عمدة القاري شرح
صحيح البخاري 87 - (بابُ بَيْعِ الْفِضَّةِ بالْفِضَّةِ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان حكم بيع الْفضة بِالْفِضَّةِ
مَا حكمه؟ يَعْنِي، يجوز متساويتين فِي الْمجْلس.
6712 - حدَّثنا عُبَيْدُ الله بنُ سَعْدٍ قَالَ حدَّثنا
عَمِّي قَالَ حدَّثنا ابنُ أخِي الزُّهْرِيِّ عنْ عَمِّهِ
قَالَ حدَّثني سالِمُ بنُ عَبْدِ الله عنْ عَبْدِ الله بنِ
عُمَرَ رَضِي الله تَعَالَى عنهُما أنَّ أَبَا سَعِيدٍ
حدَّثَهُ مِثْلَ ذَلِكَ حدِيثا عنْ رسولِ الله صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم فلَقِيَهُ عَبْدُ الله بنُ عُمَرَ فَقَالَ
يَا أبَا سعِيدٍ مَا هَذَا الَّذِي تُحَدِّثُ
(11/293)
عَن رَسُولِ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
فَقَالَ أبُو سَعِيدٍ فِي الصَّرْفِ سَمِعْتُ رسولَ الله
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقولُ الذَّهَبُ بالذَّهَبِ
مِثْلاً بِمِثْلٍ والوَرِقُ بالوَرِق مثْلاً بِمِثْلٍ.
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (وَالْوَرق بالورق مثلا
بِمثل) وَالْوَرق، بِكَسْر الرَّاء: الْفضة.
ذكر رِجَاله وهم سَبْعَة: الأول: عبيد الله، بِضَم الْعين:
ابْن سعد بن إِبْرَاهِيم بن عبد الرَّحْمَن بن عَوْف.
الثَّانِي: عَمه يَعْقُوب بن إِبْرَاهِيم بن عبد
الرَّحْمَن بن عَوْف. الثَّالِث: مُحَمَّد بن عبد الله بن
مُسلم. الرَّابِع: عَمه مُحَمَّد بن مُسلم الزُّهْرِيّ.
الْخَامِس: سَالم بن عبد الله بن عمر. السَّادِس: عبد الله
ابْن عمر بن الْخطاب. السَّابِع: أَبُو سعيد الْخُدْرِيّ،
واسْمه سعد بن مَالك، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ.
ذكر لطائف إِسْنَاده فِيهِ: التحديث بِصِيغَة الْجمع فِي
ثَلَاثَة مَوَاضِع وبصيغة الْإِفْرَاد فِي ثَلَاثَة
مَوَاضِع. وَفِيه: اللقى. وَفِيه: السماع وَهُوَ عَمه.
وَفِيه: القَوْل فِي أَرْبَعَة مَوَاضِع. وَفِيه: أَن رجال
الْإِسْنَاد كلهم مدنيون وَأَن شيخ البُخَارِيّ من
أَفْرَاده وَابْن أخي الزُّهْرِيّ كلهم زهريون، وَأَن
شَيْخه مَاتَ بِبَغْدَاد سنة سِتِّينَ وَمِائَتَيْنِ.
وَفِيه: رِوَايَة الرَّاوِي عَن عَمه فِي موضِعين. وَفِيه:
رِوَايَة الرَّاوِي عَن أَبِيه الصَّحَابِيّ وَرِوَايَة
الصَّحَابِيّ عَن الصَّحَابِيّ.
قَوْله: (إِن أَبَا سعيد حَدثهُ) ، أَي: حدث عبد الله بن
عمر. قَوْله: (مثل ذَلِك) ، قَالَ الْكرْمَانِي: أَي: مثل
حَدِيث أبي بكرَة فِي وجوب الْمُسَاوَاة. فَإِن قلت: مَا
وَجه: فَلَقِيَهُ، إِذْ الْكَلَام يتم بِدُونِهِ؟ قلت:
يَعْنِي: فَلَقِيَهُ بعد ذَلِك مرّة أُخْرَى. انْتهى.
وَقيل: هَذَا الحَدِيث أخرجه الْإِسْمَاعِيلِيّ من
وَجْهَيْن: عَن يَعْقُوب بن إِبْرَاهِيم شيخ شيخ
البُخَارِيّ بِلَفْظ: إِن أَبَا سعيد حَدثهُ حَدِيثا مثل
حَدِيث عمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، عَن رَسُول الله
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي الصّرْف، قَالَ أَبُو سعيد
... فَذكره، فَظهر بِهَذِهِ الرِّوَايَة معنى قَوْله: مثل
ذَلِك، أَي: مثل حَدِيث عمر، أَي: حَدِيث عمر الْمَاضِي
قَرِيبا فِي قصَّة طَلْحَة بن عبيد الله. انْتهى. قلت:
حَدِيث عمر الَّذِي ذكره مضى فِي: بَاب مَا يذكر فِي بيع
الطَّعَام، وَالَّذِي قَالَه الْكرْمَانِي أقرب لِأَنَّهُ
مَذْكُور فِي الْبَاب الَّذِي قبله، وَلَيْسَ بَينهمَا
بَاب آخر. قَوْله: (مَا هَذَا؟) أَي: مَا هَذَا الَّذِي
تحدثه؟ وَإِنَّمَا قَالَ: مَا هَذَا؟ لِأَنَّهُ كَانَ
يعْتَقد قبل ذَلِك جَوَاز المفاضلة. قَوْله: (فِي الصّرْف)
أَي: فِي شَأْن الصّرْف، وَهُوَ بيع الذَّهَب بِالْفِضَّةِ
وَبِالْعَكْسِ. قَوْله: (الذَّهَب بِالذَّهَب) ، يجوز فِي
الذَّهَب الرّفْع وَالنّصب، أما الرّفْع فعلى أَنه
مُبْتَدأ خَبره مَحْذُوف أَي: الذَّهَب يُبَاع بِالذَّهَب،
أَو يكون مَرْفُوعا بِإِسْنَاد الْفِعْل الْمَبْنِيّ
للْمَفْعُول إِلَيْهِ تَقْدِيره: يُبَاع الذَّهَب، وَأما
النصب فعلى أَنه مفعول لفعل مُقَدّر تَقْدِيره: بيعوا
الذَّهَب بِالذَّهَب، وَقَوله: الذَّهَب يتَنَاوَل جَمِيع
أَنْوَاعه من مَضْرُوب وَغير مَضْرُوب، وصحيح ومكسور، وجيد
ورديء. وَقَالَ بَعضهم: وخالص ومغشوش، قلت: قَوْله:
ومغشوش، لَيْسَ على إِطْلَاقه، فَإِنَّهُ إِذا كَانَ غشه
كثيرا غَالِبا على الذَّهَب يكون حكمه حكم الْعرُوض.
قَوْله: (مثلا بِمثل) ، بِالنّصب فِي رِوَايَة
الْأَكْثَرين، وَفِي رِوَايَة أبي ذَر بِالرَّفْع، مثل
بِمثل، فوجهه بِإِسْنَاد الْفِعْل الْمَبْنِيّ للْمَفْعُول
إِلَيْهِ تَقْدِيره: يُبَاع مثل بِمثل، وَأما وَجه النصب
فعلى أَنه حَال تَقْدِيره: الذَّهَب يُبَاع بِالذَّهَب،
حَال كَونهمَا متماثلين، يَعْنِي متساويين، وَقَالَ
بَعضهم: هُوَ مصدر فِي مَوضِع الْحَال، قلت: قَوْله: مصدر،
لَيْسَ بِصَحِيح على مَا لَا يخفى.
7712 - حدَّثنا عَبْدُ الله بنُ يُوسُفَ قَالَ أخبرنَا
مالِكٌ عنْ نافِعٍ عَن أبِي سَعيدٍ الخُدْرِيِّ رَضِي الله
تَعَالَى عَنهُ أنَّ رسولَ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
قَالَ لاَ تَبِيعُوا الذَّهَبَ بالذَّهَبِ إلاَّ مِثْلاً
بمِثْلٍ وَلَا تُشِفُّوا بَعْضَهَا عَلَى بَعْضٍ ولاَ
تَبِيعُوا الوَرِقَ بالوَرِقَ ألاَّ مِثْلاً بمِثْلٍ ولاَ
تُشِفُّوا بَعْضَها عَلى بَعْضٍ وَلَا تبيعُوا مِنْها
غائِبا بِناجِزٍ. (انْظُر الحَدِيث 6712 وطرفه) .
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (وَلَا تَبِيعُوا
الْوَرق بالورق) ، وَالْوَرق بِكَسْر الرَّاء هُوَ:
الْفضة.
والْحَدِيث أخرجه مُسلم فِي الْبيُوع أَيْضا عَن يحيى بن
يحيى عَن مَالك، وَعَن قُتَيْبَة وَمُحَمّد بن رمح وَعَن
شَيبَان بن فروخ، وَعَن أبي مُوسَى. وَأخرجه التِّرْمِذِيّ
فِيهِ عَن أَحْمد بن منيع، وَأخرجه النَّسَائِيّ فِيهِ عَن
قُتَيْبَة عَن مَالك بِهِ، وَعَن حميد بن مسْعدَة
وَإِسْمَاعِيل بن مَسْعُود.
قَوْله: (إلاَّ مِثلاً
(11/294)
بِمثل) أَي: إلاَّ حَال كَونهمَا متماثلين،
أَي: متساويين، قَوْله: (وَلَا تشفوا) ، بِضَم التَّاء من
الإشفاف، وَهُوَ التَّفْضِيل، وَقَالَ بَعضهم: هُوَ رباعي
من أشف. قلت: لَا، بل هُوَ ثلاثي مزِيد فِيهِ، يُقَال: شف
الدِّرْهَم يشف: إِذا زَاد، وَإِذا نقص، من الأضداد وأشفه
غَيره يشفه، وَفِي الحَدِيث: نهى عَن شف مَا لم يضمن،
بِكَسْر الشين، وَهُوَ الزِّيَادَة وَالرِّبْح. قَوْله:
(بناجز) ، من النجز، بالنُّون وَالْجِيم وَالزَّاي،
وَالْمرَاد: بالغائب الْمُؤَجل، وبالناجز الْحَاضِر
يَعْنِي: لَا بُد من التَّقَابُض فِي الْمجْلس.
وَقَالَ ابْن بطال: فِيهِ: حجَّة للشَّافِعِيّ فِي قَوْله:
من كَانَ لَهُ على آخر دَرَاهِم وَالْآخر عَلَيْهِ
دَنَانِير لم يجز أَن يقاضي أَحدهمَا الآخر بِمَالِه،
لِأَنَّهُ يدْخل فِي معنى بيع الذَّهَب بالورق دينا،
لِأَنَّهُ إِذا لم يجز غَائِب بناجز فأحرى أَن لَا يجوز
غَائِب بغائب. فَإِن قلت: روى التِّرْمِذِيّ من حَدِيث
سعيد بن جُبَير عَن ابْن عمر، قَالَ: كنت أبيع الْإِبِل
بِالبَقِيعِ فأبيع بِالدَّنَانِيرِ فآخذ مَكَانهَا
الْوَرق، وأبيع بالورق فآخذ مَكَانهَا الدَّنَانِير،
فَأتيت رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فَوَجَدته
خَارِجا من بَيت حَفْصَة، فَسَأَلته عَن ذَلِك، فَقَالَ:
لَا بَأْس بِهِ بِالْقيمَةِ. قلت: قَالَ ابْن بطال: لَا
يدْخل هَذَا فِي بيع الذَّهَب بالورق دينا، لِأَن النَّهْي
الَّذِي بِقَبض الدَّرَاهِم عَن الدَّنَانِير لم يقْصد
إِلَى التَّأْخِير فِي الصّرْف. قلت: قَالَ التِّرْمِذِيّ:
هَذَا حَدِيث لَا نعرفه مَرْفُوعا إلاَّ من حَدِيث سماك بن
حَرْب عَن سعيد بن جُبَير عَن ابْن عمر، وروى دَاوُد عَن
أبي هِنْد هَذَا الحَدِيث عَن سعيد بن جُبَير عَن ابْن عمر
مَوْقُوفا، وَالْعَمَل على هَذَا عِنْد بعض أهل الْعلم
أَنه لَا بَأْس أَن يقبض عَن الذَّهَب من الْوَرق
وَالْوَرق من الذَّهَب، وَهُوَ قَول أَحْمد وَإِسْحَاق،
وَقد كره بعض أهل الْعلم من أَصْحَاب النَّبِي صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم وَغَيرهم ذَلِك.
97 - (بابُ بَيْعِ الدِّينارِ بالدِّينارِ نَسَاءً)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان حكم بيع الدِّينَار بالدينار
حَال كَونه نسَاء، بِفَتْح النُّون وَالسِّين الْمُهْملَة
وبالمد. وَمَعْنَاهُ: مُؤَخرا. وَقَالَ ابْن الْأَثِير:
النِّسَاء التَّأْخِير، يُقَال: نسأت الشَّيْء نسَاء
وأنسأته إنساء. قلت: مادته من: النُّون وَالسِّين والهمزة،
وَفِي الحَدِيث: من أحب أَن ينسأ فِي أَجله. . أَي:
يُؤَخر.
9712 - حدَّثنا عَلِيُّ بنُ عَبْدِ الله قَالَ حدَّثنا
الضَّحَّاكُ بن مَخْلَدٍ قَالَ حدَّثنا ابنُ جُرَيْجٍ
قَالَ أَخْبرنِي عَمْرُو بنُ دِينارٍ أنَّ أَبَا صالِحٍ
الزَّيَّاتَ أخبَرَهُ أنَّه سَمِعَ أبَا سَعِيدٍ
الخُدْرِيَّ رَضِي الله تَعَالَى عنهُ يَقُولُ الدِّينارُ
بالدِّينَارِ والدِّرْهَمُ بالدِّرْهَمِ فَقُلْتُ لَهُ
فإنَّ ابنَ عَبَّاسٍ لاَ يَقُولُهُ فقالَ أبُو سَعِيدٍ
سألْتُهُ فَقُلْتُ سَمِعْتُهُ مِنَ النَّبِيِّ صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم أوْ وَجَدْتَهُ فِي كِتَابِ الله قَالَ
كُلُّ ذَلِكَ لاَ أقُولُ وأنْتُمْ أعْلَمُ بِرَسُولِ الله
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مِنِّي وَلَكِنَّنِي أَخْبرنِي
أُسامَةُ أنَّ النبيَّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ لَا
رِبا إلاَّ فِي النَّسِيئَةِ. .
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (الدِّينَار بالدينار) .
ذكر رِجَاله وهم ثَمَانِيَة: الأول: عَليّ بن عبد الله
الْمَعْرُوف بِابْن الْمَدِينِيّ. الثَّانِي: أَبُو عَاصِم
الضَّحَّاك بن مخلد، وَهُوَ شيخ البُخَارِيّ، حدث عَنهُ
بالواسطة وَفِي مَوَاضِع أخر حدث عَنهُ بِغَيْر وَاسِطَة.
الثَّالِث: عبد الْملك بن عبد الْعَزِيز بن جريج.
الرَّابِع: عَمْرو بن دِينَار. الْخَامِس: أَبُو صَالح،
واسْمه: ذكْوَان الزيات السمان، كَانَ يجلب الزَّيْت
وَالسمن إِلَى الْكُوفَة. السَّادِس: أَبُو سعيد
الْخُدْرِيّ، واسْمه: سعد بن مَالك. السَّابِع: عبد الله
بن عَبَّاس. الثَّامِن: أُسَامَة ابْن زيد، رَضِي الله
تَعَالَى عَنهُ.
ذكر لطائف إِسْنَاده فِيهِ: التحديث بِصِيغَة الْجمع فِي
ثَلَاثَة مَوَاضِع. وَفِيه: الْإِخْبَار بِصِيغَة
الْإِفْرَاد فِي ثَلَاثَة مَوَاضِع. وَفِيه: السماع فِي
موضِعين. وَفِيه: السُّؤَال. وَفِيه: القَوْل فِي سَبْعَة
مَوَاضِع. وَفِيه: أَن شَيْخه وَالضَّحَّاك بصريان، وَابْن
جريج وَعَمْرو مكيان، وَأَبُو صَالح مدنِي سكن الْكُوفَة.
وَفِيه: ثَلَاثَة من الصَّحَابَة، رَضِي الله تَعَالَى
عَنْهُم.
ذكر من أخرجه غَيره: أخرجه مُسلم فِي الْبيُوع أَيْضا عَن
مُحَمَّد بن حَاتِم وَمُحَمّد بن عباد وَابْن أبي عمر.
وَأخرجه النَّسَائِيّ فِيهِ عَن قُتَيْبَة. وَأخرجه ابْن
مَاجَه فِيهِ عَن مُحَمَّد بن الصَّباح. خمستهم عَن
سُفْيَان عَن عَمْرو بن دِينَار عَنهُ بِهِ.
(11/295)
ذكر مَعْنَاهُ: قَوْله: (سمع أَبَا سعيد
الْخُدْرِيّ يَقُول: الدِّينَار بالدينار وَالدِّرْهَم
بالدرهم) ، كَذَا وَقع فِي هَذَا الطَّرِيق، وَفِي
رِوَايَة مُسلم من طَرِيق ابْن عُيَيْنَة عَن عَمْرو بن
دِينَار عَن أبي صَالح قَالَ: (سَمِعت أَبَا سعيد
الْخُدْرِيّ يَقُول: الدِّينَار بالدينار وَالدِّرْهَم
بالدرهم. مثل بِمثل، من زَاد أَو أزداد فقد أربى، فَقلت:
أَرَأَيْت هَذَا الَّذِي يَقُول؟ أَشَيْء سمعته من رَسُول
الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم؟ أَو وجدته فِي كتاب الله
تَعَالَى؟ فَقَالَ: لم أسمعهُ من رَسُول الله، صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم، وَلم أَجِدهُ فِي كتاب الله تَعَالَى،
وَلَكِن حَدثنِي أُسَامَة بن زيد، رَضِي الله تَعَالَى
عَنْهُمَا: أَن النَّبِي، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، قَالَ:
الرِّبَا فِي النَّسِيئَة) . قَوْله: (إِن ابْن عَبَّاس
لَا يَقُول) ، وَفِي رِوَايَة مُسلم: (يَقُول غير هَذَا) ،
قَوْله: (قَالَ أَبُو سعيد: سَأَلته) وَفِي رِوَايَة
مُسلم: (قد لقِيت ابْن عَبَّاس، فَقلت لَهُ) . قَوْله: (كل
ذَلِك) ، بِالرَّفْع، أَي: لم يكن لَا السماع من النَّبِي
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَلَا الوجدان فِي كتاب الله
تَعَالَى، وَيجوز بِالنّصب على أَنه مفعول مقدم وفاعله.
قَوْله: (لَا أَقُول) ، وَالْفرق بَين الإعرابين أَن
الْمَرْفُوع هُوَ السَّلب الْكُلِّي، والمنصوب لسلب الْكل،
وَالْأول أبلغ وأعم وَإِن كَانَ أخص من وَجه آخر. وَفِي
رِوَايَة مُسلم: (لم أسمعهُ من رَسُول الله، صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم، وَلم أَجِدهُ فِي كتاب الله تَعَالَى) .
كَمَا ذَكرْنَاهُ الْآن، وَفِي رِوَايَة أُخْرَى لمُسلم،
رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ: عَن عَطاء أَن أَبَا سعيد
لَقِي ابْن عَبَّاس فَذكر نَحوه، وَفِيه: (فَقَالَ كل: لَا
أَقُول: أما رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَأنْتم
أعلم بِهِ، وَأما كتاب الله فَلَا أعلمهُ) . أَي: لَا أعلم
هَذَا الحكم فِيهِ. وَمعنى قَوْله: أَنْتُم أعلم برَسُول
الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لأنكم كُنْتُم بالغين
كَامِلين عِنْد مُلَازمَة رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم وَأَنا كنت صَغِيرا. قَوْله: (لَا رَبًّا إلاَّ فِي
النَّسِيئَة) ، وَفِي رِوَايَة مُسلم: الرِّبَا فِي
النَّسِيئَة، وَفِي رِوَايَة لمُسلم عَن ابْن عَبَّاس:
إِنَّمَا الرِّبَا فِي النَّسِيئَة، وَفِي رِوَايَة عَطاء
عَنهُ: ألاَ إِنَّمَا الرِّبَا، وَفِي رِوَايَة طَاوُوس
عَنهُ: لَا رَبًّا فِيمَا كَانَ يدا بيد، وروى الْحَاكِم
من طَرِيق حبَان الْعَدوي، بِالْحَاء الْمُهْملَة
وَتَشْديد الْيَاء آخر الْحُرُوف: سَأَلت أَبَا مجلز عَن
الصّرْف، فَقَالَ: كَانَ ابْن عَبَّاس لَا يرى بِهِ بَأْسا
زَمَانا من عمره، مَا كَانَ مِنْهُ عينا بِعَين يدا بيد،
وَكَانَ يَقُول: إِنَّمَا الرِّبَا فِي النَّسِيئَة،
فَلَقِيَهُ أَبُو سعيد بِالشَّعِيرِ، فَذكر الْقِصَّة،
والْحَدِيث، وَفِيه: التَّمْر بِالتَّمْرِ وَالْحِنْطَة
بِالْحِنْطَةِ وَالشعِير بِالشَّعِيرِ وَالذَّهَب
بِالذَّهَب وَالْفِضَّة بِالْفِضَّةِ يدا بيد مثلا بِمثل،
فَمن زَاد فَهُوَ رَبًّا، فَقَالَ ابْن عَبَّاس: اسْتغْفر
الله وَأَتُوب إِلَيْهِ. فَكَانَ ينْهَى عَنهُ أَشد
النَّهْي.
وَاتفقَ الْعلمَاء على صِحَة حَدِيث أُسَامَة وَاخْتلفُوا
فِي الْجمع ببينه وَبَين حَدِيث أبي سعيد، فَقيل:
مَنْسُوخ، وَقيل: معنى لَا رَبًّا لَا رَبًّا أغْلظ شَدِيد
التَّحْرِيم المتوعد عَلَيْهِ بالعقاب الشَّديد، كَمَا
تَقول الْعَرَب: لَا عَالم فِي الْبَلَد إلاَّ زيد، مَعَ
أَن فِيهَا عُلَمَاء غَيره، وَإِنَّمَا الْقَصْد نفي
الْأَكْمَل، لَا نفي الأَصْل، وَأَيْضًا فنفي تَحْرِيم
رَبًّا الْفضل من حَدِيث أُسَامَة إِنَّمَا هُوَ
بِالْمَفْهُومِ، فَيقدم عَلَيْهِ حَدِيث أبي سعيد، لِأَن
دلَالَته بالمنطوق، وَيحمل حَدِيث أُسَامَة على الرِّبَا
الْأَكْبَر. وَقَالَ الطَّبَرِيّ: معنى حَدِيث أُسَامَة:
لَا رَبًّا إلاَّ فِي النَّسِيئَة، إِذا اخْتلف أَنْوَاع
الْمَبِيع، وَالْفضل فِيهِ يدا بيد رَبًّا، جمعا بَينه
وَبَين حَدِيث أبي سعيد. وَقَالَ الْكرْمَانِي: فَإِن قلت:
مَا التلفيق بَين حَدِيث أُسَامَة وَحَدِيث أبي سعيد؟ قلت:
الْحصْر إِنَّمَا يخْتَلف بِحَسب اخْتِلَاف اعْتِقَاد
السَّامع، فَلَعَلَّهُ كَانَ يعْتَقد الرِّبَا فِي غير
الْجِنْس حَالا، فَقيل: ردا لاعْتِقَاده لَا رَبًّا إلاَّ
فِي النَّسِيئَة، أَي: فِيهِ مُطلقًا، وَقد أَوله
الْعلمَاء بِأَنَّهُ مَحْمُول على غير الربويات، وَهُوَ
كَبيع الدّين بِالدّينِ مُؤَجّلا، بِأَن يكون لَهُ ثوب
مَوْصُوف فيبيعه بِعَبْد مَوْصُوف مُؤَجّلا، وَإِن بَاعه
بِهِ حَالا يجوز أَو مَحْمُول على الْأَجْنَاس
الْمُخْتَلفَة فَإِنَّهُ لَا رَبًّا فِيهَا من حَيْثُ
التَّفَاضُل، بل يجوز مُتَفَاضلا يدا بيد، وَهُوَ مُجمل.
وَحَدِيث أبي سعيد مُبين، فَوَجَبَ الْعَمَل بالمبين
وتنزيل الْمُجْمل عَلَيْهِ، أَو: هُوَ مَنْسُوخ، وَقد أجمع
الْمُسلمُونَ على ترك الْعَمَل بِظَاهِرِهِ.
08 - (بابُ بَيْع الوَرَقِ بالذَّهَبِ نَسيئَةً)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان حكم بيع الْوَرق أَي: الْفضة
بِالذَّهَب حَال كَونه نَسِيئَة، أَي: مُؤَجّلا.
1812 - حدَّثنا حَفْصُ بنُ عُمَرَ قَالَ حدَّثنا شُعْبَةُ
قَالَ أخبرنِي حَبِيبُ بنُ أبي ثابِتٍ قَالَ سَمِعْتُ أبَا
المِنْهَالِ قَالَ سألْتُ البَرَاءَ بنَ عَازِبٍ وزَيْدَ
بنَ أرْقَمَ رَضِي الله تَعَالَى عنهُمْ عنِ الصَّرْف
فَكُلُّ واحدٍ
(11/296)
مِنْهُمَا يَقُولُ هَذَا خَيْرٌ مِنِّي
فَكِلاَهُمَا يَقُولُ نَهَى رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم عنْ بَيْعِ الذَّهَبِ بالوَرِقِ دَيْنا. .
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: نهى النَّبِي صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم عَن بيع الذَّهَب بالورق دينا، أَي:
نَسِيئَة. فَإِن قلت: كَيفَ هَذِه الْمُطَابقَة والترجمة
بيع الْوَرق بِالذَّهَب والْحَدِيث عَكسه، وَهُوَ: بيع
الذَّهَب بالورق؟ قلت: الْبَاء تدخل على الثّمن إِذا كَانَ
العوضان غير النَّقْدَيْنِ اللَّذين هما للثمنية، أما إِذا
كَانَا نقدين فَلَا تفَاوت فِي أَيهمَا دخلت، فهما فِي
الْمَعْنى سَوَاء. وَقد مضى الحَدِيث فِي: بَاب
التِّجَارَة فِي الْبر، فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ: عَن
الْفضل بن يَعْقُوب عَن الْحجَّاج بن مُحَمَّد عَن ابْن
جريج عَن عَمْرو بن دِينَار وعامر بن مُصعب، كِلَاهُمَا
عَن أبي الْمنْهَال يَقُول: سَأَلت الْبَراء بن العازب
وَزيد بن أَرقم ... الحَدِيث.
قَوْله: (عَن الصّرْف) أَي: بيع الدَّرَاهِم بِالذَّهَب
أَو عَكسه. قَوْله: (هَذَا خير مني) ، وَفِي رِوَايَة
سُفْيَان، قَالَ: والقَ زيد بن أَرقم فَاسْأَلْهُ،
فَإِنَّهُ كَانَ أعظمنا تِجَارَة، فَسَأَلته الحَدِيث.
وَفِي الحَدِيث: مَا كَانَت الصَّحَابَة عَلَيْهِ من
التَّوَاضُع، وإنصاف بَعضهم بَعْضًا، وَمَعْرِفَة بَعضهم
حق الآخر.
18 - (بابُ بَيْع الذَّهَبِ بالوَرِق يدَا بِيدٍ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان حكم بيع الذَّهَب بالورق حَال
كَونه يدا بيد، وَهَذِه التَّرْجَمَة عكس التَّرْجَمَة
السَّابِقَة، فَإِن قلت: ذكر فِي تِلْكَ التَّرْجَمَة
نَسِيئَة، وَفِي هَذِه يدا بيد، هَل فِيهِ زِيَادَة
نُكْتَة؟ قلت: نعم، أما فِي تِلْكَ التَّرْجَمَة
فَلِأَنَّهُ أخرجه هُنَاكَ من وَجه آخر عَن أبي الْمنْهَال
بِلَفْظ: إِن كَانَ يدا بيد فَلَا بَأْس، وَإِن كَانَ
نَسَاء فَلَا يصلح، وَأما هُنَا فَلِأَنَّهُ أَشَارَ إِلَى
مَا وَقع فِي بعض طرق الحَدِيث الَّذِي فِيهِ، فقد أخرجه
مُسلم عَن أبي الرّبيع عَن عباد الَّذِي أخرجه البُخَارِيّ
من طَرِيقه، وَفِيه: فَسَأَلَهُ رجل، فَقَالَ: يدا بيد،
فلأجل هَذِه النُّكْتَة قَالَ هُنَاكَ: نَسِيئَة، وَقَالَ
هُنَا: يدا بيد.
2812 - حدَّثنا عِمْرَانُ بنُ مَيْسَرَةَ قَالَ حدَّثنا
عَبَّادُ بنُ الْعَوَّامِ قَالَ أخبرنَا يَحْيَى بنُ أبِي
إسْحَاقَ قَالَ حدَّثنا عَبْدُ الرَّحْمانِ بنُ أبِي
بَكْرَةَ عنْ أبِيهِ رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ قَالَ
نَهَى النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عنِ الْفِضَّةِ
والذَّهَبِ بِالذَّهَب إلاَّ سَواءً بِسَوَاءٍ وأمَرَنَا
أنْ نَبْتَاعَ الذَّهَبَ بالْفِضَّةِ كَيْفَ شِئْنَا
والْفِضَّةِ بالذَّهَبِ كَيْفَ شِئْنَا. (انْظُر الحَدِيث
5712) .
مطابقته للتَّرْجَمَة من حَيْثُ إِنَّه مُخْتَصر من
الحَدِيث الَّذِي فِيهِ ذكر: يدا بيد، كَمَا ذكرنَا الْآن،
فَانْدفع قَول من قَالَ: ذكر فِي التَّرْجَمَة (يدا بيد) ،
وَلَيْسَ فِي الحَدِيث ذَلِك، وَقد مضى هَذَا الحَدِيث
قبله بِثَلَاثَة أَبْوَاب فِي: بَاب بيع الذَّهَب
بِالذَّهَب، فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ: عَن صَدَقَة بن
الْفضل عَن إِسْمَاعِيل بن علية عَن يحيى بن أبي إِسْحَاق
عَن عبد الرَّحْمَن بن أبي بكرَة عَن أَبِيه، وَهنا أخرجه:
عَن عمرَان بن ميسرَة ضد الميمنة وَهُوَ من أَفْرَاده، عَن
عباد، بِفَتْح الْعين وَتَشْديد الْبَاء الْمُوَحدَة: ابْن
الْعَوام، بِفَتْح الْعين الْمُهْملَة وَتَشْديد الْوَاو،
عَن يحيى بن أبي إِسْحَاق ... إِلَى آخِره.
قَوْله: (إلاَّ سَوَاء بِسواءٍ) أَي: متساويين. قَوْله:
(وأمرنا) هُوَ أَمر إِبَاحَة. قَوْله: (أَن نبتاع) أَي:
نشتري، وَاحْتج بِهِ على جَوَاز بيع الربويات بَعْضهَا
بِبَعْض إِذا كَانَ سَوَاء بِسَوَاء ويدا بيد، وَعند
اخْتِلَاف الْجِنْس يجوز كَيفَ كَانَ، إِذا كَانَ يدا بيد.
وروى مُسلم: (إِذا اخْتلف الْأَجْنَاس فبيعوا كَيفَ
شِئْتُم) .
28 - (بابُ بَيْع المزَابَنَةِ وهْيَ بَيْعُ التَّمْرِ
بالثَّمَرِ وبَيْعُ الزَّبِيبِ بالكَرْمِ وبَيْعُ
العَرَايا)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان حكم بيع الْمُزَابَنَة، وَقد
مر الْكَلَام فِيهَا وَفِي الْعَرَايَا فِي: بَاب بيع
الزَّبِيب بالزبيب مُسْتَوفى. قَوْله: (وَهِي) أَي:
الْمُزَابَنَة: بيع التَّمْر، بِالتَّاءِ الْمُثَنَّاة من
فَوق. قَوْله: (بالثمر) ، بالثاء الْمُثَلَّثَة وَفتح
الْمِيم، وَأَرَادَ بِهِ: الرطب، يَعْنِي: بيع التَّمْر
الْيَابِس بالرطب. قَوْله: (بِالْكَرمِ) ، أَي: بالعنب.
(11/297)
قَالَ أنَسٌ نَهىَ النبيُّ صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم عنِ المُزَابَنَةِ والمُحَاقَلَةِ
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة، وَسَيَأْتِي هَذَا
التَّعْلِيق مَوْصُولا فِي: بَاب المخاصرة والمحاقلة،
مفاعلة من الحقل، بِالْحَاء الْمُهْملَة وَالْقَاف: وَهُوَ
الزَّرْع، وموضعه، وَهِي: بيع الْحِنْطَة فِي سنبلها بحنطة
صَافِيَة. وَقيل: هِيَ الْمُزَارعَة بِالثُّلثِ أَو الرّبع
أَو نَحوه مِمَّا يخرج مِنْهَا، فَيكون كالمخابرة. وروى
جَابر: (أَن النَّبِي، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، نهى عَن
المخابرة والمحاقلة) . والمحاقلة: أَن يَبِيع الرجل
الزَّرْع قبل إِدْرَاكه، وَقَالَ اللَّيْث: بِمِائَة فرق
من الْحِنْطَة، وَالْمُخَابَرَة: كِرَاء الأَرْض
بِالثُّلثِ أَو الرّبع، وَقيل: هِيَ بيع الزَّرْع قبل
إِدْرَاكه. وَقَالَ اللَّيْث: الحقل الزَّرْع إِذا تشعب
قبل أَن يغلظ. وَقَالَ الْهَرَوِيّ: إِذا كَانَت المحاقلة
مَأْخُوذَة من هَذَا فَهُوَ بيع الزَّرْع قبل إِدْرَاكه.
قَالَ: والمحقلة المزرعة، وَقيل: لَا تنْبت البقلة إلاَّ
الحقلة. وَقَالَ أَبُو عبيد: المحاقلة مَأْخُوذَة من
الحقل، وَهُوَ الَّذِي يُسَمِّيه النَّاس: القراح،
بالعراق. وَفِي الحَدِيث: (مَا تَصْنَعُونَ بمحاقلكم؟)
أَي: بمزارعكم. وَتقول للرجل: أحقل، أَي: ازرع، وَإِنَّمَا
وَقع الْخطر فِي المحاقلة والمزابنة لِأَنَّهُمَا من
الْكَيْل، وَلَيْسَ يجوز شَيْء من الْكَيْل وَالْوَزْن
إِذا كَانَا من جنس وَاحِد إلاَّ يدا بيد، ومثلاً بِمثل.
وَهَذَا مَجْهُول لَا يدْرِي أَيهمَا أَكثر.
3812 - حدَّثنا يَحْيَى بنُ بُكَيْرٍ قَالَ حَدثنَا
اللَّيْثُ عنْ عُقَيْلٍ عنِ ابنِ شِهَابٍ قَالَ أَخْبرنِي
سالِمُ بنُ عَبْدِ الله عنْ عَبْدِ الله بنِ عُمَرَ رَضِي
الله تَعَالَى عنهُما أنَّ رسولَ الله صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم قَالَ لاَ تَبِيعُوا الثَّمَرَ حَتَّى يَبْدُو
صَلاَحُهُ ولاَ تَبِيعُوا الثَّمَرَ بالتَّمْرِ. .
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (وَلَا تَبِيعُوا
الثَّمر بِالتَّمْرِ) فَإِنَّهُ بيع الْمُزَابَنَة.
قَوْله: (التَّمْر) ، بِالتَّاءِ الْمُثَنَّاة من فَوق
وَسُكُون الْمِيم. وَقَوله: (بالثمر) بالثاء الْمُثَلَّثَة
وَفتح الْمِيم، وَهُوَ الرطب.
وَرِجَاله قد ذكرُوا غير مرّة، وَعقيل، بِضَم الْعين.
والْحَدِيث أخرجه مُسلم عَن مُحَمَّد بن رَافع عَن جحين بن
الْمثنى عَن اللَّيْث.
قَوْله: (يَبْدُو صَلَاحه) أَي: يظْهر. قَالَ النَّوَوِيّ:
يَبْدُو، بِلَا همز، وَمِمَّا يَنْبَغِي أَن يُنَبه
عَلَيْهِ أَنه يَقع فِي كثير من كتب الْمُحدثين وَغَيرهم:
حَتَّى يبدوا، هَكَذَا بِأَلف فِي الْخط، وَهُوَ خطأ،
وَالصَّوَاب حذفهَا فِي مثل هَذَا للناصب، وَإِنَّمَا
اخْتلفُوا فِي إِثْبَاتهَا إِذا لم يكن ناصب مثل: زيد
يبدوا، وَالِاخْتِيَار حذفهَا أَيْضا. وَيَقَع مثله فِي:
حَتَّى تزهوا، وَصَوَابه حذف الْألف. قَوْله: (صَلَاحه)
هُوَ ظُهُور حمرته أَو صفرته، وَفِي رِوَايَة لمُسلم فِي
حَدِيث جَابر: حَتَّى يطعم، وَفِي رِوَايَة: حَتَّى يشقه،
والإشقاق أَن يحمر أَو يصفر أَو يُؤْكَل مِنْهُ شَيْء،
وَفِي رِوَايَة: حَتَّى تشقح، وَقَالَ سعيد بن مينا
الرَّاوِي عَن جَابر: يحمارَّ ويصفارَّ ويؤكل مِنْهَا.
وَفِي رِوَايَة للطحاوي، فِي حَدِيث ابْن عَبَّاس: حَتَّى
يُؤْكَل مِنْهُ، وَفِي رِوَايَة لَهُ فِي حَدِيث جَابر:
حَتَّى يطيب، وَفِي رِوَايَة لَهُ فِي حَدِيث عمر، رَضِي
الله تَعَالَى عَنهُ: حَتَّى يصلح، وَفِي رِوَايَة لمُسلم
فِي حَدِيث ابْن عمر: مَا صَلَاحه؟ قَالَ: تذْهب عاهته.
ثمَّ إعلم أَن بَدو الصّلاح متفاوت بتفاوت الأثمار، فبدو
صَلَاح التِّين أَن يطيب وتوجد فِيهِ الْحَلَاوَة وَيظْهر
السوَاد فِي أسوده وَالْبَيَاض فِي أبيضه، وَكَذَلِكَ
الْعِنَب الْأسود بَدو صَلَاحه أَن يتَحَوَّل إِلَى
السوَاد وَأَن ينحو أبيضه إِلَى الْبيَاض مَعَ النضج،
وَكَذَلِكَ الزَّيْتُون بَدو صَلَاحه أَن يتَحَوَّل إِلَى
السوَاد، وبدو صَلَاح القثاء والفقوص أَن ينْعَقد ويبلغ
مبلغا يُوجد لَهُ طعم، وَأما البطيح فَإِن ينحو نَاحيَة
الاصفرار وَالطّيب، وَأما اللوز، فروى أَشهب وَابْن نَافِع
عَن مَالك: أَنه يُبَاع إِذا بلغ فِي شَجَره قبل أَن يطيب،
فَإِنَّهُ لَا يطيب حَتَّى ينْزع، وَأما الجزر واللفت
والفجل والثوم والبصل فبدو صَلَاحه إِذا اسْتَقل ورقه
وَتمّ وانتفع بِهِ، وَلم يكن فِي قلعه فَسَاد، وَالْبر
والفول والجلبان والحمص والعدس إِذا يبس، والياسمين
وَسَائِر الْأَنْوَار أَن يفتح أكمامه وَيظْهر نوره،
والقصيل والقصب والقرطم إِذا بلغ أَنه يرْعَى دون فَسَاد.
ذكر مَذَاهِب الْعلمَاء فِي هَذَا الْبَاب: قَالَ
النَّوَوِيّ: فَإِن بَاعَ الثَّمر قبل بَدو صَلَاحه
بِشَرْط الْقطع صَحَّ بِالْإِجْمَاع. قَالَ أَصْحَابنَا:
وَلَو شَرط الْقطع ثمَّ لم يقطع فَالْبيع صَحِيح،
وَيلْزمهُ البَائِع بِالْقطعِ، فَإِن تَرَاضيا على إبقائه
جَازَ، وَإِن بَاعَ بِشَرْط التبقية فَالْبيع بَاطِل
بِالْإِجْمَاع لِأَنَّهُ رُبمَا تتْلف الثَّمَرَة قبل
إِدْرَاكهَا، فَيكون البَائِع قد أكل مَال أَخِيه
بِالْبَاطِلِ، وَأما إِذا شَرط الْقطع فقد انْتَفَى هَذَا
الضَّرَر، وَإِن بَاعهَا مُطلقًا بِلَا شَرط الْقطع
فمذهبنا وَمذهب الْجُمْهُور أَن البيع بَاطِل، وَبِه
(11/298)
قَالَ مَالك. وَقَالَ أَبُو حنيفَة: يجب
شَرط الْقطع. انْتهى. قلت: مَذْهَب الثَّوْريّ وَابْن أبي
ليلى وَالشَّافِعِيّ وَمَالك وَأحمد وَإِسْحَاق: عدم
جَوَاز بيع الثِّمَار فِي رُؤُوس النّخل حَتَّى تحمر أَو
تصفر.
وَمذهب الْأَوْزَاعِيّ وَأبي حنيفَة وَأبي يُوسُف
وَمُحَمّد، جَوَاز بيع الثِّمَار على الْأَشْجَار بعد
ظُهُورهَا، وَبِه قَالَ مَالك فِي رِوَايَة، وَأحمد فِي
قَول، وحجتهم فِي هَذَا مَا رَوَاهُ البُخَارِيّ، عَن عبد
الله بن عمر: أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
قَالَ: (من بَاعَ نخلا قد أبرت فثمرتها للْبَائِع إلاَّ
أَن يشْتَرط الْمُبْتَاع) . وَزَاد التِّرْمِذِيّ: وَمن
بَاعَ عبدا وَله مَال فَمَاله للَّذي بَاعه إلاَّ أَن
يشْتَرط الْمُبْتَاع وَقَالَ هَذَا الحَدِيث حسن صَحِيح
وَجه التَّمَسُّك بِهِ انه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم جعل
فِيهِ تمر النّخل لبائعها إِلَّا أَن يشْتَرط الْمُبْتَاع
فَيكون لَهُ باشتراطه إِيَّاهَا، وَيكون ذَلِك مبتاعا
لَهَا، وَفِي هَذَا إِبَاحَة بيع الثِّمَار قبل أَن
يَبْدُو صَلَاحهَا، لِأَن كل مَا لَا يدْخل فِي بيع غَيره
إلاَّ بالاشتراط هُوَ الَّذِي يكون مَبِيعًا وَحده، وَمَا
لَا يدْخل فِي بيع غَيره من غير اشْتِرَاط هُوَ الَّذِي
لَا يجوز أَن يكون مَبِيعًا وَحده.
قَوْله: قد أبرت، من قَوْلهم: فلَان أبر نخله، إِذا لقحه،
وَالِاسْم مِنْهُ: الإبار، كالإزار، وَأَجَابُوا عَن
الحَدِيث الْمَذْكُور: أَن المُرَاد مِنْهُ البيع قبل أَن
يتكون، فَيكون بَائِعهَا بَائِعا بِمَا لَيْسَ عِنْده،
وَقد نهى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن ذَلِك.
وَقَالَ الطَّحَاوِيّ، رَحمَه الله، مَا ملخصه: أَن قوما
قَالُوا: إِن النَّهْي الْمَذْكُور لَيْسَ للتَّحْرِيم،
وَلكنه على المشورة مِنْهُ عَلَيْهِم لِكَثْرَة مَا
كَانُوا يختصمون إِلَيْهِ فِيهِ، وَرووا فِي ذَلِك عَن زيد
بن ثَابت، قَالَ: كَانَ النَّاس فِي عهد النَّبِي صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم يتبايعون الثِّمَار، فَإِذا جد النَّاس
وَحضر تقاضيهم قَالَ الْمُبْتَاع إِنَّه أصَاب الثَّمر
العفن والدمان، وأصابه قشام، عاهات، يحتجون بهَا. فَقَالَ،
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، لما كثرت عِنْده الْخُصُومَة فِي
ذَلِك: (لَا تتبايعوا حَتَّى يَبْدُو صَلَاح الثَّمر) ،
كالمشورة يُشِير بهَا لِكَثْرَة خصومتهم، فَكَانَ نَهْيه
عَن ذَلِك على هَذَا الْمَعْنى، وَأخرج الطَّحَاوِيّ
حَدِيث زيد هَذَا بِإِسْنَاد صَحِيح. وَأخرجه النَّسَائِيّ
أَيْضا وَالْبَيْهَقِيّ. قَوْله: العفن، بِفتْحَتَيْنِ:
الْفساد، وَأما بِكَسْر الْفَاء فَهُوَ من الصِّفَات
المشبهة، والدمان، بِفَتْح الدَّال الْمُهْملَة وَتَخْفِيف
الْمِيم وَفِي آخِره نون: هُوَ فَسَاد التَّمْر قبل
إِدْرَاكه حَتَّى يسود، ويروى بِاللَّامِ وبالراء فِي
مَوضِع النُّون. والقشام، بِضَم الْقَاف: دَاء يَقع فِي
الثَّمَرَة فتهلك.
قَالَ سالِمٌ وأخبَرَنِي عَبْدُ الله عَنْ زَيْدِ بنِ
ثابِتٍ أنَّ رسولَ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم رَخَّصَ
بَعْدَ ذَلِكَ فِي بَيْعِ الْعَرِيَّةِ بالرُّطَبِ أوْ
بالتَّمْرِ ولَمْ يُرَخِّصْ فِي غَيْرِهِ.
هَذَا مَوْصُول بِالْإِسْنَادِ الْمَذْكُور، وَسَيَأْتِي
فِي آخر الْبَاب أَنه أفرد حَدِيث زيد بن ثَابت من طَرِيق
نَافِع عَن ابْن عمر، وَقد ذكر فِي: بَاب بيع الزَّبِيب
بالزبيب من وَجه آخر عَن نَافِع مضموما فِي سِيَاق وَاحِد.
وَأخرجه التِّرْمِذِيّ وَلم يفصل حَدِيث ابْن عمر من
حَدِيث زيد بن ثَابت. وَأَشَارَ إِلَى أَنه وهم فِيهِ،
وَالصَّوَاب التَّفْصِيل.
قَوْله: (رخص بعد ذَلِك) ، أَي: بعد النَّهْي عَن بيع
التَّمْر بالثمر فِي بيع الْعَرَايَا، وَقَالَ بَعضهم:
وَهَذَا من أصرح مَا ورد فِي الرَّد على من حمل من
الْحَنَفِيَّة النَّهْي عَن بيع التَّمْر بالثمر على
عُمُومه، وَمنع أَن يكون بيع الْعَرَايَا مُسْتَثْنى
مِنْهُ، وَزَعَمُوا أَنَّهُمَا حكمان وردا فِي سِيَاق
وَاحِد، وَكَذَلِكَ من زعم مِنْهُم، كَمَا حَكَاهُ ابْن
الْمُنْذر عَنْهُم، أَن بيع الْعَرَايَا مَنْسُوخ
بِالنَّهْي عَن بيع التَّمْر بالثمر، لِأَن الْمَنْسُوخ
لَا يكون إلاَّ بعد النَّاسِخ. انْتهى. قلت: إبْقَاء
النَّهْي على الْعُمُوم أولى من إبِْطَال شَيْء مِنْهُ
وَلَا منع من أَن يكون النَّهْي عَن بيع الثَّمر
بِالتَّمْرِ، وَبيع الْعَرَايَا حكمين واردين فِي سِيَاق
وَاحِد، وَعُمُوم النَّهْي ثَابت بِيَقِين. وَقَول زيد بن
ثَابت: إِنَّه، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، رخص بعد ذَلِك،
لَا يُخرجهُ عَن عُمُومه الْمُتَيَقن، لِأَن معنى كَلَامه
أَن النَّبِي، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، أظهر بعد نَهْيه
عَن بيع التَّمْر بالثمر أَن بيع الْعرية رخصَة، لَا أَنه
مُسْتَثْنى مِنْهُ، على أَن الْعرية فِي الأَصْل عَطِيَّة
وَهبة.
فَإِن قلت: الرُّخْصَة لَا دخل لَهَا فِي العطايا والهبات،
وَلَا تكون الرُّخْصَة إلاَّ فِي شَيْء محرم، وَلَو كَانَت
الْعرية رخصَة لم يكن لقَوْله: وَرخّص بعد ذَلِك فِي بيع
الْعرية، فَائِدَة وَلَا معنى؟ قلت: معنى الرُّخْصَة فِيهِ
أَن الرجل إِذا أعرى الرجل شَيْئا من ثمره فقد وعد أَن
يُسلمهُ إِلَيْهِ ليملكه الْمُسلم إِلَيْهِ بِقَبْضِهِ
إِيَّاه، وعَلى الرجل أَن يَفِي بوعده وَإِن كَانَ غير
مَأْخُوذ بِهِ فِي الحكم، فَرخص للمعري أَن يحبس مَا أعرى
بِأَن يُعْطي المعري خرصة تَمرا بَدَلا مِنْهُ من غير أَن
يكون إِثْمًا، وَلَا فِي حكم من أخلف موعدا، فَهَذَا
مَوضِع الرُّخْصَة.
فَإِن قلت: كَيفَ سميت الْعرية بيعا؟ قلت: سميت
(11/299)
بذلك لتصورها بِصُورَة البيع، لَا أَن يكون
بيعا حَقِيقَة. ألاَ تَرى أَنه لم يملكهَا المعري لَهُ
لِانْعِدَامِ الْقَبْض، وَلِأَنَّهُ لَو كَانَت بيعا
لكَانَتْ بيع التَّمْر بالثمر إِلَى أجل وَأَنه لَا يجوز
بِلَا خلاف، فَدلَّ ذَلِك على أَن الْعرية المرخص فِيهَا
لَيست بِبيع حَقِيقَة، بل هِيَ عَطِيَّة كَمَا نَص
عَلَيْهِ أَبُو حنيفَة فِي تَفْسِيره الْعرية، وَنقل ابْن
الْمُنْذر عَن بعض الْحَنَفِيَّة غير صَحِيح.
قَوْله: (بالرطب أَو التَّمْر) كلمة: أَو، تحْتَمل أَن
تكون للتَّخْيِير، وتحتمل أَن تكون للشَّكّ، وَلَكِن
يُؤَيّد كَونهَا للتَّخْيِير مَا رَوَاهُ النَّسَائِيّ
وَالطَّبَرَانِيّ من طَرِيق صَالح بن كيسَان،
وَالْبَيْهَقِيّ من طَرِيق الْأَوْزَاعِيّ، كِلَاهُمَا عَن
الزُّهْرِيّ: بِلَفْظ: بالرطب وبالتمر، وَلم يرخص فِي غير
ذَلِك، هَكَذَا ذكره بِالْوَاو.
5812 - حدَّثنا عَبْدُ الله بنُ يُوسُفَ قَالَ أخْبَرنا
مالِكٌ عنْ نافِعٍ عنْ عَبْدِ الله بنِ عُمَرَ رَضِي الله
تَعَالَى عنهُما أنَّ رسولَ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
نَهىَ عنْ المُزَابَنَةِ والمُزَابَنَةُ اشْتِرَاءِ
والثَّمَرِ بالتَّمْرِ كَيْلاً وبَيْعُ الْكَرْمِ
بالزَّبِيبِ كَيْلاً.
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة، والْحَدِيث مضى فِي: بَاب
بيع الزَّبِيب بالزبيب، فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ: عَن
إِسْمَاعِيل عَن مَالك، وَهنا: عَن عبد الله ابْن يُوسُف
عَن مَالك. قَوْله: (اشْتِرَاء الثَّمر) ، بالثاء
الْمُثَلَّثَة. قَوْله: (بِالتَّمْرِ) بِالتَّاءِ
الْمُثَنَّاة من فَوق وَسُكُون الْمِيم. قَوْله: (وَبيع
الْكَرم) ، أَي: الْعِنَب، (وَكيلا) فِي الْمَوْضِعَيْنِ
مَنْصُوب على التَّمْيِيز.
6812 - حدَّثنا عَبْدُ الله بنُ يُوسُفَ قَالَ أخبرَنا
مالِكٌ عنْ داوُدَ بنِ الحُصَيْنِ عنْ أبِي سفْيانَ
مَوْلَى ابنِ أبِي أحْمَدَ عنْ أبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ
رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ أنَّ رسولَ الله صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم نَهىَ عنِ المُزَابَنَةِ والمُحَاقَلَةِ
والمُزَابَنَةُ اشْتِرَاءُ الثَّمَرِ بالتَّمْرِ فِي
رُؤُوسِ النَّخْلِ.
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة، وَدَاوُد بن الْحصين،
بِضَم الْحَاء الْمُهْملَة وَفتح الصَّاد الْمُهْملَة:
مولى عَمْرو بن عُثْمَان بن عَفَّان، مَاتَ سنة خمس
وَثَلَاثِينَ وَمِائَة، وَأَبُو سُفْيَان مَشْهُور بكنيته
حَتَّى قَالَ الْحَاكِم: لَا يعرف اسْمه. وَقَالَ
الكلاباذي: اسْمه قزمان، بِضَم الْقَاف وَسُكُون الزَّاي،
وَكَذَا روى أَبُو دَاوُد عَن شَيْخه القعْنبِي فِي
(سنَنه) ، وَابْن أبي أَحْمد هُوَ عبد الله بن أبي أَحْمد
بن جحش الْأَسدي، ابْن أخي زَيْنَب بنت جحش أم
الْمُؤمنِينَ، وَحكى الْوَاقِدِيّ أَن أَبَا سُفْيَان
كَانَ مولى لبني عبد الْأَشْهَل، وَكَانَ يُجَالس عبد الله
بن أبي أَحْمد، فنسب إِلَيْهِ.
وَرِجَال هَذَا الحَدِيث كلهم مدنيون إلاَّ شيخ
البُخَارِيّ، وَلَيْسَ لداود هَذَا وَلَا لشيخه فِي
البُخَارِيّ سوى هَذَا الحَدِيث، وَآخر فِي الْبَاب
الَّذِي يَلِيهِ.
والْحَدِيث أخرجه مُسلم فِي الْبيُوع أَيْضا عَن أبي
الطَّاهِر ابْن أبي السَّرْح عَن ابْن وهب. وَأخرجه ابْن
مَاجَه فِي (الْأَحْكَام) عَن مُحَمَّد بن يحيى.
قَوْله: (نهى عَن الْمُزَابَنَة والمحاقلة) ، قد مر
تفسيرهما عَن قريب، وَفسّر هُنَا الْمُزَابَنَة بقوله:
(والمزابنة اشْتِرَاء الثَّمر) ، بالثاء الْمُثَلَّثَة
(بِالتَّمْرِ) ، بِالتَّاءِ الْمُثَنَّاة من فَوق (فِي
رُؤُوس النّخل) ، وَزَاد ابْن مهْدي عَن مَالك عِنْد
الْإِسْمَاعِيلِيّ لفظ: كَيْلا، وَهُوَ مُوَافق لحَدِيث
ابْن عمر الَّذِي قبله، وَقَالَ بَعضهم: ذكر الْكَيْل
لَيْسَ بِقَيْد. قلت: لَا نسلم ذَلِك، لِأَن الإشتراء
بِمَاذَا يكون؟ ومعيار الزَّبِيب وَالتَّمْر هُوَ
الْكَيْل. وَوَقع فِي (الْمُوَطَّأ) فِي هَذَا الحَدِيث
تَفْسِير المحاقلة بقوله: والمحاقلة كِرَاء الأَرْض،
وَكَذَا وَقع فِي رِوَايَة مُسلم.
78712 - حدَّثنا مُسَدَّدٌ قَالَ حدَّثنا أبُو مُعَاوِيَةَ
عنِ الشَّيْبَانيِّ عنْ عِكْرِمَةَ عنِ ابنِ عَبَّاسٍ
رَضِي الله تَعَالَى عنهُما قَالَ نَهىَ النبيُّ صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم عنِ المُحَاقَلَةِ والمُزَابَنَةِ. مطابقته
للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة وَأَبُو مُعَاوِيَة مُحَمَّد بن
خازم الضَّرِير وَقد تقدم والشيباني بالشين الْمُعْجَمَة
هُوَ سُلَيْمَان أَبُو إِسْحَق وَقد تقدم وَهَذَا الحَدِيث
من أَفْرَاده وَفِي الْبَاب عَن أبي هُرَيْرَة أخرجه مُسلم
وَالتِّرْمِذِيّ من حَدِيث قُتَيْبَة عَن يَعْقُوب بن عبد
الرَّحْمَن عَن سُهَيْل بن أبي صَالح عَن أَبِيه عَن أبي
هُرَيْرَة قَالَ نهى رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - عَن المحاقلة والمزابنة وَعَن زيد
بن ثَابت أخرجه التِّرْمِذِيّ من طَرِيق ابْن إِسْحَق عَن
نَافِع عَن ابْن عمر عَن زيد بن ثَابت أَن النَّبِي -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - نهى عَن المحاقلة
(11/300)
والمزابنة وَعَن سعد بن أبي وَقاص رَضِي
الله تَعَالَى عَنهُ أخرجه أَبُو دَاوُد من حَدِيث أبي
عَيَّاش عَنهُ سمع عَنهُ يَقُول نهى رَسُول الله - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - عَن بيع الرطب بِالتَّمْرِ
نَسِيئَة
133 - (حَدثنَا عبد الله بن مسلمة قَالَ حَدثنَا مَالك عَن
نَافِع عَن ابْن عمر عَن زيد بن ثَابت رَضِي الله عَنْهُم
أَن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -
أرخص لصَاحب الْعرية أَن يَبِيعهَا بِخرْصِهَا) مُنَاسبَة
ذكر هَذَا الحَدِيث فِي هَذَا الْبَاب من حَيْثُ أَنه قد
ذكر حَدِيث عبد الله بن عمر عَن زيد بن ثَابت فِي ضمن
حَدِيث أخرجه عَن عبد الله بن عمر بِرِوَايَة سَالم عَنهُ
وَهنا ذكره بِإِسْنَاد مُسْتَقل عَن ابْن عمر عَن زيد
بِرِوَايَة نَافِع عَن مَوْلَاهُ عبد الله والْحَدِيث
أخرجه البُخَارِيّ أَيْضا فِي الْبيُوع عَن أبي
النُّعْمَان وَفِي الشّرْب عَن مُحَمَّد بن يُوسُف وَأخرجه
مُسلم فِي الْبيُوع أَيْضا عَن يحيى بن يحيى وَمُحَمّد بن
عبد الله بن نمير وَزُهَيْر بن حَرْب وَمُحَمّد بن رَافع
وَمُحَمّد بن الْمثنى وَمُحَمّد بن رمح وَأبي الرّبيع
الزهْرَانِي وَأبي كَامِل الجحدري وَعلي بن حجر وَأخرجه
التِّرْمِذِيّ عَن هناد بن السّري وَعَن قُتَيْبَة عَن
حَمَّاد بن زيد بِهِ وَأخرجه النَّسَائِيّ فِيهِ عَن
قُتَيْبَة وَعَن أبي قدامَة وَفِي الشُّرُوط عَن عِيسَى بن
حَمَّاد وَأخرجه ابْن مَاجَه فِي التِّجَارَات عَن
مُحَمَّد بن رمح بِهِ وَعَن هِشَام بن عمار وَمُحَمّد بن
الصَّباح قَوْله " أرخص لصَاحب الْعرية " بِفَتْح الْعين
الْمُهْملَة وَكسر الرَّاء وَتَشْديد الْيَاء آخر
الْحُرُوف وَقد اسْتَوْفَيْنَا الْكَلَام فِيهِ فِيمَا مضى
عَن قريب قَوْله " أَن يَبِيعهَا بِخرْصِهَا " بِفَتْح
الْخَاء مصدر وبكسرها اسْم للشَّيْء المخروص وَمَعْنَاهُ
بِقدر مَا فِيهَا إِذا صَار تَمرا وَزَاد الطَّبَرَانِيّ
عَن عَليّ بن عبد الْعَزِيز عَن القعْنبِي شيخ البُخَارِيّ
فِيهِ كَيْلا وَمثله للْبُخَارِيّ من رِوَايَة مُوسَى بن
عقبَة عَن نَافِع وَسَيَأْتِي بعد بَاب وَرَوَاهُ مُسلم
عَن يحيى بن يحيى عَن مَالك فَقَالَ بِخرْصِهَا من
التَّمْر وَنَحْوه للْبُخَارِيّ من رِوَايَة يحيى بن سعيد
عَن نَافِع فِي كتاب الشّرْب وَلمُسلم من رِوَايَة
سُلَيْمَان بن بِلَال عَن يحيى بن سعيد بِلَفْظ رخص فِي
الْعرية يَأْخُذهَا أهل الْبَيْت بِخرْصِهَا تَمرا
يأكلونها رطبا وَمن طَرِيق اللَّيْث عَن يحيى بن سعيد
بِلَفْظ رخص فِي بيع الْعرية بِخرْصِهَا تَمرا
(بَاب بيع الثَّمر على رُؤْس النّخل بِالذَّهَب
وَالْفِضَّة)
أَي هَذَا بَاب فِي بَيَان حكم بيع الثَّمر بالثاء
الْمُثَلَّثَة وَالْمِيم المفتوحتين قَوْله " على رُؤُوس
النّخل " جملَة وَقعت حَالا من الثَّمر وَالْبَاء فِي
بِالذَّهَب تتَعَلَّق بِلَفْظ بيع الثَّمر وَذكر الذَّهَب
وَالْفِضَّة لَيْسَ بِقَيْد لِأَنَّهُ يجوز بَيْعه بالعروض
أَيْضا وَلَكِن لما كَانَ غَالب مَا يتعامل بِهِ النَّاس
هُوَ الذَّهَب وَالْفِضَّة فَلذَلِك ذكرهمَا وَأَيْضًا
فِيهِ اتِّبَاع لظَاهِر لفظ الحَدِيث لِأَن الْمَذْكُور
فِيهِ الدِّينَار وَالدِّرْهَم وهما الذَّهَب وَالْفِضَّة
134 - (حَدثنَا يحيى بن سُلَيْمَان قَالَ حَدثنَا ابْن وهب
قَالَ أخبرنَا ابْن جريج عَن عَطاء وَأبي الزبير عَن جَابر
رَضِي الله عَنهُ قَالَ نهى النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - عَن بيع الثَّمر حَتَّى يطيب وَلَا
يُبَاع شَيْء مِنْهُ إِلَّا بالدينار وَالدِّرْهَم إِلَّا
الْعَرَايَا) مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله " وَلَا
يُبَاع شَيْء مِنْهُ إِلَّا بالدينار وَالدِّرْهَم " وهما
الذَّهَب وَالْفِضَّة (فَإِن قلت) لَيْسَ فِي الحَدِيث ذكر
رُؤْس النّخل (قلت) المُرَاد من قَوْله بيع الثَّمر أَي
الثَّمر الْكَائِن على رُؤْس الشّجر يدل عَلَيْهِ قَوْله
حَتَّى يطيب فَإِن الثَّمر الَّذِي هُوَ الرطب لَا يطيب
إِلَّا على رُؤْس الشّجر وَيحيى بن سُلَيْمَان أَبُو سعيد
الْجعْفِيّ الْكُوفِي وَلكنه سكن مصر سمع عبد الله بن وهب
وَهُوَ من أَفْرَاده وَابْن جريج هُوَ عبد الْملك بن عبد
الْعَزِيز وَقد تكَرر ذكره وَأَبُو الزبير بِضَم الزَّاي
وَفتح الْبَاء الْمُوَحدَة واسْمه مُحَمَّد بن مُسلم بن
تدرس بِلَفْظ مُخَاطب مضارع الدَّرْس والْحَدِيث أخرجه
أَبُو دَاوُد فِي الْبيُوع أَيْضا عَن إِسْحَق بن
إِسْمَاعِيل وَأخرجه ابْن مَاجَه فِي التِّجَارَات عَن
هِشَام بن عمار قَوْله " عَن عَطاء وَأبي الزبير " كَذَا
جمع بَينهمَا عبد الله بن وهب وَتَابعه أَبُو عَاصِم عِنْد
مُسلم وَيحيى بن أَيُّوب عِنْد الطَّحَاوِيّ كِلَاهُمَا
عَن ابْن جريج وَرَوَاهُ سُفْيَان بن عُيَيْنَة
(11/301)
عِنْد مُسلم عَن ابْن جريج أَخْبرنِي عَطاء
قَوْله " عَن جَابر " وَفِي رِوَايَة أبي عَاصِم
الْمَذْكُور أَنَّهُمَا سمعا جَابر بن عبد الله قَوْله "
عَن بيع الثَّمر " بالثاء الْمُثَلَّثَة أَي الرطب قَوْله
" حَتَّى يطيب " أَي طعمه وَالْغَرَض مِنْهُ أَن يَبْدُو
صَلَاحه قَوْله " وَلَا يُبَاع شَيْء مِنْهُ " أَي من
الثَّمر قَوْله " إِلَّا بالدينار وَالدِّرْهَم " وَقد
ذكرنَا الْآن وَجه ذكرهمَا قَوْله " إِلَّا الْعَرَايَا "
أَي إِلَّا الْعَرَايَا بالابتياع بالدينار وَالدِّرْهَم
ويفسر هَذَا رِوَايَة يحيى بن أَيُّوب فَإِن فِي رِوَايَته
" أَن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -
رخص فِيهَا " أَي فِي الْعَرَايَا وَهِي بيع الرطب فِيهَا
بعد أَن يخرص وَيعرف قدره بِقدر ذَلِك من التَّمْر وَقد مر
أَن قوما مِنْهُم الْأَئِمَّة الثَّلَاثَة احْتَجُّوا
بِهَذَا الحَدِيث وَأَمْثَاله على عدم جَوَاز بيع
الثِّمَار على رُؤْس النّخل حَتَّى تحمر أَو تصفر
وَأَجَازَ ذَلِك قوم بعد ظُهُورهَا وَمِنْهُم أَبُو حنيفَة
رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ وَأَصْحَابه وَقَالَ ابْن
الْمُنْذر ادّعى الْكُوفِيُّونَ أَن بيع الْعَرَايَا
مَنْسُوخ بنهيه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -
عَن بيع الثَّمر بِالتَّمْرِ وَهَذَا مَرْدُود لِأَن
الَّذِي روى النَّهْي عَن بيع الثَّمر بِالتَّمْرِ هُوَ
الَّذِي روى الرُّخْصَة فِي الْعَرَايَا وَقَالَ بَعضهم
وَرِوَايَة سَالم الْمَاضِيَة فِي الْبَاب الَّذِي قبله
تدل على أَن الرُّخْصَة فِي بيع الْعَرَايَا وَقع بعد
النَّهْي عَن بيع التَّمْر بالثمر وَلَفظه عَن ابْن عمر
مَرْفُوعا وَلَا تَبِيعُوا الثَّمر بِالتَّمْرِ قَالَ
وَعَن زيد بن ثَابت أَنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّم َ - رخص بعد ذَلِك فِي بيع الْعرية وَهَذَا هُوَ
الَّذِي يَقْتَضِيهِ لفظ الرُّخْصَة فَإِنَّهَا تكون بعد
منع انْتهى قلت أما قَول ابْن الْمُنْذر فَإِنَّهُ
مَرْدُود لِأَن رِوَايَة من روى النَّهْي عَن بيع الثَّمر
بِالتَّمْرِ وروى الرُّخْصَة فِي الْعَرَايَا لَا
يسْتَلْزم منع النّسخ على أَنا قد ذكرنَا فِيمَا مضى أَن
هَذَا النَّقْل عَن الْكُوفِيّين الْحَنَفِيَّة غير صَحِيح
وَأما قَول هَذَا الْقَائِل الَّذِي قَالَ وَرِوَايَة
مُسلم إِلَى آخِره فقد روينَاهُ فِيمَا مضى فِي الْبَاب
الَّذِي قبله وَلِأَن هَذَا الحَدِيث مُشْتَمل على حكمين
مقرونين أَحدهمَا النَّهْي عَن بيع الثَّمر بِالتَّمْرِ
وَالْآخر الترخيص فِي الْعَرَايَا وَلَا يلْزم من ذكرهمَا
مقرونين أَن يكون حكمهمَا وَاحِدًا ثمَّ خرج أَحدهمَا عَن
الآخر لِأَن كلا مِنْهُمَا كَلَام مُسْتَقل بِذَاتِهِ وَقد
يقرن الشَّيْء بالشَّيْء وحكمهما مُخْتَلف ونظائر هَذَا
كَثِيرَة وَقد ذكر أهل التَّحْقِيق من الْأُصُولِيِّينَ
أَن من الْعَمَل بالوجوه الْفَاسِدَة مَا قَالَ بَعضهم أَن
الْقرَان فِي النّظم يُوجب الْقرَان فِي الحكم وَقَول زيد
بن ثَابت أَنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - رخص
فِي بيع الْعرية كَلَام تَامّ لَا يفْتَقر إِلَى مَا يتم
بِهِ. فَإِن قلت الِاسْتِثْنَاء فِي الحَدِيث يَقْتَضِي
أَن الْعَرَايَا قد خرجت من صدر الْكَلَام فَيَقْتَضِي أَن
تكون الرُّخْصَة بعد الْمَنْع قلت الِاسْتِثْنَاء من
قَوْله وَلَا يُبَاع شَيْء مِنْهُ إِلَّا بالدينار
وَالدِّرْهَم وَلم تكن الْعرية دَاخِلَة فِي صدر الْكَلَام
الَّذِي هُوَ النَّهْي عَن بيع التَّمْر بالثمر لِأَنَّهَا
عَطِيَّة وَهبة فَلَا تدخل تَحت البيع حَتَّى يسْتَثْنى
مِنْهُ وَلما لم يكن بيعا بَين بِالِاسْتِثْنَاءِ أَنه لَا
يَجْعَل فِيهَا الدِّينَار وَالدِّرْهَم كَمَا فِي البيع
وَالدَّلِيل على كَونهَا هبة مَا رَوَاهُ الطَّحَاوِيّ
فَقَالَ حَدثنَا أَحْمد بن دَاوُد قَالَ حَدثنَا مُحَمَّد
بن عون قَالَ حَدثنَا حَمَّاد بن سَلمَة عَن أَيُّوب
وَعبيد الله عَن نَافِع عَن ابْن عمر أَن رَسُول الله -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - نهى البايع والمبتاع
عَن الْمُزَابَنَة قَالَ وَقَالَ زيد بن ثَابت رخص فِي
الْعَرَايَا فِي النَّخْلَة والنخلتين توهبان للرجل
فيبيعهما بخرصهما تَمرا وَرَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ أَيْضا
فِي الْكَبِير ثمَّ قَالَ الطَّحَاوِيّ فَهَذَا زيد بن
ثَابت وَهُوَ أحد من روى عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - الرُّخْصَة فِي الْعرية فقد أخبر
أَنَّهَا الْهِبَة وَقَالَ الطَّحَاوِيّ أَيْضا وَقد روى
عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَنه
قَالَ " خففوا فِي الصَّدقَات فَإِن فِي المَال الْعرية
وَالْوَصِيَّة " حَدثنَا بذلك أَبُو بكرَة قَالَ حَدثنَا
أَبُو عمر الضَّرِير قَالَ أخبرنَا جرير بن خازم قَالَ
سَمِعت قيس بن سعد يحدث عَن مَكْحُول الشَّامي عَن رَسُول
الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - بذلك فَدلَّ
على أَن الْعرية إِنَّمَا هِيَ شَيْء يملكهُ أَرْبَاب
الْأَمْوَال قوما فِي حياتهم كَمَا يملكُونَ الْوَصَايَا
بعد مماتهم قلت إِسْنَاده صَحِيح وَهُوَ مُرْسل والمرسل
حجَّة عندنَا فَإِن قلت زيد بن ثَابت سمى الْعرية بيعا
حَيْثُ قَالَ وَرخّص بعد ذَلِك فِي بيع الْعرية قلت
سَمَّاهَا بيعا لتصورها بِصُورَة البيع لَا أَنَّهَا بيع
حَقِيقَة لِانْعِدَامِ الْقَبْض وَلِأَنَّهَا لَو جعلت
بيعا حَقِيقَة لَكَانَ بيع الثَّمر بِالتَّمْرِ إِلَى أجل
وَأَنه لَا يجوز بِلَا خلاف وَقد ذكرنَا هَذَا مرّة فِيمَا
مضى
135 - (حَدثنَا عبد الله بن عبد الْوَهَّاب قَالَ سَمِعت
مَالِكًا وَسَأَلَهُ عبيد الله بن الرّبيع قَالَ أحَدثك
دَاوُد عَن أبي سُفْيَان عَن أبي هُرَيْرَة رَضِي الله
عَنهُ أَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ
- رخص فِي بيع الْعَرَايَا فِي خَمْسَة أوسق أَو دون
خَمْسَة أوسق قَالَ نعم)
(11/302)
مطابقته للتَّرْجَمَة من حَيْثُ أَن
الحَدِيث السَّابِق فِيهِ ذكر الْعَرَايَا وَهَذَا
الحَدِيث فِي الْعَرَايَا فَهُوَ مُطَابق لَهُ من هَذِه
الْحَيْثِيَّة والمطابق للمطابق مُطَابق لذَلِك المطابق
والْحَدِيث السَّابِق فِيهِ ذكر الْعَرَايَا مُطلقًا
وَهَذَا الحَدِيث يشْعر أَن المُرَاد من ذَلِك الْمُطلق
هُوَ الْمُقَيد بِخَمْسَة أوسق كَمَا يَجِيء بَيَانه مفصلا
إِن شَاءَ الله تَعَالَى (ذكر رِجَاله) وهم سِتَّة الأول
عبد الله بن عبد الْوَهَّاب أَبُو مُحَمَّد الحَجبي
الثَّانِي مَالك بن أنس الثَّالِث عبيد الله بتصغير
العَبْد ابْن الرّبيع وَكَانَ الرّبيع حَاجِب للخليفة أبي
جَعْفَر الْمَنْصُور وَهُوَ وَالِد الْفضل وَزِير
الْخَلِيفَة هرون الرشيد الرَّابِع دَاوُد بن الْحصين
بِضَم الْحَاء وَقد مضى فِي الْبَاب الَّذِي قبله
الْخَامِس أَبُو سُفْيَان مولى ابْن أبي أَحْمد وَقد مضى
هُوَ أَيْضا مَعَ دَاوُد هُنَاكَ السَّادِس أَبُو
هُرَيْرَة (ذكر لطائف إِسْنَاده) فِيهِ التحديث بِصِيغَة
الْجمع فِي مَوضِع وبصيغة الْإِفْرَاد بِصِيغَة
الِاسْتِفْهَام فِي مَوضِع وَفِيه السماع وَالسُّؤَال
وَهُوَ إِطْلَاق السماع على مَا قرىء على الشَّيْخ فَأقر
بِهِ بقوله نعم والاصطلاح عِنْد الْمُحدثين على أَن السماع
مَخْصُوص بِمَا حدث بِهِ الشَّيْخ لفظا وَفِيه العنعنة فِي
موضِعين وَفِيه أَن شَيْخه من أَفْرَاده وَهُوَ بَصرِي
وَدَاوُد وَأَبُو سُفْيَان مدنيان وَقد ذكرنَا أَنه لَيْسَ
لداود وَلَا لأبي سُفْيَان حَدِيث فِي البُخَارِيّ سوى
حديثين أَحدهمَا هَذَا وَالْآخر عَن أبي سعيد الْمَذْكُور
فِي الْبَاب الَّذِي قبله (ذكر تعدد مَوْضِعه وَمن أخرجه
غَيره) أخرجه البُخَارِيّ أَيْضا فِي الشُّرُوط عَن يحيى
بن قزعة عَن مَالك بِهِ وَأخرجه مُسلم فِي الْبيُوع عَن
القعْنبِي وَيحيى بن يحيى كِلَاهُمَا عَن مَالك بِهِ
وَأخرجه أَبُو دَاوُد فِيهِ عَن القعْنبِي بِهِ وَأخرجه
التِّرْمِذِيّ فِيهِ عَن قُتَيْبَة وَعَن أبي كريب عَن زيد
بن وهب كِلَاهُمَا عَن مَالك وَأخرجه النَّسَائِيّ فِيهِ
وَفِي الشُّرُوط عَن إِسْحَاق بن مَنْصُور الكوسج
وَيَعْقُوب بن إِبْرَاهِيم الدَّوْرَقِي كِلَاهُمَا عَن
عبد الرَّحْمَن بن مهْدي عَن مَالك بِهِ (ذكر مَعْنَاهُ)
قَوْله " رخص " بِالتَّشْدِيدِ من الترخيص كَذَا هُوَ
عِنْد الْأَكْثَرين وَفِي رِوَايَة الْكشميهني أرخص من
الأرخاص قَوْله " فِي بيع الْعَرَايَا " أَي فِي بيع ثَمَر
الْعَرَايَا لِأَن الْعَرَايَا هِيَ النّخل قَوْله " فِي
خَمْسَة أوسق " وَهُوَ وسق بِفَتْح الْوَاو وَقيل
بِالْكَسْرِ أَيْضا وَالْفَتْح أفْصح وَهُوَ سِتُّونَ
صَاعا وَهُوَ ثَلَاثمِائَة وَعِشْرُونَ رطلا عِنْد أهل
الْحجاز وَأَرْبَعمِائَة وَثَمَانُونَ رطلا عِنْد أهل
الْعرَاق على اخْتلَافهمْ فِي مِقْدَار الصَّاع وَالْمدّ
وَالْأَصْل فِي الوسق الْحمل وكل شَيْء وسقته فقد حَملته
قَوْله " أَو دون خَمْسَة أوسق " شكّ من الرَّاوِي وَقد
بَينه مُسلم فِي رِوَايَته أَن الشَّك من دَاوُد بن
الْحصين وَلَفظه عَن أبي هُرَيْرَة أَن رَسُول الله -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - رخص فِي بيع
الْعَرَايَا بِخرْصِهَا فِيمَا دون خَمْسَة أوسق أَو فِي
خَمْسَة شكّ دَاوُد قَالَ خَمْسَة أَو دون خَمْسَة
والْحَدِيث رَوَاهُ الطَّحَاوِيّ أَيْضا حَدثنَا ابْن
مَرْزُوق قَالَ حَدثنَا القعْنبِي وَعُثْمَان بن عمر
قَالَا حَدثنَا مَالك بن أنس عَن دَاوُد بن الْحصين عَن
أبي سُفْيَان مولى ابْن أبي أَحْمد عَن أبي هُرَيْرَة أَن
رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - رخص
فِي بيع الْعَرَايَا فِي خَمْسَة أوسق أَو فِيمَا دون
خَمْسَة أوسق شكّ دَاوُد فِي خَمْسَة أَو فِيمَا دون
خَمْسَة قَوْله " قَالَ نعم " الْقَائِل هُوَ مَالك
وَهَذَا التَّحَمُّل يُسمى عرض السماع وَكَانَ مَالك
يختاره على التحديث فِي لَفظه وَاخْتلف المحدثون فِيمَا
إِذا سكت الشَّيْخ فَالصَّحِيح أَنه ينزل منزلَة
الْإِقْرَار إِذا كَانَ عَارِفًا وَلم يمنعهُ مَانع
وَالْأولَى أَن يَقُول نعم لما فِيهِ من قطع النزاع (ذكر
مَا يُسْتَفَاد مِنْهُ) قَالَ ابْن قدامَة فِي الْمُغنِي
الْعَرَايَا لَا تجوز إِلَّا فِيمَا دون خَمْسَة أوسق
وَبِهَذَا قَالَ ابْن الْمُنْذر وَالشَّافِعِيّ فِي أحد
قوليه وَقَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ فِي قَوْله الآخر تجوز
فِي الْخَمْسَة وَرَوَاهُ الْجوزجَاني عَن إِسْمَاعِيل بن
سعيد عَن أَحْمد واتفقا على أَنَّهَا لَا تجوز فِي
الزِّيَادَة على خَمْسَة أوسق وَقَالَ أَيْضا إِنَّمَا
يجوز بيعهَا بِخرْصِهَا من التَّمْر لَا أقل مِنْهُ وَلَا
أَكثر وَيجب أَن يكون التَّمْر الَّذِي يَشْتَرِي بِهِ
مَعْلُوما بِالْكَيْلِ وَلَا يجوز جزَافا وَلَا نعلم فِي
هَذَا عِنْد من أَبَاحَ بيع الْعَرَايَا اخْتِلَافا
وَاخْتلف فِي معنى خرصها من التَّمْر فَقيل مَعْنَاهُ أَن
يطِيف الخارص بالعرية فَينْظر كم يَجِيء مِنْهَا تَمرا
فيشتريها بِمثلِهِ من التَّمْر وَهَذَا مَذْهَب
الشَّافِعِي وَنقل حَنْبَل عَن أَحْمد أَنه قَالَ
بِخرْصِهَا رطبا وَيُعْطِي تَمرا وَلَا يجوز أَن
يَشْتَرِيهَا بِخرْصِهَا رطبا وَهُوَ أحد
(11/303)
الْوُجُوه لأَصْحَاب الشَّافِعِي
وَالثَّانِي يجوز وَالثَّالِث يجوز مَعَ اخْتِلَاف
النَّوْع وَلَا يجوز مَعَ اتفاقه وَلَا يجوز بيعهَا إِلَّا
لمحتاج إِلَى أكلهَا رطبا وَلَا يجوز بيعهَا لَغَنِيّ
وَهَذَا أحد قولي الشَّافِعِي وأباحها فِي القَوْل الآخر
مُطلقًا للغني والمحتاج وَلَا يجوز بيعهَا فِي غير النّخل
وَهُوَ مَذْهَب اللَّيْث وَقَالَ القَاضِي يجوز فِي
بَقِيَّة الثِّمَار من الْعِنَب والتين وَغَيرهمَا وَهُوَ
قَول مَالك وَالْأَوْزَاعِيّ وَأَجَازَهُ الشَّافِعِي فِي
النّخل وَالْعِنَب دون غَيرهمَا انْتهى وَقَالَ القَاضِي
قَوْله فِيمَا دون خَمْسَة أوسق أَو فِي خَمْسَة أوسق مَا
يدل أَنه يخْتَص بِمَا يوسق ويكال وَقَالَ الْكرْمَانِي
قَالَ الشَّافِعِي الأَصْل تَحْرِيم بيع الْمُزَابَنَة
وَجَاءَت الْعَرَايَا رخصَة والراوي شكّ فِي الْخَمْسَة
فَوَجَبَ الْأَخْذ بِالْيَقِينِ وَطرح الْمَشْكُوك فَبَقيت
الْخَمْسَة على التَّحْرِيم الَّذِي هُوَ الأَصْل انْتهى
(قلت) يرد عَلَيْهِ مَا رَوَاهُ أَحْمد والطَّحَاوِي
وَالْبَيْهَقِيّ من حَدِيث مُحَمَّد بن إِسْحَق عَن
مُحَمَّد بن يحيى بن حبَان عَن الْوَاسِع بن حبَان عَن
جَابر بن عبد الله أَن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - رخص فِي الْعرية فِي الوسق والوسقين
وَالثَّلَاثَة وَالْأَرْبَعَة وَقَالَ فِي كل عشرَة أقناء
قنو يوضع فِي الْمَسْجِد للْمَسَاكِين هَذَا لفظ
الطَّحَاوِيّ والأقناء جمع قنو بِكَسْر الْقَاف وَسُكُون
النُّون وَهُوَ العذق بِمَا فِيهِ من الرطب وَقَالَ
الْمَازرِيّ ذهب ابْن الْمُنْذر إِلَى تَحْدِيد ذَلِك
بأَرْبعَة أوسق لوروده فِي حَدِيث جَابر من غير شكّ فِيهِ
فَتعين طرح الرِّوَايَة الَّتِي وَقع فِيهَا الشَّك
وَالْأَخْذ بالرواية المتيقنة قَالَ وألزم الْمُزنِيّ
الشَّافِعِي رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ القَوْل بِهِ
انْتهى (قلت) الْإِلْزَام مَوْجُود فِيمَا رَوَاهُ أَحْمد
والطَّحَاوِي رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا أَيْضا
وَقَالَ بَعضهم وَفِيمَا نَقله الْمَازرِيّ نظر لِأَن مَا
نَقله لَيْسَ فِي شَيْء من كتب ابْن الْمُنْذر انْتهى
(قلت) هَذِه مدافعة بِغَيْر وَجه لِأَنَّهُ لَا يلْزم من
نفي كَون هَذَا فِي كتبه بِدَعْوَاهُ أَن يرد مَا نَقله
الْمَازرِيّ لِإِمْكَان اطِّلَاعه فِيمَا لم يطلع عَلَيْهِ
هَذَا الْقَائِل وَاحْتج بعض الْمَالِكِيَّة بِأَن لَفْظَة
دون خَمْسَة أوسق صَالِحَة لجَمِيع مَا تَحت الْخَمْسَة
فَلَو علمنَا بهَا للَزِمَ رفع هَذِه الرُّخْصَة ورد بِأَن
الْعَمَل بهَا مُمكن بِأَن يحمل على أقل مَا تصدق عَلَيْهِ
قيل وَهُوَ الْمُفْتى بِهِ فِي مَذْهَب الشَّافِعِيَّة
136 - (حَدثنَا عَليّ بن عبد الله قَالَ حَدثنَا سُفْيَان
قَالَ قَالَ يحيى بن سعيد سَمِعت بشيرا قَالَ سَمِعت سهل
بن أبي حثْمَة أَن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّم َ - نهى عَن بيع الثَّمر بِالتَّمْرِ وَرخّص فِي
الْعرية أَن تبَاع بِخرْصِهَا يأكلها أَهلهَا رطبا وَقَالَ
سُفْيَان مرّة أُخْرَى إِلَّا أَنه رخص فِي الْعرية
يَبِيعهَا أَهلهَا بِخرْصِهَا يأكلونها رطبا قَالَ هُوَ
سَوَاء قَالَ سُفْيَان فَقلت ليحيى وَأَنا غُلَام إِن أهل
مَكَّة يَقُولُونَ إِن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّم َ - رخص لَهُم فِي بيع الْعَرَايَا فَقَالَ وَمَا
يدْرِي أهل مَكَّة قلت إِنَّهُم يَرْوُونَهُ عَن جَابر
فَسكت قَالَ سُفْيَان إِنَّمَا أردْت أَن جَابِرا من أهل
الْمَدِينَة قيل لِسُفْيَان وَلَيْسَ فِيهِ نهي عَن بيع
الثَّمر حَتَّى يَبْدُو صَلَاحه قَالَ لَا) مطابقته
للتَّرْجَمَة فِي قَوْله نهى عَن بيع الثَّمر بالثاء
الْمُثَلَّثَة بِالتَّمْرِ وَعلي بن عبد الله هُوَ ابْن
الْمَدِينِيّ وسُفْيَان هُوَ ابْن عُيَيْنَة وَيحيى بن
سعيد الْأنْصَارِيّ وَبشير بِضَم الْبَاء الْمُوَحدَة
وَفتح الشين الْمُعْجَمَة وَسُكُون الْيَاء آخر الْحُرُوف
وَفِي آخِره رَاء ابْن يسَار بِفَتْح الْيَاء آخر
الْحُرُوف وَالسِّين الْمُهْملَة ضد الْيَمين
الْأنْصَارِيّ الْمَدِينِيّ وَقد مر فِي كتاب الْوضُوء فِي
بَاب من تمضمض من السويق وَسَهل بن أبي حثْمَة بِفَتْح
الْمُهْملَة وَسُكُون الثَّاء الْمُثَلَّثَة وَهُوَ سهل بن
أبي حثْمَة واسْمه عَامر بن سَاعِدَة الْأنْصَارِيّ وكنيته
أَبُو يحيى وَقيل أَبُو مُحَمَّد والْحَدِيث أخرجه
البُخَارِيّ أَيْضا فِي الشّرْب عَن زَكَرِيَّا عَن أبي
أُسَامَة عَن الْوَلِيد بن كثير عَن بشير بن يسَار عَن
رَافع وَسَهل بِهِ وَأخرجه مُسلم فِي الْبيُوع أَيْضا عَن
أبي بكر بن أبي شيبَة وَالْحسن بن عَليّ والقعنبي وقتيبة
وَمُحَمّد بن رمح وَمُحَمّد بن الْمثنى وَإِسْحَق بن
إِبْرَاهِيم وَأخرجه أَبُو دَاوُد فِيهِ عَن عُثْمَان بن
أبي شيبَة وَأخرجه التِّرْمِذِيّ فِيهِ عَن الْحسن بن
عَليّ بِهِ وَأخرجه النَّسَائِيّ فِيهِ عَن قُتَيْبَة بِهِ
وَعَن الْحُسَيْن بن عِيسَى وَفِيه وَفِي الشُّرُوط عَن
عبد الله بن مُحَمَّد قَوْله " قَالَ قَالَ يحيى "
وَسَيَأْتِي فِي آخر الْبَاب مَا يدل على أَن سُفْيَان صرح
بتحديث يحيى بن سعيد لَهُ بِهِ
(11/304)
قَوْله " سَمِعت سهل بن أبي حثْمَة " وَفِي
رِوَايَة مُسلم من حَدِيث الْوَلِيد بن كثير عَن بشير بن
يسَار بن رَافع بن خديج وَسَهل بن حثْمَة حدّثنَاهُ وَفِي
رِوَايَة لمُسلم من طَرِيق سُلَيْمَان بن بِلَال عَن يحيى
بن سعيد عَن بشير بن يسَار عَن بعض أَصْحَاب النَّبِي -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - سهل بن أبي حثْمَة
قَوْله " أَن تبَاع " بدل من الْعَارِية قَوْله "
بِخرْصِهَا " قد ذكرنَا عَن قريب أَنه بِفَتْح الْخَاء
وَكسرهَا وَأنكر ابْن الْعَرَبِيّ الْفَتْح وجوزهما
النَّوَوِيّ قَالَ وَمَعْنَاهُ بِقدر مَا فِيهَا إِذا صَار
تَمرا والخرص هُوَ التخمين والحدس قَوْله " رطبا " بِضَم
الرَّاء وَقَالَ الْكرْمَانِي وروى بِفَتْحِهَا فَهُوَ
متناول للعنب وَقَالَ أهل النَّخْلَة هم البائعون لَا
المُشْتَرِي والآكل هُوَ المُشْتَرِي لَا البَائِع ثمَّ
قَالَ قلت الضَّمِير فِي يأكلها أَهلهَا رَاجع إِلَى
الثِّمَار الَّتِي يدل عَلَيْهَا الْخرص وَأهل الثِّمَار
هم المشترون وَذكر الْأكل لَيْسَ بِقَيْد بل هُوَ لبَيَان
الْوَاقِع وَعَن أبي عبيد أَنه شَرطه قَوْله " هُوَ سَوَاء
" أَي هَذَا القَوْل الأول سَوَاء بِلَا تفَاوت بَينهمَا
إِذْ الضَّمِير الْمَنْصُوب فِي يأكلها عَائِد إِلَى
الثِّمَار كَمَا فِي الأول وَالْمَرْفُوع إِلَى أهل
المخروص فحاصلها وَاحِد وَيحْتَمل أَن يُرَاد بِسَوَاء
الْمُسَاوَاة بَين الثَّمر وَالرّطب على تَقْدِير
الْجَفَاف قَوْله " قَالَ سُفْيَان مرّة أُخْرَى " إِلَى
آخِره هُوَ من كَلَام عَليّ بن عبد الله وسُفْيَان هُوَ
ابْن عُيَيْنَة وَالْغَرَض أَن سُفْيَان بن عُيَيْنَة
حَدثهمْ بِهِ مرَّتَيْنِ على لفظين وَالْمعْنَى وَاحِد قيل
أَشَارَ بقوله هُوَ سَوَاء إِلَيْهِ أَي الْمَعْنى وَاحِد
قَوْله " قَالَ سُفْيَان ليحيى " أَي بِالْإِسْنَادِ
الْمَذْكُور قلت ليحيى هُوَ ابْن سعيد الْمَذْكُور لما
حَدثهُ بِهِ قَوْله " وَأَنا غُلَام " جملَة اسمية وَقعت
حَالا وَفِيه أَشَارَ سُفْيَان إِلَى قدم طلبه وَأَنه
كَانَ فِي سنّ الصبى يناظر شُيُوخه ويباحثهم قَوْله "
وَمَا يدْرِي أهل مَكَّة " بِضَم الْيَاء وَأهل مَكَّة
كَلَام إضافي مَنْصُوب بِهِ قَوْله " أَنهم " أَي أهل
مَكَّة يروون هَذَا الحَدِيث عَن جَابر بن عبد الله رَضِي
الله تَعَالَى عَنهُ قَوْله " قَالَ سُفْيَان " أَي قَالَ
بِالْإِسْنَادِ الْمَذْكُور قَوْله " إِنَّمَا أردْت " أَي
إِنَّمَا كَانَ الْحَامِل لي على قولي ليحيى بن سعيد أَنهم
يروون عَن جَابر أَن جَابِرا من أهل الْمَدِينَة فَرجع
الحَدِيث إِلَى أهل الْمَدِينَة قَوْله " قيل لِسُفْيَان "
بِلَفْظ قيل هُوَ عَليّ بن عبد الله الْمَذْكُور فِي أول
الحَدِيث وَلَكِن لم يعرف الْقَائِل من هُوَ قَوْله "
وَلَيْسَ فِيهِ " أَي فِي هَذَا الحَدِيث قَوْله " قَالَ
لَا " أَي لَيْسَ فِيهِ نهي عَن بيع الثَّمر حَتَّى
يَبْدُو صَلَاحه وَإِن كَانَ هُوَ صَحِيحا من رِوَايَة
غَيره
(بَاب تَفْسِير الْعَرَايَا)
أَي هَذَا بَاب فِي بَيَان تَفْسِير الْعَرَايَا وَهُوَ
جمع عَارِية وَقد استقصينا الْكَلَام فِي هَذَا الْبَاب
فِي بَاب بيع الزَّبِيب بالزبيب (وَقَالَ مَالك الْعرية
أَن يعري الرجل الرجل النَّخْلَة ثمَّ يتَأَذَّى
بِدُخُولِهِ عَلَيْهِ فَرخص لَهُ أَن يَشْتَرِيهَا مِنْهُ
بِتَمْر) مَالك هُوَ ابْن أنس صَاحب الْمَذْهَب قَوْله "
أَن يعرى " بِضَم الْيَاء من الإعراء وَهُوَ الْإِعْطَاء
يُقَال عروت الرجل إِذا أَتَيْته تسأله معروفه " فأعراه "
أَي أعطَاهُ فالرجل الأول مَرْفُوع لِأَنَّهُ فَاعل
وَالرجل الثَّانِي مَنْصُوب لِأَنَّهُ مفعول وَقَوله "
النَّخْلَة " مَنْصُوب أَيْضا على المفعولية قَوْله "
بِتَمْر " بِالتَّاءِ الْمُثَنَّاة من فَوق وَهَذَا
التَّعْلِيق وَصله ابْن عبد الْبر من طَرِيق ابْن وهب عَن
مَالك وروى الطَّحَاوِيّ من طَرِيق ابْن نَافِع عَن مَالك
أَن الْعرية النَّخْلَة للرجل فِي حَائِط غَيره وَكَانَت
الْعَادة أَنهم يخرجُون بأهلهم فِي وَقت الثِّمَار إِلَى
الْبَسَاتِين فَيكْرَه صَاحب النّخل الْكثير دُخُول الآخر
عَلَيْهِ فَيَقُول أَنا أُعْطِيك بخرص نخلتك تَمرا فَرخص
لَهُ فِي ذَلِك (وَقَالَ ابْن إِدْرِيس الْعرية لَا تكون
إِلَّا بِالْكَيْلِ من التَّمْر يدا بيد لَا يكون بالجزاف
وَمِمَّا يقويه قَول سهل ابْن أبي حثْمَة بالأوسق الموسقة)
ابْن إِدْرِيس هَذَا هُوَ عبد الله الأودي الْكُوفِي كَذَا
قَالَه ابْن التِّين وَعَلِيهِ الْأَكْثَرُونَ وَتردد ابْن
بطال فِيهِ وَجزم الْمزي فِي
(11/305)
التَّهْذِيب بِأَنَّهُ الشَّافِعِي حَيْثُ
قَالَ هَذَا الْكَلَام كُله قَول مُحَمَّد بن إِدْرِيس
الشَّافِعِي رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ وَأَن لَهُ هَذَا
الْموضع فِي صَحِيح مُحَمَّد بن إِسْمَاعِيل البُخَارِيّ
وَمَوْضِع آخر فِي كتاب الزَّكَاة وَكَلَام ابْن بطال يدل
على أَن قَوْله وَمِمَّا يقويه إِلَى آخِره من كَلَام
البُخَارِيّ لَا من كَلَام ابْن إِدْرِيس وَقَالَ ابْن
بطال هَذَا إِجْمَاع فَلَا يحْتَاج إِلَى تَقْوِيَة وَلم
يَأْتِ ذكر الأوساق الموسقة إِلَّا فِي حَدِيث مَالك عَن
دَاوُد بن الْحصين وَفِي حَدِيث جَابر من رِوَايَة ابْن
إِسْحَق لَا فِي رِوَايَة ابْن أبي حثْمَة وَإِنَّمَا
يرْوى عَن سهل من قَوْله من رِوَايَة اللَّيْث عَن جَعْفَر
بن أبي ربيعَة عَن الْأَعْرَج قَالَ سَمِعت سهل بن أبي
حثْمَة قَالَ لَا يُبَاع التَّمْر فِي رُؤْس النّخل
بالأوسق الموسقة إِلَّا أوسق ثَلَاثَة أَو أَرْبَعَة أَو
خَمْسَة فيأكلها النَّاس وَهِي الْمُزَابَنَة قَوْله " لَا
يكون إِلَّا بِالْكَيْلِ " أَي لَا بُد أَن يكون مَعْلُوم
الْقدر إِذْ لَا بُد من الْعلم بالمساواة قَوْله " يدا بيد
" أَي لَا بُد من التَّقَابُض فِي الْمجْلس قَوْله "
بالجزاف " بِضَم الْجِيم وَفتحهَا وَكسرهَا وَهُوَ مُعرب
كزاف قَوْله " وَمِمَّا يقويه " أَي وَمِمَّا يُقَوي
كَلَام ابْن إِدْرِيس بِأَنَّهُ لَا يكون جزَافا قَول سهل
بن أبي حثْمَة يَعْنِي فِي كَونه مَكِيلًا مَعْلُوم
الْمِقْدَار قَوْله " بالأوسق " جمع وسق جمع قلَّة وَقَوله
" الموسقة " تَأْكِيد كَقَوْلِه تَعَالَى {والقناطير
المقنطرة} وكقول النَّاس آلَاف مؤلفة (وَقَالَ ابْن
إِسْحَاق فِي حَدِيثه عَن نَافِع عَن ابْن عمر رَضِي الله
عَنْهُمَا كَانَت الْعَرَايَا أَن يعري الرجل الرجل فِي
مَاله النَّخْلَة والنخلتين) أَي قَالَ مُحَمَّد بن
إِسْحَاق بن يسَار صَاحب الْمَغَازِي وَحَدِيثه عَن نَافِع
وَصله التِّرْمِذِيّ قَالَ حَدثنَا هناد حَدثنَا عَبدة عَن
مُحَمَّد بن إِسْحَاق عَن نَافِع عَن ابْن عمر عَن زيد بن
ثَابت أَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ
- نهى عَن المحاقلة والمزابنة إِلَّا أَنه قد أذن لأهل
الْعَرَايَا أَن يبيعوها بِمثل خرصها انْتهى وَأما
تَفْسِيره فوصله أَبُو دَاوُد عَنهُ قَالَ حَدثنَا هناد
حَدثنَا عَبدة عَن ابْن إِسْحَق قَالَ الْعَرَايَا أَن يهب
الرجل للرجل النخلات فَيشق عَلَيْهِ أَن يقوم عَلَيْهَا
فيبيعها بِمثل خرصها (وَقَالَ يزِيد عَن سُفْيَان بن
حُسَيْن الْعَرَايَا نخل كَانَت توهب للْمَسَاكِين فَلَا
يَسْتَطِيعُونَ أَن ينتظروا بهَا رخص لَهُم أَن يبيعوها
بِمَا شاؤا من التَّمْر) يزِيد من الزِّيَادَة هُوَ ابْن
هرون الوَاسِطِيّ أحد الْأَعْلَام وسُفْيَان بن حُسَيْن
الوَاسِطِيّ من أَتبَاع التَّابِعين قَوْله " أَن ينتظروا
بهَا " أَي جذاذها وَالْجُمْهُور على أَنه بعكس هَذَا
قَالُوا كَانَ سَبَب الرُّخْصَة أَن الْمَسَاكِين الَّذين
مَا كَانَ لَهُم نخلات وَلَا نقود يشْتَرونَ بهَا الرطب
وَقد فضل من قوتهم التَّمْر كَانُوا وعيالهم يشتهون الرطب
فَرخص لَهُم فِي شِرَاء الرطب بِالتَّمْرِ وَهَذَا
التَّعْلِيق وَصله الإِمَام أَحْمد فِي حَدِيث سُفْيَان بن
حُسَيْن عَن الزُّهْرِيّ عَن سَالم عَن أَبِيه عَن زيد بن
ثَابت مَرْفُوعا فِي الْعَرَايَا قَالَ سُفْيَان بن
حُسَيْن فَذكره وَحكى عَن الشَّافِعِي أَنه قيد الْعرية
بالمساكين محتجا بِحَدِيث سُفْيَان بن حُسَيْن هَذَا
وَهُوَ اخْتِيَار الْمُزنِيّ وَأنْكرهُ الشَّيْخ أَبُو
حَامِد نَقله عَن الشَّافِعِي قيل لَعَلَّ مُسْتَند
الشَّافِعِي مَا ذكره فِي اخْتِلَاف الحَدِيث عَن مَحْمُود
بن لبيد قَالَ قلت لزيد بن ثَابت مَا عراياكم هَذِه قَالَ
فلَان وَأَصْحَابه شكوا إِلَى رَسُول الله - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَن الرطب يحضر وَلَيْسَ
عِنْدهم ذهب وَلَا فضَّة يشْتَرونَ بهَا مِنْهُ وَعِنْدهم
فضل تمر من قوت سنتهمْ فَرخص لَهُم أَن يشتروا الْعَرَايَا
بِخرْصِهَا من التَّمْر يأكلونها رطبا
137 - (حَدثنَا مُحَمَّد قَالَ أخبرنَا عبد الله بن
الْمُبَارك قَالَ أخبرنَا مُوسَى بن عقبَة عَن نَافِع عَن
ابْن عمر عَن زيد بن ثَابت رَضِي الله عَنْهُم أَن رَسُول
الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - رخص فِي
الْعَرَايَا أَن تبَاع بِخرْصِهَا كَيْلا)
(11/306)
مُحَمَّد وَقع كَذَا غير مَنْسُوب فِي
رِوَايَة الْأَكْثَرين وَوَقع فِي رِوَايَة أبي ذَر
حَدثنَا مُحَمَّد بن مقَاتل أَبُو الْحسن الْمروزِي
المجاور بِمَكَّة وَهُوَ من أَفْرَاده وَعبد الله هُوَ
ابْن الْمُبَارك الْمروزِي ومُوسَى بن عقبَة بِضَم الْعين
وَسُكُون الْقَاف ابْن أبي عَيَّاش الْأَسدي الْمَدِينِيّ
وَقد مر الْكَلَام فِيهِ فِي بَاب بيع الزَّبِيب بالزبيب
قَوْله " كَيْلا " نصب على التَّمْيِيز أَي من حَيْثُ
الْكَيْل (قَالَ مُوسَى بن عقبَة والعرايا نخلات
مَعْلُومَات تأتيها فتشتريها) هَذَا تَفْسِيره للعرايا
قَالَ الْكرْمَانِي كَيفَ صَحَّ كَلَامه تَفْسِيرا للعرايا
وَهُوَ صَادِق على كل مَا يُبَاع فِي الدُّنْيَا من
النخلات بِأَيّ غَرَض كَانَ قلت غَرَضه بَيَان أَنَّهَا
مُشْتَقَّة من عروت إِذا أتيت وترددت إِلَيْهِ لَا من
العرى بِمَعْنى التجرد انْتهى قلت وَتَبعهُ بَعضهم بل أَخذ
مِنْهُ بقوله لَعَلَّه أَرَادَ أَن يبين أَنَّهَا
مُشْتَقَّة من عروت إِلَى آخِره نَحْو مَا قَالَه
الْكرْمَانِي قلت هَذَا تَوْجِيه بعيد جدا فَأَي شَيْء من
كَلَامه هَذَا يُوضح أَن غَرَضه بَيَان الِاشْتِقَاق
وَيُمكن أَن يُقَال أَنه اخْتَصَرَهُ للْعلم بِهِ (كمل
الْجُزْء الْحَادِي عشر من عُمْدَة الْقَارِي شرح صَحِيح
الإِمَام البُخَارِيّ قدس الله سره وَهُوَ أول العقد
الثَّانِي ويتلوه إِن شَاءَ الله تَعَالَى الْجُزْء
الثَّانِي عشر ومطلعه (بَاب بيع الثِّمَار) نَسْأَلهُ
سُبْحَانَهُ التَّوْفِيق لإتمامه على هَذَا الْوَجْه
الْحسن وَمَا ذَلِك على الله بعزيز)
(11/307)
58 - (بابُ بَيْعِ الثِّمَارِ قَبْلَ أنْ
يبْدُو صَلاَحُهَا)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان حكم بيع الثِّمَار، بِكَسْر
الثَّاء الْمُثَلَّثَة، حمع ثَمَرَة بِفَتْح الْمِيم:
وَهُوَ يتَنَاوَل الرطب وَغَيره. قَوْله: (قبل أَن
يَبْدُو) ، بِنصب الْوَاو أَي: قبل أَن يظْهر، وَلَا يهمز
كَمَا ذَكرْنَاهُ عَن قريب، وَإِنَّمَا لم يجْزم بِحكم
الْمَسْأَلَة بِالنَّفْيِ أَو بالإثبات لقُوَّة الْخلاف
فِيهَا بَين الْعلمَاء، فَقَالَ ابْن أبي ليلى
وَالثَّوْري: لَا يجوز بيع الثَّمَرَة قبل أَن يَبْدُو
صَلَاحهَا مُطلقًا، وَمن نقل فِيهِ الْإِجْمَاع فقدوهم،
وَقَالَ يزِيد بن أبي حبيب: يجوز مُطلقًا، وَلَو شَرط
التبقية. وَمن نقل فِيهِ الْإِجْمَاع أَيْضا فقد وهم.
وَقَالَ الشَّافِعِي وَأحمد وَمَالك فِي رِوَايَة: إِن
شَرط الْقطع لم يبطل وإلاَّ بَطل. وَقَالَت الْحَنَفِيَّة:
يَصح إِن لم يشْتَرط التبقية، وَالنَّهْي مَحْمُول على بيع
الثِّمَار قبل أَن يُوجد أصلا. وَقيل: هُوَ على ظَاهره،
لَكِن النَّهْي فِيهِ للتنزيه، وَقد ذكرنَا مَذْهَب
أَصْحَابنَا وَمذهب مخالفيهم فِي: بَاب بيع الْمُزَابَنَة،
بدلائلهم.
3912 - وَقَالَ اللَّيْثُ عنْ أبِي الزِّنادِ كانَ عُرْوَة
بنُ الزُّبَيْرِ يُحَدِّثُ عنْ سَهْلِ بنِ أبِي حَثْمَةَ
الأنْصَارِيِّ منْ بَنِي حارِثَةَ أنَّهُ حَدَّثَهُ عنْ
زَيْدِ بنِ ثابِتٍ رَضِي الله تَعَالَى عنهُ قَالَ كانَ
النَّاسُ فِي عَهْد رسولِ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
يَتَبَايَعُونَ الثِّمارَ فإذَا جَذَّ النَّاس وحَضَرَ
تَقاضيهِمْ قَالَ المُبْتَاعُ إنَّهُ أصَابَ الثَّمَرَ
الدُّمَّانُ أصَابَهُ مُرَاضٌ أصَابَهُ قُشَامٌ عاهَات
يَحْتَجُّونَ بِها فَقَالَ رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم لَمَّا كَثُرَتْ عِنْدَهُ الخُصُومَةُ فِي ذالِكَ
فإمَّا لاَ فَلاَ تَتَبايَعُوا حَتَّى يَبْدُو صلاَحُ
الثَّمَرِ كالمَشُورَةِ يُشِيرُ بِهَا لِكَثْرَةِ
خُصُومَتِهِمْ قَالَ وأخْبرنِي خارِجَةُ ابنُ زَيْدِ بنِ
ثابِتٍ أنَّ زيْدَ بنَ ثَابِتٍ لَمْ يَكُنْ يَبِيعُ ثِمارَ
أرْضِهِ حَتَّى تَطْلُعَ الثرَيَّا فيَتَبَيَّنَ الأصْفَرُ
مِنَ الأحْمَرِ.
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (فَلَا تتبايعوا حَتَّى
يَبْدُو صَلَاح الثَّمر) ، وَاللَّيْث هُوَ ابْن سعد،
وَأَبُو الزِّنَاد، بِكَسْر الزَّاي وَتَخْفِيف النُّون:
هُوَ عبد الله بن ذكْوَان، وَهَذَا كَمَا رَأَيْت غير
مَوْصُول.
وَأخرجه أَبُو دَاوُد: حَدثنَا أَحْمد بن صَالح، قَالَ:
حَدثنَا عَنْبَسَة بن خَالِد، قَالَ: حَدثنِي يُونُس،
قَالَ: سَأَلت أَبَا الزِّنَاد عَن بيع الثَّمر قبل أَن
يَبْدُو صَلَاحه، وَمَا ذكر فِي ذَلِك، فَقَالَ: كَانَ
عُرْوَة بن الزبير يحدث عَن سهل بن أبي حثْمَة عَن زيد بن
ثَابت، قَالَ: كَانَ النَّاس يتبايعون الثِّمَار قبل أَن
يَبْدُو صَلَاحهَا، فَإِذا جذ النَّاس وَحضر تقاضيهم قَالَ
الْمُبْتَاع: قد أصَاب الثَّمر الدمَان وأصابه قشام وأصابه
مراض، عاهات يحتجون بهَا، فَلَمَّا كثرت خصومتهم عِنْد
(12/2)
النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ
رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، كالمشورة يُشِير
بهَا: فَأَما لَا، فَلَا تتبايعوا الثَّمر حَتَّى يَبْدُو
صَلَاحه، لِكَثْرَة خصومتهم وَاخْتِلَافهمْ. وَأخرجه
الْبَيْهَقِيّ أَيْضا فِي (سنَنه) مَوْصُولا. وَأخرجه
الطَّحَاوِيّ فِي معرض الْجَواب عَن الْأَحَادِيث الَّتِي
فِيهَا النَّهْي عَن بيع الثِّمَار حَتَّى يَبْدُو
صَلَاحهَا، الَّتِي احتجت بهَا الشَّافِعِيَّة والمالكية
والحنابلة، حَيْثُ قَالُوا: لَا يجوز بيع الثِّمَار فِي
رُؤُوس النّخل حَتَّى تحمر أَو تصفر. فَقَالَ
الطَّحَاوِيّ: وَقد قَالَ قوم: إِن النَّهْي الَّذِي كَانَ
من رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن بيع الثِّمَار
حَتَّى يَبْدُو صَلَاحهَا لم يكن مِنْهُ تَحْرِيم ذَلِك،
وَلكنه على المشورة مِنْهُ عَلَيْهِم، لِكَثْرَة مَا
كَانُوا يختصمون إِلَيْهِ فِيهِ. وَرووا فِي ذَلِك عَن زيد
بن ثَابت حَدثنَا مُحَمَّد بن عبد الله بن عبد الحكم،
قَالَ: حَدثنَا أَبُو زرْعَة وهب الله عَن يُونُس بن زيد،
قَالَ: قَالَ أَبُو الزِّنَاد: كَانَ عُرْوَة بن الزبير
يحدث عَن سهل بن أبي حثْمَة الْأنْصَارِيّ أَنه أخبرهُ أَن
زيد بن ثَابت كَانَ يَقُول: كَانَ النَّاس فِي عهد رَسُول
الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يتبايعون الثِّمَار، فَإِذا
جذ النَّاس وَحضر تقاضيهم، قَالَ الْمُبْتَاع: إِنَّه
أصَاب الثَّمر العفن والدمان، وأصابه مراق، قَالَ أَبُو
جَعْفَر: الصَّوَاب هُوَ مراق، وأصابه قشام، عاهات يحتجون
بهَا، والقشام: شَيْء يُصِيبهُ حَتَّى لَا يرطب. قَالَ:
فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، لما كثرت
عِنْده الْخُصُومَة فِي ذَلِك: فَلَا تتبايعوا حَتَّى
يَبْدُو صَلَاح الثَّمر، كالمشورة يُشِير بهَا لِكَثْرَة
خصومتهم، فَدلَّ مَا ذكرنَا أَن أول مَا روينَا فِي أول
هَذَا الْبَاب عَن رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم،
من نَهْيه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن بيع الثِّمَار
حَتَّى يَبْدُو صَلَاحهَا إِنَّمَا كَانَ على هَذَا
الْمَعْنى لَا على مَا سواهُ.
ذكر مَعْنَاهُ: قَوْله: (من بني حَارِثَة) ، بِالْحَاء
الْمُهْملَة والثاء الْمُثَلَّثَة، وَفِي هَذَا
الْإِسْنَاد رِوَايَة تَابِعِيّ عَن مثله عَن صَحَابِيّ
عَن مثله، وَالْأَرْبَعَة مدنيون. قَوْله: (فِي عهد رَسُول
الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم) أَي: فِي زَمَنه وأيامه.
قَوْله: (فَإِذا جذ النَّاس) ، بِالْجِيم والذال
الْمُعْجَمَة الْمُشَدّدَة أَي: فَإِذا قطعُوا ثَمَر
النّخل، وَمِنْه الْجذاذ، وَهُوَ الْمُبَالغَة فِي
الْأَمر، كَذَا فِي الرِّوَايَة: جذ، على صِيغَة الثلاثي
وَفِي رِوَايَة ابْن ذَر عَن الْمُسْتَمْلِي والسرخسي:
أجذ، بِزِيَادَة ألف على صِيغَة الثلاثي الْمَزِيد فِيهِ.
وَمثله، قَالَ النَّسَفِيّ: وَقَالَ ابْن التِّين أَكثر
الرِّوَايَات: أجذ، قَالَ: وَمَعْنَاهُ دخلُوا فِي زمن
الْجذاذ، مثل أظلم دخل فِي الظلام، وَفِي (الْمُحكم) : جذ
النّخل يجذه جذا وجذاذا وجذاذا: صرمه. قَوْله: (تقاضيهم) ،
بالضاد الْمُعْجَمَة، يُقَال: تقاضيت ديني وبديني
واستقضيته: طلبت قَضَاهُ. قَوْله: (قَالَ الْمُبْتَاع) ،
أَي: المُشْتَرِي، وَهُوَ من الصِّيَغ الَّتِي يشْتَرك
فِيهَا الْفَاعِل وَالْمَفْعُول، وَالْفرق بِالْقَرِينَةِ.
قَوْله: (الدمَان) ، بِفَتْح الدَّال الْمُهْملَة
وَتَخْفِيف الْمِيم ضَبطه أَبُو عبيد، وَضبط الْخطابِيّ
بِضَم أَوله، وَقَالَ عِيَاض: هما صَحِيحَانِ، وَالضَّم
رِوَايَة الْقَابِسِيّ وَالْفَتْح رِوَايَة السَّرخسِيّ،
قَالَ: وَرَوَاهَا بَعضهم بِالْكَسْرِ، وَذكره أَبُو عبيد
عَن ابْن أبي الزِّنَاد بِلَفْظ: الإدمان، زَاد فِي أَوله
الْألف، وَفتحهَا وَفتح الدَّال، وَفَسرهُ أَبُو عبيد
بِأَنَّهُ فَسَاد الطّلع وتعفنه وسواده، وَقَالَ
الْأَصْمَعِي: الدمال، بِاللَّامِ العفن. وَقَالَ
الْقَزاز: الدمَان فَسَاد النّخل قبل إِدْرَاكه،
وَإِنَّمَا يَقع ذَلِك فِي الطّلع يخرج قلب النَّخْلَة
أسود معفونا، وَوَقع فِي رِوَايَة يُونُس: الدمار، بالراء
بدل النُّون وَهُوَ تَصْحِيف، قَالَه عِيَاض، وَوَجهه
غَيره بِأَنَّهُ أَرَادَ الْهَلَاك، كَأَنَّهُ قَرَأَهُ
بِفَتْح أَوله. وَفِي (التَّلْوِيح) : وَعند أبي دَاوُد
فِي رِوَايَة ابْن داسة: الدمار، بالراء كَأَنَّهُ ذهب
إِلَى الْفساد المهلك لجميعه الْمَذْهَب لَهُ، وَقَالَ
الْخطابِيّ: لَا معنى لَهُ. وَقَالَ الْأَصْمَعِي: الدمال،
بِاللَّامِ فِي آخِره: التَّمْر المتعفن، وَزعم بَعضهم
أَنه فَسَاد التَّمْر وعفنه قبل إِدْرَاكه حَتَّى تسود من
الدمن، وَهُوَ السرقين، وَالَّذِي فِي (غَرِيب)
الْخطابِيّ، بِالضَّمِّ، وَكَأَنَّهُ الْأَشْبَه، لِأَن
مَا كَانَ من الأدواء والعاهات فَهُوَ بِالضَّمِّ: كالسعال
والزكام والصداع. قَوْله: (أَصَابَهُ مراض) ، كَذَا هُوَ
بِضَم الْمِيم عِنْد الْأَكْثَر، قَالَه الْخطابِيّ،
لِأَنَّهُ اسْم لجَمِيع الْأَمْرَاض، وَفِي رِوَايَة
الْكشميهني والنسفي: مراض بِكَسْر الْمِيم، ويروى:
أَصَابَهُ مرض. قَوْله: (قشام) ، بِضَم الْقَاف وَتَخْفِيف
الشين الْمُعْجَمَة، قَالَ الْأَصْمَعِي: هُوَ أَن ينتفض
ثَمَر النّخل قبل أَن يصير بلحا. وَقيل: هُوَ أكال يَقع
فِي الثَّمر، وَقَالَ الطَّحَاوِيّ فِي رِوَايَته: والقشام
شَيْء يُصِيبهُ حَتَّى لَا يرطب. قَوْله: (أَصَابَهُ
ثَالِثا) ، بدل من أَصَابَهُ ثَانِيًا. وَهُوَ بدل من
الأول. قَوْله: (عاهات) ، مَرْفُوع على أَنه خبر مُبْتَدأ
مَحْذُوف: تَقْدِيره، هَذِه الْأُمُور الثَّلَاثَة عاهات،
أَي: آفَات وأمراض، وَهُوَ جمع عاهة، وَأَصلهَا عوهة قلبت
الْوَاو ألفا لتحركها وانفتاح مَا قبلهَا، وَذكره
الْجَوْهَرِي فِي الأجوف الواوي، وَقَالَ: العاهة الآفة،
يُقَال: عيه الزَّرْع وإيف، وَأَرْض معيوهة، وأعاه
الْقَوْم: أَصَابَت ماشيتهم العاهة. وَقَالَ الْأمَوِي:
أَعوه الْقَوْم، مثله. قَوْله: (يحتجون بهَا) ، قَالَ
الْكرْمَانِي: جمع لفظ: يحتجون، نظرا إِلَى أَن لفظ
الْمُبْتَاع جنس
(12/3)
صَالح للقليل وَالْكثير انْتهى. قلت: فِيهِ
نظر لَا يخفى، وَإِنَّمَا جمعه بِاعْتِبَار الْمُبْتَاع
وَمن مَعَه من أهل الْخُصُومَات بِقَرِينَة قَوْله:
يتبايعون. قَوْله: (فَأَما لَا) ، أَصله: فَإِن لَا تتركوا
هَذِه الْمُبَايعَة، فزيدت كلمة: مَا، للتوكيد، وأدغمت
النُّون فِي الْمِيم وَحذف الْفِعْل. وَقَالَ الجواليقي:
الْعَوام يفتحون الْألف وَالصَّوَاب كسرهَا، وَأَصله: أَن
لَا يكون كَذَلِك الْأَمر فافعل هَذَا، و: مَا، زَائِدَة
وَعَن سِيبَوَيْهٍ: أفعل هَذَا إِن كنت لَا تفعل غَيره،
لكِنهمْ حذفوا لِكَثْرَة استعمالهم إِيَّاه. وَقَالَ ابْن
الْأَنْبَارِي: دخلت: مَا، صلَة كَقَوْلِه عز وَجل:
{فإمَّا تَرين من الْبشر أحدا} (مَرْيَم: 62) . فَاكْتفى:
بِلَا، من الْفِعْل كَمَا تَقول الْعَرَب: من سلم عَلَيْك
فَسلم عَلَيْهِ وَمن لَا، يَعْنِي: وَمن لَا يسلم عَلَيْك
فَلَا تسلم عَلَيْهِ، فَاكْتفى، بِلَا، من الْفِعْل
وَأَجَازَ: من أكرمني أكرمته، وَمن لَا. . مَعْنَاهُ: من
لَا يكرمني لم أكْرمه، وَقد أمالت الْعَرَب: لَا، إمالة
خَفِيفَة، والعوام يشبعون إمالتها فَتَصِير ألفها يَاء،
وَهُوَ خطأ وَمَعْنَاهُ: إِن لم يكن هَذَا فَلْيَكُن
هَذَا، قيل: وَإِنَّمَا يجوز إمالتها لتضمنها الْجُمْلَة،
وإلاَّ فَالْقِيَاس أَن لَا تمال الْحُرُوف. وَقَالَ
التَّيْمِيّ: قد تكْتب: لَا، هَذِه بلام وياء وَتَكون:
لَا، ممالة، وَمِنْهُم من يَكْتُبهَا بِالْألف وَيجْعَل
عَلَيْهَا فَتْحة محرفة عَلامَة للإمالة، فَمن كتب
بِالْيَاءِ تبع لفظ الإمالة، وَمن كتب بِالْألف تبع أصل
الْكَلِمَة. قَوْله: (حَتَّى يَبْدُو صَلَاح الثَّمر) ،
صَلَاح الثَّمر هُوَ أَن يصير إِلَى الصّفة الَّتِي يطْلب
كَونه على تِلْكَ الصّفة. وَهُوَ بِظُهُور النضج والحلاوة
وَزَوَال العفوصة وبالتموه واللين وبالتلون وبطيب الْأكل،
وَقيل: هُوَ بِطُلُوع الثريا، وهما متلازمان. قَوْله:
(كالمشورة) ، بِفَتْح الْمِيم وَضم الشين الْمُعْجَمَة
وَسُكُون الْوَاو على وزن فعولة، وَيُقَال بِسُكُون الشين
وَفتح الْوَاو على وزن مفعلة. وَقَالَ ابْن سَيّده: هِيَ
مفعلة لَا مفعولة لِأَنَّهَا مصدر، والمصادر لَا تَجِيء
على مِثَال مفعولة، وَقَالَ الْفراء: مشورة قَليلَة، وَزعم
صَاحب الثقيف والحريري فِي آخَرين: أَن تسكين الشين فتح
الْوَاو مِمَّا لحن فِيهِ الْعَامَّة، وَلَكِن الْفراء
نَقله، وَهِي مُشْتَقَّة من شرث الْعَسَل إِذا اجتنيته،
فَكَانَ المستشير يجتني الرَّأْي من المشير، وَقيل: أَخذ
من قَوْلك: شرت الدَّابَّة، إِذا أجريتها مقبلة ومدبرة
لتسبر جريها وتختبر جوهرها، فَكَانَ المستشير يسْتَخْرج
الرَّأْي الَّذِي عِنْد المشير، وكلا الإشتقاقين مُتَقَارب
مَعْنَاهُ من الآخر، وَالْمرَاد بِهَذِهِ المشورة: أَن لَا
يشتروا شَيْئا حَتَّى يتكامل صَلَاح جَمِيع هَذِه
الثَّمَرَة لِئَلَّا تجْرِي مُنَازعَة.
قَوْله: (وَأَخْبرنِي) أَي: قَالَ أَبُو الزِّنَاد:
وَأَخْبرنِي خَارِجَة بن زيد بن ثَابت، وَإِنَّمَا قَالَ
بِالْوَاو عطفا على كَلَامه السَّابِق، وخارجة بِالْخَاءِ
الْمُعْجَمَة وَالْجِيم هُوَ أحد الْفُقَهَاء السَّبْعَة.
قَوْله: (حَتَّى تطلع الثريا) ، وَهُوَ مصغر الثروي،
وَصَارَ علما للنجم الْمَخْصُوص، وَالْمعْنَى: حَتَّى تطلع
مَعَ الْفجْر، وَقد روى أَبُو دَاوُد من طَرِيق عَطاء عَن
أبي هُرَيْرَة مَرْفُوعا: إِذا طلع النَّجْم صباحا رفعت
العاهة عَن كل بلد، وَفِي رِوَايَة أبي حنيفَة عَن عَطاء:
رفعت العاهة من الثِّمَار والنجم هُوَ الثريا، وطلوعها
صباحا يَقع فِي أول فصل الصَّيف، وَذَلِكَ عِنْد اشتداد
الْحر فِي بِلَاد الْحجاز وَابْتِدَاء نضج الثِّمَار،
وَالْمُعْتَبر فِي الْحَقِيقَة النضج وطلوع النَّجْم
عَلامَة لَهُ، وَقد بَينه فِي الحَدِيث بقوله: ويتبين
الْأَصْفَر من الْأَحْمَر.
قَالَ أَبُو عَبْدِ الله رَوَاهُ عَلِيُّ بنُ بَحْرٍ.
قَالَ حَدثنَا حَكَّامٌ قَالَ حدَّثنا عَنْبَسَة عنْ
زَكَرِيَّاءَ عنْ أبِي الزِّنادِ عنْ عُرْوَةَ عنْ سَهْلٍ
عنْ زَيْدٍ
أَبُو عبد الله هُوَ البُخَارِيّ، رَحمَه الله تَعَالَى.
قَوْله: (رَوَاهُ) ، أَي: روى الحَدِيث الْمَذْكُور عَليّ
بن بَحر ضد الْبر الْقطَّان الرَّازِيّ وَهُوَ أحد شُيُوخ
البُخَارِيّ، مَاتَ سنة أَربع وَثَلَاثِينَ وَمِائَتَيْنِ،
وحكام، على وزن فعال بِالتَّشْدِيدِ للْمُبَالَغَة: ابْن
سلم، بِفَتْح السِّين الْمُهْملَة وَسُكُون اللَّام،
وَهُوَ أَيْضا رازي، توفّي سنة تسعين وَمِائَة، وعنبسة،
بِفَتْح الْعين الْمُهْملَة وَسُكُون النُّون وَفتح
الْبَاء الْمُوَحدَة وَالسِّين الْمُهْملَة: ابْن سعيد بن
ضريس، بالضاد الْمُعْجَمَة مصغر ضرس كُوفِي، ولي قَضَاء
الرّيّ فَعرف بالرازي، وَلَيْسَ لعنبسه هَذَا فِي
البُخَارِيّ سوى هَذَا الْموضع الْمَوْقُوف، كَذَا لشيخه
زَكَرِيَّا بن خَالِد الرَّازِيّ، وَلَا يعرف لَهُ راوٍ
غير عَنْبَسَة، وَأَبُو الزِّنَاد عبد الله ابْن ذكْوَان،
وَعُرْوَة هُوَ ابْن الزبير بن الْعَوام، وَسَهل هُوَ ابْن
أبي حثْمَة، وَزيد هُوَ ابْن ثَابت الْأنْصَارِيّ.
وَقد روى أَبُو دَاوُد حَدِيث الْبَاب من طَرِيق عَنْبَسَة
بن خَالِد عَن يُونُس بن يزِيد، قَالَ: سَأَلت أَبَا
الزِّنَاد عَن بيع الثَّمر قبل أَن يَبْدُو صَلَاحه وَمَا
ذكر فِي ذَلِك؟ فَقَالَ: كَانَ عُرْوَة بن الزبير يحدث عَن
سهل بن أبي حثْمَة عَن زيد بن ثَابت، قَالَ: كَانَ النَّاس
يتبايعون الثِّمَار قبل أَن يَبْدُو صَلَاحهَا ...
الحَدِيث، فَذكره نَحْو حَدِيث الْبَاب، وعنبسة بن خَالِد
هَذَا غير عَنْبَسَة بن سعيد فَافْهَم.
(12/4)
4912 - حدَّثنا عَبْدُ الله بنُ يُوسفَ
قَالَ أخبرنَا مالِك عنْ نافِعٍ عنْ عَبْدِ الله بنِ عُمرَ
رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا أنَّ رسولَ الله صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم نَهى عنْ بَيْعِ الثِّمارِ حتَّى يَبْدو
صلاَحُها نَهَى الْبَائِعَ والْمُبْتاعَ. .
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. والْحَدِيث أخرجه مُسلم
وَأَبُو دَاوُد جَمِيعًا بِإِسْنَاد مثل إِسْنَاد
البُخَارِيّ.
قَوْله: (نهى عَن بيع الثِّمَار) ، وَذَلِكَ لِأَنَّهُ لَا
يُؤمن أَن تصيبها آفَة فتتلف فيضيع مَال صَاحبه. قَوْله:
(نهى البَائِع) ، لِأَنَّهُ يُرِيد أكل المَال
بِالْبَاطِلِ، وَنهى الْمُبْتَاع أَي: المُشْتَرِي
لِأَنَّهُ يُوَافقهُ على حرَام، وَلِأَنَّهُ بصدد تَضْييع
لمَاله. وَفِيه أَيْضا: قطع النزاع والتخاصم. وَمُقْتَضى
الحَدِيث جَوَاز بيعهَا بعد بَدو الصّلاح مُطلقًا، سَوَاء
شَرط الْإِبْقَاء أَو لم يشْتَرط، لِأَن مَا بعد الْغَايَة
مُخَالف لما قبلهَا، وَقد جعل النَّهْي ممتدا إِلَى غَايَة
بَدو الصّلاح، وَالْمعْنَى فِيهِ: أَن يُؤمن فِيهَا العاهة
وتغلب السَّلامَة فيثق المُشْتَرِي بحصولها بِخِلَاف مَا
قبل بَدو الصّلاح، فَإِنَّهُ بصدد الْغرَر.
وَاخْتلف السّلف فِي قَوْله: (حَتَّى يَبْدُو صَلَاحهَا)
هَل المُرَاد مِنْهُ جنس الثِّمَار؟ حَتَّى لَو بدا
الصّلاح فِي بُسْتَان من الْبَلَد مثلا جَازَ بيع ثَمَرَة
جَمِيع الْبَسَاتِين، وَإِن لم يبد الصّلاح فِيهَا أَو لَا
بُد من بَدو الصّلاح فِي كل بُسْتَان على حِدة؟ أَو لَا
بُد من بَدو الصّلاح فِي كل جنس على حِدة؟ أَو فِي كل
شَجَرَة على حِدة؟ على أَقْوَال. وَالْأول: قَول اللَّيْث،
وَهُوَ عِنْد الْمَالِكِيَّة بِشَرْط أَن يكون الصّلاح
متلاحقا. وَالثَّانِي: قَول أَحْمد، وَعنهُ فِي رِوَايَة
كالرابع، وَالثَّالِث: قَول الشَّافِعِيَّة. قلت: هَذَا
كُله غير مُحْتَاج إِلَيْهِ عِنْد الْحَنَفِيَّة.
5912 - حدَّثنا ابْن مُقاتِلٍ قَالَ أخبرنَا عَبْدُ الله
قَالَ أخبرنَا حُمَيْدٌ الطَّويلُ عنْ أنَسٍ رَضِي الله
تَعَالَى عنهُ أنَّ رسولَ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
نَهىَ أنْ تُباعَ ثَمَرَةُ النَّخْلِ حَتَّى تَزْهُوَ.
قَالَ أبُو عَبْدِ الله يَعْنِي حَتَّى تَحْمَرَّ. .
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة، وَابْن مقَاتل هُوَ
مُحَمَّد بن مقَاتل، بِكَسْر التَّاء الْمُثَنَّاة من
فَوق: أَبُو الْحسن الْمروزِي، وَعبد الله هُوَ ابْن
الْمُبَارك الْمروزِي، وَهَذَا الحَدِيث من أَفْرَاده.
قَوْله: (ثَمَرَة النّخل) ، ذكر النّخل لَيْسَ بِقَيْد،
وَإِنَّمَا ذكره لكَونه الْغَالِب عِنْدهم. قَوْله:
(حَتَّى تزهو) ، قَالَ ابْن الْأَعرَابِي: زها النّخل يزهو
إِذا ظَهرت ثَمَرَته، وأزهي إِذا احمر واصفر. وَقَالَ
غَيره: يزهو خطأ، وَإِنَّمَا يُقَال: يزهي، وَقد
حَكَاهُمَا أَبُو زيد الْأنْصَارِيّ، وَقَالَ الْخَلِيل:
أزهي الثَّمر. وَفِي (الْمُحكم) : الزهو والزهو، الْبُسْر
إِذا ظَهرت فِيهِ الْحمرَة، وَقيل: إِذا لون، واحدته زهوة،
وأزهي النّخل وزهي: تلون بحمرة وصفرة. وَقَالَ الْخطابِيّ:
الصَّوَاب فِي الْعَرَبيَّة يزهى، وَقَالَ الْقُرْطُبِيّ:
هَل حَدِيث الْبَاب وَغَيره يدل على التَّحْرِيم أَو
الْكَرَاهَة؟ فبالأول قَالَ الْجُمْهُور، وَإِلَى
الثَّانِي صَار أَبُو حنيفَة.
قَوْله: (قَالَ أَبُو عبد الله) ، هُوَ البُخَارِيّ نَفسه،
فسر لفظ: تزهو، بقوله: تحمر. قيل: رِوَايَة
الْإِسْمَاعِيلِيّ تشعر بِأَن قَائِل ذَلِك هُوَ عبد الله
بن الْمُبَارك، فَإِذا صَحَّ هَذَا يكون لفظ: أَبُو،
زَائِدا ليبقى: قَالَ عبد الله، وَيكون المُرَاد بِهِ: عبد
الله بن الْمُبَارك أحد رُوَاة الحَدِيث الْمَذْكُور.
6912 - حدَّثنا مُسَدَّدٌ قَالَ حَدثنَا يَحْيَى بنُ
سَعِيدٍ عنْ سَليمِ بنِ حَيَّانَ قَالَ حدَّثنا سَعِيدُ
بنُ مِيناءَ قَالَ سَمِعْتُ جابِرَ بنَ عَبْدِ الله رَضِي
الله تَعَالَى عنهُما قَالَ نِهىَ النبيُّ صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم أنْ تُباعَ الثَّمَرَةُ حَتَّى تُشَقِّحَ
فَقِيلَ وَمَا تُشَقِّحُ قَالَ تحمارُّ وتصْفَارُّ
ويُؤْكَلُ مِنْها.
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. وَيحيى بن سعيد الْقطَّان،
وسليم، بِفَتْح السِّين الْمُهْملَة وَكسر اللَّام: ابْن
حَيَّان من الْحَيَاة وَسَعِيد بن ميناء بِكَسْر الْمِيم
وَسُكُون الْيَاء آخر الْحُرُوف وبالنون ممدودا ومقصورا،
تقدم فِي: بَاب التَّكْبِير على الْجِنَازَة.
والْحَدِيث أخرجه مُسلم فِي الْبيُوع أَيْضا عَن عبد الله
بن هِشَام. وَأخرجه أَبُو دَاوُد فِيهِ عَن أبي بكر بن
مُحَمَّد بن خَلاد الْبَاهِلِيّ عَن يحيى.
قَوْله: (حَتَّى تشقح) ، بِضَم أَوله وَسُكُون ثَانِيه،
قَالَ بَعضهم: من أشقح يشقح إشقاحا إِذا احمر أَو اصفر،
والإسم الشقحة، بِضَم الشين الْمُعْجَمَة وَسُكُون الْقَاف
بعْدهَا حاء مُهْملَة. وَقَالَ الْكرْمَانِي: التشقح تغير
اللَّوْن إِلَى الصُّفْرَة أَو الْحمرَة، والشقحة لون خلص
فِي الْحمرَة. انْتهى. قلت: هَذَا كَمَا ترى جعله بَعضهم
من بَاب الْأَفْعَال، وَجعله الْكرْمَانِي من بَاب
التفعيل. وَقَالَ ابْن
(12/5)
الْأَثِير: نهى عَن بيع الثَّمر حَتَّى
تشقح، هُوَ أَن يحمر أَو يصفر، يُقَال: أشقحت البسرة وشقحت
إشقاحا وتشقيحا، وَالِاسْم الشقحة. قَوْله: (قيل: مَا
تشقح؟ . .) إِلَى آخِره هَذَا التَّفْسِير من قَول سعيد بن
ميناء رَاوِي الحَدِيث، بيَّن ذَلِك أَحْمد فِي رِوَايَته
لهَذَا الحَدِيث عَن بهز بن أَسد عَن سليم بن حَيَّان أَنه
هُوَ الَّذِي سَأَلَ سعيد بن ميناء عَن ذَلِك فَأَجَابَهُ
بذلك، وَكَذَلِكَ أخرجه مُسلم من طَرِيق بهز، قَالَ:
حَدثنَا سليم بن حَيَّان حَدثنَا سعيد بن ميناء عَن جَابر
بن عبد الله، قَالَ: نهى رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم، عَن الْمُزَابَنَة والمحاقلة وَالْمُخَابَرَة وَعَن
بيع الثَّمَرَة حَتَّى تشقح. قَالَ: قلت لسَعِيد: مَا
تشقح؟ قَالَ: تحمار وتصفار ويؤكل مِنْهَا. وَأخرجه
الْإِسْمَاعِيلِيّ من طَرِيق عبد الرَّحْمَن بن مهْدي عَن
سليم بن حَيَّان، فَقَالَ فِي رِوَايَته: قلت لجَابِر: مَا
تشقح ... ؟ الحَدِيث. قلت: هَذَا يدل على أَن السَّائِل
عَن ذَلِك هُوَ سعيد بن ميناء وَالَّذِي فسره هُوَ جَابر.
قَوْله: (تحمار وتصفار) ، كِلَاهُمَا من بَاب الافعيلال من
الثلاثي الَّذِي زيدت فِيهِ الْألف والتضعيف لِأَن
أَصلهمَا: حمر وصفر. وَقَالَ الْخطابِيّ: أَرَادَ
بالإحمرار والإصفرار ظُهُور أَوَائِل الْحمرَة والصفرة قبل
أَن يشْبع، وَإِنَّمَا يُقَال: تفعال من اللَّوْن الْغَيْر
المتمكن. قلت: فِيهِ نظر، لأَنهم إِذا أَرَادوا فِي لفظ
حمر مُبَالغَة يَقُولُونَ: احمرَّ فيزيدون على أصل
الْكَلِمَة الْألف والتضعيف، ثمَّ إِذا أَرَادوا
الْمُبَالغَة فِيهِ يَقُولُونَ: إحمارَّ، فيزيدون فِيهِ
أَلفَيْنِ والتضعيف، واللون الْغَيْر المتمكن هُوَ الثلاثي
الْمُجَرّد، أَعنِي: حمر، فَإِذا تمكن يُقَال: احمر،
وَإِذا ازْدَادَ فِي التَّمَكُّن يُقَال: احمار، لِأَن
الزِّيَادَة تدل على التكثير وَالْمُبَالغَة. وَقَالَ
بَعضهم: وَإِنَّمَا يُقَال: يفعال، فِي اللَّوْن الْغَيْر
المتمكن إِذا كَانَ يَتلون، وَأنكر هَذَا بعض أهل
اللُّغَة، وَقَالَ: لَا فرق بَين يحمر ويحمار. انْتهى.
قلت: قَائِل هَذَا مَا مس شَيْئا من علم الصّرْف،
وَالتَّحْقِيق فِيهِ مَا ذَكرْنَاهُ.
68 - (بابُ بَيْعِ النَّخْلِ قَبْلَ أنْ يَبْدُو
صَلاَحُها)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان حكم بيع ثَمَر النّخل، وَقَالَ
بَعضهم: هَذِه التَّرْجَمَة معقودة لحكم بيع الْأُصُول
وَالَّتِي قبلهَا لحكم بيع الثِّمَار انْتهى. قلت: هَذَا
كَلَام فَاسد غير صَحِيح، بل كل من الترجمتين معقودة لبيع
الثِّمَار: أما التَّرْجَمَة الأولى فَهِيَ قَوْله: بَاب
فِي بيع الثِّمَار قبل أَن يَبْدُو صَلَاحهَا، وَلم يذكر
فِيهِ النّخل ليشْمل ثمار جَمِيع الْأَشْجَار المثمرة،
وَهَهُنَا ذكر النّخل، وَالْمرَاد ثَمَرَته وَلَيْسَ
المُرَاد عين النّخل، لِأَن بيع عين النّخل لَا يحْتَاج
أَن يُقيد ببدو الصّلاح أَو بِعَدَمِهِ، ألاَ ترى فِي
الحَدِيث يَقُول: وَعَن النّخل حَتَّى تزهو، والزهو صفة
الثَّمَرَة لَا صفة عين النّخل، وَالتَّقْدِير عَن: ثَمَر
النّخل، فَافْهَم.
7912 - حدَّثني عَلِيُّ بنُ الْهَيْثَمِ قَالَ حدَّثنا
مُعَلَّى حدَّثنا هُشَيْمٌ قَالَ أخبرنَا حُمَيْدٌ قَالَ
حدَّثنا أنَسْ بنُ مالِكٍ رَضِي الله تَعَالَى عنهُ عنِ
النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أنَّهُ نَهىَ عنْ بَيْعِ
الثَّمَرَةِ حتَّى يَبْدُو صَلاَحُها وعنِ النَّخْلِ
حَتَّى يَزْهُو قِيلَ وَمَا يَزْهُو قَالَ يحْمَارُّ
ويصْفَارُّ. .
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (وَعَن النّخل) ، أَي:
وَعَن ثَمَر النّخل كَمَا ذكرنَا. وَعلي بن الْهَيْثَم،
بِفَتْح الْهَاء وَسُكُون الْيَاء آخر الْحُرُوف وبالثاء
الْمُثَلَّثَة: الْبَغْدَادِيّ، وَهُوَ من أَفْرَاده،
وَمعلى، بِضَم الْمِيم وَفتح الْعين الْمُهْملَة وَتَشْديد
اللَّام الْمَفْتُوحَة: ابْن مَنْصُور الرَّازِيّ
الْحَافِظ، طلبوه على الْقَضَاء فَامْتنعَ، مَاتَ سنة
إِحْدَى عشرَة وَمِائَتَيْنِ، وَهُوَ من كبار شُيُوخ
البُخَارِيّ، وَإِنَّمَا روى عَنهُ فِي (الْجَامِع)
بِوَاسِطَة. وهشيم، بِضَم الْهَاء وَفتح الشين
الْمُعْجَمَة: ابْن بشير الوسطي مر فِي التَّيَمُّم.
والْحَدِيث من أَفْرَاده.
قَوْله: (حَدثنِي) ، وَفِي بعض النّسخ: حَدثنَا عَليّ.
قَوْله: (وَعَن النّخل) ، أَي: عَن بيع ثَمَر النّخل،
وَهَذَا لَيْسَ بتكرار، لِأَن المُرَاد بقوله: نهى عَن بيع
الثَّمَرَة غير ثَمَر النّخل، بِقَرِينَة عطفه عَلَيْهِ،
وَلِأَن الزهو مَخْصُوص بالرطب، وَالْبَاقِي قد شرح عَن
قريب، وَلم يسم السَّائِل عَن ذَلِك فِي هَذِه الرِّوَايَة
وَلَا المسؤول، وَسَيَأْتِي بعد خَمْسَة أَبْوَاب: عَن
حميد بِرِوَايَة إِسْمَاعِيل بن جَعْفَر عَنهُ، وَفِيه:
قُلْنَا لأنس: مَا زهوها؟ قَالَ: تحمر.
(12/6)
78 - (بابٌ إذَا باعَ الثِّمَارَ قَبْلَ
أنْ يَبْدُو صَلاَحُهَا ثُمَّ أصَابَتْهُ عَاهَةٌ فَهْوَ
مِنَ البَائِعِ)
أَي: هَذَا بَاب يذكر فِيهِ إِذا بَاعَ شخص الثِّمَار قبل
بَدو صَلَاحهَا ثمَّ أَصَابَته عاهة أَي: آفَة، فَهُوَ من
البَائِع أَي: من مَال البَائِع، وَالْفَاء جَوَاب: إِذا،
لتضمن معنى الشَّرْط، فَهَذَا يدل على أَن البُخَارِيّ
قَائِل بِصِحَّة هَذَا البيع، وَإِن لم يبد صَلَاحه،
لِأَنَّهُ: إِذا لم يفْسد فَالْبيع صَحِيح.
8912 - حدَّثنا عَبْدُ الله بنُ يُوسُفَ قَالَ أخبرنَا
مالِكُ عنْ حُمَيْدٍ عنْ أنَسِ بنِ مالِكٍ رَضِي الله
تَعَالَى عنهُ أنَّ رسولَ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
نَهَى عنْ بَيْعِ الثِّمَارِ حَتَّى تُزْهِيَ فَقِيلَ لَهُ
ومَا تُزْهِيَ قَالَ حَتَّى تَحْمَرَّ فَقَالَ أرأيْتَ
إذَا منَعَ الله الثَّمَرَةَ بِمَ يأخُذْ أحدُكُمْ مالَ
أخِيهِ. .
مطابقته للتَّرْجَمَة تُؤْخَذ من قَوْله) إِن منع الله
الثَّمَرَة. . إِلَى آخِره، لِأَن الثَّمَرَة إِذا أصابتها
آفَة وَلم يقبضهَا المُشْتَرِي تكون من ضَمَان البَائِع،
فَإِذا قبضهَا المُشْتَرِي فَهُوَ من مَال المُشْتَرِي.
وَفِي هَذَا الْبَاب أَقْوَال للْعُلَمَاء وتفصيل، فَقَالَ
ابْن قدامَة فِي (الْمُغنِي) : الْكَلَام فِي هَذِه
الْمَسْأَلَة على وُجُوه.
الأول: أَن مَا تهلكه الْجَائِحَة من الثِّمَار من ضَمَان
البَائِع فِي الْجُمْلَة، وَبِهَذَا قَالَ أَكثر أهل
الْمَدِينَة، مِنْهُم: يحيى بن سعيد الْأنْصَارِيّ وَمَالك
وَأَبُو عبيد وَجَمَاعَة من أهل الحَدِيث. الثَّانِي: أَن
الْجَائِحَة كل آفَة لَا صنع للآدمي فِيهَا: كَالرِّيحِ
وَالْبرد وَالْجَرَاد والعطش. الثَّالِث: أَن ظَاهر
الْمَذْهَب أَنه: لَا فرق بَين قَلِيل الْجَائِحَة
وكثيرها، إلاَّ أَن مَا جرت الْعَادة بِتَلف مثله كالشيء
الْيَسِير الَّذِي لَا يَنْضَبِط فَلَا يلْتَفت إِلَيْهِ.
وَقَالَ أَحْمد: إِنِّي لَا أَقُول فِي عشرَة ثَمَرَات
وَعشْرين ثَمَرَة لَا أَدْرِي مَا الثُّلُث؟ وَلَكِن إِذا
كَانَت جَائِحَة فَوق الثُّلُث أَو الرّبع أَو الْخمس
تُوضَع، وَمِنْه رِوَايَة أُخْرَى: إِن مَا كَانَ دون
الثُّلُث فَهُوَ من ضَمَان المُشْتَرِي، وَبِه قَالَ مَالك
وَالشَّافِعِيّ فِي الْقَدِيم، لِأَنَّهُ لَا بُد أَن
يَأْكُل الطَّائِر مِنْهَا وينثر الرّيح وَيسْقط مِنْهَا،
فَلم يكن بُد من ضَابِط وحد فاصل بَين هَذَا وَبَين
الْجَائِحَة، وَالثلث قد رَأينَا الشَّرْع اعْتَبرهُ فِي
مَوَاضِع مِنْهَا: الْوَصِيَّة وعطايا الْمَرِيض، إِذا
ثَبت هَذَا فَإِنَّهُ إِذا تلف شَيْء لَهُ قدر خَارج عَن
الْعَادة وضع من الثّمن بِقدر الذَّاهِب، وَإِن تلف
الْجَمِيع بَطل العقد وَيرجع المُشْتَرِي بِجَمِيعِ
الثّمن، وَإِن تلف الْبَعْض وَكَانَ الثُّلُث فَمَا زَاد
وضع بِقسْطِهِ من الثّمن، وَإِن كَانَ دونه لم يرجع
بِشَيْء، وَإِن اخْتلفَا فِي الْجَائِحَة أَو فِي قدر مَا
أتلفت فَالْقَوْل قَول البَائِع، لِأَن الأَصْل
السَّلامَة. انْتهى.
وَقَالَ جُمْهُور السّلف وَالثَّوْري وَأَبُو حنيفَة
وَأَبُو يُوسُف وَمُحَمّد وَالشَّافِعِيّ فِي الْجَدِيد
وَأَبُو جَعْفَر الطَّبَرِيّ وَدَاوُد وَأَصْحَابه: مَا
ذهب من الثَّمر الْمَبِيع الَّذِي أَصَابَته جَائِحَة من
شَيْء، سَوَاء كَانَ قَلِيلا أَو كثيرا بعد قبض
المُشْتَرِي إِيَّاه، فَهُوَ ذَاهِب من مَال المُشْتَرِي،
وَالَّذِي ذهب فِي يَد البَائِع قبل قبض المُشْتَرِي
فَذَاك يبطل الثّمن عَن المُشْتَرِي.
ذكر مَعْنَاهُ: قَوْله: (حَتَّى تزهى) ، بِضَم التَّاء من
الإذهاء. قَالَ الْخطابِيّ: هَذِه الرِّوَايَة هِيَ
الصَّوَاب، وَلَا يُقَال فِي النّخل: يزهو، وَإِنَّمَا
يُقَال: يزهى، لَا غير، ورد عَلَيْهِ غَيره فَقَالَ: زهى
إِذا طَال واكتمل، وأزهى إِذا احمر واصفر. قَوْله: (فَقيل
لَهُ: وَمَا تزهى؟) لم يسم السَّائِل فِي هَذِه
الرِّوَايَة وَلَا المسؤول أَيْضا، وَقد رَوَاهُ
النَّسَائِيّ من طَرِيق عبد الرَّحْمَن بن الْقَاسِم عَن
مَالك بِلَفْظ: قيل. يَا رَسُول الله! وَمَا تزهى؟ قَالَ:
حَتَّى تحمرَّ، وَهَكَذَا أخرجه الطَّحَاوِيّ من طَرِيق
يحيى بن أَيُّوب وَأَبُو عوَانَة من طَرِيق سُلَيْمَان
ابْن بِلَال، كِلَاهُمَا عَن حميد، وَظَاهره الرّفْع،
وَرَوَاهُ إِسْمَاعِيل بن جَعْفَر وَغَيره عَن حميد
مَوْقُوفا على أنس، كَمَا مضى فِي الْبَاب الَّذِي قبله.
قَوْله: (فَقَالَ) ، أَي: رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم، ويروى: فَقَالَ رَسُول الله أَرَأَيْت أَي
أَخْبرنِي؟ قَالَ أهل البلاغة: هُوَ من بَاب الْكِنَايَة،
حَيْثُ استفهم وَأَرَادَ الْأَمر. قَوْله: (إِذا منع الله
الثَّمَرَة) إِلَى آخِره، هَكَذَا صرح مَالك بِرَفْع هَذِه
الْجُمْلَة، وَتَابعه مُحَمَّد ابْن عباد عَن
الدَّرَاورْدِي عَن حميد مُقْتَصرا على هَذِه الْجُمْلَة
الْأَخِيرَة، وَجزم الدَّارَقُطْنِيّ وَغير وَاحِد من
الْحفاظ بِأَنَّهُ أَخطَأ فِيهِ، وَبِذَلِك جزم ابْن أبي
حَاتِم فِي (الْعِلَل) عَن أَبِيه وَأبي زرْعَة،
وَالْخَطَأ فِي رِوَايَة عبد الْعَزِيز من مُحَمَّد بن
عباد، فقد رَوَاهُ إِبْرَاهِيم ابْن حَمْزَة عَن
الدَّرَاورْدِي كَرِوَايَة إِسْمَاعِيل بن جَعْفَر الْآتِي
ذكرهَا، وَرَوَاهُ مُعْتَمر بن سُلَيْمَان وَبشر بن
الْمفضل عَن حميد
(12/7)
فَقَالَ فِيهِ: قَالَ: أَفَرَأَيْت ... إِلَى آخِره،
قَالَ: فَلَا أَدْرِي أنس قَالَ بِمَ يسْتَحل أَو حدث بِهِ
عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم؟ أخرجه الْخَطِيب
فِي (المدرج) وَرَوَاهُ إِسْمَاعِيل بن جَعْفَر عَن حميد
فعطفه على كَلَام أنس فِي تَفْسِير قَوْله: تزهى، وَظَاهره
الْوَقْف. وَأخرجه الجوزقي من طَرِيق زيد بن هَارُون
والخطيب من طَرِيق أبي خَالِد الْأَحْمَر، كِلَاهُمَا عَن
حميد بِلَفْظ، قَالَ: أَرَأَيْت إِن منع الله الثَّمَرَة
... الحَدِيث وَرَوَاهُ ابْن الْمُبَارك وهشيم، كَا تقدم
آنِفا عَن حميد، فَلم يذكرَا هَذَا الْقدر الْمُخْتَلف
فِيهِ، وتابعهما جمَاعَة من أَصْحَاب حميد عَنهُ على
ذَلِك، قيل: وَلَيْسَ فِي جَمِيع مَا تقدم مَا يمْنَع أَن
يكون التَّفْسِير مَرْفُوعا، لِأَن مَعَ الَّذِي رَفعه
زِيَادَة علم عَن مَا عِنْد الَّذِي وَقفه، وَلَيْسَ فِي
رِوَايَة الَّذِي وَقفه مَا يَنْفِي قَول من رَفعه.
قَوْله: (بِمَ يَأْخُذ أحدكُم مَال أَخِيه؟) أَي: بِأَيّ
شَيْء يَأْخُذ أحدكُم مَال أَخِيه إِذا تلف الثَّمر،
لِأَنَّهُ إِذا تلف الثَّمر لَا يبْقى للْمُشْتَرِي فِي
مُقَابلَة مَا دفع شَيْء، فَيكون أَخذ البَائِع
بِالْبَاطِلِ، ويروى: بِمَ يسْتَحل أحدكُم مَال أَخِيه
وَفِيه إِجْرَاء الحكم على الْغَالِب لِأَن تطرق التّلف
إِلَى مَا بدا صَلَاحه مُمكن، وَعدم تطرقه إِلَى مَا لم
يبد صَلَاحه مُمكن، فأنيط الحكم فِي الْغَالِب فِي
الْحَالين.
9912 - قَالَ اللَّيْثُ حدَّثني يُونُسُ عنِ ابنِ شِهَابٍ
قَالَ لَوْ أنَّ رجُلاً ابْتَاعَ تَمْرا قَبْلَ أنْ
يَبْدُو صَلاَحُهُ ثُمَّ أصابَتْهُ عاهَةٌ كانَ مَا
أصَابَهُ عَلى رَبِّهِ قَالَ أخبرنِي سالِمُ بنُ عَبْدِ
الله عنِ ابنِ عُمَرَ رَضِي الله تَعَالَى عنهُما أنَّ
رسولَ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ لاَ
تَتَبَايَعُوا الثَّمَرَ حَتَّى يَبْدُو صَلاَحُهَا ولاَ
تَبِيعُوا الثَّمَرَ بالتَّمْرِ. .
أَشَارَ بِهَذَا التَّعْلِيق عَن اللَّيْث بن سعد عَن
يُونُس بن يزِيد أَن ابْن شهَاب الزُّهْرِيّ استنبط الحكم
المترجم بِهِ من الحَدِيث.
قَوْله: (ابْتَاعَ) ، أَي: اشْترى. قَوْله: (ثمرا) ،
بالثاء الْمُثَلَّثَة. قَوْله: (عاهة) ، أَي: آفَة.
قَوْله: (على ربه) ، أَي: وَاقع على صَاحبه وَهُوَ بَائِعه
مَحْسُوب عَلَيْهِ، وَفهم من هَذَا أَن الزُّهْرِيّ أطلق
كَلَامه وَلم يفصل هَل كَانَ حُصُول العاهة قبل قبض
المُشْتَرِي أَو بعده، فمذهب الْحَنَفِيَّة بالتفصيل كَمَا
ذَكرْنَاهُ عَن قريب وَقبض المُشْتَرِي الثِّمَار فِي
رُؤُوس النّخل يكون بِالتَّخْلِيَةِ بِأَن يخلى البَائِع
بَين المُشْتَرِي وَبَينهَا وإمكانه إِيَّاه مِنْهَا.
قَوْله: (أَخْبرنِي) من كَلَام الزُّهْرِيّ فَإِنَّهُ
قَالَ: أَخْبرنِي سَالم بن عبد الله بن عمر عَن أَبِيه عبد
الله: أَن رَسُول اللهصلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: لَا
تتبايعوا الثَّمر ... إِلَى آخِره، فَكَأَن الزُّهْرِيّ
استنبط مَا قَالَه من عُمُوم النَّهْي، وَقد مضى هَذَا
فِي: بَاب بيع الْمُزَابَنَة، فَإِنَّهُ قَالَ: حَدثنَا
يحيى بن بكير حَدثنَا اللَّيْث عَن عقيل عَن ابْن شهَاب
أَخْبرنِي سَالم بن عبد الله عَن عبد الله بن عمر: أَن
رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: (لَا
تَبِيعُوا الثَّمر حَتَّى يَبْدُو صَلَاحهَا، وَلَا
تَبِيعُوا الثَّمر بِالتَّمْرِ. .) الحَدِيث. وَقد مر
الْكَلَام فِيهِ هُنَاكَ. قَوْله: (لَا تَبِيعُوا الثَّمر)
بالثاء الْمُثَلَّثَة وَفتح الْمِيم. قَوْله:
(بِالتَّمْرِ) ، بِالتَّاءِ الْمُثَنَّاة من فَوق وَسُكُون
الْمِيم، وَقَالَ الْكرْمَانِي: هَذَا عَام خصص بالعرايا.
قلت: قد ذكرنَا فِيمَا مضى أَن هَذَا الْعَام على عُمُومه،
وَأَن بيع الْعَرَايَا حكم مُسْتَقل بِذَاتِهِ لَا يحْتَاج
إِلَى شَيْء ليخرج من عُمُوم الحَدِيث الْمَذْكُور. |