عمدة القاري شرح
صحيح البخاري 841 - (بابُ النُّزُولِ بِذِي طُوىً قَبْلَ
أنْ يَدْخُلَ مَكَّةَ والنُّزُولْ بالْبَطْجَاءِ الَّتِي
بِذي الحُلَيْفَةِ إذَا رَجَعَ مِنْ مَكَّةَ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان نزُول الْحَاج بِذِي طوى قبل
دُخُوله مَكَّة اتبَاعا للنَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
فِي نُزُوله بمنازله جَمِيعًا، وَلَا يخْتَص ذَلِك
بالمحصب. قَوْله: (بِذِي طوى) بِدُونِ الْألف وَاللَّام
فِي رِوَايَة الْأَكْثَرين، وَفِي رِوَايَة الْمُسْتَمْلِي
والسرخسي: بِذِي الطوى، بِالْألف وَاللَّام، وَيجوز فِي
الطَّاء الحركات الثَّلَاث، والأفضح فتحهَا، وَيجوز صرف
طوى وَمنعه، وَهُوَ مَوضِع بِأَسْفَل مَكَّة فِي صوب
طَرِيق الْعمرَة الْمُعْتَادَة، وَقيل: هُوَ بَين مَكَّة
والتنعيم، وَكلمَة: أَن، فِي قَوْله: قبل أَن يدْخل،
مَصْدَرِيَّة أَي: قبل دُخُوله مَكَّة. قَوْله:
(وَالنُّزُول) ، بِالْجَرِّ عطف على النُّزُول الأول.
قَوْله: (الَّتِي بِذِي الحليفة) صفة الْبَطْحَاء،
وَاحْترز بِهِ عَن الْبَطْحَاء الَّتِي بَين مَكَّة وَمنى،
وَقيل: الْبَطْحَاء بِالْمدِّ: هُوَ التُّرَاب الَّذِي فِي
مسيل المَاء. وَقيل: إِنَّه مجْرى السَّيْل إِذا جف
واستحجر، والبطحاء الَّتِي بِذِي الحليفة مَعْرُوفَة عِنْد
أهل الْمَدِينَة وَغَيرهم بالعرس. قَوْله: (إِذا رَجَعَ) ،
أَي: الْحَاج من مَكَّة وَتوجه إِلَى الْمَدِينَة.
7671 - حدَّثنا إبْرَاهِيمُ بنُ المُنْذِرِ قَالَ حدَّثنا
أبُو ضَمْرَةَ قَالَ حدَّثنا مُوسى بنُ عُقْبَةَ عنْ
نَافِعٍ
(10/101)
أنَّ ابنَ عُمَرَ رَضِي الله تَعَالَى
عَنْهُمَا كانَ يَبِيتُ بِذِي طُوىً بَيْنَ
الثَّنْيَتَيْنِ ثُمَّ يَدْخُلُ مِنَ الثَّنْيَةِ الَّتِي
بِأعْلَى مَكَّةَ وكانَ إذَا قَدِمَ مَكَّةَ حاجّا أوْ
مُعْتَمرا لَمْ يُنِخْ ناقَتَهُ إلاَّ عِنْدَ بابِ
المَسْجِدِ ثُمَّ يَدْخُلُ فَيَأتِي الرُّكْنَ الأسْوَدَ
فَيَبْدأ بِهِ ثُمَّ يَطُوفْ سَبْعا ثَلَاثًا سعيا وأربَعا
مَشْيا ثُمَّ يَنْصَرِفُ فَيُصَلِّي سَجْدَتَيْنِ ثُمَّ
يَنْطَلِقُ قَبْلَ أنْ يَرْجِعَ إلَى مَنْزِلِهِ فَيَطُوفُ
بَيْنَ الصَّفَا والمَرْوَةِ وكانَ إذَا صَدَرَ عنِ
الحَجِّ أوِ العُمْرَةِ أناخَ بِالْبَطْحَاءِ الَّتِي
بِذِي الحُلَيْفَةِ الَّتِي كانَ النبيُّ صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم يُنِيخُ بِها.
(انْظُر الحَدِيث 194 وطرفه) .
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (كَانَ يبيت بِذِي طوى)
، وَفِي قَوْله: (وَكَانَ إِذا صدر عَن الْحَج) إِلَى
آخِره.
وَرِجَاله قد ذكرُوا غير مرّة، وَأَبُو ضَمرَة، بِفَتْح
الضَّاد الْمُعْجَمَة وَسُكُون الْمِيم، واسْمه أنس بن
عِيَاض اللَّيْثِيّ مَشْهُور باسمه وكنيته.
قَوْله: (بَين الثنيتين) ، وَهِي تَثْنِيَة ثنية وَهِي
طَرِيق الْعقبَة. قَوْله: (لم ينخ) ، بِضَم الْيَاء آخر
الْحُرُوف وَكسر النُّون: من أَنَاخَ ينيخ إِذا برك جمله،
وَالرَّاحِلَة النَّاقة الَّتِي تصلح لِأَن ترحل، وَقيل:
هِيَ الْمركب من الْإِبِل ذكرا كَانَ أَو أُنْثَى. قَوْله:
(بَاب الْمَسْجِد) أَي: الْمَسْجِد الْحَرَام. قَوْله:
(فَيَأْتِي الرُّكْن الْأسود) ، أَي الرُّكْن الَّذِي
فِيهِ الْحجر الْأسود. قَوْله: (سبعا) ، أَي: سبع مَرَّات.
قَوْله: (ثَلَاثًا) أَي: يطوف من السَّبع ثَلَاث مَرَّات،
قَوْله: (سعيا) أَي: ساعيا، نصب على الْحَال، وَيجوز أَن
يكون انتصابه على أَنه صفة لثلاثا. قَوْله: (وأربعا) أَي:
يطوف أَربع مَرَّات من السَّبع مشيا. وَيجوز فِيهِ
الْوَجْهَانِ الْمَذْكُورَان فِي: سعيا. قَوْله:
(سَجْدَتَيْنِ) أَي: رَكْعَتَيْنِ، من بَاب إِطْلَاق إسم
الْجُزْء على الْكل، وَفِي رِوَايَة الْكشميهني:
(رَكْعَتَيْنِ) ، على الأَصْل. قَوْله: (وَكَانَ إِذا صدر)
أَي: رَجَعَ مُتَوَجها نَحْو الْمَدِينَة. قَوْله: (بهَا)
أَي: بِذِي الحليفة، ثمَّ اعْلَم أَن النُّزُول بِذِي طوى
قبل أَن يدْخل مَكَّة وَالنُّزُول بالبطحاء الَّتِي بِذِي
الحليفة عِنْد رُجُوعه لَيْسَ بِشَيْء من مَنَاسِك الْحَج،
فَإِن شَاءَ فعله وَإِن شَاءَ تَركه.
8671 - حدَّثنا عَبْدُ الله بنُ عَبْدِ الوَهَّابِ قَالَ
حدَّثنا خالِدُ بنُ الحَارِثِ قَالَ سُئِلَ عُبَيْدُ الله
عنِ المُحَصَّبِ قَالَ فَحدثنا عُبَيْدُ الله عنْ نافِعٍ
قَالَ نَزَلَ بِها رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
وعُمَرُ وابنُ عُمَرَ. وعنْ نافِعٍ أنَّ ابنَ عُمَرَ رَضِي
الله تَعَالَى عَنْهُمَا كانَ يُصَلِّي بِها يَعْنِي
الْمُحَصَّبَ الظُّهْرَ والعَصْرَ أحْسِبُهُ قَالَ
والْمَغْرِبَ قَالَ خالِدٌ لاَ أشُكُّ فِي العِشَاءِ
ويَهْجَعُ هَجْعَةً ويَذْكُرُ ذالِكَ لِلنَّبِيِّ صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم.
لَا مُطَابقَة بني هَذَا الحَدِيث والترجمة إلاَّ من وَجه
يُؤْخَذ تَقْرِيبًا، وَهُوَ أَن بَين حَدِيثي الْبَاب
مُنَاسبَة من حَيْثُ إِن كلا مِنْهُمَا يتَضَمَّن أمرا غير
لَازم، وَذَلِكَ أَن الحَدِيث الأول فِيهِ النُّزُول بِذِي
طوى قبل الدُّخُول فِي مَكَّة، وبالبطحاء الَّتِي بِذِي
الحليفة إِذا رَجَعَ من مَكَّة وكل مِنْهُمَا غير لَازم،
وَلَا هما من مَنَاسِك الْحَج، وَكَذَلِكَ الحَدِيث
الثَّانِي فِيهِ النُّزُول بالمحصب، وَهُوَ أَيْضا غير
لَازم، وَلَا هُوَ من مَنَاسِك الْحَج، وَكَذَلِكَ فِي كل
مِنْهُمَا، يرويهِ نَافِع عَن فعل ابْن عمر، فبهذين
الاعتبارين تحققت الْمُنَاسبَة بَين الْحَدِيثين،
والْحَدِيث الأول مُطَابق للتَّرْجَمَة، وَالثَّانِي
مُطَابق للْأولِ، ومطابق المطابق لشَيْء مُطَابق لذَلِك
الشَّيْء. فَافْهَم فَإِنَّهُ دَقِيق.
ذكر رِجَاله: وهم خَمْسَة: الأول: عبد الله بن عبد
الْوَهَّاب أَبُو مُحَمَّد الحَجبي، مَاتَ سنة ثَمَان
وَعشْرين وَمِائَتَيْنِ. الثَّانِي: خَالِد بن الْحَارِث
أَبُو عُثْمَان الهُجَيْمِي. الثَّالِث: عبيد الله بن عمر
بن حَفْص بن عَاصِم بن عمر بن الْخطاب. الرَّابِع: نَافِع
مولى ابْن عمر. الْخَامِس: عبد الله بن عمر.
ذكر لطائف إِسْنَاده: فِيهِ: التحديث بِصِيغَة الْجمع فِي
ثَلَاثَة مَوَاضِع. وَفِيه: العنعنة فِي مَوضِع وَاحِد.
وَفِيه: أَن شَيْخه من أَفْرَاده وَأَنه وخَالِد بصريان
وَعبيد الله وَنَافِع مدنيان.
قَوْله: (نزل بهَا) ، أَي: بالمحصب، وَهَذَا من مرسلات
نَافِع، وَعَن عمر مُنْقَطع وَعَن ابْن عمر مَوْصُول،
وَيحْتَمل أَن يكون نَافِع سمع ذَلِك من ابْن عمر، فَيكون
الْجَمِيع مَوْصُولا. قَوْله: (أَحْسبهُ) ، أَي: أَظن
يَعْنِي الشَّك إِنَّمَا هُوَ فِي الْمغرب لَا فِي
الْعشَاء. قَوْله: (وَعَن نَافِع) غير مُعَلّق لِأَنَّهُ
مَعْطُوف على الْإِسْنَاد الَّذِي قبله. قَوْله:
(10/102)
(يهجع) ، أَي: ينَام من الهجوع، وَهُوَ
النّوم. قَوْله: (وَيذكر ذَلِك) ، أَي: يذكر ابْن عمر
التحصيب عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَالدَّلِيل
عَلَيْهِ مَا رَوَاهُ مُسلم عَن مُحَمَّد بن حَاتِم عَن
روح عَن صَخْر بن جوَيْرِية عَن نَافِع أَن ابْن عمر كَانَ
يرى التحصيب سنة، وَكَانَ يُصَلِّي الظّهْر يَوْم النَّفر
بالحصبة، قَالَ: قد حصب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم وَالْخُلَفَاء بعده. وَالله أعلم.
941 - (بابُ مَنْ نَزَلَ بِذِي طُوىً إذَا رَجَعَ مِنْ
مَكَّةَ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان مَشْرُوعِيَّة نزُول من نزل
بِذِي طوى إِذا رَجَعَ من مَكَّة مُتَوَجها إِلَى مقْصده،
وَأما النُّزُول بِذِي طوى للداخل مَكَّة فقد مر بَيَانه
فِي: بَاب الِاغْتِسَال عِنْد الدُّخُول فِي مَكَّة،
وَفِي: بَاب دُخُول مَكَّة لَيْلًا أَو نَهَارا، وَقد وَقع
سَهْو عَن الدَّاودِيّ حَيْثُ جعل ذَا طوى هُوَ المحصب،
وَظن أَن الْمبيت مُتحد فيهمَا.
9671 - وقالَ محَمَّدُ بنُ عِيسَى قَالَ حدَّثنا حَمَّادٌ
عنْ أيُّوبَ عنْ نَافِعٍ عنِ ابنِ عُمَرَ رَضِي الله
تَعَالَى عَنْهُمَا أنَّهُ كانَ إذَا أقْبَلَ باتَ بِذِي
طُوىً حَتَّى إذَا أصْبَحَ دَخَلَ وإذَا نَفَرَ مَرَّ
بِذِي طُوَىً وباتَ بِها حَتَّى يُصْبِحَ وكانَ يَذْكُرُ
أنَّ النَّبِيَّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كانَ يَفْعَلُ
ذَلِكَ.
(انْظُر الحَدِيث 194 وطرفه) .
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (وَإِذا نفر مر بِذِي
طوى) إِلَى آخِره.
وَرِجَاله خَمْسَة: الأول: مُحَمَّد بن عِيسَى بن الطباع
أَبُو جَعْفَر أَخُو إِسْحَاق الْبَصْرِيّ، سكن الشَّام
وَمَات فِي سنة ثَمَان وَعشْرين وَمِائَتَيْنِ، وَهُوَ من
أَفْرَاد البُخَارِيّ، وروى عَنهُ فِي الرِّدَّة.
الثَّانِي: حَمَّاد، وَاخْتلف فِيهِ فَجزم
الْإِسْمَاعِيلِيّ أَنه حَمَّاد بن سَلمَة، وَجزم الْمزي
أَنه حَمَّاد بن يزِيد الثَّالِث أَيُّوب السّخْتِيَانِيّ.
الرَّابِع: نَافِع. الْخَامِس: عبد الله بن عمر، وَقد مضى
طرف من هَذَا الحَدِيث فِي: بَاب الِاغْتِسَال لدُخُول
مَكَّة.
قَوْله: (وَإِذا نفر مر بِذِي طوى) وَفِي رِوَايَة
الْكشميهني، (وَإِذا نفر مر من ذِي طوى) إِلَى آخِره،
قَالَ ابْن بطال: وَلَيْسَ هَذَا أَيْضا من مَنَاسِك
الْحَج.
051 - (بابُ التِّجَارَةِ أيَّامَ الْمَوْسِمِ والْبَيْعِ
فِي أسْوَاقِ الجَاهِلِيَّةِ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان جَوَاز التِّجَارَة فِي
أَيَّام الْمَوْسِم، بِفَتْح الْمِيم وَسُكُون الْوَاو
وَكسر السِّين، وَقَالَ الْأَزْهَرِي: سمي موسم الْحَج
موسما لِأَنَّهُ معلم يجْتَمع إِلَيْهِ النَّاس، وَهُوَ
مُشْتَقّ من السِّمة، وَهِي الْعَلامَة. قَوْله:
(وَالْبيع) ، بِالْجَرِّ عطف على التِّجَارَة أَي: وَفِي
بَيَان مَشْرُوعِيَّة البيع أَيْضا فِي أسواق
الْجَاهِلِيَّة، وأسواق الْجَاهِلِيَّة أَرْبَعَة، وَهِي:
عكاظ، وَذُو الْمجَاز، ومجنة وحباشة.
وَأما عكاظ فَهُوَ، بِضَم الْعين الْمُهْملَة وَتَخْفِيف
الْكَاف وَبعد الْألف ظاء مُعْجمَة، قَالَ الرشاطي: هِيَ
صحراء مستوية لَا علم فِيهَا وَلَا جبل، إلاَّ مَا كَانَ
من الأنصاب الَّتِي كَانَت بهَا فِي الْجَاهِلِيَّة،
وَبهَا من دِمَاء الْبدن كالأرحاء الْعِظَام، وَقَالَ
مُحَمَّد بن حبيب: عكاظ بِأَعْلَى نجد، قريب من عَرَفَات،
وَقَالَ غَيره: عكاظ وَرَاء قرن الْمنَازل بمرحلة من
طَرِيق صنعاء، وَهِي من عمل الطَّائِف، وعَلى بريد مِنْهَا
وأرضها لبني نصر، واتخذت سوقا بعد الْفِيل بِخمْس عشرَة
سنة، وَتركت عَام خرجت الحرورية بِمَكَّة مَعَ الْمُخْتَار
بن عَوْف سنة تسع وَعشْرين وَمِائَة إِلَى هَلُمَّ جرا.
وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَة: عكاظ فِيمَا بَين نَخْلَة
والطائف إِلَى مَوضِع يُقَال لَهُ: الفتق، بِضَم الْفَاء
وَالتَّاء الْمُثَنَّاة وبالقاف، وَبِه أَمْوَال ونخل
لثقيف، بَينه وَبَين الطَّائِف عشرَة أَمْيَال، فَكَانَ
سوق عكاظ يقوم صبح هِلَال ذِي الْقعدَة عشْرين يَوْمًا.
وعكاظ مُشْتَقّ من قَوْلك: عكظت الرجل عكظا إِذا قهرته
بحجتك، لأَنهم كَانُوا يتفاخرون هُنَاكَ بالفخر وَكَانَت
بعكاظ وقائع مرّة بعد مرّة، وبعكاظ رأى رَسُول الله صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم قس بن سَاعِدَة، وَحفظ كَلَامه
وَكَانَ يتَّصل بعكاظ بلد تسمى: ركبة، بهَا عين تسمى: عين
خليص، وَكَانَ ينزلها من الصَّحَابَة: قدامَة بن عمار
الْكلابِي، ولقيط بن ضَمرَة الْعقيلِيّ، وَمَالك بن
نَضْلَة الحبشي.
وَأما ذُو الْمجَاز: فقد ذكر ابْن إِسْحَاق: أَنَّهَا
كَانَت بِنَاحِيَة عَرَفَة إِلَى جَانبهَا، وَعَن ابْن
الْكَلْبِيّ أَنه كَانَ لهذيل على فَرسَخ من عَرَفَة،
وَقَالَ الرشاطي: كَانَ ذُو الْمجَاز سوقا من أسواق
الْعَرَب، وَهُوَ عَن يَمِين الْموقف بِعَرَفَة قَرِيبا من
كبكب، وَهُوَ سوق مَتْرُوك. وَقَالَ الْكرْمَانِي: ذُو
الْمجَاز بِلَفْظ ضد الْحَقِيقَة مَوضِع بمنى كَانَ بِهِ
سوق فِي الْجَاهِلِيَّة، وَهَذَا غير صَحِيح، لِأَن
الطَّبَرِيّ روى
(10/103)
عَن مُجَاهِد أَنهم كَانُوا لَا يبيعون
وَلَا يبتاعون فِي الْجَاهِلِيَّة بِعَرَفَة وَلَا منى.
وَأما مجنة، فَهِيَ: بِفَتْح الْمِيم وَالْجِيم وَتَشْديد
النُّون، وَهِي على أَمْيَال: مسيرَة من مَكَّة بِنَاحِيَة
مر الظهْرَان، وَيُقَال: هِيَ على بريد من مَكَّة، وَهِي
لكنانة وبأرضها، وشامة وطفيل جبلان مشرفان عَلَيْهَا، سميت
بهَا لبساتين تتصل بهَا، وَهِي الْجنان، وَيحْتَمل أَن
يكون من مجن يمجن، سميت بذلك لِأَن ضربا من المجون كَانَ
بهَا.
وَأما حُبَاشَة: فَهِيَ بِضَم الْحَاء الْمُهْملَة
وَتَخْفِيف الْبَاء الْمُوَحدَة وَبعد الْألف شين
مُعْجمَة، وَكَانَت بِأَرْض بارق نَحْو قنونا، بِفَتْح
الْقَاف وَضم النُّون المخففة وَبعد الْوَاو الساكنة نون
أُخْرَى، مَقْصُورَة من مَكَّة إِلَى جِهَة الْيمن على
سِتّ مراحل، وَلم يذكر هَذَا فِي الحَدِيث لِأَنَّهُ لم
يكن من مواسم الْحَج، وَإِنَّمَا كَانَ يُقَام فِي شهر
رَجَب. وَقَالَ الرشاطي: هِيَ أكبر أسواق تهَامَة. كَانَ
يقوم ثَمَانِيَة أَيَّام فِي السّنة. قَالَ حَكِيم بن
حزَام، وَقد رَأَيْت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
يحضرها واشتريت مِنْهُ فِيهَا بزا من بز تهَامَة، وَقَالَ
الفاكهي: وَلم تزل هَذِه الْأَسْوَاق قَائِمَة فِي
الْإِسْلَام إِلَى أَن كَانَ أول من ترك مِنْهَا سوق عكاظ
فِي زمن الْخَوَارِج سنة تسع وَعشْرين وَمِائَة، وَآخر مَا
ترك مِنْهَا سوق حُبَاشَة فِي زمن دَاوُد بن عِيسَى بن
مُوسَى العباسي فِي سنة سبع وَتِسْعين وَمِائَة، وروى
الزبير بن بكار فِي (كتاب النّسَب) من طَرِيق حَكِيم بن
حزَام أَنَّهَا، أَي: سوق عكاظ، كَانَت تُقَام صبح هِلَال
ذِي الْقعدَة إِلَى أَن يمْضِي عشرُون يَوْمًا، قَالَ:
ثمَّ يقوم سوق مجنة عشرَة أَيَّام إِلَى هِلَال ذِي
الْحجَّة، ثمَّ يقوم سوق ذُو الْمجَاز ثَمَانِيَة أَيَّام
ثمَّ يتوجهون إِلَى منى لِلْحَجِّ، وَفِي حَدِيث أبي
الزبير (عَن جَابر أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
لبث عشر سِنِين يتبع النَّاس فِي مَنَازِلهمْ فِي
الْمَوْسِم بمجنة وعكاظ يبلغ رسالات ربه) الحَدِيث. أخرجه
أَحْمد وَغَيره.
0771 - حدَّثنا عُثْمَانُ بنُ الهَيْثَمِ أخبرنَا ابنُ
جُرَيْجٍ قَالَ عَمْرُو بنُ دِينَارٍ قَالَ ابنُ عَبَّاسٍ
رَضِيَ الله عَنْهُمَا كانَ ذُو المَجَازِ وعُكاظٌ
مَتْجَرَ الناسِ فِي الجَاهِلِيَّةِ فَلَمَّا جاءَ
الإسْلاَمُ كأنَّهُمْ كَرِهُوا ذالِكَ حَتَّى نَزَلَتْ
{لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أنُ تَبْتَغُوا فَضْلاً مِنْ
رَبِّكُمْ} فِي مَوَاسِمِ الحَجِّ. (الْبَقَرَة: 891) ..
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة، وَعُثْمَان بن الْهَيْثَم،
بِفَتْح الْهَاء وَسُكُون الْيَاء آخر الْحُرُوف وَفتح
الثَّاء الْمُثَلَّثَة: أَبُو عَمْرو الْمُؤَذّن
الْبَصْرِيّ، مَاتَ سنة عشْرين وَمِائَتَيْنِ. وَهُوَ من
أَفْرَاد البُخَارِيّ، وَابْن جريج هُوَ عبد الْملك بن عبد
الْعَزِيز الْمَكِّيّ.
والْحَدِيث أخرجه البُخَارِيّ أَيْضا فِي الْبيُوع عَن عبد
الله بن مُحَمَّد وَعلي بن عبد الله، وَفِي التَّفْسِير
عَن مُحَمَّد، ثَلَاثَتهمْ عَن سُفْيَان عَنهُ بِهِ.
قَوْله: (متجر النَّاس) ، بِفَتْح الْمِيم أَي: مَكَان
تِجَارَتهمْ، وَفِي رِوَايَة ابْن عُيَيْنَة: أسواقا فِي
الْجَاهِلِيَّة. قَوْله: (كَأَنَّهُمْ) أَي: كَانَ
الْمُسلمين. قَوْله: (كَرهُوا ذَلِك) ، وَفِي رِوَايَة
ابْن عُيَيْنَة: (فكأنهم تأثموا) . أَي: خشبوا الْوُقُوع
فِي الْإِثْم للاشتغال فِي أَيَّام النّسك بِغَيْر
الْعِبَادَة. قَوْله: (حَتَّى نزلت {لَيْسَ عَلَيْكُم
جنَاح} ) (الْبَقَرَة: 891) . وروى أَبُو دَاوُد وَغَيره
من حَدِيث يزِيد بن أبي زِيَاد عَن مُجَاهِد عَن ابْن
عَبَّاس، قَالُوا: كَانُوا يَتَّقُونَ الْبيُوع
وَالتِّجَارَة فِي الْمَوْسِم وَالْحج، يَقُولُونَ:
أَيَّام ذكر، فَأنْزل الله تَعَالَى: {لَيْسَ عَلَيْكُم
جنَاح أَن تَبْتَغُوا فضلا من ربكُم} (الْبَقَرَة: 891) .
وَقَالَ ابْن جرير: حَدثنِي يَعْقُوب بن إِبْرَاهِيم،
حَدثنَا هَيْثَم أخبرنَا حجاج عَن عَطاء عَن ابْن عَبَّاس
أَنه قَالَ: {لَيْسَ عَلَيْكُم جنَاح أَن تَبْتَغُوا فضلا
من ربكُم} (الْبَقَرَة: 891) . فِي مواسم الْحَج، وَقَالَ
عَليّ بن أبي طَلْحَة عَن ابْن عَبَّاس فِي هَذِه الْآيَة:
لَا حرج عَلَيْكُم فِي الشِّرَاء وَالْبيع قبل الْإِحْرَام
وَبعده، وَهَكَذَا روى الْعَوْفِيّ عَن ابْن عَبَّاس.
قَوْله: (فِي مواسم الْحَج) هَذِه قِرَاءَة ابْن عَبَّاس،
قَالَ وَكِيع: حَدثنَا طَلْحَة بن عَمْرو الْحَضْرَمِيّ
عَن عَطاء عَن ابْن عَبَّاس أَنه كَانَ يقْرَأ {لَيْسَ
عَلَيْكُم جنَاح أَن تَبْتَغُوا فضلا من ربكُم}
(الْبَقَرَة: 891) . فِي مواسم الْحَج وَرَوَاهُ عبد بن
حميد عَن مُحَمَّد بن الْفضل عَن حَمَّاد بن زيد عَن عبد
الله ابْن أبي زيد: سَمِعت ابْن الزبير يقْرَأ، فَذكر مثله
سَوَاء، وَهَكَذَا فَسرهَا مُجَاهِد وَسَعِيد بن جُبَير
وَعِكْرِمَة وَمَنْصُور بن الْمُعْتَمِر وَقَتَادَة
وَإِبْرَاهِيم النَّخعِيّ وَالربيع بن أنس وَغَيرهم.
وَقَالَ الْكرْمَانِي: قَوْله: (فِي مواسم الْحَج) كَلَام
الرَّاوِي ذكره تَفْسِيرا لِلْآيَةِ الْكَرِيمَة، وَقَالَ
بَعضهم: فَاتَهُ مَا زَاده المُصَنّف فِي آخر حَدِيث ابْن
عُيَيْنَة فِي الْبيُوع. قَرَأَهَا ابْن عَبَّاس وَرَوَاهُ
ابْن أبي عمر فِي (مُسْنده) عَن ابْن عُيَيْنَة. وَقَالَ
فِي آخِره: وَكَذَلِكَ كَانَ ابْن عَبَّاس يقْرؤهَا.
انْتهى. قلت: نعم، ذهل الْكرْمَانِي عَن هَذَا، وَلَكِن
قَوْله ذكره تَفْسِيرا لِلْآيَةِ الْكَرِيمَة لَهُ وَجه،
لِأَن مُجَاهدًا وَمن ذَكَرْنَاهُمْ مَعَه فسروها هَكَذَا
فجعلوها تَفْسِيرا وَلم يجعلوها قِرَاءَة، وَمَعَ هَذَا
على تَقْدِير كَونهَا قِرَاءَة فَهِيَ من الْقِرَاءَة
الشاذة وَحكمهَا عِنْد الْأَئِمَّة حكم التَّفْسِير.
وَقَالَ أَحْمد: حَدثنَا أَسْبَاط
(10/104)
أخبرنَا الْحسن بن عَمْرو الْفُقيْمِي (عَن
أبي أُمَامَة التَّيْمِيّ، قَالَ: قلت لِابْنِ عمر: إِنَّا
نكرِي، فَهَل لنا من حج؟ قَالَ أَلَيْسَ تطوفون
بِالْبَيْتِ فَتَأْتُونَ الْمُعَرّف وترمون الْجمار
وتحلقون رؤوسكم؟ . قَالَ: قُلْنَا: بلَى. فَقَالَ ابْن
عمر: جَاءَ رجل إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
فَسَأَلَهُ عَن الَّذِي سَأَلتنِي عَنهُ فَلم يجبهُ حَتَّى
نزل جِبْرِيل، عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام، بِهَذِهِ
الْآيَة: {لَيْسَ عَلَيْكُم جنَاح أَن تَبْتَغُوا فضلا من
ربكُم} (الْبَقَرَة: الْآيَة: 891) . فَدَعَاهُ النَّبِي
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ: أَنْتُم حجاج) .
151 - (بابُ الإدْلاجِ مِنَ الْمُحَصَّبِ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان جَوَاز الإدلاج من المحصب،
وأصل الإدلاج الإدتلاج، فقلبت التَّاء دَالا وأدغمت
الدَّال فِي الدَّال، فَصَارَ: الإدلاج، بتَشْديد الدَّال،
وَهُوَ السّير فِي آخر اللَّيْل. وَأما الإدلاج بِسُكُون
الدَّال فَهُوَ السّير فِي أول اللَّيْل، وَهَكَذَا وَقع
فِي رِوَايَة أبي ذَر، وَالصَّوَاب التَّشْدِيد لِأَن
المُرَاد هُنَا هُوَ السّير فِي آخر اللَّيْل، لِأَن
الْمَقْصُود هُوَ الرحيل من مَكَان الْمبيت بالمحصب سحرًا،
وَقد ذكرنَا أَن المحصب هُوَ الأبطح، وَيُسمى الْبَطْحَاء
أَيْضا.
1771 - حدَّثنا عُمَرُ بنُ حَفْصٍ قَالَ حدَّثنا أبي قَالَ
حَدثنَا الأعْمَشُ قَالَ حدَّثني إبْرَاهِيمُ عَنِ
الأسْوَدِ عنْ عَائِشَةَ رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا
قالَتْ حاضَتْ صَفِيَّةُ لَيْلَةَ النَّفْرِ فقالَتْ مَا
أُرَانِي إلاَّ حابِسَتُكُمْ قَالَ النبيُّ صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم عَقْرَى حَلْقَى أطَافَتْ يَوْمَ النَّحْرِ
قِيلَ نَعَمْ قَالَ فانْفِرِي..
لما كَانَت الْقِصَّة فِي حَدِيث حَفْص بن غياث وَحَدِيث
محَاضِر متحدة، وَكَانَ حَدِيث محَاضِر مطابقا
للتَّرْجَمَة فِي قَوْله (فلقيناه مدلجاً) بتَشْديد
الدَّال أَي سَائِر من آخر اللَّيْل صَار حَدِيث حَفْص
أَيْضا مطابقاً للتَّرْجَمَة.
من هَذِه الْحَيْثِيَّة وَإِن لم يكن فِيهِ مُطَابقَة
صَرِيحًا.
وَرِجَاله سِتَّة: الأول: عمر بن حَفْص أَبُو حَفْص
النَّخعِيّ. الثَّانِي: أَبوهُ حَفْص بن غياث بن طلق بن
مُعَاوِيَة. الثَّالِث: سُلَيْمَان الْأَعْمَش. الرَّابِع:
إِبْرَاهِيم النَّخعِيّ. الْخَامِس: الْأسود بن يزِيد.
السَّادِس: أم الْمُؤمنِينَ عَائِشَة، رَضِي الله تَعَالَى
عَنْهَا.
وَهَؤُلَاء كلهم إِلَّا عَائِشَة كوفيون. وَفِيه: ثَلَاثَة
من التَّابِعين. وَفِيه: رِوَايَة الابْن عَن الاب
وَرِوَايَة الرَّاوِي عَن خَاله، وَهُوَ إِبْرَاهِيم.
والْحَدِيث أخرجه مُسلم فِي الْحَج أَيْضا عَن يحيى بن
يحيى، وَأبي بكر بن أبي شيبَة وَأبي كريب ثَلَاثَتهمْ عَن
أبي مُعَاوِيَة. وَأخرجه النَّسَائِيّ فِيهِ عَن
سُلَيْمَان بن عبيد الله الغيلاني، وَأخرجه ابْن مَاجَه
فِيهِ عَن أبي بكر بن أبي شيبَة وَعلي بن مُحَمَّد.
قَوْله: (حَاضَت صَفِيَّة) هِيَ بنت حييّ زوج النَّبِي صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم مَعْنَاهُ أَن صَفِيَّة حَاضَت قبل
طواف الْوَدَاع، فَلَمَّا أَرَادَ النَّبِي صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم الِانْصِرَاف إِلَى الْمَدِينَة، (قَالَت:
مَا أَرَانِي) أَي: مَا أَظن نَفسِي إلاَّ حابستكم لانتظار
طهري وطوافي للوداع، فَإِنِّي لم أطف للوداع، وَقد حِضْت
فَلَا يمكنني الطّواف الْآن، وظنت أَن طواف الْوَدَاع لَا
يسْقط عَن الْحَائِض، فَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم: أما كنت طفتِ طواف الْإِفَاضَة يَوْم النَّحْر؟
قَالَت، بلَى. قَالَ: يَكْفِيك ذَلِك، لِأَنَّهُ هُوَ
الطّواف الَّذِي هُوَ ركن لَا بُد لكل أحد مِنْهُ. وَأما
طواف الْوَدَاع فَلَا يجب على الْحَائِض، وَتَفْسِير: عقرى
حلقى، قد مر غير مرّة. قَوْله: (أطافت؟) الْهمزَة فِيهِ
للاستفهام على سَبِيل الاستخبار. قَوْله: (فانفري) أَي:
إرحلي.
2771 - قَالَ أبُو عَبْدِ الله وزَادَنِي مُحَمَّدٌ قَالَ
حدَّثنا محاضِرٌ قَالَ حَدثنَا الأعْمَشُ عنْ إبْرَاهِيمَ
عنِ الأسْوَدِ عَن عائِشَةَ رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا
قالَتْ خَرَجْنَا مَعَ رسولِ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
لَا نَذْكُرُ إلاَّ الحَجَّ فَلَمَّا قَدِمْنا أمرَنَا أَن
نَحِلَّ فَلَمَّا كانَتُ لَيْلَةُ النَّفْرِ حاضَتْ
صَفِيَّةُ بِنْتُ حُيَيٍّ فقالَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم حَلْقَى عَقْرَى مَا أُرَاهَا إلاَّ حابِسَتِكُمْ
ثُمَّ قَالَ كُنْتِ طُفْتِ يَوْمَ النَّحْرِ قالَتْ نَعَمْ
قَالَ فانْفِرِي قُلْتُ يَا رَسُولَ الله إنِّي لَمْ أكُنْ
حَلَلْتُ قَالَ فاعْتَمِرِي مِنَ التَّنْعِيمِ فخَرَجَ
معَهَا أخُوهَا فلَقِيناهُ مُدِّلجا فَقَالَ مَوْعِدُكِ
مَكانَ كذَا وكذَا.
.
(10/105)
وَقد ذكرنَا وَجه الْمُطَابقَة
للتَّرْجَمَة. قَوْله: (قَالَ أَبُو عبد الله) هُوَ
البُخَارِيّ نَفسه. قَوْله: (وَزَادَنِي مُحَمَّد) أَي:
فِي الحَدِيث الْمَذْكُور، وَقد اخْتلف فِي مُحَمَّد
هَذَا، فَزعم الجياني أَن مُحَمَّدًا هَذَا هُوَ الذهلي،
وَاقْتصر عَلَيْهِ الْمزي فِي تهذيبه) فَقَالَ: يُقَال:
الذهلي وَوَقع فِي رِوَايَة أبي عَليّ بن السكن: مُحَمَّد
بن سَلام. ومحاضر، بِضَم الْمِيم على وزن اسْم الْفَاعِل
من المحاضرة من الْحُضُور ضد الْغَيْبَة: ابْن
الْمُوَرِّع، بِضَم الْمِيم وَفتح الْوَاو وَكسر الرَّاء
الْمُشَدّدَة وَفِي آخِره عين مُهْملَة: الْهَمدَانِي
اليامي، مَاتَ سنة سِتّ وَمِائَتَيْنِ، اسْتشْهد بِهِ
البُخَارِيّ، وَأخرج لَهُ مُسلم فَرد حَدِيث (من يدعوني
فأستجيب لَهُ؟) الحَدِيث، وَهُوَ صَدُوق مُغفل، قَالَ
أَحْمد: كَانَ مغفلاً جدا. وَقيل: لم يخرج البُخَارِيّ
عَنهُ إلاَّ تَعْلِيقا، لَكِن ظَاهر هَذَا الْموضع
الْوَصْل.
قَوْله: (مَا أَرَاهَا) أَي: مَا أرى صَفِيَّة إلاَّ
حابستكم عَن النَّفر. قَوْله: (كنت طفت؟) أَصله: أَكنت طفت
بالاستفهام عَن طوافها يَوْم النَّحْر. قَوْله: (فاعتمري)
أَي: قَالَ لَهَا النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم:
فاعتمري، وَإِنَّمَا أمرهَا بالاعتمار لتطييب قَلبهَا حِين
أَرَادَت أَن تكون لَهَا عمْرَة مُنْفَرِدَة مُسْتَقلَّة
كَمَا لسَائِر أُمَّهَات الْمُؤمنِينَ، وَإِنَّمَا خص
التَّنْعِيم بِالذكر مَعَ أَن جَمِيع جِهَات الْحل سَوَاء
فِيهِ وَالْإِحْرَام من التَّنْعِيم غير وَاجِب أما
لِأَنَّهُ كَانَ أسهل عَلَيْهَا، وَأما لغَرَض آخر.
وَقَالَ القَاضِي عِيَاض بِوُجُوب الْإِحْرَام مِنْهُ،
قَالَ: وَهُوَ مِيقَات الْمُعْتَمِر من مَكَّة. قَوْله:
(فَخرج مَعهَا أَخُوهَا) ، أَي: فَخرج مَعَ عَائِشَة خوها
عبد الرَّحْمَن بن أبي بكر، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُم،
قَوْله: (فلقيناه) أَي: لَقينَا النَّبِي صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم، قَائِل هَذَا هُوَ عَائِشَة أَرَادَت
أَنَّهَا وأخاها لقيا النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
مدلجا أَي: حَال كَونه مدلجا، أَي سائرا من آخر اللَّيْل
فَإِنَّهُمَا لما رجعا إِلَى الْمنزل بعد أَن قَضَت
عَائِشَة الْعمرَة صادفا النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
مُتَوَجها إِلَى طواف الْوَدَاع، وَقد ذكرنَا أَن مدلجا
بتَشْديد الدَّال وَهُوَ السّير من آخر اللَّيْل، وَأما
الإدلاج بِسُكُون الدَّال فَهُوَ السّير من أول اللَّيْل،
وَقد ذَكرْنَاهُ عَن قريب. قَوْله: (فَقَالَ موعدك) أَي:
قَالَ النَّبِي لعَائِشَة: موعدك، وَأَرَادَ بِهِ مَوضِع
الْمنزلَة. وَقَالَ الْكرْمَانِي: فَإِن قلت: الْموعد هُوَ
مَوضِع تكلم بِهَذَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
ووعدها الِاجْتِمَاع لمَكَان كَذَا وَكَذَا، فَإِنَّهُ
مَكَان وَفَاء الْعَهْد. قلت: الْموعد مصدر ميمي بِمَعْنى
الْمَوْعُود وَالْمَكَان مُقَدرا، والوعد الَّذِي فِي ضمن
اسْم الْمَكَان هُوَ بِمَعْنى الْمَوْعُود. انْتهى. قلت:
فِيهِ تعسف لَا يخفى، وَالْحَاصِل أَنه صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم لما لقيهمَا قَالَ لعَائِشَة: مَوضِع الْمنزلَة
كَذَا وَكَذَا، يَعْنِي تكون الملاقاة هُنَاكَ حَتَّى إِذا
عَاد النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من طَوَافه للوداع
يجْتَمع بهَا هُنَاكَ للرحيل، وَالله تَعَالَى أعلم.
بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم
62 - (أبوابُ العُمْرَةِ)
1 - (وجوبُ العُمْرَةِ وفَضْلُهَا)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان أَحْكَام الْعمرَة، وَلَيْسَت
الْبَسْمَلَة مَذْكُورَة فِي رِوَايَة أبي ذَر، وَإِنَّمَا
التَّرْجَمَة هَكَذَا فِي رِوَايَته عَن الْمُسْتَمْلِي:
أَبْوَاب الْعمرَة، بَاب وجوب الْعمرَة وفضلها، وَعند
الْمُسْتَمْلِي فِي رِوَايَته غير أبي ذَر سقط. قَوْله:
(أَبْوَاب الْعمرَة) وَفِي كتاب أبي نعيم فِي
الْمُسْتَخْرج) : كتاب الْعمرَة، وَفِي رِوَايَة
الْأصيلِيّ وكريمة، بَاب الْعمرَة وفضلها، فَقَط أَي هَذَا
بَاب فِي بَيَان الْعمرَة وَفِي بَيَان فَضلهَا.
وَالْعمْرَة فِي اللُّغَة: الزِّيَارَة، يُقَال اعْتَمر
فَهُوَ مُعْتَمر أَي زار وَقصد، وَقيل: إِنَّهَا
مُشْتَقَّة من عمَارَة الْمَسْجِد الْحَرَام، وَفِي
الشَّرْع الْعمرَة: زِيَارَة الْبَيْت الْحَرَام بِشُرُوط
مَخْصُوصَة، ذكرت فِي كتب الْفِقْه.
وَقَالَ ابنُ عُمَرَ رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا لَيْسَ
أحَدٌ إلاَّ وعَلَيْهِ حَجَّةٌ وعُمْرَةٌ
لما كَانَت التَّرْجَمَة مُشْتَمِلَة على بَيَان وجوب
الْعمرَة وَبَيَان فَضلهَا قدم بَيَان وُجُوبهَا أَولا،
وَاسْتدلَّ عَلَيْهِ بِهَذَا التَّعْلِيق الَّذِي ذكره عَن
عبد الله بن عمر، وَوَصله ابْن أبي شيبَة عَن أبي خَالِد
الْأَحْمَر عَن ابْن جريج عَن نَافِع: أَن ابْن عمر كَانَ
يَقُول: (لَيْسَ من خلق الله تَعَالَى أحد إلاَّ وَعَلِيهِ
حجَّة وَعمرَة واجبتان) ، وَرَوَاهُ ابْن خُزَيْمَة
وَالدَّارَقُطْنِيّ وَالْحَاكِم من طَرِيق ابْن جريج عَن
نَافِع عَنهُ مثله بِزِيَادَة: (من اسْتَطَاعَ إِلَى ذَلِك
سَبِيلا، فَمن زَاد على هَذَا فَهُوَ تطوع وَخير) .
وَقَالَ سعيد بن أبي
(10/106)
عرُوبَة فِي (الْمَنَاسِك) عَن أَيُّوب عَن
نَافِع عَن ابْن عمر قَالَ: الْحَج وَالْعمْرَة فريضتان.
وَقَالَ بَعضهم: وَجزم المُصَنّف بِوُجُوب الْعمرَة،
وَهُوَ متابع فِي ذَلِك للمشهور عَن الشَّافِعِي وَأحمد
وَغَيرهمَا من أهل الْأَثر. قلت: قَالَ التِّرْمِذِيّ:
قَالَ الشَّافِعِي: الْعمرَة سنَّة لَا نعلم أحدا رخص فِي
تَركهَا، لَيْسَ فِيهَا شَيْء ثَابت بِأَنَّهَا تطوع.
وَقَالَ شَيخنَا زين الدّين: مَا حَكَاهُ التِّرْمِذِيّ
عَن الشَّافِعِي لَا يُرِيد بِهِ أَنَّهَا لَيست بواجبة،
بِدَلِيل قَوْله: لَا نعلم أحدا رخص فِي تَركهَا، لِأَن
السنَّة الَّتِي يُرِيد بهَا خلاف الْوَاجِب يرخص فِي
تَركهَا قطعا، والسنَّة تطلق وَيُرَاد بهَا الطَّرِيقَة،
وَغير سنة الرَّسُول صلى الله عَلَيْهِ وَسلم انْتهى. قلت:
كَأَن شَيخنَا حمل قَول الشَّافِعِي: الْعمرَة سنة، على
معنى أَنَّهَا سنّة لَا يجوز تَركهَا بِدَلِيل قَوْله:
(لَيْسَ فِيهَا شَيْء ثَابت بِأَنَّهَا تطوع، وَذَلِكَ
لِأَنَّهُ إِذا لم يثبت أَنَّهَا تطوع يكون معنى قَوْله:
إنَّها سنَّة أَي: سنة وَاجِبَة لَا يرخض فِي تَركهَا،
وَالَّذِي أَشَارَ إِلَيْهِ الشَّافِعِي أَنه لَيْسَ
بِثَابِت هُوَ مُرْسل أبي صَالح الْحَنَفِيّ، فقد روى
الرّبيع عَن الشَّافِعِي أَن سعيد بن سَالم القداح قد
احْتج بِأَن سُفْيَان الثَّوْريّ أخبرهُ عَن يَعْقُوب بن
إِسْحَاق عَن أبي صَالح الْحَنَفِيّ أَن رَسُول الله صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: (الْحَج جِهَاد وَالْعمْرَة
تطوع) ، قلت: هَذَا مُنْقَطع، فصح قَوْله أَنه لَيْسَ
بِثَابِت.
وَقَالَ ابنُ عَبَّاسٍ رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا
إنَّها لَقَرِينَتُها فِي كِتَابِ الله {وأتِمُّوا الحَجَّ
والْعُمْرَةَ لله} (الْبَقَرَة: 691) .
أَي: قَالَ عبد الله بن عَبَّاس: (إِن الْعمرَة لقَرِينَة
الْحجَّة فِي كتاب الله تَعَالَى) يَعْنِي: مذكورتان مَعًا
فِي قَوْله تَعَالَى: {وَأَتمُّوا الْحَج وَالْعمْرَة}
(الْبَقَرَة: 691) . وَقد أَمر الله تَعَالَى بإتمامهما،
وَالْأَمر للْوُجُوب، وَوصل هَذَا التَّعْلِيق الشَّافِعِي
فِي مُسْنده) عَن ابْن عُيَيْنَة عَن عَمْرو بن دِينَار:
سَمِعت طاووسا يَقُول: سَمِعت ابْن عَبَّاس، رَضِي الله
تَعَالَى عَنهُ، يَقُول: وَالله إِنَّهَا لقرينتها فِي
كتاب الله: {وَأَتمُّوا الْحَج وَالْعمْرَة لله}
(الْبَقَرَة: 691) . وَقَالَ المانعون للواجوب: ظَاهر
السِّيَاق إِكْمَال أفعالها بعد الشُّرُوع فيهمَا،
وَلِهَذَا قَالَ بعده: {فَأن أحصرتم} (الْبَقَرَة: 691) .
أَي: صددتم عَن الْوُصُول إِلَى الْبَيْت، ومنعتم من
أتمامهما، وَلِهَذَا اتّفق الْعلمَاء على أَن الشُّرُوع
فِي الْحَج وَالْعمْرَة مُلْزم، سَوَاء قيل بِوُجُوب
الْعمرَة أَو باستحبابها، وَقَالَ شُعْبَة عَن عَمْرو بن
مرّة عَن عبد الله بن أبي سَلمَة عَن عَليّ، رَضِي الله
تَعَالَى عَنهُ، أَنه قَالَ فِي هَذِه الْآيَة:
{وَأَتمُّوا الْحَج وَالْعمْرَة لله} (الْبَقَرَة: 691) .
قَالَ: أَن تحرم من دويرة أهلك، وَكَذَا قَالَ ابْن
عَبَّاس وَسَعِيد بن جُبَير وطاووس عَن سُفْيَان
الثَّوْريّ، أَنه قَالَ: تمامهما أَن تحرم من أهلك لَا
تُرِيدُ إلاَّ الْحَج وَالْعمْرَة، وتهل من الْمِيقَات،
لَيْسَ أَن تخرج لتِجَارَة وَلَا لحَاجَة حَتَّى إِذا كنت
قَرِيبا من مَكَّة. قلت: لَو احتججت أَو اعْتَمَرت،
وَذَلِكَ يجزىء، وَلَكِن التَّمام أَن تخرج لَهُ وَلَا
تخرج لغيره. وَقَرَأَ الشّعبِيّ: {وَأَتمُّوا الْحَج
وَالْعمْرَة لله} (الْبَقَرَة: 691) . بِرَفْع الْعمرَة،
قَالَ: وَلَيْسَت بواجبة.
وَمِمَّنْ قَالَ بفرضية الْعمرَة من الصَّحَابَة: عمر بن
الْخطاب وَابْنه عبد الله بن عمر وَعبد الله بن مَسْعُود
وَجَابِر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، وَمن التَّابِعين
وَغَيرهم: عَطاء وطاووس وَمُجاهد وَعلي بن الْحُسَيْن
وَسَعِيد بن جُبَير وَالْحسن وَابْن سِيرِين وَعبد الله بن
شَدَّاد وَابْن الحبيب وَابْن الجهم، وَاحْتج هَؤُلَاءِ
أَيْضا بِأَحَادِيث أُخْرَى. مِنْهَا: مَا رَوَاهُ
الدَّارَقُطْنِيّ من رِوَايَة إِسْمَاعِيل بن مُسلم عَن
مُحَمَّد بن سِيرِين عَن زيد بن ثَابت، رَضِي الله
تَعَالَى عَنهُ، قَالَ: قَالَ رَسُول الله، صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم: (إِن الْحَج وَالْعمْرَة فريضتان لَا
يَضرك بِأَيِّهِمَا بدأت) . قلت: الصَّحِيح أَنه مَوْقُوف،
رَوَاهُ هِشَام بن حسان عَن ابْن سِيرِين عَن زيد.
وَمِنْهَا: مَا رَوَاهُ ابْن مَاجَه من رِوَايَة حبيب بن
أبي عمْرَة عَن عَائِشَة بنت طَلْحَة (عَن عَائِشَة، رَضِي
الله تَعَالَى عَنْهَا، قَالَت: قلت: يَا رَسُول الله {على
النِّسَاء جِهَاد؟ قَالَ: نعم} عَلَيْهِنَّ جِهَاد لَا
قتال فِيهِ الْحَج وَالْعمْرَة) . قلت: أخرجه البُخَارِيّ
وَلم يذكر فِيهِ الْعمرَة. وَمِنْهَا: مَا رَوَاهُ ابْن
عدي فِي (الْكَامِل) من رِوَايَة قُتَيْبَة عَن ابْن
لَهِيعَة عَن عَطاء (عَن جَابر: أَن رَسُول الله صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: الْحَج وَالْعمْرَة فريضتان
واجبتان) . قلت: قَالَ ابْن عدي: هُوَ عَن ابْن لَهِيعَة
عَن عَطاء غير مَحْفُوظ، وَأخرجه الْبَيْهَقِيّ، وَقَالَ
ابْن لَهِيعَة: غير مُحْتَج بِهِ. وَمِنْهَا: مَا رَوَاهُ
التِّرْمِذِيّ من حَدِيث عَمْرو بن أَوْس (عَن أبي رزين
الْعقيلِيّ: أَنه أَتَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
فَقَالَ: يَا رَسُول الله! إِن أبي شيخ كَبِير لَا
يَسْتَطِيع الْحَج وَالْعمْرَة، وَلَا الظعن، قَالَ: حج
عَن أَبِيك وَاعْتمر) . وَقَالَ: هَذَا حَدِيث حسن صَحِيح،
وَأَبُو رزين اسْمه: لَقِيط بن عَامر قلت: أمره بِأَن
يعْتَمر عَن غَيره. وَمِنْهَا: مَا رَوَاهُ
الدَّارَقُطْنِيّ من رِوَايَة يُونُس بن مُحَمَّد عَن
مُعْتَمر بن سُلَيْمَان عَن أَبِيه عَن يحيى بن يعمر عَن
ابْن عمر (عَن عمر بن الْخطاب، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ،
قَالَ: بَينا نَحن جُلُوس عِنْد رَسُول الله صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم فِي أنَاس، إِذْ جَاءَ رجل لَيْسَ عَلَيْهِ
سحناء سفر) فَذكر الحَدِيث، وَفِيه: (فَقَالَ: يَا
مُحَمَّد
(10/107)
مَا الأسلام؟ فَقَالَ) الْإِسْلَام أَن
تشهد أَن لَا إلاهَ إلاَّ الله وَأَن مُحَمَّدًا رَسُول
الله، وتقيم الصَّلَاة وتؤتي الزَّكَاة وتحج وتعتمر) .
وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيّ: هَذَا إِسْنَاد ثَابت أخرجه
مُسلم بِهَذَا الْإِسْنَاد، وَقَالَ ابْن الْقطَّان:
زِيَادَة صَحِيحَة، وَأخرجه أَبُو عوَانَة فِي (صَحِيحه)
والجوزقي وَالْحَاكِم أَيْضا قلت: المُرَاد بِإِخْرَاج
مُسلم لَهُ أَنه أخرج الْإِسْنَاد هَكَذَا، وَلم يسق لفظ
هَذِه الرِّوَايَة، وَإِنَّمَا أحَال بِهِ على الطّرق
الْمُتَقَدّمَة إِلَى يحيى بن يعمر بقوله كنحو حَدِيثهمْ،
وَذكر أَبُو عَمْرو عَن الشَّافِعِي وَأحمد فِي رِوَايَة:
أَن الْعمرَة لَيست بواجبة وروى ذَلِك عَن ابْن مَسْعُود،
وَبِه قَالَ أَبُو حنيفَة وَأَصْحَابه وَمَالك وَعنهُ
أَنَّهَا سنة. قلت: قَالَ أَصْحَابنَا: الْعمرَة سنة
وَيَنْبَغِي أَن يَأْتِي بهَا عقيب الْفَرَاغ من أَفعَال
الْحَج، وَاحْتَجُّوا بِمَا رَوَاهُ التِّرْمِذِيّ من
حَدِيث جَابر (أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
سُئِلَ عَن الْعمرَة أَوَاجِبَة هِيَ قَالَ: لَا، وَإِن
تَعْتَمِرُوا هُوَ أفضل) . وَقَالَ: هَذَا حَدِيث حسن
صَحِيح. فَإِن قلت: قَالَ الْمُنْذِرِيّ: وَفِي تَصْحِيحه
لَهُ نظر، فَإِن فِي سَنَده الْحجَّاج بن أَرْطَاة وَلم
يحْتَج بِهِ الشَّيْخَانِ فِي (صَحِيحَيْهِمَا) . وَقَالَ
ابْن حبَان: تَركه ابْن الْمُبَارك وَيحيى الْقطَّان
وَابْن معِين وَأحمد، وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيّ: لَا
يحْتَج بِهِ، وَإِنَّمَا روى هَذَا الحَدِيث مَوْقُوفا على
جَابر، وَقَالَ الْبَيْهَقِيّ: وَرَفعه ضَعِيف. قلت: قَالَ
الشَّيْخ تَقِيّ الدّين بن دَقِيق الْعِيد فِي كتاب
(الإِمَام) : وَهَذَا الحكم بالتصحيح فِي رِوَايَة
الْكَرْخِي لكتاب التِّرْمِذِيّ، وَفِي رِوَايَة غَيره:
حسن لَا غير، وَقَالَ شَيخنَا زين الدّين، رَحمَه الله:
لَعَلَّ التِّرْمِذِيّ إِنَّمَا حكم عَلَيْهِ بِالصِّحَّةِ
لمجيئه من وَجه آخر، فقد رَوَاهُ يحيى بن أَيُّوب عَن عبد
الله ابْن عمر عَن أبي الزبير، (عَن جَابر، قلت: يَا
رَسُول الله {الْعمرَة فَرِيضَة كَالْحَجِّ؟ قَالَ: لَا،
وَإِن تعتمر خير لَك) . ذكره صَاحب (الإِمَام) ، وَقَالَ:
اعْترض عَلَيْهِ بِضعْف عبد الله بن عمر الْعمريّ. قلت:
رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ من رِوَايَة يحيى بن أَيُّوب عَن
عبيد الله بن الْمُغيرَة عَن أبي الزبير (عَن جَابر،
قَالَ: قلت: يَا رَسُول الله} الْعمرَة وَاجِبَة فريضتها
كفريضة الْحَج؟ قَالَ: لَا، وَإِن تعتمر خير لَك) .
وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ من رِوَايَة يحيى بن أَيُّوب عَن
عبيد الله غير مَنْسُوب عَن أبي الزبير، ثمَّ قَالَ:
وَهُوَ عبيد الله بن الْمُغيرَة، تفرد بِهِ عَن أبي
الزبير، وَوهم الباغندي فِي قَوْله: عبيد الله بن عمر،
وروى ابْن مَاجَه من حَدِيث طَلْحَة بن عبيد الله أَنه سمع
رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول: (الْحَج
جِهَاد وَالْعمْرَة تطوع) ، وروى عبد الْبَاقِي بن قَانِع
من حَدِيث أبي هُرَيْرَة عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم نَحوه، وَكَذَا روى عَن ابْن عَبَّاس عَن النَّبِي
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم نَحوه. ثمَّ إعلم أَن الشَّافِعِي
ذهب إِلَى اسْتِحْبَاب تكْرَار الْعمرَة فِي السّنة
الْوَاحِدَة مرَارًا، وَقَالَ مَالك وَأَصْحَابه: يكره أَن
يعْتَمر فِي السّنة الْوَاحِدَة أَكثر من عمْرَة وَاحِدَة،
وَقَالَ ابْن قدامَة: قَالَ آخَرُونَ: لَا يعْتَمر فِي شهر
أَكثر من عمْرَة وَاحِدَة، وَعند أبي حنيفَة: تكره
الْعمرَة فِي خَمْسَة أَيَّام: يَوْم عَرَفَة، والنحر،
وَأَيَّام التَّشْرِيق. وَقَالَ أَبُو يُوسُف: تكره فِي
أَرْبَعَة أَيَّام عَرَفَة، والتشريق.
3771 - حدَّثنا عَبْدُ الله بنُ يُوسُفَ أخبرنَا مالِكٌ
عنُ سُمَيٍّ مَوْلَى أبِي بَكْرِ بنِ عَبْدِ الرَّحْمان
عنْ أبي صالِحِ السَّمَّانِ عنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِي
الله تَعَالَى عَنهُ أنَّ رسولَ الله صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم قَالَ الْعُمْرَةُ إلَى العُمْرَةِ كَفَّارَةٌ لِمَا
بَيْنَهُمَا والحَجُّ المَبْرُورُ لَيْسَ لَهُ جَزَاءٌ
إلاَّ الجَنَّةُ.
قد ذكرنَا أَن التَّرْجَمَة مُشْتَمِلَة على وجوب الْعمرَة
وفضلها، وَذكر مَا يدل على وُجُوبهَا، وهما الأثران
الْمَذْكُورَان عَن ابْن عمر وَابْن عَبَّاس، رَضِي الله
تَعَالَى عَنْهُم، ثمَّ ذكر هُنَا عَن أبي هُرَيْرَة مَا
يدل على فَضلهَا، وَقد بوب التِّرْمِذِيّ بَابا فِي فضل
الْعمرَة، فَقَالَ: بَاب مَا جَاءَ فِي فضل الْعمرَة، ثمَّ
روى حَدِيث أبي هُرَيْرَة الْمَذْكُور عَن أبي كريب عَن
وَكِيع عَن سُفْيَان عَن سمي إِلَى آخِره، نَحْو رِوَايَة
البُخَارِيّ، وَأخرجه مُسلم أَيْضا كَرِوَايَة
التِّرْمِذِيّ، وَأخرجه أَيْضا النَّسَائِيّ من رِوَايَة
سُفْيَان بن عُيَيْنَة عَن سمي، وَمن رِوَايَة سُهَيْل بن
أبي صَالح عَن سمي، وَأخرجه مُسلم أَيْضا من رِوَايَة عبيد
الله بن عمر عَن سمي، وَهُوَ مَشْهُور من حَدِيث سمي،
وَهُوَ بِضَم السِّين الْمُهْملَة وَفتح الْمِيم وَتَشْديد
الْيَاء، وَقد مر فِي الصَّلَاة.
وَأَبُو صَالح السمان هُوَ ذكْوَان الزيات، وَقد تكَرر
ذكره. قَوْله: (الْعمرَة إِلَى الْعمرَة كَفَّارَة لما
بَينهمَا) ، أَي: من الذُّنُوب دون الْكَبَائِر كَمَا فِي
قَوْله: (الْجُمُعَة إِلَى الْجُمُعَة كَفَّارَة لما
بَينهمَا) . وَقَالَ ابْن التِّين: يحْتَمل أَن تكون إِلَى
بِمَعْنى: مَعَ، كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى: {إِلَى
أَمْوَالكُم} (النِّسَاء: 2) . و {من أَنْصَارِي إِلَى
الله} (آل عمرَان: 25، الصَّفّ: 41) . فَإِن قلت: الَّذِي
يكفر مَا بَين العمرتين: الْعمرَة الأولى أَو الْعمرَة
الثَّانِيَة؟ قلت: ظَاهر الحَدِيث أَن الْعمرَة الأولى
هِيَ المكفرة، لِأَنَّهَا هِيَ الَّتِي
(10/108)
وَقع الْخَبَر عَنْهَا أَنَّهَا تكفر،
وَلَكِن الظَّاهِر من حَيْثُ الْمَعْنى أَن الْعمرَة
الثَّانِيَة هِيَ الَّتِي تكفر مَا قبلهَا إِلَى الْعمرَة
الَّتِي قبلهَا، فَإِن التَّكْفِير قبل وُقُوع الذَّنب
خلاف الظَّاهِر. قَوْله: (وَالْحج المبرور) ، المبرور من:
بره إِذا أحسن إِلَيْهِ ثمَّ قيل: بر الله عمله، إِذا قبله
كَأَنَّهُ أحسن إِلَى عمله بِأَن قبله وَلم يردهُ.
وَاخْتلفُوا فِي المُرَاد بِالْحَجِّ المبرور، فَقيل: هُوَ
الَّذِي لَا يخالطه شَيْء من مأثم، وَقيل: هُوَ المتقبل،
وَقيل: هُوَ الَّذِي لَا رِيَاء فِيهِ وَلَا سمعة وَلَا
رفث وَلَا فسوق، وَقيل: الَّذِي لم يتعقبه مَعْصِيّة، وَقد
ورد تَفْسِير الْحَج المبرور بِغَيْر هَذِه الْأَقْوَال،
وَهُوَ مَا روى مُحَمَّد بن الْمُنْكَدر عَن جَابر عَن
النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (قَالَ: الْحَج المبرور
لَيْسَ لَهُ جَزَاء إلاَّ الْجنَّة، فَقيل: يَا رَسُول
الله! مَا بر الْحَج؟ قَالَ: إفشاء السَّلَام وإطعام
الطَّعَام) . وَفِي رِوَايَة فِيهِ بدل (إفشاء السَّلَام:
وَطيب الْكَلَام) ، وَفِي رِوَايَة: (ولين الْكَلَام)
وَهُوَ فِي (مُسْند) أَحْمد. قَوْله: (لَيْسَ لَهُ جَزَاء
إِلَّا الْجنَّة) أَي: لَا يقصر لصَاحبه من الْجَزَاء على
تَكْفِير بعض ذنُوبه، بل لَا بُد أَن يدْخل الْجنَّة،
وَقد ورد فِي ثَوَاب الْحَج وَالْعمْرَة أَحَادِيث:
مِنْهَا: مَا رَوَاهُ التِّرْمِذِيّ من حَدِيث شَقِيق عَن
عبد الله، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، قَالَ: قَالَ رَسُول
الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (تابعوا بَين الْحَج
وَالْعمْرَة فَإِنَّهُمَا ينفيان الْفقر والذنُوب كَمَا
يَنْفِي الْكِير خبث الْحَدِيد وَالذَّهَب وَالْفِضَّة،
وَلَيْسَ للحجة المبرورة ثَوَاب إلاَّ الْجنَّة) .
وَرَوَاهُ النَّسَائِيّ أَيْضا، وَلما رَوَاهُ
التِّرْمِذِيّ قَالَ: حَدِيث ابْن مَسْعُود حَدِيث حسن
صَحِيح غَرِيب من حَدِيث عبد الله بن مَسْعُود، وَقَالَ:
وَفِي الْبَاب عَن عمر وعامر بن ربيعَة وَأبي هُرَيْرَة
وَعبد الله بن حُبَيْش وَأم سَلمَة وَجَابِر، رَضِي الله
تَعَالَى عَنْهُم. قلت: حَدِيث عمر رَوَاهُ ابْن مَاجَه
عَنهُ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (تابعوا بَين
الْحَج وَالْعمْرَة فَإِن الْمُتَابَعَة بَينهمَا تَنْفِي
الْفقر والذنُوب كَمَا يَنْفِي الْكِير خبث الْحَدِيد) .
وَحَدِيث عَامر بن ربيعَة رَوَاهُ أَحْمد فِي (مُسْنده) من
حَدِيث عبد الله بن عَامر بن ربيعَة عَن أَبِيه، قَالَ:
قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (تابعوا) ،
فَذكره. وَحَدِيث أبي هُرَيْرَة أخرجه الْجَمَاعَة خلا
أَبَا دَاوُد من طرق عَن مَنْصُور. وَحَدِيث عبد الله بن
حُبَيْش الْخَثْعَمِي رَوَاهُ أَحْمد وَالنَّسَائِيّ من
رِوَايَة عَليّ الْأَزْدِيّ عَن عبيد بن عُمَيْر (عَن عبد
الله بن حُبَيْش الْخَثْعَمِي أَن النَّبِي صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم سُئِلَ: أَي الْأَعْمَال أفضل؟ قَالَ:
إِيمَان لَا شكّ فِيهِ، وَجِهَاد لَا غلُول فِيهِ، وَحجَّة
مبرورة) . وَذكر الحَدِيث، وَأَصله عِنْد أبي دَاوُد
رَحمَه الله. وَحَدِيث أم سَلمَة رَوَاهُ الْحَارِث بن أبي
أُسَامَة فِي (مُسْنده) : حَدثنَا يزِيد بن هَارُون
حَدثنَا قَاسم بن الْفضل عَن أبي جَعْفَر عَن أم سَلمَة
قَالَت: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم:
(الْحَج جِهَاد كل ضَعِيف) ، وَأَبُو جَعْفَر هُوَ الباقر،
اسْمه مُحَمَّد بن عَليّ بن الْحُسَيْن، وَلم يسمع من أم
سَلمَة. وَحَدِيث جَابر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ،
رَوَاهُ ابْن عدي فِي (الْكَامِل) من حَدِيث مُحَمَّد بن
الْمُنْكَدر عَن جَابر مَرْفُوعا: (تابعوا بَين الْحَج
وَالْعمْرَة) .
2 - (بابُ مَنِ اعْتَمَرَ قَبْلَ الحَجِّ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان حكم من اعْتَمر قبل أَن يحجّ،
هَل يجْزِيه أم لَا؟
4771 - حدَّثنا أحْمَدُ بنُ مُحَمَّدٍ قَالَ أخبرنَا
عَبْدُ الله قَالَ أخبرنَا ابنُ جُرَيْجٍ أنَّ عِكْرَمَةَ
بنَ خالِدٍ سألَ ابنَ عُمَرَ رَضِي الله تَعَالَى
عَنْهُمَا عنِ الْعُمْرَةِ قَبْلَ الحَجِّ فَقَالَ لاَ
بأسَ.
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة.
وَرِجَاله خَمْسَة: الأول: أَحْمد بن مُحَمَّد بن ثَابت
عَن عُثْمَان بن مَسْعُود بن يزِيد أَبُو الْحسن
الْخُزَاعِيّ الْمروزِي الْمَعْرُوف بِابْن شبويه، قَالَ
الدَّارَقُطْنِيّ: روى عَنهُ البُخَارِيّ، مَاتَ سنة تسع
وَعشْرين وَمِائَتَيْنِ بطرسوس، قَالَه الْحَافِظ
الدمياطي، وَقَالَ الْحَاكِم: هَذَا أَحْمد بن مُحَمَّد
هُوَ ابْن مرْدَوَيْه. قلت: هُوَ أَحْمد بن مُوسَى أَبُو
الْعَبَّاس، يُقَال لَهُ مرْدَوَيْه السمسار الْمروزِي،
وَذكره ابْن أبي خَيْثَمَة فِيمَن قدم بَغْدَاد، وَمَات
فِي سنة خمس وَثَلَاثِينَ وَمِائَتَيْنِ، وروى عَنهُ أَبُو
دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ أَيْضا. الثَّانِي:
عبد الله بن الْمُبَارك الْمروزِي. الثَّالِث: عبد الْملك
بن عبد الْعَزِيز بن جريج الْمَكِّيّ. الرَّابِع:
عِكْرِمَة بن خَالِد بن الْعَاصِ بن هِشَام بن الْمُغيرَة
بن عبد الله بن عمر بن مَخْزُوم، مَاتَ سنة أَربع عشرَة
وَمِائَة. الْخَامِس: عبد الله بن عمر، رَضِي الله
تَعَالَى عَنْهُمَا.
وَأخرجه البُخَارِيّ أَيْضا عَن عَمْرو بن عَليّ عَن أبي
عَاصِم عَن ابْن جريج.
(10/109)
وَأخرجه أَبُو دَاوُد فِي الْحَج أَيْضا عَن عُثْمَان بن
أبي شيبَة عَن مخلد بن يزِيد وَيحيى بن زَكَرِيَّا بن أبي
زَائِدَة، كِلَاهُمَا عَن ابْن جريج.
قَوْله: (أَن عِكْرِمَة بن خَالِد سَأَلَ ابْن عمر) ، قيل:
هَذَا السِّيَاق يَقْتَضِي أَن هَذَا الْإِسْنَاد مُرْسل،
لِأَن ابْن جريج لم يدْرك زمَان سُؤال عِكْرِمَة لِابْنِ
عمر. انْتهى. قلت: عدم إِدْرَاك ابْن جريج سُؤال عِكْرِمَة
عَن ابْن عمر لَا يسْتَلْزم نفي سَماع ابْن جريج عَن
عِكْرِمَة هَذَا. قَوْله: (لَا بَأْس) ، يَعْنِي: لَيْسَ
عَلَيْهِ شَيْء إِذا اعْتَمر قبل أَن يحجّ، وَفِي رِوَايَة
أَحْمد وَابْن خُزَيْمَة: لَا بَأْس على أحد أَن يعْتَمر
قبل أَن يحجّ.
قَالَ عِكْرِمَةُ قَالَ ابنُ عُمَرَ اعْتَمَرَ النبيُّ صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم قَبْلَ أنْ يَحُّجَّ
عِكْرِمَة هُوَ ابْن خَالِد الْمَذْكُور، وَهُوَ مُتَّصِل
بِالْإِسْنَادِ الْمَذْكُور.
وَقَالَ إبرَاهِيمُ بنُ سَعْدٍ عنِ ابنِ إسْحَاقَ قَالَ
حدَّثني عِكْرِمَةُ ابنُ خالِدٍ قَالَ سألْتُ ابنَ عُمَرَ
مُثْلَهُ
إِبْرَاهِيم بن سعد بن إِبْرَاهِيم بن عبد الرَّحْمَن بن
عَوْف أَبُو إِسْحَاق الزُّهْرِيّ الْقرشِي الْمدنِي،
كَانَ على قَضَاء بَغْدَاد، مَاتَ سنة ثَلَاث وَثَمَانِينَ
بِبَغْدَاد، وَهُوَ ابْن ثَلَاث وَسبعين سنة، وَابْن
إِسْحَاق هُوَ مُحَمَّد بن إِسْحَاق بن يسَار صَاحب
(الْمَغَازِي) ذكر هَذَا التَّعْلِيق عَن ابْن إِسْحَاق
الْمُصَرّح بالاتصال تَقْوِيَة لما قبلهَا، وَوصل هَذَا
التَّعْلِيق أَحْمد عَن يَعْقُوب بن إِبْرَاهِيم بن سعد
بِالْإِسْنَادِ الْمَذْكُور، وَلَفظه: (حَدثنِي عِكْرِمَة
بن خَالِد بن الْعَاصِ المَخْزُومِي، قَالَ: قدمت
الْمَدِينَة فِي نفر من أهل مَكَّة فَلَقِيت عبد الله بن
عمر، فَقلت: إِنَّا لم نحج قطّ، أفنعتمر من الْمَدِينَة؟
قَالَ: نعم، وَمَا يمنعكم من ذَلِك، فقد اعْتَمر رَسُول
الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عمْرَة كلهَا قبل حجه؟
قَالَ: فاعتمرنا) .
حدَّثنا عَمْرُو بنُ عَلِيٍّ قَالَ حدَّثنا أبُو عَاصِمٍ
قَالَ أخبرنَا ابنُ جُرَيْجٍ قَالَ عِكْرِمَةُ بنُ خالِدٍ
سألْتُ ابنَ عُمَرَ رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا
مِثْلَهُ.
عَمْرو بن عَليّ بن بَحر بن كَبِير أَبُو حَفْص
الْبَاهِلِيّ الْبَصْرِيّ الصَّيْرَفِي، وَأَبُو عَاصِم
الضَّحَّاك بن مخلد، بِفَتْح الْمِيم: الشَّيْبَانِيّ
أَبُو عَاصِم النَّبِيل الْبَصْرِيّ، وَفِي (التَّوْضِيح)
: وَهَذَا من ابْن عمر قد يدل أَن فرض الْحَج نزل قبل
اعتماره، إِذْ لَو اعْتَمر قبله مَا صَحَّ استدلاله على
مَا ذكره، وَيتَفَرَّع على ذَلِك فرض الْحَج: هَل هُوَ على
الْفَوْر أَو التَّرَاخِي؟ وَالَّذِي جنح إِلَيْهِ ابْن
عمر يدل على أَنه على التَّرَاخِي، وَهُوَ الَّذِي تعضده
الْأُصُول أَن فِي فرض الْحَج سَعَة وفسحة، وَلَو كَانَ
وقته مضيقا لوَجَبَ إِذا أَخّرهُ إِلَى سنة أُخْرَى أَن
يكون قَضَاء لَا أَدَاء، فَلَمَّا ثَبت أَن يكون أَدَاء
فِي أَي وَقت أَتَى بِهِ، علم أَنه لَيْسَ على الْفَوْر.
انْتهى. قلت: هَذَا أَخذه من كَلَام ابْن بطال، وَفِي
دَعْوَاهُ أَنه على التَّرَاخِي، بِمَا ذكره نظر لِأَنَّهُ
يلْزم من صِحَة تَقْدِيم أحد النُّسُكَيْنِ على الآخر نفي
الْفَوْرِيَّة، وَفِيه خلاف قد ذَكرْنَاهُ فِي أول الْحَج،
وَالله أعلم. |