عمدة القاري شرح صحيح البخاري

01 - (بابٌ يَفْعَلُ فِي العُمْرَةِ مَا يَفْعَلُ فِي الحَجِّ)

أَي: هَذَا بَاب يذكر فِيهِ أَنه يفعل فِي الْعمرَة من التروك مَا يفعل فِي الْحَج، أَو مَا يفعل فِي الْعمرَة بعض مَا يفعل فِي الْحَج لَا كلهَا، وَيفْعل، فِي الْمَوْضِعَيْنِ يجوز أَن يكون على صِيغَة الْمَعْلُوم، وَأَن يكون على صِيغَة الْمَجْهُول، وَهَذَا بِكَلِمَة: فِي الْعمرَة، وَفِي الْحَج، رِوَايَة المستميلي والكشميهني، وَفِي رِوَايَة غَيرهمَا، يفعل بِالْعُمْرَةِ مَا يفعل بِالْحَجِّ.

9871 - حدَّثنا أبُو نُعَيْمٍ قَالَ حدَّثنا هَمَّامٌ قَالَ حدَّثنا عَطاءٌ قَالَ حدَّثني صَفْوَانُ بنُ يَعْلَى ابنِ أميَّةَ يَعْنِي عَنْ أبِيهِ أنَّ رجُلاً أتَى النبيَّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وهُوَ بالجِعْرَانَةِ وعَلَيهِ جُبَّةٌ وعلَيْهِ أثَرُ الخَلُوقِ أوْ قَالَ صُفْرَةٌ فَقَالَ كَيْفَ تَأْمُرُنِي أنْ أصْنَعَ فِي عُمرَتِي فأنْزَلَ الله علَى النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَسُتِرَ بِثَوْبٍ وَوَدِدْتُ أنِّي قَدْ رَأيْتُ النبيَّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وقَدْ أُنْزِلَ علَيْهِ الوَحْيُ فَقَالَ عُمَرُ تَعالَ أيَسُرُّكَ أنْ تَنْظُرَ إِلَى النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وقَدْ أنْزَلَ الله علَيْهِ الوَحْيَ قُلْتُ نَعَمْ فرَفَعَ طَرَفَ الثَّوْبِ فنَظَرْتُ إلَيْهِ لَهُ غَطِيطٌ وأحْسِبُهُ قالَ كَغَطِيطِ البَكْرِ فلَمَّا سُرِّيَ عَنْهُ قالَ أيْنَ السَّائِلُ عَنِ العُمْرَةِ اخْلَعْ عنْكَ الجُبَّةَ واغْسِلْ أثَرَ الْخُلُوقِ عَنْكَ وأنْقَ الصُّفُرَةَ واصْنَعْ فِي عُمْرَتِكَ كَمَا تَصْنَعُ فِي حَجِّكَ..
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (واصنع فِي عمرتك كَمَا تصنع فِي حجك) . وَهَذَا الحَدِيث قد مر فِي أَوَائِل الْحَج فِي: بَاب غسل الخلوق، فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ: عَن أبي عَاصِم عَن ابْن جريج عَن عَطاء عَن صَفْوَان بن يعلى إِلَى آخِره، وَأخرجه هَهُنَا: عَن أبي نعيم الْفضل بن دُكَيْن عَن همام بن يحيى الْبَصْرِيّ عَن عَطاء بن أبي رَبَاح. . إِلَى آخِره.
قَوْله: (الخلوق) ، بِفَتْح الْخَاء الْمُعْجَمَة وَتَخْفِيف اللَّام المضمومة وبالقاف ضرب من الطّيب. قَوْله: صفرَة، بِالْجَرِّ عطف على الْمُضَاف إِلَيْهِ أَو الْمُضَاف. قَوْله: (فَأنْزل الله على النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم) ، وَهُوَ قَوْله تَعَالَى: {وَأَتمُّوا الْحَج وَالْعمْرَة لله} (الْبَقَرَة: 691) . على مَا روى الطَّبَرَانِيّ فِي (الْأَوْسَط) : أَن الْمنزل حِينَئِذٍ قَوْله تَعَالَى: {وَأَتمُّوا الْحَج وَالْعمْرَة لله} (الْبَقَرَة: 691) . وَجه الدّلَالَة على ذَلِك هُوَ أَن الله تَعَالَى أَمر بالإتمام، وَهُوَ يتَنَاوَل الهيئات وَالصِّفَات. قَوْله: (أَيَسُرُّك؟) بِهَمْزَة الِاسْتِفْهَام وَضم السِّين. قَوْله: (وَقد أنزل الله) ، فِي مَوضِع الْحَال. قَوْله: (لَهُ غطيط) ، بِفَتْح الْغَيْن الْمُعْجَمَة وَهُوَ: النخير وَالصَّوْت الَّذِي فِيهِ البحوحة. قَوْله: (وَأَحْسبهُ) أَي: وَأَظنهُ. قَوْله: (الْبكر) ، بِفَتْح الْبَاء الْمُوَحدَة وَهُوَ: الفتي من الْإِبِل، والبكرة الفتاة، والقلوص بِمَنْزِلَة الْجَارِيَة، وَالْبَعِير كالأنسان، والناقة كَالْمَرْأَةِ. قَوْله: (فَلَمَّا سُرِّي) بِكَسْر الرَّاء الْمُشَدّدَة والمخففة أَي: كشف، وانسرى:

(10/126)


أَي: انْكَشَفَ. قَوْله: (وأنقِ) أَمر من الأنقاء، وَهُوَ التَّطْهِير. وَفِي رِوَايَة الْمُسْتَمْلِي: (واتَّقِ) من الاتقاء، بِالتَّاءِ الْمُثَنَّاة الْمُشَدّدَة، وَهُوَ الحذر. ويروى: (ألقِ) ، من الْإِلْقَاء وَهُوَ الرَّمْي. قَوْله: (واصنع فِي عمرتك كَمَا تصنع فِي حجك) أَي: كصنعك فِي حجك من اجْتِنَاب الْمُحرمَات وَمن أَعمال الْحَج إلاَّ الْوُقُوف، فَلَا وقُوف فِيهَا وَلَا رمي، وأركانها أَرْبَعَة: الْإِحْرَام وَالطّواف وَالسَّعْي وَالْحلق أَو التَّقْصِير.

0971 - حدَّثنا عَبْدُ الله بنُ يُوسُفَ قَالَ أخبرنَا مالِكٌ عَن هِشامِ بنِ عُرْوَةَ عنْ أبِيهِ أنَّهُ قَالَ قُلْتُ لِ عائِشَةَ رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا زَوْجَ النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وأنَا يَوْمَئِذٍ حَدِيثُ السِّنِّ أرَأيْتِ قَوْلَ الله تبارَكَ وتَعَالى إنَّ الصَّفَا والمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ الله فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أوِ اعْتَمَرَ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِ أنْ يَطَّوَّفَ بِهِمَا فَلاَ أُرَى عَلَى أحَدٍ شَيْئا أنْ لاَ يَطَّوَّفَ بِهِمَا فَقالَتْ عائِشَةُ كَلاَّ لَوْ كانَتْ كَما تَقُولُ كانَتْ فَلاَ جُناحَ عَلَيْهِ أنْ لاَ يَطَّوَّفَ بِهِمَا إنَّمَا أُنْزِلَتْ هَذِهِ الآيَةُ فِي الأنْصَارِ كانُوا يُهِلُّونَ لِمَنَاةَ وكَانَتْ مَناةُ حَذْوَ قُدَيْدٍ وكانُوا يَتَحَرَّجُونَ أنْ يَطُوفُوا بَيْنَ الصَّفَا والمَرْوَةِ فَلَمَّا جَاءَ الإسْلامُ سَألُوا رسولَ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عنْ ذَلِكَ فأنْزَلَ الله تَعالى إنَّ الصَّفا والمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ الله فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أوِ اعْتَمَرَ فَلاَ جُناحَ عَلَيْهِ أنْ يَطَّوَّفَ بِهِمَا..
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي أَنه يصنع فِي حجه من السَّعْي بَين الصَّفَا والمروة، وَقد مر هَذَا الحَدِيث فِي: بَاب وجوب الصَّفَا والمروة، بأطول مِنْهُ فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ: عَن أبي الْيَمَان عَن شُعَيْب عَن الزُّهْرِيّ عَن عُرْوَة ... إِلَى آخِره، وَقد مرت مباحثه هُنَاكَ مستوفاة. قَوْله: (وَأَنا يَوْمئِذٍ حَدِيث السن) يُرِيد لم يكن لَهُ بعد فِقْهٌ وَلَا علم من سنَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مِمَّا يتَأَوَّل بِهِ نَص الْكتاب وَالسّنة. قَوْله: (كلاًّ) هِيَ كلمة ردع، أَي: لَيْسَ الْأَمر كَذَلِك. قَوْله: (كَمَا تَقول) أَي: عدم وجوب السَّعْي. قَوْله: (مَنَاة) ، بِفَتْح الْمِيم وَتَخْفِيف النُّون: اسْم صنم. قَوْله: (حَذْو قديد) ، أَي: محاذيه، و: قديد، بِضَم الْقَاف: مَوضِع بَين مَكَّة وَالْمَدينَة. قَوْله: (يتحرجون) ، يَعْنِي: يحترزون من الْإِثْم الَّذِي فِي الطّواف باعتقادهم، أَو يحترزونه لأجل الطّواف، أَو مَعْنَاهُ: يتكلفون الْحَرج فِي الطّواف ويرونه فِيهِ.
زَادَ سُفْيَانُ وَأبُو مُعَاوِيَةَ عنْ هِشَامٍ مَا أتَمَّ الله حَجَّ امْرِىءٍ ولاَ عُمْرَتَهُ مَا لَمْ يَطُفْ بَيْنَ الصَّفَا والمَرْوَةِ
أَي: زَاد سُفْيَان بن عُيَيْنَة وَأَبُو مُعَاوِيَة مُحَمَّد بن خازم، بِالْخَاءِ الْمُعْجَمَة وَالزَّاي: الضَّرِير عَن هِشَام بن عُرْوَة عَن أَبِيه عَن عَائِشَة: (مَا أتم الله حج امرىء. .) إِلَى آخِره. أما رِوَايَة سُفْيَان فوصلها الطَّبَرِيّ من طَرِيق وَكِيع عَنهُ عَن هِشَام، فَذكر الْوُقُوف فَقَط. وَأما رِوَايَة أبي مُعَاوِيَة فوصلها مُسلم، فَقَالَ: حَدثنَا يحيى بن يحيى قَالَ: أخبرنَا أَبُو مُعَاوِيَة عَن هِشَام بن عُرْوَة عَن أَبِيه (عَن عَائِشَة، قَالَ: قلت لَهَا: إِنِّي لأَظُن رجلا لم يطف بَين الصَّفَا والمروة، مَا ضره؟ قَالَت: لِمَ قلت؟ لِأَن الله تَعَالَى يَقُول: {إِن الصَّفَا والمروة من شَعَائِر الله فَمن حج الْبَيْت أَو اعْتَمر فَلَا جنَاح عَلَيْهِ} (الْبَقَرَة: 891) . إِلَى آخر الْآيَة، قَالَت: (مَا أتم الله حج امرىء وَلَا عمرته لم يطف بَين الصَّفَا والمروة) الحَدِيث بِطُولِهِ.

11 - (بابٌ مَتَى يَحِلُّ المُعْتَمِرُ)

أَي: هَذَا بَاب يذكر فِيهِ مَتى يخرج الْمُعْتَمِر من إِحْرَامه، وَقد أبهم الحكم لِأَن فِي حل الْمُعْتَمِر من عمرته خلافًا، فمذهب ابْن عَبَّاس أَنه يحل بِالطّوافِ، وَإِلَيْهِ ذهب إِسْحَاق بن رَاهَوَيْه، وَعند الْبَعْض: إِذْ دخل الْمُعْتَمِر الْحرم حل وَإِن لم يطف وَلم

(10/127)


يسع، وَله أَن يفعل كل مَا حرم على الْمحرم، وَيكون الطّواف وَالسَّعْي فِي حَقه كالرمي وَالْمَبِيت فِي حق الْحَاج، وَهَذَا مَذْهَب شَاذ. وَقَالَ ابْن بطال: لَا أعلم خلافًا بَين أَئِمَّة الْفَتْوَى: أَن الْمُعْتَمِر لَا يحل حَتَّى يطوف وَيسْعَى.
وَقَالَ عَطاءٌ عنْ جابِرٍ رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ أمَرَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أصْحَابَهُ أنْ يَجْعَلُوها عُمْرَةً ويَطُوفُوا ثُمَّ يُقَصِّرُوا ويحِلُّوا

مطابقته للتَّرْجَمَة من حَيْثُ إِنَّه فهم من قَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (إِن الْمُعْتَمِر لَا يحل حَتَّى يطوف وَيقصر) . فَإِن قلت: لم يذكر السَّعْي هُنَا؟ قلت: مُرَاده من قَوْله (ويطوفوا) أَي: بِالْبَيْتِ وَبَين الصَّفَا والمروة لِأَن جَابر أَجْزم بِأَن الْمُعْتَمِر لَا يحل لَهُ أَن يخرج امْرَأَته حَتَّى يطوف بَين الصَّفَا والمروة، فَعلم من هَذَا أَن المُرَاد من الطّواف فِي قَوْله: (ويطوفوا) أَعم من الطّواف بِالْبَيْتِ وَمن الطّواف بَين الصَّفَا والمروة، وَهَذَا التَّعْلِيق طرف من حَدِيث وَصله البُخَارِيّ فِي: بَاب عمْرَة التَّنْعِيم.

1971 - حدَّثنا إسْحَاقُ بنُ إبْرَاهِيمَ عنْ جَريرٍ عنْ إسْمَاعِيلَ عنْ عَبْدِ الله بنِ أبِي أوْفَى قَالَ اعْتَمَرَ رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم واعْتَمَرْنَا مَعَهُ فلَمَّا دخَلَ مَكَّةَ وطُفْنَا مَعَهُ وأتَى الصَّفَا والمَرْوَةَ وأتيْنَاها معَهُ وكُنَّا نَسْتُرُهُ من أهلِ مكَّةَ أنْ يَرْمِيَهُ أحَدٌ فَقَالَ لَهُ صاحِبٌ لِي أكانَ دَخَلَ الْكَعْبَةَ قَالَ لَا. قالَ فحَدِّثْنَا مَا قَالَ لِخَدِيحَةَ قَالَ بَشِّرُوا خَدِيجَةَ بِبَيْتٍ مِنَ الجَنَّةِ مِنْ قَصَبٍ لاَ صَخَبَ فِيهِ ولاَ نَصَبَ.
(الحَدِيث 2971 طرفه فِي: 9183) .
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة.
وَرِجَاله أَرْبَعَة الأول: إِسْحَاق بن إِبْرَاهِيم هُوَ ابْن رَاهَوَيْه. الثَّانِي: جرير بن عبد الحميد. الثَّالِث: إِسْمَاعِيل بن أبي خَالِد الأحمسي البَجلِيّ الْكُوفِي، وَاسم أبي خَالِد سعد، وَيُقَال: هُرْمُز، وَيُقَال: كثير، مَاتَ سنة أَربع أَو خمس أَو سِتّ وَأَرْبَعين وَمِائَة. الرَّابِع: عبد الله بن أبي أوفى، وَاسم أبي أوفى عَلْقَمَة، مَاتَ سنة سِتّ وَثَمَانِينَ، وَهُوَ أحد من روى عَنهُ أَبُو حنيفَة رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، وَلَا يلْتَفت إِلَى قَول الْمُنكر المتعصب.
ذكر تعدد مَوْضِعه وَمن أخرجه غَيره أخرجه البُخَارِيّ أَيْضا فِي الْحَج عَن مُسَدّد، وَفِي الْمَغَازِي عَن مُحَمَّد بن عبد الله ابْن نمير، وَعَن عَليّ بن عبد الله عَن سُفْيَان، وَأخرجه أَبُو دَاوُد فِيهِ عَن مُسَدّد وَعَن تَمِيم بن الْمُنْتَصر، وَأخرجه النَّسَائِيّ فِيهِ عَن عَمْرو بن عَليّ وَعَن إِبْرَاهِيم بن يَعْقُوب، وَأخرجه ابْن مَاجَه فِيهِ عَن ابْن نمير.
ذكر مَعْنَاهُ: قَوْله: (عَن جرير) ، وَقَالَ ابْن رَاهَوَيْه فِي (مُسْنده) : أخبرنَا جرير. قَوْله: (اعْتَمر رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم) أَي: عمْرَة الْقَضَاء. قَوْله: (وأتيناها) ، ويروى: (وأتيناهما) أَي: الصَّفَا والمروة، وَهَذَا هُوَ الأَصْل، وَوجه إِفْرَاد الضَّمِير على تَقْدِير: أَتَيْنَا بقْعَة الصَّفَا والمروة. قَوْله: (وأتى الصَّفَا والمروة) أَي: سعى بَينهمَا. قَوْله: (أَن يرميه أحد) أَي: مَخَافَة أَن يرميه أحد من الْمُشْركين. قَوْله: (قَالَ لَهُ صَاحب لي) أَي: قَالَ إِسْمَاعِيل الْمَذْكُور لعبد الله بن أبي أوفى، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ. قَوْله: (أَكَانَ) أَي: أَكَانَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (دخل الْكَعْبَة؟ قَالَ: لَا) أَي: لم يدْخل الْكَعْبَة فِي تِلْكَ الْعمرَة، وَلَيْسَ المُرَاد نفي دُخُوله مُطلقًا، لِأَنَّهُ ثَبت دُخُوله فِي غير هَذَا الْحَالة. قَوْله: (فحدثنا) بِلَفْظ الْأَمر. قَوْله: (لِخَدِيجَة) هِيَ: بنت خويلد زوج النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم. قَوْله: (بِبَيْت) قَالَ الْخطابِيّ: أَي بقصر. قَوْله: (من الْجنَّة) ، ويروى: (فِي الْجنَّة) . بِكَلِمَة: فِي. قَوْله: (لَا صخب) ، بِفَتْح الصَّاد الْمُهْملَة وَالْخَاء الْمُعْجَمَة وَالْبَاء الْمُوَحدَة: وَهُوَ الصياح (وَالنّصب) بالنُّون التَّعَب، وَمعنى نفي الصخب وَالنّصب أَنه مَا من بَيت فِي الدُّنْيَا يجْتَمع فِيهِ أَهله إلاَّ كَانَ بَينهم صخب وجلبة، وإلاَّ كَانَ فِي بنائِهِ وإصلاحه نصب وتعب، فَأخْبر أَن قُصُور أهل الْجنَّة بِخِلَاف ذَلِك لَيْسَ فِيهَا شَيْء من الْآفَات الَّتِي تعتري أهل الدُّنْيَا.
وَفِيه من الْفَوَائِد: أَن الْعمرَة لَا بُد فِيهَا من الطّواف وَالسَّعْي بَين الصَّفَا والمروة. وَفِيه: بَيَان فَضِيلَة خَدِيجَة، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا.
369 - (حَدثنَا الْحميدِي قَالَ حَدثنَا سُفْيَان عَن عَمْرو بن دِينَار قَالَ سَأَلنَا ابْن عمر رَضِي الله عَنْهُمَا عَن رجل طَاف بِالْبَيْتِ فِي عمْرَة وَلم يطف بَين الصَّفَا والمروة أَيَأتِي امْرَأَته فَقَالَ قدم النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -

(10/128)


فَطَافَ بِالْبَيْتِ سبعا وَصلى خلف الْمقَام رَكْعَتَيْنِ وَطَاف بَين الصَّفَا والمروة سبعا وَقد كَانَ لكم فِي رَسُول الله أُسْوَة حَسَنَة قَالَ وَسَأَلنَا جَابر بن عبد الله رَضِي الله عَنْهُمَا فَقَالَ لَا يقربنها حَتَّى يطوف بَين الصَّفَا والمروة) مطابقته للتَّرْجَمَة من حَيْثُ أَن الْمُعْتَمِر لَا يحل حَتَّى يطوف بَين الصَّفَا والمروة سبعا بَعْدَمَا طَاف بِالْبَيْتِ سبعا كَمَا يخبر بِهِ حَدِيث ابْن عمر وَجَابِر رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُم والْحَدِيث مر فِي كتاب الصَّلَاة فِي بَاب قَول الله عز وَجل {وَاتَّخذُوا من مقَام إِبْرَاهِيم مصلى} فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ بِعَين هَذَا الْإِسْنَاد وبعين هَذَا الْمَتْن من غير زِيَادَة وَهَذَا نَادِر جدا والْحميدِي بِضَم الْحَاء وَفتح الْمِيم هُوَ عبد الله بن الزبير نِسْبَة إِلَى أحد أجداده حميد وسُفْيَان هُوَ ابْن عُيَيْنَة وَقد مر الْكَلَام فِيهِ مُسْتَوفى هُنَاكَ قَوْله " فِي عمْرَة " وَفِي رِوَايَة أبي ذَر " فِي عمرته " قَوْله " أَيَأتِي امْرَأَته " الْهمزَة فِيهِ للاستفهام على سَبِيل الاستخبار أَي يُجَامِعهَا قَوْله " لَا يقربنها " أَي لَا يباشرنها بَينهمَا وَهُوَ بنُون التَّأْكِيد وَالْمرَاد نهي الْمُبَاشرَة بِالْجِمَاعِ ومقدماته لَا مُجَرّد الْقرب مِنْهَا قَوْله " فَطَافَ بَين الصَّفَا والمروة " أَي سعى بَينهمَا وَإِطْلَاق الطّواف على السَّعْي إِنَّمَا هُوَ للمشاكلة وَيجوز أَن يكون لكَونه نوعا من الطّواف قَوْله " إسوة " بِكَسْر الْهمزَة وَضمّهَا قَوْله " قَالَ وَسَأَلنَا جَابِرا " الْقَائِل هُوَ عَمْرو بن دِينَار. وَفِيه وجوب السَّعْي بَين الصَّفَا والمروة وَصَلَاة رَكْعَتَيْنِ بعد الطّواف خلق الْمقَام
5971 - حدَّثنا مُحَمَّدُ بنُ بَشَّارٍ قَالَ حدَّثنا غُنْدَرٌ قَالَ حدَّثنا شعبَةُ عنْ قَيسِ بنِ مُسْلِمٍ عنْ طَارِقِ بنِ شِهَابٍ عنْ أبِي مُوسَى الأشْعَرِيِّ رَضِي الله تَعَالَى عنهُ قَالَ قَدِمْتُ على النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بالْبَطْحَاءِ وهُوَ مُنِيخٌ فَقَالَ أحَجَجْتَ قُلْتُ نَعَمْ قَالَ بِما أهْلَلْتَ قُلْتُ لَبَّيْكَ بِإهْلاَلٍ كَإهْلاَلِ النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ أحْسَنْتَ طُفْ بِالْبَيْتِ وبِالصَّفَا والمَرْوَةِ ثُمَّ أحلَّ فَطُفْتُ بِالْبَيْتِ وبالصَّفَا والمَرْوَةِ ثُمَّ أتَيْتُ امْرَأةً مِنْ قَيْسٍ فَفَلَتْ رَأسِي ثُمَّ أهْلَلْتُ بالحَجِّ فكُنْتُ أُفْتِي بِهِ حَتَّى كانَ فِي خِلاَفَةِ عُمَرَ فَقَالَ إنْ أخَذْنَا بِكِتَابِ الله فإنَّهُ يأمُرُنَا بالتَّمَامِ وإنْ أخذْنَا بِقَوْلِ النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فإنَّهُ لَمُ يحِلَّ حَتَّى يَبْلُغَ الهَدْيُ مَحِلَّهُ..
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (طف بِالْبَيْتِ وبالصفا والمروة ثمَّ أحل) فَإِنَّهُ يخبر أَن الْمُعْتَمِر يحل بعد الطّواف بِالْبَيْتِ وَالسَّعْي بَين الصَّفَا والمروة، والْحَدِيث مضى فِي: بَاب من أهل فِي زمن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كإهلال النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ: عَن مُحَمَّد بن يُوسُف عَن سُفْيَان عَن قيس بن مُسلم عَن طَارق بن شهَاب عَن أبي مُوسَى، وَهنا أخرجه: عَن مُحَمَّد بن بشار عَن غنْدر وَهُوَ مُحَمَّد بن جَعْفَر الْبَصْرِيّ ... إِلَى آخِره، وَقد مر الْكَلَام فِيهِ هُنَاكَ مستقصىً.
قَوْله: (منيخ) أَي: رَاحِلَته، وَهُوَ كِنَايَة عَن النُّزُول بهَا. قَوْله: (أحججت؟) الْهمزَة فِيهِ للاستفهام أَي: هَل أَحرمت بِالْحَجِّ أَو نَوَيْت الْحَج؟ قَوْله: (ففلت رَأْسِي) أَي: ففتشت رَأْسِي واستخرجت مِنْهُ الْقمل، وَهُوَ على وزن: رمت، وَأَصله، فليت، قلبت الْيَاء ألفا لتحركها وانفتاح مَا قبلهَا، ثمَّ حذفت لالتقاء الساكنين فَصَارَ: فَلت، على وزن: فعت، لِأَن الْمَحْذُوف مِنْهُ لَام الْفِعْل، وَذَلِكَ كَمَا فعل فِي رمت وَنَحْوه من معتل اللَّام. قَوْله: (يَأْمُرنَا بالتمام) وَفِي رِوَايَة الْكشميهني: (يَأْمر) . قَوْله: (حَتَّى يبلغ) ، وَفِي رِوَايَة الْكشميهني: (حَتَّى بلغ) ، بِلَفْظ الْمَاضِي.
وَاحْتج الطَّبَرِيّ بِهَذَا الحَدِيث على أَن من زعم أَن الْمُعْتَمِر يحل من عمرته إِذا أكمل عمرته ثمَّ جَامع قبل أَن يحلق أَنه مُفسد لعمرته، فَقَالَ: أَلا ترى قَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لأبي مُوسَى: (طف بِالْبَيْتِ وَبَين الصَّفَا والمروة ثمَّ أحل) . وَلم يقل: طف بِالْبَيْتِ وَبَين الصَّفَا والمروة وَقصر من شعرك أَو إحلق ثمَّ أحل، فَتبين بذلك أَن الْحلق وَالتَّقْصِير ليسَا من النّسك، وَإِنَّمَا هما من مَعَاني الْإِحْلَال، كَمَا أَن لبس الثِّيَاب وَالطّيب بعد طواف الْمُعْتَمِر بِالْبَيْتِ وسعيه من مَعَاني إحلاله، فَتبين فَسَاد قَول من زعم

(10/129)


أَن الْمُعْتَمِر إِذا جَامع قبل الْحلق بعد طَوَافه وسعيه أَنه مُفسد عمرته، وَهُوَ قَول الشَّافِعِي. وَقَالَ ابْن الْمُنْذر: وَلَا أحفظ ذَلِك عَن غَيره. وَقَالَ مَالك وَالثَّوْري والكوفيون: عَلَيْهِ الْهَدْي، وَقَالَ عَطاء: يسْتَغْفر الله وَلَا شَيْء عَلَيْهِ. وَقَالَ الطَّبَرِيّ: وَفِي حَدِيث أبي مُوسَى بَيَان فَسَاد من قَالَ: إِن الْمُعْتَمِر إِن خرج من الْحرم قبل أَن يقصر أَن عَلَيْهِ دَمًا، وَإِن كَانَ طَاف وسعى قبل خُرُوجه مِنْهُ. وَفِيه: أَيْضا أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِنَّمَا أذن لأبي مُوسَى بالإحلال من عمرته بعد الطّواف وَالسَّعْي، فَبَان بذلك أَن من حل مِنْهَا قبل ذَلِك فقد أَخطَأ وَخَالف السّنة. واتضح بِهِ فَسَاد قَول من زعم أَن الْمُعْتَمِر إِذا دخل الْحرم فقد حل، وَله أَن يلبس ويتطيب وَيعْمل مَا يعمله الْحَلَال. وَهُوَ قَول ابْن عمر وَابْن الْمسيب وَعُرْوَة وَالْحسن، وَاخْتلف الْعلمَاء إِذا وطىء الْمُعْتَمِر بعد طَوَافه وَقبل سَعْيه، فَقَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ وَأحمد وَأَبُو ثَوْر: عَلَيْهِ الْهَدْي وَعمرَة أُخْرَى مَكَانهَا، وَيتم عمرته الَّتِي أفسدها. قَالَ صَاحب (التَّوْضِيح) : وَوَافَقَهُمْ أَبُو حنيفَة إِذا جَامع بعد أَرْبَعَة أَشْوَاط بِالْبَيْتِ، أَنه يقْضِي مَا بَقِي من عمرته وَعَلِيهِ دم، وَلَا شَيْء عَلَيْهِ، وَهَذَا الحكم لَا دَلِيل عَلَيْهِ إلاَّ الدَّعْوَى قلت.

6971 - حدَّثنا أحْمَدُ بنُ عِيسَى قَالَ حدَّثنا ابنُ وَهْبٍ قَالَ أخبرنَا عَمْرٌ وعنْ أبِي الأسْوَدِ أنَّ عَبْدَ الله مَوْلَى أسْمَاءَ بِنْتِ أبِي بَكْرٍ قَالَ حدَّثَهُ أنَّهُ كانَ يَسْمَعُ أسْمَاءَ تَقُولُ كلَّمَا مَرَّتْ بالحَجُونِ صَلَّى الله على مُحَمَّدٍ لَقَدْ نَزَلْنَا معَهُ هاهُنا وَنَحْنُ يَوْمَئِذٍ خِفَافٌ قَلِيلٌ ظَهْرُنا قَلِيلَةٌ أزْوَادُنا فاعْتَمَرْتُ أَنا وأُخْتِي عائشَةُ والزُّبَيرُ وفُلانٌ وفُلاَنٌ فلَمَّا مَسَحْنا الْبَيْتَ أحْلَلْنَا ثُمَّ أهْلَلْنَا مِنَ العَشِيِّ بالحَجِّ..
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (فَلَمَّا مسحنا الْبَيْت أَحللنَا) ، لِأَن مَعْنَاهُ: لما طفنا بِالْبَيْتِ أَحللنَا أَي: صرنا حَلَالا. وَالطّواف ملزوم للمسح عرفا. فَإِن قلت: الْمُعْتَمِر إِنَّمَا يحل بعد الطّواف وَبعد السَّعْي بَين الصَّفَا والمروة وَالْحلق أَيْضا، فَكيف يكون هَذَا؟ قلت: حذف ذَلِك مِنْهُ للْعلم بِهِ كَمَا يُقَال: لما زنى فلَان رجم، وَالتَّقْدِير لما أحصن وزني رجم.
ذكر رِجَاله: وهم سِتَّة: الأول: أَحْمد بن عِيسَى، كَذَا وَقع فِي رِوَايَة كَرِيمَة: أَحْمد بن عِيسَى مَنْسُوبا وَهُوَ أَحْمد بن عِيسَى بن حسان أَبُو عبد الله التسترِي، مصري الأَصْل. كَانَ يتجر إِلَى تستر، مَاتَ سنة ثَلَاث وَأَرْبَعين وَمِائَتَيْنِ. وَقَالَ ابْن قَانِع: مَاتَ بسر من رأى، تكلم فِيهِ يحيى بن معِين، وروى عَنهُ مُسلم أَيْضا وَفِي رِوَايَة الْأَكْثَرين: حَدثنَا أَحْمد غير مَنْسُوب يحدث عَنهُ البُخَارِيّ فِي غير مَوضِع، كَذَا من غير نِسْبَة، وَاخْتلفُوا فِيهِ، فَقَالَ قوم: إِنَّه أَحْمد بن عبد الرَّحْمَن ابْن أخي عبد الله بن وهب، وَقَالَ آخَرُونَ: إِنَّه أَحْمد ابْن صَالح أَو أَحْمد بن عِيسَى، وَقَالَ أَبُو أَحْمد الْحَافِظ النَّيْسَابُورِي، أَحْمد بن وهب هُوَ ابْن أخي ابْن وهب، وَقَالَ أَبُو عبد الله ابْن مَنْدَه: كل مَا قَالَ البُخَارِيّ فِي الْجَامِع حَدثنَا أَحْمد عَن ابْن وهب هُوَ أَحْمد بن صَالح الْمصْرِيّ، وَلم يخرج البُخَارِيّ عَن أَحْمد بن عبد الرَّحْمَن فِي (الصَّحِيح) شَيْئا وَإِذا حدث عَن أَحْمد بن عِيسَى نسبه، وَوَقع فِي رِوَايَة أبي ذَر: حَدثنَا أَحْمد بن صَالح. وَقد أخرجه مُسلم عَن أَحْمد بن عِيسَى عَن ابْن وهب. الثَّانِي: عبد الله بن وهب. الثَّالِث: عَمْرو، بِفَتْح الْعين: ابْن الْحَارِث. الرَّابِع: أَبُو الْأسود هُوَ مُحَمَّد بن عبد الرَّحْمَن الْمَشْهُور بيتيم عُرْوَة بن الزبير. الْخَامِس: عبد الله بن كيسَان أَبُو عَمْرو، مولى أَسمَاء بنت أبي بكر. السَّادِس: أَسمَاء بنت أبي بكر.
السَّادِس أَسمَاء بنت أبي بكر رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ ذكر لطائف إِسْنَاده: فِيهِ: التحديث بِصِيغَة الْجمع فِي موضِعين، وبصيغة الْإِفْرَاد فِي مَوضِع. وَفِيه: الْإِخْبَار بِصِيغَة الْجمع فِي مَوضِع. وَفِيه: العنعنة فِي مَوضِع. وَفِيه: السماع. وَفِيه: القَوْل فِي مَوضِع. وَفِيه: أَن رجال هَذَا الْإِسْنَاد نصفهم مصريون ونصفهم مدنيون. وَفِيه: أَن عبد الله الْمَذْكُور لَيْسَ لَهُ عِنْد البُخَارِيّ غير حديثين: أَحدهمَا هَذَا، وَالْآخر مضى فِي: بَاب من قدم ضعفة أَهله فَافْهَم.
والْحَدِيث أخرجه مُسلم فِي الْحَج أَيْضا عَن هَارُون بن سعيد الْأَيْلِي وَأحمد بن عِيسَى، كِلَاهُمَا عَن ابْن وهب.
ذكر مَعْنَاهُ: قَوْله: (بالحجون) ، بِفَتْح الْحَاء الْمُهْملَة وَضم الْجِيم المخففة وَفِي آخِره نون، قَالَ الْبكْرِيّ: الْحجُون على وزن: فعول، مَوضِع بِمَكَّة عِنْد المحصب، وَهُوَ الْجَبَل المشرف بحذاء الْمَسْجِد الَّذِي على شعب الجزارين إِلَى مَا بَين

(10/130)


الحوضين اللَّذين فِي حَائِط عَوْف وعَلى الْحجُون سَقِيفَة زِيَاد بن عبد الله أحد بني الْحَارِث بن كَعْب، وَكَانَ على مَكَّة. وَيُقَال: الْحجُون مَقْبرَة أهل مَكَّة تجاه دَار أبي مُوسَى الْأَشْعَرِيّ، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، وَهُوَ على ميل وَنصف من مَكَّة، وَأغْرب السُّهيْلي فَقَالَ: الْحجُون على فَرسَخ وَثلث من مَكَّة، وَهُوَ غلط ظَاهر، وَالصَّحِيح مَا ذَكرْنَاهُ، وَعند الْمقْبرَة الْمَعْرُوفَة بالمعلاة على يسَار الدَّاخِل إِلَى مَكَّة وَيَمِين الْخَارِج مِنْهَا. وروى الْوَاقِدِيّ عَن إشياخه: أَن قصي بن كلاب لما مَاتَ دفن بالحجون فتدافن النَّاس بعده بِهِ. قَوْله: (صلى الله على مُحَمَّد) ، مقول قَوْله: (تَقول كلما مرت) وَفِي رِوَايَة مُسلم: (كلما مرت بالحجون تَقول: صلى الله تَعَالَى على رَسُوله وَسلم) . قَوْله: (خفاف) ، بِكَسْر الْخَاء جمع خَفِيف، وَزَاد مُسلم فِي رِوَايَة: (خفاف الحقائب) ، وَهُوَ جمع حقيبة، بِفَتْح الْحَاء الْمُهْملَة وبالقاف وَالْبَاء الْمُوَحدَة: وَهِي مَا احتقبه الرَّاكِب خَلفه من حوائحه فِي مَوضِع الرديف. قَوْله: (قَلِيل طهرنا) أَي: مراكبنا. قَوْله: (فاعتمرت أَنا وأختي) أَي: بعد أَن فسخوا الْحَج إِلَى الْعمرَة. قَوْله: (وَالزُّبَيْر) أَي: الزبير بن الْعَوام، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ. فَإِن قلت: روى مُسلم من حَدِيث صَفِيَّة بنت شيبَة (عَن أَسمَاء بنت أبي بكر، قَالَت: خرجنَا محرمين، فَقَالَ رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: من كَانَ مَعَه هدي فَليقمْ على إِحْرَامه، وَمن لم يكن مَعَه هدي فليحلل، فَلم يكن معي هدي فحللت، وَكَانَ مَعَ الزبير هدي فَلم يحل) الحَدِيث. فَهَذَا يُخَالف رِوَايَة عبد الله مولى أَسمَاء، لِأَنَّهُ ذكر الزبير مَعَ من أحل. قلت: أجَاب النَّوَوِيّ بِأَن إِحْرَام الزبير بِالْعُمْرَةِ وتحلله مِنْهَا كَانَ فِي غير حجَّة الْوَدَاع، واستبعده بَعضهم، وَقَالَ: الْمُرَجح عِنْد البُخَارِيّ رِوَايَة عبد الله مولى أَسمَاء، فَلذَلِك اقْتصر على إخْرَاجهَا دون رِوَايَة صَفِيَّة بنت شيبَة. قلت: هَذَا مُسلم قد أخرج كليهمَا مَعَ مَا فيهمَا من الِاخْتِلَاف، وَلَا وَجه فِي الْجمع بَينهمَا إلاَّ بِمَا قَالَه النَّوَوِيّ. فَإِن قلت: فِيهِ إِشْكَال آخر، وَهُوَ أَن أَسمَاء ذكرت عَائِشَة فِيمَن طَاف، وَالْحَال أَنَّهَا كَانَت حِينَئِذٍ حَائِضًا. قلت: قيل: يحْتَمل أَنَّهَا أشارت إِلَى عمْرَة عَائِشَة الَّتِي فعلتها بعد الْحَج مَعَ أَخِيهَا عبد الرَّحْمَن من التَّنْعِيم. قَالَ القَاضِي: هَذَا خطأ، لِأَن فِي الحَدِيث التَّصْرِيح بِأَن ذَلِك كَانَ فِي حجَّة الْوَدَاع، قيل: لَا وَجه فِي ذَلِك إلاَّ أَن يُقَال: إِنَّمَا لم تستثن أَسمَاء عَائِشَة لشهرة قصَّتهَا، وَفِيه بُعد أَيْضا، نعم إِنَّمَا هَذَا يَتَأَتَّى إِذا قُلْنَا: كَانَت عَائِشَة طَاهِرَة حِين ذكرت أَسمَاء إِيَّاهَا وعطفتها على نَفسهَا فِي قَوْلهَا: (اعْتَمَرت أَنا وأختي عَائِشَة، ثمَّ طَرَأَ عَلَيْهَا الْحيض) ، ثمَّ إِنَّهَا لم تستثنها فِي قَوْلهَا: (فَلَمَّا مسحنا الْبَيْت) ، لشهرتها أَنَّهَا كَانَت حَائِضًا فِي ذَلِك الْوَقْت، أَو نسيت أَن تستثنيها، فَافْهَم. قَوْله: (وَفُلَان وَفُلَان) ، كَأَنَّهَا سمَّت جمَاعَة عرفتهم مِمَّن لم يسق الْهَدْي، وَلم توقف على تعيينهم. قَوْله: (فَلَمَّا مسحنا الْبَيْت،) أَي: طفنا بِالْبَيْتِ، وَقد ذكرنَا أَن من لَازم الطّواف الْمسْح عَادَة، فَيكون من قبيل ذكر اللَّازِم وَإِرَادَة الْمَلْزُوم، وَقد ذكرنَا وَجه طي ذكر السَّعْي عَن قريب. فَإِن قلت: لَمْ تَذكر أَسمَاء الْحلق مَعَ أَنه نسك؟ قلت: لَا يلْزم من عدم ذكرهَا إِيَّاه ترك فعله، فَإِن الْقِصَّة وَاحِدَة، وَقد ثَبت الْأَمر بالتقصير فِي عدَّة أَحَادِيث. . وَالله أعلم.

21 - (بابُ مَا يَقُولُ إذَا رَجَعَ مِنَ الحَجِّ أوِ العُمْرَةِ أوِ الغَزْوِ)

أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان مَا يَقُول الْحَاج إِذا رَجَعَ من حجه أَو عمرته. قَوْله: (أَو الْغَزْو) ، أَي: وَفِيمَا يَقُول الْغَازِي إِذا رَجَعَ من غَزوه.

7971 - حدَّثنا عَبْدُ الله بنُ يُوسُفَ قَالَ أخبرنَا مالِكٌ عنْ نافِعٍ عنْ عَبْدِ الله بنِ عُمَرَ رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا أنَّ رسولَ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كانَ إذَا قَفَلَ مِنْ غَزْوٍ أوْ حَجٍّ أوْ عُمْرَةٍ يُكَبِّرُ عَلَى كُلِّ شَرَفٍ مِنَ الأرْضِ ثلاثَ تَكْبِيراتٍ ثُمَّ يَقُولُ لَا إلاهَ إلاَّ الله وحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ لَهُ المُلْكُ ولَهُ الحَمْدُ وهُوَ علَى كُلَّ شيْءٍ قَدِيرُ آيِبُونَ تَائِبُونَ عابِدُونَ سَاجِدُونَ لِرَبِّنَا حامِدُونَ صدق الله وعْدَهُ ونَصَرَ عَبْدَهُ وهَزَمَ الأحْزَابَ وحْدَهُ..
مطابقته للتَّرْجَمَة هِيَ أَنه تَفْسِير لَهَا، وَهُوَ ظَاهر.
والْحَدِيث أخرجه البُخَارِيّ أَيْضا فِي الدَّعْوَات عَن إِسْمَاعِيل، وَأخرجه

(10/131)


مُسلم فِي الْحَج أَيْضا عَن ابْن أبي عمر عَن معن بن عِيسَى. وَأخرجه أَبُو دَاوُد فِي الْجِهَاد عَن القعْنبِي. وَأخرجه النَّسَائِيّ فِي السّير عَن مُحَمَّد بن سَلمَة والْحَارث بن مِسْكين، وَلَفظ مُسلم: (كَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِذا قفل من الجيوش أَو السَّرَايَا أَو الْحَج أَو الْعمرَة إِذا أوفى على ثنية أَو فدفد كبر ثَلَاثًا، ثمَّ قَالَ: لَا إلاهَ إلاَّ الله) إِلَى آخِره، وَأخرجه التِّرْمِذِيّ من حَدِيث الْبَراء وَصَححهُ، وروى أَبُو نعيم الْحَافِظ (عَن أبي هُرَيْرَة: أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ لرجل يُرِيد سفرا: أوصيك بتقوى الله وَالتَّكْبِير على كل شرف) . وَعَن أنس: (كَانَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِذا علا شرفا قَالَ: أللهم لَك الشّرف على كل شرف، وَلَك الْحَمد على كل حَال) . وَعَن ابْن عَبَّاس: (أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ إِذا رَجَعَ من سَفَره قَالَ: آيبون تائبون لربنا حامدون. فَإِذا دخل على أَهله قَالَ: توبا توبا أوبا أوبا، لَا يُغَادر علينا حوبا) . وروى الدَّارَقُطْنِيّ (عَن جَابر: كُنَّا إِذا سافرنا مَعَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِذا صعدنا كبرنا، وَإِذا هبطنا سبَّحنا) .
ذكر مَعْنَاهُ: قَوْله: (إِذا قفل) ، قَالَ فِي (الْمُحكم) قفل الْقَوْم: يقفلون قفولاً، وَرجل قافل من قوم قفال، والقفول: الرُّجُوع. وَفِي (شرح الفصيح) لِابْنِ هِشَام: الْقَافِلَة الراجعة، فَإِن كَانَت خَارِجَة فَهِيَ الصائبة، سميت بذلك على وَجه التفاؤل كَأَنَّهَا تصيب كل مَا خرجت إِلَيْهِ. وَفِي (الْجَامِع) : يقفلون ويقفلون وَلَا يكون القافل إلاَّ الرَّاجِع إِلَى وَطنه. وَفِي (الفصيح) : أقفلت الْجند وقفلوا هم. وَفِي (النِّهَايَة) : يُقَال للسَّفر قفول فِي الذّهاب والمجيء. وَأكْثر مَا يستعملون فِي الرُّجُوع، وَيُقَال: قفل إِذا رَجَعَ، وَمِنْه تسمى الْقَافِلَة. قَوْله: (على كل شرف) ، بِفتْحَتَيْنِ وَهُوَ الْمَكَان العالي. وَقَالَ الْجَوْهَرِي: جبل مشرف عَال. وَقَالَ الْفراء: أشرف الشَّيْء علا وارتفع. وَفِي (الْمُحكم) أشرف الشَّيْء وَعلا الشَّيْء: علاهُ، وأشرف عَلَيْهِ. قَوْله: (آيبون) ، أَي: رَاجِعُون إِلَى الله، وَفِيه إِيهَام معنى الرُّجُوع إِلَى الوطن، يُقَال: آب إِلَى الشَّيْء أوبا وإيابا أَي: رَجَعَ، وأوبته إِلَيْهِ وأبت بِهِ. وَقيل: لَا يكون الإياب إلاَّ الرُّجُوع إِلَى أَهله لَيْلًا وَفِي (الْمعَانِي) عَن أبي زيد: آب يؤب إيابا وإيابة إِذا تهَيَّأ للذهاب وتجهز. وَقَالَ غَيره: آب يئيب آييبا وإيتيب إيتابا إِذا تهَيَّأ. وارتفاع (آيبون) على أَنه خبر مُبْتَدأ مَحْذُوف أَي: نَحن آيبون، وَكَذَا ارْتِفَاع (تائبون) و (عَابِدُونَ) و (ساجدون) . قَوْله: (تائبون) من التَّوْبَة، وَهُوَ رُجُوع عَمَّا هُوَ مَذْمُوم شرعا إِلَى مَا هُوَ مَحْمُود شرعا. قَوْله: (لربنا) إِمَّا خَاص بقوله: (ساجدون) ، وَإِمَّا عَام لسَائِر الصِّفَات على سَبِيل التَّنَازُع. قَوْله: (وَهزمَ الْأَحْزَاب) أَي: هَزَمَهُمْ يَوْم الْأَحْزَاب. والأحزاب هم الطَّائِفَة المتفرقة الَّذين اجْتَمعُوا على رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، على بَاب الْمَدِينَة، فَهَزَمَهُمْ الله تَعَالَى بِلَا مقاتلة وإيجاف خيل وَلَا ركاب. وَقَالَ عِيَاض: وَيحْتَمل أَن يُرِيد أحزاب الْكَفَرَة فِي جَمِيع الْأَيَّام والمواطن، وَيحْتَمل أَن يُرِيد الدُّعَاء كَأَنَّهُ قَالَ: أللهم افْعَل ذَلِك وَحدك، وَخص اسْتِعْمَال هَذَا الذّكر هُنَا لِأَنَّهُ أفضل مَا قَالَه النَّبِيُّونَ قبله.
وَفِيه من الْفِقْه: اسْتِعْمَال حمد الله تَعَالَى وَالْإِقْرَار بنعمه والخضوع لَهُ وَالثنَاء عَلَيْهِ عِنْد الْقدوم من الْحَج وَالْجهَاد على مَا وهب من تَمام الْمَنَاسِك، وَمَا رزق من النَّصْر على الْعَدو، وَالرُّجُوع إِلَى الوطن سَالِمين، وَكَذَلِكَ إِحْدَاث حمد الله تَعَالَى وَالشُّكْر لَهُ على مَا يحدث لِعِبَادِهِ من نعمه، فقد رَضِي من عباده بِالْإِقْرَارِ لَهُ بالوحدانية والخضوع لَهُ بالربوبية، وَالْحَمْد وَالشُّكْر عوضا عَمَّا وهبهم من نعمه تفضلاً عَلَيْهِم وَرَحْمَة لَهُم. وَفِيه: بَيَان أَن نَهْيه عَن السجع فِي الدُّعَاء على غير التَّحْرِيم لوُجُود السجع فِي دُعَائِهِ وَدُعَاء أَصْحَابه، وَيحْتَمل أَن يكون نَهْيه عَن السجع مُخْتَصًّا بِوَقْت الدُّعَاء خشيَة أَن يشْتَغل الدَّاعِي بِطَلَب الْأَلْفَاظ الْمُنَاسبَة للسجع ورعاية الفواصل عَن إخلاص النِّيَّة وإفراغ الْقلب فِي الدُّعَاء وَالِاجْتِهَاد فِيهِ.

31 - (بابُ اسْتِقْبَالِ الحَاجِّ القَادِمِينَ والثَّلاثَةَ علَى الدَّابَّةِ)

أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان اسْتِقْبَال الْحَاج القادمين. قَالَ الْكرْمَانِي: لفظ القادمين بِالْجمعِ صفة للْحَاج. لِأَن الْحَاج فِي معنى الْجمع كَقَوْلِه تَعَالَى: {سامرا تهجرون} (الْمُؤْمِنُونَ: 76) . قلت: الْحَاج فِي الأَصْل مُفْرد، يُقَال: رجل جاج وَامْرَأَة حَاجَة وَرِجَال حجاج وَنسَاء حواج، وَرُبمَا أطلق الْحَاج على الْجَمَاعَة مجَازًا واتساعا. وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيّ: السامر نَحْو الْحَاضِر فِي الْإِطْلَاق على الْجمع. قَوْله: (وَالثَّلَاثَة) : قَالَ الْكرْمَانِي: وَلَفظ الثَّلَاثَة عطف على الِاسْتِقْبَال. قلت: تَقْدِيره على هَذَا اسْتِقْبَال الثَّلَاثَة حَال كَونهم على الدَّابَّة. وَقَالَ الْكرْمَانِي: وَفِي بَعْضهَا الغلامين، أَي: وَفِي بعض النّسخ: بَاب اسْتِقْبَال الْحَاج الغلامين، ثمَّ قَالَ: وتوجيهه مَعَ إشكاله أَن يقْرَأ الْحَاج، بِالنّصب

(10/132)


وَيكون الِاسْتِقْبَال مُضَافا إِلَى الغلامين، نَحْو قَوْله تَعَالَى: {قتل أَوْلَادهم شركاؤهم} (الْأَنْعَام: 731) . بِنصب أولادَهم وجر الشُّرَكَاء، وَيكون الِاسْتِقْبَال مُضَافا إِلَى الغلامين، والحاج مفعول. فَإِن قلت: لفظ استقبله يُفِيد عكس ذَلِك؟ قلت: الِاسْتِقْبَال إِنَّمَا هُوَ من الطَّرفَيْنِ.

8971 - حدَّثنا مُعَلَّى بنُ أسَدٍ قَالَ حدَّثنا يَزيدُ بنُ زُرَيْعٍ قَالَ حدَّثنا خالِدٌ عنْ عِكْرِمَةَ عنِ ابنِ عَبَّاسٍ رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا قَالَ لَمَّا قَدِمَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَكَّةَ اسْتَقْبَلَتْهُ أُغَيْلِمَةُ بَنِي عَبْدِ الْمُطَّلِبِ فحَملَ واحِدا بَيْنَ يَدَيْهِ وآخَرَ خَلْفَهُ.
التَّرْجَمَة مُشْتَمِلَة على جزئين فمطابقة الحَدِيث للجزء الثَّانِي ظَاهِرَة، وَلِهَذَا وضع البُخَارِيّ تَرْجَمَة بالجزء الثَّانِي قبيل كتاب الْأَدَب، فَقَالَ: بَاب الثَّلَاثَة على الدَّابَّة، وَأورد فِيهَا هَذَا الحَدِيث بِعَيْنِه على مَا تقف عَلَيْهِ إِن شَاءَ الله تَعَالَى، وَأما مطابقته للجزء الأول فبطريق دلَالَة عُمُوم اللَّفْظ، وَلَيْسَ المُرَاد من طَرِيق الْعُمُوم مَا قَالَه بَعضهم بقوله لِأَن قدومه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَكَّة أَعم من أَن يكون فِي حج أَو عمْرَة أَو غَزْو، لِأَن هَذَا الَّذِي ذكره لَيْسَ بداخل فِي هَذَا الْبَاب، وَهُوَ كَلَام طائح. وَقَالَ هَذَا الْقَائِل أَيْضا: وَكَون التَّرْجَمَة لتلقي القادم من الْحَج، والْحَدِيث دَال على تلقي القادم لِلْحَجِّ وَلَيْسَ بَينهمَا تخَالف لاتِّفَاقهمَا من حَيْثُ المعني. انْتهى. قلت: لَا نسلم أَن كَون التَّرْجَمَة لنلقي القادم من الْحَج، بل هِيَ لتلقي القادم لِلْحَجِّ. والْحَدِيث يطابقه، وَهَذَا الْقَائِل ذهل وَظن أَن التَّرْجَمَة وضعت لتلقي القادم من الْحَج وَلَيْسَ كَذَلِك، وَذَلِكَ لِأَنَّهُ لَو علم أَن لفظ الِاسْتِقْبَال فيالترجمة مصدر مُضَاف إِلَى مَفْعُوله، وَالْفَاعِل ذكره مطوي لما كَانَ يحْتَاج إِلَى قَوْله: وَكَون التَّرْجَمَة ... إِلَى آخِره.
ذكر رِجَاله: وهم خَمْسَة: الأول: مُعلى، بِضَم الْمِيم وَتَشْديد اللَّام الْمَفْتُوحَة: ابْن أَسد أَبُو الْهَيْثَم الْعمي. الثَّانِي: يزِيد بن زُرَيْع، بِضَم الزَّاي، وَقد تكَرر ذكره. الثَّالِث: خَالِد الْحذاء. الرَّابِع: عِكْرِمَة مولى ابْن عَبَّاس. الْخَامِس: عبد الله ابْن عَبَّاس.
ذكر لطائف إِسْنَاده: فِيهِ: التحديث بِصِيغَة الْجمع فِي ثَلَاثَة مَوَاضِع. وَفِيه: العنعنة فِي موضِعين. وَفِيه: القَوْل فِي مَوضِع. وَفِيه: أَن الثَّلَاثَة الأول بصريون.
ذكر تعدد مَوْضِعه وَمن أخرجه غَيره أخرجه البُخَارِيّ أَيْضا فِي اللبَاس عَن مُسَدّد، وَأخرجه النَّسَائِيّ فِي الْحَج أَيْضا عَن قُتَيْبَة عَن يزِيد بن زُرَيْع.
ذكر مَعْنَاهُ: قَوْله: (أغيلمة) ، بِضَم الْهمزَة وَفتح الْغَيْن الْمُعْجَمَة. قَالَ الْخطابِيّ: هُوَ تَصْغِير غلمة، وَكَانَ الْقيَاس: غليمة، لكِنهمْ ردُّوهُ إِلَى أفعلة فَقَالُوا: أغيلمة، كَمَا قَالُوا: أصيبية، فِي تَصْغِير صبية. وَقَالَ الْجَوْهَرِي: الْغُلَام جمعه: غلمة، وتصغيرها: أغيلمة، على غير مكبره وَكَأَنَّهُم صغروا أغلمة وَإِن كَانُوا لم يقولوه، وَقَالَ الدَّاودِيّ: أغلمة، بِفَتْح الْألف جمع غُلَام، وَالْمرَاد بأغيلمة بني عبد الْمطلب صبيانهم. قَوْله: (فَحمل وَاحِدًا) أَي: فَحمل النَّبِي، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَاحِدًا من أغيلمة بني عبد الْمطلب بَين يَدَيْهِ (وَآخر) أَي: وَحمل آخر مِنْهُم خَلفه، وَكَانَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم على نَاقَته.
وَفِيه: جَوَاز ركُوب الثَّلَاثَة فَأكْثر على دَابَّة عِنْد الطَّاقَة، وَمَا روى من كَرَاهَة ركُوب الثَّلَاثَة على دَابَّة لَا يَصح، وَقَالَ صَاحب (التَّوْضِيح) . وَفِيه: تلقي القادمين من الْحَج إِكْرَاما لَهُم وتعظيما لِأَنَّهُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لم يُنكر تلقيهم، بل سر بِهِ لحمله مِنْهُم بَين يَدَيْهِ وَخَلفه. انْتهى. قلت: هَذَا أَيْضا ذهل مثل ذَاك الْقَائِل الْمَذْكُور عَن قريب، وَذَلِكَ أَنه لَيْسَ فِيهِ تلقي القادمين من الْحَج، بل فِيهِ تلقي القادمين لِلْحَجِّ، كَمَا ذَكرْنَاهُ، نعم، يُمكن أَن يُؤْخَذ مِنْهُ تلقي القادمين من الْحَج، وَكَذَلِكَ فِي مَعْنَاهُ من قدم من جِهَاد أَو سفر، لِأَن فِي ذَلِك تأنيسا لَهُم وتطييبا لقُلُوبِهِمْ.

41 - (بابُ القُدُومِ بِالغَدَاةِ)

أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان اسْتِحْبَاب قدوم الْمُسَافِر إِلَى منزله بِالْغَدَاةِ أَي بغدوة النَّهَار.

9971 - حدَّثنا أحْمَدُ بنُ الحَجَّاجِ قَالَ حدَّثنا أنَسُ بنُ عِيَاضٍ عنْ عُبَيْدِ الله عنْ نافِعٍ عنِ ابنِ عُمَرَ رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا أنَّ رسولَ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كانَ إذَا خَرَجَ إلَى مَكَّةَ يُصَلِّي فِي مَسْجِدِ الشَّجَرَةِ

(10/133)


وإذَا رَجَعَ صَلَّى بِذِي الحُلَيْفَةِ بِبَطْنِ الوَادِي وباتَ حَتَّى يُصْبِحَ..
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة، وَهَذَا الحَدِيث قد مر فِي: بَاب خُرُوج النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم على طَرِيق الشَّجَرَة فِي أَوَائِل كتاب الْحَج فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ: عَن إِبْرَاهِيم بن الْمُنْذر عَن أنس بن عِيَاض ... إِلَى آخِره، وَهَهُنَا أخرجه: عَن أَحْمد بن الْحجَّاج، بِفَتْح الْحَاء الْمُهْملَة وَتَشْديد الْجِيم الأولى، يكنى بِأبي الْعَبَّاس الذهلي الشَّيْبَانِيّ، مَاتَ يَوْم عَاشُورَاء من سنة ثِنْتَيْنِ وَعشْرين وَمِائَتَيْنِ، وَهُوَ من أَفْرَاده.

51 - (بابُ الدُّخُولِ بِالعَشِيِّ)

أَي: هَذَا بَاب دُخُول الْمُسَافِر إِلَى أَهله بالْعَشي، وَهُوَ من وَقت الزَّوَال إِلَى غرُوب الشَّمْس، وَيُطلق أَيْضا على مَا بعد الْغُرُوب إِلَى الْعَتَمَة، وَلَكِن المُرَاد هُنَا الأول، وَإِنَّمَا ذكر هَذِه التَّرْجَمَة عقيب التَّرْجَمَة الأولى ليبين أَن الدُّخُول فِي الْغَدَاة لَا يتَعَيَّن، وَإِنَّمَا لَهُ الدُّخُول بِالْغَدَاةِ والعشي، والمنهي عَنهُ هُوَ الدُّخُول لَيْلًا، كَمَا سَيَأْتِي بَيَان الْعلَّة فِيهِ فِي حَدِيث جَابر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ.
0081 - حدَّثنا مُوسَى بنُ إسْمَاعِيلَ قَالَ حدَّثنا هَمَّامٌ عنْ إسْحَاقَ بنِ عَبْدِ الله بنِ أبِي طَلْحَةَ عَنْ أنَسٍ رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ قَالَ كانَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَا يَطْرُقُ أهْلَهُ كانَ لاَ يَدْخُلُ إلاَّ غُدْوَةً أوْ عَشِيَّةً
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (أَو عَشِيَّة) ، ومُوسَى بن إِسْمَاعِيل أَبُو سَلمَة الْمنْقري التَّبُوذَكِي، وَهَمَّام بن يحيى العوذي الْبَصْرِيّ.
والْحَدِيث أخرجه مُسلم أَيْضا فِي الْجِهَاد عَن أبي بكر بن أبي شيبَة عَن يزِيد بن هَارُون، وَعَن زُهَيْر بن حَرْب، وَأخرجه النَّسَائِيّ فِي عشرَة النِّسَاء عَن هَارُون بن عبد الله.
قَوْله: (لَا يطْرق) ، بِضَم الرَّاء من الطروق، وَهُوَ الْإِتْيَان بِاللَّيْلِ، يَعْنِي: لَا يدْخل على أَهله لَيْلًا إِذا قدم من سفر، وَإِنَّمَا كَانَ يدْخل غدْوَة النَّهَار أَو عشيته وَقد مضى تَفْسِيرهَا. وَفِي بعض النّسخ: (كَانَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَا يطْرق أَهله لَيْلًا) وَالأَصَح: لَا يطْرق أَهله بِدُونِ لفظ لَيْلًا، لِأَن الطروق لَا يكون إلاَّ بِاللَّيْلِ، كَمَا ذكرنَا فَإِن قلت: فِي حَدِيث جَابر الَّذِي يَأْتِي عقيب هَذَا الْبَاب: (نهى أَن يطْرق أَهله لَيْلًا؟) قلت: هَذَا يكون للتَّأْكِيد أَو يكون على لُغَة من قَالَ: إِن طرق يسْتَعْمل بِالنَّهَارِ أَيْضا، حَكَاهُ ابْن فَارس.

51 - (بابُ الدُّخُولِ بِالعَشِيِّ)

أَي: هَذَا بَاب دُخُول الْمُسَافِر إِلَى أَهله بالْعَشي، وَهُوَ من وَقت الزَّوَال إِلَى غرُوب الشَّمْس، وَيُطلق أَيْضا على مَا بعد الْغُرُوب إِلَى الْعَتَمَة، وَلَكِن المُرَاد هُنَا الأول، وَإِنَّمَا ذكر هَذِه التَّرْجَمَة عقيب التَّرْجَمَة الأولى ليبين أَن الدُّخُول فِي الْغَدَاة لَا يتَعَيَّن، وَإِنَّمَا لَهُ الدُّخُول بِالْغَدَاةِ والعشي، والمنهي عَنهُ هُوَ الدُّخُول لَيْلًا، كَمَا سَيَأْتِي بَيَان الْعلَّة فِيهِ فِي حَدِيث جَابر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ.
0081 - حدَّثنا مُوسَى بنُ إسْمَاعِيلَ قَالَ حدَّثنا هَمَّامٌ عنْ إسْحَاقَ بنِ عَبْدِ الله بنِ أبِي طَلْحَةَ عَنْ أنَسٍ رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ قَالَ كانَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَا يَطْرُقُ أهْلَهُ كانَ لاَ يَدْخُلُ إلاَّ غُدْوَةً أوْ عَشِيَّةً
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (أَو عَشِيَّة) ، ومُوسَى بن إِسْمَاعِيل أَبُو سَلمَة الْمنْقري التَّبُوذَكِي، وَهَمَّام بن يحيى العوذي الْبَصْرِيّ.
والْحَدِيث أخرجه مُسلم أَيْضا فِي الْجِهَاد عَن أبي بكر بن أبي شيبَة عَن يزِيد بن هَارُون، وَعَن زُهَيْر بن حَرْب، وَأخرجه النَّسَائِيّ فِي عشرَة النِّسَاء عَن هَارُون بن عبد الله.
قَوْله: (لَا يطْرق) ، بِضَم الرَّاء من الطروق، وَهُوَ الْإِتْيَان بِاللَّيْلِ، يَعْنِي: لَا يدْخل على أَهله لَيْلًا إِذا قدم من سفر، وَإِنَّمَا كَانَ يدْخل غدْوَة النَّهَار أَو عشيته وَقد مضى تَفْسِيرهَا. وَفِي بعض النّسخ: (كَانَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَا يطْرق أَهله لَيْلًا) وَالأَصَح: لَا يطْرق أَهله بِدُونِ لفظ لَيْلًا، لِأَن الطروق لَا يكون إلاَّ بِاللَّيْلِ، كَمَا ذكرنَا فَإِن قلت: فِي حَدِيث جَابر الَّذِي يَأْتِي عقيب هَذَا الْبَاب: (نهى أَن يطْرق أَهله لَيْلًا؟) قلت: هَذَا يكون للتَّأْكِيد أَو يكون على لُغَة من قَالَ: إِن طرق يسْتَعْمل بِالنَّهَارِ أَيْضا، حَكَاهُ ابْن فَارس.

61 - (بابٌ لاَ يَطْرُقُ أهْلَهُ إذَا بلَغَ المَدِينَةَ)

أَي: هَذَا بَاب يذكر فِيهِ أَن القادم من سفر لَا يطْرق أَهله إِذا بلغ الْمَدِينَة، أَي الْبَلَد الَّذِي يقْصد دُخُولهَا، وَفِي رِوَايَة السَّرخسِيّ: إِذا دخل الْمَدِينَة يَعْنِي إِذا أَرَادَ دُخُولهَا لَا يطْرق لَيْلًا، وَالْحكمَة فِيهِ مبينَة فِي حَدِيث جَابر، ذكره البُخَارِيّ مطولا فِي: بَاب عشرَة النِّسَاء، وَهِي كَرَاهَة أَن يهجم مِنْهَا على مَا يقبح عِنْده اطِّلَاعه عَلَيْهِ، فَيكون سَببا إِلَى بغضها وفراقها، فنبه النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم على مَا تدوم بِهِ الإلفة بَينهم وتتأكد الْمحبَّة، فَيَنْبَغِي لمن أَرَادَ الْأَخْذ بأدب أَن يجْتَنب مُبَاشرَة أَهله فِي حَال البذاذة وَغير النَّظَافَة، وَأَن لَا يتَعَرَّض لرؤية عَورَة يكرهها مِنْهَا، ألاَ يُرَى أَن الله تَعَالَى أَمر من لم يبلغ الْحلم بالاستئذان فِي الْأَحْوَال الثَّلَاثَة فِي الآبية، لما كَانَت هَذِه الْأَوْقَات أَوْقَات التجرد وَالْخلْوَة، خشيَة الإطلاع على العورات وَمَا يكره النّظر إِلَيْهِ.

1081 - حدَّثنا مُسْلِمُ بنُ إبْرَاهِيمَ قَالَ حدَّثنا شُعْبَةُ عنْ محَارِبٍ عنْ جابِرٍ رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ قَالَ نهَى النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَن يَطْرُقَ أهْلَهُ لَيْلاً..
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. ومحارب، بِضَم الْمِيم وَكسر الرَّاء وَفِي آخِره بَاء مُوَحدَة: ابْن دثار ضد الشعار السدُوسِي الْكُوفِي.
والْحَدِيث أخرجه البُخَارِيّ أَيْضا فِي النِّكَاح عَن آدم، وَأخرجه مُسلم فِي الْجِهَاد عَن أبي مُوسَى وَبُنْدَار وَعَن عبيد الله بن معَاذ وَعَن أبي بكر بن أبي شيبَة. وَأخرجه أَبُو دَاوُد فِي الْجِهَاد عَن حَفْص بن عمر وَمُسلم بن إِبْرَاهِيم. وَأخرجه النَّسَائِيّ فِي عشرَة النِّسَاء عَن عَمْرو بن مَنْصُور.
قَوْله: (نهى النَّبِي، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم) النَّهْي للتنزيه لَا للتَّحْرِيم،

(10/134)


وَذَلِكَ لِئَلَّا يكون كمن يتطلب عثراتها، أَو يُرِيد كشف أستارها. قَوْله: (أَن يطْرق) أَي: عَن أَن يطْرق، أَي: عَن الطروق وَكلمَة: أَن، مَصْدَرِيَّة، وانتصاب لَيْلًا على الظَّرْفِيَّة.