عمدة القاري شرح صحيح البخاري

71 - (بابُ مَنْ أسْرَعَ ناقَتَهُ إذَا بلغَ المَدِينَةَ)

أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان من أسْرع نَاقَته قَالَ الْكرْمَانِي: أَصله أسْرع بناقته، فنصب بِنَزْع الْخَافِض مِنْهُ، وَقَالَ الْإِسْمَاعِيلِيّ: أسْرع نَاقَته لَيْسَ بِصَحِيح، وَالصَّوَاب أسْرع بناقته، يَعْنِي: لَا يتَعَدَّى بِنَفسِهِ، وَإِنَّمَا يتَعَدَّى بِالْبَاء. قلت: كل مِنْهُمَا ذهل عَمَّا قَالَه صَاحب (الْمُحكم) إِن أسْرع يتَعَدَّى بِنَفسِهِ وَيَتَعَدَّى بِالْبَاء، وَلم يطلعا على ذَلِك، فأوله الْكرْمَانِي بِمَا ذكره، وَخَطأَهُ الْإِسْمَاعِيلِيّ، فَلَو وَقفا على ذَلِك لما تعسفا، وَفِي بعض النّسخ: بَاب من يسْرع نَاقَته، بِلَفْظ الْمُضَارع.

2081 - حدَّثنا سَعِيدُ بنُ أبِي مَرْيَمَ قَالَ أخبرنَا مُحَمَّدُ بنُ جَعْفَرٍ قَالَ أخبرَنِي حُمَيْدٌ أنَّهُ سَمِعَ أنَسا رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ يقُولُ كانَ رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إذَا قدِمَ مِنْ سَفَرٍ فأبْصَرَ دَرَجَاتِ المَدِينَةِ أوْضَعَ ناقَتَهُ وإنْ كانَتْ دَابَّةً حرَّكَهَا.
(الحَدِيث 2081 طرفه فِي: 6881) .
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (أوضع نَاقَته) أَي: أسْرع السّير، وَمُحَمّد بن جَعْفَر هُوَ ابْن أبي كثير الْمدنِي أَخُو إِسْمَاعِيل، وَحميد هُوَ الطَّوِيل.
والْحَدِيث انْفَرد بِهِ البُخَارِيّ نعم فِي مُسلم: (عَن أنس لما وصف فَقَوله، عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام، من خَيْبَر: فَانْطَلَقْنَا حَتَّى أَتَيْنَا جدر الْمَدِينَة، غشينا إِلَيْهَا فرفعنا مطيتنا، وَرفع رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، مطيته.
قَوْله: (فأبصر دَرَجَات الْمَدِينَة) ، بِفَتْح الدَّال الْمُهْملَة وَالرَّاء وَالْجِيم: جمع دَرَجَة، وَالْمرَاد: طرقها المرتفعة. وَقَالَ صَاحب (الْمطَالع) : يَعْنِي الْمنَازل، وَالْأَشْبَه الجدرات. والدرجات هِيَ رِوَايَة الْأَكْثَرين، وَفِي رِوَايَة الْمُسْتَمْلِي: (دوحات) ، بِفَتْح الدَّال وَسُكُون الْوَاو بعْدهَا حاء مُهْملَة: جمع دوحة، وَهِي الشَّجَرَة الْعَظِيمَة المتسعة، وَيجمع أَيْضا على: دوح وأدواح جمع الْجمع. وَقَالَ أَبُو حنيفَة: الدوائح العظائم وَكَأَنَّهُ جمع دائحة، وَإِن لم يتَكَلَّم بِهِ، والدوحة: المظلة الْعَظِيمَة، والدوح بِغَيْر هَاء الْبَيْت الضخم الْكَبِير من الشّعْر، وَفِي (شرح المعلقات) لأبي بكر مُحَمَّد بن الْقَاسِم الْأَنْبَارِي، يُقَال: شَجَرَة دوحة إِذا كَانَت عَظِيمَة كَثِيرَة الْوَرق والأغصان. وَفِي (الْجَامِع) للقزاز: الدوح الْعِظَام من الشَّجَرَة من أَي نوع كَانَ من الشّجر. قَوْله: (أوضع نَاقَته) ، يُقَال: وضع الْبَعِير أَي أسْرع فِي مَشْيه، وأوضعه رَاكِبه أَي: حمله على السّير السَّرِيع. قَوْله: (وَإِن كَانَت دَابَّة) ، كَانَ فِيهِ تَامَّة، وَالدَّابَّة أَعم من النَّاقة وَقَوله: (حركها) جَوَاب: إِن.
قَالَ أبُو عَبْدِ الله زَادَ الحَارِثُ بنُ عُمَيْرٍ عنْ حُمَيْدٍ حَرَّكَهَا مِنْ حُبِّهَا

أَبُو عَبْد الله هُوَ البُخَارِيّ نَفسه، والْحَارث بن عُمَيْر مصغر عَمْرو الْبَصْرِيّ، نزل مَكَّة. وَأَرَادَ أَن الْحَارِث بن عُمَيْر روى الحَدِيث الْمَذْكُور عَن حميد الْمَذْكُور عَن أنس، وَزَاد فِي رِوَايَته: (حركها من حبها) أَي: حرك دَابَّته بِسَبَب حب الْمَدِينَة وَهَذَا التَّعْلِيق وَصله الإِمَام أَحْمد، قَالَ: حَدثنَا إِبْرَاهِيم بن إِسْحَاق حَدثنَا الْحَارِث بن عُمَيْر عَن حميد الطَّوِيل (عَن أنس: أَن النَّبِي، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، كَانَ إِذا قدم من سفر فَنظر إِلَى جدرات الْمَدِينَة أوضع نَاقَته، وَإِن كَانَ على دَابَّة حركها من حبها) . وروى هَذِه اللَّفْظَة أَيْضا التِّرْمِذِيّ عَن عَليّ بن حجر: أخبرنَا إِسْمَاعِيل بن جَعْفَر عَن حميد عَن أنس، وَقَالَ: حسن صَحِيح غَرِيب.
وَفِيه: دلَالَة على فضل الْمَدِينَة وعَلى مَشْرُوعِيَّة حب الوطن والحنة إِلَيْهِ.

حدَّثنا قُتَيْبَةُ قَالَ حدَّثنا إسْمَاعِيلُ عنْ حُمَيْدٍ عنْ أنَسٍ قَالَ جُدُرَاتٍ
وَإِسْمَاعِيل هُوَ ابْن جَعْفَر بن أبي كثير الْمدنِي، والجدرات، بِضَم الْجِيم وَالدَّال: جمع جدر، بِضَمَّتَيْنِ جمع: جِدَار. وَأخرجه الْإِسْمَاعِيلِيّ من هَذَا الْوَجْه بِلَفْظ: جدران، بِضَم الْجِيم وَسُكُون الدَّال وَفِي آخِره نون، جمع جِدَار. وَقد أورد البُخَارِيّ طَرِيق قُتَيْبَة هَذَا فِي فَضَائِل الْمَدِينَة بِلَفْظ الْحَارِث بن عُمَيْر، إلاَّ أَنه قَالَ: رَاحِلَته، بدل: نَاقَته.

(10/135)


تابَعَهُ الحَارِثُ بنُ عُمَيْرٍ

أَي: تَابع إِسْمَاعِيل الْحَارِث بن عُمَيْر فِي قَوْله: جدرات، وروى أَحْمد رِوَايَة الْحَارِث كَمَا ذَكرنَاهَا عَن قريب.

81 - (بابُ قَوْلِ الله تَعَالَى: {وٍّ أتُوا البُيُوتَ مِنْ أبْوَابِهَا} (الْبَقَرَة: 981) .)

أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان سَبَب نزُول هَذِه الْآيَة.

3081 - حدَّثنا أبُو الوَلِيدِ قالَ حَدثنَا شُعْبَةُ عنْ أبِي إسْحَاقَ قَالَ سَمِعْتُ البَرَاءَ رَضِي الله تَعَالَى عنهُ يَقُولُ نَزَلَتْ هذهِ الآيَةُ فِينَا كانَتِ الأنْصَارُ إذَا حَجُّوا فَجَاؤا لَمْ يَدْخُلُوا مِنْ قِبَلِ أبْوَابِ بُيُوتِهِمْ ولَكِنْ مِنْ ظُهُورِهَا فَجاءَ رَجُلٌ منَ الأنْصَارِ فَدَخَلَ مِنْ قِبَلِ بابِهِ فَكَأنَّهُ عُيِّرَ بِذَلِكَ فَنَزَلَتْ {ولَيْسَ البِرُّ بِأنْ تَأتُوا الْبُيُوتَ مِنْ ظُهُورِهَا ولَكِنَّ البِرَّ مَنِ اتَّقَى وأتُوا الْبُيُوتَ مِنْ أبْوَابِهَا} (الْبَقَرَة: 981) .
(الحَدِيث 3081 طرفه فِي: 2154) .
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة، وَأَبُو الْوَلِيد هِشَام بن عبد الْملك الطَّيَالِسِيّ، وَأَبُو إِسْحَاق عَمْرو بن عبيد الله السبيعِي الْكُوفِي رَحمَه الله.
قَوْله: (كَانَت الْأَنْصَار إِذا حجُّوا فجاؤا) ، قَالَ بَعضهم: هَذَا ظَاهر فِي اخْتِصَاص ذَلِك بالأنصار؟ قلت: لَا نسلم دَعْوَى الِاخْتِصَاص فِي ذَلِك، لِأَن هَذَا إِخْبَار عَن الْأَنْصَار أَنهم كَانُوا يَفْعَلُونَ ذَلِك، وَلَا يلْزم من ذَلِك نفي ذَلِك عَن غَيرهم، وَقد روى ابْن خُزَيْمَة وَالْحَاكِم فِي (صَحِيحَيْهِمَا) من طَرِيق عمار بن زُرَيْق عَن الْأَعْمَش عَن أبي سُفْيَان (عَن جَابر، قَالَ: كَانَت قُرَيْش تدعى الحمس، وَكَانُوا يدْخلُونَ من الْأَبْوَاب فِي الْإِحْرَام، وَكَانَت الْأَنْصَار وَسَائِر الْعَرَب لَا يدْخلُونَ من الْأَبْوَاب، فَبَيْنَمَا رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فِي بُسْتَان فَخرج من بَابه، فَخرج مَعَه قُطْبَة بن عَامر الْأنْصَارِيّ، فَقَالُوا: يَا رَسُول الله إِن قُطْبَة رجل فَاجر، فَإِنَّهُ خرج مَعَك من الْبَاب. فَقَالَ: مَا حملك على ذَلِك؟ قَالَ: رَأَيْتُك فعلته فَفعلت كَمَا فعلت، قَالَ: إِنِّي أحمس. قَالَ: فَإِن ديني دينك، فَأنْزل الله تَعَالَى هَذِه الْآيَة) . وَفِي (تَفْسِير) مقَاتل بن سُلَيْمَان: كَانَت الْأَنْصَار فِي الْجَاهِلِيَّة إِذا أحرم أحدهم بِالْحَجِّ أَو الْعمرَة وَهُوَ من أهل الْمدر، وَهُوَ مُقيم فِي أَهله لم يدْخل منزله من قبل الْبَاب، وَلَكِن يوضع لَهُ سلم فيصعد عَلَيْهِ وينحدر مِنْهُ، أَو يتسور من الْجِدَار أَو ينقب بعض جدره، فَيدْخل مِنْهُ وَيخرج، فَلَا يزَال كَذَلِك حَتَّى يتَوَجَّه إِلَى مَكَّة محرما، وَإِن كَانَ من أهل الْوَبر دخل وَخرج من وَرَاء بَيته، وَأَن النَّبِي، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، دخل يَوْمًا نخلا لبني النجار، وَدخل مَعَه قُطْبَة بن عَامر بن حَدِيدَة الْأنْصَارِيّ السّلمِيّ من قبل الْجِدَار، وَهُوَ محرم، فَلَمَّا خرج النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من الْبَاب وَهُوَ محرم خرج مَعَه قُطْبَة من الْبَاب، فَقَالَ رجل: هَذَا قُطْبَة! فَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: مَا حملك أَن تخرج من الْبَاب وَأَنت محرم؟ فَقَالَ: يَا نَبِي الله رَأَيْتُك خرجت من الْبَاب وَأَنت محرم، فَخرجت مَعَك، وديني دينك. فَقَالَ النَّبِي، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: خرجت لِأَنِّي من الحمس. فَقَالَ قُطْبَة: إِن كنت أحمس فَأَنا أحمس، وَقد رضيت بهداك. فَأنْزل الله تَعَالَى: {وَلَيْسَ الْبر} (الْبَقَرَة: 981) . قَوْله: (فجَاء رجل) ، قيل: إِنَّه هُوَ قُطْبَة بن عَامر الْمَذْكُور. وَقيل: هُوَ رِفَاعَة بن تَابُوت، وَاحْتَجُّوا فِي ذَلِك بِمَا رَوَاهُ عبد بن حميد وَابْن جرير الطَّبَرِيّ من طَرِيق دَاوُد بن أبي هِنْد عَن قيس بن جرير أَن النَّاس كَانُوا إِذا أَحْرمُوا وَلم يدخلُوا حَائِطا من بَابه وَلَا دَارا من بَابهَا، فَدخل رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَأَصْحَابه دَارا، وَكَانَ رجل من الْأَنْصَار يُقَال لَهُ رِفَاعَة بن تَابُوت، فجَاء فتسور الْحَائِط، ثمَّ دخل على رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فَلَمَّا خرج من بَاب الدَّار خرج مَعَه رِفَاعَة، فَقَالَ لَهُ النَّبِي، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: مَا حملك على ذَلِك؟ قَالَ: رَأَيْتُك خرجت مِنْهُ فَخرجت. فَقَالَ، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: إِنِّي أحمس. فَقَالَ الرجل: إِن ديننَا وَاحِد، فَأنْزل الله تَعَالَى هَذِه الْآيَة. قلت: هَذَا مُرْسل، وَحَدِيث جَابر مُسْند وَهُوَ أقوى. فَإِن قلت: هَل يجوز أَن يحمل على التَّعَدُّد؟ قلت: لَا مَانع من هَذَا، وَلَكِن ثمَّة مَانع آخر لِأَن رِفَاعَة بن تَابُوت مَعْدُود فِي الْمُنَافِقين، وَهُوَ الَّذِي هبت الرّيح الْعَظِيمَة لمَوْته، كَمَا وَقع فِي (صَحِيح مُسلم) مُبْهما، وَفِي غَيره مُفَسرًا، فَيتَعَيَّن أَن يكون ذَلِك الرجل قُطْبَة بن عَامر، وَيُؤَيِّدهُ أَيْضا أَن فِي مُرْسل الزُّهْرِيّ عِنْد الطَّبَرِيّ: فَدخل رجل من الْأَنْصَار من بني سَلمَة، وَقُطْبَة من بني سَلمَة، بِخِلَاف رِفَاعَة. قَوْله: (من قبل بَابه) ، بِكَسْر الْقَاف

(10/136)


وَفتح الْبَاء الْمُوَحدَة. قَوْله: (فَكَأَنَّهُ عير) ، بِضَم الْعين الْمُهْملَة على صِيغَة الْمَجْهُول من التعيير. وَهُوَ التعييب. وَقَالَ الْجَوْهَرِي: يُقَال، عيره كَذَا، والعامة تَقول: عيره بِكَذَا، قَوْله: (فَنزلت) أَي: هَذِه الْآيَة الْكَرِيمَة، وَهِي قَوْله تَعَالَى: {وَلَيْسَ الْبر بِأَن تَأْتُوا الْبيُوت من ظُهُورهَا} (الْبَقَرَة: 981) . الْآيَة. وَحَدِيث الْبَاب يدل على أَن سَبَب نزُول هَذِه الْآيَة مَا ذكر فِيهِ. وروى عبد الرَّحْمَن بن أبي حَاتِم فِي (تَفْسِيره) : حَدثنَا زيد بن حباب عَن مُوسَى بن عُبَيْدَة: سَمِعت مُحَمَّد بن كَعْب الْقرظِيّ يَقُول: كَانَ الرجل إِذا اعْتكف لم يدْخل منزله من بَاب الْبَيْت، فَنزلت الْآيَة. وَحدثنَا عِصَام بن رواد حَدثنَا آدم عَن ابْن شيبَة عَن عَطاء، قَالَ: كَانَ أهل يثرب إِذا رجعُوا من عِنْدهم دخلُوا الْبيُوت من ظُهُورهَا، ويريدون أَن ذَلِك أدنى إِلَى الْبر، فَقَالَ الله تَعَالَى: {وَلَيْسَ الْبر} (الْبَقَرَة: 981) . الْآيَة. وَحدثنَا الْحسن بن أَحْمد حَدثنَا إِبْرَاهِيم بن عبد الله بن بشار، حَدثنِي سرُور بن الْمُغيرَة عَن عباد بن مَنْصُور عَن الْحسن، قَالَ: كَانَ أَقوام من أهل الْجَاهِلِيَّة إِذا أَرَادَ أحدهم سفرا أَو خرج من بَيته يُرِيد سفرا، ثمَّ بدا لَهُ من بعد خُرُوجه أَن يُقيم ويدع سَفَره الَّذِي خرج لَهُ لم يدْخل الْبَيْت من بَابه، وَلَكِن يتسوره من قبل ظَهره تسورا، فَنزلت الْآيَة. وَقَالَ الزّجاج: كَانَ قوم من قُرَيْش وَجَمَاعَة مَعَهم من الْعَرَب إِذا خرج الرجل مِنْهُم فِي حَاجَة فَلم يقضها وَلم يَتَيَسَّر لَهُ رَجَعَ فَلم يدْخل من بَاب بَيته سنة يفعل ذَلِك طيرة، فأعلمهم الله تَعَالَى أَن هَذَا غير بر. وَقَالَ النَّسَفِيّ: كَانَت الحمس، وهم المشددون على أنفسهم من بني خُزَاعَة وَبني كنَانَة فِي الْجَاهِلِيَّة وبدء الأسلام، إِذا أَحْرمُوا أَو اعتكفوا لم يدخلُوا بُيُوتهم من أَبْوَابهَا، فَإِن كَانَت فِي بُيُوتهم من الْخيام رفعوا ذيولها، وَإِن كَانَت من الْمدر نقبوا فِي ظُهُور بُيُوتهم فَدَخَلُوا مِنْهَا، أَو من قبل السَّطْح. وَقَالُوا: لَا ندخل بُيُوتًا من الْبَاب حَتَّى ندخل بَيت الله، وَكَانَ مِنْهُم من لَا يستظل تَحت سقف بعد إِحْرَامه، وَلَا يدْخل بَيْتا من بَابه وَلَا من خَلفه، وَلَكِن يصعد السَّطْح فيأمر بحاجته من السَّطْح، وَهَذِه الْأَشْيَاء وضعوها من عِنْد أنفسهم من غير شرع، فعرفهم الله تَعَالَى أَن هَذَا التَّشْدِيد لَيْسَ ببر، وَلَا قربَة. وَفِي (التلويج) وَقَالَ الْأَكْثَرُونَ من أهل التَّفْسِير: إِنَّهُم الحمس، وهم قوم من قُرَيْش، وَبَنُو عَامر بن صعصعة وَثَقِيف وخزاعة كَانُوا إِذا أَحْرمُوا لَا يأفطون الأقط، وَلَا يَنْتَفِعُونَ الْوَبر، وَلَا يسلون السّمن، وَإِذا خرج أحدهم من الْإِحْرَام لم يدْخل من بَاب بَيته، فَنزلت الْآيَة. فَإِن قلت: مَتى نزلت الْآيَة الْمَذْكُورَة؟ قلت: روى أَبُو جَعْفَر فِي (تَفْسِيره) : حَدثنَا عَمْرو بن هَارُون، حَدثنَا عَمْرو بن حَمَّاد حَدثنَا أَسْبَاط (عَن السّديّ: كَانَ نَاس من الْعَرَب إِذا حجُّوا لم يدخلُوا بُيُوتهم من أَبْوَابهَا، كَانُوا ينقبون من أدبارها، فَلَمَّا حج سيدنَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حجَّة الْوَدَاع، أقبل يمشي وَمَعَهُ رجل من أُولَئِكَ، وَهُوَ مُسلم، فَلَمَّا بلغ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بَاب الْبَيْت احْتبسَ الرجل خَلفه، وَقَالَ يَا رَسُول الله! إِنِّي أحمس. يَقُول: محرم، فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأَنا أَيْضا أحمس، فَادْخُلْ فَدخل الرجل فَنزلت الْآيَة) وروى ابْن جرير من حَدِيث ابْن عَبَّاس أَن الْقِصَّة وَقعت أول مَا قدم النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الْمَدِينَة، وَفِي إِسْنَاده ضعف، وَجَاء فِي مُرْسل الزُّهْرِيّ أَن ذَلِك وَقع فِي عمْرَة الْحُدَيْبِيَة.

91 - (بابٌ السَّفرُ قِطْعَةٌ مِنَ العَذَابِ)

أَي: هَذَا بَاب يذكر فِيهِ السّفر قِطْعَة من الْعَذَاب، قيل: أَشَارَ البُخَارِيّ بإيراد هَذِه التَّرْجَمَة فِي أَوَاخِر أَبْوَاب الْحَج وَالْعمْرَة إِلَى أَن الْإِقَامَة فِي الْأَهْل أفضل من المجاهدة، ورد بِأَنَّهُ أَشَارَ إِلَى حَدِيث عَائِشَة، بِلَفْظ: (إِذا قضى أحدكُم حجه فليعجل إِلَى أَهله) . قلت: لَا وَجه لما ذكرُوا، بل الْوَجْه أَن الْمَذْكُور فِي الْأَبْوَاب السَّبْعَة الْمَذْكُورَة قبل هَذَا الْبَاب كلهَا وَاقع فِي ضمن السّفر، وَالسّفر لَا يَخْلُو عَن مشقة من كل وَجه، فَنَاسَبَ أَن يُنَبه على شَيْء من حَال السّفر، فَذكر هَذَا الحَدِيث. (السّفر قِطْعَة من الْعَذَاب) ، وَترْجم عَلَيْهِ، وَرُوِيَ: (السّفر قِطْعَة من النَّار) ، وَلَا أعلم صِحَّته.

4081 - حدَّثنا عَبْدُ الله بنُ مَسْلَمَةَ قَالَ حدَّثنا مالِكٌ عنْ سُمَيٍّ عنْ أبي صالِحٍ عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ عنِ النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ السَّفَرُ قِطْعَةٌ مِنَ العَذَابِ يَمْنَعُ أحَدَكُمْ طَعَامَهُ وشَرَابَهُ ونَوْمَهُ فإذَا قَضَى نَهْمَتَهُ فَلْيُعَجِّلْ إلَى أهلِهِ.

(10/137)


مطابقته للتَّرْجَمَة هِيَ أَنه جعل التَّرْجَمَة جُزْءا من الحَدِيث، وَرِجَاله قد ذكرُوا غير مرّة، وَسمي، بِضَم السِّين الْمُهْملَة وَفتح الْمِيم وَتَشْديد الْيَاء آخر الْحُرُوف: القريشي المَخْزُومِي أَبُو عبد الله الْمدنِي، وَأَبُو صَالح ذكْوَان الزيات.
والْحَدِيث أخرجه البُخَارِيّ أَيْضا فِي الْجِهَاد عَن عبد الله بن يُوسُف. وَفِي الْأَطْعِمَة عَن أبي نعيم. وَأخرجه مُسلم فِي الْمَغَازِي عَن القعْنبِي، وَإِسْمَاعِيل ابْن أبي أويس، وَأبي مُصعب الزُّهْرِيّ وَمَنْصُور بن أبي مُزَاحم، وقتيبة بن سعيد وَيحيى بن يحيى، كلهم عَن مَالك. وَأخرجه النَّسَائِيّ فِي السّير عَن قُتَيْبَة بِهِ، وَعَن عَمْرو بن عَليّ وَمُحَمّد بن الْمثنى، كِلَاهُمَا عَن يحيى بن سعيد عَن مَالك بِهِ.
ذكر رجال هَذَا الحَدِيث قَالَ أَبُو عمر: هَذَا حَدِيث تفرد بِهِ مَالك عَن سمي، وَلَا يَصح لغيره، وَانْفَرَدَ بِهِ سمي أَيْضا فَلَا يحفظ عَن غَيره، وَهَكَذَا هُوَ فِي (الْمُوَطَّأ) عِنْد جمَاعَة الروَاة بِهَذَا الْإِسْنَاد، وَرَوَاهُ ابْن مهْدي عَن بشر بن عمر عَن مَالك مُرْسلا، وَكَانَ وَكِيع يحدث بِهِ عَن مَالك حينا مُرْسلا، وحينا يسْندهُ كَمَا فِي (الْمُوَطَّأ) والمسند صَحِيح ثَابت احْتِيَاج النَّاس إِلَيْهِ عَن مَالك، وَلَيْسَ لَهُ غير هَذَا الْإِسْنَاد من وَجه يَصح، وروى عبيد الله بن المنتاب عَن سُلَيْمَان بن إِسْحَاق الطلحي عَن هَارُون الْفَروِي عَن عبد الْملك بن الْمَاجشون، قَالَ: قَالَ مَالك: مَا بَال أهل الْعرَاق يَسْأَلُونِي عَن حَدِيث: (السّفر قِطْعَة من الْعَذَاب) ، قيل لَهُ: لم يروه غَيْرك، فَقَالَ: لَو اسْتقْبلت من أَمْرِي مَا اسْتَدْبَرت مَا حدثت بِهِ، وَرَوَاهُ عِصَام بن رواد بن الْجراح عَن أَبِيه عَن مَالك عَن ربيعَة عَن الْقَاسِم عَن عَائِشَة، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا، وَعَن مَالك عَن سمي عَن أبي صَالح عَن أبي هُرَيْرَة، قَالَا: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (السّفر قِطْعَة من الْعَذَاب) قَالَ أَبُو عَمْرو: حَدِيث رواد عَن مَالك عَن ربيعَة عَن الْقَاسِم غير مَحْفُوظ، لَا أعلم رَوَاهُ عَن مَالك غَيره، وَهُوَ (خطأ) وَلَيْسَ رواد مِمَّن يحْتَج وَلَا يعول عَلَيْهِ، وَقد رَوَاهُ خَالِد بن مخلد وَمُحَمّد بن جَعْفَر الْوَركَانِي عَن مَالك عَن سُهَيْل عَن أَبِيه عَن أبي هُرَيْرَة، وَلَا يَصح لمَالِك عَن سُهَيْل عِنْدِي إلاَّ أَنه لَا يبعد أَن يكون عَن سُهَيْل أَيْضا، وَلَيْسَ بِمَعْرُوف لمَالِك عَنهُ، وَقد روى عَن عَتيق بن يَعْقُوب عَن مَالك عَن أبي النَّضر مولى عمر بن عبيد الله عَن أبي صَالح عَن أبي هُرَيْرَة مَرْفُوعا، وَلَا يَصح أَيْضا عِنْدِي، وَإِنَّمَا هُوَ مَالك عَن سمي لَا عَن سُهَيْل وَلَا ربيعَة، وَلَا عَن أبي النَّضر. وَقد رَوَاهُ بعض الضُّعَفَاء عَن مَالك، فَقَالَ: وليتخذ لأَهله هَدِيَّة وَإِن لم يلق إلاَّ حجرا فليلقه فِي مخلاته. قَالَ: وَالْحِجَارَة يَوْمئِذٍ يضْرب بهَا القداح. وَقَالَ أَبُو عَمْرو: هَذِه زِيَادَة مُنكرَة لَا تصح، وَرَوَاهُ ابْن سمْعَان عَن زيد بن أسلم عَن جمْهَان عَن أبي هُرَيْرَة، يرفعهُ: (السّفر قِطْعَة من الْعَذَاب) وَابْن سمْعَان كَانَ مَالك يرميه بِالْكَذِبِ، قَالَ: وَقد روينَاهُ عَن الدَّرَاورْدِي عَن سُهَيْل عَن أَبِيه عَن أبي هُرَيْرَة بِإِسْنَاد صَالح، لَكِن لَا تقوى الْحجَّة بِهِ، وَفِيه: (وَإِذا عرستم فتجنبوا الطَّرِيق فَإِنَّهَا مأوى الْهَوَام وَالدَّوَاب) .
قَوْله: (السّفر قِطْعَة من الْعَذَاب) أَي: جُزْء مِنْهُ، وَالْمرَاد بِالْعَذَابِ الْأَلَم الناشيء عَن الْمَشَقَّة. قَوْله: (يمْنَع أحدكُم) ، جملَة استئنافية، فَلذَلِك فصلها عَمَّا قبلهَا، وَهِي فِي الْحَقِيقَة جَوَاب عَمَّا يُقَال: لم كَانَ السّفر كَذَلِك؟ فَقَالَ: لِأَنَّهُ يمْنَع أحدكُم طَعَامه، أَي لَذَّة طَعَامه. وَقَالَ الْخطابِيّ: يُرِيد أَنه يمنعهُ الطَّعَام فِي الْوَقْت الَّذِي يَسْتَوْفِيه مِنْهُ لغدائه وعشائه، وَالنَّوْم كَذَلِك يمنعهُ فِي وقته، وَاسْتِيفَاء الْقدر الَّذِي يحْتَاج إِلَيْهِ. وَقد ورد التَّعْلِيل فِي رِوَايَة سعيد المَقْبُري بِلَفْظ: (السّفر قِطْعَة من الْعَذَاب لِأَن الرجل يشْتَغل فِيهِ عَن صلَاته وصيامه) الحَدِيث، وَالْمرَاد بِالْمَنْعِ فِي الْأَشْيَاء الْمَذْكُورَة لَيْسَ منع حَقِيقَتهَا، وَإِنَّمَا المُرَاد منع كمالها على مَا لَا يخفى، وَيُؤَيّد مَا رَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ بِلَفْظ: (لَا يهنأ أحدكُم نَومه وَلَا طَعَامه وَلَا شرابه) ، وَفِي حَدِيث ابْن عمر عِنْد ابْن عدي: (فَإِنَّهُ لَيْسَ لَهُ دَوَاء (إلاَّ سرعَة السّير) . قَوْله: (فَإِذا قضى نهمته) ، بِفَتْح النُّون وَسُكُون الْهَاء أَي: حَاجته، وَقَالَ ابْن التِّين: وضبطناه أَيْضا بِكَسْر النُّون. وَفِي (الموعب) : النهمة: بُلُوغ الهمة بالشَّيْء، وَهُوَ منهوم بِكَذَا، أَي مولع لَا ينشرح وَتقول: قضيت مِنْهُ نهمتي، أَي: حَاجَتي، وَعَن أبي زيد: المنهوم، الَّذِي يمتلىء بَطْنه، وَلَا تَنْتَهِي حَاجته وَعَن أبي الْعَبَّاس: نهم ونهم. بِمَعْنى. قَوْله: (فليعجل إِلَى أَهله) ، وَفِي رِوَايَة عَتيق ابْن يَعْقُوب، وَسَعِيد المَقْبُري: (فليعجل الرُّجُوع إِلَى أَهله) ، وَفِي رِوَايَة مُصعب (فليعجل الكرة إِلَى أَهله) ، وَفِي حَدِيث عَائِشَة: (فليعجل الرحلة إِلَى أَهله فَإِنَّهُ أعظم لأجره) .
وَمِمَّا يُسْتَفَاد من الحَدِيث: كَرَاهَة التغرب عَن الْأَهْل بِغَيْر حَاجَة، واستحباب استعجال الرُّجُوع، وَلَا سِيمَا من يخْشَى عَلَيْهِم الضَّيْعَة بالغيبة وَلما فِي الْإِقَامَة فِي الْأَهْل من الرَّاحَة الْمعينَة على صَلَاح الدّين وَالدُّنْيَا، وَلما فِيهَا من تَحْصِيل الْجَمَاعَات وَالْجمعَات وَالْقُوَّة على الْعِبَادَات. وَالْعرب تشبه الرجل فِي أَهله بالأمير. وَقيل: فِي قَوْله تَعَالَى:

(10/138)


{وجعلكم ملوكا} (آل عمرَان: 02) . قَالَ: من كَانَ لَهُ دَار وخادم فَهُوَ دَاخل فِي معنى الْآيَة. وَقد أخبر الله تَعَالَى بلطف مَحل الْأزْوَاج من أَزوَاجهنَّ بقوله: {وَجعل بَيْنكُم مَوَدَّة وَرَحْمَة} (الرّوم: 12) . فَقيل: الْمَوَدَّة الْجِمَاع وَالرَّحْمَة الْوَلَد. فَإِن قلت: روى وَكِيع عَن مَالك عَن سمي عَن أبي صَالح عَن أبي هُرَيْرَة، قَالَ رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (لَو يعلم النَّاس مَا لمسافر لأصبحوا على الظّهْر سفرا، إِن الله لينْظر إِلَى الْغَرِيب فِي كل يَوْم مرَّتَيْنِ) . وَفِي حَدِيث ابْن عَبَّاس وَابْن عمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُم، مَرْفُوعا: (سافروا تغنموا) . وَفِي رِوَايَة: (تُرْزَقُوا) . ويروى: (سافروا تصحوا) . فَهَذَا معَارض لحَدِيث الْبَاب. قلت: حَدِيث أبي هُرَيْرَة، قَالَ أَبُو عمر: هَذَا حَدِيث غَرِيب لَا أصل لَهُ من حَدِيث مَالك وَلَا غَيره. وَأما حَدِيث ابْن عَبَّاس وَابْن عمر فقد قَالَ ابْن بطال: لَا تعَارض بَينه وَبَين حَدِيث الْبَاب، لِأَنَّهُ لَا يلْزم من الصِّحَّة بِالسَّفرِ لما فِيهِ من الرياضة أَن لَا يكون قِطْعَة من الْعَذَاب لما فِيهِ من الْمَشَقَّة فَصَارَ كالدواء المر المعقب للصِّحَّة، وَإِن كَانَ فِي تنَاوله الْكَرَاهَة.
واستنبط مِنْهُ الْخطابِيّ: تغريب الزَّانِي لِأَنَّهُ قد أَمر بتعذيبه، وَالسّفر من جملَة الْعَذَاب، وَفِيه مَا فِيهِ على مَا لَا يخفى.

02 - (بابُ المُسَافِرِ إذَا جَدَّ بِهِ السَّيْرُ يُعَجِّلُ إلَى أهْلِهِ)

أَي: هَذَا بَاب يذكر فِيهِ الْمُسَافِر إِذا جد بِهِ السّير أَي: إِذا اهتم بِهِ وأسرع فِيهِ، يُقَال: جد يجد من بَاب نصر ينصر، وجد يجد من بَاب ضرب يضْرب. قَوْله: (يعجل إِلَى أَهله) جَوَاب: إِذا، وَفِي رِوَايَة الْكشميهني والنسفي: (ويعجل إِلَى أَهله) . بِالْوَاو، وَالْجَوَاب حِينَئِذٍ مَحْذُوف، تَقْدِيره: مَاذَا يصنع؟ ويعجل، بِضَم الْيَاء من: بَاب التَّعْجِيل، ويروى: (تعجل) ، بِفَتْح التَّاء الْمُثَنَّاة من فَوق من بَاب التعجل.
381 - (حَدثنَا سعيد بن أبي مَرْيَم قَالَ أخبرنَا مُحَمَّد بن جَعْفَر قَالَ أَخْبرنِي زيد بن أسلم عَن أَبِيه قَالَ كنت مَعَ عبد الله بن عمر رَضِي الله عَنْهُمَا بطرِيق مَكَّة فَبَلغهُ عَن صَفِيَّة بنت أبي عبيد شدَّة وجع فأسرع السّير حَتَّى إِذا كَانَ بعد غرُوب الشَّفق نزل فصلى الْمغرب وَالْعَتَمَة جمع يبنهما ثمَّ قَالَ إِنِّي رَأَيْت النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - إِذا جد بِهِ السّير أخر الْمغرب وَجمع بَينهمَا) مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة وَقد مضى هَذَا الحَدِيث فِي أَبْوَاب تَقْصِير الصَّلَاة فِي بَاب يُصَلِّي الْمغرب ثَلَاثًا فِي السّفر وَقد مر الْكَلَام فِيهِ مستقصى وَصفِيَّة بنت أبي عبيد الثقفية زَوْجَة عبد الله بن عمر رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا وَكَانَت من الصَّالِحَات العابدات توفيت فِي حَيَاة عبد الله بن عَمْرو وَأَبُو عبيد بن مَسْعُود بن عَمْرو بن عُمَيْر بن عَوْف بن عُبَيْدَة بن غيرَة بن عَوْف بن ثَقِيف الثَّقَفِيّ وَذكر أَبُو عمر أَبَا عبيد هَذَا من الصَّحَابَة وَقَالَ الذَّهَبِيّ أَبُو عبيد بن مَسْعُود الثَّقَفِيّ وَالِد الْمُخْتَار الْكذَّاب وَصفِيَّة أسلم فِي عهد رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَأمره عمر رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ على جَيش كثيف وَقَالَ لَا يبعد أَن يكون لَهُ رُؤْيَة وَكَانَ شَابًّا شجاعا خَبِيرا بِالْحَرْبِ والمكيدة مَاتَ فِي وقْعَة جسر الَّذِي يُسمى جسر أبي عبيد وَكَانَ اجْتمع جَيش كثير من الْفرس وَمَعَهُمْ أفيلة كَثِيرَة وَأمر أَبُو عبيد الْمُسلمين أَن يقتلُوا الفيلة أَولا فاحتوشوها فَقَتَلُوهَا عَن آخرهَا وَقد قدمت الْفرس بَين أَيْديهم فيلا أَبيض عَظِيما فَقدم إِلَيْهِ أَبُو عبيد فَضَربهُ بِالسَّيْفِ فَقطع زلومه فَحمل الْفِيل وَحمل عَلَيْهِ فتخبطه بِرجلِهِ فَقتله ووقف فَوْقه وَكَانَ ذَلِك فِي سنة ثَلَاث عشرَة من الْهِجْرَة وَابْنه الْمُخْتَار ولد عَام الْهِجْرَة وَلَيْسَت لَهُ صُحْبَة وَلَا رِوَايَة حَدِيث وَكَانَ مَعَ أَبِيه يَوْم الجسر وَكَانَ خارجيا ثمَّ صَار زيد يَأْثَم صَار شِيعِيًّا وَكَانَ ممخرقا ابتدع أَشْيَاء كَانَ يزْعم أَن جِبْرِيل عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام يَأْتِيهِ بِالْوَحْي وَكَانَ قد وَقع بَينه وَبَين مُصعب بن الزبير حروب فآخر الْأَمر قَتَلُوهُ وجاؤا بِرَأْسِهِ إِلَى مُصعب رَضِي الله عَنهُ وَذَلِكَ فِي سنة سبع وَسِتِّينَ من الْهِجْرَة -

(10/139)