عمدة القاري شرح
صحيح البخاري 61 - (بابٌ إذَا نَذَرَ فِي الجَاهِلِيَّةِ
أنْ يَعْتَكِفَ ثُمَّ أسْلَمَ)
أَي: هَذَا بَاب يذكر فِيهِ إِذا نذر ... إِلَى آخِره،
وَجَوَاب: إِذا، مَحْذُوف تَقْدِيره: هَل يلْزمه الْوَفَاء
بذلك أم لَا؟
(11/156)
3402 - حدَّثنا عُبَيْدُ بنُ إسْمَاعِيلَ
قَالَ حَدثنَا أبُو أُسَامَةَ عنْ عُبَيْدِ الله عنْ
نافِعٍ عنِ ابنِ عُمَرَ أنَّ عُمَرَ رَضِي الله تَعَالَى
عنهُ نَذَرَ فِي الجَاهِلِيَّةِ أنْ يَعْتَكِفَ فِي
المَسْجِدِ الحَرَامِ قَالَ أُرَاهُ قَالَ لَيْلَةً قَالَ
لَهُ رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أوْفِ
بِنَذْرِكَ. .
مطابقته للتَّرْجَمَة من حَيْثُ إِن عمر نذر فِي
الْجَاهِلِيَّة أَن يعْتَكف فِي الْمَسْجِد الْحَرَام،
ثمَّ أسلم بعد ذَلِك، فَلَمَّا ذكر ذَلِك للنَّبِي صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ لَهُ: (أوف بِنَذْرِك) ،
والْحَدِيث تكَرر ذكره بِحَسب وضع التراجم، وَعبيد بن
إِسْمَاعِيل اسْمه فِي الأَصْل: عبد الله يكنى أَبَا
مُحَمَّد الْهَبَّاري الْقرشِي الْكُوفِي، وَهُوَ من
أَفْرَاده، وَأَبُو أُسَامَة حَمَّاد بن أُسَامَة
اللَّيْثِيّ، وَعبيد الله بن عمر الْعمريّ، قَوْله: (قَالَ
أرَاهُ) أَي: قَالَ عبيد بن إِسْمَاعِيل شيخ البُخَارِيّ:
(أرَاهُ) ، بِضَم الْهمزَة، أَي: أَظُنهُ. وَقَالَ
الْكرْمَانِي: قَوْله: (قَالَ أرَاهُ) الظَّاهِر أَنه لفظ
البُخَارِيّ نَفسه. وَالله أعلم.
71 - (بابُ الاعْتِكَافِ فِي العَشْرِ الأوْسَطِ مِنْ
رَمَضَانَ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان مُبَاشرَة الِاعْتِكَاف فِي
الْعشْر الْأَوْسَط من رَمَضَان، وَكَأَنَّهُ أَشَارَ بذلك
إِلَى أَن الِاعْتِكَاف لَا يخْتَص بالعشر الْأَخير، وَإِن
كَانَ فِيهِ أفضل.
4402 - حدَّثنا عَبْدُ الله بنُ أبِي شَيْبَةَ قَالَ
حدَّثنا أبُو بَكْرٍ عنْ أبِي حَصِينٍ عنْ أبِي صالِحٍ عنْ
أبِي هُرَيْرَةَ رَضِي الله تَعَالَى عنهُ قَالَ كانَ
النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَعْتَكِفُ فِي كلِّ
رَمضانَ عَشْرَةَ أيَّامٍ فلَمَّا كانَ العامُ الَّذِي
قُبِضَ فِيهِ اعْتَكَفَ عِشْرِينَ يَوْما.
(الحَدِيث 4402 طرفه فِي: 8994) .
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (عشْرين يَوْمًا) لِأَن
فِيهِ الْعشْر الْأَوْسَط من رَمَضَان، وَعبد الله هُوَ
ابْن مُحَمَّد بن أبي شيبَة أَبُو بكر الْكُوفِي، وَأَبُو
بكر هُوَ ابْن عَيَّاش الْمقري، وَأَبُو حُصَيْن، بِفَتْح
الْحَاء وَكسر الصَّاد الْمُهْمَلَتَيْنِ: اسْمه عُثْمَان
بن عَاصِم، وَأَبُو صَالح ذكْوَان الزيات السمان.
وَأخرجه البُخَارِيّ أَيْضا فِي فَضَائِل الْقُرْآن: عَن
خَالِد بن يزِيد. وَأخرجه أَبُو دَاوُد فِي الصَّوْم: عَن
هناد بن السّري بِقصَّة الِاعْتِكَاف. وَأخرجه
النَّسَائِيّ فِي فَضَائِل الْقُرْآن: عَن عَمْرو بن
مَنْصُور، وَفِي الِاعْتِكَاف: عَن مُوسَى بن حزَام،
وَأخرجه ابْن مَاجَه فِي الصَّوْم: عَن هناد بِتَمَامِهِ،
وَيحْتَمل أَن يكون، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، إِنَّمَا
ضاعف اعْتِكَافه فِي الْعَام الَّذِي قبض فِيهِ من أجل
أَنه علم بِانْقِضَاء أَجله، فَأَرَادَ استكثار عمل
الْخَيْر ليسن لأمته الِاجْتِهَاد فِي الْعَمَل إِذا
بلغُوا أقْصَى الْعُمر، ليلقوا الله على خير أَحْوَالهم،
وَقيل: السَّبَب فِيهِ أَن جِبْرِيل، عَلَيْهِ الصَّلَاة
وَالسَّلَام، كَانَ يُعَارضهُ بِالْقُرْآنِ فِي رَمَضَان،
فَلَمَّا كَانَ الْعَام الَّذِي قبض فِيهِ عَارضه بِهِ
مرَّتَيْنِ، فَلذَلِك اعْتكف قدر مَا كَانَ يعْتَكف
مرَّتَيْنِ، وَقَالَ ابْن الْعَرَبِيّ: يحْتَمل أَن يكون
سَبَب ذَلِك أَنه لما ترك الِاعْتِكَاف فِي الْعشْر
الْأَخير بِسَبَب مَا وَقع من أَزوَاجه، وَاعْتَكف بدله
عشرا من شَوَّال، اعْتكف فِي الْعَام الَّذِي يَلِيهِ
عشْرين ليتَحَقَّق قَضَاء الْعشْر فِي رَمَضَان. وَقيل:
يحْتَمل أَنه كَانَ فِي الْعَام الَّذِي قبله كَانَ
مُسَافِرًا فَلم يعْتَكف، فَلَمَّا كَانَ الْعَام الْمقبل
اعْتكف عشْرين.
وَقَالَ ابْن بطال: مواظبته، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، على
الِاعْتِكَاف تدل على أَنه من السّنَن الْمُؤَكّدَة. قلت:
قَاعِدَة أَصْحَابنَا أَن مواظبته، صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم، على عمل يدل على الْوُجُوب، وَالسّنة الْمُؤَكّدَة
فِي قُوَّة الْوَاجِب، وَقَالَ ابْن الْمُنْذر: روينَا عَن
عَطاء الْخُرَاسَانِي أَنه كَانَ يَقُول: مثل الْمُعْتَكف
كَمثل عبد ألْقى نَفسه بَين يَدي ربه، ثمَّ قَالَ: ربِّ
لَا أَبْرَح حَتَّى تغْفر لي، لَا أَبْرَح حَتَّى ترحمني.
81 - (بابُ منْ أرَادَ أنْ يَعْتَكِفَ ثُمَّ بَدَا لَهُ
أنْ يَخْرُجَ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان شَأْن من أَرَادَ
الِاعْتِكَاف، ثمَّ بدا لَهُ أَي: ظهر لَهُ أَن يخرج،
وَمرَاده أَن يتْرك وَلَا يُبَاشر.
5402 - حدَّثنا مُحَمَّدُ بنُ مُقَاتِلِ أبُو الحَسَن
قَالَ أخبرنَا عَبْدُ الله قَالَ أخبرنَا الأوْزَاعِيُّ
قَالَ
(11/157)
حدَّثني يَحْيَى بنُ سَعِيدٍ قَالَ حدَّثَتْنِي عَمْرَةُ
بِنْتُ عَبْدِ الرَّحْمانِ عنْ عائِشَةَ رَضِي الله
تَعَالَى عَنْهَا أنَّ رسولَ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
ذَكَرَ أنْ يَعْتَكِفَ الْعَشْرَ الأوَاخِرَ منْ رَمَضَانَ
فاسْتَأذَنَتْهُ عائِشَة فأذِنَ لَها وسألَتْ حَفْصَةُ
عائِشَةَ أنْ تَسْتَأذِنَ لَها فَفَعَلَتْ فلمَّا رَأتْ
ذَلِكَ زَيْنَبُ ابنَةُ جَحْشٍ أمَرَتْ بِبِناءٍ فبُنِيَ
لَهَا قالَتْ وكانَ رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
إذَا صَلَّى انْصَرَفَ إلَى بِنَائِهِ فبَصُرَ
بالأبْنِيَةِ فَقَالَ مَا هَذَا قالُوا بِناءُ عائِشَةَ
وحفْصَةَ وزَيْنَبَ فَقَالَ رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم آلْبِرَّ أرَدْنَ بِهَذَا مَا أنَا بِمُعْتَكِفٍ
فرَجَعَ فلَمَّا أفْطَرَ اعْتَكَفَ عَشْرا مِنْ شَوَّالٍ.
.
مطابقته للتَّرْجَمَة من حَيْثُ إِنَّه، صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم، ذكر أَن يعْتَكف ثمَّ بدا لَهُ من جِهَة أبنية
نِسَائِهِ، فَرجع وَلم يعْتَكف. وَعبد الله هُوَ ابْن
لمبارك، وَالْأَوْزَاعِيّ عبد الرَّحْمَن بن عَمْرو،
وَيحيى بن سعيد الْأنْصَارِيّ. ومباحث هَذَا الحَدِيث قد
مَضَت مستقصاة.
قَوْله: (ذكر) أَي: رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم،
للنَّاس أَنه يُرِيد أَن يعْتَكف. قَوْله: (فاستأذنته
عَائِشَة) فِي موافقتها لَهُ فِي الِاعْتِكَاف (فَأذن
لَهَا) قَوْله: (أمرت بِبِنَاء) ، أَي: بِضَرْب خيمة لَهَا
أَيْضا فِي الْمَسْجِد. قَوْله: (بالأبنية) جمع بِنَاء،
وَالْمرَاد هِيَ: الخيم. قَوْله: (آلبر؟) بِهَمْزَة
الِاسْتِفْهَام وَبِالنَّصبِ بقوله: (أردن؟) أنكر
عَلَيْهِنَّ فِي ذَلِك لأحد الْأَسْبَاب الْمَذْكُورَة
فِي: بَاب الِاعْتِكَاف لَيْلًا. قَوْله: (فَرجع) ، أَي:
من الِاعْتِكَاف أَي: تَركه.
قَالَ الْكرْمَانِي: فَإِن قلت: تقدم أَنه اعْتكف الْعشْر
الْأَوَاخِر، فَمَا التَّوْفِيق بَينهمَا؟ قلت: لَا بُد من
الْتِزَام اخْتِلَاف الْوَقْتَيْنِ جمعا بَين الْحَدِيثين.
وَفِيه: إِشَارَة إِلَى الْجَزْم بِأَنَّهُ صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم لم يدْخل فِي الِاعْتِكَاف ثمَّ خرج
مِنْهُ، بل تَركه قبل الدُّخُول فِيهِ وَهُوَ ظَاهر،
خلافًا لمن خَالف فِيهِ.
91 - (بابُ المُعْتَكِفِ يُدْخِلِ رَأسَهُ البَيْتَ
لِلْغُسْلِ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان شَأْن الْمُعْتَكف الَّذِي
يدْخل رَأسه فِي الْبَيْت لأجل غسل الرَّأْس، و: يدْخل،
بِضَم الْيَاء من الإدخال، وَالْبَيْت مَنْصُوب على
المفعولية، وَاللَّام فِي: الْغسْل، لَام التَّعْلِيل.
6402 - حدَّثنا عَبْدُ الله بنُ مُحَمَّدٍ قَالَ حدَّثنا
هِشَامٌ قَالَ أخبرنَا مَعْمَرٌ عنِ الزُّهْرِيِّ عنْ
عُرْوَةَ عنْ عائِشَةَ رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا
أنَّهَا كانَتْ تُرَجِّلُ النبيَّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
وهْيَ حائِضٌ وهْوَ مُعْتَكِفٌ فِي المَسْجِدِ وهْيَ فِي
حُجْرَتِهَا يُنَاوِلُهَا رَأسَهُ..
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة، ومباحثه قد مرت فِي: بَاب
الْحَائِض ترجل الْمُعْتَكف فِي أَوَائِل كتاب
الِاعْتِكَاف، وَعبد الله بن مُحَمَّد الْمَعْرُوف بِابْن
الْمَدِينِيّ، وَهِشَام بن يُوسُف الصَّنْعَانِيّ
الْيَمَانِيّ.
قَوْله: (ترجل) أَي: تمشط شعر رَأسه، صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم، قَوْله: (وَهِي حَائِض) ، جملَة حَالية، وَكَذَلِكَ
قَوْله: (وَهُوَ معتكف) أَي: النَّبِي، صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم، معتكف. قَوْله: (يناولها) أَي: يمِيل رَأسه
إِلَيْهَا لتمشطه، وَكَانَ بَاب الْحُجْرَة إِلَى
الْمَسْجِد، وَكَانَت عَائِشَة تقعد فِي حُجْرَتهَا من
وَرَاء الْقبَّة، وَيقْعد رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم فِي الْمَسْجِد خَارج الْحُجْرَة، فيميل رَأسه
إِلَيْهَا. وَالله أعلم بِحَقِيقَة الْحَال. |