عمدة القاري شرح
صحيح البخاري 88 - (بابُ شِرَاءِ الطَّعَامِ إِلَى
أجَلٍ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان حكم شِرَاء الطَّعَام إِلَى
أجل.
0022 - حدَّثنا عُمَرُ بنُ حَفصِ بنِ غِياثٍ قَالَ حدَّثنا
أبِي قَالَ حدَّثنا الأعْمَشُ قَالَ ذَكَرْنا عِنْدَ
إبْرَاهِيمَ الرَّهْنَ فِي السَّلَفِ فَقَالَ ل اَ بَأسَ
بِهِ ثُمَّ حَدثنَا عنِ الأسْوَدِ عَن عائِشَةَ رَضِي الله
تَعَالَى عَنْهَا أنَّ النبيَّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
اشْتَرَى طَعاما مِنْ يَهُودِيٍّ إِلَى إجَلٍ فَرَهَنَهُ
دِرْعَهُ. .
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (اشْترى طَعَاما من
يَهُودِيّ إِلَى أجل) وَهَذَا الحَدِيث مضى فِي: بَاب
شِرَاء النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِالنَّسِيئَةِ،
فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ: عَن مُعلى بن أَسد عَن عبد
الْوَاحِد عَن الْأَعْمَش، وَهُوَ سُلَيْمَان. وَهنا
أخرجه: عَن عمر بن حَفْص عَن أَبِيه حَفْص بن غياث عَن
الْأَعْمَش، وَإِبْرَاهِيم هوالنخعي. قَوْله: (فِي السّلف)
أَي: السّلم، وَقد مر الْكَلَام فِيهِ هُنَاكَ مستقصىً.
(12/8)
98 - (بابٌ إذَا أرادَ بَيْعَ تَمْرٍ
بِتَمْرٍ خَيْر مِنْهُ)
أَي: هَذَا بَاب يذكر فِيهِ إِذا أَرَادَ الشَّخْص بيع تمر
بِتَمْر خير من ثمره، وَكِلَاهُمَا بِالتَّاءِ
الْمُثَنَّاة من فَوق وَسُكُون الْمِيم، وَجَوَاب: إِذا،
مَحْذُوف تَقْدِيره: مَاذَا يضع حَتَّى يسلم من الرِّبَا؟
2022 - حدَّثنا قُتَيْبَةُ عنْ مالِكٍ عنْ عَبْدِ
المَجِيدِ بن سُهَيْلِ بنِ عبْدِ الرَّحْمانِ عنْ سَعِيدِ
ابنِ المُسَيَّبِ عنْ أبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ وعنْ أبِي
هُرَيْرَةَ رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا أنَّ رسولَ الله
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم اسْتَعْمَلَ رجُلاً عَلَى
خَيْبَرَ فجاءَهُ بِتَمْرٍ جِنيبٍ فَقَالَ رسولُ الله صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم أكُلُّ تَمْر خَيْبَرَ هَكَذَا قَالَ
لاَ وَالله يَا رسولَ الله إنَّا لَنَأخُذُ الصَّاعَ مِنْ
هَذَا بالصَّاعَيْنِ بالثَّلاثَةِ فَقَالَ رسولُ الله صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم لاَ تَفْعَلْ بِعْ الجَمْعَ
بالدَّرَاهِمُ ثُمَّ ابْتَعْ بالدَّرَاهِمِ جَنِيبا. .
مطابقته للتَّرْجَمَة تُؤْخَذ من قَوْله: (بِعْ الْجمع
جنيبا) ، فَإِنَّهُ أسلم من الرِّبَا، فَإِن التَّمْر كُله
جنس وَاحِد فَلَا يجوز بيع صَاع مِنْهُ بِصَاع من تمر آخر
إلاَّ سَوَاء بِسَوَاء، فَلَا يجوز بالتفاضل. وَعبد
الْمجِيد بن سُهَيْل مصغر سهل، ضد الصعب ابْن عبد
الرَّحْمَن بن عَوْف الزُّهْرِيّ الْمدنِي، يكنى أَبَا
وهب، وَيُقَال: أَبُو مُحَمَّد.
والْحَدِيث أخرجه البُخَارِيّ فِي الْوكَالَة عَن عبد الله
بن يُوسُف، وَفِي الْمَغَازِي عَن إِسْمَاعِيل بن أبي
أويس، وَفِي نُسْخَة عَن القعْنبِي، ثَلَاثَتهمْ، أَعنِي
قُتَيْبَة وَعبد الله بن يُوسُف وَإِسْمَاعِيل عَن مَالك،
وَأخرجه فِي الِاعْتِصَام عَن إِسْمَاعِيل بن أبي أويس عَن
أَخِيه عَن سُلَيْمَان بن بِلَال، كِلَاهُمَا عَن عبد
الْمجِيد الْمَذْكُور عَنهُ عَن أبي سعيد وَأبي هُرَيْرَة
بِهِ. وَأخرجه مُسلم فِي الْبيُوع عَن القعْنبِي عَن
سُلَيْمَان بن بِلَال بِهِ وَعَن يحيى بن يحيى عَن مَالك
بِهِ، وَأخرجه النَّسَائِيّ فِيهِ عَن مُحَمَّد ابْن
سَلمَة والْحَارث بن مِسْكين، كِلَاهُمَا عَن ابْن
الْقَاسِم عَن مَالك وَعَن نصر بن عَليّ وَإِسْمَاعِيل بن
مَسْعُود، كِلَاهُمَا عَن خَالِد بن الْحَارِث عَن سعيد
عَن قَتَادَة عَنهُ عَن أبي سعيد بِمَعْنَاهُ، وَلم يذكر
أَبَا هُرَيْرَة.
ذكر مَعْنَاهُ: قَوْله: (عَن سعيد بن الْمسيب) ، وَفِي
رِوَايَة سُلَيْمَان بن بِلَال: عَن عبد الْمجِيد أَنه سمع
سعيد بن الْمسيب، أخرجه البُخَارِيّ فِي الِاعْتِصَام.
قَوْله: (عَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ وَعَن أبي هُرَيْرَة) ،
وَفِي رِوَايَة سُلَيْمَان الْمَذْكُور أَن أَبَا سعيد
وَأَبا هُرَيْرَة حَدَّثَاهُ، وَقَالَ ابْن عبد الْبر:
ذِكرُ أبي هُرَيْرَة لَا يُوجد فِي هَذَا الحَدِيث إلاَّ
لعبد الْمجِيد، وَقد رَوَاهُ قَتَادَة عَن سعيد بن الْمسيب
عَن أبي سعيد وَحده، وَكَذَلِكَ رَوَاهُ جمَاعَة من
أَصْحَاب أبي سعيد عَنهُ. قَوْله: (اسْتعْمل رجلا) قيل:
هُوَ سَواد بن غزيَّة، وَقيل: مَالك بن صعصعة، ذكره
الْخَطِيب. قلت: سَواد، بِفَتْح السِّين الْمُهْملَة
وَتَخْفِيف الْوَاو وَفِي آخِره دَال مُهْملَة: ابْن
غزيَّة، بِفَتْح الْغَيْن الْمُعْجَمَة وَكسر الزَّاي
وَتَشْديد الْيَاء آخر الْحُرُوف على وزن عَطِيَّة ابْن
وهب حَلِيف الْأَنْصَار، وَهُوَ الَّذِي أسر يَوْمئِذٍ
خَالِد بن هِشَام وَمَالك بن صعصعة الخزرجي ثمَّ
الْمَازِني. قَوْله: (تمر جنيب) ، بِفَتْح الْجِيم وَكسر
النُّون وَسُكُون الْيَاء آخر الْحُرُوف وَفِي آخِره بَاء
مُوَحدَة، قَالَ مَالك: هُوَ الكبيس، وَقَالَ
الطَّحَاوِيّ: هُوَ الطّيب، وَقيل: الصلب، وَقيل: الَّذِي
أخرج مِنْهُ حشفه ورديئه، وَقَالَ التَّيْمِيّ: هُوَ تمر
غَرِيب غير الَّذِي كَانُوا يعهدونه، وَقَالَ الْخطابِيّ:
هُوَ نوع من التَّمْر، وَهُوَ أَجود تمورهم، وَهُوَ
بِخِلَاف الْجمع بِفَتْح الْجِيم وَسُكُون الْمِيم، وَهُوَ
كل لون من النّخل لَا يعرف اسْمه، وَقيل: هُوَ تمر مختلط
من أَنْوَاع مُتَفَرِّقَة وَلَيْسَ مرغوبا فِيهِ، وَلَا
يخْتَلط إلاَّ لرداءته. قَوْله: (بالصاعين) ، وَفِي
رِوَايَة سُلَيْمَان: بالصاعين من الْجمع، أَي: غير
الصاعين اللَّذين هما عوض الصَّاع الَّذِي هُوَ من الجنيب،
وَكَون الْمعرفَة الْمُعَادَة عين الأول عِنْد عدم
الْقَرِينَة على الْمُغَايرَة، وَهُوَ كَقَوْلِه: {تؤتي
الْملك من تشَاء} (آل عمرَان: 62) . فَإِنَّهُ فِيهِ غير
الأول. قَوْله: (بِالثَّلَاثَةِ) ، كَذَا وَفِي رِوَايَة
القايسي بِالتَّاءِ وَفِي رِوَايَة أكثرين بِالثلَاثِ
بِلَا تَاء وَكِلَاهُمَا جَائِز لِأَن الصَّاع يذكر
وَيُؤَنث قَوْله (لَا تفعل) وَفِي رِوَايَة سُلَيْمَان:
وَلَكِن مثلا بِمثل، أَي: بِعْ الْمثل بِالْمثلِ، وَزَاد
فِي آخِره: وَكَذَلِكَ الْمِيزَان، أَي: فِي بيع مَا يُوزن
من المقتات بِمثلِهِ. قَوْله: (بِعْ الْجمع) ، أَي:
التَّمْر الَّذِي يُقَال لَهُ: (الْجمع بِالدَّرَاهِمِ،
ثمَّ ابتع) أَي: ثمَّ اشترِ بِالدَّرَاهِمِ جنيبا، وَأمره
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بذلك ليَكُون بصفقتين، فَلَا
يدْخلهُ الرِّبَا.
(12/9)
ذكر مَا يُسْتَفَاد مِنْهُ: قَالَ ابْن عبد
الْبر: لَا خلاف بَين أهل الْعلم فِي أَن مَا دخل فِي
الْجِنْس الْوَاحِد من جنس التَّفَاضُل وَالزِّيَادَة لم
تجز فِيهِ الزِّيَادَة، لَا فِي كيل وَلَا فِي وزن،
وَالْوَزْن والكيل فِي ذَلِك سَوَاء عِنْدهم إِلَّا أَن
كَانَ أَصله الْكل لَا يُبَاع إِلَّا كَيْلا وَمَا كَانَ
أَصله الْوَزْن لَا يُبَاع إلاَّ وزنا، وَمَا كَانَ أَصله
الْكَيْل فَبيع وزنا فَهُوَ عِنْدهم مماثلة، وَإِن كَرهُوا
ذَلِك. وَمَا كَانَ مَوْزُونا فَلَا يجوز أَن يُبَاع
كَيْلا عِنْد جَمِيعهم، لِأَن الْمُمَاثلَة لَا تدْرك
بِالْكَيْلِ إلاَّ فِيمَا كَانَ كَيْلا لَا وزنا اتبَاعا
للسّنة، وَأَجْمعُوا أَن الذَّهَب وَالْوَرق والنحاس وَمَا
أشبهه لَا يجوز يَبِيع شىء كُله كَيْلا لكيل يُوَجه من
الْوُجُوه وَالتَّمْر كُله على اخْتِلَاف انواعه جنس
وَاحِد لَا يجوز فِيهِ التَّفَاضُل فِي البيع والمعاوضة،
وَكَذَلِكَ الْبر وَالزَّبِيب، وكل طَعَام مَكِيل، هَذَا
حكم الطَّعَام المقتات عِنْد مَالك. وَعند الشَّافِعِي:
الطَّعَام كُله مقتات أَو غير مقتات، وَعند الْكُوفِيّين:
الطَّعَام الْمكيل وَالْمَوْزُون دون غَيره، وَقد احْتج
بِحَدِيث الْبَاب من أجَاز بيع الطَّعَام من رجل نَقْدا
ويبتاع مِنْهُ طَعَاما قبل الِافْتِرَاق وَبعده، لِأَنَّهُ
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لم يخص فِيهِ بَائِع الطَّعَام
وَلَا مبتاعه من غَيره، وَهُوَ قَول الشَّافِعِي وَأبي
حنيفَة وَأبي ثَوْر، وَلَا يجوز هَذَا عِنْد مَالك.
وَقَالَ ابْن بطال: وَزعم قوم أَن بيع الْعَامِل الصاعين
بالصاع كَانَ قبل نزُول آيَة الرِّبَا، وَقبل إخبارهم
بِتَحْرِيم التَّفَاضُل بذلك، فَلذَلِك لم يَأْمُرهُ
بفسخه. قَالَ: وَهَذِه غَفلَة، لِأَنَّهُ صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم قَالَ فِي غَنَائِم خَيْبَر للسعدين:
أريتما فَردا، وَفتح خَيْبَر مقدم على مَا كَانَ بعد ذَلِك
مِمَّا وَقع فِي ثَمَرهَا وَجَمِيع أمرهَا وَقد احْتج بعض
الشَّافِعِيَّة بِهَذَا الحَدِيث على أَن الْعينَة لَيست
حَرَامًا، يَعْنِي: الْحِيلَة الَّتِي يعملها بَعضهم
توصلاً إِلَى مَقْصُود الرِّبَا، بِأَن يُرِيد أَن
يُعْطِيهِ مائَة دِرْهَم بمائتين، فيبيعه ثوبا بمائتين
ثمَّ يَشْتَرِي مِنْهُ بِمِائَة، وَدَلِيل هَذَا من
الحَدِيث أَن النبيصلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ لَهُ:
بِعْ هَذَا واشتر بِثمنِهِ من هَذَا، وَلم يفرق بَين أَن
يَشْتَرِي من المُشْتَرِي أَو من غَيره، فَدلَّ على أَنه
لَا فرق. وَقَالَ النَّوَوِيّ: وَهَذَا كُله لَيْسَ
بِحرَام عِنْد الشَّافِعِي وَأبي حنيفَة وَآخَرين، وَقَالَ
مَالك وَأحمد: هُوَ حرَام، وَفِي الحَدِيث حجَّة على من
يَقُول: إِن بيع الرِّبَا جَائِز بِأَصْلِهِ من حَيْثُ
إِنَّه بيع مَمْنُوع بوصفه من حَيْثُ هُوَ رَبًّا، فَيسْقط
الرِّبَا وَيصِح البيع. قَالَ الْقُرْطُبِيّ: وَلَو كَانَ
على مَا ذكر لما فسخ رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم، هَذِه الصَّفْقَة، وَلَا أَمر برد الزِّيَادَة على
الصَّاع. وَفِيه: جَوَاز اخْتِيَار طيب الطَّعَام، وَقَالَ
ابْن الْجَوْزِيّ: وَفِي التَّخْيِير لَهُ، صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم، التَّمْر الطّيب وإقرارهم عَلَيْهِ دَلِيل
على أَن النَّفس يرفق بهَا لحقها، وَهُوَ عكس مَا يصنعه
جهال المتزهدين من حملهمْ على أنفسهم مَا لَا يُطِيقُونَ،
جهلا مِنْهُم بِالسنةِ. وَفِيه: جَوَاز الْوكَالَة فِي
البيع وَغَيره. وَفِيه: أَن الْبيُوع الْفَاسِدَة تُرَدُّ.
09 - (بابُ منْ باعَ نَخْلاً قَدْ أُبِرَّتْ أوْ أرْضا
مزْرُوعَةً أوْ بإجَارةٍ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان حكم من بَاعَ نخلا، وَالنَّخْل
اسْم جنس يذكر وَيُؤَنث، وَالْجمع: نخيل. قَوْله: (قد
أُبِرَّت) ، جملَة وَقعت صفة لقَوْله: نخلا، وَهُوَ على
صِيغَة الْمَجْهُول بتَشْديد الْبَاء الْمُوَحدَة من
التَّأْبِير، وَهُوَ التشقيق والتلقيح، وَمَعْنَاهُ: شقّ
طلع النَّخْلَة الْأُنْثَى ليذر فِيهِ شَيْء من طلع
النَّخْلَة الذّكر، قَالَ الْقُرْطُبِيّ: يُقَال: أبرت
النَّخْلَة آبرها، بِكَسْر الْبَاء وَضمّهَا، فَهِيَ:
مأبورة، وإبار كل ثَمَر بِحَسبِهِ، وَبِمَا جرت عَادَتهم
فِيهِ بِمَا يثبت ثمره ويعقده، وَقد يعبر بالتأبير عَن
ظُهُور الثَّمَرَة وَعَن انْعِقَادهَا، وَأَن يفعل فِيهَا
شَيْء. وَقَالَ النَّوَوِيّ: أَبرته آبره أبرا وإبرا
بِالتَّخْفِيفِ كأكلته أكلا. وأبرته بِالتَّشْدِيدِ أُؤبره
تأبيرا، كعلمته أعلمهُ تَعْلِيما، والإبار: شقّ طلع
النَّخْلَة سَوَاء خطّ فِيهِ شَيْء أم لَا، وَلَو تأبرت
بِنَفسِهَا أَي: تشققت فَحكمهَا فِي البيع حكم المؤبرة
بِفعل الْآدَمِيّ. قَوْله: (أَو أَرضًا) أَو بَاعَ أَرضًا
مزروعة. قَوْله: (أَو بِإِجَارَة) ، عطف على: بَاعَ
بِتَقْدِير فعل مُقَدّر تَقْدِيره: أَو أَخذ بِإِجَارَة،
وَجَوَاب: مَن، مَحْذُوف تَقْدِيره: فثمرتها للَّذي أبرها،
وَلم يذكرهُ اكْتِفَاء بِمَا فِي الحَدِيث. قَالَ أبُو
عَبْدِ الله وَقَالَ لِي إبراهِيمُ أخبرنَا هِشامٌ قَالَ
أخبرنَا ابنُ جُرَيْجٍ قَالَ سَمِعْتُ ابنَ أبِي
مُلَيْكَةَ يُخَبِّرُ عنْ نافِعٍ مَوْلَى ابْن عُمَرَ أنَّ
أيَّما نَخْلٍ بِيعَتْ قَدْ أُبِرَّتْ لَمْ يُذْكَر
الثَّمَرُ فالثَّمَرُ لِلَّذِي أبَرَّهَا وكَذَلِكَ
الْعَبْدُ والحَرْثُ سَمَّى لَهُ نافِعٌ هَؤُلاَءِ
الثَّلاَثَ.
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (نخل بِيعَتْ قد أُبرت)
. فَإِن قلت: للتَّرْجَمَة ثَلَاثَة أَجزَاء: الأول: بيع
النّخل المؤبرة. وَالثَّانِي: بيع الأَرْض
(12/10)
المزروعة. وَالثَّالِث: الْإِجَارَة،
فَأَيْنَ مُطَابقَة الحَدِيث لهَذِهِ الْأَجْزَاء؟ قلت:
قَوْله: (نخل بِيعَتْ قد أبرت) مُطَابق للجزى الأول.
وَقَوله: والحرث، هُوَ الزَّرْع مُطَابق للجزء الثَّانِي،
فالزرع للْبَائِع إِذا بَاعَ الأَرْض المزروعة وَيفهم
مِنْهُ أَنه: إِذا آجر أرضه وفيهَا زرع فالزرع لَهُ، وَإِن
كَانَت الْإِجَارَة فَاسِدَة عندنَا فِي ظَاهر
الرِّوَايَة، وَقَالَ خُوَاهَر زَاده: إِن كَانَ الزَّرْع
قد أدْرك جَازَت الْإِجَارَة، وَيُؤمر الْآجر بالحصاد
وَالتَّسْلِيم، فعلى كل حَال فالزرع للمؤجر، وَهَذَا
مُطَابق للجزء الثَّالِث، وَلم أر أحدا من الشُّرَّاح قد
تنبه لهَذَا مَعَ دَعْوَى بَعضهم الدَّعَاوَى العريضة فِي
هَذَا الْفَنّ.
ذكر رِجَاله وهم خَمْسَة: الأول: إِبْرَاهِيم بن يُوسُف ين
يزِيد بن زادان الْفراء، هَكَذَا نسبه فِي (التَّلْوِيح) .
وَقَالَ بَعضهم: إِبْرَاهِيم بن مُوسَى الرَّازِيّ،
وَقَالَ الْمزي: إِبْرَاهِيم بن الْمُنْذر.
إِذا قَالَت حذام فصدقوها!
الثَّانِي: هِشَام بن يُوسُف أَبُو عبد الرَّحْمَن،
وَقَالَ الْمزي: هِشَام هَذَا هُوَ ابْن سُلَيْمَان بن
عِكْرِمَة بن خَالِد بن الْعَاصِ الْقرشِي المَخْزُومِي.
الثَّالِث: عبد الْملك ابْن عبد الْعَزِيز بن جريج.
الرَّابِع: عبيد الله بن عبد الله بن أبي مليكَة، بِضَم
الْمِيم: واسْمه زُهَيْر بن عبد الله. الْخَامِس: نَافِع
مولى ابْن عمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا.
ذكر لطائف إِسْنَاده فِيهِ: الْأَخْبَار بِصِيغَة الْجمع
فِي موضِعين وبصيغة الْإِفْرَاد فِي مَوضِع. وَفِيه:
السماع. وَفِيه: أَن إِبْرَاهِيم رازي وَأَن هشاما صنعاني
قاضيها، وَكَانَ من الْأَبْنَاء، وَأَن ابْن جريج وَابْن
أبي مليكَة مكيان، وَأَن نَافِعًا مدنِي، وَهَذَا الْأَثر
من أَفْرَاده.
ذكر حكمه: أما حكمه أَولا: فَإِنَّهُ ذكر هَذَا عَن
إِبْرَاهِيم الْمَذْكُور على سَبِيل المحاورة والمذاكرة
حَيْثُ قَالَ: قَالَ لي إِبْرَاهِيم، وَلم يقل: حَدثنِي،
وَقد تقدم غير مرّة أَن قَول البُخَارِيّ عَن شُيُوخه
بِهَذِهِ الصِّيغَة يدل على أَنه أَخذه مِنْهُم فِي حَالَة
المذاكرة. وَأما ثَانِيًا: فَإِنَّهُ مَوْقُوف على نَافِع،
لِأَن ابْن جريج رَوَاهُ عَن نَافِع، هَكَذَا مَوْقُوفا.
وَقَالَ أَبُو الْعَبَّاس الطرقي: الصَّحِيح من رِوَايَة
نَافِع مَا اقْتصر عَلَيْهِ فِي هَذَا الحَدِيث من
التَّأْبِير خَاصَّة، قَالَ: وَحَدِيث العَبْد يَعْنِي: من
ابْتَاعَ عبدا وَله مَال فَمَاله للْبَائِع إلاَّ أَن
يشْتَرط الْمُبْتَاع، يذكرهُ عَن ابْن عمر، رَضِي الله
تَعَالَى عَنهُ، قَالَ: وَقد رَوَاهُ عَن نَافِع عبد ربه
بن سعيد وَبُكَيْر بن الْأَشَج، فجمعا بَين الْحَدِيثين
مثل رِوَايَة سَالم وَعِكْرِمَة بن خَالِد فَإِنَّهُمَا
رويا الْحَدِيثين جَمِيعًا عَن ابْن عمر عَن النَّبِي، صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم. وَقَالَ أَبُو عمر: اتّفق نَافِع
وَسَالم عَن ابْن عمر مَرْفُوعا فِي قصَّة النّخل،
وَاخْتلفَا فِي قصَّة العَبْد: رَفعهَا سَالم ووقفها
نَافِع على عمر بن الْخطاب، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ.
وَقَالَ الْبَيْهَقِيّ: وَنَافِع يروي حَدِيث النّخل عَن
ابْن عمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا، عَن النَّبِي،
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَحَدِيث العَبْد عَن ابْن عمر
مَوْقُوفا. قيل: وَحَدِيث الْحَرْث لم يروه غير ابْن جريج،
وَوصل مَالك وَاللَّيْث وَغَيرهمَا عَن نَافِع عَن ابْن
عمر قصَّة النّخل دون غَيرهَا، وَاخْتلف على نَافِع
وَسَالم فِي رفع مَا عدا النّخل، فَرَوَاهُ الزُّهْرِيّ
عَن سَالم عَن أَبِيه مَرْفُوعا فِي قصَّة النّخل
وَالْعَبْد مَعًا، وروى مَالك وَاللَّيْث وَأَيوب وَعبيد
الله بن عمر وَغَيرهم عَن نَافِع عَن ابْن عمر قصَّة
النّخل، وَعَن ابْن عمر عَن عمر قصَّة العَبْد مَوْقُوفَة،
كَذَلِك أخرجه أَبُو دَاوُد من طَرِيق مَالك بالإسنادين
مَعًا.
ذكر مَعْنَاهُ: قَوْله: (أَيّمَا نخل) ، كلمة: أَي، تَجِيء
لمعان خَمْسَة، أَحدهَا: للشّرط نَحْو {أيّا مَا تَدْعُو
فَلهُ الْأَسْمَاء الْحسنى} (الْإِسْرَاء: 11) . وَهنا
كَذَلِك تَقْدِيره: أَي نخل من النخيل بِيعَتْ، فَلذَلِك
دخلت الْفَاء فِي جوابها، وَهُوَ قَوْله: (فالثمر للَّذي
أبرها) ، وَذكر النّخل لَيْسَ بِقَيْد، وَإِنَّمَا ذكر
لأجل أَن سَبَب وُرُود الحَدِيث كَانَ فِي النّخل وَهُوَ
الظَّاهِر، وإمَّا لِأَن الْغَالِب فِي أَشْجَارهم كَانَ
النّخل، وَفِي مَعْنَاهُ كل ثَمَر بارز يرى فِي الشّجر:
كالعنب والتفاح إِذْ أبيع أصُول الشّجر لم تدخل هَذِه
الثِّمَار فِي بيعهَا إلاَّ أَن يشْتَرط. قَوْله:
(بِيعَتْ) ، بِكَسْر الْبَاء على صِيغَة الْمَجْهُول.
قَوْله: (قد أبرت) ، على صِيغَة الْمَجْهُول أَيْضا، وَقعت
حَالا، وَالْجُمْلَة الَّتِي قبلهَا صفة، وَكَذَلِكَ
قَوْله: (لم يذكر الثَّمر) ، جملَة حَالية قيد بهَا
لِأَنَّهُ إِذا ذكر الثَّمر لأحد من الْمُتَعَاقدين فَهُوَ
لَهُ بِمُقْتَضى الشَّرْط. قَوْله: (وَكَذَلِكَ العَبْد) ،
يحْتَمل وَجْهَيْن: أَحدهمَا: إِذا بِيعَتْ الْأُم
الْحَامِل وَلها ولد رَقِيق مُنْفَصِل فَهُوَ للْبَائِع،
وَإِن كَانَ جَنِينا لم يظْهر فَهُوَ للْمُشْتَرِي.
وَالثَّانِي: إِذا بيع العَبْد وَله مَال على مَذْهَب من
يَقُول: إِنَّه يملك فَإِنَّهُ للْبَائِع، وروى مُسلم
قَالَ: حَدثنَا قُتَيْبَة بن سعيد، قَالَ: حَدثنَا لَيْث
عَن ابْن شهَاب عَن سَالم بن عبد الله عَن عبد الله بن
عمر، قَالَ: سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
يَقُول: (من ابْتَاعَ نخلا
(12/11)
قبل أَن تؤبر فثمرتها للَّذي بَاعهَا إلاَّ
أَن يشْتَرط الْمُبْتَاع، وَمن ابْتَاعَ عبدا لَهُ فَمَاله
للَّذي بَاعه إلاَّ أَن يَشْتَرِطه الْمُبْتَاع) . قَوْله:
(والحرث) ، أَي: الزَّرْع فَإِنَّهُ للْبَائِع إِذا بَاعَ
الأَرْض المزروعة. قَوْله: (سمى لَهُ نَافِع) أَي: سمى
لِابْنِ جريج هَؤُلَاءِ الثَّلَاثَة، أَي: التَّمْر
وَالْعَبْد والحرث، وَهُوَ بِتَمَامِهِ مَوْقُوف على
نَافِع.
ذكر مَا يُسْتَفَاد مِنْهُ: وَهُوَ على وُجُوه: الأول:
أَخذ بِظَاهِر هَذَا وبظاهر حَدِيث ابْن عمر الْمَرْفُوع
الَّذِي هُوَ عقيب هَذَا كَمَا يَأْتِي إِن شَاءَ الله
تَعَالَى مَالك وَالشَّافِعِيّ وَاللَّيْث وَأحمد
وَإِسْحَاق، فَقَالُوا: من بَاعَ نخلا قد أبرت وَلم
يشْتَرط ثَمَرَته الْمُبْتَاع فالثمرة للْبَائِع، وَهِي
فِي النّخل متروكة إِلَى الْجذاذ، وعَلى البَائِع السَّقْي
وعَلى المُشْتَرِي تخليته وَمَا يَكْفِيهِ من المَاء،
وَكَذَلِكَ إِذا بَاعَ الثَّمَرَة دون الأَصْل فعلى
البَائِع السَّقْي. وَقَالَ أَبُو حنيفَة: سَوَاء أبرت أَو
لم تؤبر هِيَ للْبَائِع وَللْمُشْتَرِي أَن يُطَالِبهُ
بقلعها عَن النّخل فِي الْحَال، وَلَا يلْزمه أَن يصبر
إِلَى الْجذاذ فَإِن اشْترط البَائِع فِي البيع ترك
الثَّمَرَة إِلَى الْجذاذ فَالْبيع فَاسد. وَقَالَ أَبُو
حنيفَة: تَعْلِيق الحكم بالإبار إمَّا للتّنْبِيه لَهُ على
مَا لم يؤبر، أَو لغير ذَلِك، أَو لم يقْصد بِهِ نفي الحكم
عَمَّا سوى الحكم الْمَذْكُور.
وتلخيص مَأْخَذ اخْتلَافهمْ فِي الحَدِيث أَن أَبَا حنيفَة
اسْتعْمل الحَدِيث لفظا ومعقولاً، وَاسْتَعْملهُ مَالك
وَالشَّافِعِيّ لفظا ودليلا وَلَكِن الشَّافِعِي يسْتَعْمل
دلَالَته من غير تَخْصِيص، ويستعملها مَالك مخصصة.
وَبَيَان ذَلِك أَن أَبَا حنيفَة جعل الثَّمَرَة للْبَائِع
فِي الْحَالين، وَكَأَنَّهُ رأى أَن ذكر الإبار تَنْبِيه
على مَا قبل الإبار، وَهَذَا الْمَعْنى يُسمى فِي
الْأُصُول: مَعْقُول الْخطاب، وَاسْتَعْملهُ مَالك
وَالشَّافِعِيّ على أَن الْمَسْكُوت عَنهُ حكمه حكم
الْمَنْطُوق، وَهَذَا يُسَمِّيه أهل الْأُصُول دَلِيل
الْخطاب، وَقَول الثَّوْريّ وَأهل الظَّاهِر وفقهاء
أَصْحَاب الحَدِيث كَقَوْل الشَّافِعِي، وَقَول
الْأَوْزَاعِيّ نَحْو قَول أبي حنيفَة، وَقَالَ ابْن أبي
ليلى: سَوَاء أبرت، أَو لم تؤبر الثَّمَرَة للْمُشْتَرِي،
اشْترط أَو لم يشْتَرط، قَالَ أَبُو عمر: إِنَّه خَالف
لحَدِيث ورده جهلا بِهِ.
الثَّانِي: أَن الْمَالِكِيَّة استدلت بِهِ على كَون
الثَّمَرَة مَعَ الْإِطْلَاق للْبَائِع بعد الإبار إلاَّ
أَن يشْتَرط، وَأَنَّهَا قبل الإبار للْمُشْتَرِي. قلت:
كَأَن مَالِكًا يرى أَن ذكر الإبار هَهُنَا لتعليق الحكم
ليدل على أَن مَا عداهُ بِخِلَافِهِ.
الثَّالِث: قَالَ مَالك: إِذا لم يشْتَرط المُشْتَرِي
الثَّمَرَة فِي شِرَاء الأَصْل جَازَ لَهُ شراؤها بعد
شِرَاء الأَصْل، وَهَذَا مَشْهُور قَوْله، وَعنهُ: أَنه
لَا يجوز لَهُ إفرادها بِالشِّرَاءِ مَا لم تطب، وَهُوَ
قَول الشَّافِعِي.
الرَّابِع: اسْتدلَّ بِهِ أَشهب من الْمَالِكِيَّة على
جَوَاز اشْتِرَاط بعض الثَّمر، وَقَالَ: يجوز لمن ابْتَاعَ
نخلا قد أبرت أَن يشْتَرط من الثَّمر نصفهَا أَو جُزْءا
مِنْهَا، وَكَذَلِكَ فِي مَال العَبْد، لِأَن مَا جَازَ
اشْتِرَاط جَمِيعه جَازَ اشْتِرَاط بعضه، وَمَا لم يدْخل
الرِّبَا فِي جَمِيعه فأحرى أَن لَا يدْخل فِي بعضه.
وَقَالَ ابْن الْقَاسِم: لَا يجوز لمبتاع النّخل المؤبر
أَن يشْتَرط مِنْهَا جُزْءا، وَإِنَّمَا لَهُ أَن يشْتَرط
جَمِيعهَا أَو لَا يشْتَرط شَيْئا مِنْهَا.
الْخَامِس: استدلت بِهِ أَصْحَابنَا على أَن من بَاعَ
رَقِيقا وَله مَال أَن مَاله لَا يدْخل فِي البيع، وَيكون
للْبَائِع إلاَّ أَن يَشْتَرِطه الْمُبْتَاع.
السَّادِس: اسْتدلَّ بِهِ على أَن المؤبر يُخَالف فِي
الحكم غير المؤبر، وَقَالَت الشَّافِعِيَّة: لَو بَاعَ
نَخْلَة بَعْضهَا مؤبر وَبَعضهَا غير مؤبر فالجميع
للْبَائِع، فَإِن بَاعَ نخلتين فَكَذَلِك بِشَرْط اتِّحَاد
الصّفة، فَإِن أفرد فلكلٍ حكمه. وَيشْتَرط كَونهمَا فِي
بُسْتَان وَاحِد، فَإِن تعدد فَلِكُل حكمه. وَنَصّ أَحْمد
على أَن الَّذِي يؤبر للْبَائِع وَالَّذِي لَا يؤبر
للْمُشْتَرِي، وَجعلت الْمَالِكِيَّة الحكم للأغلب.
السَّابِع: اخْتلف الشَّافِعِيَّة فِيمَا لَو بَاعَ
نَخْلَة وَبقيت ثَمَرَتهَا ثمَّ خرج طلع آخر من تِلْكَ
النَّخْلَة، فَقَالَ ابْن أبي هُرَيْرَة: هُوَ
للْمُشْتَرِي، لِأَنَّهُ لَيْسَ للْبَائِع إلاَّ مَا وجد
دون مَا لم يُوجد. وَقَالَ الْجُمْهُور: وَهُوَ للْبَائِع
لكَونه من ثَمَرَة المؤبر دون غَيرهَا.
الثَّامِن: روى ابْن الْقَاسِم عَن مَالك أَن من اشْترى
أَرضًا مزروعة وَلم يسنبل فالزرع للْبَائِع إلاَّ أَن
يَشْتَرِطه المُشْتَرِي، وَإِن وَقع البيع وَالْبذْر وَلم
ينْتَه فَهُوَ للْمُبْتَاع بِغَيْر شَرط، وروى ابْن عبد
الحكم عَن مَالك إِن كَانَ الزَّرْع لقح أَكْثَره ولقاحه
أَن يتحبب ويسنبل حَتَّى لَو يبس حِينَئِذٍ لم يكن
فَسَادًا، فَهُوَ للْبَائِع إلاَّ أَن يَشْتَرِطه
المُشْتَرِي، وَإِن كَانَ لم يلقح فَهُوَ للْمُبْتَاع.
التَّاسِع: إِن وَقع العقد على النّخل أَو على العَبْد
خَاصَّة ثمَّ زَاده شَيْئا يلْحق الثَّمَرَة وَالْمَال.
وَقَالَ ابْن الْقَاسِم: إِن كَانَ بِحَضْرَة البَائِع
وَتَقْدِيره جَازَ، وإلاَّ فَلَا. وَقَالَ أَشهب: يجوز فِي
الثَّمَرَة وَلَا يجوز فِي مَال العَبْد.
الْعَاشِر: اسْتدلَّ بِهِ الطَّحَاوِيّ على جَوَاز بيع
الثَّمَرَة على رُؤُوس النّخل قبل بَدو صَلَاحهَا،
وَذَلِكَ لِأَنَّهُ، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، جعل فِيهِ
ثَمَر النّخل للْبَائِع عِنْد عدم اشْتِرَاط المُشْتَرِي،
فَإِذا اشْترط المُشْتَرِي ذَلِك يكون لَهُ، وَيكون
المُشْتَرِي مُشْتَريا لَهَا أَيْضا. وَاعْترض
الْبَيْهَقِيّ عَلَيْهِ فَقَالَ: إِنَّه يسْتَدلّ
بالشَّيْء فِي غير مَا ورد فِيهِ، حَتَّى إِذا جَاءَ مَا
ورد فِيهِ اسْتدلَّ بِغَيْرِهِ عَلَيْهِ كَذَلِك، فيستدل
لجَوَاز بيع الثَّمَرَة قبل بَدو صَلَاحهَا بِحَدِيث
التَّأْبِير، وَلَا يعْمل
(12/12)
بِحَدِيث التَّأْبِير. انْتهى. قلت: هَل
الْبَيْهَقِيّ عَن الدلالات الْأَرْبَعَة للنَّص، وَهِي
عبارَة النَّص وإشارته ودلالته واقتضاؤه، وبهذه يكون
الِاسْتِدْلَال بالنصوص، والطَّحَاوِي مَا ترك الْعَمَل
بِالْحَدِيثِ، غَايَة مَا فِي الْبَاب أَنه اسْتدلَّ على
مَا ذهب إِلَيْهِ بِإِشَارَة النَّص، والخصم اسْتدلَّ
بعبارته، وهما سَوَاء فِي إِيجَاب الحكم، وَلم يُوَافق
الْخصم فِي الْعَمَل بعبارته لِأَن عِبَارَته تَعْلِيق
الحكم بالإبارة للتّنْبِيه على مَا لم يؤبر أَو لغير
ذَلِك، فَافْهَم، فَإِن فِيهِ دقة عَظِيمَة لَا يفهمها
إلاَّ من لَهُ يَد فِي وُجُوه الاستدلالات بالنصوص.
4022 - حدَّثنا عَبْدُ الله بنُ يُوسُفَ قَالَ أخبرنَا
مالِكٌ عنْ نافِعٍ عنْ عَبْدِ الله بنِ عُمرَ رَضِي الله
تَعَالَى عنهُما أنَّ رسولَ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
قَالَ منْ باعَ نَخْلاً قَدْ أُبِرَّتْ فثَمَرُها
لِلْبائِعِ إلاَّ أنْ يَشْتَرطَ المُبْتَاعُ. .
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة، والْحَدِيث أخرجه
البُخَارِيّ أَيْضا فِي الشُّرُوط عَن عبد الله بن يُوسُف
أَيْضا. وَأخرجه مُسلم فِيهِ عَن يحيى بن يحيى. وَأخرجه
أَبُو دَاوُد فِيهِ عَن القعْنبِي، وَأخرجه النَّسَائِيّ
فِي الشُّرُوط عَن مُحَمَّد بن سَلمَة عَن ابْن الْقَاسِم،
وَأخرجه ابْن مَاجَه فِي التِّجَارَات عَن هِشَام بن عمار،
خمستهم عَن مَالك بِهِ، وَقد مضى الْكَلَام فِيهِ فِي أثر
نَافِع قبله.
19 - (بابُ بَيْعِ الزَّرْعِ بالطَّعام كَيْلا)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان حكم بيع الزَّرْع بِالطَّعَامِ
كَيْلا، أَي: من حَيْثُ الْكَيْل، نصب على التَّمْيِيز.
5022 - حدَّثنا قُتَيْبَةُ قَالَ حَدثنَا اللَّيْثُ عنْ
نافِعٍ عنِ ابنِ عُمَرَ رَضِي الله تَعَالَى عنهُما قَالَ
نَهَى رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عنِ
المُزَابَنَةِ أنْ يَبِيعَ ثَمَرَ حائِطِهِ إنْ كانَ
نَخْلاً بِتَمْرٍ كَيْلا وإنْ كانَ كَرْما أنْ يَبِيعَهُ
بِزَبِيبٍ كَيْلاً أوْ كانَ زَرْعا أنْ يَبِيعَهُ بِكَيْلِ
طَعامٍ ونَهىَ عنْ ذالِكَ كُلِّهِ.
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: وَإِن كَانَ زرعا أَن
يَبِيعهُ بكيل طَعَام. والْحَدِيث أخرجه مُسلم
وَالنَّسَائِيّ، كِلَاهُمَا فِي الْبيُوع نَحْو رِوَايَة
البُخَارِيّ، وَأخرجه ابْن مَاجَه فِي التِّجَارَات نَحوه.
قَوْله: (عَن الْمُزَابَنَة) ، قد مضى تَفْسِيرهَا غير
مرّة. قَوْله: (أَن يَبِيع) ، يدل عَن الْمُزَابَنَة.
قَوْله: (ثَمَر حَائِطه) ، بالثاء الْمُثَلَّثَة وَفتح
الْمِيم، وَأَرَادَ بِهِ الرطب، والحائط هُوَ الْبُسْتَان
من النّخل إِذا كَانَ عَلَيْهِ حَائِط، وَهُوَ الْجِدَار،
وَجمعه: حَوَائِط. قَوْله: (إِن كَانَ نخلا) أَي: إِن
كَانَ الْحَائِط نخلا، وَهَذِه الشُّرُوط تَفْصِيل لَهُ،
وَيقدر جَزَاء الشَّرْط الثَّانِي نهى أَن يَبِيعهُ
لقَرِينَة السِّيَاق، وَكَذَا يقدر جَزَاء الشَّرْط الأول.
وَأما بيع الزَّرْع بِالطَّعَامِ فيسمى بالمحاقلة، وَأطلق
عَلَيْهَا الْمُزَابَنَة تَغْلِيبًا أَو تَشْبِيها. وَقد
مضى تَفْسِير المحاقلة أَيْضا. قَوْله: (وَنهى عَن ذَلِك)
، أَي: عَن الْمَذْكُور كُله.
وَقَالَ ابْن بطال: أجمع الْعلمَاء على أَنه لَا يجوز بيع
الزَّرْع قبل أَن يقطع بِالطَّعَامِ لِأَنَّهُ بيع
مَجْهُول بِمَعْلُوم، وَأما بيع رطب ذَلِك بيابسه بعد
الْقطع وَإِمْكَان الْمُمَاثلَة فالجمهور لَا يجيزون بيع
شَيْء من ذَلِك بِجِنْسِهِ، لَا مُتَفَاضلا وَلَا
متماثلاً، خلافًا لأبي حنيفَة. قلت: هَذَا الحَدِيث
مُشْتَمل على ثَلَاثَة أَحْكَام: الأول: بيع الثَّمر
بالثاء الْمُثَلَّثَة على رُؤُوس النّخل بِالتَّمْرِ،
وَهُوَ الْمُزَابَنَة وَهُوَ غير جَائِز. وَالثَّانِي: بيع
الْعِنَب على رُؤُوس الْكَرم بالزبيب كَيْلا، وَهُوَ
أَيْضا الْمُزَابَنَة، وَهُوَ أَيْضا غير جَائِز.
وَالثَّالِث: بيع الزَّرْع على الأَرْض بكيل من طَعَام،
وَهُوَ الْحِنْطَة، وَهَذَا محاقلة وَهُوَ أَيْضا غير
جَائِز. وَقَالَ التِّرْمِذِيّ المحاقلة بيع الزَّرْع
بِالْحِنْطَةِ، والمزابنة بيع الثَّمر على رُؤُوس النَّحْل
بِالتَّمْرِ، وَالْعَمَل على هَذَا عِنْد أهل الْعلم،
كَرهُوا بيع المحاقلة والمزابنة. وَقَالَ بَعضهم: وَاحْتج
الطَّحَاوِيّ لأبي حنيفَة فِي جَوَاز بيع الزَّرْع الرطب
بالحب الْيَابِس بِأَنَّهُم أَجمعُوا على جَوَاز بيع الرطب
بالرطب مثلا بِمثل، مَعَ أَن رُطُوبَة أَحدهمَا لَيست
كرطوبة الآخر، بل يخْتَلف اخْتِلَافا متباينا، ثمَّ قَالَ:
وَتعقب بِأَنَّهُ قِيَاس فِي مُقَابلَة النَّص فَهُوَ
فَاسد، وَبِأَن الرطب بالرطب وَإِن تفَاوت لكنه نُقْصَان
يسير، فعفى عَنهُ لقلته، بِخِلَاف الرطب بِالتَّمْرِ.
فَإِن تفاوته تفَاوت كثير انْتهى. قلت: ... . .
(12/13)
29 - (بابُ بَيْعِ النَّخْلِ بأصْلِهِ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان حكم بيع ثَمَر النّخل
بِأَصْلِهِ أَي: بِأَصْل النّخل.
6022 - حدَّثنا قُتَيْبَةُ بنُ سَعِيدٍ قَالَ حدَّثنا
اللَّيْثُ عنْ نافِعٍ عنِ ابنِ عُمَرَ رَضِي الله تَعَالَى
عَنْهُمَا أنَّ النبيَّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ
أيُّما امْرِىءٍ أبَّرَ نَخْلاً ثُمَّ باعَ أصْلَها
فَللَّذِي أبَّرَ ثَمَرُ النَّخْلِ إلاَّ أنْ يَشْتَرِطَهُ
المُبْتَاعُ. .
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (ثمَّ بَاعَ أَصْلهَا)
والْحَدِيث أخرجه مُسلم وَالنَّسَائِيّ وَابْن مَاجَه عَن
قُتَيْبَة عَن اللَّيْث إِلَى آخِره نَحوه، وَتَفْسِير
التَّأْبِير قد مضى. قَوْله: (ثمَّ بَاعَ أَصْلهَا) أَي:
أصل النّخل، وَالنَّخْل قد يسْتَعْمل مؤنثا نَحْو قَوْله
تَعَالَى: {وَالنَّخْل باسقات} (ق: 01) . وَالْإِضَافَة
بَيَانِيَّة، نَحْو: شجر الْأَرَاك، لِأَن المُرَاد من
الأَصْل هُوَ النَّخْلَة لَا أرْضهَا. قَوْله: (إلاَّ أَن
يَشْتَرِطه الْمُبْتَاع) أَي: المُشْتَرِي، وَلَفظ
الْمُبْتَاع، وَإِن كَانَ عَاما، فالاستثناء يخصصه
للْمُشْتَرِي، وَأَيْضًا لفظ الافتعال يدل عَلَيْهِ،
يُقَال: كسب لِعِيَالِهِ واكتسب لنَفسِهِ، وَلَا يُقَال:
اكْتسب لِعِيَالِهِ. فَافْهَم. وَقَالَ ابْن بطال: ذهب
الْجُمْهُور إِلَى منع من اشْترى النّخل وَحده أَن
يَشْتَرِي ثمره قبل أَن يَبْدُو صَلَاحه فِي صَفْقَة
أُخْرَى، بِخِلَاف مَا لَو اشْتَرَاهَا تبعا للنخل،
فَيجوز، وروى ابْن الْقَاسِم عَن مَالك الْجَوَاز مُطلقًا،
قَالَ: وَالْأول أولى لعُمُوم النَّهْي عَن ذَلِك، وَالله
أعلم.
39 - (بابُ بَيْعِ المُخَاضَرَةِ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان حكم بيع المخاضرة، والمخاضرة،
بِالْخَاءِ وَالضَّاد المعجمتين: مفاعلة من الخضرة،
وَالْمرَاد بهَا: بيع الثِّمَار والحبوب وَهِي خضر قبل أَن
يَبْدُو صَلَاحهَا.
7022 - حدَّثنا إسْحَاقُ بنُ وهْبٍ قَالَ حَدثنَا عُمَرُ
بنُ يُونُسَ قَالَ حدَّثني أبي قَالَ حدَّثني إسْحَاقُ بنُ
أبِي طَلْحَةَ الأنصَارِيُّ عَن أنَسِ بنِ مالِكٍ رَضِي
الله تَعَالَى عنهُ أنَّهُ قَالَ نَهَى رسولُ الله صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم عنِ المُحَاقَلَةِ والمُخَاضَرَةِ
والمُلامَسَةِ والمُنَابَذَةِ والمُزَابَنَةِ.
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: والمخاضرة.
ذكر رِجَاله وهم خَمْسَة: الأول: إِسْحَاق بن وهب العلاف.
الثَّانِي: عمر بن يُونُس الْحَنَفِيّ. الثَّالِث: أَبوهُ
يُونُس بن الْقَاسِم أَبُو عمر الْحَنَفِيّ. الرَّابِع:
إِسْحَاق بن أبي طَلْحَة، وَهُوَ إِسْحَاق بن عبد الله بن
أبي طَلْحَة، واسْمه زيد بن سهل الْأنْصَارِيّ ابْن أخي
أنس بن مَالك. الْخَامِس: أنس بن مَالك.
ذكر لطائف إِسْنَاده فِيهِ: التحديث بِصِيغَة الْجمع فِي
موضِعين وبصيغة الْإِفْرَاد فِي موضِعين. وَفِيه: العنعنة
فِي مَوضِع وَاحِد. وَفِيه: القَوْل فِي ثَلَاثَة
مَوَاضِع. وَفِيه: أَن شَيْخه من أَفْرَاده، وَأَنه واسطي
وَعمر بن يُونُس يمامي وَأَبوهُ كَذَلِك وَإِسْحَاق بن أبي
طَلْحَة مدنِي، وَكَانَ يسكن دَار جده بِالْمَدِينَةِ.
توفّي سنة اثْنَتَيْنِ وَثَلَاثِينَ وَمِائَة. وَفِيه:
رِوَايَة الرَّاوِي عَن عَمه.
وَهَذَا الحَدِيث من أَفْرَاده، وَهَذِه المنهيات خَمْسَة،
قد مر تَفْسِير الْكل فِيمَا مضى، وَتَفْسِير المخاضرة فِي
أول هَذَا الْبَاب، وَزعم الْإِسْمَاعِيلِيّ أَن فِي بعض
الرِّوَايَات: والمخاضرة: بيع الثِّمَار قبل أَن تطعم،
وَبيع الزَّرْع قبل أَن يشْتَد ويفرك مِنْهُ، وَقَالَ ابْن
بطال: أَجمعُوا: أَنه لَا يجوز بيع الزَّرْع أَخْضَر إلاَّ
الفصيل للدواب. وَأَجْمعُوا: أَنه يجوز بيع الْبُقُول إِذا
قلعت من الأَرْض وأحاط المُشْتَرِي بهَا علما. قَالَ: وَمن
بيع المخاضرة شراؤها مغيبة فِي الأَرْض كالفجل والكراث
والبصل واللفت وَشبهه، فَأجَاز شراءها مَالك. وَقَالَ:
إِذا اسْتَقل ورقه وَأمن، والأمان عِنْده أَن يكون مَا
يقطع مِنْهُ لَيْسَ بِفساد. وَقَالَ أَبُو حنيفَة: بيع
اللفت فِي الأَرْض جَائِز، وَهُوَ بِالْخِيَارِ إِذا
رَآهُ. وَقَالَ الشَّافِعِي: لَا يجوز بيع مَا لَا يرى،
وَهُوَ عِنْدِي بيع الْغرَر، وَفِي (التَّوْضِيح) :
وَاخْتلفُوا فِي بيع القثاء والبطيخ وَمَا يَأْتِي بَطنا
بعد بطن. فَقَالَ مَالك: يجوز بَيْعه إِذا بدا صَلَاحه،
وَيكون للْمُشْتَرِي مَا ينْبت حَتَّى يَنْقَطِع ثمره،
لِأَن وقته مَعْرُوف عِنْد النَّاس. وَقَالَ أَبُو حنيفَة
وَالشَّافِعِيّ: لَا يجوز بيع بطن مِنْهُ إلاَّ بعد طيبه
كالبطن الأول، وَهُوَ عِنْدهم من بيع مَا لم يخلق، وَجعله
مَالك كالثمرة إِذا بدا صَلَاحهَا جَازَ مَا بدا صلاجه
وَمَا لم يبدُ لحاجتهم إِلَى ذَلِك، وَلَو منعُوا مِنْهُم
لأضرهم، لِأَن مَا يَدْعُو إِلَيْهِ الضَّرَر يجوز فِيهِ
بعض
(12/14)
الْغرَر. ألاَ يرى أَن الظِّئْر يكرى لأجل
لَبنهَا الَّذِي لم يخلق وَلم يُوجد إلاَّ أَوله، وَلَا
يدْرِي كم يشرب الصَّبِي مِنْهُ، وَكَذَلِكَ لَو اكترى
عبدا لخدمته فالمنفعة الَّتِي وَقع عَلَيْهَا العقد لم
تخلق، وَإِنَّمَا تتجدد أَولا فأولاً، حَتَّى لَو مَاتَ
العَبْد تَعَذَّرَتْ المحاسبة على مَا حصل من
الْمَنْفَعَة، وَقد جرت الْعَادة فِي الْأَغْلَب إِذا
كَانَ الأَصْل سليما من الْآفَات أَن تتتابع بطونها
وتتلاحق، وَعدم مشاهدته لَا تدل على بطلَان بَيْعه،
بِدَلِيل بيع الْجَوْز واللوز فِي قشورهما وفساده
يتَبَيَّن من خَارج.
8022 - حدَّثنا قُتَيْبَةُ قَالَ حدَّثنا إسماعِيلُ بنُ
جَعْفَرٍ عنْ حُمَيْدٍ عنْ أنَسٍ رَضِي الله تَعَالَى عنهُ
أنَّ النبيَّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم نَهَى عنْ بَيْع
ثَمَرِ التَّمْرِ حتَّى تَزْهُو فَقُلْنَا لأِنَسٍ مَا
زَهْوُها قَالَ تَحْمَرُّ وتَصْفَرّ أرَأيْتَ أنْ مَنَعَ
الله الثَّمَرَةَ بِمَ تَسْتَحِلُّ مالَ أخِيكَ..
مطابقته للتَّرْجَمَة من معنى الحَدِيث، لِأَن الثَّمَرَة
قبل زهوها خضراء، فَتدخل فِي بيع المخاضرة، قبل الزهو،
وَإِسْمَاعِيل بن جَعْفَر بن كثير أَبُو إِبْرَاهِيم
الْأنْصَارِيّ الْمَدِينِيّ. والْحَدِيث أخرجه مُسلم فِي
الْبيُوع أَيْضا عَن يحيى بن أَيُّوب وقتيبة وَعلي ابْن
حجر، ثَلَاثَتهمْ عَن إِسْمَاعِيل بِهِ.
قَوْله: (ثَمَر التَّمْر) ، الأول بالثاء الْمُثَلَّثَة
وَفتح الْمِيم، وَالثَّانِي بِالتَّاءِ الْمُثَنَّاة من
فَوق وَسُكُون الْمِيم، ويروى: بيع الثَّمر، بِدُونِ
الْإِضَافَة إِلَى شَيْء. قَوْله: (أَرَأَيْت) ، مَعْنَاهُ
أَخْبرنِي. قَوْله: (أَن منع الله الثَّمَرَة) يَعْنِي: لم
يخرج شَيْء. قَوْله: (بِمَ تستحل؟) يَعْنِي: إِذا تلف
الثَّمر لَا يبْقى فِي مُقَابلَة شَيْء عوض ذَلِك، فَيكون
البَائِع آكلاً لمَال غَيره بِالْبَاطِلِ. وَاحْتِمَال
التّلف بعد الزهو، وَإِن كَانَ مُمكنا، لَكِن تطرقه إِلَى
الباذي أسْرع وَأظْهر وَأكْثر.
49 - (بابُ بَيْعِ الجُمَّارِ وأكْلِهِ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان حكم بيع الْجمار، بِضَم
الْجِيم وَتَشْديد الْمِيم، هُوَ قلب النَّخْلَة.
وَيُقَال: شحمها. قَوْله: (وَأكله) أَي: وَفِي بَيَان حكم
أكله.
9022 - حدَّثنا أبُو الوَلِيدِ هِشامُ بنُ عَبْدِ المَلِكِ
قَالَ حدَّثنا أبُو عَوَانَةَ عنْ أبِي بِشْرٍ عنْ
مُجَاهِدٍ عنِ ابنِ عُمَرَ رَضِي الله تَعَالَى عنهُما
قَالَ كُنْتُ عِنْدَ النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
وهْوَ يَأكُلُ جُمَّارا فَقَالَ مِنَ الشَّجَرِ شَجَرَةُ
كالرَّجُلِ المُؤْمِنِ فأرَدْتُ أنْ أقُولَ هِيَ
النَّخْلَةُ فإذَا أَنا أحدِّثُهُمْ قَالَ هِيَ
النَّخْلَةُ. .
هَذِه التَّرْجَمَة لَهَا جزءان. أَحدهمَا: بيع الْجمار،
وَالْآخر: أكله، وَلَيْسَ فِي الحَدِيث إلاَّ الْأكل.
وَقَالَ الْكرْمَانِي: مَا الَّذِي يدل على بيع الْجمار؟
ثمَّ قَالَ: جَوَاز أكله. وَلَعَلَّ الحَدِيث مُخْتَصر
مِمَّا فِيهِ ذَلِك، أَو غَرَضه الْإِشَارَة إِلَى أَنه لم
يجد حَدِيثا يدل عَلَيْهِ بِشَرْطِهِ انْتهى. قلت:
الْجَواب الأول أوجه من الآخرين. وَعَن هَذَا قَالَ ابْن
بطال: بيع الْجمار وَأكله من الْمُبَاحَات بِلَا خلاف، وكل
مَا انْتفع بِهِ للْأَكْل فبيعه جَائِز. وَقَالَ بَعضهم:
فَائِدَة التَّرْجَمَة دفع توهم الْمَنْع من ذَلِك لكَونه
قد يظنّ إفسادا وإضاعة وَلَيْسَ كَذَلِك. قلت: الْمَقْصُود
من التَّرْجَمَة أَن يدل على شَيْء فِي الحَدِيث الَّذِي
يُورِدهُ فِي بَابهَا، وَهَذَا الَّذِي قَالَه أَجْنَبِي
من ذَلِك. وَلَيْسَ بِشَيْء على مَا لَا يخفى.
وَهَذَا الحَدِيث قد مضى فِي كتاب الْعلم فِي: بَاب طرح
الإِمَام الْمَسْأَلَة على أَصْحَابه، فَإِنَّهُ أخرجه
هُنَاكَ: عَن خَالِد بن مخلد عَن سُلَيْمَان عَن عبد الله
بن دِينَار عَن ابْن عمر، وَهنا أخرجه: عَن أبي الْوَلِيد
هِشَام بن عبد الْملك الطَّيَالِسِيّ عَن أبي عوَانَة،
بِفَتْح الْعين الْمُهْملَة: الوضاح بن عبد الله
الْيَشْكُرِي عَن أبي بشر، بِكَسْر الْبَاء الْمُوَحدَة
وَسُكُون الشين الْمُعْجَمَة: جَعْفَر بن أبي وحشية،
واسْمه: إِيَاس الْبَصْرِيّ ... إِلَى آخِره، وَقد مضى
الْكَلَام فِيهِ هُنَاكَ.
قَوْله: (وَهُوَ يَأْكُل جمارا) جملَة حَالية، وَهَذِه
الْجُمْلَة لَيست مَذْكُورَة هُنَاكَ فَلذَلِك هُنَا ترْجم
للْأَكْل. قَوْله: (فَإِذا أَنا) كلمة: إِذا، للمفاجأة.
وَقَوله: (أحدثهم) جوابها، أَي: أَصْغَرهم، فَمَعْنَى
الصغر فِي السن أَن أتقدم على الأكابر وأتكلم بحضورهم.
وَفِيه: أكل الشَّارِع بِحَضْرَة الْقَوْم تواضعا، وَلَا
عِبْرَة بقول بَعضهم: إِنَّه يكره أظهاره، وَإنَّهُ يخفى
مدخله كَمَا يخفى مخرجه. وَفِيه: مُرَاعَاة الصغار
الْأَدَب بِحُضُور الْكِبَار.
(12/15)
59 - (بابُ منْ أجْرَى أمْرَ الأمْصَارِ
عَلَى مَا يتَعَارَفُونَ بَيْنَهُمْ فِي البُيُوعِ
والإجَارَةِ والمِكْيَالِ والوَزْنِ وسُنَنهمْ عَلِى
نِيَّاتِهِمْ ومَذَاهِبِهِمْ المَشْهُورَةِ)
أَي: هَذَا بَاب يذكر فِيهِ من أجْرى أمرهَا إِلَى
الْأَمْصَار على مَا يَتَعَارَفُونَ بَينهم، أَي: على
عرفهم وعوائدهم فِي أَبْوَاب الْبيُوع والإجارات والمكيال،
وَفِي بعض النّسخ: والكيل وَالْوَزْن مثلا بِمثل، كل شَيْء
لم ينص عَلَيْهِ الشَّارِع أَنه كيلي أَو وزني يعْمل فِي
ذَلِك على مَا يتعارفه أهل تِلْكَ الْبَلدة مثلا: الْأرز
فَإِنَّهُ لم يَأْتِ فِيهِ نَص من الشَّارِع أَنه كيلي أَو
وزني، فَيعْتَبر فِي عَادَة أهل كل بَلْدَة على مَا بَينهم
من الْعرف فِيهِ، فَإِنَّهُ فِي الْبِلَاد المصرية يُكَال،
وَفِي الْبِلَاد الشامية يُوزن، وَنَحْو ذَلِك من
الْأَشْيَاء، لِأَن الرُّجُوع إِلَى الْعرف جملَة من
الْقَوَاعِد الْفِقْهِيَّة.
قَوْله: (وسننهم) ، عطف على مَا يَتَعَارَفُونَ بَينهم
أَي: على طريقتهم الثَّابِتَة على حسب مقاصدهم وعاداتهم
الْمَشْهُورَة.
وَحَاصِل الْكَلَام أَن البُخَارِيّ قصد بِهَذِهِ
التَّرْجَمَة إِثْبَات الِاعْتِمَاد على الْعرف
وَالْعَادَة.
وَقَالَ شُرَيْحٌ للْغَزَّالِينَ سنَّتُكُمْ بَيْنَكُمْ
رِبْحا
شُرَيْح، بِضَم الشين الْمُعْجَمَة: ابْن الْحَارِث
الْكِنْدِيّ القَاضِي من عهد عمر بن الْخطاب، رَضِي الله
تَعَالَى عَنهُ. قَوْله: (للغزالين) هُوَ جمع: غزال،
وَهُوَ بياع الْغَزل. قَوْله: (سنتكم) ، يجوز فِيهِ
الرّفْع وَالنّصب، أما الرّفْع فعلى أَنه مُبْتَدأ وَخَبره
قَوْله: (بَيْنكُم) ، يَعْنِي: عادتكم وطريقتكم بَيْنكُم
مُعْتَبرَة، وَأما النصب فعلى تَقْدِير إلزموا سنتكم،
وَهَذَا التَّعْلِيق وَصله سعيد بن مَنْصُور من طَرِيق
ابْن سِيرِين: أَن نَاسا من الغزالين اخْتَصَمُوا إِلَى
شُرَيْح فِي شَيْء كَانَ بَينهم، فَقَالُوا: إِن سنتنا
بَيْننَا كَذَا وَكَذَا، فَقَالَ: سنتكم بَيْنكُم. قَوْله:
(ربحا) ، قيل: لَا معنى لَهُ هَهُنَا، وَإِنَّمَا مَحَله
فِي آخر الْأَثر الَّذِي بعده. قلت: هَكَذَا وَقع فِي بعض
النّسخ، وَلكنه غير صَحِيح، لِأَن هَذِه اللَّفْظَة هُنَا
لَا فَائِدَة لَهَا وَلَا معنى يُطَابق الْأَثر.
وَقَالَ عَبْدُ الوهَّابِ عنْ أيّوبَ عَن محَمَّدٍ لاَ
بأسَ الْعَشْرَةُ بأحَدَ عَشَرَ ويأخُذُ لِلْنَّفقَةِ
رِبحا
مطابقته للتَّرْجَمَة من حَيْثُ إِن عرف الْبَلَد أَن
الْمُشْتَرى بِعشْرَة دَرَاهِم يُبَاع بِأحد عشر،
فَبَاعَهُ المُشْتَرِي على ذَلِك الْعرف لم يكن بِهِ
بَأْس، وَعبد الْوَهَّاب بن عبد الْمجِيد الثَّقَفِيّ،
وَأَيوب هُوَ السّخْتِيَانِيّ، وَمُحَمّد هُوَ ابْن
سِيرِين، وَهَذَا التَّعْلِيق وَصله ابْن أبي شيبَة عَن
عبد الْوَهَّاب، هَذَا. قَوْله: (لَا بَأْس الْعشْرَة
بِأحد عشر) ، أَي: لَا بَأْس أَن يَبِيع مَا اشْتَرَاهُ
بِمِائَة دِينَار مثلا كل عشرَة مِنْهُ بِأحد عشر، فَيكون
رَأس المَال عشرَة وَالرِّبْح دِينَارا، وَقَالَ
الْكرْمَانِي: الْعشْرَة، بِالرَّفْع وَالنّصب إِذا كَانَ
عرف الْبَلَد أَن الْمُشْتَرى بِعشْرَة دَرَاهِم يُبَاع
بِأحد عشر درهما، فيبيعه على ذَلِك الْعرف، فَلَا بَأْس
بِهِ. وَيَأْخُذ لأجل النَّفَقَة ربحا. قلت: أما وَجه
الرّفْع فعلى أَنه مُبْتَدأ وَخَبره هُوَ قَوْله: (بِأحد
عشر) ، وَالتَّقْدِير: تبَاع بِأحد عشر. وَأما النصب فعلى
تَقْدِير: بيع الْعشْرَة، يَعْنِي: الْمُشْتَرى بِعشْرَة،
بِأحد عشر.
وَقَالَ ابْن بطال: اخْتلف الْعلمَاء فِي ذَلِك
فَأَجَازَهُ قوم وَكَرِهَهُ آخَرُونَ، وَمِمَّنْ كرهه ابْن
عَبَّاس وَابْن عمر ومسروق وَالْحسن، وَبِه قَالَ أَحْمد
وَإِسْحَاق. قَالَ أَحْمد: البيع مَرْدُود، وَأَجَازَهُ
ابْن الْمسيب وَالنَّخَعِيّ، وَهُوَ قَول مَالك
وَالثَّوْري وَالْأَوْزَاعِيّ، وَحجَّة من كرهه لِأَنَّهُ
بيع مَجْهُول، وَحجَّة من أجَازه بِأَن الثّمن مَعْلُوم
وَالرِّبْح مَعْلُوم وأصل هَذَا الْبَاب بيع الصُّبْرَة كل
قفيز بدرهم وَلَا يعلم مقدارها من الطَّعَام، فَأَجَازَهُ
قوم وأباه آخَرُونَ، وَمِنْهُم من قَالَ: لَا يلْزم إِلَّا
القفيز الْوَاحِد. وَعَن مَالك: لَا يَأْخُذ فِي
الْمُرَابَحَة أجر السمسار وَلَا أجر الشد والطي وَلَا
النَّفَقَة على الرَّقِيق، وَلَا كِرَاء الْبَيْت،
وَإِنَّمَا يحْسب هَذَا فِي أصل المَال وَلَا يحْسب لَهُ
ربح، وَأما كِرَاء الْبَز فيحسب لَهُ الرِّبْح لِأَنَّهُ
لَا بُد مِنْهُ، فَإِن أربحه الْمُشْتَرى على مَا لَا
تَأْثِير لَهُ جَازَ إِذا رَضِي بذلك. وَقَالَ أَبُو
حنيفَة: يحْسب فِي الْمُرَابَحَة أُجْرَة القصارة والسمسرة
وَنَفَقَة الرَّقِيق وكسوتهم، وَيَقُول: قَامَ عَليّ
بِكَذَا، وَلَا يَقُول: اشْتَرَيْته بِكَذَا.
قَوْله: (وَيَأْخُذ للنَّفَقَة) ، أَي: لأجل النَّفَقَة
ربحا، هَذَا مَحل ذكر الرِّبْح، كَمَا ذَكرْنَاهُ عَن
قريب، وَقد ذكرنَا الْآن خلاف مَالك فِيهِ.
وَقَالَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لِهِنْدٍ خُذِي
مَا يَكْفِيكِ وولَدَكِ بِالمَعْرُوفِ
مطابقته للتَّرْجَمَة من حَيْثُ إِنَّه، صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم، قَالَ لهِنْد: خذي مَا يَكْفِيك وولدك
بِالْمَعْرُوفِ، وَهُوَ عَادَة النَّاس، وَهَذَا
(12/16)
يدل على أَن الْعرف عمل جَار. وَقَالَ ابْن
بطال: الْعرف عِنْد الْفُقَهَاء أَمر مَعْمُول بِهِ،
وَهُوَ كالشرط اللَّازِم فِي الشَّرْع، وَمِمَّا يدل على
مَا قَالَه قَضِيَّة هِنْد بنت عتبَة زوج أبي سُفْيَان
وَالِد مُعَاوِيَة، وَهَذَا التَّعْلِيق يَأْتِي الْآن
مَوْصُولا.
وَذكر ابْن بطال بعض مسَائِل من الْفِقْه الَّتِي يعْمل
فِيهَا بِالْعرْفِ. مِنْهَا: لَو وكل رجل رجلا على بيع
سلْعَة فَبَاعَهَا بِغَيْر النَّقْد الَّذِي هُوَ عرف
النَّاس لم يجز ذَلِك، وَلَزِمَه النَّقْد الْجَارِي.
وَكَذَا: لَو بَاعَ طَعَاما مَوْزُونا أَو مَكِيلًا
بِغَيْر الْوَزْن أَو الْكَيْل الْمَعْهُود لم يجز،
وَلزِمَ الْكَيْل الْمَعْهُود الْمُتَعَارف من ذَلِك.
وَقَالَ تَعَالَى: {ومَنْ كانَ فَقِيرا فَلْيأكُل
بالمَعْرُوف} (النِّسَاء: 6) .
هَذَا من التَّرْجَمَة، وَكَانَ يَنْبَغِي أَن يذكر فِي
صدر الْبَاب أَو يكْتَفى بِذكرِهِ فِي حَدِيث عَائِشَة
الْآتِي فِي هَذَا الْبَاب، وَالْمرَاد مِنْهُ فِي
التَّرْجَمَة حِوَالَة، وَإِلَى الْيَتِيم فِي أكله من
مَاله على الْعرف.
واكْتَرَى الحَسَنُ مِنْ عَبْدِ الله بنِ مِرْدَاسِ
حِمَارا فَقَالَ بِكَمْ قَالَ بِدَانِقَيْنِ فَرَكِبَهُ
ثُمَّ جاءَ مَرَّةً أُخْرَى فَقَالَ الحِمَارَ الحِمَارَ
فَرَكِبَهُ ولَمْ يُشَارِطْهُ فبَعَثَ إلَيْهِ بِنِصْفِ
دِرْهَمٍ
مطابقته للتَّرْجَمَة من حَيْثُ إِن الْحسن لم يشارط
المكاري فِي الْمرة الثَّانِيَة اعْتِمَادًا على
الْأُجْرَة الْمُتَقَدّمَة، وَزَاد بعد ذَلِك على
الْأُجْرَة الْمُتَقَدّمَة على سَبِيل الْفضل. وَقد جرى
الْعرف أَن شخصا إِذا اكترى حمارا أَو فرسا أَو جملا
للرُّكُوب إِلَى مَوضِع معِين بِأُجْرَة مُعينَة، ثمَّ فِي
ثَانِي مرّة إِذا أَرَادَ ركُوب حمَار هَذَا على الْعَادة
لَا يشارطه الْأُجْرَة لاستغنائه عَن ذَلِك، بِاعْتِبَار
الْعرف الْمَعْهُود بَينهمَا، وَالْحسن هُوَ الْبَصْرِيّ،
وَعبد الله بن مرادس، بِكَسْر الْمِيم: هُوَ صَاحب الْحمار
الَّذِي اكتراه مِنْهُ الْحسن. وَوصل هَذَا التَّعْلِيق
سعيد بن مَنْصُور عَن هشيم عَن يُونُس فَذكر مثله.
قَوْله: (بدانقين) ، تَثْنِيَة دانق بِفَتْح النُّون
وَكسرهَا: وَهُوَ سدس الدِّرْهَم. قَوْله: (فَرَكبهُ) ،
فِيهِ حذف أَي: فَرضِي الْحسن بدانقين فَأَخذه فَرَكبهُ.
قَوْله: (ثمَّ جَاءَ) ، أَي: الْحسن مرّة أُخْرَى إِلَى
عبد الله بن مرداس، فَقَالَ: الْحمار الْحمار، بالتكرار
وَيجوز فيهمَا النصب وَالرَّفْع، أما النصب فعلى تَقْدِير:
هَات الْحمار، فينصب على المفعولية، وَأما الرّفْع فعلى
الِابْتِدَاء، وَالْخَبَر مَحْذُوف أَي: الْحمار مَطْلُوب،
أَو أطلب، أَو نَحْو ذَلِك. قَوْله: (وَلم يشارطه) ،
يَعْنِي الْأُجْرَة اعْتِمَادًا على الْأُجْرَة
الْمُتَقَدّمَة للْعُرْف بذلك. قَوْله: (فَبعث إِلَيْهِ)
أَي: بعث الْحسن إِلَى عبد الله الْمَذْكُور (بِنصْف
دِرْهَم) فَزَاد على الدانقين دانقا آخر على سَبِيل الْفضل
وَالْكَرم.
0122 - حدَّثنا عَبْدُ الله بنُ يُوسُفَ قَالَ أخبرنَا
مالِكٌ عنْ حُمَيْدٍ الطَّوِيلِ عنْ أنَسِ بنِ مالِكٍ
رَضِي الله تَعَالَى عنهُ قَالَ حَجَمَ رسولَ الله صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم أبُو طَيْبَةَ فأمَرَ لَهُ رسولُ الله
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِصاعٍ مِنْ تَمْرٍ وأمَرَ أهْلَه
أنْ يُخَفِّفُوا عَنْهُ مِنْ خَرَاجِهِ. .
مطابقته للتَّرْجَمَة من حَيْثُ إِنَّه صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم لم يشارط الْحجام الْمَذْكُور على أجرته اعْتِمَادًا
على الْعرف فِي مثله، وَقد مضى الحَدِيث بِعَيْنِه
إِسْنَادًا ومتنا فِيمَا مضى فِي كتاب الْبيُوع فِي بَاب
ذكر الْحجام، غير أَن هُنَاكَ: حجم أَبُو طيبَة رَسُول
الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَهنا: حجم رَسُول الله صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم أَبُو طيبَة.
1122 - حدَّثنا أبُو نُعَيْمٍ قَالَ حَدثنَا سُفْيانُ عنْ
هِشَامٍ عنْ عُروَةَ عنْ عائِشَةَ رَضِي الله تَعَالَى
عَنْهَا قالَتْ هِنْدٌ أُمُّ مُعاوِيَة لِرَسُولِ الله صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم إنَّ أَبَا سُفْيانَ رَجُلٌ شَحِيحُ
فَهَلْ عَلَيَّ جُناح أنْ اخُذَ مِنْ مالِهِ سِرّا قَالَ
خُذِي أنْتِ وبَنُوكِ مَا يَكْفِيكِ بالمَعْرُوفِ. .
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (خذي أَنْت وبنوك مَا
يَكْفِيك بِالْمَعْرُوفِ) من حَيْثُ إِنَّه صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم أحالها على الْعرف فِيمَا لَيْسَ فِيهِ
تَحْدِيد شَرْعِي. وَأَبُو نعيم، بِضَم النُّون: هُوَ
الْفضل بن دُكَيْن، وسُفْيَان هُوَ الثَّوْريّ، نَص
عَلَيْهِ الْمزي فِي (الْأَطْرَاف) [/ ح.
والْحَدِيث
(12/17)
أخرجه البُخَارِيّ أَيْضا فِي النَّفَقَات
عَن مُحَمَّد بن يُوسُف، وَفِي الْأَحْكَام عَن مُحَمَّد
بن كثير، ثَلَاثَتهمْ عَن سُفْيَان بِهِ.
قَوْله: (هِنْد) يصرف وَلَا يصرف، وَهِي بنت عتبَة، بِضَم
الْعين الْمُهْملَة وَسُكُون التَّاء الْمُثَنَّاة من
فَوق: ابْن ربيعَة بن عبد شمس بن عبد منَاف، زَوْجَة أبي
سُفْيَان، أسلمت عَام الْفَتْح وَمَاتَتْ فِي خلَافَة عمر،
رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ. وَأَبُو سُفْيَان اسْمه: صَخْر
بن حَرْب ضد الصُّلْح ابْن أُميَّة بن عبد شمس، أسلم يَوْم
فتح مَكَّة، وَكَانَ رَئِيس قُرَيْش يَوْمئِذٍ، وَقد مر
فِي حَدِيث هِرقل. قَوْله: (شحيح) ، بِفَتْح الشين
الْمُعْجَمَة وبالحاءين الْمُهْمَلَتَيْنِ، والشحيح: هُوَ
الْبَخِيل الْحَرِيص. قَوْله: (جنَاح) ، بِضَم الْجِيم:
أَي: إِثْم. قَوْله: (أَن آخذ) أَي: بِأَن آخذ، وَكلمَة:
أَن، مَصْدَرِيَّة. قَوْله: (سرا) ، نصب على التَّمْيِيز
أَي: من حَيْثُ السِّرّ، وَيجوز أَن يكون صفة لمصدر
مَحْذُوف أَي أخذا سرا غير جهر، قَوْله: (وبنوك) ، ويروى:
وبنيك، بِالْجَرِّ. أما وَجه الأول فعلى أَنه مَعْطُوف على
الضَّمِير الْمَرْفُوع فِي: خذي، وَإِنَّمَا ذكر أَنْت
ليَصِح الْعَطف عَلَيْهِ، وَفِيه خلاف بَين الْبَصرِيين
والكوفيين، وَأما النصب فعلى أَنه مفعول مَعَه. وَقَالَ
الْكرْمَانِي: مُقْتَضى الْمقَام أَن يُقَال أَيْضا: وَمَا
يَكْفِي بنيك، أَو: مَا يكفيكم. قلت: تَقْدِيره: مَا
يَكْفِي لنَفسك ولبنيك، وَاقْتصر عَلَيْهَا لِأَنَّهَا
هِيَ الكافلة لأمورهم. وَقَالَ أَيْضا: فَإِن قلت: هَذِه
الْقِصَّة بِمَكَّة وَأَبُو سُفْيَان فِيهَا، فَكيف حكم
رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي غيبته وَهُوَ فِي
الْبَلَد؟ قلت: هَذَا لم يكن حكما بل كَانَ فَتْوَى.
انْتهى. وَقَالَ صَاحب (التَّوْضِيح) : وَاسْتدلَّ
بِحَدِيث هِنْد على الْقَضَاء على الْغَائِب، وبالإفتاء
لِأَن زَوجهَا أَبَا سُفْيَان كَانَ متواريا بهَا. انْتهى.
قلت: لم يكن غَائِبا وَلَا متواريا. وَقَالَ السُّهيْلي:
كَانَ حَاضرا سؤالها، فَقَالَ: أَنْت فِي حل مِمَّا أخذت،
فَلَا يَصح الِاحْتِجَاج بِهِ على جَوَاز الْقَضَاء على
الْغَائِب.
وَقَالَ الْكرْمَانِي: وَفِيه: نَفَقَة الزَّوْجَة
وَالْأَوْلَاد الصغار، وَأَنَّهَا مقدرَة بالكفاية. قَالَ:
وَفِيه: أَخذ الْحق من مَال الْغَيْر بِدُونِ إِذْنه. قلت:
لَيْسَ هَذَا على إِطْلَاقه بل هَذَا إِذا ظفر بِجِنْس
حَقه، وَفِي خلاف جنس حَقه لَا بُد من إِذْنه أَو إِذن
الْحَاكِم. قَالَ: وَفِيه: إِطْلَاق الْفَتْوَى وَإِرَادَة
تَعْلِيقهَا بِمَا يَقُوله المستفتي. وَفِيه: خُرُوج
الْمُزَوجَة من بَيتهَا لحاجتها إِذا علمت رضى الزَّوْج
بِهِ.
154 - (حَدثنِي إِسْحَاق قَالَ حَدثنَا ابْن نمير قَالَ
أخبرنَا هِشَام ح وحَدثني مُحَمَّد قَالَ سَمِعت عُثْمَان
بن فرقد قَالَ سَمِعت هِشَام بن عُرْوَة يحدث عَن أَبِيه
أَنه سمع عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا تَقول وَمن كَانَ
غَنِيا فليستعفف وَمن كَانَ فَقِيرا فَليَأْكُل
بِالْمَعْرُوفِ أنزلت فِي وَالِي الْيَتِيم الَّذِي يُقيم
عَلَيْهِ وَيصْلح فِي مَاله إِن كَانَ فَقِيرا أكل مِنْهُ
بِالْمَعْرُوفِ) مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله أكل
مِنْهُ بِالْمَعْرُوفِ. (ذكر رِجَاله) وهم سَبْعَة. الأول
اسحق قَالَ الغساني لم أَجِدهُ مَنْسُوبا لأحد من الروَاة
وَقَالَ خلف وَغَيره فِي الْأَطْرَاف أَنه اسحق بن
مَنْصُور واستخرج أَبُو نعيم هَذَا الحَدِيث من مُسْند
اسحق بن رَاهَوَيْه عَن ابْن نمير وَقَالَ أخرجه
البُخَارِيّ عَن اسحق وَقَالَ فِي التَّفْسِير أخرجه
البُخَارِيّ عَن اسحق بن مَنْصُور. الثَّانِي ابْن نمير
هُوَ عبد الله بن نمير بِضَم النُّون وَقد مر فِي
التَّيَمُّم. الثَّالِث هِشَام بن عُرْوَة. الرَّابِع
مُحَمَّد بن الْمثنى الْمَشْهُور بالزمن وَقد مر فِي
الْإِيمَان كَذَا قَالَه الْكرْمَانِي وَيُقَال هُوَ
مُحَمَّد بن سَلام وَالظَّاهِر أَنه هُوَ الأول. الْخَامِس
عُثْمَان بن فرقد بِفَتْح الْفَاء وَسُكُون الرَّاء وَفتح
الْقَاف وَفِي آخِره دَال مُهْملَة على وزن جَعْفَر هُوَ
الْعَطَّار فِيهِ مقَال لَكِن البُخَارِيّ لم يخرج لَهُ
مَوْصُولا إِلَّا هَذَا الحَدِيث وَقد قرنه بِابْن نمير
وَذكر لَهُ آخر تَعْلِيقا فِي الْمَغَازِي. السَّادِس
عُرْوَة بن الزبير بن الْعَوام. السَّابِع أم الْمُؤمنِينَ
عَائِشَة رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا. (ذكر لطائف
إِسْنَاده) فِيهِ التحديث بِصِيغَة الْإِفْرَاد فِي
ثَلَاثَة مَوَاضِع وَفِيه الْإِخْبَار بِصِيغَة الْجمع فِي
موضِعين وَفِيه السماع فِي ثَلَاثَة مَوَاضِع وَفِيه
العنعنة فِي مَوضِع وَاحِد وَفِيه القَوْل فِي ثَلَاثَة
مَوَاضِع وَفِيه أَن شَيْخه اسحق إِن كَانَ ابْن مَنْصُور
فَهُوَ مروزي انْتقل إِلَى نيسابور وَإِن كَانَ هُوَ ابْن
رَاهَوَيْه فَكَذَلِك مروزي انْتقل إِلَى نيسابور وَفِيه
أَن شَيْخه الآخر إِن كَانَ ابْن الْمثنى فَهُوَ بَصرِي
وَإِن كَانَ مُحَمَّد بن سَلام فَهُوَ البُخَارِيّ
البيكندي وَفِيه أَن عبد الله بن نمير كُوفِي وَأَن
عُثْمَان بن فرقد بَصرِي وَأَن هشاما وأباه عُرْوَة مدنيان
"
(12/18)
(ذكر تعدد مَوْضِعه وَمن أخرجه غَيره)
أخرجه البُخَارِيّ أَيْضا من حَدِيث عبد الله بن نمير عَن
هِشَام فِي التَّفْسِير وَمن طَرِيق عُثْمَان بن فرقد من
أَفْرَاده وَأخرجه مُسلم فِي آخر الْكتاب عَن أبي كريب عَن
عبد الله بن نمير (ذكر مَعْنَاهُ) قَوْله " وَمن كَانَ
غَنِيا فليستعفف وَمن كَانَ فَقِيرا فَليَأْكُل
بِالْمَعْرُوفِ " هَذَا فِي سُورَة النِّسَاء وَأول
الْآيَة {وابتلوا الْيَتَامَى حَتَّى إِذا بلغُوا
النِّكَاح فَإِن آنستم مِنْهُم رشدا فادفعوا إِلَيْهِم
أَمْوَالهم وَلَا تَأْكُلُوهَا إسرافا وبدارا أَن يكبروا
وَمن كَانَ غَنِيا فليستعفف وَمن كَانَ فَقِيرا فَليَأْكُل
بِالْمَعْرُوفِ فَإِذا دفعتم إِلَيْهِم أَمْوَالهم فأشهدوا
عَلَيْهِم وَكفى بِاللَّه حسيبا} قَوْله " وابتلوا
الْيَتَامَى " أَي اختبروهم قَالَه ابْن عَبَّاس وَمُجاهد
وَالْحسن وَالسُّديّ وَمُقَاتِل بن حَيَّان قَوْله "
حَتَّى إِذا بلغُوا النِّكَاح " قَالَ مُجَاهِد يَعْنِي
الْحلم قَوْله " فَإِن آنستم مِنْهُم رشدا " يَعْنِي صلاحا
فِي دينهم وحفظا لأموالهم قَالَه سعيد بن جُبَير ثمَّ نهى
الله عَن أكل أَمْوَال الْيَتَامَى من غير حَاجَة
ضَرُورِيَّة إسرافا ومبادرة قبل بلوغهم قَوْله " وَمن
كَانَ غَنِيا " أَي من كَانَ فِي غنية عَن مَال الْيَتِيم
فليستعفف عَنهُ وَلَا يَأْكُل مِنْهُ شَيْئا قَوْله "
أنزلت " أَي هَذِه الْآيَة فِي وَالِي الْيَتِيم وَهُوَ
الَّذِي يَلِي أمره ويتولاه قَوْله " الَّذِي يُقيم
عَلَيْهِ " قَالَ ابْن التِّين الصَّوَاب يقوم لِأَنَّهُ
من الْقيام لَا من الْإِقَامَة قلت لَا مَانع من ذَلِك
لِأَن مَعْنَاهُ يلازمه ويعتكف عَلَيْهِ أَو يُقيم نَفسه
عَلَيْهِ وَكَذَا أخرجه أَبُو نعيم عَن هِشَام من وَجه آخر
وَذهل صَاحب التَّوْضِيح عَن هَذَا الْمَعْنى وَقَالَ
الصَّوَاب يقوم بِالْوَاو وَلِأَن يُقيم مُتَعَدٍّ بِغَيْر
حرف جر قَوْله " أكل مِنْهُ بِالْمَعْرُوفِ " يَعْنِي
بِقدر قِيَامه عَلَيْهِ وَقَالَ الْفُقَهَاء لَهُ أَن
يَأْكُل أقل الْأَمريْنِ أُجْرَة مثله أَو قدر حَاجته
وَاخْتلفُوا هَل يرد إِذا أيسر على قَوْلَيْنِ أَحدهمَا
لَا لِأَنَّهُ أكل بِأُجْرَة عمله وَكَانَ فَقِيرا وَهُوَ
الصَّحِيح عِنْد أَصْحَاب الشَّافِعِي لِأَن الْآيَة
أَبَاحَتْ الْأكل من غير بدل وَقد قَالَ الإِمَام أَحْمد
حَدثنَا عبد الْوَهَّاب حَدثنَا حُسَيْن عَن عَمْرو بن
شُعَيْب عَن أَبِيه عَن جده أَن رجلا سَأَلَ رَسُول الله -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فَقَالَ لَيْسَ لي
مَال ولي يَتِيم فَقَالَ " كل من مَال يَتِيمك غير مُسْرِف
وَلَا مبذر وَلَا متاثل مَالا وَمن غير أَن تَقِيّ مَالك "
وَقَالَ تفدي مَالك شَاك حُسَيْن وروى ابْن حبَان فِي
صَحِيحه وَابْن مرْدَوَيْه فِي تَفْسِيره من حَدِيث عَليّ
بن مهْدي عَن جَعْفَر بن سُلَيْمَان عَن أبي عَامر الخراز
عَن عَمْرو بن دِينَار عَن جَابر أَن رجلا قَالَ يَا
رَسُول الله مِمَّا أضْرب يَتِيمِي قَالَ " مَا كنت
ضَارِبًا مِنْهُ ولدك غير واق مَالك بِمَالِه وَلَا متاثل
مِنْهُ مَالا " وَقَالَ ابْن جرير حَدثنَا الْحسن بن يحيى
أخبرنَا عبد الرَّزَّاق أخبرنَا الثَّوْريّ عَن يحيى بن
سعيد عَن الْقَاسِم بن مُحَمَّد قَالَ جَاءَ أَعْرَابِي
إِلَى ابْن عَبَّاس فَقَالَ إِن فِي حجري أيتاما وَإِن
لَهُم إبِلا ولي إبل وَأَنا أمنح فِي إبلي وأفقر فَمَاذَا
يحل لي من أَلْبَانهَا فَقَالَ إِن كنت تبغي ضَالَّتهَا
وَتَهْنَأ جَرْبَاهَا وَتَلوط حَوْضهَا وتسقي عَلَيْهَا
فَاشْرَبْ غير مُضر بِنَسْل وَلَا نَاهِك فِي الْحَلب
وَبِهَذَا القَوْل وَهُوَ عدم الْبَدَل يَقُول عَطاء بن
أبي رَبَاح وَعِكْرِمَة وَإِبْرَاهِيم النَّخعِيّ وعطية
الْعَوْفِيّ وَالْحسن الْبَصْرِيّ وَالثَّانِي نعم لِأَن
مَال الْيَتِيم على الْخطر وَإِنَّمَا أُبِيح للْحَاجة
فَيرد بدله كَأَكْل مَال الْغَيْر للْمُضْطَر عِنْد
الْحَاجة قَوْله " وَمن كَانَ فَقِيرا فَليَأْكُل
بِالْمَعْرُوفِ " يَعْنِي الْقَرْض كَذَا رَوَاهُ ابْن أبي
حَاتِم من طَرِيق عَليّ بن أبي طَلْحَة عَن ابْن عَبَّاس
وروى من طَرِيق السّديّ عَن عِكْرِمَة عَن ابْن عَبَّاس
فِي قَوْله فَليَأْكُل بِالْمَعْرُوفِ قَالَ يَأْكُل
بِثَلَاث أَصَابِع وَقَالَ الشّعبِيّ لَا يَأْكُل مِنْهُ
إِلَّا أَن يضْطَر إِلَيْهِ كَمَا يضْطَر إِلَى الْميتَة
فَإِن أكل مِنْهُ قَضَاهُ رَوَاهُ ابْن أبي حَاتِم وَقيل
أَن الْوَلِيّ يستقرض من مَال الْيَتِيم إِذا افْتقر وَبِه
قَالَ عُبَيْدَة وَعَطَاء وَأَبُو الْعَالِيَة وَقيل
فَليَأْكُل بِالْمَعْرُوفِ فِي مَال نَفسه لِئَلَّا
يحْتَاج إِلَى مَال الْيَتِيم وَقَالَ مُجَاهِد لَيْسَ
عَلَيْهِ أَن يَأْخُذ قرضا وَلَا غَيره وَبِه قَالَ أَبُو
يُوسُف وَذهب إِلَى أَن الْآيَة مَنْسُوخَة نسختها {لَا
تَأْكُلُوا أَمْوَالكُم بَيْنكُم بِالْبَاطِلِ} قَوْله "
فَإِذا دفعتم إِلَيْهِم أَمْوَالهم " يَعْنِي بعد بلوغهم
الْحلم وإيناس الرشد فَحِينَئِذٍ سلموهم أَمْوَالهم فَإِذا
دفعتم إِلَيْهِم أَمْوَالهم فأشهدوا عَلَيْهِم لِئَلَّا
يَقع من بَعضهم جحود وإنكار لما قَبضه وتسلمه قَوْله "
وَكفى بِاللَّه حسيبا " أَي محاسبا وَشَاهدا ورقيبا على
الْأَوْلِيَاء فِي حَال نظرهم للْأُم حَال تسلمهم
الْأَمْوَال هَل هِيَ كَامِلَة وفرة أَو نَاقِصَة مبخوسة
مدحلسة مروج حسباها مُدَلّس أمورها الله عَالم بذلك كُله
وَلِهَذَا ثَبت فِي صَحِيح مُسلم أَن رَسُول الله - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ " يَا أَبَا ذَر
إِنِّي أَرَاك ضَعِيفا وَإِنِّي أحب لَك مَا أحب لنَفْسي
لَا تأمرن على اثْنَيْنِ وَلَا تولين مَال يَتِيم " -
(12/19)
69 - (بابُ بَيْعِ الشَّرِيكِ مِنْ
شَرِيكِهِ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان حكم بيع الشَّرِيك من شَرِيكه.
3122 - حدَّثني مَحْمُودٌ قَالَ حدَّثنا عَبْدُ
الرَّزَّاقِ قَالَ أخبرنَا مَعْمَرٌ عنِ الزُّهْرِيِّ عنْ
أبي سَلَمَةَ عنْ جابِرٍ رَضِي الله تَعَالَى عنهُ قَالَ
جعَلَ رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الشُّفْعَةَ فِي
كُلِّ مالٍ لَمْ يُقْسَمْ فإذَا وقَعَتِ الحُدُودُ
وصُرِّفَتِ الطُّرُقُ فَلا شُفْعَةَ.
مطابقته للتَّرْجَمَة من حَيْثُ إِن الشُّفْعَة لَا تقوم
إلاَّ بالشفيع، وَهُوَ إِذا أَخذ الدَّار الْمُشْتَركَة
بَينه وَبَين رجل حِين بَاعَ مَا يَخُصُّهُ بِالشُّفْعَة
فَكَأَنَّهُ اشْتَرَاهُ من شَرِيكه فَصدق عَلَيْهِ أَنه
بيع الشَّرِيك من الشَّرِيك. ومحمود هُوَ ابْن غيلَان،
بالغين الْمُعْجَمَة، وَعبد الرَّزَّاق ابْن همام، وَمعمر
ابْن رَاشد، وَالزهْرِيّ مُحَمَّد بن مُسلم، وَأَبُو
سَلمَة ابْن عبد الرحمان.
والْحَدِيث أخرجه البُخَارِيّ أَيْضا عَن مُحَمَّد بن
مَحْبُوب وَفِيه وَفِي الشّركَة وَفِي الشُّفْعَة عَن
مُسَدّد، وَفِي الشّركَة وَفِي ترك الْحِيَل عَن عبد الله
بن مُحَمَّد. وَأخرجه أَبُو دَاوُد فِي الْبيُوع أَيْضا
عَن أَحْمد بن حَنْبَل. وَأخرجه التِّرْمِذِيّ فِي
الْأَحْكَام عَن عبد بن حميد. وَأخرجه ابْن مَاجَه فِيهِ
عَن عبد الرَّزَّاق بِهِ.
ذكر مَعْنَاهُ: قَوْله: (فِي كل مَال لم يقسم) ، وَفِي
رِوَايَة للْبُخَارِيّ، على مَا يَأْتِي عَن قريب فِي كل
مَا لم يقسم، وَرَوَاهُ أَحْمد فِي (مُسْنده) عَن عبد
الرَّزَّاق: فِي كل مَا لم يقسم، وَرَوَاهُ إِسْحَاق بن
إِبْرَاهِيم عَنهُ فَقَالَ: فِي الْأَمْوَال مَا لم يقسم،
وَالْمرَاد من قَوْله: فِي كل مَا لم يقسم: الْعقار وَإِن
كَانَ اللَّفْظ عَاما، قَوْله: (فَإِذا وَقعت الْحُدُود
وصرفت الطّرق فَلَا شَفَقَة) ، لِأَنَّهَا حِينَئِذٍ تكون
مقسومة غير مشاعة. قَوْله: (صرفت) على صِيغَة الْمَجْهُول،
بتَشْديد الرَّاء وتخفيفها.
ذكر مَذَاهِب الْعلمَاء فِي هَذَا الْبَاب: مَذْهَب
الْأَوْزَاعِيّ وَاللَّيْث بن سعد وَمَالك وَالشَّافِعِيّ
وَأحمد وَإِسْحَاق وَأبي ثَوْر: أَن لَا شُفْعَة إلاَّ
لِشَرِيك لم يقاسم، وَلَا تجب الشُّفْعَة بالجوار،
وَاحْتَجُّوا بِحَدِيث جَابر الْمَذْكُور، وَاحْتَجُّوا
أَيْضا بِمَا رَوَاهُ الطَّحَاوِيّ من حَدِيث أبي الزبير
عَن جَابر، قَالَ: قَالَ رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم: (الشُّفْعَة فِي كل شرك بِأَرْض أَو ربع أَو حَائِط
لَا يصلح أَن يَبِيع حَتَّى يعرض على شَرِيكه فَيَأْخُذ
أَو يدع) . وَأخرجه مُسلم وَأَبُو دَاوُد أَيْضا، وَاحْتج
الثَّوْريّ وَالْحسن بن حَيّ وَإِسْحَاق وَأحمد فِي
رِوَايَة، وَأَبُو عبيد والظاهرية: أَن أحد الشَّرِيكَيْنِ
إِذا عرض عَلَيْهِ الآخر فَلم يَأْخُذ سقط حَقه من
الشُّفْعَة، وَرُوِيَ ذَلِك عَن الحكم بن عتيبة أَيْضا.
وَقَالَ الطَّحَاوِيّ وَقَالَ أَبُو حنيفَة وَمَالك
وَالشَّافِعِيّ وأصحابهم: لَا يسْقط حَقه بذلك، بل لَهُ
أَن يَأْخُذ بعد البيع لِأَن الشُّفْعَة لم تجب بعد،
وَإِنَّمَا تجب لَهُ بعد البيع، فَتَركه مَا لم يجب لَهُ
بعد لَا معنى لَهُ، وَلَا يسْقط حَقه إِذا وَجب. وَقَالَ
النَّخعِيّ وَشُرَيْح القَاضِي وَالثَّوْري وَعَمْرو بن
حُرَيْث وَالْحسن بن حَيّ وَقَتَادَة وَالْحسن الْبَصْرِيّ
وَحَمَّاد بن أبي سُلَيْمَان وَأَبُو حنيفَة وَأَبُو
يُوسُف وَمُحَمّد: تجب الشُّفْعَة فِي الْأَرَاضِي والرباع
والحوائط للشَّرِيك الَّذِي لم يقاسم ثمَّ للشَّرِيك
الَّذِي قَاسم وَقد بَقِي حق طَرِيقه أَو شربه، ثمَّ من
بعدهمَا للْجَار الملازق وَهُوَ الَّذِي دَاره على ظهر
الدَّار المشفوعة، وبابه فِي سكَّة أُخْرَى، وَرُوِيَ عَن
عَطاء أَنه قَالَ: الشُّفْعَة فِي كل شَيْء حَتَّى فِي
الثَّوْب، وَحكى مقَالَة عَطاء عَن بعض الشَّافِعِيَّة
وَمَالك، وَأنْكرهُ القَاضِي أَبُو مُحَمَّد، وَحكى عَن
مَالك وَأحمد وجوب الشُّفْعَة فِي السفن، وَفِي (حاوي)
الْحَنَابِلَة: وكل مَا لَا يقسم وَلَا هُوَ مُتَّصِل
بعقار كالسيف والجوهرة وَالْحجر وَالْحَيَوَان وَمَا فِي
معنى ذَلِك، فَفِي وجوب الشُّفْعَة فِيهِ رِوَايَتَانِ
ذكرهمَا ابْن أبي مُوسَى، وَلَا تُؤْخَذ الثِّمَار
بِالشُّفْعَة تبعا، ذكره القَاضِي. وَقَالَ أَبُو الْخطاب،
تُؤْخَذ، وعَلى ذَلِك يخرج الزَّرْع، وَلَا شُفْعَة فِيمَا
يقسم من المنقولات بِحَال. وَقَالَ النَّوَوِيّ فِي
(الرَّوْضَة) ؛ وَلَا شُفْعَة فِي المنقولات سَوَاء
بِيعَتْ وَحدهَا أم مَعَ الأَرْض، وَيثبت فِي الأَرْض
سَوَاء بيع الشّقص مِنْهَا وَحده أم مَعَ شَيْء من
المنقولات، وَمَا كَانَ مَنْقُولًا ثمَّ أثبت فِي الأوض
للدوام كالأبنية وَالْأَشْجَار، فَإِن بِيعَتْ مُنْفَرِدَة
فَلَا شُفْعَة فِيهَا على الصَّحِيح.
(12/20)
وَلَو كَانَ على الشّجر ثَمَرَة مؤبرة
وأدخلت فِي البيع بِالشّرطِ لم تثبت فِيهَا الشُّفْعَة،
فَيَأْخُذ الشَّفِيع الأَرْض والنخيل بحصتهما، وَإِن
كَانَت غير مؤبرة دخلت فِي البيع، وَهل للشَّفِيع أَخذهَا؟
وَجْهَان أَو قَولَانِ أصَحهمَا: نعم. انْتهى.
ثمَّ اخْتلف من يَقُول بِالشُّفْعَة للْجَار، فَقَالَ
أَصْحَابنَا الْحَنَفِيَّة: لَا شُفْعَة إلاَّ للْجَار
الملازق، وَقَالَ الْحسن بن حَيّ: للْجَار مُطلقًا بعد
الشَّرِيك، وَقَالَ آخَرُونَ: الْجَار الَّذِي تجب لَهُ
الشُّفْعَة أَرْبَعُونَ دَارا حول الدَّار. وَقَالَ
آخَرُونَ: من كل جَانب من جَوَانِب الدَّار أَرْبَعُونَ
دَارا. وَقَالَ آخَرُونَ: هُوَ كل من صلى مَعَه صَلَاة
الصُّبْح فِي الْمَسْجِد، وَقَالَ بَعضهم: أهل الْمَدِينَة
كلهم جيران، وَحجَّة أَصْحَابنَا فِيمَا ذَهَبُوا إِلَيْهِ
أَحَادِيث رويت عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم.
مِنْهَا: مَا رَوَاهُ الطَّحَاوِيّ بِإِسْنَاد صَحِيح،
فَقَالَ: حَدثنَا إِبْرَاهِيم بن أبي دَاوُد البرنسي،
قَالَ: حَدثنَا عَليّ ابْن صَالح الْقطَّان وَأحمد بن
حبَان، قَالَا: حَدثنَا عِيسَى بن يُونُس، قَالَ: حَدثنَا
سعيد بن أبي عرُوبَة عَن قَتَادَة عَن أنس أَن رَسُول الله
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: (جَار الدَّار أَحَق
بِالدَّار) . وَأخرجه الْبَزَّار أَيْضا فِي (مُسْنده) .
فَإِن قلت: قَالَ التِّرْمِذِيّ: وَلَا يعرف حَدِيث
قَتَادَة عَن أنس إلاَّ من حَدِيث عِيسَى بن يُونُس؟ قلت:
مَا لعيسى بن يُونُس فَإِنَّهُ حجَّة ثَبت، فَقَالَ ابْن
الْمَدِينِيّ حِين سُئِلَ عَنهُ: بخٍ بخٍ ثِقَة مَأْمُون،
وَقَالَ مُحَمَّد بن عبد الله بن عمار عِيسَى: حجَّة،
وَهُوَ أثبت من إِسْرَائِيل. وَقَالَ الْعجلِيّ: كَانَ
ثبتا فِي الحَدِيث، فَإِذا كَانَ كَذَلِك فَلَا يضر كَون
الحَدِيث عَنهُ وَحده. وَمِنْهَا: حَدِيث سَمُرَة بن
جُنْدُب أخرجه التِّرْمِذِيّ، وَقَالَ: حَدثنَا عَليّ بن
حجر، قَالَ: أخبرنَا إِسْمَاعِيل بن علية عَن سعيد عَن
قَتَادَة عَن الْحسن عَن سَمُرَة بن جُنْدُب، قَالَ: قَالَ
رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (جَار الدَّار أَحَق
بِالدَّار) . وَقَالَ التِّرْمِذِيّ: حَدِيث حسن صَحِيح،
وَأخرجه الطَّحَاوِيّ من سِتَّة طرق صِحَاح أَحدهَا
مُرْسل. فَإِن قلت: الْحسن لم يسمع من سَمُرَة إلاَّ
ثَلَاثَة أَحَادِيث، وَهَذَا لَيْسَ مِنْهَا؟ قلت: قَالَ
التِّرْمِذِيّ عَن البُخَارِيّ، رَضِي الله تَعَالَى
عَنهُ: إِنَّه سمع مِنْهُ عدَّة أَحَادِيث، وَقَالَ
الْحَاكِم فِي أثْنَاء كتاب الْبيُوع من (الْمُسْتَدْرك) :
قد احْتج البُخَارِيّ بالْحسنِ عَن سَمُرَة، وَذَلِكَ بعد
أَن روى حَدِيثا من رِوَايَة الْحسن عَن سَمُرَة.
وَمِنْهَا: حَدِيث عَليّ بن أبي طَالب وَعبد الله بن
مَسْعُود، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا، أخرجه
الطَّحَاوِيّ، وَقَالَ: حَدثنَا أَبُو بكرَة حَدثنَا أَبُو
أَحْمد، قَالَ: حَدثنَا سُفْيَان عَن مَنْصُور عَن الحكم
عَمَّن سمع عليا وَعبد الله بن مَسْعُود يَقُولَانِ: قضى
رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، بالجوار. وَأخرجه
ابْن أبي شيبَة فِي (مُصَنفه) قَالَ: حَدثنَا جرير بن عبد
الحميد عَن مَنْصُور عَن الحكم عَن عَليّ وَعبد الله
قَالَا: قضى رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم،
بِالشُّفْعَة للجوار. قلت: فِي سَنَد الطَّحَاوِيّ
مَجْهُول، وَفِي سَنَد ابْن أبي شيبَة الحكم عَن عَليّ،
وَالْحكم لم يدْرك عليا وَلَا عبد الله. وَمِنْهَا: حَدِيث
عَمْرو بن حُرَيْث، أخرجه الطَّحَاوِيّ بِإِسْنَاد صَحِيح
مثل الحَدِيث الَّذِي قبله، وَأخرجه ابْن أبي شيبَة
مَوْقُوفا على عَمْرو بن حُرَيْث أَنه: كَانَ يقْضِي
بالجوار، أَي يقْضِي للْجَار بِالشُّفْعَة بِسَبَب
الْجوَار، وروى الطَّحَاوِيّ أَيْضا بِإِسْنَادِهِ إِلَى
عمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، أَنه كتب إِلَى شُرَيْح
أَن يقْضِي بِالشُّفْعَة للْجَار الملازق، وَأخرجه أَيْضا
ابْن أبي شيبَة نَحوه، وَفِيه: فَكَانَ شُرَيْح يقْضِي
للرجل من أهل الْكُوفَة على الرجل من أهل الشَّام، وَأجَاب
الْأَصْحَاب عَن حَدِيث الْبَاب أَن جَابِرا قَالَ: جعل
رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الشُّفْعَة فِي كل
مَال لم يقسم، وَلَفظه فِي حَدِيثه الثَّانِي الَّذِي
يَأْتِي عقيب هَذَا الْبَاب: قضى النَّبِي صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم بِالشُّفْعَة فِي كل مَا لم يقسم،
وَهَذَانِ اللفظان إِخْبَار عَن النَّبِي صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم بِمَا قضى، ثمَّ قَالَ بعد ذَلِك، فَإِذا
وَقعت الْحُدُود ... إِلَى آخِره، وَهَذَا قَول من رأى
جَابِرا لم يحكه عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم،
وَإِنَّمَا يكون هَذَا حجَّة علينا أَن لَو كَانَ رَسُول
الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ ذَلِك على أَنه روى
عَن جَابر أَيْضا أَنه قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم: الْجَار أَحَق بشفعة جَاره، فَإِن كَانَ
غَائِبا انْتظر إِذا كَانَ طريقهما وَاحِدًا، أخرجه
الطَّحَاوِيّ من ثَلَاث طرق صِحَاح. وَأخرجه أَبُو دَاوُد
وَالتِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ وَابْن مَاجَه أَيْضا،
وَقَالَ التِّرْمِذِيّ: هَذَا حَدِيث حسن غَرِيب وَلَا
نعلم أحدا روى هَذَا الحَدِيث غير عبد الْملك بن مَالك بن
أبي سُلَيْمَان عَن عَطاء عَن جَابر، وَقد تكلم شُعْبَة
فِي عبد الْملك من أجل هَذَا الحَدِيث، وَعبد الْملك ثِقَة
مَأْمُون عِنْد أهل الحَدِيث لَا نعلم أحدا تكلم فِيهِ غير
شُعْبَة من أجل هَذَا الحَدِيث، وَقد روى وَكِيع عَن
شُعْبَة عَن عبد الْملك هَذَا الحَدِيث، وروى عَن ابْن
الْمُبَارك عَن سُفْيَان الثَّوْريّ، قَالَ: عبد الْملك بن
أبي سُلَيْمَان ميزَان، يَعْنِي: فِي الْعلم.
(12/21)
|