا، لِأَن كلهم مَا سَأَلُوهُ، وَقد رَوَاهُ الْإِسْمَاعِيلِيّ من طَرِيق عبد الْوَهَّاب الثَّقَفِيّ عَن أَيُّوب بِلَفْظ: (إِن نَاسا من أهل الْمَدِينَة) . قَوْله: (قَالَ لَهُم: تنفر) أَي: قَالَ ابْن عَبَّاس للَّذين سَأَلُوهُ: تنفر هَذِه الْمَرْأَة الَّتِي طافت ثمَّ حَاضَت. قَوْله: فَنَدَع، بِالْفَاءِ وَنصب: نَدع، لِأَنَّهُ جَوَاب النَّفْي، ويروى: (وَنَدع) ، بِالْوَاو. قَوْله: (قَول زيد) ، هُوَ زيد بن ثَابت، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، وَفِي رِوَايَة عبد الْوَهَّاب الثَّقَفِيّ أفتيتنا أَو لم تفتنا، زيد بن ثَابت يَقُول: لَا تنفر. قَوْله: (فَكَانَ فِيمَن سَأَلُوا أم سليم) وَفِي رِوَايَة الثَّقَفِيّ: (فسألوا أم سليم وَغَيرهَا) . وَأم سليم، بِضَم السِّين: هِيَ أم أنس رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا، قَوْله: (فَذكرت) أَي: أم سليم كَذَا ذكره مُخْتَصرا. وَسَاقه الثَّقَفِيّ بِتَمَامِهِ قَالَ: (فَأَخْبَرتهمْ أَن عَائِشَة قَالَت لصفية أَفِي الخيبة أَنْت أَنَّك لحابستنا؟ فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: مَا ذَاك؟ قَالَت عَائِشَة: صَفِيَّة حَاضَت. قيل: إِنَّهَا قد أفاضت قَالَ: فَلَا إِذا، فَرَجَعُوا إِلَى ابْن عَبَّاس، فَقَالُوا: وجدنَا الحَدِيث كَمَا حَدَّثتنَا) .
رَوَاهُ خَالِدٌ وقَتادَةُ عنْ عِكْرِمَةَ
أَي: روى الحَدِيث الْمَذْكُور خَالِد الْحذاء، وَقَتَادَة أَيْضا عَن عِكْرِمَة مولى ابْن عَبَّاس، فرواية خَالِد وَصلهَا الْبَيْهَقِيّ من طَرِيق مُعلى بن مَنْصُور عَن هشيم عَنهُ عَن عِكْرِمَة عَن ابْن عَبَّاس، قَالَ: إِذا طافت يَوْم النَّحْر ثمَّ حَاضَت فلتنفر، وَقَالَ زيد بن ثَابت: لَا تنفر حَتَّى تطهر وَتَطوف بِالْبَيْتِ، ثمَّ أرسل زيد بعد ذَلِك إِلَى ابْن عَبَّاس، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُم، أَنِّي وجدت الَّذِي قلت كَمَا قلت، وَرِوَايَة قَتَادَة وَصلهَا أَبُو دَاوُد الطَّيَالِسِيّ فِي (مُسْنده) قَالَ: حَدثنَا هِشَام هُوَ الدستوَائي عَن قَتَادَة عَن عِكْرِمَة قَالَ: اخْتلف ابْن عَبَّاس وَزيد بن ثَابت فِي الْمَرْأَة إِذا حَاضَت وَقد طافت بِالْبَيْتِ يَوْم النَّحْر، فَقَالَ زيد: يكون آخر عهدها بِالْبَيْتِ، وَقَالَ ابْن عَبَّاس: تنفر إِن شَاءَت، فَقَالَت الْأَنْصَار: لَا نتابعك يَا ابْن عَبَّاس وَأَنت تخَالف زيدا، فَقَالَ: سلوا صاحبتكم أم سليم، فَقَالَت: حِضْت بَعْدَمَا طفت بِالْبَيْتِ، فَأمرنِي رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: أَن انفري، وحاضت صَفِيَّة، فَقَالَت لَهَا عَائِشَة: حبستنا! فَأمرهَا النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَن تنفر. وَقَالَ بَعضهم: طَرِيق قَتَادَة هَذِه هِيَ المحفوظة، وَقد شَذَّ عباد بن الْعَوام فَرَوَاهُ عَن سعيد بن أبي عرُوبَة عَن قَتَادَة عَن أنس مُخْتَصرا فِي قصَّة أم سليم، أخرجه الطَّحَاوِيّ من طَرِيقه، انْتهى. قلت: قَالَ الطَّحَاوِيّ: حَدثنَا ابْن أبي دَاوُد حَدثنَا سعيد ابْن سُلَيْمَان الوَاسِطِيّ قَالَ: حَدثنَا عباد بن الْعَوام عَن سعيد عَن قَتَادَة (عَن أنس أَن أم سليم حَاضَت بَعْدَمَا أفاضت يَوْم النَّحْر، فَأمرهَا النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَن تنفر) ، إِسْنَاده صَحِيح، وَرِجَاله ثِقَات، فَمَا باله أَن يكون شاذا، وَطَرِيق قَتَادَة لَا يُنَافِي أَن يكون طَرِيق غَيره مَحْفُوظَة.

0671 - حدَّثنا مُسْلِمٌ قَالَ حدَّثنا وُهَيْبٌ قَالَ حدَّثنا ابنُ طَاوُوسٍ عنْ أبِيهِ عنِ ابنِ عَبَّاسٍ رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا قَالَ رُخِّصَ لِلْحَائِضِ أنْ تَنْفِرَ إذَا أفَاضَتْ. وَقَالَ وسَمِعْتُ ابنَ عُمَرَ يَقولُ إِنَّهَا لاَ تَنْفِرُ

(10/97)


ثُمَّ سَمِعْتُهُ يَقُولُ بَعْدُ إنَّ النبيَّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم رَخَّصَ لَهُنَّ.
(انْظُر الحَدِيث 033) .
مطابقته للتَّرْجَمَة تُؤْخَذ من قَوْله: (رخص للحائض أَن تنفر إِذا أفاضت) لِأَن الْحَاصِل من مَعْنَاهُ أَن الْحَائِض إِذا طافت طواف الزِّيَارَة، تنفر وَلَا شَيْء عَلَيْهَا. وَمُسلم هُوَ ابْن إِبْرَاهِيم الفراهيدي، ووهيب بِضَم الْوَاو: وَهُوَ ابْن خَالِد وَابْن طَاوُوس هُوَ عبد الله، والْحَدِيث قد مضى فِي: بَاب الْمَرْأَة تحيض بعد الْإِفَاضَة فِي كتاب الْحيض، فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ عَن مُعلى بن أَسد عَن وهيب إِلَى آخِره نَحوه، وَمر الْكَلَام فِيهِ هُنَاكَ مُسْتَوفى.
قَوْله: (رخص) على بِنَاء الْمَجْهُول، وَوَقع فِي رِوَايَة النَّسَائِيّ: (رخص رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم) . قَوْله: (بعد) ، بِضَم الدَّال أَي: بعد أَن قَالَ: لَا تنفر، وَكَانَ ذَلِك قبل موت ابْن عمر بعام على مَا يَجِيء. قَوْله: (إِن النَّبِي، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، رخص لَهُنَّ) أَي: للْحيض، وَهَذَا من مَرَاسِيل الصَّحَابَة. فَإِن ابْن عمر لم يسمعهُ من النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَالدَّلِيل عَلَيْهِ مَا رَوَاهُ الطَّحَاوِيّ، فَقَالَ: حَدثنَا ابْن أبي دَاوُد، قَالَ: حَدثنَا أَبُو صَالح، قَالَ: حَدثنَا اللَّيْث، قَالَ: حَدثنَا عقيل (عَن ابْن شهَاب، قَالَ: أَخْبرنِي طَاوُوس الْيَمَانِيّ أَنه سمع عبد الله بن عمر يسْأَل عَن حبس النِّسَاء عَن الطّواف بِالْبَيْتِ إِذا حضن قبل النَّفر وَقد أفضن يَوْم النَّحْر؟ فَقَالَ: إِن عَائِشَة، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا، كَانَت تذكر من رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم رخصَة النِّسَاء، وَذَلِكَ قبل موت عبد الله بعام) إِسْنَاده صَحِيح، وَأَبُو صَالح عبد الله بن صَالح وراق اللَّيْث وَشَيخ البُخَارِيّ، وَهَذَا يدل على أَنه كَانَ يُفْتِي بمنعهن عَن النَّفر إلاَّ بِالطّوافِ، ثمَّ رَجَعَ عَن ذَلِك حِين بلغه خبر عَائِشَة قبل مَوته بِسنة. قَوْله: (قَالَ: وَسمعت ابْن عمر) أَي: قَالَ طَاوُوس: سَمِعت عبد الله بن عمر، وَقَوله هَذَا بِالْإِسْنَادِ الأول بَينه النَّسَائِيّ فِي رِوَايَته، وَكَذَلِكَ الْقَائِل فِي قَوْله: سمعته يَقُول بعد هُوَ طَاوُوس الْمَذْكُور فِيهِ، وَلَيْسَ فِيهِ أَن ابْن عمر سمع ذَلِك عَن النَّبِي، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَإِنَّمَا أخبر عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه رخص لَهُنَّ، أَي: للنِّسَاء اللَّاتِي حضن بعد أَن طفن طواف الزِّيَارَة أَن يتركن طواف الْوَدَاع، وَهَذَا هُوَ عين الْإِرْسَال. فَافْهَم.

2671 - حدَّثنا أبُو النُّعْمَانِ قَالَ حدَّثنا أبُو عُوَانَةَ عنْ مَنْصُورَ عنْ إبْرَاهِيمَ عنِ الأسْوَدِ عنْ عائِشَةَ رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا قالَتْ خَرَجْنَا مَعَ النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ولاَ نُرَى إلاَّ الحَجَّ فَقَدِمَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فطَافَ بِالْبَيْتِ وبَيْنَ الصَّفَا والمَرْوَةَ ولَمْ يَحِلَّ وكانَ مَعَهُ الْهَدْيُ فَطافَ مَنْ كانَ مَعَهُ مِنْ نِسَائِهِ وحَلَّ مِنْهُمْ مَنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهُ الْهَدْيُ فَحَاضَتْ هِيَ فَنَسَكْنَا مَنَاسِكَنَا مِنْ حَجِّنَا فَلَمَّا كانَتْ لَيْلَةُ الحَصْبَةِ لَيْلَةُ النَّفْرِ قالَتْ يَا رسولَ الله كُلُّ أصْحَابِكَ يَرْجِعُ بِحَجٍّ وعُمْرَةٍ غَيْرِي قَالَ مَا كُنْتِ تَطُوفِي بِالْبَيْتِ لَيالِيَ قَدِمْنَا قُلْتُ لاَ قَالَ فاخْرُجِي مَعَ أخِيكِ إِلَى التَّنْعِيمِ فأهِلِّي بِعُمْرَةٍ ومَوْعِدُك مَكانَ كَذا وكَذَا فَخَرَجْتُ مَعَ عَبْدِ الرَّحْمانِ إلَى التَّنْعِيمِ فأهْلَلْتُ بِعُمْرَةٍ وحاضَتْ صَفِيَّةُ بِنْتُ حُيَيٍّ فَقَالَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَقْرَى حَلْقَى إنَّكِ لَحَابِسَتُنَا أمَا كُنْتِ طُفْتِ يَوْمَ النَّحْرِ قالَتْ بَلَى قَالَ فَلاَ بَأسَ انْفِري فَلَقِيتُهُ مُصْعِدا عَلَى أهْلِ مَكَّةَ وأنَا مُنْهَبِطَةٌ أوْ أَنا مُصْعِدَةٌ وهْوَ مُنْهَبِطٌ. وَقَالَ مُسَدَّدٌ قُلْتُ لاَ. وتَابَعَهُ جَرِيرٌ عَنْ مَنْصُورٍ فِي قَوْلِهِ لاَ..
مطابقته للتَّرْجَمَة تُؤْخَذ من قَوْله: (وحاضت صَفِيَّة) ، إِلَى قَوْله: إنفري فَإِن فِيهِ: حَاضَت صَفِيَّة بَعْدَمَا أفاضت، والترجمة: بَاب إِذا حَاضَت الْمَرْأَة بَعْدَمَا أفاضت، وَهَذَا الحَدِيث مضى فِي أول: بَاب التَّمَتُّع والإقران، فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ: عَن ابْن عمر عَن جرير عَن مَنْصُور عَن إِبْرَاهِيم ... إِلَى آخِره نَحوه، وَهَهُنَا أخرجه: عَن أبي النُّعْمَان بن الْمُنْذر عَن السدُوسِي عَن أبي عوَانَة، بِفَتْح الْعين الْمُهْملَة وَتَخْفِيف الْوَاو وَبعد الْألف نون سَاكِنة، واسْمه الوضاح بن عبد الله عَن مَنْصُور بن الْمُعْتَمِر عَن إِبْرَاهِيم النَّخعِيّ عَن الْأسود بن يزِيد، وتكلمنا هُنَاكَ بِمَا يتَعَلَّق بِهِ من الْأُمُور، ولنتكلم هُنَا بِمَا لم نذكرهُ هُنَاكَ، وَإِن وَقع بعض التّكْرَار.

(10/98)


فَقَوله: (لَيْلَة الحصبة) ، بِفَتْح الْحَاء وَسُكُون الصَّاد الْمُهْملَة وَفتح الْبَاء الْمُوَحدَة، وَفِي رِوَايَة الْمُسْتَمْلِي: لَيْلَة الْحَصْبَاء. قَوْله: (لَيْلَة النَّفر) ، عطف بَيَان لليلة الحصبة، والنفر، بِفَتْح النُّون وَإِسْكَان الْفَاء وَبِفَتْحِهَا أَيْضا. قَالَ الْجَوْهَرِي: يُقَال: يَوْم النَّفر وَلَيْلَة النَّفر لليوم النذي ينفر النَّاس فِيهِ من منى، وَهُوَ بعد يَوْم النَّفر، وَقيل: ليَالِي الْمبيت بمنى الَّتِي تتقدم النَّفر من منى قبلهَا، فَهِيَ شَبيهَة بليلة عَرَفَة. وَقيل: فِيهِ رد على من قَالَ: كل لَيْلَة تسبق يَوْمهَا إلاَّ لَيْلَة عَرَفَة، فَإِن يَوْمهَا يسبقها، فقد شاركتها لَيْلَة النَّفر فِي ذَلِك. قَوْله: (مَا كنت تطوفي بِالْبَيْتِ) ، أصل: تطوفي: تطوفين. فحذفت مِنْهُ النُّون تَخْفِيفًا. وَقيل: حذفهَا من غير ناصب أَو جازم لُغَة فصيحة. قَوْله: (قلت: لَا) ، هَكَذَا هُوَ فِي رِوَايَة الْأَكْثَرين، وَفِي رِوَايَة أبي ذَر عَن الْمُسْتَمْلِي: (قلت: بلَى) . وَهِي مَحْمُولَة على أَن المُرَاد: مَا كنت أَطُوف. وَقَالَ الْكرْمَانِي: مَا تَوْجِيه بلَى، إِذْ تكون حِينَئِذٍ متمتعة. فَلم أمرهَا بِالْعُمْرَةِ؟ فَأجَاب: بِأَن: بلَى، تسْتَعْمل بِحَسب الْعرف اسْتِعْمَال نعم، مقررا لما سبق، فَمَعْنَاه كمعنى كلمة النَّفْي. قَوْله: (وحاضت صَفِيَّة) أَي: فِي أَيَّام منى، وَسَيَأْتِي فِي: بَاب الإدلاج من المحصب، أَن حَيْضهَا كَانَ لَيْلَة النَّفر، وَعند مُسلم، زَاد الحكم عَن إِبْرَاهِيم: (لما أَرَادَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَن ينفر إِذا صَفِيَّة على بَاب خبائها كئيبة حزينة، فَقَالَ: عقري) الحَدِيث.
قَوْله: (عقرى حلقى) على وزن: فعلى: بِغَيْر تَنْوِين، هَكَذَا فِي الرِّوَايَة، وَيجوز فِي اللُّغَة التَّنْوِين، وَصَوَّبَهُ أَبُو عبيد لِأَن مَعْنَاهُ الدُّعَاء: بالعقر وَالْحلق، كَمَا يُقَال: سقيا ورعيا، وَنَحْو ذَلِك من المصادر الَّتِي يدعى بهَا. وَقد مر تَفْسِيره على أَقْوَال مُتعَدِّدَة فِي: بَاب التَّمَتُّع والإقران. قَوْله: (فَلَا بَأْس انفري) هَذَا تَفْسِير لقَوْله فِي الرِّوَايَة الَّتِي مَضَت فِي أول الْبَاب، فَلَا إِذا، وَفِي رِوَايَة أبي سَلمَة قَالَ: أخرجُوا. وَفِي رِوَايَة عمْرَة قَالَ: اخْرُجِي، وَفِي رِوَايَة الزُّهْرِيّ عَن عُرْوَة عَن عَائِشَة فِي الْمَغَازِي، فلتنفر، ومعانيها مُتَقَارِبَة، وَالْمرَاد بهَا كلهَا الرحيل من منى إِلَى جِهَة الْمَدِينَة. قَوْله: (مصعدا) بِمَعْنى، صاعدا إِذا صعد لُغَة فِي صعد. قَوْله: (وَقَالَ مُسَدّد) إِلَى آخِره، تَعْلِيق لم يَقع فِي رِوَايَة أبي ذَر، وَثَبت لغيره. قَوْله: (وَتَابعه جرير) ، أَي: تَابع مُسَددًا جرير بن عبد الحميد عَن مَنْصُور بن الْمُعْتَمِر فِي قَوْله: (لَا) ، أما رِوَايَة مُسَدّد فَفِي مُسْنده بِرِوَايَة أبي خَليفَة عَنهُ، قَالَ: حَدثنَا أَبُو عوَانَة فَذكر الحَدِيث بِسَنَدِهِ وَمَتنه، وَقَالَ فِيهِ: (مَا كنت طفت ليَالِي قدمنَا) ، وَأما رِوَايَة جرير عَن مَنْصُور فوصلها البُخَارِيّ فِي: بَاب التَّمَتُّع والإقران عَن عُثْمَان بن أبي شيبَة عَنهُ، وَقَالَ فِيهِ: (وَمَا كنت طفت ليَالِي قدمنَا مَكَّة؟ قلت: لَا) . وَالْغَرَض من السُّؤَال أَنَّك مَا كنتِ متمتعة، فَلَمَّا قَالَت: لَا، كَمَا رَوَاهُ مُسَدّد، أمرهَا بِالْعُمْرَةِ. فَإِن قلت: لَا يلْزم من نفي التَّمَتُّع الِاحْتِيَاج إِلَى الْعمرَة لاحْتِمَال أَن تكون قارنة. قلت: الْأَكْثَر على أَنَّهَا كَانَت قارنة، وَرِوَايَة مُسلم صَرِيحَة بقرانها، وأمرها رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِالْعُمْرَةِ نَافِلَة تطييبا لقلبها حَيْثُ أَرَادَت أَن تكون لَهَا عمْرَة مُنْفَرِدَة مُسْتَقلَّة، وَأما إِن كَانَت مُفْردَة فَالْأَمْر بِالْعُمْرَةِ إِنَّمَا هُوَ على سَبِيل الْإِيجَاب.
وَمن فَوَائِد هَذَا الحَدِيث: أَن طواف الْإِفَاضَة ركن، وَأَن طواف الْوَدَاع وَاجِب. وَقَالَ بَعضهم، وَأَن الطَّهَارَة شَرط لصِحَّة الطّواف. قلت: لَا نسلم ذَلِك، فَإِن هَذَا الحَدِيث لَا يدل على ذَلِك. وَمِنْهَا: أَنه يلْزم أَمِير الْحَاج أَن يُؤَخر الرحيل لأجل من تحيض مِمَّن لم تطف للإفاضة، ورد هَذَا بِاحْتِمَال أَن إِرَادَة النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم تَأْخِير الرحيل إِكْرَاما لصفية، كَمَا احْتبسَ بِالنَّاسِ على عقد عَائِشَة، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا. قلت: روى الْبَزَّار من حَدِيث جَابر، وَأخرجه الثَّقَفِيّ فِي فَوَائده من طَرِيق أبي هُرَيْرَة مَرْفُوعا: (أميران وليسا بأميرين: من تبع جَنَازَة فَلَيْسَ لَهُ أَن ينْصَرف حَتَّى تدفن أَو يَأْذَن أَهلهَا، وَالْمَرْأَة تحج أَو تعتمر مَعَ قوم فتحيض قبل طواف الرُّكْن، فَلَيْسَ لَهُم أَن ينصرفوا حَتَّى تطهر أَو تَأذن لَهُم) . قلت: إِسْنَاد كل مِنْهُمَا إِسْنَاد ضَعِيف جدا، وَلَئِن سلمنَا صحتهما فَلَا دلَالَة لَهما على الْوُجُوب، وَقد ذكر مَالك فِي (الْمُوَطَّأ) أَنه يلْزم الْجمال أَن يحبس لَهَا إِلَى انْقِضَاء أَكثر مُدَّة الْحيض، وَكَذَا على النُّفَسَاء، وَاعْترض عَلَيْهِ ابْن الْمَوَّاز بِأَن فِيهِ تعريضا للْفَسَاد: كَقطع الطَّرِيق، وأجابه القَاضِي عِيَاض بِأَن مَحل ذَلِك أَمن الطَّرِيق، كَمَا أَن مَحَله أَن يكون مَعَ الْمَرْأَة محرم، وَالله أعلم.

641 - (بابُ منْ صَلَّى الْعَصْرَ يَوْمَ النَّفْرِ بالأبْطَحِ)

أَي: هَذَا بَاب يذكر فِيهِ من صلى صَلَاة الْعَصْر يَوْم النَّفر، وَهُوَ يَوْم الرُّجُوع من منى. قَوْله: (بِالْأَبْطح) وَهُوَ الْبَطْحَاء الَّتِي بَين مَكَّة وَمنى، وَهِي مَا انبطح من الْوَادي واتسع، وَهِي الَّتِي يُقَال لَهَا: المحصب والمعرس، وَحدهَا مَا بَين الجبلين إِلَى الْمقْبرَة.

3671 - حدَّثنا محَمَّدُ بنُ المُثَنَّى قَالَ حدَّثنا بنُ يُوسُفَ قَالَ حدَّثنا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ

(10/99)


عَنْ عَبْدِ العَزِيزِ بنِ رُفَيْعٍ قَالَ سألْتُ أنَسَ بنَ مالِكٍ قَالَ أخبِرْني بِشَيْءٍ عَقَلْتَهُ عنِ النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أيْنَ صَلَّى الظُّهْرَ يَوْمَ التَّرْوِيَةِ قَالَ بِمِنى قُلْتُ فأيْنَ صَلَّى العَصْرَ يَوْمَ النَّفْرِ قَالَ بالأبْطَحِ افْعَلْ كَمَا يَفْعَلُ امَرَاؤكَ.
(انْظُر الحَدِيث 3561 وطرفه) .
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (بِالْأَبْطح) ، أَي: صلى الْعَصْر بِالْأَبْطح، والْحَدِيث قد مر فِي: بَاب أَيْن صلى الظّهْر يَوْم التَّرويَة؟ فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ عَن عبد الله بن مُحَمَّد عَن إِسْحَاق الْأَزْرَق عَن سُفْيَان عَن عبد الْعَزِيز بن رفيع إِلَى آخِره، وَأخرجه هَهُنَا عَن مُحَمَّد بن الْمثنى عَن إِسْحَاق بن يُوسُف بن يَعْقُوب الْأَزْرَق الوَاسِطِيّ عَن عبد الْعَزِيز بنُ رُفيع، بِضَم الرَّاء وَفتح الْفَاء وَسُكُون الْيَاء آخر الْحُرُوف وبالعين الْمُهْملَة، وَلما أخرج هَذَا الحَدِيث من طَرِيقين ذكرهمَا وَوضع لكل طَرِيق تَرْجَمَة، وَقد مر الْكَلَام فِيهِ هُنَاكَ. قَوْله: (يَوْم التَّرويَة) ، وَهُوَ الْيَوْم الثَّامِن من ذِي الْحجَّة.

4671 - حدَّثنا عَبْدُ المُتَعَالِ بنُ طالِبٍ قَالَ حَدثنَا ابنُ وهْبٍ قَالَ أخبرنِي عَمْرُو بنُ الحَارِثِ أنَّ قَتادَةَ حدَّثَهُ عَنْ أنَسِ بنِ مالِكٍ رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ حدَّثهُ عنِ النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أنَّهُ صَلَّى الظُّهْرَ والْعَصْرَ والْمَغْرِبَ والْعِشَاءَ ورَقَدَ رَقْدَةً بالمحصَّبِ ثُمَّ رَكِبَ إلَى البَيْتِ فَطافَ بِهِ.
(انْظُر الحَدِيث 6571) .
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (وَالْعصر) أَي: وَصلى الْعَصْر أَيْضا بالمحصب وَهُوَ الأبطح، وَقد مضى هَذَا الحَدِيث أَيْضا فِي: بَاب طواف الْوَدَاع، فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ: عَن أصبغ بن الْفرج عَن عَمْرو بن الْحَارِث إِلَى آخِره، وَأخرجه هَهُنَا: عَن عبد المتعال بِالْيَاءِ، وحذفها ابْن طَالب الْأنْصَارِيّ الْبَغْدَادِيّ، مَاتَ سنة سِتّ وَعشْرين وَمِائَتَيْنِ عَن عبد الله بن وهب إِلَى آخِره، وَقد مر الْكَلَام فِيهِ. قَوْله: (فَطَافَ بِهِ) أَي: بِالْبَيْتِ طواف الْوَدَاع.

741 - (بابُ المُحَصَّبِ)

أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان حكم النُّزُول بالمحصب، وَهُوَ الأبطح، وَهُوَ بِضَم الْمِيم وَفتح الْحَاء وَتَشْديد الصَّاد الْمُهْمَلَتَيْنِ وَفِي آخِره بَاء مُوَحدَة، وَقَالَ النَّوَوِيّ: الأبطح والبطحاء وَخيف بني كنَانَة اسْم لشَيْء وَاحِد.

5671 - حدَّثنا أبُو نُعَيْمٍ قَالَ حدَّثنا سُفْيَانُ عنْ هِشامٍ عنْ أبيهِ عنْ عائِشَةَ رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا قالَتْ إنَّما كانَ مَنْزِلٌ يَنْزِلُهُ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لِيَكُونَ أسْمَحَ لِخُرُوجِهِ تَعْنِي بالأبْطَحِ.
مطابقته للتَّرْجَمَة تُؤْخَذ من معنى الحَدِيث، وَأَبُو نعيم الْفضل بن دُكَيْن، وسُفْيَان هُوَ الثَّوْريّ، وَهِشَام هُوَ ابْن عُرْوَة بن الزبير ابْن الْعَوام، وَفِي رِوَايَة الْإِسْمَاعِيلِيّ من طَرِيق يزِيد بن هَارُون عَن سُفْيَان حَدثنَا هِشَام.
قَوْله: (إِنَّمَا كَانَ منزل) ، ويروى: (منزلا) على أَنه خبر: كَانَ، أَي: إِنَّمَا كَانَ المحصب منزلا ينزله النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَلَيْسَ من السّنة، وَالدَّلِيل عَلَيْهِ مَا رَوَاهُ مُسلم من طَرِيق عبيد الله ابْن نمير عَن هِشَام عَن أَبِيه (عَن عَائِشَة، قَالَت: نزُول الأبطح لَيْسَ بِسنة، إِنَّمَا نزله رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لِأَنَّهُ كَانَ أسمح لِخُرُوجِهِ إِذا خرج) . قَوْله: (اسمح) أَي: أسهل لتوجهه إِلَى الْمَدِينَة ليستوي فِي ذَلِك البطىء والمعتدل، وَيكون مبيتهم وقيامهم من السحر ورحيلهم بأجمعهم إِلَى الْمَدِينَة. فَإِن قلت: مَا وَجه الرّفْع فِي: منزل؟ قلت: فِيهِ وُجُوه: الأول: أَن يَجْعَل: مَا، فِي: إِنَّمَا، بِمَعْنى: الَّذِي، وَاسم كَانَ الضَّمِير الَّذِي فِيهِ يعود على المحصب، وَخَبره مَحْذُوف تَقْدِيره: إِن الْمنزل الَّذِي كَانَ المحصب إِيَّاه منزل، فَيكون ارْتِفَاع منزل بِكَوْنِهِ خبر: إِن. الثَّانِي: أَن تكون: مَا، كَافَّة، ومنزل اسْم كَانَ، وخبرها ضمير عَائِد إِلَى المحصب، فَحذف الضَّمِير لَكِن يلْزم أَن يكون الِاسْم نكرَة وَالْخَبَر معرفَة، وَذَلِكَ جَائِز. الثَّالِث: أَن يكون منزلا مَنْصُوبًا فِي اللَّفْظ إلاَّ أَنه كتب بِالْألف على اللُّغَة الربيعية. قَوْله: (بِالْأَبْطح) ، وَفِي رِوَايَة الْكشميهني: (الأبطح) ، بِلَا بَاء، وَالْبَاء فِي الرِّوَايَة الَّتِي هِيَ فِيهَا تتَعَلَّق بقوله: (ينزل) ، وَقَالَ الْخطابِيّ: التحصيب هُوَ أَنه إِذا نفر من منى إِلَى مَكَّة للتوديع يُقيم بالمحصب حَتَّى يهجع بِهِ سَاعَة، ثمَّ يدْخل مَكَّة، وَلَيْسَ بِشَيْء، أَي:

(10/100)


لَيْسَ بنسك من مَنَاسِك الْحَج، إِنَّمَا نزل رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم للاستراجة. وَقَالَ الْحَافِظ زكي الدّين عبد الْعَظِيم الْمُنْذِرِيّ: التحصيب مُسْتَحبّ عِنْد جَمِيع الْعلمَاء، وَقَالَ شَيخنَا زين الدّين: وَفِيه نظر لِأَن التِّرْمِذِيّ حكى اسْتِحْبَابه عَن بعض أهل الْعلم، وَحكى النَّوَوِيّ اسْتِحْبَابه عَن مَذْهَب الشَّافِعِي وَمَالك وَالْجُمْهُور، وَهَذَا هُوَ الصَّوَاب، وَقد كَانَ من أهل الْعلم من لَا يستحبه فَكَانَت أَسمَاء وَعُرْوَة ابْن الزبير، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا، لَا يحصبان، حَكَاهُ ابْن عبد الْبر فِي (الاستذكار) عَنْهُمَا، وَكَذَلِكَ سعيد بن جُبَير، فَقيل لإِبْرَاهِيم: إِن سعيد بن جُبَير لَا يَفْعَله، فَقَالَ: قد كَانَ يَفْعَله، ثمَّ بدا لَهُ، وَقَالَ ابْن بطال: وَكَانَت عَائِشَة لَا تحصب وَلَا أَسمَاء، وَهُوَ مَذْهَب عُرْوَة.

6671 - حدَّثنا عَلِيُّ بنُ عَبْدِ الله قَالَ حَدثنَا سُفْيَانُ قَالَ عَمْرٌ وعنْ عَطاءٍ عنِ ابنِ عَبَّاسٍ رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا قَالَ لَيْسَ التَّحْصِيبُ بِشِيْءٍ إِنَّمَا هُوَ مَنْزِلٌ نَزَلَهُ رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم.
مطابقته للتَّرْجَمَة من حَيْثُ إِنَّه بَيَان حكم المحصب، وَعلي بن عبد الله الْمَعْرُوف بِابْن الْمَدِينِيّ، وسُفْيَان هُوَ ابْن عُيَيْنَة، وَعَمْرو هُوَ ابْن دِينَار، وَعَطَاء هُوَ ابْن أبي رَبَاح.
وَأخرجه مُسلم أَيْضا من طَرِيق سُفْيَان بن عُيَيْنَة عَن عَمْرو عَن عَطاء عَن ابْن عَبَّاس نَحوه، وَأخرجه النَّسَائِيّ عَن عَليّ بن حجر عَن سُفْيَان، وَأخرجه التِّرْمِذِيّ عَن ابْن أبي عمر عَن سُفْيَان عَن عَمْرو إِلَى آخِره، وَقَالَ: هَذَا حَدِيث حسن صَحِيح، وَذكر الدَّارَقُطْنِيّ أَن هَذَا حَدِيث عَليّ بن حجر، قَالَ ابْن عَسَاكِر: يَعْنِي تفرد بِهِ، وَابْن عُيَيْنَة سَمعه من حسن بن صَالح عَن عَمْرو، وَلَكِن كَذَا قَالَ ابْن حجر، وَهُوَ وهم مِنْهُ، فقد رَوَاهُ ابْن أبي عمر وَعبد الْجَبَّار بن الْعَلَاء وَجَمَاعَة غَيرهمَا، وَرَوَاهُ الْإِسْمَاعِيلِيّ من حَدِيث أبي خَيْثَمَة حَدثنَا ابْن عُيَيْنَة حَدثنَا عَمْرو، وَكَذَا رَوَاهُ أَبُو نعيم الْحَافِظ من طَرِيق عبد الله ابْن الزبير: حَدثنَا سُفْيَان حَدثنَا عَمْرو، فقد صرح أَبُو خَيْثَمَة والْحميدِي عَن سُفْيَان بِالتَّحْدِيثِ من عَمْرو فَانْتفى مَا قَالَه الدَّارَقُطْنِيّ، وَلما روى التِّرْمِذِيّ حَدِيث ابْن عمر قَالَ: (كَانَ النَّبِي، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَأَبُو بكر وَعمر وَعُثْمَان، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُم، ينزلون بِالْأَبْطح) . قَالَ: وَفِي الْبَاب عَن عَائِشَة وَأبي رَافع وَابْن عَبَّاس. قلت: حَدِيث عَائِشَة أخرجه الْأَئِمَّة السِّتَّة، وَحَدِيث أبي رَافع أخرجه مُسلم وَأَبُو دَاوُد من رِوَايَة سُفْيَان بن عُيَيْنَة عَن صَالح بن كيسَان عَن سُلَيْمَان بن يسَار (عَن أبي رَافع، قَالَ: لم يَأْمُرنِي رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَن أنزل الأبطح حِين خرج من منى، وَلَكِن جِئْت فَضربت قُبَّته فجَاء فَنزل) قلت: وَفِي الْبَاب عَن أبي هُرَيْرَة وَأبي أُسَامَة وَأنس، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُم، وَأخرج البُخَارِيّ حَدِيثهمْ، وَقَالَ بعض الْعلمَاء: كَانَ نُزُوله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بالمحصب شكرا لله تَعَالَى على الظُّهُور بعد الاختفاء، وعَلى إِظْهَار دين الله تَعَالَى بَعْدَمَا أَرَادَ الْمُشْركُونَ من إخفائه، وَإِذا تقرر أَن نزُول المحصب لَا تعلق لَهُ بالمناسك فَهَل يسْتَحبّ لكل أحد أَن ينزل فِيهِ إِذا مر بِهِ؟ يحْتَمل أَن يُقَال باستحبابه مُطلقًا، وَيحْتَمل أَن يُقَال باستحبابه للْجمع الْكثير، وَإِظْهَار الْعِبَادَة فِيهِ إِظْهَارًا لشكر الله تَعَالَى على رد كيد الْكفَّار، وَإِبْطَال مَا أرادوه. وَالله أعلم.