عمدة القاري شرح
صحيح البخاري 35 - (بابُ مَا يُذْكَرُ مِنْ صَوْمِ
النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وإفْطَارِهِ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان مَا يذكر من صَوْم النَّبِي
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من التَّطَوُّع وَبَيَان إفطاره
فِي خلال صَوْمه، قيل: لم يضف البُخَارِيّ التَّرْجَمَة
الَّتِي قبل هَذِه للنَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم،
وأطلقها ليفهم التَّرْغِيب للْأمة فِي الِاقْتِدَاء بِهِ
فِي إكثار الصَّوْم فِي شعْبَان، وَقصد بِهَذِهِ
التَّرْجَمَة شرح حَال النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
فِي ذَلِك. قلت: الْبَاب السَّابِق أَيْضا فِي شرح حَال
النَّبِي، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فِي صَوْمه وَصلَاته،
غير أَنه أطلق التَّرْجَمَة فِي ذَلِك لإِظْهَار فضل
شعْبَان وَفضل الصَّوْم فِيهِ.
1791 - حدَّثنا مُوسَى بنُ إسْمَاعِيلَ قَالَ حدَّثنا أبُو
عَوَانَةَ عنْ أبِي بِشْرٍ عنْ سَعيدٍ عنِ ابنِ عَبَّاسٍ
رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا قَالَ مَا صَامَ النبيُّ
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم شَهْرا كامِلاً قَطُّ غَيْرَ
رَمَضَانَ ويَصُومُ حَتَّى يَقُولَ الْقَائِلُ لاَ وَالله
لاَ يُفْطِرُ ويُفْطِرُ حَتَّى يَقُولَ الْقَائِلُ لاَ
وَالله لاَ يَصُومُ.
مطابقته للتَّرْجَمَة من حَيْثُ أَنه يبين صَوْمه وفطره.
ذكر رِجَاله وهم خَمْسَة: الأول: مُوسَى بن إِسْمَاعِيل
أَبُو سَلمَة
(11/85)
الْمنْقري التَّبُوذَكِي. الثَّانِي: أَبُو
عوَانَة، بِفَتْح الْعين الْمُهْملَة وَتَخْفِيف الْوَاو
وَبعد الْألف نون، واسْمه: الوضاح بن عبد الله
الْيَشْكُرِي. الثَّالِث: أَبُو بشر، بِكَسْر الْبَاء
الْمُوَحدَة وَسُكُون الشين الْمُعْجَمَة: واسْمه جَعْفَر
بن أبي وحشية إِيَاس الْيَشْكُرِي. الرَّابِع: سعيد بن
جُبَير. الْخَامِس: عبد الله بن عَبَّاس.
ذكر لطائف إِسْنَاده فِيهِ: التحديث بِصِيغَة الْجمع فِي
موضِعين. وَفِيه: العنعنة فِي ثَلَاثَة مَوَاضِع. وَفِيه:
أَن شَيْخه بَصرِي وَشَيخ شَيْخه وَأَبا بشر واسطيان،
وَقيل: أَبُو بشر بَصرِي وَسَعِيد بن جُبَير كُوفِي.
وَفِيه: أَبُو بشر عَن سعيد وَفِي رِوَايَة شُعْبَة
حَدثنِي سعيد بن جُبَير، وَلمُسلم من طَرِيق عُثْمَان بن
حَكِيم: سَأَلت سعيد بن جُبَير عَن صِيَام رَجَب؟ فَقَالَ:
سَمِعت ابْن عَبَّاس ...
ذكر من أخرجه غَيره: أخرجه مُسلم فِي الصَّوْم عَن أبي
الرّبيع الزهْرَانِي عَن أبي عوَانَة بِهِ، وَعَن مُحَمَّد
بن بشار وَأبي بكر بن نَافِع، وَأخرجه التِّرْمِذِيّ فِي
الشَّمَائِل عَن مَحْمُود بن غيلَان. وَأخرجه النَّسَائِيّ
وَابْن مَاجَه جَمِيعًا فِيهِ عَن مُحَمَّد ابْن بشار
بِهِ.
قَوْله: (ويصوم) ، فِي رِوَايَة مُسلم من الطَّرِيق
الَّتِي أخرجهَا البُخَارِيّ: (وَكَانَ يَصُوم) . قَوْله:
(غير رَمَضَان) ، قَالَ الْكرْمَانِي: تقدم أَنه كَانَ
يَصُوم شعْبَان كُله، ثمَّ قَالَ: إِمَّا أَنه أَرَادَ
بِالْكُلِّ معظمه، وَإِمَّا أَنه مَا رأى إلاَّ رَمَضَان،
فَأخْبر بذلك على حسب اعْتِقَاده.
2791 - حدَّثني عَبْدُ العَزِيز بنُ عَبْدِ الله قالَ
حدَّثني مُحَمَّدُ بنُ جَعْفَرٍ عنْ حُمَيْدٍ أنَّهُ
سَمِعَ أنسا رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ يَقُولُ كانِ رسولُ
الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يُفْطِرُ مِنَ الشَّهْرِ
حَتَّى نَظُنَّ أنْ لاَ يَصُومَ مِنْهُ ويَصُومُ حَتَّى
نَظُنَّ أنْ لاَ يُفُطِرَ مِنْهُ شَيْئا وكانَ لَا تَشاءُ
تَرَاهُ مِنَ اللَّيْلِ مُصَلِّيا إلاَّ رأيْتَهُ ولاَ
نَائِما إلاَ رأيْتَهُ.
مطابقته للتَّرْجَمَة من حَيْثُ إِنَّه يذكر عَن صَوْمه
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَعَن إفطاره على الْوَجْه
الْمَذْكُور فِيهِ.
وَرِجَاله أَرْبَعَة: عبد الْعَزِيز ابْن عبد الله بن يحيى
أَبُو الْقَاسِم الْقرشِي العامري الأويسي الْمدنِي وَهُوَ
من أَفْرَاد البُخَارِيّ، وَمُحَمّد بن جَعْفَر بن أبي
كثير الْمدنِي، وَحميد الطَّوِيل الْبَصْرِيّ.
وَالْبُخَارِيّ أخرجه أَيْضا فِي صَلَاة اللَّيْل بِهَذَا
الْإِسْنَاد بِعَيْنِه، وبعين هَذَا الْمَتْن، وَقد مضى
الْكَلَام فِيهِ، ونتكلم هُنَا لزِيَادَة التَّوْضِيح
وَإِن كَانَ فِيهِ تكْرَار فَلَا بَأْس بِهِ.
قَوْله: (حَتَّى نظن) فِيهِ ثَلَاثَة أوجه الأول: نظن،
بنُون الْجمع، وَالثَّانِي: تظن، بتاء الْمُخَاطب،
وَالثَّالِث: يظنّ، بِالْيَاءِ آخر الْحُرُوف على بِنَاء
الْمَجْهُول. قَوْله: (أَن لَا يَصُوم) ، بِفَتْح همزَة:
أَن، وَيجوز فِي يَصُوم الرّفْع وَالنّصب، لِأَن: أَن،
إِمَّا ناصبة، و: لَا، نَافِيَة، وَإِمَّا مفسرة. و: لَا
ناهية. قَوْله: (وَكَانَ لَا تشاءُ ترَاهُ) أَي: كَانَ
النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَا تشَاء، بتاء
الْخطاب، وَكَذَلِكَ ترَاهُ. وَقَوله: (إلاَّ رَأَيْته) ،
بِفَتْح التَّاء، وَمَعْنَاهُ: أَن حَاله، صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم، فِي التَّطَوُّع بالصيام وَالْقِيَام
كَانَ يخْتَلف، فَكَانَ تَارَة يَصُوم من أول الشَّهْر،
وَتارَة من وَسطه، وَتارَة من آخِره كَمَا كَانَ يُصَلِّي
تَارَة من أول اللَّيْل وَتارَة من وَسطه وَتارَة من
آخِره، فَكَانَ من أَرَادَ أَن يرَاهُ فِي وَقت من
أَوْقَات اللَّيْل قَائِما، أَو فِي وَقت من أَوْقَات
النَّهَار صَائِما، فراقبه مرّة بعد مرّة فَلَا بُد أَن
يصادفه قَائِما أَو صَائِما على وفْق مَا أَرَادَ أَن
يرَاهُ، وَهَذَا معنى الْخَبَر، وَلَيْسَ المُرَاد أَنه
كَانَ يسْرد الصَّوْم، وَلَا أَنه كَانَ يستوعب اللَّيْل
قَائِما. وَقَالَ الْكرْمَانِي: كَيفَ يُمكن أَنه مَتى
شَاءَ يرَاهُ مُصَليا وَيَرَاهُ نَائِما. ثمَّ قَالَ:
غَرَضه أَنه كَانَت لَهُ حالتان يكثر هَذَا على ذَاك مرّة،
وَبِالْعَكْسِ أُخْرَى؟ فَإِن قلت: يُعَارض هَذَا قَول
عَائِشَة فِي الحَدِيث الَّذِي مضى قبله: (وَكَانَ إِذا
صلى صَلَاة دَامَ عَلَيْهَا) . وَقَوله: الَّذِي سَيَأْتِي
فِي الرِّوَايَة الْأُخْرَى: (وَكَانَ عمله دِيمَة) ؟ قلت:
المُرَاد بِذَاكَ مَا اتَّخذهُ راتبا، لَا مُطلق
النَّافِلَة.
وَقَالَ سُلَيْمَانُ عنْ حُمَيْدٍ أنَّهُ سَألَ أنَسا فِي
الصَّوْمِ
قَالَ بَعضهم: كنت أَظن أَن سُلَيْمَان هَذَا هُوَ ابْن
بِلَال لَكِن لم أره بعد التتبع التَّام من حَدِيثه فَظهر
أَنه سُلَيْمَان بن حَيَّان أَبُو خَالِد الْأَحْمَر.
انْتهى. قلت: هَذَا الْكرْمَانِي قَالَ: سُلَيْمَان هُوَ
أَبُو خَالِد الْأَحْمَر ضد الْأَبْيَض من غير ظن وَلَا
حسبان، وَلَو قَالَ مثل مَا قَالَه لم يحوجه شَيْء إِلَى
مَا قَالَه، وَلكنه كَأَنَّهُ لما رأى كَلَام الْكرْمَانِي
لم يعْتَمد عَلَيْهِ لقلَّة مبالاته، ثمَّ لما فتش بتتبع
تَامّ ظهر لَهُ أَن الَّذِي قَالَه الْكرْمَانِي هُوَ
هُوَ، وَفِي جملَة الْأَمْثَال: خبز الشّعير يُؤْكَل ويذم،
وَقد وصل البُخَارِيّ هَذَا الَّذِي ذكره مُعَلّقا
(11/86)
عقيب هَذَا، وَفِيه: (سَأَلت أنسا عَن
صِيَام النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم) فَذكر الحَدِيث
ثمَّ أتم من طَرِيق مُحَمَّد بن جَعْفَر فَإِن قلت: قد
ذكرنَا تقدم هَذَا الحَدِيث فِي الصَّلَاة فِي: بَاب قيام
النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ونومه. وَمَا نسخ من
قيام اللَّيْل وَفِي آخِره، تَابعه سُلَيْمَان وَأَبُو
خَالِد الْأَحْمَر عَن حميد، فَهَذَا يَقْتَضِي أَن
سُلَيْمَان هَذَا غير أبي خَالِد للْعَطْف فِيهِ قلت:
قَالَ بَعضهم: يحْتَمل أَن تكون الْوَاو زَائِدَة،
وردَّينا عَلَيْهِ هُنَاكَ أَن زِيَادَة الْوَاو نادرة
بِخِلَاف الأَصْل، سِيمَا الحكم بذلك بِالِاحْتِمَالِ،
وَقد مر الْكَلَام فِيهِ هُنَاكَ مُسْتَوفى.
3791 - حدَّثني مُحَمَّدٌ قَالَ أخبرَنَا أَبُو خالِدٍ
الأحْمَرُ قَالَ أخبرنَا حُمَيْدٌ قَالَ سألْتُ أنسا رَضِي
الله تَعَالَى عَنهُ عنْ صِيَامِ النَّبِيِّ صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ مَا كُنْتُ أُحِبُّ أنْ أرَاهُ
مِنَ الشَّهْرِ صَائِما إلاَّ رأيْتُهُ ولاَ مُفْطِرا
إلاَّ رَأيْتُهُ ولاَ مِنَ اللَّيْلِ قَائِما إلاَّ
رَأيْتُهُ ولاَ نَائِما إلاَّ رَأيْتُهُ وَلاَ مَسِسْتُ
خَزَّةً ولاَ حَرِيرَةً ألْيَنَ مِنْ كَفِّ رسولِ الله صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم ولاَ شَمَمْتُ مِسْكَةً ولاَ
عَبِيرَةً أطْيَبَ رَائِحَةً مِنْ رَائِحَةِ رسولِ الله
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم.
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة مثل مَا تقدم فِي الحَدِيث
السَّابِق، وَمُحَمّد شَيْخه هُوَ ابْن سَلام نَص عَلَيْهِ
الْحَافِظ الْمزي فِي (الْأَطْرَاف) وَأَبُو خَالِد
الْأَحْمَر هُوَ سُلَيْمَان بن حَيَّان. والْحَدِيث أخرجه
البُخَارِيّ أَيْضا فِي الصَّلَاة.
قَوْله: (أحب أَن أرَاهُ) كلمة: أَن، مَصْدَرِيَّة أَي:
مَا كنت أحب رُؤْيَته من الشَّهْر حَال كَونه صَائِما
إلاَّ رَأَيْته. قَوْله: (وَلَا مفطر ا) أَي: وَلَا كنت
أحب أَن أرَاهُ حَال كَونه مُفطرا، إلاَّ رَأَيْته.
قَوْله: (وَلَا من اللَّيْل قَائِما) أَي: وَلَا كنت أحب
أَن أرَاهُ من اللَّيْل حَال كَونه قَائِما إلاَّ
رَأَيْته، وَكَذَلِكَ التَّقْدِير فِي قَوْله: (وَلَا
نَائِما) من النّوم. قَوْله: (وَلَا مسست) ، بسينين
مهملتين أولاهما مَكْسُورَة وَهِي اللُّغَة الفصيحة، وَحكى
أَبُو عُبَيْدَة الْفَتْح، يُقَال: مسست الشَّيْء أمسه
مسا: إِذا لمسته بِيَدِك، وَيُقَال: مست فِي مسست بِحَذْف
السِّين الأولى، وتحويل كسرتها إِلَى الْمِيم، وَمِنْهُم
من يقر فتحتها بِحَالِهَا فَيَقُول: مست، كَمَا يُقَال:
ظلت فِي ظللت. قَوْله: (خزة) ، وَاحِدَة الْخَزّ. وَفِي
الأَصْل: الْخَزّ، بِالْفَتْح وَتَشْديد الزَّاي: اسْم
دَابَّة، ثمَّ سمي الثَّوْب الْمُتَّخذ من وبره خَزًّا،
والواحدة مِنْهُ: خزة. وَقَالَ ابْن الْأَثِير: الْخَزّ
الْمَعْرُوف أَولا ثِيَاب تنسج من صوف وإبريسم، وَهِي
مباجة، وَقد لبسهَا الصَّحَابَة، رَضِي الله تَعَالَى
عَنْهُم، والتابعون، وَمِنْه النَّوْع الآخر وَهُوَ
الْمَعْرُوف الْآن فَهُوَ حرَام لِأَن جَمِيعه مَعْمُول من
الإبريسم، وَهُوَ المُرَاد من الحَدِيث. (قوم يسْتَحلُّونَ
الْخَزّ وَالْحَرِير) . قَوْله: (وَلَا شممت) ، بِكَسْر
الْمِيم الأولى، وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَة: وَالْفَتْح
لُغَة.
ذكر مَا يُسْتَفَاد مِنْهُ فِيهِ: اسْتِحْبَاب التَّنَفُّل
بِاللَّيْلِ. وَفِيه: اسْتِحْبَاب التَّنَفُّل بِالصَّوْمِ
فِي كل شهر وَأَن الصَّوْم النَّفْل مُطلق لَا يخْتَص
بِزَمَان إِلَّا مَا نهي عَنهُ. وَفِيه: أَن النَّبِي، صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم، لم يصم الدَّهْر وَلَا قَامَ
اللَّيْل كُله، وَإِنَّمَا ترك ذَلِك لِئَلَّا يقْتَدى
بِهِ فَيشق على الْأمة، وَإِن كَانَ قد أعطي من الْقُوَّة
مَا لَو الْتزم ذَلِك لاقتدر عَلَيْهِ، لكنه سلك من
الْعِبَادَة الطَّرِيقَة الْوُسْطَى فصَام وَأفْطر وَأقَام
ونام. وَأما طيب رَائِحَته، فَإِنَّمَا طيبها الرب عز وَجل
لمباشرته الْمَلَائِكَة ولمناجاته لَهُم.
45 - (بابُ حَقِّ الضِّيْفِ فِي الصِّوْمِ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان حق الضَّيْف فِي الصَّوْم،
والضيف يكون وَاحِدًا وجمعا، وَقد يجمع على الأضياف
والضياف والضيوف والضيفان، وَالْمَرْأَة: ضيف وضيفة،
وَيُقَال: ضفت الرجل: إِذا نزلت بِهِ فِي ضيافته، وأضفته
إِذا أنزلته، وتضيفته إِذا نزلت بِهِ، وتضيفني إِذا
أنزلني. وَفِي (الصِّحَاح) : أضفت الرجل وضيفته إِذا
أنزلته بك ضيفا وقريته، وضفت الرجل ضِيَافَة إِذا نزلت
عَلَيْهِ ضيفا، وَكَذَلِكَ تضيفته، والضيفن الَّذِي يَجِيء
مَعَ الضَّيْف، وَالنُّون زَائِدَة، ووزنه: فعلن، وَلَيْسَ
بفعيل، وَقيل: لَو قَالَ: حق الضَّيْف فِي الْفطر، لَكَانَ
أوضح. قلت: الَّذِي قَالَه البُخَارِيّ أصوب وَأحسن، لِأَن
الضَّيْف لَيْسَ لَهُ تصرف فِي فطر المضيف، بل تصرفه فِي
صَوْمه بِأَن يتْركهُ لأَجله، فيتعني لَهُ الطّلب فِيهِ،
فحقه إِذا فِي الصَّوْم لَا فِي الْفطر.
4791 - حدَّثنا إسْحاقُ قَالَ أخبرنَا هارُونُ بنُ
إسْماعِيلَ قَالَ حدَّثنا عَلِيُّ قَالَ حدَّثنا يَحْيى
(11/87)
قَالَ حدَّثني أبُو سلَمَةَ قَالَ حدَّثني
عَبْدُ الله بنُ عَمْرِو بنِ الْعَاصِ رَضِي الله تَعَالَى
عَنْهُمَا قَالَ دَخَلَ عَلَيَّ رسولُ الله صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم فذَكَرَ الحَدِيثَ يَعْنِي إنَّ لِزَوْرِكَ
عَلَيْكَ حَقَّا وإنَّ لِزَوْجِكَ عَلَيْكَ حَقّا فقُلْتُ
وَمَا صَوْمُ دَاوُدَ قَالَ نِصْفُ الدَّهْرِ. .
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (إِن لزورك عَلَيْك
حَقًا) ، والزور، هُوَ الضَّيْف.
ذكر رِجَاله وهم سِتَّة: الأول: إِسْحَاق، قَالَ الغساني:
لم ينْسبهُ أَبُو نصر وَلَا غَيره من شُيُوخنَا، وَذكر
أَبُو نعيم فِي (الْمُسْتَخْرج) بِأَنَّهُ ابْن
رَاهَوَيْه، لِأَنَّهُ أخرجه فِي مُسْنده عَن أبي أَحْمد:
حَدثنَا ابْن شبرويه حَدثنَا إِسْحَاق بن إِبْرَاهِيم
أخبرنَا هَارُون بن إِسْمَاعِيل حَدثنَا عَليّ بن
الْمُبَارك. انْتهى، وَإِسْحَاق إِبْنِ إِبْرَاهِيم هُوَ
إِسْحَاق بن رَاهَوَيْه، ثمَّ قَالَ: أخرجه البُخَارِيّ
عَن إِسْحَاق. الثَّانِي: هَارُون بن إِسْمَاعِيل أَبُو
الْحسن الخزاز. الثَّالِث: عَليّ بن الْمُبَارك الْهنائِي.
الرَّابِع: يحيى بن أبي كثير. الْخَامِس: أَبُو سَلمَة بن
عبد الرَّحْمَن. السَّادِس: عبد الله بن عَمْرو بن
الْعَاصِ.
ذكر لطائف إِسْنَاده فِيهِ: التحديث بِصِيغَة الْجمع فِي
ثَلَاثَة مَوَاضِع، وبصيغة الْإِفْرَاد فِي موضِعين.
وَفِيه: الْإِخْبَار بِصِيغَة الْجمع فِي مَوضِع. وَفِيه:
أَن هَارُون بن إِسْمَاعِيل لَيْسَ لَهُ فِي البُخَارِيّ
إلاَّ حديثان: أَحدهمَا، هَذَا وَالْآخر فِي الِاعْتِكَاف،
كِلَاهُمَا من رِوَايَته عَن عَليّ بن الْمُبَارك. وَفِيه:
القَوْل فِي ثَلَاثَة مَوَاضِع. وَفِيه: أَن شَيْخه مروزي
وَهَارُون وَعلي بصريان وَيحيى طائي ويمامي وَأَبُو سَلمَة
مدنِي.
ذكر تعدد مَوْضِعه وَمن أخرجه غَيره: أخرجه البُخَارِيّ
أَيْضا فِي الصَّوْم وَفِي النِّكَاح عَن مُحَمَّد بن
مقَاتل عَن عبد الله بن الْمُبَارك عَن الْأَوْزَاعِيّ،
وَفِي الْأَدَب عَن إِسْحَاق بن مَنْصُور عَن روح بن
عبَادَة عَن حُسَيْن الْمعلم، ثَلَاثَتهمْ عَن يحيى بن أبي
كثير عَنهُ بِهِ، وَأخرجه مُسلم فِي الصَّوْم عَن زُهَيْر
بن حَرْب عَن روح بِهِ وَعَن عبد الله بن الرُّومِي،
وَأخرجه النَّسَائِيّ فِيهِ عَن يحيى بن درست وَعَن
إِسْحَاق بن مَنْصُور وَعَن حميد بن مسْعدَة وَعَن أَحْمد
بن بكار.
ذكر مَعْنَاهُ: قَوْله: (دخل عَليّ رَسُول الله صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم) فَذكر الحَدِيث هَكَذَا أوردهُ هَهُنَا
مُخْتَصرا، وَذكر مَا يُطَابق التَّرْجَمَة، وَهُوَ
قَوْله: (فَقَالَ إِن لزورك عَلَيْك حَقًا) والزور
الضَّيْف وَالرجل يَأْتِيهِ زائر الْوَاحِد والإثنان
وَالثَّلَاثَة، والمذكر والمؤنث فِي ذَلِك بِلَفْظ وَاحِد،
يُقَال: هَذَا رجل زور ورجلان زور وَقوم زور وَامْرَأَة
زور، فَيُؤْخَذ فِي كل مَوضِع مَا يلائمه لِأَنَّهُ فِي
الأَصْل مصدر وضع مَوضِع الِاسْم، وَمثل ذَلِك: هم قوم
صَوْم وَفطر وَعدل، وَقيل: الزُّور جمع: زائر، مثل: تَاجر
وتجر. قَوْله: (إِن لزوجك عَلَيْك حَقًا) ، وحقها هُنَا
الْوَطْء، فَإِذا سرد الزَّوْج الصَّوْم ووالى قيام
اللَّيْل ضعف عَن حَقّهَا، ويروى (لزوجتك) وَالْأول أفْصح،
ويروى: (وَإِن لأهْلك) ، بدل: (زَوجك) ، وَالْمرَاد بهم
هُنَا الْأَوْلَاد والقرابة وَمن حَقهم الرِّفْق بهم
والإنفاق عَلَيْهِم وَشبه ذَلِك. قَوْله: (فَقلت) ،
الْقَائِل هُوَ عبد الله بن عَمْرو بن الْعَاصِ، وَأما
صَوْم دَاوُد، عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام،
فَسَيَأْتِي فِي الحَدِيث الَّذِي يَلِي فِي الْبَاب
الَّذِي يَلِيهِ أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لما قَالَ
لَهُ: فَصم صِيَام نَبِي الله دَاوُد، عَلَيْهِ الصَّلَاة
وَالسَّلَام، وَلَا تزد عَلَيْهِ {} قلت: وَمَا كَانَ
صِيَام نَبِي الله دَاوُد، عَلَيْهِ الصَّلَاة
وَالسَّلَام؟ قَالَ: نصف الدَّهْر، وَسَيَأْتِي هُوَ فِي:
بَاب مُسْتَقل، إِن شَاءَ الله تَعَالَى.
55 - (بابُ حَقِّ الجِسْمِ فِي الصَّوْمِ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان حق الْجِسْم فِي الصَّوْم على
المتطوع، وَلَيْسَ المُرَاد بِالْحَقِّ هَهُنَا بِمَعْنى
الْوَاجِب، بل المُرَاد مراعاته والرفق بِهِ، كَمَا يُقَال
لَهُ: حق الصُّحْبَة على فلَان، يَعْنِي مراعاته والتلطف
بِهِ، فالصائم المتطوع يَنْبَغِي أَن يُرَاعِي جِسْمه
بِمَا يقيمه ويشده لِئَلَّا يضعف فيعجز عَن أَدَاء
الْفَرَائِض، وَأما إِذا خَافَ التّلف على نَفسه أَو عُضْو
من أَعْضَائِهِ الَّتِي يضرّهُ الْجُوع فَحِينَئِذٍ
يتَعَيَّن عَلَيْهِ أَدَاء حَقه حَتَّى فِي الصَّوْم
الْفَرْض أَيْضا. وَقَالَ بَعضهم: المُرَاد بِالْحَقِّ
هُنَا الْمَنْدُوب. قلت: لَا يُطلق على الْحق مَنْدُوب
وَإِنَّمَا المُرَاد مِنْهُ مَا ذَكرْنَاهُ.
(11/88)
5791 - حدَّثنا ابنُ مقَاتِلٍ قَالَ
أخبرنَا عَبْدُ الله قَالَ أخبرنَا الأوْزَاعِيُّ قَالَ
حدَّثني يحْيَى بنُ أبِي كَثِيرٍ قَالَ حدَّثني أبُو
سلَمَةَ بنُ عَبْدِ الراحْمانِ قَالَ حدَّثني عَبْدُ الله
بنُ عَمْرِو بنِ الْعَاصِ رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا
قَالَ لِي رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَا عَبْدَ
الله ألَمْ اخْبَرْ أنَّكَ تَصُومُ النَّهَارَ وتَقُومُ
اللَّيْلَ فَقُلْتُ بَلَى يَا رسولَ الله قَالَ فَلاَ
تَفْعَلْ صُمْ وأفْطِرْ وقُمْ ونَمْ فإنَّ لِجَسَدِكَ
عَلَيْكَ حَقّا وَإنَّ لِعَيْنِكَ عَلَيْكَ حَقّا وإنَّ
لِزَوْجَتِكَ علَيْكَ حَقّا وإنَّ لِزَوْرِكَ عليْكَ حَقّا
وإنَّ بِحَسْبِكَ أنْ تَصُومَ كُلَّ شَهْرٍ ثَلاَثَةَ
أيَّامَ فإنَّ لَكَ بِكُلِّ حَسَنَةٍ عَشْرَ أمْثَالِهَا
فإنَّ ذَلِكَ صِيَامُ الدَّهْرِ كُلِّهِ فَشَدَّدْتُ
فَشُدِّدَ علَيَّ قُلْتُ يَا رسولَ الله إنِّي أجِدُ
قُوَّةً قَالَ فَصُمْ صِيامَ نَبِيَّ الله دَاوُدَ
عَلَيْهِ السَّلامَ وَلَا تَزِدْ عَلَيْهِ قُلْتُ وَمَا
كانَ صِيَامُ نَبيِّ الله دَاوُدَ عليْهِ السَّلاَمُ قَالَ
نِصْفُ الدَّهْرِ فَكانَ عَبْدُ الله يَقُولُ بَعْدَ مَا
كَبِرَ يَا لَيْتَنِي قَبِلْتُ رُخْصَةَ النبيِّ صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم. .
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (فَإِن لجسدك عَلَيْك
حَقًا) فالجسد والجسم وَاحِد، وَابْن مقَاتل هُوَ مُحَمَّد
بن مقَاتل أَبُو الْحسن الْمروزِي المجاور بِمَكَّة،
وَهُوَ من أَفْرَاده، وَعبد الله هُوَ ابْن الْمُبَارك
الْمروزِي، وَالْأَوْزَاعِيّ عبد الرَّحْمَن بن عَمْرو.
قَوْله: (ألم أخبر؟) الْهمزَة للاستفهام، و: أخبر، على
صِيغَة الْمَجْهُول. قَوْله: (أَنَّك تَصُوم النَّهَار
وَتقوم اللَّيْل؟) أَي: فِي اللَّيْل، وَفِي رِوَايَة
مُسلم من رِوَايَة عِكْرِمَة بن عمار عَن يحيى، (فَقلت:
بلَى يَا نَبِي الله، وَلم أرد بذلك إلاَّ الْخَيْر) .
وَفِي الْبَاب الَّذِي يَلِيهِ: (أخبر رَسُول الله، صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم، أَنِّي أَقُول: وَالله لأصومن
النَّهَار، ولأقومن اللَّيْل مَا عِشْت) . وَفِي رِوَايَة
النَّسَائِيّ من طَرِيق مُحَمَّد ابْن إِبْرَاهِيم (عَن
أبي سَلمَة، قَالَ لي عبد الله بن عَمْرو: يَا ابْن أخي!
أَنِّي قد كنت أَجمعت على أَن أجتهد اجْتِهَادًا شَدِيدا
حَتَّى قلت: لأصومن الدَّهْر، ولأقرأن الْقُرْآن فِي كل
لَيْلَة) . قَوْله: (فَلَا تفعل) ، وَزَاد البُخَارِيّ:
(فَإنَّك إِذا فعلت ذَلِك هجمت لَهُ الْعين) الحَدِيث،
وَقد مضى هَذَا فِي كتاب التَّهَجُّد. قَوْله: (إِن لعينك
عَلَيْك حَقًا) ، بِالْإِفْرَادِ فِي رِوَايَة الْكشميهني
وَفِي رِوَايَة غَيره: (لعينيك) ، بالتثنية. قَوْله:
(وَإِن بحسبك) ، الْبَاء فِيهِ زَائِدَة، وَمَعْنَاهُ: أَن
أَصوم الثَّلَاثَة الْأَيَّام من كل شهر كافيك، وَيَأْتِي
فِي الْأَدَب من طَرِيق حُسَيْن الْمعلم عَن يحيى: (أَن من
حَسبك) . قَوْله: (أَن تَصُوم) أَن مَصْدَرِيَّة، أَي:
حَسبك الصَّوْم من كل شهر، وَفِي رِوَايَة الْكشميهني:
(فِي كل شهر ثَلَاثَة أَيَّام) . قَوْله: (فَإِن لَك) ،
ويروى: (فَإِذا لَك) ، بِالتَّنْوِينِ، وَهِي الَّتِي
يُجَاب بهَا: أَن، وَكَذَا لَو صَرِيحًا أَو تَقْديرا
وَأَن هَهُنَا مقدرَة تَقْدِيره: إِن صمتها فَإِذا لَك
صَوْم الدَّهْر، وروى بِلَا تَنْوِين، بِلَفْظ: إِذا،
للمفاجأة، قَالَ بَعضهم: وَفِي توجيهها هُنَا تكلّف. قلت:
لَا تكلّف أصلا، وَوَجهه أَن عاملها فعل مُقَدّر مُشْتَقّ
من لفظ المفاجأة، تَقْدِيره: إِن صمت ثَلَاثَة من كل شهر
فاجأت عشر أَمْثَالهَا، كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى: {ثمَّ
إِذا دعَاكُمْ} (الرّوم: 52) . الْآيَة، تَقْدِيره: ثمَّ
دعَاكُمْ فاجأتم الْخُرُوج فِي ذَلِك الْوَقْت. قَوْله:
(فَإِن ذَلِك) أَي: الْمَذْكُور من صَوْم كل شهر ثَلَاثَة
أَيَّام. قَوْله: (فشددت) أَي: على نَفسِي. قَوْله: (فَشدد
عَليّ) على صِيغَة الْمَجْهُول. قَوْله: (إِنِّي أجد
قُوَّة) ، أَي: على أَكثر من ذَلِك. قَوْله: (قَالَ: فَصم)
، أَي: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِن كنت
تَجِد قُوَّة فَصم صِيَام نَبِي الله دَاوُد، عَلَيْهِ
الصَّلَاة وَالسَّلَام. قَوْله: (نصف الدَّهْر) أَي: نصف
صَوْم الدَّهْر، وَهُوَ أَن تَصُوم يَوْمًا وتفطر يَوْمًا.
قَوْله: (بعد مَا كبر) ، بِكَسْر الْبَاء، يُقَال: كبر
يكبر من بَاب: علم يعلم، هَذَا فِي السن، وَأما كبر،
بِالضَّمِّ، بِمَعْنى: عَظِيم فَهُوَ من بَاب: حسن يحسن.
قَالَ النَّوَوِيّ: مَعْنَاهُ أَنه كبر وَعجز عَن
الْمُحَافظَة على مَا الْتَزمهُ ووظفه على نَفسه عِنْد
رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فشق عَلَيْهِ فعله
لعَجزه وَلم يُعجبهُ أَن يتْركهُ لالتزامه لَهُ: فتمنى أَن
لَو قبل الرُّخْصَة فَأخذ بالأخف.
65 - (بابُ صَوْمِ الدَّهْرِ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان صَوْم الدَّهْر، هَل هُوَ
مَشْرُوع أم لَا؟ وَإِنَّمَا لم يبين الحكم فِي
التَّرْجَمَة لتعارض الْأَدِلَّة، وَاحْتِمَال أَن يكون
(11/89)
عبد الله بن عَمْرو خص بِالْمَنْعِ لما
اطلع النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من مُسْتَقْبل
حَاله، فيلتحق بِهِ من فِي مَعْنَاهُ مِمَّن يتَضَرَّر
بسرد الصَّوْم وَيبقى غَيره على حكم الْجَوَاز لعُمُوم
التَّرْغِيب فِي مُطلق الصَّوْم، كَمَا فِي حَدِيث أبي
سعيد مَرْفُوعا: (من صَامَ يَوْمًا فِي سَبِيل الله باعد
الله وَجهه عَن النَّار) ، وَسَيَجِيءُ فِي الْجِهَاد إِن
شَاءَ الله تَعَالَى.
6791 - حدَّثنا أبُو اليَمَانِ قَالَ أخبرنَا شُعَيْبٌ عنِ
الزُّهْرِيِّ قَالَ أخبرَنِي سَعِيدُ بنُ المُسَيَّبِ
وأبُو سلَمَةَ بنُ عَبْدِ الرَّحْمانِ أنَّ عبْدَ الله بنَ
عَمْرٍ وَقَالَ أُخْبِرَ رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم أنِّي أقولُ وَالله لأَصُومَنَّ النَّهَارَ
وَلأَقُومَنَّ اللَّيْلَ مَا عِشْتُ فَقُلْتُ لَهُ قَدْ
قُلْتُهُ بأبِي أنْتَ وأُمِّي قَالَ فإنَّكَ لاَ
تَسْتَطِيعُ ذَلِكَ فَصُمْ وأفْطِرْ وقُمْ ونَمْ وصُمْ
مِنَ الشَّهْرِ ثَلاثَةَ أيَّامٍ فإنَّ الحَسَنَةَ
بِعَشْرِ أمْثَالِهَا وذَلِكَ مِثْلُ صِيَامُ الدَّهْرِ
قلْتُ إنِّي أُطِيقُ أفْضَلَ مِنْ ذلِكَ قَالَ فَصُمْ
يَوْما وأفْطِرْ يَوْمَيْنِ قُلْتُ أنِّي أُطِيقُ أفضَلَ
مِنْ ذَلِكَ قَالَ فَصُمْ يَوْما وأفْطِرْ يَوْما فذلِكَ
صِيامُ داوُدَ عليْهِ السَّلامُ وهْوَ أفْضَلُ الصِّيَامِ
فَقُلْتُ أُطِيقُ أفْضَلَ مِنْ ذَلِكَ فَقَالَ النبيُّ صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم لَا أفْضَلَ مِنْ ذَلِكَ. .
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (وَذَلِكَ مثل صِيَام
الدَّهْر) ، وَأَبُو الْيَمَان الحكم بن نَافِع وَشُعَيْب
بن أبي حَمْزَة الحمصيان، وَالزهْرِيّ هُوَ مُحَمَّد بن
مُسلم.
قَوْله: (أخبر) على صِيغ الْمَجْهُول، و: (رَسُول الله)
مَرْفُوع بِهِ قَوْله: (بِأبي وَأمي) أَي: أَنْت مفدىً
بِأبي وَأمي. قَوْله: (فَإنَّك لَا تَسْتَطِيع ذَلِك) ،
أَي: مَا ذكرته من قيام اللَّيْل وَصِيَام النَّهَار، وَقد
علم صلى الله عَلَيْهِ وَسلم باطلاع الله إِيَّاه أَنه
يعجز ويضعف عَن ذَلِك عِنْد الْكبر، وَقد اتّفق لَهُ
ذَلِك، وَيجوز أَن يُرَاد بِهِ الْحَالة الراهنة، لما علمه
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من أَنه يتَكَلَّف ذَلِك وَيدخل
بِهِ على نَفسه الْمَشَقَّة، ويفوت مَا هُوَ أهم من ذَلِك.
قَوْله: (وصم من الشَّهْر ثَلَاثَة أَيَّام) ، بعد قَوْله:
(فَصم وَأفْطر) ، لبَيَان مَا أجمل من ذَلِك. قَوْله: (مثل
صِيَام الدَّهْر) يَعْنِي فِي الْفَضِيلَة واكتساب الْأجر،
والمثلية لَا تَقْتَضِي الْمُسَاوَاة من كل وَجه، لِأَن
المُرَاد بِهِ هُنَا أصل التَّضْعِيف دون التَّضْعِيف
الْحَاصِل من الْفِعْل، وَلَكِن يصدق على فَاعل ذَلِك أَنه
صَامَ الدَّهْر مجَازًا. قَوْله: (أفضل من ذَلِك) أَي: من
صَوْم ثَلَاثَة أَيَّام من الشَّهْر، وَكَذَلِكَ الْمَعْنى
فِي أفضل من ذَلِك الثَّانِي وَالثَّالِث، وَالْأَفْضَل
هُنَا بِمَعْنى: الأزيد وَالْأَكْثَر ثَوابًا. قَوْله:
(لَا أفضل من ذَلِك) أَي: من صِيَام دَاوُد، عَلَيْهِ
السَّلَام. فَإِن قلت: هَذَا لَا ينفس المساوة صَرِيحًا؟
قلت: حَدِيث عَمْرو بن أَوْس عَن عبد الله بن عَمْرو: (أحب
الصّيام إِلَى الله تَعَالَى صِيَام دَاوُد، عَلَيْهِ
وَالسَّلَام) يَقْتَضِي الْأَفْضَلِيَّة مُطلقًا،
وَهَهُنَا أفضل بِمَعْنى: أَكثر فَضِيلَة، قَالَ
الْكرْمَانِي: قَوْله: (لَا أفضل) ، فَإِن قلت: مَاذَا
يكون أفضل من صِيَام الدَّهْر؟ قلت: ذَاك لَيْسَ صِيَام
الدَّهْر حَقِيقَة، بل هُوَ مثله، وَالْفرق ظَاهر بَين من
صَامَ يَوْمًا وَمن صَامَ عشرَة أَيَّام. إِذْ الأول جَاءَ
بِالْحَسَنَة وَإِن كَانَت بِعشر، وَهَذَا جَاءَ بِعشر
حَسَنَات حَقِيقَة، وَقَالَ بَعضهم: لَا أفضل من ذَلِك فِي
حَقك، وَأما صَوْم الدَّهْر فقد اخْتلف الْعلمَاء فِيهِ،
فَذهب أهل الظَّاهِر إِلَى مَنعه لظَاهِر أَحَادِيث
النَّهْي عَن ذَلِك، وَذهب جَمَاهِير الْعلمَاء إِلَى
جَوَازه إِذا لم يصم الْأَيَّام الْمنْهِي عَنْهَا:
كالعيدين والتشريق، وَهُوَ مَذْهَب الشَّافِعِي بِغَيْر
كَرَاهَة، بل هُوَ مُسْتَحبّ، وَفِي (سنَن الْكَجِّي) : من
حَدِيث أبي تَمِيمَة الهُجَيْمِي: عَن أبي مُوسَى، قَالَ
رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (من صَامَ الدَّهْر
ضيقت عَلَيْهِ جَهَنَّم هَكَذَا، وَضم أَصَابِعه على
تسعين) وروى ابْن مَاجَه بِسَنَد فِيهِ ابْن لَهِيعَة عَن
ابْن عَمْرو، قَالَ: قَالَ رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم: صَامَ نوح، عَلَيْهِ السَّلَام، الدَّهْر إلاَّ
يَوْمَيْنِ: الْأَضْحَى وَالْفطر. وَكَانَ جمَاعَة من
الصَّحَابَة يسردون الصَّوْم، مِنْهُم عمر بن الْخطاب
وَابْنه عبد الله بن عمر، وَعَائِشَة وَأَبُو طَلْحَة
وَأَبُو أُمَامَة. فَإِن قلت: مَا الْفرق بَين صِيَام
الْوِصَال وَصِيَام الدَّهْر؟ قلت: هما حقيقتان
مُخْتَلِفَتَانِ، فَإِن من صَامَ يَوْمَيْنِ أَو أَكثر
وَلم يفْطر ليلتهما فَهُوَ مواصل، وَلَيْسَ هَذَا صَوْم
الدَّهْر، وَمن صَامَ عمره وَأفْطر جَمِيع لياليه هُوَ
صَائِم الدَّهْر، وَلَيْسَ بمواصل، وَالله أعلم
بِالصَّوَابِ.
75 - (بابُ حَقِّ الأهْلِ فِي الصَّوْمِ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان حق أهل الرجل فِي الصَّوْم،
وَقد ذكرنَا بِأَن المُرَاد بالأهل: الْأَوْلَاد والقرابة
وَمن حَقهم الرِّفْق بهم والإنفاق عَلَيْهِم.
(11/90)
رَوَاهُ أبُو جُحَيْفَةَ عنِ النبيِّ
أَي: روى حق الْأَهْل أَبُو جُحَيْفَة وهب بن عبد الله
السوَائِي، وَقد مر حَدِيثه فِي قصَّة سلمَان وَأبي
الدَّرْدَاء، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا، فِي: بَاب من
أقسم على أَخِيه ليفطر فِي التَّطَوُّع، وفيهَا قَول
سلمَان لأبي الدَّرْدَاء: وَإِن لأهْلك عَلَيْك حَقًا،
وَأقرهُ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم على ذَلِك.
85 - (حَدثنَا عَمْرو بن عَليّ قَالَ أخبرنَا أَبُو عَاصِم
عَن ابْن جريج سَمِعت عَطاء أَن أَبَا الْعَبَّاس
الشَّاعِر أخبرهُ أَنه سمع عبد الله بن عَمْرو رَضِي الله
عَنْهُمَا يَقُول بلغ النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّم َ - أَنِّي أسرد الصَّوْم وأصلي اللَّيْل فإمَّا
أرسل إِلَيّ وَإِمَّا لَقيته فَقَالَ ألم أخبر أَنَّك
تَصُوم وَلَا تفطر وَتصلي وَلَا تنام فَصم وَأفْطر وقم ونم
فَإِن لعينيك عَلَيْك حظا وَإِن لنَفسك وَأهْلك عَلَيْك
حظا قَالَ وَإِنِّي لأقوى لذَلِك قَالَ فَصم صِيَام دَاوُد
عَلَيْهِ السَّلَام قَالَ وَكَيف قَالَ كَانَ يَصُوم
يَوْمًا وَيفْطر يَوْمًا وَلَا يفر إِذا لَاقَى قَالَ من
لي بِهَذِهِ يَا نَبِي الله قَالَ عَطاء لَا أَدْرِي كَيفَ
ذكر صِيَام الْأَبَد قَالَ النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - لَا صَامَ من صَامَ الْأَبَد
مرَّتَيْنِ) مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله " وَأهْلك
عَلَيْك حظا " وَعَمْرو بن عَليّ بن بَحر بن كثير
الْبَاهِلِيّ أَبُو حَفْص الْبَصْرِيّ الصَّيْرَفِي الفلاس
الْحَافِظ وَأَبُو عَاصِم النَّبِيل الضَّحَّاك بن مخلد
وَهُوَ من شُيُوخ البُخَارِيّ الَّذين أَكثر عَنْهُم
وَرُبمَا روى عَنهُ بِوَاسِطَة مَا فَاتَهُ مِنْهُ كَمَا
فِي هَذَا الْموضع وَابْن جريج هُوَ عبد الْملك بن عبد
الْعَزِيز الْمَكِّيّ وَعَطَاء هُوَ ابْن أبي رَبَاح
الْمَكِّيّ وَأَبُو الْعَبَّاس بِالْبَاء الْمُوَحدَة
وَالسِّين الْمُهْملَة اسْمه السَّائِب بن فروخ الشَّاعِر
الْأَعْمَى الْمَكِّيّ وَقد مر فِي بَاب مَا يكره من
التَّشْدِيد فِي كتاب التَّهَجُّد قَالَه الْكرْمَانِي
وَلَيْسَ كَذَلِك بل هُوَ مَذْكُور فِي بَاب مُجَرّد عَن
التَّرْجَمَة عقيب بَاب مَا يكره من ترك قيام اللَّيْل
وَفِيه قِطْعَة من هَذَا الحَدِيث قَوْله " بلغ النَّبِي -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَنِّي أسرد
الصَّوْم " الَّذِي بلغ النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - هُوَ عَمْرو بن الْعَاصِ وَالِد عبد
الله صَاحب الْقَضِيَّة وأسرد بِضَم الرَّاء أَي أَصوم
مُتَتَابِعًا وَلَا أفطر بِالنَّهَارِ قَوْله " فإمَّا
أرسل إِلَيّ وَإِمَّا لَقيته " يَعْنِي من غير إرْسَال
وَكلمَة إِمَّا للتفصيل وَلَا تَفْصِيل إِلَّا بَين
الشَّيْئَيْنِ وهما هُنَا إِمَّا إرْسَال النَّبِي -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - إِلَيْهِ لما بلغه
أَبوهُ قصَّته وَإِمَّا أَنه لَقِي النَّبِي - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - من غير طلب قَوْله " ألم
أخبر " على صِيغَة الْمَجْهُول قَوْله " فَإِن لعينك "
بِالْإِفْرَادِ فِي رِوَايَة السَّرخسِيّ والكشميهني وَفِي
رِوَايَة غَيرهمَا " لعينيك " بالتثنية قَوْله " حظا " أَي
نَصِيبا كَذَا هُوَ فِي الْمَوْضِعَيْنِ وَكَذَا وَقع فِي
رِوَايَة مُسلم وَعند الْإِسْمَاعِيلِيّ " حَقًا "
بِالْقَافِ وَعِنْده وَعند مُسلم من الزِّيَادَة " وصم من
كل عشرَة أَيَّام يَوْمًا وَلَك أجر التِّسْعَة " قَوْله "
وَإِنِّي لأقوى " بِلَفْظ الْمُتَكَلّم من الْمُضَارع
قَوْله " لذَلِك " أَي لسرد الصَّوْم دَائِما ويروى على
ذَلِك وَفِي رِوَايَة مُسلم " إِنِّي أجدني أقوى من ذَلِك
يَا نَبِي الله " قَوْله " وَكَيف " أَي قَالَ عبد الله
كَيفَ صِيَام دَاوُد عَلَيْهِ السَّلَام وَفِي رِوَايَة
مُسلم " قَالَ وَكَيف كَانَ دَاوُد عَلَيْهِ السَّلَام
يَصُوم يَا نَبِي الله " قَوْله " وَلَا يفر إِذا لَاقَى "
أَي لَا يهرب إِذا لَاقَى الْعَدو قيل فِي ذكر هَذَا عقيب
ذكر صَوْمه إِشَارَة إِلَى أَن الصَّوْم على هَذَا
الْوَجْه لَا ينهك الْبدن وَلَا يُضعفهُ بِحَيْثُ يُضعفهُ
عَن لِقَاء الْعَدو بل يَسْتَعِين يفْطر يَوْم على صِيَام
يَوْم فَلَا يضعف عَن الْجِهَاد وَغَيره من الْحُقُوق ويجد
مشقة الصَّوْم فِي يَوْم الصّيام لِأَنَّهُ لم يعتده
بِحَيْثُ يصير الصّيام لَهُ عَادَة فَإِن الْأُمُور إِذا
صَارَت عَادَة سهلت مشاقها قَوْله " وَقَالَ من لي
بِهَذِهِ يَا نَبِي الله " أَي قَالَ عبد الله من تكفل لي
بِهَذِهِ الْخصْلَة الَّتِي لداود عَلَيْهِ السَّلَام لَا
سِيمَا عدم الْفِرَار قَوْله " قَالَ عَطاء " أَي قَالَ
عَطاء بن أبي رَبَاح بِالْإِسْنَادِ الْمَذْكُور قَوْله "
لَا أَدْرِي كَيفَ ذكر صِيَام الْأَبَد " يَعْنِي أَن
عَطاء لم يحفظ كَيفَ جَاءَ ذكر صِيَام الْأَبَد فِي هَذِه
الْقِصَّة إِلَّا أَنه حفظ فِيهَا أَنه - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ " لَا صَامَ من صَامَ
الْأَبَد " وَقد روى النَّسَائِيّ وَأحمد هَذِه الْجُمْلَة
وَحدهَا من طرق عَن عَطاء قَوْله " لَا صَامَ
(11/91)
من صَامَ الْأَبَد مرَّتَيْنِ " يَعْنِي
قَالَهَا مرَّتَيْنِ وَفِي رِوَايَة مُسلم " قَالَ عَطاء
فَلَا أَدْرِي كَيفَ ذكر صِيَام الْأَبَد فَقَالَ النَّبِي
- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - لَا صَامَ من
صَامَ الْأَبَد لَا صَامَ من صَامَ الْأَبَد " لِأَنَّهُ
يسْتَلْزم صَوْم يَوْم الْعِيد وَأَيَّام التَّشْرِيق
وَقَالَ ابْن الْعَرَبِيّ أما أَنه لم يفْطر فَلِأَنَّهُ
امْتنع عَن الطَّعَام وَالشرَاب فِي النَّهَار وَأما أَنه
لم يصم فيعني لم يكْتب لَهُ ثَوَاب الصّيام وَفِي قَول
معنى لَا صَامَ الدُّعَاء قَالَ وَيَا بؤس من أخبر عَنهُ
النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَنه لم
يصم وَأما من قَالَ أَنه أخبر فيا بؤس من أخبر عَنهُ
النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَنه لم
يصم فقد علم أَنه لم يكْتب لَهُ ثَوَاب لوُجُوب الصدْق فِي
خَبره وَقد نفى الْفضل عَنهُ فَكيف مَا يطْلب مَا نَفَاهُ
النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - (فَإِن
قلت) مَا جَوَاب المخبرين صَوْم الدَّهْر عَن هَذَا (قلت)
أجابوا عَن هَذَا بأجوبة أَولهَا مَا قَالَه التِّرْمِذِيّ
إِنَّمَا يكون صِيَام الدَّهْر إِذا لم يفْطر يَوْم الْفطر
وَيَوْم الْأَضْحَى وَأَيَّام التَّشْرِيق فَمن أفطر فِي
هَذِه الْأَيَّام فقد خرج من حيّز الْكَرَاهَة وَإِلَّا
يكون قد صَامَ الدَّهْر كُله ثمَّ قَالَ هَكَذَا روى مَالك
وَهُوَ قَول الشَّافِعِي وَالثَّانِي أَنه مَحْمُول على من
تضرر بِهِ أَو فَوت بِهِ حَقًا وَالثَّالِث أَن مَعْنَاهُ
أَن من صَامَ الْأَبَد لَا يجد من الْمَشَقَّة مَا يجده
غَيره فَيكون خبر الادعاء وَفِيه نظر وَحَدِيث " لَا صَامَ
من صَامَ الْأَبَد " أخرجه مُسلم وَأَبُو دَاوُد
وَالتِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ عَن أبي قَتَادَة وَأخرجه
النَّسَائِيّ أَيْضا من حَدِيث عبد الله بن الشخير من
رِوَايَة ابْنه مطرف قَالَ " حَدثنِي أبي أَنه سمع رَسُول
الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَذكر عِنْده
رجل يَصُوم الدَّهْر فَقَالَ لَا صَامَ وَلَا أفطر "
وَأخرجه ابْن مَاجَه أَيْضا وَلَفظه " من صَامَ الْأَبَد
فَلَا صَامَ وَلَا أفطر " وَأخرجه الْحَاكِم فِي
الْمُسْتَدْرك وَقَالَ صَحِيح على شَرط الشَّيْخَيْنِ
وَأخرجه النَّسَائِيّ أَيْضا من حَدِيث عمرَان بن حُصَيْن
من رِوَايَة مطرف عَنهُ قَالَ " قيل يَا رَسُول الله إِن
فلَانا لَا يفْطر نَهَار الدَّهْر كُله فَقَالَ لَا صَامَ
وَلَا أفطر " وَأخرجه الْحَاكِم أَيْضا وَقَالَ صَحِيح على
شَرطهمَا وَأخرجه النَّسَائِيّ من حَدِيث عمر رَضِي الله
تَعَالَى عَنهُ من رِوَايَة أبي قَتَادَة عَنهُ قَالَ "
كُنَّا مَعَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّم َ - فمررنا بِرَجُل فَقَالُوا يَا نَبِي الله
هَذَا لَا يفْطر مُنْذُ كَذَا وَكَذَا فَقَالَ لَا صَامَ
وَلَا أفطر أَو مَا صَامَ وَمَا أفطر " وَقَالَ أَبُو
الْقَاسِم بن عَسَاكِر وَالصَّحِيح أَنه من مُسْند أبي
قَتَادَة وَأخرجه أَحْمد فِي مُسْنده من حَدِيث أَسمَاء
بنت يزِيد من رِوَايَة شهر بن حَوْشَب عَنْهَا قَالَت
أُتِي النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -
بشراب فدار على الْقَوْم وَفِيهِمْ رجل صَائِم فَلَمَّا
بلغه قيل لَهُ اشرب فَقيل يَا رَسُول الله إِنَّه لَيْسَ
يفْطر أَو أَنه يَصُوم الدَّهْر فَقَالَ لَا صَامَ من
صَامَ الْأَبَد " وَأخرج النَّسَائِيّ حَدِيث صَحَابِيّ لم
يسم وَلَفظه " قيل للنَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّم َ - رجل يَصُوم الدَّهْر قَالَ وددت أَنه لم يصم
الدَّهْر " -
85 - (بابُ صَوْمِ يَوْمٍ وإفْطارِ يَوْمٍ)
أَي: هَذَا بَاب يذكر فِيهِ أَن النَّبِي صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم قَالَ لعبد الله بن عَمْرو: صم يَوْمًا
وَأفْطر يَوْمًا، وَذَلِكَ بعد أَن قَالَ لَهُ: صم من
الشَّهْر ثَلَاثَة أَيَّام. قَالَ: أُطِيق أَكثر من ذَلِك،
فَمَا زَالَ حَتَّى قَالَ: صم يَوْمًا وَأفْطر يَوْمًا،
كَمَا يَأْتِي الْآن فِي متن حَدِيث الْبَاب، وَهَذَا
التَّقْدِير الَّذِي قدرناه على أَن يكون لفظ: بَاب، منونا
مَقْطُوعًا عَن الْإِضَافَة، وَإِذا قرىء بِالْإِضَافَة
يكون تَقْدِيره: هَذَا بَاب فِي بَيَان فضل صَوْم يَوْم
وإفطار يَوْم.
8791 - حدَّثنا مُحَمَّدُ بنُ بَشَّارٍ قَالَ حدَّثنا
غُنْدَرٌ قَالَ حدَّثنا شُعْبَةُ عنْ مُغِيرَةَ قَالَ
سَمِعْتُ مُجَاهِدا عَنْ عَبْدِ الله بنِ عَمْرٍ وَرَضي
الله تَعَالَى عَنْهُمَا عنِ النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم قَالَ صُمْ مِنَ الشَّهْرِ ثَلاثَةَ أيَّامٍ قَالَ
أُطِيقُ أكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ فَمَا زالَ حَتَّى قَالَ صُمْ
يَوْما وأفْطِرْ يَوْما فَقَالَ إقْرأ القُرآنَ فِي كُلِّ
شَهْرٍ قَالَ إنِّي أُطِيقُ أكْثَرَ فَما زَالَ حَتَّى
قَالَ فِي ثَلاثٍ. .
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (صم يَوْمًا وَأفْطر
يَوْمًا) ، وَرِجَاله قد ذكرُوا، وغندر، بِضَم الْغَيْن
الْمُعْجَمَة وَسُكُون النُّون وَفتح الدَّال وَفِي آخِره
رَاء: سامه مُحَمَّد بن جَعْفَر الْبَصْرِيّ، و: مُغيرَة،
بِضَم الْمِيم وَكسرهَا بلام التَّعْرِيف وبدونها: ابْن
مقسم ابْن هِشَام الضَّبِّيّ الْكُوفِي الْفَقِيه
الْأَعْمَى، مَاتَ سنة ثَلَاث وَثَلَاثِينَ وَمِائَة،
وَأخرجه البُخَارِيّ أَيْضا فِي فَضَائِل الْقُرْآن من
طَرِيق
(11/92)
أبي عوَانَة عَن مُغيرَة مطولا.
قَوْله: (واقرأ الْقُرْآن) بِلَفْظ الْأَمر. قَوْله: (فِي
ثَلَاث) أَي: فِي ثَلَاث لَيَال، وَالْمُسْتَحب أَن لَا
يقْرَأ الْقُرْآن فِي أقل من ثَلَاثَة أَيَّام، وَقَالَ
النَّوَوِيّ: عادات السّلف فِي وظائف الْقِرَاءَة كَانَ
بَعضهم يخْتم فِي كل شهر، وَهُوَ أَقَله، وَأما أَكْثَره
فثمان ختمات فِي يَوْم وَلَيْلَة على مَا بلغنَا.
95 - (بابُ صَوْمِ دَاوُدَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان صَوْم دَاوُد، عَلَيْهِ
الصَّلَاة وَالسَّلَام، وَإِنَّمَا ذكر أَولا صَوْم يَوْم
وإفطار يَوْم، ثمَّ أعقبه بِصَوْم دَاوُد، عَلَيْهِ
الصَّلَاة وَالسَّلَام، وَهُوَ هُوَ تَنْبِيها بِالْأولِ
على أَفضَلِيَّة هَذَا الصَّوْم، وَبِالثَّانِي إِشَارَة
إِلَى الِاقْتِدَاء بِهِ فِي ذَلِك.
9791 - حدَّثنا آدَمُ قَالَ حدَّثنا شُعْبَةُ قَالَ
حدَّثنا حَبِيبُ بنُ أبي ثَابِتٍ قَالَ سَمِعْتُ أبَا
العَبَّاسِ المَكِّيَّ وكانَ شَاعِرا وكانَ لَا يُتَّهَمْ
فِي حَدِيثِهِ قَالَ سَمِعْتُ عَبْدَ الله بنَ عَمْرِو بنِ
العَاصَ رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا قَالَ قَالَ لِي
النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إنَّكَ لَتَصُومُ
الدَّهْرَ وتَقُومُ اللَّيْلَ فَقُلْتُ نَعَمْ قَالَ
إنَّكَ إذَا فَعَلْتَ ذَلِكَ هَجَمَتْ لَهُ العَيْنُ
ونَفَهَتْ لَهُ النَّفْسُ لاَ صامَ مَنْ صامَ الدَّهْرَ
صَوْمُ ثَلاَثَةِ أيَّامٍ صَوْمُ الدَّهْرِ كُلِّهِ قُلْتُ
فإنِّي أُطِيقُ أكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ قَالَ فَصُمْ صَوْمَ
دَاوُدَ عَلَيْهِ السَّلامُ كانَ يَصُومُ يَوْما ويُفْطِرُ
يَوْما ولاَ يَفِرُّ إذَا لاَقى. .
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (صم صَوْم دَاوُد،
عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام) إِلَى آخِره، وَهَذَا
الحَدِيث مر فِي: بَاب حق الْأَهْل فِي الصَّوْم،
فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ عَن عَمْرو بن عَليّ عَن أبي
عَاصِم عَن ابْن جريج عَن أبي الْعَبَّاس الشَّاعِر إِلَى
آخِره، وَبَين متنيه بعض اخْتِلَاف، وحبِيب ضد الْعَدو
وَابْن أبي ثَابت ضد الزائل أَبُو يحيى الْأَسدي
الْكَاهِلِي الْأَعْوَر الْمُفْتِي الْمُجْتَهد، مَاتَ سنة
تسع عشرَة وَمِائَة.
قَوْله: (وَكَانَ شَاعِرًا) وَهُنَاكَ: قَالَ الشَّاعِر.
قَوْله: (وَكَانَ لَا يتهم فِي حَدِيثه) ، فِيهِ إِشَارَة
إِلَى أَن الشَّاعِر بصدد أَن يمْنَع حَدِيثه لما
تَقْتَضِيه صناعته من الغلو فِي الْأَشْيَاء والإغراق فِي
الْمَدْح والذم، لَكِن الرَّاوِي عدله وَوَثَّقَهُ حَتَّى
روى عَنهُ، لِأَنَّهُ لم يكن مُتَّهمًا. وَأَشَارَ بقوله
فِي حَدِيثه إِلَى أَن الْمَرْوِيّ عَنهُ أَعم من أَن يكون
من الحَدِيث النَّبَوِيّ أَو غَيره، وإلاَّ لَمْ يَرْوِ
عَنهُ، على أَن الْوَاقِع أَنه حجَّة عِنْد كل من أخرج
الصَّحِيح، وَوَثَّقَهُ أَحْمد وَابْن معِين وَغَيرهمَا،
وَلَيْسَ لَهُ فِي البُخَارِيّ سوى هَذَا الحَدِيث وحديثان
آخرَانِ: أَحدهمَا فِي الْجِهَاد، وَالْآخر فِي
الْمَغَازِي، وأعادهما مَعًا فِي الْأَدَب. قَوْله: (هجمت
لَهُ الْعين) أَي: غارت وَدخلت، وَعَن صَاحب (الْعين) :
هجمت تهجم هجوما وهجما، وَعَن أبي عمر: و: الْكثير إهجام،
وَعَن الْأَصْمَعِي: انهجمت عينه: دَمَعَتْ، ذكره فِي
(الموعب) ابْن التِّين: هَذَا غَرِيب وَلَا أعرف
مَعْنَاهَا، وَقَالَ بَعضهم: وَكَأَنَّهَا أبدلت عَن
الْفَاء فَإِنَّهَا تبدل مِنْهَا كثيرا. قلت: ادّعى أَن
الْفَاء تبدل من الثَّاء الْمُثَلَّثَة كثيرا، وَلم يَأْتِ
بمثال فِيهِ، وَلَا نسبه إِلَى أحد من أهل الْعَرَبيَّة،
وَلَا ذكر أحد هَذَا فِي الْحُرُوف الَّتِي يُبدل بَعْضهَا
من بعض، وَإِن كَانَ يُوجد هَذَا رُبمَا يُوجد فِي لِسَان
ذِي لثغة فَلَا يَبْنِي عَلَيْهِ شَيْء. وَقَالَ
التَّيْمِيّ: نهثت بالنُّون والمثلثة، وَلَا أعرف هَذِه
الْكَلِمَة، وَقد ورد فِي اللُّغَة: نهث الرجل يَعْنِي:
سعل، وَهُوَ بعيد هُنَا، وَجَاء فِي رِوَايَة الْكشميهني:
(ونهكت) أَي: هزلت وضعفت، وَلَا وَجه لَهُ إلاَّ إِذا ضم
النُّون من: نهكته الْحمى: إِذا أضنته، وَفِي
(التَّوْضِيح) : نهتت، بالنُّون ثمَّ هَاء ثمَّ مثناة من
فَوق ثمَّ أُخْرَى مثلهَا، وَمَعْنَاهُ: ضعفت قلت: قَالَ
الْجَوْهَرِي: يَقُول: نهت ينهت بِالْكَسْرِ من النهيت،
قَالَ: النهيت كالزجير، إلاَّ أَنه دونه، يُقَال: رجل
نهات، أَي: زجار، وَهَذَا الَّذِي ضَبطه صَاحب
(التَّوْضِيح) لَا يُنَاسب هُنَا على مَا لَا يخفى
فَافْهَم قَوْله: (صَوْم ثَلَاثَة أَيَّام) أَي: من كل
شهر، وَمعنى الْبَقِيَّة من الْمَتْن تقدم.
0891 - حدَّثنا إسْحاقُ الوَاسِطِيُّ قَالَ حدَّثنا
خَالِدٌ عنْ خالِدٍ عنْ أبِي قِلابَةَ قَالَ أَخْبرنِي
أبُو المَلِيحِ قَالَ دَخَلْتُ مَعَ أبِيكَ عَلى عَبْدِ
الله بنِ عَمْرٍ وفحَدَّثنا أنَّ رسولَ الله صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم ذُكِرَ لَهُ صَوْمِي
(11/93)
فَدَخَلَ عَلَيَّ فألْقَيْتُ لَهُ وِسادَةً
مِنْ أدَمٍ حَشْوُها لِيفٌ فجَلَسَ عَلَى الأرْضِ وصارَتِ
الوِسَادَةُ بَيْنِي وبَيْنَهُ فَقَالَ أما يَكْفِيكَ مِنْ
كُلِّ شَهْرٍ ثَلاَثَةَ أيَّامٍ قَالَ قُلْتُ يَا رسولَ
الله قَالَ خَمْسا قُلْتُ يَا رسولَ الله قَالَ سبْعا
قُلْتُ يَا رسولَ الله قَالَ تِسْعا قُلْتُ يَا رسولَ الله
قالَ إحْدَى عَشَرَةَ ثُمَّ قالَ النبيُّ صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم لاَ صَوْمَ فَوْقَ صَوْمِ دَاوُدَ عَلَيْهِ
السَّلامُ شَطْر الدَّهْرِ صُمْ يَوْما وأفْطِر يوْما. .
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (لَا صَوْم فَوق صَوْم
دَاوُد، عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام) .
ذكر رِجَاله وهم سَبْعَة: الأول: إِسْحَاق بن شاهين أَبُو
بشر الوَاسِطِيّ. الثَّانِي: خَالِد بن عبد الله بن عبد
الرَّحْمَن بن يزِيد الطَّحَّان أَبُو الْهَيْثَم
الوَاسِطِيّ من الصَّالِحين. الثَّالِث: خَالِد بن مهْرَان
الْحذاء الْبَصْرِيّ. الرَّابِع: أَبُو قلَابَة، بِكَسْر
الْقَاف، عبد الله بن زيد الْجرْمِي، أحد الْأَئِمَّة
الْأَعْلَام. الْخَامِس: أَبوهُ زيد بن عَمْرو، وَيُقَال:
عَامر. السَّادِس: أَبُو الْمليح، بِفَتْح الْمِيم وَكسر
اللَّام وَسُكُون الْيَاء آخر الْحُرُوف وَفِي آخِره حاء
مُهْملَة: واسْمه عَامر، وَقيل: زيد. وَقيل: زِيَاد بن
أُسَامَة بن عُمَيْر الْهُذلِيّ. السَّابِع: عبد الله بن
عَمْرو.
ذكر لطائف إِسْنَاده فِيهِ: التحديث بِصِيغَة الْجمع فِي
ثَلَاثَة مَوَاضِع، والإخبار بِصِيغَة الْإِفْرَاد فِي
مَوضِع. وَفِيه: العنعنة فِي موضِعين. وَفِيه: القَوْل فِي
موضِعين. وَفِيه: أَن شَيْخه ذكر مُجَردا عَن نِسْبَة،
لكنه ذكر مَنْسُوبا إِلَى وَاسِط وَهِي الْمَدِينَة
الَّتِي بناها الْحجَّاج. وَفِيه: أَن أَبَا الْمليح
لَيْسَ لَهُ حَدِيث فِي البُخَارِيّ سوى هَذَا الحَدِيث،
وَأَعَادَهُ فِي الاسْتِئْذَان، وَحَدِيث آخر فِي
الْمَوَاقِيت فِي موضِعين من رِوَايَته عَن بُرَيْدَة.
ذكر تعدد مَوْضِعه وَمن أخرجه غَيره: أخرجه البُخَارِيّ
أَيْضا فِي الاسْتِئْذَان عَن إِسْحَاق بن شاهين أَيْضا،
وَفِي الاسْتِئْذَان أَيْضا عَن عبد الله بن مُحَمَّد عَن
عَمْرو بن عون. وَأخرجه مُسلم فِي الصَّوْم عَن يحيى بن
يحيى. وَأخرجه النَّسَائِيّ فِيهِ عَن زَكَرِيَّا بن يحيى
خياط السّنة.
ذكر مَعْنَاهُ: قَوْله: (دخلت مَعَ أَبِيك) الْخطاب لأبي
قلَابَة وَأَبوهُ زيد كَمَا ذَكرْنَاهُ الْآن، وَفِي
رِوَايَته فِي الاسْتِئْذَان: (مَعَ أَبِيك زيد) ، وَصرح
بِهِ فِي قَوْله: فحدثنا، بِفَتْح الثَّاء الْمُثَلَّثَة.
قَوْله: (ذكر) على صِيغَة الْمَجْهُول. قَوْله: (فألقيت
لَهُ) ، أَي: لرَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم.
قَوْله: (أما يَكْفِيك؟) بِفَتْح الْهمزَة وَتَخْفِيف
الْمِيم. قَوْله: (قَالَ: قلت: يَا رَسُول الله {) أَي:
قَالَ عبد الله. فَإِن قلت: أَيْن الْجَواب، وَكَيف يَقع
لفظ: يَا رَسُول الله} جَوَابا؟ قلت: الْجَواب مَحْذُوف
تَقْدِيره: لَا يَكْفِينِي الثَّلَاثَة يَا رَسُول الله،
وَكَذَلِكَ يقدر فِي الْبَوَاقِي. قَوْله: (خمْسا) أَي:
خَمْسَة أَيَّام من كل شهر، وانتصابه على المفعولية، أَي:
صم خَمْسَة أَيَّام من كل شهر، وَكَذَلِكَ التَّقْدِير فِي
سبعا وتسعا، وَفِي رِوَايَة الْكشميهني: (خَمْسَة) ،
والتأنيث فِيهِ بِاعْتِبَار إِرَادَة الْأَيَّام، وَأما
خمْسا فباعتبار إِرَادَة اللَّيَالِي، وَكَذَلِكَ
الْكَلَام فِي الْبَوَاقِي. قَوْله: (لَا صَوْم فَوق صَوْم
دَاوُد) أَي: لَا فضل وَلَا كَمَال فِي صَوْم التَّطَوُّع
فَوق صَوْم دَاوُد، عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام،
وَهُوَ صَوْم يَوْم وإفطار يَوْم، وَالَّذين لَا يكْرهُونَ
السرد يَقُولُونَ: هَذَا مَخْصُوص بِعَبْد الله بن عَمْرو.
قَوْله: (إِحْدَى عشرَة) ، زَاد فِي رِوَايَة عَمْرو بن
عون: (يَا رَسُول الله) . قَوْله: (شطر الدَّهْر) أَي:
نصفه، وَيجوز فِي: شطر، الرّفْع على أَنه خبر مُبْتَدأ
مَحْذُوف، أَي: هُوَ شطر الدَّهْر، وَالنّصب على أَنه
مفعول لفعل مُقَدّر، تَقْدِيره: هاك شطر الدَّهْر أَو
خُذْهُ أَو اجْعَلْهُ، وَنَحْو ذَلِك، وَيجوز الْجَرّ على
أَنه بدل من صَوْم دَاوُد، عَلَيْهِ الصَّلَاة
وَالسَّلَام. قَوْله: (صم يَوْمًا وَأفْطر يَوْمًا) وَفِي
رِوَايَة عَمْرو بن عون: (صِيَام يَوْم وإفطار يَوْم) ،
وَيجوز فِيهِ الْأَوْجه الثَّلَاثَة الْمَذْكُور.
ذكر مَا يُسْتَفَاد مِنْهُ فِيهِ: بَيَان أَن أفضل الصّيام
صَوْم دَاوُد، عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام. وَفِيه:
بَيَان رفق رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، بأمته
وشفقته عَلَيْهِم وإرشاده إيَّاهُم إِلَى مَا يصلحهم وحثه
إيَّاهُم على مَا يُطِيقُونَ الدَّوَام عَلَيْهِ، ونهيهم
عَن التعمق فِي الْعِبَادَة لِأَنَّهُ يُفْضِي إِلَى
الْملَل المفضي إِلَى التّرْك. وَفِيه: جَوَاز الْإِخْبَار
عَن الْأَعْمَال الصَّالِحَة والأوراد ومحاسن الْأَعْمَال،
وَلَكِن مَحل ذَلِك أَن يَخْلُو عَن الرِّيَاء. وَفِيه:
بَيَان مَا كَانَ عَلَيْهِ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من
التَّوَاضُع وَترك الاستئثار على جليسه، وَفِي كَون
الوسادة من أَدَم حشوها لِيف، بَيَان مَا كَانَ عَلَيْهِ
الصَّحَابَة فِي غَالب أَحْوَالهم فِي عَهده، صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم، من الضّيق. إِذْ لَو كَانَ عِنْد عبد الله
بن عَمْرو أشرف مِنْهَا لأكرم بهَا نبيه، صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم.
(11/94)
06 - (بابُ صِيَامِ البِيضِ ثَلاثَ
عَشَرَةَ وَأرْبَعَ عَشَرَةَ وخَمْسَ عَشَرَةَ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان فضل صِيَام أَيَّام الْبيض،
وَهِي الْأَيَّام الَّتِي لياليهن مقمرات لَا ظلمَة
فِيهَا، وَهِي الثَّلَاثَة الْمَذْكُورَة: لَيْلَة الْقدر
وَمَا قبلهَا وَمَا بعْدهَا وَالْبيض، بِكَسْر الْبَاء جمع
أَبيض أضيف إِلَيْهَا الْأَيَّام تَقْدِيره: أَيَّام
اللَّيَالِي الْبيض. وَقيل: المُرَاد بالبيض: اللَّيَالِي،
وَهِي الَّتِي يكون الْقَمَر فِيهَا من أول اللَّيْل إِلَى
آخِره، حَتَّى قَالَ الجواليقي: من قَالَ الْأَيَّام
الْبيض فَجعل الْبيض صفة الْأَيَّام فقد أَخطَأ. قَالَ
بَعضهم: فِيهِ نظر لِأَن الْيَوْم الْكَامِل هُوَ
النَّهَار بليلته، وَلَيْسَ فِي الدَّهْر يَوْم أَبيض كُله
إلاَّ هَذِه الْأَيَّام، لِأَن لَيْلهَا أَبيض ونهارها
أَبيض، فصح قَول: الْأَيَّام الْبيض على الْوَصْف. انْتهى.
قلت: هَذَا كَلَام واهٍ، وَتصرف غير موجه، لِأَن قَوْله:
لِأَن الْيَوْم الْكَامِل هُوَ النَّهَار بليلته غير
صَحِيح، لِأَن الْيَوْم الْكَامِل فِي اللُّغَة عبارَة عَن
طُلُوع الشَّمْس إِلَى غُرُوبهَا، وَفِي الشَّرْع عَن
طُلُوع الْفجْر الصَّادِق، وَلَيْسَ لليلة دخل فِي حد
النَّهَار. قَوْله: (ونهارها أَبيض) يَقْتَضِي أَن بَيَاض
نَهَار الْأَيَّام الْبيض من بَيَاض اللَّيْلَة وَلَيْسَ
كَذَلِك، لِأَن بَيَاض الْأَيَّام كلهَا بِالذَّاتِ
وَأَيَّام الشَّهْر كلهَا بيض، فَسقط قَوْله: وَلَيْسَ فِي
الشَّهْر يَوْم أَبيض كُله إلاَّ هَذِه الْأَيَّام، وَهل
يُقَال ليَوْم من أَيَّام الشَّهْر غير أَيَّام الْبيض:
هَذَا يَوْم بياضه غير كَامِل، أَو يُقَال: هَذَا كُله
لَيْسَ بأبيض، أَو يُقَال: بعضه أَبيض؟ فَبَطل قَوْله، فصح
قَول الْأَيَّام الْبيض على الْوَصْف، وَالْقَوْل مَا
قَالَه الجواليقي:
(إِذا قَالَت حذام فصدقوها)
ثمَّ سَبَب التَّسْمِيَة بأيام الْبيض مَا رُوِيَ عَن ابْن
عَبَّاس أَنه قَالَ: إِنَّمَا سميت بأيام الْبيض لِأَن
آدم، عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام، لما أهبط إِلَى
الأَرْض أحرقته الشَّمْس فاسودَّ. فَأوحى الله تَعَالَى
إِلَيْهِ أَن صم أَيَّام الْبيض، فصَام أول يَوْم فأبيضَّ
ثلث جسده، فَلَمَّا صَامَ الْيَوْم الثَّانِي ابيضَّ ثلثا
جسده، فَلَمَّا صَامَ الْيَوْم الثَّالِث ابيضَّ جسده
كُله. وَقيل: سميت بذلك لِأَن ليَالِي أَيَّام الْبيض
مُقْمِرَة، وَلم يزل الْقَمَر من غرُوب الشَّمْس إِلَى
طُلُوعهَا فِي الدُّنْيَا فَتَصِير اللَّيَالِي
وَالْأَيَّام كلهَا بيضًا.
قَوْله: (ثَلَاث عشرَة وَأَرْبع عشرَة وَخمْس عشرَة) كَذَا
هُوَ فِي رِوَايَة الْأَكْثَرين، وَفِي رِوَايَة
الْكشميهني: (صِيَام أَيَّام الْبيض: ثَلَاثَة عشر
وَأَرْبَعَة عشر وَخَمْسَة عشر) . وَذَلِكَ بِاعْتِبَار
الْأَيَّام، وَالْأول بِاعْتِبَار اللَّيَالِي. فَإِن قلت:
كَيفَ عين الثَّالِث عشر وَالرَّابِع عشر وَالْخَامِس عشر
من الشَّهْر؟ والْحَدِيث الَّذِي ذكره فِي الْبَاب لَيْسَ
فِيهِ التَّعْيِين لذَلِك؟ قلت: جرت عَادَته فِي
الْإِشَارَة إِلَى مَا ورد فِي بعض طرق الحَدِيث، وَإِن لم
يكن على شَرطه، فقد روى القَاضِي يُوسُف بن إِسْمَاعِيل
فِي كتاب الصّيام: حَدثنَا عُثْمَان بن أبي شيبَة حَدثنَا
حُسَيْن بن عَليّ عَن زَائِدَة بن قدامَة عَن حَكِيم بن
جُبَير عَن مُوسَى بن طَلْحَة، قَالَ: قَالَ عمر بن
الْخطاب، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ لأبي ذَر وعمار وَأبي
الدَّرْدَاء، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُم: (أتذكرون
يَوْمًا كُنَّا مَعَ رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم، بمَكَان كَذَا وَكَذَا، فَأَتَاهُ رجل بأرنب،
فَقَالَ: يَا رَسُول الله إِنِّي رَأَيْت بهَا دَمًا،
فَأمر فأكلنا وَلم يَأْكُل؟ قَالُوا: نعم. ثمَّ قَالَ
لَهُ: ادنه فأطعم! قَالَ: إِنِّي صَائِم، قَالَ: أَي
صَوْم؟ قَالَ: صَوْم ثَلَاثَة أَيَّام من كل شهر، أَوله
وَآخره، وكما تيسَّر عَليّ فَقَالَ عمر، رَضِي الله
تَعَالَى عَنهُ: هَل تَدْرُونَ الَّذِي أَمر بِهِ رَسُول
الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم؟ قَالُوا: نعم، يَصُوم
ثَلَاث عشرَة وَأَرْبع عشرَة وَخمْس عشرَة. قَالَ عمر،
رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ: هَكَذَا قَالَ رَسُول الله صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم) . وَحَكِيم بن جُبَير ضعفه
الْجُمْهُور، ومُوسَى بن طَلْحَة عَن عمر مُرْسل، قَالَه
أَبُو زرْعَة، وَبَينهمَا ابْن الحوتكية.
وأصل الحَدِيث عِنْد النَّسَائِيّ فِي كتاب الصَّيْد
وَلَيْسَ فِيهِ ذكر لعمَّار وَأبي الدَّرْدَاء، رَوَاهُ من
طَرِيق حَكِيم بن جُبَير وَعَمْرو بن عُثْمَان وَمُحَمّد
بن عبد الرَّحْمَن عَن مُوسَى بن طَلْحَة (عَن ابْن
الحوتكية، قَالَ: قَالَ عمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ:
من حاضرنا يَوْم القاحة قَالَ أَبُو الدَّرْدَاء) فَذكر
الحَدِيث، وَفِيه: (قَالَ: فَأَيْنَ أَنْت عَن الْبيض
الغر: ثَلَاث عشرَة وَأَرْبع عشرَة وَخمْس عشرَة ... ؟)
وَابْن الحوتكية سَمَّاهُ بَعضهم يزِيد، وَقَالَ ابْن أبي
حَاتِم فِي (الْجرْح وَالتَّعْدِيل) : وَمَا سَمَّاهُ أحد
إلاَّ الْحجَّاج بن أَرْطَأَة عَن عُثْمَان بن عبد الله بن
موهب عَن مُوسَى بن طَلْحَة عَن يزِيد بن الحوتكية.
والقاحة، بِالْقَافِ وَتَخْفِيف الْحَاء الْمُهْملَة،
مَكَان من الْمَدِينَة على ثَلَاث مراحل.
وروى النَّسَائِيّ من رِوَايَة زيد بن أبي أنيسَة عَن أبي
إِسْحَاق عَن جرير بن عبد الله، رَضِي الله تَعَالَى
عَنهُ، عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ:
(صِيَام ثَلَاثَة أَيَّام من كل شهر صِيَام الدَّهْر،
وَأَيَّام الْبيض صَبِيحَة ثَلَاث عشرَة وَأَرْبع عشرَة
وَخمْس عشرَة) . وَإِسْنَاده صَحِيح، وَفِي رِوَايَة:
(أَيَّام الْبيض) بِغَيْر وَاو، وَرُوِيَ: (أَيَّام الْبيض
صَبِيحَة) ، بِالرَّفْع فيهمَا، وروى بِالْجَرِّ فيهمَا،
حَكَاهُ صَاحب (الْمُفْهم) : وروى ابْن
(11/95)
مَاجَه: حَدثنَا أَبُو بكر بن أبي شيبَة،
حَدثنَا يزِيد بن هَارُون قَالَ: أخبرنَا شُعْبَة عَن أنس
بن سِيرِين عَن عبد الْملك بن الْمنْهَال عَن أَبِيه عَن
رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه كَانَ يَأْمر
بصيام أَيَّام الْبيض: ثَلَاث عشرَة وَأَرْبع عشرَة وَخمْس
عشرَة، وَيَقُول: (هُوَ كَصَوْم يَوْم الدَّهْر. أَو
كَهَيئَةِ صَوْم الدَّهْر) وروى أَيْضا: حَدثنَا إِسْحَاق
بن مَنْصُور، قَالَ: حَدثنَا حَيَّان بن هِلَال، قَالَ:
حَدثنَا همام عَن أنس بن سِيرِين قَالَ: حَدثنِي عبد
الْملك بن قَتَادَة بن ملْحَان الْقَيْسِي عَن أَبِيه عَن
النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم نَحوه، وَرَوَاهُ
النَّسَائِيّ إلاَّ أَنه قَالَ: قدامَة بن ملْحَان قَالَ:
(كَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَأْمُرنَا
بالصيام أَيَّام اللَّيَالِي الغر الْبيض: ثَلَاث عشرَة
وَأَرْبع عشرَة وَخمْس عشرَة) وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد
إلاَّ أَنه قَالَ: عَن أنس عَن ابْن ملْحَان الْقَيْسِي
عَن أَبِيه ... فَذكره وَلم يسمه، وَقَالَ الْحَافِظ
الْمزي تبعا لِلْحَافِظِ ابْن عَسَاكِر: وَيُشبه أَن يكون
ابْن كثير أَي شيخ أبي دَاوُد نسبه إِلَى جده، وَقَالَ
الْحَافِظ أَبُو الْحسن عَليّ بن الْمفضل الْمَقْدِسِي:
قيل: إِنَّه ملْحَان بن شبْل الْبكْرِيّ وَالِد عبد الْملك
بن ملْحَان، ذكره ابْن عبد الْبر فِي الصَّحَابَة، قَالَ:
وَقيل: بل هُوَ قَتَادَة ابْن ملْحَان وَالِد عبد الْملك
بن قَتَادَة بن ملْحَان، ولقتادة هَذَا صُحْبَة فِيمَا
ذكره ابْن أبي حَاتِم وَلم يذكر أَبَاهُ فِي كِتَابه،
وَلَا أَبُو الْقَاسِم البقوي فِي (مُعْجم الصَّحَابَة) ،
قَالَ: وذكرهما أَعنِي: قَتَادَة وملحان أَبُو عمر بن عبد
الْبر فِي (الِاسْتِيعَاب) فَإِن قلت: روى النَّسَائِيّ
بِإِسْنَاد صَحِيح من رِوَايَة سعيد بن أبي هِنْد أَن
مطرفا حَدثهُ أَن عُثْمَان بن أبي الْعَاصِ، قَالَ: سَمِعت
رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، يَقُول: (صيامٌ حسنٌ
ثَلَاثَة أَيَّام من كل شهر) وَأخرجه ابْن حبَان أَيْضا
فِي (صَحِيحه) هَذَا وَلم يعين فِيهِ أَيَّامًا بِعَينهَا،
وروى النَّسَائِيّ أَيْضا من حَدِيث حَفْصَة، رَضِي الله
تَعَالَى عَنْهَا، قَالَت: (أَربع لم يكن يدعهن النَّبِي
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: صِيَام عَاشُورَاء، وَأول
الْعشْر، وَثَلَاثَة أَيَّام من كل شهر، وَرَكْعَتَيْنِ
قبل الْغَدَاة) . وروى أَبُو دَاوُد من حَدِيث حَفْصَة
قَالَت: كَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَصُوم
ثَلَاثَة أَيَّام من الشَّهْر: الِاثْنَيْنِ وَالْخَمِيس
والإثنين من الْجُمُعَة الْأُخْرَى) . وَهَذَا فِيهِ غير
أَيَّام الْبيض.
وروى أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيّ من رِوَايَة الْحسن بن
عبيد الله عَن هنيدة الْخُزَاعِيّ عَن أمه، قَالَت: دخلت
على أم سَلمَة، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا، فسألتها عَن
الصّيام؟ فَقَالَت: كَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم يَأْمُرنِي أَن أَصوم ثَلَاثَة أَيَّام من كل شهر:
أَولهَا الْإِثْنَيْنِ وَالْخَمِيس) ، وَالْخَمِيس لفظ أبي
دَاوُد. وَقَالَ النَّسَائِيّ: يَأْمر بصيام ثَلَاثَة
أَيَّام: أول خَمِيس والإثنين، وَقد رَوَاهُ أَبُو دَاوُد
وَالنَّسَائِيّ من رِوَايَة الْحر بن الصَّباح عَن هنيدة
عَن امْرَأَته عَن بعض أَزوَاج النَّبِي، صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم، غير مُسَمَّاة، وروى ابْن عدي فِي
(الْكَامِل) من حَدِيث أبي الدَّرْدَاء، قَالَ:
(أَوْصَانِي رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، بِغسْل
يَوْم الْجُمُعَة، وركعتي الضُّحَى، ونوم على وتر،
وَصِيَام ثَلَاثَة أَيَّام من كل شهر) .
وروى يُوسُف القَاضِي فِي (كتاب الصّيام) من حَدِيث عَليّ،
رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، أَن رَسُول الله، صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم، قَالَ: (صَوْم شهر الضبر وَثَلَاثَة
أَيَّام من كل شهر صَوْم الشَّهْر، وَيذْهب بوحر الصَّدْر)
. والوحر، بِفَتْح الْحَاء الْمُهْملَة: الغل. وروى
الطَّبَرَانِيّ فِي (المعجم الْكَبِير) من حَدِيث النمر بن
تولب من حَدِيث الْجريرِي عَن أبي الْعَلَاء، قَالَ:
كُنَّا بالمربد، فَأَتَانَا أَعْرَابِي وَمَعَهُ قِطْعَة
أَدِيم، فَقَالَ: انْظُرُوا مَا فِيهَا! فَإِذا كتاب من
رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَفِيه: (فَقلت
أَنْت سَمِعت هَذَا من رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم؟ قَالَ: نعم، وسمعته يَقُول: صَوْم شهر الصَّبْر
وَصِيَام ثَلَاثَة أَيَّام من الشَّهْر يذْهبن وغر
الصَّدْر) ، وَفِيه: (فَسَأَلت عَنهُ، فَقيل: هَذَا نمر بن
تولب) . وأصل الحَدِيث رَوَاهُ أَبُو دَاوُد
وَالتِّرْمِذِيّ، وَلَيْسَت فِيهِ قصَّة الصّيام وَلم يسم
فِيهِ الصَّحَابِيّ. والوغر، بالتسكين: الضغن والعداوة،
وبالتحريك: الْمصدر. قلت: هُوَ بالغين الْمُعْجَمَة،
وَأَصله من الوغرة وَهِي شدَّة الْحر.
وروى أَبُو نعيم فِي (الْحِلْية) من حَدِيث جَابر، رَضِي
الله تَعَالَى عَنهُ، قَالَ: (خرج علينا رَسُول الله، صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم، فَقَالَ: أَلا أخْبركُم بغرف
الْجنَّة) الحَدِيث، وَفِيه: (فَقُلْنَا: لمن تِلْكَ؟
فَقَالَ: لمن أفشى السَّلَام وأدام الصّيام. .) الحَدِيث،
وَفِيه: (وَمن صَامَ رَمَضَان، وَمن كل شهر ثَلَاثَة
أَيَّام فقد أدام الصّيام) . قلت: التَّوْفِيق بَين هَذِه
الْأَحَادِيث أَن كل من رأى النَّبِي، صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم، فعل نوعا ذكره، وَكَانَت عَائِشَة، رَضِي الله
تَعَالَى عَنْهَا، رَأَتْ مِنْهُ جَمِيع ذَلِك، فَلذَلِك
أطلقت فِيمَا رَوَاهُ مُسلم من حَدِيثهَا أَنَّهَا قَالَت:
(كَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَصُوم من كل
شهر ثَلَاثَة أَيَّام مَا يُبَالِي من أَي الشَّهْر صَامَ)
، وَالَّذِي أَمر بِهِ وحث عَلَيْهِ ووصَّى لَهُ، وَرُوِيَ
ذَلِك عَن جمَاعَة من الصَّحَابَة، رَضِي الله تَعَالَى
عَنْهُم، عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم على مَا
نذكرهُ، فَهُوَ أولى من غَيره. وَأما النَّبِي صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم فَلَعَلَّهُ كَانَ يعرض لَهُ مَا يشْغلهُ
عَن مُرَاعَاة ذَلِك، أَو كَانَ يفعل ذَلِك لبَيَان
الْجَوَاز. فَإِن قلت: أَي: الْفَصْلَيْنِ يتَرَجَّح؟
(11/96)
قلت: أَيَّام الْبيض، لكَونهَا وسط
الشَّهْر، ووسط الشَّهْر أعدله، وَلِأَن الْكُسُوف غَالِبا
يَقع فِيهَا، فَإِذا اتّفق الْكُسُوف صَادف الَّذِي يعتاده
صِيَام الْبيض صَائِما فيتهيأ أَن يجمع بَين أَنْوَاع
الْعِبَادَات من الصّيام وَالصَّلَاة وَالصَّدَََقَة،
بِخِلَاف من لم يصمها فَإِنَّهُ لَا يتهيأ لَهُ
اسْتِدْرَاك صيامها.
فَإِن قلت: قَالَ القَاضِي أَبُو بكر بن الْعَرَبِيّ:
ثَلَاثَة أَيَّام من كل شهر صَحِيح، وَقَالَ القَاضِي
أَبُو الْوَلِيد الْبَاجِيّ فِي صِيَام الْبيض: قد رُوِيَ
فِي إِبَاحَة تعمدها بِالصَّوْمِ أَحَادِيث لَا تثبت. قلت:
بل فِي التَّعْيِين أَحَادِيث صَحِيحَة. مِنْهَا: حَدِيث
جرير، فَهُوَ صَحِيح لَا اخْتِلَاف فِيهِ، وَقد ذَكرْنَاهُ
عَن قريب وَقد صَححهُ من الْمَالِكِيَّة أَبُو الْعَبَّاس
الْقُرْطُبِيّ فِي (الْمُفْهم) وَفِيه تعْيين الْبيض.
وَمِنْهَا: حَدِيث قُرَّة بن إِيَاس الْمُزنِيّ فَهُوَ
صَحِيح أَيْضا لَا اخْتِلَاف فِيهِ، رَوَاهُ
الطَّبَرَانِيّ فِي (الكبيرُّ قَالَ: حَدثنَا مُحَمَّد بن
مُحَمَّد التمار الْبَصْرِيّ، حَدثنَا أَبُو الْوَلِيد
الطَّيَالِسِيّ حَدثنَا شُعْبَة عَن مُعَاوِيَة بن قُرَّة
عَن أَبِيه، قَالَ: قَالَ رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم: (صِيَام الْبيض صِيَام الدَّهْر وإفطاره) ، وقرة
هُوَ ابْن إِيَاس بن هِلَال بن ذياب الْمُزنِيّ، وَرَوَاهُ
ابْن حبَان فِي (صَحِيحه) وَلَكِن لَيْسَ عِنْده تعْيين
الْبيض. وَصحح ابْن حبَان أَيْضا حَدِيث أبي ذَر وَحَدِيث
عبد الْملك ابْن منهال عَن أَبِيه فِي تعْيين الْأَيَّام
الْبيض، وَصحح أَيْضا حَدِيث ابْن مَسْعُود فِي تعْيين
غرَّة الشَّهْر. فَحَدِيث أبي هُرَيْرَة أخرجه الإِمَام
أَبُو مُحَمَّد بن عبد الله بن عَطاء الإبراهيمي من حَدِيث
يُونُس بن يَعْقُوب عَن أَبِيه عَن أبي صَادِق (عَن أبي
هُرَيْرَة: أَوْصَانِي خليلي بِثَلَاث: الْوتر قبل أَن
أَنَام، وأصلي الضُّحَى رَكْعَتَيْنِ، وَصَوْم ثَلَاثَة
أَيَّام من كل شهر: ثَلَاث عشرَة وَأَرْبع عشرَة وَخمْس
عشرَة، وَهِي الْبيض) . وَحَدِيث أبي ذَر رَوَاهُ
التِّرْمِذِيّ من حَدِيث مُوسَى بن طَلْحَة، قَالَ: سَمِعت
أَبَا ذَر يَقُول: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم: (يَا أَبَا ذَر! إِذا صمت من الشَّهْر ثَلَاثَة
أَيَّام فَصم ثَلَاث عشرَة وَأَرْبع عشرَة وَخمْس عشرَة) ،
وَقَالَ: حَدِيث أبي ذَر حَدِيث حسن، وَرَوَاهُ
النَّسَائِيّ وَابْن مَاجَه أَيْضا. وَحَدِيث عبد الْملك
بن منهال قد مر عَن قريب.
وَأما حكم الْمَسْأَلَة، فقد حكى النَّوَوِيّ فِي (شرح
مُسلم) الِاتِّفَاق على اسْتِحْبَاب صِيَام الْأَيَّام
الْبيض، وَهِي: الثَّالِث عشر وَالرَّابِع عشر وَالْخَامِس
عشر، قَالَ: وَقيل: هِيَ الثَّانِي عشر وَالثَّالِث عشر
وَالرَّابِع عشر، وَقَالَ شَيخنَا، وَفِيمَا حَكَاهُ من
الِاتِّفَاق نظر، فقد روى ابْن الْقَاسِم عَن مَالك فِي
(الْمَجْمُوعَة) أَنه سُئِلَ عَن صِيَام أَيَّام الغر:
ثَلَاث عشرَة وَأَرْبع عشرَة وَخمْس عشرَة؟ فَقَالَ: مَا
هَذَا ببلدنا، وَكره تعمد صَومهَا، وَقَالَ: الْأَيَّام
كلهَا لله تَعَالَى، وَقَالَ ابْن وهب: وَإنَّهُ لعَظيم
أَن يَجْعَل على نَفسه شَيْئا كالفرض، وَلَكِن يَصُوم إِذا
شَاءَ، قَالَ: وَاسْتحبَّ ابْن حبيب صَومهَا، وَقَالَ:
أَرَاهَا صِيَام الدَّهْر. وَقَالَ ابْن حبيب: كَانَ أَبُو
الدَّرْدَاء يَصُوم من كل شهر ثَلَاثَة أَيَّام: أول
الْيَوْم وَيَوْم الْعَاشِر وَيَوْم الْعشْرين، وَيَقُول:
هُوَ صِيَام الدَّهْر، كل حَسَنَة بِعشر أَمْثَالهَا.
وَقَالَ شَيخنَا: وَحَاصِل الْخلاف أَن فِي الْمَسْأَلَة
تِسْعَة أَقْوَال: أَحدهَا: اسْتِحْبَاب صَوْم ثَلَاثَة
أَيَّام من الشَّهْر غير مُعينَة، فَأَما تَعْيِينهَا
فمكروه، وَهُوَ الْمَعْرُوف من مَذْهَب مَالك، حَكَاهُ
الْقُرْطُبِيّ. الثَّانِي: اسْتِحْبَاب الثَّالِث عشر
وَالرَّابِع عشر وَالْخَامِس عشر، وَهُوَ قَول أَكثر أهل
الْعلم، وَبِه قَالَ عمر ابْن الْخطاب وَعبد الله بن
مَسْعُود وَأَبُو ذَر وَآخَرُونَ من التَّابِعين،
وَالشَّافِعِيّ وَأَصْحَابه وَابْن حبيب من
الْمَالِكِيَّة، وَأَبُو حنيفَة وصاحباه وَأحمد
وَإِسْحَاق. الثَّالِث: اسْتِحْبَاب الثَّانِي عشر
وَالثَّالِث عشر وَالرَّابِع عشر، حُكيَ ذَلِك عَن قوم.
الرَّابِع: اسْتِحْبَاب ثَلَاثَة من أول الشَّهْر، وَبِه
قَالَ الْحسن الْبَصْرِيّ. الْخَامِس: اسْتِحْبَاب السبت
والأحد والإثنين من أول شهر، ثمَّ الثُّلَاثَاء
وَالْأَرْبِعَاء وَالْخَمِيس من أول الشَّهْر الَّذِي
بعده، وَهُوَ اخْتِيَار عَائِشَة، رَضِي الله تَعَالَى
عَنْهَا فِي آخَرين. السَّادِس: استحبابها من آخر
الشَّهْر، وَهُوَ قَول إِبْرَاهِيم النَّخعِيّ. السَّابِع:
استحبابها فِي الْإِثْنَيْنِ وَالْخَمِيس. الثَّامِن:
اسْتِحْبَاب أول يَوْم الشَّهْر والعاشر وَالْعِشْرين،
وَرُوِيَ ذَلِك عَن أبي الدَّرْدَاء. التَّاسِع:
اسْتِحْبَاب أول يَوْم وَالْحَادِي عشر، وَالْعِشْرين،
وَهُوَ اخْتِيَار أبي إِسْحَاق ابْن شعْبَان من
الْمَالِكِيَّة.
1891 - حدَّثنا أبُو مَعْمَرٍ قَالَ حدَّثنا عَبْدُ
الوَارِثِ قَالَ حدَّثنا أبُو التَّيَّاحِ قَالَ حدَّثني
أبُو عُثْمَانَ عنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِي الله تَعَالَى
عنهُ قَالَ أوْصَانِي خَلِيلي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
بِثَلاثٍ صِيامِ ثلاثَةَ أيَّامٍ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ
ورَكْعَتَيْ الضُّحَى وأنْ أُوتِرَ قَبْلَ أنْ أنَامَ.
(انْظُر الحَدِيث 8711) .
(11/97)
قَالَ الْإِسْمَاعِيلِيّ وَابْن بطال وَآخَرُونَ: لَيْسَ
فِي الحَدِيث الَّذِي أوردهُ البُخَارِيّ فِي هَذَا
الْبَاب مَا يُطَابق التَّرْجَمَة، لِأَن الحَدِيث مُطلق
فِي ثَلَاثَة أَيَّام من كل شهر، والترجمة مَذْكُورَة
بِمَا ذكره. قلت: قد أجبنا عَن هَذَا عِنْد تفسيرنا
قَوْله: (ثَلَاث عشرَة وَأَرْبع عشرَة وَخمْس عشرَة) على
أَنا قد ذكرنَا عَن قريب عَن أبي هُرَيْرَة فِي بعض طرق
حَدِيثه مَا يُوَافق التَّرْجَمَة.
ذكر رِجَاله وهم خَمْسَة: الأول: أَبُو معمر، بِفَتْح
الميمين: واسْمه عبد الله بن عَمْرو الْمنْقري المقعد.
الثَّانِي: عبد الْوَارِث بن سعيد التَّيْمِيّ. الثَّالِث:
أَبُو التياح، بِفَتْح التَّاء الْمُثَنَّاة من فَوق
وَتَشْديد الْيَاء آخر الْحُرُوف وَفِي آخِره حاء
مُهْملَة: واسْمه يزِيد بن حميد الضبعِي. الرَّابِع: أَبُو
عُثْمَان، هُوَ أَبُو عبد الرَّحْمَن بن مل النَّهْدِيّ.
الْخَامِس: أَبُو هُرَيْرَة، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ.
ذكر لطائف إِسْنَاده فِيهِ: التحديث بِصِيغَة الْجمع فِي
ثَلَاثَة مَوَاضِع. وبصيغة الْإِفْرَاد فِي مَوضِع.
وَفِيه: العنعنة فِي مَوضِع. وَفِيه: القَوْل فِي موضِعين.
وَفِيه: ثَلَاثَة من الروَاة مذكورون بالكنى، وَقيل: أَبُو
التياح لقب غير كنية، ويكنى أَبَا حَمَّاد. وَفِيه: أَن
رُوَاته الثَّلَاثَة الأول كلهم بصريون، وَأَبُو عُثْمَان
كُوفِي، وَلكنه سكن الْبَصْرَة، وَقد روى عَن أبي
هُرَيْرَة جمَاعَة مِنْهُم أَبُو عُثْمَان لَكِن لم يَقع
فِي البُخَارِيّ حَدِيث مَوْصُول من رِوَايَة أبي عُثْمَان
عَن أبي هُرَيْرَة إلاَّ من رِوَايَة النَّهْدِيّ،
وَلَيْسَ لَهُ فِي البُخَارِيّ سوى هَذَا وَآخر فِي
الْأَطْعِمَة، وَوَقع عِنْد مُسلم: عَن شَيبَان عَن عبد
الْوَارِث بِهَذَا الْإِسْنَاد، فَقَالَ فِيهِ: حَدثنِي
أَبُو عُثْمَان النَّهْدِيّ، وَقد مضى هَذَا الحَدِيث فِي:
بَاب صَلَاة الضُّحَى فِي السّفر، فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ
عَن مُسلم بن إِبْرَاهِيم عَن شُعْبَة عَن عَبَّاس
الْجريرِي عَن أبي عُثْمَان النَّهْدِيّ عَن أبي
هُرَيْرَة، وَبَين بعض متنيه اخْتِلَاف، وَقد مر الْكَلَام
فِيهِ مُسْتَوفى. قَوْله: (خليلي) أَي: رَسُول الله صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم. قَوْله: (بِثَلَاث) ، أَي: بِثَلَاث
أَشْيَاء. قَوْله: (صِيَام ثَلَاثَة أَيَّام) ، بِالْجَرِّ
على أَنه بدل من: ثَلَاث. قَوْله: (وركعتي الْفجْر) ، عطف
عَلَيْهِ. قَوْله: (وَأَن أوتر) كلمة: أَن، مَصْدَرِيَّة
أَي: بِأَن أوتر، أَي: بالوتر، أَي: بِصَلَاتِهِ قبل أَن
أَنَام، أَي قبل النّوم، وَإِنَّمَا أفرده بِهَذِهِ
الْوَصِيَّة لِأَنَّهُ كَانَ يُوَافقهُ فِي إِيثَار
الِاشْتِغَال بِالْعبَادَة على الِاشْتِغَال بالدنيا،
لِأَن أَبَا هُرَيْرَة كَانَ يصبر على الْجُوع فِي ملازمته
النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، ألاَ ترى كَيفَ قَالَ:
أما إخْوَانِي فَكَانَ يشغلهم الصفق بالأسواق، وَكنت ألزم
رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم. |