عمدة القاري شرح صحيح البخاري

9 - (بابُ الاعْتِكَافِ وخَرَج النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم صَبِيحَةَ عِشْرِينَ)

أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان اعْتِكَاف النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَخُرُوجه مِنْهُ صَبِيحَة عشْرين من الشَّهْر، وَكَأَنَّهُ ذكر هَذِه التَّرْجَمَة لإِرَادَة تَأْوِيل مَا وَقع فِي هَذَا الحَدِيث من رِوَايَة مَالك. من قَوْله: (حَتَّى إِذا كَانَ لَيْلَة إِحْدَى وَعشْرين) ، وَهِي اللَّيْلَة الَّتِي يخرج من صبيحتها من اعْتِكَافه، وَقد ذكرنَا هُنَاكَ أَن المُرَاد بقوله: (من صبيحتها) ، الصبيحة الَّتِي قبلهَا. وَقَالَ ابْن بطال: هُوَ مثل قَوْله تَعَالَى: {لم يَلْبَثُوا إلاَّ عَشِيَّة أَو ضحاها} (النازعات: 64) . فأضاف الضُّحَى إِلَى العشية، وَهُوَ قبلهَا، وكل مُتَّصِل بِشَيْء فَهُوَ مُضَاف إِلَيْهِ سَوَاء كَانَ قبله أَو بعده.

6302 - حدَّثني عَبْدُ الله بنُ مُنِيرٍ قَالَ سمِعَ هَارُونَ بنَ إسْمَاعِيلَ قَالَ حدَّثنا عليُّ بنُ الْمُبارَكِ قَالَ حدَّثني يَحْيى بنُ أبي كَثيرٍ قَالَ سَمِعْتُ أَبَا سلَمَةَ بنَ عَبْدِ الرَّحْمانِ قالَ سألْتُ أبَا سَعِيدٍ الخُدْرِيَّ رَضِي الله تَعَالَى عنهُ قُلتُ هَلْ سَمِعْتَ رسولَ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَذْكُرُ لَيْلَةَ القَدْرِ قالَ نَعَمْ اعْتَكَفْنَا مَعَ رسولِ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الْعَشْرَ الأوْسَطَ مِنْ رَمَضَانَ قَالَ فَخَرَجْنَا صَبِيحَةَ عِشْرِينَ قَالَ فَخَطَبَنا رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم صَبِيحَةَ عَشْرِينَ فَقَالَ إنِّي أُرِيتُ لَيْلَةَ القَدْرِ وإنِّي نُسِّيتُها فالْتَمِسُوهَا فِي العَشْرِ الأوَاخِرِ فِي وَتْرٍ فإنِّي رأيْتُ أنْ أسْجُدَ فِي ماءٍ وطين ومنْ كانَ اعْتَكَفَ مَعَ رسولِ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَلْيَرْجِعْ فرَجَعَ إِلَى الْمَسْجِدِ وَمَا نَرَى فِي السَّماءِ قَزَعَةً قَالَ فَجاءَتْ سَحابَةٌ فَمَطَرَتْ وأُقِيمَتِ الصَّلاَةُ فسَجَدَ رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي الطِّينِ والمَاءِ حَتَّى رَأيْتُ الطِّينَ فِي أرْنَبَتِهِ وجَبْهَتِهِ. .

مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (فخرجنا صَبِيحَة عشْرين) . وَقد مضى هَذَا الحَدِيث فِي: بَاب الِاعْتِكَاف فِي الْعشْر الْأَوَاخِر، فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ: عَن إِسْمَاعِيل عَن مَالك عَن يزِيد عَن مُحَمَّد بن إِبْرَاهِيم عَن أبي سَلمَة عَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ، وَهنا أخرجه: عَن عبد الله بن مُنِير، بِضَم الْمِيم وَكسر النُّون: الْمروزِي، وَقد مر فِي الْوضُوء: عَن هَارُون بن إِسْمَاعِيل أبي الْحسن الْبَصْرِيّ، وَقد مر فِي الصَّوْم عَن عَليّ بن الْمُبَارك الْهنائِي الْبَصْرِيّ عَن يحيى بن أبي كثير ... إِلَى آخِره.
قَوْله: (فَأَنِّي نسيتهَا) ، بِفَتْح النُّون، وَفِي رِوَايَة الْكشميهني: (نسيتهَا) ، بِضَم النُّون وَتَشْديد السِّين. قَوْله: (فَإِنِّي رَأَيْت) ، كَذَا هُوَ فِي رِوَايَة الْكشميهني وَفِي رِوَايَة غَيره: (أريت) ، بِضَم الْهمزَة وَكسر الرَّاء. قَوْله: (رَأَيْت أَن أَسجد) ، كَذَا هُوَ فِي رِوَايَة الْكشميهني، وَفِي رِوَايَة غَيره: (رَأَيْت أَنِّي أَسجد) . قَوْله: (فِي أرنبته) ، بِفَتْح الْهمزَة وَسُكُون الرَّاء وَفتح النُّون وَالْبَاء الْمُوَحدَة: طرف الْأنف، وَقد مر الْكَلَام فِيهِ مُسْتَوفى هُنَاكَ فَليرْجع إِلَيْهِ.

01 - (بابُ اعْتِكَافِ الْمُسْتَحَاضَةِ)

أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان حكم اعْتِكَاف الْمُسْتَحَاضَة.
141 - (حَدثنَا قُتَيْبَة قَالَ حَدثنَا يزِيد بن زُرَيْع عَن خَالِد عَن عِكْرِمَة عَن عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا قَالَت اعتكفت مَعَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - امْرَأَة من أَزوَاجه مُسْتَحَاضَة فَكَانَت ترى الْحمرَة والصفرة فَرُبمَا وَضعنَا الطست تحتهَا وَهِي تصلي)

(11/153)


مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة والْحَدِيث قد مضى فِي كتاب الْحيض فِي بَاب اعْتِكَاف الْمُسْتَحَاضَة بِهَذِهِ التَّرْجَمَة بِعَينهَا فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ عَن إِسْحَق بن شاهين عَن خَالِد بن عبد الله عَن خَالِد عَن عِكْرِمَة عَن عَائِشَة إِلَى آخِره وَوَقع فِي رِوَايَة سعيد بن مَنْصُور عَن إِسْمَاعِيل هُوَ ابْن علية حَدثنَا خَالِد وَهُوَ الْحذاء الَّذِي أخرجه البُخَارِيّ من طَرِيقه فَذكر الحَدِيث وَزَاد فِيهِ وَقَالَ حَدثنَا بِهِ خَالِد مرّة أُخْرَى عَن عِكْرِمَة أَن أم سَلمَة كَانَت عاكفة وَهِي مُسْتَحَاضَة فَأفَاد بذلك معرفَة عينهَا -
11 - (بابُ زِيَارَةِ المرْأةِ زَوْجَهَا فِي اعْتِكافِهِ)

أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان حكم زِيَارَة الْمَرْأَة زَوجهَا وَهُوَ فِي الِاعْتِكَاف.

8302 - حدَّثنا سَعِيد بنُ عُفَيْرٍ قَالَ حدَّثني اللَّيْثُ قَالَ حدَّثنا عَبْدُ الرَّحْمانِ بنُ خالِدٍ عنِ ابنِ شهَابٍ عنْ عَلِيِّ بنِ الحُسَيْنِ رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا أنَّ صَفِيَّةَ زَوْجَ النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أخْبَرَتْهُ قالَتْ ح.
أخرج حَدِيث صَفِيَّة هُنَا من وَجْهَيْن: أَحدهمَا: مَوْصُول أخرجه: عَن سعيد بن عفير، بِضَم الْعين الْمُهْملَة وَسُكُون الْيَاء آخر الْحُرُوف وبالراء: الْمصْرِيّ، وَقد مر فِي الْعلم: عَن اللَّيْث بن سعيد عَن عبد الرَّحْمَن بن خَالِد بن مُسَافر عَن ابْن شهَاب، وَهُوَ مُحَمَّد بن مُسلم الزُّهْرِيّ عَن عَليّ بن الْحُسَيْن زين العابدين، فَذكره مُخْتَصرا. وَقد مضى تَمَامه فِي: بَاب هَل يخرج الْمُعْتَكف لحوائجه إِلَى بَاب الْمَسْجِد؟ وَالْوَجْه الآخر مُرْسل، وَهُوَ قَوْله:

حدَّثنا عَبْدُ الله بنُ مُحَمَّدٍ قَالَ حدَّثنا هشامٌ قَالَ أخبرنَا مَعْمَرٌ عنِ الزُّهْرِيِّ عنْ عَلِيِّ بنِ الحُسَيْنِ قَالَ كانَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي المَسْجِدِ وعِنْدَهُ أزْوَاجُهُ فرحن فَقَالَ لِصَفِيَّةَ بِنْتِ حُيَىٍّ لاَ تَعْجَلِي حَتَّى أنْصَرِفَ مَعَكِ وكانَ بَيْتُهَا فِي دَارِ أُسَامَةَ فَخَرَجَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم معَها فَلَقِيَهُ رَجلاَنِ مِنَ الأنْصَارِ فَنَظَرا إِلَى النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ثُمَّ أجازَا وَقَالَ لَهُمَا النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم تَعَالَيا إنَّهَا صَفِيَّةُ بِنْتُ حُيَيٍّ قالاَ سُبْحَانَ الله يَا رسولَ الله قَالَ إنَّ الشَّيْطَانَ يَجْرِي مِنَ الإنْسَانِ مَجْرَى الدَّم وإنِّي خَشِيتُ أنْ يُلْقِيَ فِي أنْفُسِكُمَا شَيْئا..
عبد الله بن مُحَمَّد البُخَارِيّ الْمَعْرُوف بالمسندي، وَهِشَام هُوَ ابْن يُوسُف الصَّنْعَانِيّ الْيَمَانِيّ ... إِلَى آخِره.
قَوْله: (فرحن) من الرواح، وَهُوَ فعل جمَاعَة النِّسَاء. قَوْله: (ثمَّ أجازا) أَي: مضيا، وَقد ذَكرْنَاهُ مرّة. قَوْله: (فِي أنفسكما) وَفِي الرِّوَايَة الَّتِي هُنَاكَ (فِي قُلُوبكُمَا) ، وَإِضَافَة لفظ الْجمع إِلَى الْمثنى كثير، كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى: {فقد صغت قُلُوبكُمَا} (التَّحْرِيم: 4) .

21 - (بابٌ هَلْ يَدْرَأ المُعْتَكِفُ عنْ نَفْسِهِ)

أَي: هَذَا بَاب يذكر فِيهِ: هَل يدْرَأ أَي: يدْفع الْمُعْتَكف عَن نَفسه بالْقَوْل وَالْفِعْل، وَقد ورد فِي حَدِيث الْبَاب الدّفع بالْقَوْل، وَهُوَ قَوْله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، هِيَ صَفِيَّة أَو هَذِه صَفِيَّة، وَيجوز بِالْفِعْلِ أَيْضا، لِأَن الْمُعْتَكف لَيْسَ بأشد فِي ذَلِك من الْمصلى.

9302 - حدَّثنا إسْمَاعِيلُ بنُ عَبْدِ الله قَالَ أخْبَرَنِي أخِي عَن سُلَيْمَانَ عنُ مُحَمَّدِ بنِ أبِي عَتِيقٍ عنِ ابنِ شِهَابٍ عنْ عَلِيِّ بنِ الحُسَيْنِ رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا أنَّ صَفِيَّةَ أخْبَرَتْهُ قالَتْ ح حدَّثنا عَلِيُّ بنُ عَبْدِ الله قَالَ حدَّثنا سُفْيَانُ قَالَ سَمِعْتُ الزُّهْرِيَّ يُخْبِرُ عنْ عَلِيِّ بنِ الحُسَيْنِ أنَّ صَفِيَّةَ رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا أتَتِ النبيَّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وهْوَ مُعْتَكِفٌ فَلَمَّا رَجَعَتْ مَشَى مَعَهَا فأبْصَرَهُ رَجُلٌ مِنَ الأنْصَارِ فلَمَّا أبْصَرَهُ

(11/154)


دَعاهُ فَقال تَعالَ هِيَ صَفِيَّةُ وربَّمَا قَالَ سُفْيانُ هَذِهِ صَفِيَّةُ فإنَّ الشَّيْطَانَ يَجْرِي مِن ابنِ آدَمَ مَجْرَى الدَّمِّ قُلْتُ لِسُفْيَانَ أتَتْهُ لَيْلاً قَالَ وهَلْ هُوَ إلاَّ لَيْلٌ..
مطابقته للتَّرْجَمَة قد ذَكرْنَاهُ الْآن، وَأورد البُخَارِيّ أَيْضا حَدِيث صَفِيَّة من وَجْهَيْن: الأول: عَن إِسْمَاعِيل بن عبد الله وَهُوَ إِسْمَاعِيل بن أبي أويس، ابْن أُخْت مَالك بن أنس عَن أَخِيه عبد الحميد بن أبي أويس، مر فِي الْعلم عَن سُلَيْمَان بن بِلَال، مولى عبد الله بن أبي عَتيق، هُوَ مُحَمَّد بن عبد الله بن أبي عَتيق بن أبي بكر الصّديق عَن مُحَمَّد بن مُسلم بن شهَاب الزُّهْرِيّ عَن عَليّ بن الْحُسَيْن، فَذكره مُخْتَصرا، وَهُوَ مَوْصُول. الثَّانِي: عَن عَليّ بن عبد الله بن الْمَدِينِيّ عَن سُفْيَان ابْن عُيَيْنَة عَن الزُّهْرِيّ، فَذكره وَهُوَ مُرْسل.
قَوْله: (فَأَبْصَرَهُ رجل) ، وَلَا مُنَافَاة بَين هَذَا وَبَين قَوْله فِي الرِّوَايَة الْمُتَقَدّمَة: (أَنه رجلَانِ) ، منطوقا، وَأما مفهوما فَلَا اعْتِبَار لَهُ. قَوْله: (رُبمَا قَالَ سُفْيَان) وَهُوَ ابْن عُيَيْنَة. قَوْله: (يجْرِي من ابْن آدم) هَذَا فِي الأَصْل مَخْصُوص بذكور الْآدَمِيّين، لَكِن فِي عرف الِاسْتِعْمَال لأَوْلَاد آدم، كَمَا يُقَال بَنو إِسْرَائِيل وَالْمرَاد أَوْلَاده. قَوْله: (هَل هُوَ إلاَّ ليل) ، ويروى: (لَيْلًا) ، أَي: فَهَل الْإِتْيَان فِي وَقت إلاَّ لَيْلًا؟

31 - (بابُ منْ خَرَجَ مِنَ اعْتِكَافِهِ عِنْدَ الصُّبْحِ)

أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان حكم من خرج من اعْتِكَافه عِنْد الصُّبْح، وَذَلِكَ عِنْد إِرَادَة اعْتِكَاف اللَّيَالِي دون الْأَيَّام.

0402 - حدَّثنا عَبْدُ الرَّحْمانِ قَالَ حدَّثَنَا سُفْيَانُ عنِ ابنِ جُرَيْجٍ عنْ سُلَيْمانَ الأحْوَلِ خالِ ابنِ أبي نُجَيْحٍ عنْ أبِي سَلَمَةَ عنْ أبِي سَعِيدٍ ح قَالَ سُفْيَانُ وحدَّثنا مُحَمَّدُ بنُ عَمْرٍ وعنْ أبي سَلَمَةَ عنْ أبِي سَعِيدٍ قَالَ وأظُنُّ أنَّ ابنَ أبِي لَبِيدٍ حدَّثنا عنْ أبِي سَلَمَةَ عنْ أبِي سَعِيدٍ رَضِي الله تَعَالَى عنهُ قَالَ اعْتَكَفْنَا معَ رسولِ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الْعَشْرَ الأوْسَطَ فَلَمَّا كانَ صَبِيحَةَ عِشْرِينَ نَقَلْنا مَتاعَنَا فأتانَا رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ مَنْ اعْتَكَفَ فَلْيَرْجِعْ إلَى مُعْتَكَفِهِ فإنِّي رَأيْتُ هَذِهِ اللَّيْلَةَ ورَأيْتُنِي أسْجُدُ فِي ماءٍ وطينٍ فَلَمَّا رَجَعَ إلَى مُعْتَكَفِهِ وهاجَتِ السَّمَاءُ فَمُطِرْنَا فَوَالَّذِي بَعَثَهُ بِالحَقِّ لَقَدْ هاجَتِ السَّماءُ مِنْ آخِرِ ذَلِكَ الْيَوْمِ وكانَ المَسْجِدُ عَرِيشا فَلَقَدْ رأيْتُ عَلَى أنْفِهِ وأرْنَبَتِهِ أثَرَ المَاءِ والطِّينِ. .

مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (فَلَمَّا كَانَ صَبِيحَة عشْرين) ، وَقد أخرج حَدِيث أبي سعيد الْمَذْكُور فِيمَا مضى هُنَا أَيْضا بِهَذِهِ التَّرْجَمَة من ثَلَاثَة أوجه: الأول: عَن عبد الرَّحْمَن هُوَ ابْن بشر، بِكَسْر الْبَاء الْمُوَحدَة وَسُكُون الشين الْمُعْجَمَة الْعَبْدي النَّيْسَابُورِي، مَاتَ سنة سِتِّينَ وَمِائَتَيْنِ، وَهَكَذَا وَقع عبد الرَّحْمَن مُجَردا من غير نِسْبَة إِلَى أَبِيه فِي رِوَايَة الْأصيلِيّ وكريمة، وَفِي رِوَايَة الْأَكْثَرين وَقع مَنْسُوبا: عبد الرَّحْمَن بن بشر يروي عَن سُفْيَان بن عُيَيْنَة عَن عبد الْملك بن عبد الْعَزِيز بن جريج عَن سُلَيْمَان الْأَحول، وَزَاد الْحميدِي ابْن أبي مُسلم خَال عبد الله بن أبي نجيح الْمَكِّيّ عَن أبي سَلمَة عبد الرَّحْمَن عَن أبي سعيد. الْوَجْه الثَّانِي: عَن سُفْيَان عَن مُحَمَّد بن عَمْرو بن عَلْقَمَة بن أبي وَقاص اللَّيْثِيّ عَن أبي سَلمَة عَن أبي سعيد. الْوَجْه الثَّالِث: عَن سُفْيَان عَن عبد الله بن أبي لبيد، وَهُوَ قَوْله: قَالَ أَي: سُفْيَان وأظن أَن ابْن أبي لبيد حَدثنَا عَن أبي سَلمَة، و: لبيد، بِفَتْح اللَّام وَكسر الْبَاء الْمُوَحدَة، وَكَانَ عبد الله بن أبي لبيد هَذَا يكنى بِأبي الْمُغيرَة الْمدنِي حَلِيف الْمَدَنِيين، وَكَانَ من عباد أهل الْمَدِينَة، وَكَانَ يرى لَيْلَة الْقدر، مَاتَ فِي أول خلَافَة أبي جَعْفَر الْمَنْصُور.
وَحَاصِل الْكَلَام أَن لِسُفْيَان بن عُيَيْنَة فِي هَذَا الحَدِيث ثَلَاثَة أَشْيَاخ حدثوه بِهِ عَن أبي سَلمَة، وهم: ابْن جريج، وَمُحَمّد بن عمر، وَعبد الله بن أبي لبيد.
وَقد أخرجه أَحْمد عَن سُفْيَان، قَالَ: حَدثنَا مُحَمَّد بن عَمْرو عَن أبي سَلمَة وَابْن أبي لبيد عَن أبي سَلمَة: سَمِعت أَبَا سعيد، وَلم يقل: وأظن.
قَوْله: (هَاجَتْ السَّمَاء) أَي: طلعت السحب.

(11/155)


قَوْله: (وأرنبته) ، إِمَّا من بَاب الْعَطف التأكيدي، وَإِمَّا أَن يُرَاد بالأنف الْوسط، وبالأرنبة الطّرف.

41 - (بابُ الاعْتِكَافِ فِي شَوَّالٍ)

أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان الِاعْتِكَاف فِي شَوَّال.

1402 - حدَّثنا محَمَّدٌ قَالَ أخبرنَا مُحَمَّدُ بنُ فُضَيْلِ بنِ غَزْوَانَ عنْ يَحْيَى بنِ سَعِيدٍ عنْ عَمْرَةَ بِنْتِ عَبْدِ الرَّحْمانِ عَن عائِشَةَ رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا قالَتْ كانَ رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَعْتَكِفُ فِي كُلِّ رَمَضَان وإذَا صَلَّى الغَدَاةَ دَخَلَ مَكانَهُ الَّذِي اعتَكَفَ فِيهِ قَالَ فاسْتَأذَنَتْهُ عائِشَةُ أنْ تَعْتَكِفَ فأذِنَ لَها فَضَرَبَتْ فِيهِ قُبَّةً فسَمِعَتْ بِهَا حَفْصَةُ فَضَرَبَتْ قُبَّةً وسَمِعَتْ زَيْنَبُ بِهَا فضَرَبَتْ قُبَّةً أُخْرَى فلَمَّا انْصَرَفَ رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم منَ الغَدِ أبْصَرَ أرْبَعَ قِبابٍ فَقَالَ مَا هاذَا فأُخْبِرَ خَبَرَهُنَّ فَقَالَ مَا حَمَلَهُنَّ عَلى هَذا آلْبرُّ انْزِعُوها فَلاَ أرَاهَا فَنُزِعَتْ فَلَمْ يَعْتَكِفْ فِي رَمَضانَ حَتَّى اعْتَكَفَ فِي آخِرِ الْعَشْرِ مِنْ شَوَّالٍ. .

مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (اعْتكف فِي آخر الْعشْر من شَوَّال) ، وَقد مضى هَذَا الحَدِيث فِي بَاب اعْتِكَاف النِّسَاء، فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ عَن أبي النُّعْمَان عَن حَمَّاد بن زيد عَن يحيى عَن عمْرَة عَن عَائِشَة ... إِلَى آخِره، وَهنا أخرجه: عَن مُحَمَّد بن سَلام ... إِلَى آخِره. قَوْله: (مُحَمَّد) ، هَكَذَا هُوَ مُجَردا عِنْد الْأَكْثَرين، وَفِي رِوَايَة كَرِيمَة: مُحَمَّد بن سَلام. قَوْله: (دخل مَكَانَهُ) من الدُّخُول، وَفِي رِوَايَة الْكشميهني: حل مَكَانَهُ، من الْحُلُول وَهُوَ النُّزُول، ومكانه هُوَ مَوْضِعه الْخَاص من الْمَسْجِد الَّذِي خصصه مِنْهُ للاعتكاف، وَهُوَ مَوضِع خيمته. قَوْله: (أَربع قباب) ، وَاحِدَة مِنْهَا لرَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَثَلَاث لعَائِشَة وَحَفْصَة وَزَيْنَب. قَوْله: (مَا حَملهنَّ؟) مَا نَافِيَة. و: الْبر، فَاعل: حمل، أَو: مَا، استفهامية وآلبر، بِهَمْزَة الِاسْتِفْهَام مَرْفُوع على أَنه مُبْتَدأ وَخَبره مَحْذُوف تَقْدِيره: آلبر كَائِن أَو حَاصِل؟ قَوْله: (انزعوها) أَي: القباب الْمَذْكُورَة من النزع وَهُوَ الْقلع. قَوْله: (أَرَاهَا) قَالَ الْكرْمَانِي: بِالرَّفْع والجزم. قلت: لَا وَجه للجزم، فَإِن: لَا، نَافِيَة لَا ناهية.

51 - (بابُ مَنْ لَمْ يَرَ عَلَيْهِ صَوْما إذَا اعْتَكَفَ)

أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان قَول من لم ير على الشَّخْص صوما إِذا اعْتكف، وصوما مَنْصُوب لِأَنَّهُ مفعول الرُّؤْيَة: يَعْنِي لم يشْتَرط الصَّوْم لصِحَّة الِاعْتِكَاف، وَقد مر الْكَلَام فِي هَذَا الْبَاب عَن قريب.

2402 - حدَّثنا إسْمَاعِيلُ بنُ عَبْدِ الله عنْ أخِيهِ عنْ سُلَيْمَانَ عنْ عُبَيْدِ الله بنِ عُمَرَ عنْ نافِعٍ عنْ عَبْدِ الله بنِ عُمَرَ عنْ عُمَرَ بنِ الخَطَّابِ رَضِي الله تَعَالَى عنهُ أنَّهُ قالَ يَا رسولَ الله إنِّي نَذَرْتُ فِي الجَاهِلِيَّةِ أنْ أعْتَكِفَ لَيْلَةً فِي المَسْجِدِ الحَرَامِ فَقَالَ لَهُ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أوْفِ نَذْرَكَ فاعْتَكَفَ لَيْلَةً.

مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (أوف نذرك) ، فاعتكف لَيْلَة حَيْثُ أمره النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بوفاء نَذره وَلم يَأْمُرهُ بِصَوْم، فَدلَّ على أَن الصَّوْم لَيْسَ بِشَرْط للاعتكاف، وَقد مر الْكَلَام فِيهِ فِي بَاب الِاعْتِكَاف لَيْلًا، فَإِنَّهُ أخرج هَذَا الحَدِيث هُنَاكَ: عَن مُسَدّد عَن يحيى بن سعيد عَن عبيد الله عَن نَافِع ... إِلَى آخِره، وَهنا أخرجه: عَن إِسْمَاعِيل بن عبد الله بن أبي أويس عَن أَخِيه عبد الحميد عَن سُلَيْمَان بن بِلَال عَن عبيد الله بن عمر الْعمريّ عَن نَافِع.