عمدة القاري شرح
صحيح البخاري 8 - (بابٌ إذَا وكِّل رَجُلٌ أنْ يُعْطِيَ
شَيْئا ولَمْ يُبَيِّنْ كَمْ يُعْطِي فأعْطَى عَلَى مَا
يتَعَارَفُهُ الناسُ)
أَي: هَذَا بَاب يذكر فِيهِ إِذا وكل رجل رجلا أَن يُعْطي
شَيْئا وَلم يعين أَي: الَّذِي وكل كم يُعْطي أَي:
الْوَكِيل فَأعْطى أَي: الْوَكِيل على مَا يتعارفه
النَّاس، أَي: على عرف النَّاس فِي هَذِه الصُّورَة،
وَجَزَاء: إِذا، مَحْذُوف تَقْدِيره: فَهُوَ جَائِز أَو
نَحوه.
(12/138)
9032 - حدَّثنا المَكِّيُ بنُ إبْرَاهِيمَ
قَالَ حَدثنَا ابنُ جُرَيْجٍ عنْ عَطَاءِ بنِ أبِي رَبَاحٍ
وغَيْرِهِ يَزِيدُ بَعْضُهُمْ عَلى بَعْضٍ ولَمْ
يُبَلِّغْهُ كُلُّهُمْ رَجُلٌ واحِدٌ مِنْهُمْ عنْ جابِرِ
بنِ عَبْدِ الله رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا قَالَ
كُنْتُ مَعَ النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي سَفَرٍ
فكُنْتُ عَلَى جَمَلٍ ثَفالٍ إنَّما هُوَ فِي آخِرِ
الْقَوْمِ فمَرَّ بِي النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
فقالِ مَنْ هَذَا قُلْتُ جابِرُ بنُ عَبْدِ الله قَالَ مَا
لَكَ قلْتُ إنِّي على جَمَلٍ ثَفالٍ قَالَ أمَعَكَ قَضيبٌ
قُلْتُ نَعَمْ قَالَ أعْطِنِيهِ فأعْطَيْتُهُ فَضَرَبهُ
فزَجَرهُ فكانَ مِنْ ذَلِكَ المَكانِ مِنْ أوَّلِ
الْقَوْمِ قَالَ بِعْنِيهِ فقُلْتُ بلْ هُوَ لكَ يَا رسولَ
الله قَالَ بِعْنِيهِ قَدْ أخَذْتُهُ بأرْبَعَةِ دَنانِيرَ
ولَكَ ظَهْرُهُ إِلَى المَدِينَةِ فلَمَّا دَنَوْنَا مِنَ
المَدِينَةِ أخَذْتُ أرْتَحِلُ قَالَ أيْنَ تُرِيدُ قُلْتُ
تَزَوَّجْتُ امْرَأةً قَدْ خلاَ مِنْها زَوْجُها قَالَ
فهَلاَّ جارِيةً تُلاعِبُها وتُلاعِبُكَ قلْتُ إنَّ أبي
تُوَفِّيَ وتَرَكَ بَناتٍ فأردْتُ أنْ أنْكِحَ امرَأةً
قَدْ جَرَّبَتْ خَلا مِنْها قَالَ فَذَلِكَ فلَمَّا
قَدِمنا المَدِينَةِ قَالَ يَا بِلاَلُ إقْضِيه وزِدْهُ
فأعْطَاهُ أرْبَعَةَ دَنانِيرَ وزَادَهُ قِيرَاطا قَالَ
جابرٌ لاَ تُفَارِقُنِي زِيادَةُ رسولِ الله صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم فلَمْ يَكنِ القِيرَاطُ يُفَارِقُ جِرَابَ
جَابِرِ بنِ عَبْدِ الله. .
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم:
(يَا بِلَال اقضِهِ وزده، فَأعْطَاهُ أَرْبَعَة دَنَانِير
وزاده قيراطا) فَإِنَّهُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لم يذكر
مِقْدَار مَا يُعْطِيهِ عِنْد أمره بِالزِّيَادَةِ، فاعتمد
بِلَال، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، على الْعرف فِي ذَلِك،
فزاده قيراطا.
وَرِجَال هَذَا الحَدِيث قد ذكرُوا غير مرّة، وَابْن جريج
هُوَ عبد الْملك بن عبد الْعَزِيز بن جريج الْمَكِّيّ.
والْحَدِيث أخرجه البُخَارِيّ أَيْضا فِي الشُّرُوط.
وَأخرجه مُسلم فِي الْبيُوع عَن أبي بكر بن أبي شيبَة عَن
يحيى بن زَكَرِيَّا بن أبي زَائِدَة عَنهُ عَن عَطاء عَن
جَابر أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ لَهُ:
قد أخذت جملك بأَرْبعَة دَنَانِير، وَلَك ظَهره إِلَى
الْمَدِينَة لم يزدْ على هَذَا، وَقد ذكر البُخَارِيّ فِي
كتاب الْبيُوع: حَدثنَا مُحَمَّد بن بشار حَدثنَا عبد
الْوَهَّاب حَدثنَا عبيد الله عَن وهب بن كيسَان عَن جَابر
بن عبد الله، قَالَ: كنت مَعَ النَّبِي، صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم، فِي غزَاة فأبطأني جملي. . الحَدِيث مطولا، وَفِيه:
فَأمر بِلَالًا أَن يزن لي أُوقِيَّة، فوزن لي بِلَال
فأرجح. وَقَالَ بَعضهم: وَقد تقدم فِي الْحَج شَيْء من
ذَلِك. قلت: لَيْسَ فِي الْحَج شَيْء من ذَلِك، وَإِنَّمَا
الَّذِي تقدم فِي كتاب الْبيُوع فِي: بَاب شِرَاء
الدَّوَابّ وَالْحمير، وَهُوَ الَّذِي ذَكرْنَاهُ الْآن.
ذكر مَعْنَاهُ: قَوْله: (عَن عَطاء بن أبي رَبَاح وَغَيره
يزِيد بَعضهم على بعض وَلم يبلغهُ كلهم رجل وَاحِد مِنْهُم
عَن جَابر) كَذَا وَقع فِي أَكثر نسخ البُخَارِيّ، وَقَالَ
بَعضهم: عَن عَطاء بن أبي رَبَاح وَغَيره يزِيد بَعضهم على
بعض لم يبلغهُ كُله رجل مِنْهُم، ثمَّ قَالَ: كَذَا
للْأَكْثَر، وَكَذَا وَقع عِنْد الْإِسْمَاعِيلِيّ أَي:
لَيْسَ جَمِيع الحَدِيث عِنْد وَاحِد مِنْهُم بِعَيْنِه،
وَإِنَّمَا عِنْد بَعضهم مِنْهُ مَا لَيْسَ عِنْد الآخر.
انْتهى. قلت: فِي (شرح عَلَاء الدّين صَاحب (التَّلْوِيح)
بِخَطِّهِ وَضَبطه: عَن عَطاء وَغَيره إِلَى آخِره، مثل
مَا ذَكرْنَاهُ الْآن بِعَيْنِه، ثمَّ قَالَ: كَذَا فِي
أَكثر نسخ البُخَارِيّ، ثمَّ قَالَ: وَفِي
الْإِسْمَاعِيلِيّ لم يبلغهُ كل رجل مِنْهُم عَن جَابر،
ثمَّ قَالَ: وَهَذَا لفظ حَدِيث حَرْمَلَة عَن ابْن وهب،
أَنبأَنَا ابْن جريج، وَعند أبي نعيم: لم يبلغهم كلهم
إلاَّ رجل وَاحِد عَن جَابر، وَكَذَا هُوَ عِنْد أبي
مَسْعُود الدِّمَشْقِي فِي كتاب (الْأَطْرَاف) وَتَبعهُ
الْمزي، وَفِيه نظر، إِذْ ذكرَاهُ من (صَحِيح البُخَارِيّ)
ثمَّ قَالَ الشَّيْخ عَلَاء الدّين الْمَذْكُور: وَفِي بعض
النّسخ المقروءة على شَيخنَا الْحَافِظ أبي مُحَمَّد
التوني على يبلغهُ، ضمة على الْيَاء وفتحة على الْبَاء
وَشدَّة على اللَّام وجزمة على الْغَيْن. وَفِي أُخْرَى
على الْيَاء فَتْحة وعَلى الْبَاء جزمة، ثمَّ قَالَ:
وَقَالَ ابْن التِّين مَعْنَاهُ أَن بَعضهم بَينه وَبَين
جَابر غَيره، قَالَ: وَفِي رِوَايَة لم يبلغهُ كلهم، وكل
وَاحِد مِنْهُم عَن جَابر، وَفِي (التَّوْضِيح) : وبخط
الدمياطي لم يبلغهُ بِضَم أَوله وَكسر ثالثه مشددا، ثمَّ
قَالَ: وَذكر ابْن التِّين أَن فِي رِوَايَة: (وكل) ، بدل
رجل، وَقَالَ الْكرْمَانِي: بَعضهم، الضَّمِير فِيهِ رَاجع
إِلَى الْغَيْر، وَهُوَ فِي معنى الْجمع وَفِي: لم يبلغهُ،
إِلَى الحَدِيث أَو إِلَى الرَّسُول، وَرجل يدل عَن الْكل،
وَعَن جَابر مُتَعَلق بعطاء، وَفِي أَكثر الرِّوَايَات
لَفْظَة: الْغَيْر، بِالْجَرِّ، وَأما رَفعه
(12/139)
فَهُوَ على الِابْتِدَاء، وَيزِيد خَبره،
وَيحْتَمل أَن يكون: رجل، فَاعل فعل مُقَدّر نَحْو: بلغه،
وعَلى التقادير: لَا يخفى مَا فِي هَذَا التَّرْكِيب من
التعجرف، وَلَو كَانَ كلمة: كلهم، ضمير الْفَرد لَكَانَ
ظَاهرا. انْتهى. قلت: التعجرف الَّذِي ذكره من الروَاة
والتعجرف والعجرفة والعجرفيه بِمَعْنى: يُقَال فلَان
يتعجرف على فلَان إِذا كَانَ يركبه بِمَا يكره، وَلَا يهاب
شَيْئا، وَيُقَال: جمل فِيهِ تعجرف وعجرفة إِذا كَانَ
فِيهِ خرق وَقلة مبالاة لسرعته، وَالصَّوَاب هُنَا
التَّرْكِيب الَّذِي فِي رِوَايَة الْمَكِّيّ بن
إِبْرَاهِيم الْمَذْكُور فِي سَنَده. قَوْله: (وَغَيره)
بِالْجَرِّ، أَي: وَعَن غير عَطاء. قَوْله: (يزِيد بَعضهم
على بعض) ، حَال وَالضَّمِير فِي بَعضهم يرجع إِلَى لفظ
غَيره، لِأَن غير عَطاء يحْتَمل أَن يكون جمعا. قَوْله:
(وَلم يبلغهُ) ، أَيْضا حَال، أَي: وَالْحَال أَنهم لم
يبلغُوا الحَدِيث، بل بلغه رجل وَاحِد مِنْهُم، فَلَا بُد
من تَقْدِير عل قبل رجل ليستقيم الْمَعْنى، وَغير هَذَا
الْوَجْه معجرف. قَوْله: (على ثفال) ، بِفَتْح الثَّاء
الْمُثَلَّثَة وَالْفَاء الْخَفِيفَة: وَهُوَ الْبَعِير
البطيء السّير الثقيل الْحَرَكَة، والثفال، بِكَسْر
الثَّاء جلد أَو كسَاء يوضع تَحت الرَّحَى، يَقع عَلَيْهِ
الدَّقِيق. وَقَالَ ابْن التِّين: وَصوب كسر الثَّاء،
هُنَاكَ قَالَه ابْن فَارس، (فَكَانَ من ذَلِك الْمَكَان)
، أَي: فَكَانَ الْجمل من مَكَان الضَّرْب من أَوَائِل
الْقَوْم، وَفِي مباديهم ببركة رَسُول الله، صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم، حَيْثُ تبدل ضعفه بِالْقُوَّةِ. قَوْله:
(بل هُوَ لَك يَا رَسُول الله) أَي: بِغَيْر ثمن. قَوْله:
(قَالَ: بل بعنيه) ، أَي: قَالَ رَسُول الله صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم: بل بِعني الْجمل بِالثّمن، وَذكر كلمة:
بل، للإضراب عَن قَول جَابر إِنَّه لَا يَأْخُذهُ بِلَا
ثمن. قَوْله: (قَالَ: قد أَخَذته بأَرْبعَة دَنَانِير)
أَي: قَالَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: قد أخذت الْجمل
بأَرْبعَة دَنَانِير، فِيهِ ابْتِدَاء المُشْتَرِي بِذكر
الثّمن، كَذَا هُوَ بِخَط الْحَافِظ الدمياطي، وَذكره
الدَّاودِيّ الشَّارِح بِلَفْظ: أَربع الدَّنَانِير،
وَقَالَ: سَقَطت التَّاء لما دخلت الْألف وَاللَّام،
وَذَلِكَ جَائِز فِيمَا دون الْعشْرَة، وَاعْترض عَلَيْهِ
ابْن التِّين بِأَنَّهُ قَول مخترع لم يقلهُ أحد غَيره.
قَوْله: (وَلَك ظَهره إِلَى الْمَدِينَة) أَي: لَك أَن
تركب إِلَى الْمَدِينَة، وَهَذَا إِعَارَة من رَسُول الله
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَهُ، وَإِبَاحَة للِانْتِفَاع
لَا أَنه كَانَ شرطا للْبيع. وَقَالَ الدَّاودِيّ: إِذا
كَانَ على قرب مثل تِلْكَ الْمسَافَة، وَإِن كَانَ روى
عَنهُ كَرَاهَة ذَلِك، وَلَا يجوز فِيمَا بعد عَنهُ،
وَقَالَ قوم: ذَلِك جَائِز، وَإِن بعد، وَقَالَت فرقة: لَا
يجوز وَإِن قرب. قَوْله: (قد خلا مِنْهَا) أَي: مَاتَ
عَنْهَا زَوجهَا. قَوْله: (فَهَلا جَارِيَة) ، انتصاب
جَارِيَة بِفعل مُقَدّر، أَي: هلا تزوجت جَارِيَة. قَوْله:
(قد جربت) أَي: اختبرت حوادث الدَّهْر وَصَارَت ذَات تجربة
تقدر على تعهد إخواتي وتفقد أحوالهن. قَوْله: (قَالَ:
فَذَلِك) ، أَي: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم: فَذَلِك، وَهُوَ مُبْتَدأ خبر مَحْذُوف أَي:
فَذَلِك مبارك. وَنَحْوه. قَوْله: (إقضه) ، أَي: اقْضِ
دينه، وَهُوَ ثمن الْجمل. قَوْله: (وزده) أَي: زد على
الثّمن، وَهُوَ أَمر من زَاد يزِيد، نَحْو: بَاعَ يَبِيع،
وَالْأَمر مِنْهُ: بِعْ، بِالْكَسْرِ. قَوْله: (فَلم يكن
القيراط يُفَارق جراب جَابر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ) ،
وَهَذَا من قَول عَطاء الرَّاوِي، كَذَا وَقع لفظ: جراب،
بِالْجِيم فِي رِوَايَة الْأَكْثَرين، وَفِي رِوَايَة
النَّسَفِيّ: قرَاب، بِالْقَافِ وَهُوَ الَّذِي يدْخل
فِيهِ السَّيْف بغمده، قَالَ الدَّاودِيّ: القراب خريطة،
ورد عَلَيْهِ ابْن التِّين: بِأَن الخريطة لَا يُقَال
لَهَا: قرَاب، وَقد زَاد مُسلم فِي آخر هَذَا الحَدِيث،
فَأَخذه أهل الشَّام يَوْم الْحرَّة.
وَمِمَّا يُسْتَفَاد من هذاالحديث: أَن الْمُتَعَارف بَين
النَّاس مثل النَّص عَلَيْهِ، وَعَن هَذَا قَالَ ابْن
بطال: والمأمور بِالصَّدَقَةِ إِذا أعْطى مَا يتعارفه
النَّاس جَازَ وَنفذ، فَإِن أعْطى أَكثر مِمَّا يتعارفه
النَّاس يتَوَقَّف ذَلِك على رضَا صَاحب المَال، فَإِن
أجَاز ذَلِك وإلاَّ رَجَعَ عَلَيْهِ بِمِقْدَار ذَلِك،
وَالدَّلِيل على ذَلِك أَنه لَو أمره أَن يُعْطي فلَانا
قَفِيزا فَأعْطَاهُ قفيزين ضمن الزِّيَادَة بِالْإِجْمَاع.
9 - (بابُ وكالَةِ الإمْرَأةِ الإمامَ فِي النِّكَاحِ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان حكم تَوْكِيل الْمَرْأَة
الإِمَام فِي عقد النِّكَاح وَالْوكَالَة يَعْنِي:
التَّوْكِيل مصدر مُضَاف إِلَى فَاعله، وَالْإِمَام،
بِالنّصب مَفْعُوله، وَفِي بعض النّسخ وكَالَة الْمَرْأَة.
0132 - حدَّثنا عبْدُ الله بنُ يُوسُفَ أخبرنَا مالِكٌ عنْ
أبِي حازِمٍ عنْ سَهْلِ بنِ سَعْدٍ قَالَ جاءَتْ امْرأةٌ
إِلَى رسولِ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فقالَتْ يَا
رسولَ الله إنِّي قَدْ وهَبْتُ لَكَ مِنْ نَفْسِي فَقالَ
رَجُلٌ زَوِّجْنِيهَا قَالَ قَدْ زَوَّجْنَاكَهَا بِمَا
معَكَ مِنَ القُرآنِ. .
(12/140)
مطابقته للتَّرْجَمَة من حَيْثُ إِن
الْمَرْأَة لما قَالَت لرَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم: قد وهبت لَك نَفسِي، كَانَ ذَلِك كَالْوكَالَةِ على
تَزْوِيجهَا من نَفسه أَو مِمَّن رأى تَزْوِيجهَا مِنْهُ،
وَقد جَاءَ فِي كتاب النِّكَاح أَنَّهَا جعلت أمرهَا
إِلَيْهِ صَرِيحًا، وَهُوَ طَرِيق من طرق حَدِيث الْبَاب،
وَبِهَذَا يُجَاب عَمَّا قَالَه الدَّاودِيّ أَنه لَيْسَ
فِي الحَدِيث أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم استأذنها،
وَلَا أَنَّهَا وكلته. وَأَبُو حَازِم، بِالْحَاء
الْمُهْملَة وبالزاي: اسْمه سَلمَة بن دِينَار الْأَعْرَج،
وَسَهل بن سعد بن مَالك السَّاعِدِيّ الْأنْصَارِيّ.
والْحَدِيث أخرجه البُخَارِيّ أَيْضا فِي التَّوْحِيد
وَفِي النِّكَاح عَن عبد الله بن يُوسُف أَيْضا. وَأخرجه
أَبُو دَاوُد فِي النِّكَاح عَن القعْنبِي. وَأخرجه
التِّرْمِذِيّ فِيهِ عَن الْحسن بن عَليّ. وَأخرجه
النَّسَائِيّ فِيهِ وَفِي فَضَائِل الْقُرْآن عَن هَارُون
بن عبد الله.
ذكر مَعْنَاهُ: قَوْله: (جَاءَت امْرَأَة) ، اخْتلف فِي
اسْمهَا، فَقيل: هِيَ خَوْلَة بنت حَكِيم، وَقيل: هِيَ أم
شريك الْأَزْدِيَّة. وَقيل مَيْمُونَة، ذكر هَذِه
الْأَقْوَال أَبُو الْقَاسِم بن بشكوال فِي كتاب
(المبهمات) : وَالصَّحِيح أَنَّهَا خَوْلَة أَو أم شريك،
لِأَنَّهُمَا، وَإِن كَانَتَا مِمَّن وهبت نفسهما للنَّبِي
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَلكنه لم يتَزَوَّج بهما، وَأما
مَيْمُونَة فَإِنَّهَا إِحْدَى زَوْجَاته صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم، فَلَا يَصح أَن تكون هَذِه، لِأَن هَذِه
قد زَوجهَا لغيره، وَقد روى الْبَيْهَقِيّ من رِوَايَة
سماك عَن عِكْرِمَة عَن ابْن عَبَّاس. قَالَ: لم يكن عِنْد
النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم امْرَأَة وهبت نَفسهَا
لَهُ، لِأَنَّهُ لم يقبلهن وَإِن كن حَلَالا. قَوْله:
(وهبت لَك من نَفسِي) ويروى: (وهبت لَك نَفسِي، بِدُونِ
كلمة: من. قَالَ النَّوَوِيّ: قَول الْفُقَهَاء: وهبت من
فلَان كَذَا، مِمَّا يُنكر عَلَيْهِم. قلت: لَا وَجه
للإنكار لِأَن: من، تَجِيء زَائِدَة فِي الْمُوجب، وَهِي
جَائِزَة عِنْد الْأَخْفَش والكوفيين. قَوْله: (فَقَالَ
رجل: زوجنيها) ، وَلَفظه فِي النِّكَاح: (فَقَامَ رجل من
أَصْحَابه فَقَالَ: يَا رَسُول الله {إِن لم يكن لَك بهَا
حَاجَة فزوجنيها) . قَوْله: (قد زَوَّجْنَاكهَا بِمَا
مَعَك من الْقُرْآن) . وَاخْتلفت الرِّوَايَات فِي هَذِه
اللَّفْظَة، فَفِي رِوَايَة مُسلم وَأبي دَاوُد
وَالتِّرْمِذِيّ: (زوجتكها بِمَا مَعَك من الْقُرْآن) ،
وَفِي رِوَايَة للْبُخَارِيّ: ملكتكها، وَفِي رِوَايَة
لَهُ: أملكناكها، وَفِي رِوَايَة أبي ذَر الْهَرَوِيّ:
أمكناكها، وَفِي أَكثر رِوَايَات (الْمُوَطَّأ) :
أنكحتكها، وَكَذَا فِي رِوَايَة للْبُخَارِيّ، وَفِي
رِوَايَة لمُسلم فِي أَكثر نسخه: ملكتكها، على بِنَاء
الْمَجْهُول، وَكَذَا نَقله القَاضِي عِيَاض عَن رِوَايَة
الْأَكْثَرين لمُسلم، وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيّ: رِوَايَة
من روى: ملكتكها، وهم، قَالَ: الصَّوَاب رِوَايَة من روى:
زوجتكها، قَالَ: وهم أَكثر وأحفظ. وَقَالَ النَّوَوِيّ:
وَيحْتَمل صِحَة اللَّفْظَيْنِ، وَيكون جرى لفظ
التَّزْوِيج أَولا فملكها، ثمَّ قَالَ لَهُ: إذهب فقد
ملكتكها بِالتَّزْوِيجِ السَّابِق. قلت: هَذَا هُوَ
الْوَجْه، وَقد ذكرنَا أَن البُخَارِيّ أخرج هَذَا
الحَدِيث فِي التَّوْحِيد، وَلكنه مُخْتَصر جدا. وَأخرجه
فِي كتاب النِّكَاح فِي: بَاب تَزْوِيج الْمُعسر، وَلَفظه:
جَاءَت امْرَأَة إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم، فَقَالَت: يَا رَسُول الله} جِئْت أهب لَك نَفسِي.
قَالَ: فَنظر إِلَيْهَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم، فَصَعدَ النّظر إِلَيْهَا وَصَوَّبَهُ، ثمَّ طأطأ
رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم رَأسه، فَلَمَّا
رَأَتْ الْمَرْأَة أَنه لم يقضِ فِيهَا شَيْئا، جَلَست،
فَقَامَ رجل من أَصْحَابه، فَقَالَ: يَا رَسُول الله إِن
لم يكن لَك بهَا حَاجَة فزوجنيها. قَالَ: وَهل عنْدك من
شَيْء؟ قَالَ: لَا، وَالله يَا رَسُول الله! فَقَالَ: إذهب
إِلَى أهلك فَانْظُر. هَل تَجِد شَيْئا؟ فَذهب ثمَّ
رَجَعَ، فَقَالَ: لَا وَالله يَا رَسُول الله مَا وجدت
شَيْئا، فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم:
أنظر وَلَو خَاتمًا من حَدِيد، وَلَكِن هَذَا إزَارِي.
قَالَ: مَاله رادء فلهَا نصفه، فَقَالَ رَسُول الله صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم: مَا تصنع بإزارك إِن لبسته لم يكن
عَلَيْهَا مِنْهُ شَيْء، وَإِن لبسته لم يكن عَلَيْك
مِنْهُ شَيْء؟ فَجَلَسَ الرجل حَتَّى إِذا طَال مَجْلِسه،
قَامَ فَرَآهُ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم موليا،
فَأمر بِهِ، فدعي، فَلَمَّا جَاءَ قَالَ لَهُ: مَاذَا
مَعَك من الْقُرْآن؟ قَالَ: معي سُورَة كَذَا وَكَذَا،
عَددهَا، قَالَ: تقرؤهن عَن ظهر قَلْبك؟ قَالَ: نعم،
قَالَ: إذهب فقد ملكتكها بِمَا مَعَك من الْقُرْآن.
وَإِنَّمَا سقنا هَذَا هَهُنَا لِأَنَّهُ كالشرح لحَدِيث
الْبَاب يُوضح مَا فِيهِ من الْأَحْكَام.
ذكر مَا يُسْتَفَاد مِنْهُ: وَهُوَ يشْتَمل على أَحْكَام:
الأول فِيهِ: جَوَاز هبة الْمَرْأَة نَفسهَا للنَّبِي صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم، وَهُوَ من خَصَائِصه، لقَوْله
تَعَالَى: {وَامْرَأَة مُؤمنَة إِن وهبت نَفسهَا للنَّبِي}
(الْأَحْزَاب:: 05) . الْآيَة ... قَالَ ابْن الْقَاسِم
عَن مَالك: لَا تحل الْهِبَة لأحد بعد النَّبِي صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم، وَقَالَ أَبُو عمر: أجمع الْعلمَاء على
أَنه لَا يجوز أَن يطَأ فرجا وهب لَهُ وَطْؤُهُ دون رقبته
بِغَيْر صدَاق.
الثَّانِي فِيهِ: أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يجوز لَهُ
اسْتِبَاحَة من شَاءَ مِمَّن وهبت نَفسهَا لَهُ بِغَيْر
صدَاق، وَهَذَا أَيْضا من الخصائص.
الثَّالِث: اسْتدلَّ بِهِ أَبُو حنيفَة وَالثَّوْري
وَأَبُو يُوسُف وَمُحَمّد وَالْحسن بن حَيّ، على أَن
النِّكَاح ينْعَقد بِلَفْظ الْهِبَة، فَإِن سمى مهْرا
لزمَه، وَإِن لم يسم فلهَا مهر الْمثل؟ قَالُوا: وَالَّذِي
خص بِهِ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم تعرى الْبضْع
من الْعِوَض لَا النِّكَاح، بِلَفْظ الْهِبَة: وَعَن
الشَّافِعِي
(12/141)
لَا ينْعَقد إلاَّ بِالتَّزْوِيجِ أَو
الْإِنْكَاح، وَبِه قَالَ ربيعَة وَأَبُو ثَوْر وَأَبُو
عبيد وَدَاوُد وَآخَرُونَ. وَقَالَ ابْن الْقَاسِم: إِن
وهب ابْنَته وَهُوَ يُرِيد إنكاحها فَلَا أحفظه عَن مَالك،
وَهُوَ عِنْدِي جَائِز كَالْبيع، وَحَكَاهُ ابْن عبد الْبر
عَن أَكثر الْمَالِكِيَّة الْمُتَأَخِّرين، ثمَّ قَالَ:
الصَّحِيح أَنه لَا ينْعَقد بِلَفْظ الْهِبَة نِكَاح كَمَا
أَنه لَا ينْعَقد بِلَفْظ النِّكَاح هبة شَيْء من
الْأَمْوَال وَفِي الْجَوَاهِر، أَرْكَان النِّكَاح
أَرْبَعَة: الصِّيغَة: وَهِي كل لفظ يَقْتَضِي التَّمْلِيك
على التَّأْبِيد فِي حَال الْحَيَاة كالإنكاح
وَالتَّزْوِيج وَالتَّمْلِيك وَالْبيع وَالْهِبَة، وَمَا
فِي مَعْنَاهَا، قَالَ القَاضِي أَبُو الْحسن، وَلَفظ
الصَّدَقَة، وَفِي (الرَّوْضَة) للنووي: وَلَا ينْعَقد
بِغَيْر لفظ التَّزْوِيج والإنكاح، وَكَذَا قَالَ فِي
(حاوي) الْحَنَابِلَة.
الرَّابِع فِيهِ: اسْتِحْبَاب عرض الْمَرْأَة نَفسهَا على
الرجل الصَّالح ليتزوجها.
الْخَامِس: فِيهِ: أَنه يسْتَحبّ لمن طلبت إِلَيْهِ حَاجته
وَهُوَ لَا يُرِيد أَن يَقْضِيهَا أَن لَا يخجل الطَّالِب
بِسُرْعَة الْمَنْع، بل يسكت سكُوتًا يفهم السَّائِل ذَلِك
مِنْهُ، أللهم إلاَّ إِذا لم يفهم السَّائِل ذَلِك إلاَّ
بِصَرِيح الْمَنْع، فَيصح. وَفِي رِوَايَة للْبُخَارِيّ من
رِوَايَة حَمَّاد بن زيد عَن أبي حَازِم: التَّصْرِيح
بِالْمَنْعِ، بقوله فَقَالَ مَالك: مَا لي الْيَوْم فِي
النِّسَاء حَاجَة.
السَّادِس فِيهِ: أَن من طلب حَاجَة يُرِيد بهَا الْخَيْر
فَسكت عَنهُ لَا يرجع من أول وهلة لاحْتِمَال قَضَائهَا
فِيمَا بعد، وَفِي رِوَايَة للطبراني: فَقَامَتْ حَتَّى
راقبنا لَهَا من طول الْقيام ... الحَدِيث، بل لَا بَأْس
بتكرار السُّؤَال إِذا لم يجب.
السَّابِع فِيهِ: أَنه لَا بَأْس بِالْخطْبَةِ لمن عرضت
نَفسهَا على غَيره إِذا صرح المعروض بِالرَّدِّ أَو فهم
مِنْهُ بِقَرِينَة الْحَال.
الثَّامِن: فِيهِ: إنعقاد النِّكَاح بالاستيجاب وَإِن لم
يُوجد بعد الْإِيجَاب قبُول، وَقد بوب عَلَيْهِ
البُخَارِيّ: بَاب إِذا قَالَ الْخَاطِب للْوَلِيّ:
زَوجنِي فُلَانَة، فَقَالَ: زوجتكها بِكَذَا وَكَذَا،
جَازَ النِّكَاح وَإِن لم يقل الزَّوْج رضيت أَو قبلت،
وَهَذَا قَول أبي حنيفَة وَالشَّافِعِيّ، وَقَالَ
الرَّافِعِيّ: إِن هَذَا هُوَ النَّص، وَظَاهر الْمَذْهَب
قَالَ وَحكى الإِمَام وَجها، أَن من الْأَصْحَاب من أثبت
فِيهِ الْخلاف.
التَّاسِع: أَن التَّعْلِيق فِي الاستيجاب لَا يمْنَع من
صِحَة العقد، وَقَالَ شَيخنَا: قد أطلق أَصْحَاب
الشَّافِعِي تَصْحِيح القَوْل بِأَن النِّكَاح لَا يقبل
التَّعْلِيق، قَالَ الرَّافِعِيّ: إِنَّه الْأَصَح الَّذِي
ذكره الْأَكْثَرُونَ، وحكوا عَن أبي حنيفَة صِحَة
النِّكَاح مَعَ التَّعْلِيق. قلت: مَذْهَب الإِمَام أَنه
إِذا علق النِّكَاح بِالشّرطِ يبطل الشَّرْط وَيصِح
النِّكَاح، كَمَا إِذا قَالَ: تَزَوَّجتك بِشَرْط أَن لَا
يكون لَك مهر.
الْعَاشِر: فِيهِ: اسْتِحْبَاب تعْيين الصَدَاق، لِأَنَّهُ
أقطع للنزاع وأنفع للْمَرْأَة، لِأَنَّهَا إِذا طلقت قبل
الدُّخُول وَجب لَهَا نصف الْمُسَمّى، بِخِلَاف مَا إِذا
لم يسم الْمهْر فَإِنَّهُ إِنَّمَا تجب الْمُتْعَة.
الْحَادِي عشر: فِيهِ: جَوَاز تَزْوِيج الْوَلِيّ
وَالْحَاكِم الْمَرْأَة للمعسر إِذا رضيت بِهِ.
الثَّانِي عشر: فِيهِ: أَنه لَا بَأْس للمعسر المعدم أَن
يتَزَوَّج امْرَأَة إِذا كَانَ مُحْتَاجا إِلَى النِّكَاح،
لِأَن الظَّاهِر من حَال هَذَا الرجل الَّذِي فِي الحَدِيث
أَنه كَانَ مُحْتَاجا إِلَيْهِ، وإلاَّ لما سَأَلَهُ مَعَ
كَونه غير وَاجِد إلاَّ إزَاره، وَلَيْسَ لَهُ رِدَاء،
فَإِن كَانَ غير مُحْتَاج إِلَيْهِ يكره لَهُ ذَلِك.
الثَّالِث عشر فِي قَوْله: إزارك إِن أَعْطيته جَلَست
وَلَا إِزَار لَك، دَلِيل على أَن الْمَرْأَة تسْتَحقّ
جَمِيع الصَدَاق بِالْعقدِ قبل الدُّخُول، وَبِه قَالَ
الشَّافِعِي وَأَصْحَابه، وَنحن نقُول: لَا تسْتَحقّ إلاَّ
النّصْف، وَبِه قَالَ مَالك، وَعنهُ كَقَوْل الشَّافِعِي.
الرَّابِع عشر: اسْتدلَّ الشَّافِعِي بقوله: وَلَو خَاتمًا
من حَدِيد، على أَنه يَكْتَفِي بِالصَّدَاقِ، بِأَقَلّ مَا
يتمول بِهِ كخاتم الْحَدِيد وَنَحْوه. وَفِي (الرَّوْضَة)
: لَيْسَ للصداق حد مُقَدّر بل كل مَا جَازَ أَن يكون ثمنا
ومثمنا أَو أُجْرَة جَازَ جعله صَدَاقا، وَبِه قَالَ
أَحْمد، وَمذهب مَالك: أَنه لَا يرى فِيهِ عددا معينا، بل
يجوز بِكُل مَا وَقع عَلَيْهِ الِاتِّفَاق، غير أَنه يكون
مَعْلُوما: وَعَن مَالك: لَا يجوز بِأَقَلّ من ربع
دِينَار، وَقَالَ ابْن حزم: وَجَائِز أَن يكون صَدَاقا كل
مَا لَهُ نصف، قل أَو كثر، وَلَو أَنه حَبَّة بر أَو
حَبَّة شعير أَو غير ذَلِك، وَعَن إِبْرَاهِيم النَّخعِيّ:
أكره أَن يكون الْمهْر مثل أجر الْبَغي، وَلَكِن الْعشْرَة
وَالْعشْرُونَ. وَعنهُ: السّنة فِي النِّكَاح الرطل من
الْفضة، وَعَن الشّعبِيّ: أَنهم كَانُوا يكْرهُونَ أَن
يتَزَوَّج الرجل على أقل من ثَلَاث أواقي. وَعَن سعيد بن
جُبَير: أَنه كَانَ يحب أَن يكون الصَدَاق خمسين درهما،
وَقَالَ أَبُو حنيفَة وَأَصْحَابه: لَا يجوز أَن يكون
الصَدَاق أقل من عشرَة دَرَاهِم. لما روى ابْن أبي شيبَة
فِي (مُصَنفه) : عَن شريك عَن دَاوُد الزعافري عَن
الشّعبِيّ، قَالَ: قَالَ عَليّ، رَضِي الله تَعَالَى
عَنهُ: لَا مهر بِأَقَلّ من عشرَة دَرَاهِم، وَالظَّاهِر
أَنه قَالَ ذَلِك توقيفا، لِأَنَّهُ بَاب لَا يُوصل
إِلَيْهِ بِالِاجْتِهَادِ وَالْقِيَاس فَإِن قلت. قَالَ
ابْن حزم: الرِّوَايَة عَن عَليّ بَاطِلَة لِأَنَّهَا عَن
دَاوُد بن يزِيد الزعافري الأودي وَهُوَ فِي غَايَة
السُّقُوط، ثمَّ هِيَ مُرْسلَة لِأَن الشّعبِيّ لم يسمع من
عَليّ حَدِيثا. قلت: قَالَ ابْن عدي: لم أر حَدِيثا
مُنْكرا جَاوز الْحَد، إِذْ روى عَنهُ ثِقَة، وَإِن كَانَ
لَيْسَ بِقَوي فِي
(12/142)
الحَدِيث فَإِنَّهُ يكْتب حَدِيثه وَيقبل
إِذا روى عَنهُ ثِقَة، وَذكر الْمزي: أَن الشّعبِيّ سمع
عَليّ بن أبي طَالب، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، وَلَئِن
سلمنَا أَن رِوَايَته مُرْسلَة فقد قَالَ الْعجلِيّ:
مُرْسل الشّعبِيّ صَحِيح، وَلَا يكَاد يُرْسل، إلاَّ
صَحِيحا. وَأما الْجَواب عَن قَوْله: وَلَو خَاتمًا من
جَدِيد، فَنَقُول: إِنَّه خَارج مخرج الْمُبَالغَة، كَمَا
قَالَ: تصدقوا وَلَو بظلف محرق، وَفِي لفظ: وَلَو بفرسن
شَاة، وَلَيْسَ الظلْف والفرسن مِمَّا ينْتَفع بهما وَلَا
يتَصَدَّق بهما وَيُقَال: لَعَلَّ الْخَاتم كَانَ يُسَاوِي
ربع دِينَار فَصَاعِدا، لِأَن الصواغ قَلِيل عِنْدهم كَذَا
قَالَه بعض الْمَالِكِيَّة، لِأَن أقل الصَدَاق عِنْدهم
ربع دِينَار. وَيُقَال: لَعَلَّ التماسه للخاتم لم يكن
ليَكُون كل الصَدَاق بل شَيْء يعجله لَهَا قبل الدُّخُول.
الْخَامِس عشر: احْتج بِهِ الشَّافِعِي وَأحمد فِي
رِوَايَة، والظاهرية على أَن: التَّزْوِيج على سُورَة من
الْقُرْآن مُسَمَّاة جَائِز، وَعَلِيهِ أَن يعلمهَا.
وَقَالَ التِّرْمِذِيّ عقيب الحَدِيث الْمَذْكُور: قد ذهب
الشَّافِعِي إِلَى هَذَا الحَدِيث، فَقَالَ: إِن لم يكن
شَيْء يصدقها وَتَزَوجهَا على سُورَة من الْقُرْآن
فَالنِّكَاح جَائِز، وَيعلمهَا السُّورَة من الْقُرْآن.
وَقَالَ بعض أهل الْعلم: النِّكَاح جَائِز وَيجْعَل لَهَا
صدَاق مثلهَا. وَهُوَ قَول أهل الْكُوفَة وَأحمد
وَإِسْحَاق. قلت: وَهُوَ قَول اللَّيْث بن سعد وَأبي
حنيفَة وَأبي يُوسُف وَمُحَمّد وَمَالك وَأحمد فِي أصح
الرِّوَايَتَيْنِ وَإِسْحَاق. وَقَالَ ابْن الجووزي: فِي
هَذَا الحَدِيث دَلِيل على أَن تَعْلِيم الْقُرْآن يجوز
أَن يكون صَدَاقا، وَهِي إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَن
أَحْمد، وَالْأُخْرَى: لَا يجوز، وَإِنَّمَا جَازَ لذَلِك
الرجل خَاصَّة. وَأَجَابُوا عَن قَوْله: قد زَوَّجْنَاكهَا
بِمَا مَعَك من الْقُرْآن، أَنه إِن حمل على ظَاهره يكون
تَزْوِيجهَا على السُّورَة لَا على تعليمها، فالسورة من
الْقُرْآن لَا تكون مهْرا بِالْإِجْمَاع، فَحِينَئِذٍ يكون
المعني: زوجتكها بِسَبَب مَا مَعَك من الْقُرْآن وبحرمته
وببركته، فَتكون الْبَاء للسَّبَبِيَّة كَمَا فِي قَوْله
تَعَالَى: {أَنكُمْ ظلمتم أَنفسكُم باتخاذكم الْعجل}
(الْبَقَرَة: 45) . وَقَوله تَعَالَى: {فكلاً أَخذنَا
بِذَنبِهِ} (العنكبوت: 04) . وَهَذَا لَا يُنَافِي
تَسْمِيَة المَال. فَإِن قلت: جَاءَ فِي رِوَايَة: على مَا
مَعَك من الْقُرْآن. وَفِي مُسْند أَسد السّنة: مَعَ مَا
مَعَك من الْقُرْآن؟ قلت: أما: على، فَإِنَّهُ يَجِيء
للتَّعْلِيل أَيْضا كالباء كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى:
{ولتكبروا الله على مَا هدَاكُمْ} (الْبَقَرَة: 581) .
والمعني لهدايته إيَّاكُمْ وَيكون المعني زوجتها لأجل مَا
مَعَك من الْقُرْآن يَعْنِي لأجل حرمته وبركته، وَلَا
يُنَافِي هَذَا أَيْضا تَسْمِيَة المَال. وَأما: مَعَ،
فَإِنَّهَا للمصاحبة، وَالْمعْنَى: زوجتكها لمصاحبتك
الْقُرْآن، فَالْكل يعود إِلَى معنى وَاحِد، وَهُوَ أَن
التَّزْوِيج إِنَّمَا كَانَ على حُرْمَة السُّورَة وبركتها
لَا أَنَّهَا صَارَت مهْرا، لِأَن السُّورَة من الْقُرْآن
لَا تكون مهْرا بِالْإِجْمَاع، كَمَا ذكرنَا. فَإِن قلت:
الأَصْل فِي: الْبَاء، أَن تكون للمقابلة فِي مثل هَذَا
الْموضع، كَمَا فِي نَحْو قَوْلك: بِعْتُك ثوبي بِدِينَار.
قلت: لَا نسلم أَن الأَصْل فِي: الْبَاء، أَن تكون
للمقابلة، بل الأَصْل فِيهَا أَنَّهَا مَوْضُوعَة للإلصاق
حَتَّى قيل: إِنَّه معنى لَا يفارقها، وَلَو كَانَت
للمقابلة هَهُنَا للَزِمَ أَن تكون تِلْكَ الْمَرْأَة
كالموهوبة، وَذَلِكَ لَا يجوز إلاَّ للنَّبِي صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم، لِأَن فِي إِحْدَى رِوَايَات البُخَارِيّ:
فقد ملكتكها بِمَا مَعَك من الْقُرْآن، فالتمليك هبة،
وَالْهِبَة فِي النِّكَاح اخْتصَّ بهَا النَّبِي صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم لقَوْله تَعَالَى: {خَالِصَة لَك من دون
الْمُؤمنِينَ} (الْأَحْزَاب: 05) . فَإِن قلت: معنى قَوْله
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: زوجتكها بِمَا مَعَك من
الْقُرْآن، بِأَن تعلمهَا مَا مَعَك من الْقُرْآن أَو
مِقْدَارًا مِنْهُ وَيكون ذَلِك صَدَاقهَا، أَي: تعليمها
إِيَّاه، وَالدَّلِيل على ذَلِك مَا جَاءَ فِي رِوَايَة
لمُسلم: انْطلق فقد زوجتكها فعلمها من الْقُرْآن. وَجَاء
فِي رِوَايَة عَطاء: فعلمها عشْرين آيَة. قلت: هَذَا عدُول
عَن ظَاهر اللَّفْظ بِغَيْر دَلِيل، وَلَئِن سلمنَا هَذَا،
فَهَذَا لَا يُنَافِي تَسْمِيَة المَال، فَيكون قد زَوجهَا
مِنْهُ مَعَ تحريضه على تَعْلِيم الْقُرْآن، وَيكون ذَلِك
الْمهْر مسكوتا عَنهُ إِمَّا لِأَنَّهُ صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم قد أصدق عَنهُ كَمَا كفر عَن الواطىء فِي رَمَضَان
إِذْ لم يكن عِنْده شَيْء، وودى الْمَقْتُول بِخَيْبَر
إِذْ لم يخلف أَهله، كل ذَلِك رفقا بأمته وَرَحْمَة لَهُم،
أَو يكون أبقى الصَدَاق فِي ذمَّته وأنكحها نِكَاح
تَفْوِيض، حَتَّى يتَّفق لَهُ صدَاق، أَو حَتَّى يكْسب
بِمَا مَعَه من الْقُرْآن صَدَاقا، فعلى جَمِيع
التَّقْدِير لم يكن فِيهِ حجَّة على جَوَاز النِّكَاح
بِغَيْر صدَاق من المَال.
السَّادِس عشر: فِيهِ: أَنه لَا بَأْس بِلبْس خَاتم
الْحَدِيد، وَقد اخْتلفُوا فِيهِ، فَقَالَ بعض
الشَّافِعِيَّة: إِنَّه لَا يكره لهَذَا الحَدِيث،
وَلِحَدِيث معيقيب: كَانَ خَاتم النَّبِي صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم من حَدِيد ملوي عَلَيْهِ فضَّة، رَوَاهُ
أَبُو دَاوُد. وَذهب آخَرُونَ إِلَى تَحْرِيمه وَتَحْرِيم
الْخَاتم النّحاس أَيْضا لحَدِيث: أَن رجلا جَاءَ إِلَى
النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَعَلِيهِ خَاتم من شبه،
قَالَ: مَالِي أجد مِنْك ريح الْأَصْنَام؟ فطرحه، ثمَّ
جَاءَ وَعَلِيهِ خَاتم من حَدِيد، فَقَالَ: مَا لي أرى
عَلَيْك حلية أهل النَّار؟ فطرحه. رَوَاهُ أَبُو دَاوُد
أَيْضا.
السَّابِع عشر: اسْتدلَّ
(12/143)
بِهِ البُخَارِيّ على ولَايَة الإِمَام
للنِّكَاح، فَقَالَ: بَاب السُّلْطَان ولي، لقَوْل
النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم زَوَّجْنَاكهَا بِمَا
مَعَك من الْقُرْآن.
الثَّامِن عشر فِيهِ: دلَالَة على أَنه لَيْسَ للنِّسَاء
أَن تمْتَنع من تَزْوِيج أحد أَرَادَ رَسُول الله صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم أَن يُزَوّجهَا مِنْهُ، غَنِيا كَانَ أَو
فَقِيرا، شريفا كَانَ أَو وضيعا، صَحِيحا كَانَ أَو
ضَعِيفا. وروى ابْن مرْدَوَيْه فِي (تَفْسِيره) من حَدِيث
ابْن عَبَّاس: أَن قَوْله تَعَالَى: {وَمَا كَانَ لمُؤْمِن
وَلَا مُؤمنَة إِذا قضى الله وَرَسُوله أمرا ... }
(الْأَحْزَاب: 63) . الْآيَة، نزلت فِي زَيْنَب لما خطبهَا
رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لزيد بن حَارِثَة،
فامتنعت، وَفِي إِسْنَاده ضعف.
التَّاسِع عشر: فِيهِ: دَلِيل على جَوَاز الْخطْبَة على
الْخطْبَة مَا لم يتراكنا، لَا سِيمَا مَعَ مَا رأى من زهد
النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِيهَا.
الْعشْرُونَ: فِيهِ: دَلِيل على جَوَاز النّظر للمتزوج
وتكراره، والتأمل فِي محاسنها، فهم ذَلِك من قَوْله:
فَصَعدَ النّظر إِلَيْهَا وَصَوَّبَهُ. وَأما النظرة
الأولى فمباحة للْجَمِيع.
الْحَادِي والعشريون: فِيهِ دَلِيل على إجَازَة إنكاح
الْمَرْأَة دون أَن يسْأَل: هَل هِيَ فِي عدَّة أم لَا،
على ظَاهر الْحَال، والحكام يبحثون عَن ذَلِك احْتِيَاطًا،
قَالَه الْخطابِيّ.
الثَّانِي وَالْعشْرُونَ: قَالَ القَاضِي: فِيهِ جَوَاز
أَخذ الْأُجْرَة على تَعْلِيم الْقُرْآن، وَهُوَ مَذْهَب
كَافَّة الْعلمَاء، وَمنعه أَبُو حنيفَة إلاَّ
للضَّرُورَة، وعَلى هَذَا اخْتلفُوا فِي أَخذ الْأُجْرَة
على الصَّلَاة، وعَلى الْأَذَان وَسَائِر أَفعَال الْبر،
فَروِيَ عَن مَالك كَرَاهَة جَمِيع ذَلِك فِي صَلَاة
الْفَرْض وَالنَّفْل، وَهُوَ قَول أبي حنيفَة وَأَصْحَابه
إلاَّ أَن مَالِكًا أجازها على الْأَذَان، وَأَجَازَ
الْإِجَازَة على جَمِيع ذَلِك ابْن عبد الحكم. وَهُوَ قَول
الشَّافِعِي وَأَصْحَابه، وَمنع ذَلِك ابْن حبيب فِي كل
شَيْء، وَهُوَ قَول الْأَوْزَاعِيّ، وَقَالَ: لَا صَلَاة
لَهُ، وَرُوِيَ عَن مَالك إِجَازَته فِي النَّافِلَة،
وَرُوِيَ عَنهُ إِجَازَته فِي الْفَرِيضَة دون
النَّافِلَة.
الثَّالِث وَالْعشْرُونَ: قَالَ الإِمَام: قَالَ بعض
الْأَئِمَّة، فِيهِ: دَلِيل على أَن الْهِبَة لَا تدخل فِي
ملك الْمَوْهُوب لَهُ إلاَّ بِالْقبُولِ، لِأَن
الْمَوْهُوبَة كَانَت جَائِزَة للنَّبِي صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم، وَقد وهبت هَذِه لَهُ نَفسهَا فَلم تصر زَوجته
بذلك، قَالَه الشَّافِعِي.
الرَّابِع وَالْعشْرُونَ: قَالَ ابْن عبد الْبر. فِيهِ:
دَلِيل على أَن الصَدَاق إِذا كَانَ جَارِيَة وَوَطئهَا
الزَّوْج حد لِأَنَّهُ وطىء ملك غَيره. قلت: هُوَ قَول
مَالك وَالشَّافِعِيّ وَأحمد وَإِسْحَاق، وَعند
أَصْحَابنَا: إِذا أقرّ أَنه زنى بِجَارِيَة امْرَأَته حد،
وَإِن قَالَ: ظَنَنْت أَنَّهَا تحل لي لَا يحد.
01 - (بَاب إذَا وَكَّلَ رَجُلٌ رَجُلاً فتَرَكَ الوَكِيلُ
شَيْئا فأجازَهُ المُوَكِّلُ فَهْوَ جائِزٌ وإنْ أقْرَضَهُ
إلَى أجلٍ مُسَمَّى جازَ)
أَي: هَذَا بَاب يذكر فِيهِ إِذا وكل رجل رجلا فَترك
الْوَكِيل شَيْئا مِمَّا وكل فِيهِ فَأَجَازَهُ الْمُوكل
جَازَ. قَوْله: (وَإِن أقْرضهُ) أَي: وَإِن أقْرض
الْوَكِيل شَيْئا مِمَّا وكل فِيهِ جَازَ، يَعْنِي: إِذا
أجَازه الْمُوكل. وَقَالَ الْمُهلب: مَفْهُوم التَّرْجَمَة
أَن الْمُوكل إِذا لم يجز مَا فعله الْوَكِيل، مِمَّا لم
يَأْذَن لَهُ فِيهِ، فَهُوَ غير جَائِز.
1132 - وَقَالَ عثْمانُ بنُ الهَيْثَمِ أبُو عَمْرٍ
وحدَّثنا عَوْفٌ عَن مُحَمَّدِ بنِ سِيرينَ عَن أبِي
هُرَيْرَة رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ قَالَ وكَّلَنِي
رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِحِفْظِ زَكاةِ
رَمَضانَ فأتَانِي آتٍ فجعَلَ يَحْثُو منَ الطَّعامِ
فأخَذْتُهُ وقُلْتُ وَالله لأرْفَعَنَّكَ إلَى رسُولِ الله
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ إنِّي مُحْتاجٌ وعَلَيَّ
عِيالٌ ولِي حاجَةٌ شَدِيدةٌ قَالَ فَخَلَّيْت عَنْهُ
فأصْبَحْتُ فَقَالَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَا
أَبَا هُرَيْرَةَ مَا فعَلَ أسِيرُكَ البارحَةَ قَالَ
قُلْتُ يَا رسولَ الله شَكا حاجَةً شَدِيدَةً وَعِيالاً
فَرَحِمْتَهُ فخَلَّيْتُ سَبِيلَهُ قَالَ أما أنَّهُ قَدْ
(12/144)
كَذَبَكَ وسَيَعُودُ فعَرَفْتُ أنَّهُ
سَيَعُودُ لِقَوْلِ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
أنَّهُ سَيَعُودُ فرَصَدْتُهُ فَجاءَ يَحْثُو مِنَ
الطَّعامِ فَأخَذْتُهُ فَقُلْتُ لأرْفَعَنَّكَ إِلَى رسولِ
الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ دَعْنِي فإنِّي
محْتَاجٌ وعَلَيَّ عِيَالٌ لَا أعُودُ فَرَحِمْتُهُ
فَخَلَّيْتُ سَبِيلَهُ فأصْبَحْتُ فقالَ لِي رسولُ الله
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَا أبَا هُرَيْرَةَ مَا فَعَلَ
أسِيرُكَ قُلْتُ يَا رسولَ الله شَكَا حاجَةً شدِيدَةً
وعِيالاً فرَحِمْتُهُ فَخَلَّيْتُ سَبيلهُ قَالَ أما
أنَّهُ قَدْ كَذَبَكَ وسَيَعُودُ فَرَصَدْتُهُ:
الثَّالِثةَ فجَاءَ يَحْثُو مِنَ الطَّعامِ فأخَذْتُهُ
فَقُلْتُ لأَرْفَعَنَّكَ إلَى رسُولِ الله الله وهاذا
آخِرُ ثَلاثِ مَرَّاتٍ إنَّكَ تَزْعَمُ لاَ تَعُودُ ثُمَّ
تَعُودُ قالَ دَعْنِي أُعلِّمْكَ كلِماتٍ يَنْفَعُكَ الله
بِهَا قُلْتُ مَا هْوَ قَالَ إذَا أوَيْتَ إلَى فِرَاشِك
فاقْرَأْ آيَةَ الكُرْسِيَّ {الله لَا إلاهَ إلاَّ هُوَ
الحَيُّ القَيُّومُ} حَتَّى تَخْتِم الآيَةَ فإنَّكَ لَنْ
يَزَالَ عَلَيْكَ منَ الله حافِظُ ولاَ يَقْرَبَنَّكَ
شَيْطَانٌ حَتَّى تُصْبِحَ فَخَلَّيْتُ سَبِيلَهُ
فأصْبَحْتُ فَقَالَ لِي رَسُولُ الله صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم مَا فَعَلَ إسِيرُكَ الْبَارِحَةِ قلْتُ يَا رسولَ
الله زَعَمَ أنَّهُ يُعَلِّمُني كَلِمَاتٍ يَنْفَعُنِي
الله بهَا فَخَلَّيْتُ سَبِيلَهُ قَالَ مَا هِيَ قُلْتُ
قَالَ لِي إذَا أَوَيْتَ إلَى فِرَاشِكَ فاقْرَأ آيَةَ
الكُرْسيَّ مِنْ أوَّلِها حتَّى تَخْتِمَ الله لَا إلاه
إلاَّ هُو الحَيُّ القَيُّومُ وَقَالَ لِي لَنْ يَزَالَ
عَلَيْكَ مِنَ الله حافِظٌ ولاَ يَقْرَبُكَ شَيْطَانٌ
حَتَّى تُصْبِحَ وكانُوا أحْرَصَ شَيْءٍ عَلَى الخَيْرِ
فَقَالَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أمَّا أنَّهُ
قَدْ صَدَقَكَ وهْوَ كَذُوبٌ تَعْلَمُ مَنْ تُخَاطِبُ
مُنْذُ ثَلاثِ لَيَالٍ يَا أَبَا هُرَيْرَةَ قَالَ لاَ
قَالَ ذَاكَ شَيْطَانٌ.
مطابقته للتَّرْجَمَة من حَيْثُ إِن أَبَا هُرَيْرَة كَانَ
وَكيلا لحفظ زَكَاة رَمَضَان، وَهُوَ صَدَقَة الْفطر،
وَترك شَيْئا مِنْهَا حَيْثُ سكت حِين أَخذ مِنْهَا ذَلِك
الْآتِي، وَهُوَ الشَّيْطَان، فَلَمَّا أخبر النَّبِي، صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم، بذلك سكت عَنهُ وَهُوَ إجَازَة
مِنْهُ. فَإِن قلت: من أَيْن يُسْتَفَاد جَوَاز
الْإِقْرَاض إِلَى أجل مُسَمّى؟ قلت: قَالَ الْكرْمَانِي:
حَيْثُ أمهله إِلَى الرّفْع إِلَى النَّبِي، صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم، وأوجه مِنْهُ مَا قَالَه الْمُهلب: إِن
الطَّعَام كَانَ مجموعا للصدقة، فَلَمَّا أَخذ السَّارِق
وَقَالَ لَهُ: دَعْنِي فَإِنِّي مُحْتَاج وَتَركه،
فَكَأَنَّهُ أسلفه ذَلِك الطَّعَام إِلَى أجل، وَهُوَ وَقت
قسمته وتفرقته على الْمَسَاكِين: لأَنهم كَانُوا يجمعونه
قبل الْفطر بِثَلَاثَة أَيَّام للتفرقة، فَكَأَنَّهُ أسلفه
إِلَى ذَلِك الْأَجَل.
ذكر رِجَاله وهم أَرْبَعَة: الأول: عُثْمَان بن
الْهَيْثَم، بِفَتْح الْهَاء وَسُكُون الْيَاء آخر
الْحُرُوف وَفتح الثَّاء الْمُثَلَّثَة وَفِي آخِره مِيم:
وكنيته أَبُو عَمْرو الْمُؤَذّن الْبَصْرِيّ، مَاتَ
قَرِيبا من سنة عشْرين وَمِائَتَيْنِ، وَقد مر فِي آخر
الْحَج. الثَّانِي: عَوْف، بِالْفَاءِ: الْأَعرَابِي، وَقد
مر فِي الْإِيمَان. الثَّالِث: مُحَمَّد بن سِيرِين.
الرَّابِع: أَبُو هُرَيْرَة.
ذكر لطائف إِسْنَاده فِيهِ: أَنه ذكره هَكَذَا مُعَلّقا
وَلم يُصَرح فِيهِ بِالتَّحْدِيثِ حَتَّى زعم ابْن
الْعَرَبِيّ أَنه مُنْقَطع، وَكَذَا ذكره فِي فَضَائِل
الْقُرْآن وَفِي صفة إِبْلِيس. وَأخرجه النَّسَائِيّ
مَوْصُولا فِي: الْيَوْم وَاللَّيْلَة، عَن إِبْرَاهِيم بن
يَعْقُوب عَن عُثْمَان ابْن الْهَيْثَم بِهِ، وَوَصله
الْإِسْمَاعِيلِيّ أَيْضا من حَدِيث الْحسن بن السكن،
وَأَبُو نعيم من حَدِيث هِلَال بن بشر عَنهُ،
وَالتِّرْمِذِيّ نَحوه من حَدِيث أبي أَيُّوب وَقَالَ: حسن
غَرِيب، وَصَححهُ قوم وَضَعفه آخَرُونَ. . وَفِيه: أَن
عُثْمَان من مشايخه وَمن أَفْرَاده، وَقَالَ فِي كتاب
اللبَاس وَفِي الْإِيمَان وَالنُّذُور: حَدثنَا عُثْمَان
بن الْهَيْثَم أَو مُحَمَّد عَنهُ. وَفِيه: التحديث
بِصِيغَة الْجمع فِي مَوضِع. وَفِيه: العنعنة فِي موضِعين.
وَفِيه: القَوْل فِي موضِعين.
ذكر مَعْنَاهُ: قَوْله: (يحفظ زَكَاة رَمَضَان) ، المُرَاد
بِهِ صَدَقَة الْفطر، وَقد ذَكرْنَاهُ. قَوْله: (آتٍ) ،
أَصله: آتِي، فَاعل إعلال قاضٍ. قَوْله: (يحثو) ، قَالَ
الطَّيِّبِيّ: أَي: ينثر الطَّعَام فِي وعائه. قلت:
يُقَال: حثا يحثو وحثى يحثي، قَالَ ابْن الْأَعرَابِي:
وَأَعْلَى اللغتين حثى يحثي، وَكله بِمَعْنى الغرف، وَفِي
رِوَايَة أبي المتَوَكل عَن أبي هُرَيْرَة: أَنه كَانَ على
تمر الصَّدَقَة فَوجدَ أثر كف كَأَنَّهُ قد أَخذ مِنْهُ،
وَلابْن الضريس من هَذَا الْوَجْه، فَإِذا التَّمْر قد
أَخذ مِنْهُ ملْء كف. قَوْله: (فَأَخَذته) ، وَفِي
رِوَايَة أبي المتَوَكل زِيَادَة وَهِي: أَن أَبَا
هُرَيْرَة شكا ذَلِك إِلَى النَّبِي، صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم، أَولا، فَقَالَ لَهُ: (إِن أردْت أَن تَأْخُذهُ
فَقل: سُبْحَانَ من سخرك لمُحَمد) . قَالَ: فقلتها فَإِذا
أَنا بِهِ قَائِم بَين يَدي فَأَخَذته. قَوْله: (وَالله
لأرفعنك) ، أَي: لأذهبن بك أشكوك إِلَى رَسُول الله صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم
(12/145)
ليحكم عَلَيْك بِقطع الْيَد، يُقَال: رَفعه
إِلَى الْحَاكِم إِذا أحضرهُ للشكوى. قَوْله: (وَعلي
عِيَال) أَي: نَفَقَة عِيَال، كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى:
{واسأل الْقرْيَة} (يُوسُف: 28) . وَقيل: عَليّ، بِمَعْنى،
لي، وَفِي رِوَايَة أبي المتَوَكل: فَقَالَ: إِنَّمَا
أَخَذته لأهل بَيت فُقَرَاء من الْجِنّ، وَفِي رِوَايَة
الْإِسْمَاعِيلِيّ: وَلَا أَعُود. قَوْله: (أسيرك) ، قَالَ
الدَّاودِيّ: قيل لَهُ: أَسِير، لِأَنَّهُ كَانَ ربطه
بسير، وَهُوَ الْحَبل، وَهَذَا عَادَة الْعَرَب، كَانُوا
يربطون الْأَسير بالقد، وَقَالَ ابْن التِّين: قَول
الدَّاودِيّ: إِن السّير الْحَبل من الْجلد لم يذكرهُ
غَيره، وَإِنَّمَا السّير الْجلد، فَلَو كَانَ مأخوذا
مِمَّا ذكره لَكَانَ تصغيره: سيير، وَلم تكن الْهمزَة:
فَاء. وَفِي (الصِّحَاح) : شدَّة بالإسار وَهُوَ الْقد.
قَوْله: (قد كَذبك) أَي: فِي قَوْله: إِنَّه مُحْتَاج،
وَسَيَعُودُ إِلَى الْأَخْذ. قَوْله: (فرصدته) أَي: رقبته.
قَوْله: (فجَاء) ، هَكَذَا فِي الْمَوْضِعَيْنِ، وَفِي
رِوَايَة الْمُسْتَمْلِي والكشميهني وَفِي رِوَايَة
غَيرهمَا: فَجعل. قَوْله: (دَعْنِي) ، وَفِي رِوَايَة أبي
المتَوَكل: خلِّ عني. قَوْله: (ينفعك الله بهَا) وَفِي
رِوَايَة أبي المتَوَكل: إِذْ قلتهن لم يقربك ذكر وَلَا
أُنْثَى من الْجِنّ، وَفِي رِوَايَة ابْن الضريس من هَذَا
الْوَجْه: لَا يقربك من الْجِنّ ذكر وَلَا أُنْثَى صَغِير
وَلَا كَبِير. قَوْله: (فَقلت: مَا هُوَ؟) هَكَذَا فِي
رِوَايَة الْكشميهني، أَي: الْكَلَام أَو النافع أَو
الشَّيْء، وَفِي رِوَايَة غَيره: مَا هِيَ، وَهَذَا ظَاهر،
وَفِي رِوَايَة أبي المتَوَكل: وَمَا هَؤُلَاءِ
الْكَلِمَات؟ قَوْله: (إِذا أويت) ، من الثلاثي يُقَال:
أَوَى إِلَى منزله إِذا أَتَى إِلَيْهِ، وآويت غَيْرِي من
الْمَزِيد. قَوْله: (آيَة الْكُرْسِيّ {الله لَا إِلَه
إِلَّا هُوَ الْحَيّ القيُّوم} (الْبَقَرَة: 552)) ،
حَتَّى تختم الْآيَة وَفِي رِوَايَة النَّسَائِيّ
والإسماعيلي: ( {الله لَا إلاه إلاَّ هُوَ الْحَيّ القيوم}
(الْبَقَرَة: 552) من أَولهَا حَتَّى تختمها) ، وَفِي
حَدِيث معَاذ بن جبل زِيَادَة، وَهِي خَاتِمَة سُورَة
الْبَقَرَة. قَوْله: (لن يزَال) ، وَفِي رِوَايَة
الْكشميهني: لم يزل، وَوَقع لَهُم عكس ذَلِك فِي فَضَائِل
الْقُرْآن. قَوْله: (من الله) أَي: من جِهَة أَمر الله،
وَقدرته، أَو من بَأْس الله ونقمته، كَقَوْلِه تَعَالَى:
{لَهُ مُعَقِّبَات من بَين يَدَيْهِ وَمن خَلفه
يَحْفَظُونَهُ من أَمر الله} (الرَّعْد: 11) . قَوْله:
(وَلَا يقربك) ، بِفَتْح الرَّاء وَضم الْبَاء
الْمُوَحدَة. قَوْله: (وَكَانُوا) ، أَي: الصَّحَابَة:
(أحرص النَّاس على تعلم الْخَيْر) قيل: هَذَا مدرج من
كَلَام بعض رُوَاته، قلت: هَذَا يحْتَمل، وَالظَّاهِر أَنه
غير مدرج، وَلَكِن فِيهِ الْتِفَات، لِأَن مُقْتَضى
الْكَلَام أَن يُقَال: وَكُنَّا أحرص شَيْء عَن الْخَيْر.
قَوْله: (وَهُوَ كذوب) ، هَذَا تتميم فِي غَايَة الْحسن،
لِأَنَّهُ لما أثبت الصدْق لَهُ أوهم الْمَدْح، فاستدركه
بِصِيغَة تفِيد الْمُبَالغَة فِي كذبه، وَفِي حَدِيث معَاذ
بن جبل: صدق الْخَبيث وَهُوَ كذوب، وَفِي رِوَايَة أبي
المتَوَكل: أَو مَا علمت أَنه كَذَلِك؟ قَوْله: (مُنْذُ
ثَلَاث) ، هَكَذَا فِي رِوَايَة الْكشميهني، وَفِي
رِوَايَة غَيره: مذ ثَلَاث. قَوْله: (ذَاك شَيْطَان) ،
كَذَا وَقع هُنَا بِدُونِ الْألف وَاللَّام فِي رِوَايَة
الْجَمِيع، أَي: شَيْطَان من الشَّيَاطِين. وَوَقع فِي
فَضَائِل الْقُرْآن: ذَاك الشَّيْطَان، بِالْألف وَاللَّام
للْعهد الذهْنِي.
وَقد وَقع مثل حَدِيث أبي هُرَيْرَة لِمعَاذ بن جبل، وَأبي
بن كَعْب، وَأبي أَيُّوب الْأنْصَارِيّ وَأبي أسيد
الْأنْصَارِيّ، وَزيد بن ثَابت، رَضِي الله تَعَالَى
عَنْهُم.
أما حَدِيث معَاذ بن جبل، فقد رَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ عَن
شَيْخه يحيى بن عُثْمَان بن صَالح بِإِسْنَادِهِ إِلَى
بُرَيْدَة. قَالَ: بَلغنِي أَن معَاذ بن جبل أَخذ
الشَّيْطَان على عهد رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم،
فَأَتَيْته فَقلت: بَلغنِي أَنَّك أخذت الشَّيْطَان على
عهد رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: نعم، ضم
إِلَى رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، تمر
الصَّدَقَة فَجَعَلته فِي غرفَة لي، فَكنت أجد فِيهِ كل
يَوْم نُقْصَانا، فشكوت ذَلِك إِلَى رَسُول الله صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم، فَقَالَ لي: هُوَ عمل الشَّيْطَان،
فارصدْه، قَالَ: فرصدته لَيْلًا، فَلَمَّا ذهب هوى من
اللَّيْل أقبل على صُورَة الْفِيل، فَلَمَّا انْتهى إِلَى
الْبَاب دخل من خلل الْبَاب على غير صورته، فَدَنَا من
التَّمْر فَجعل يلتقمه، فشددت على ثِيَابِي فتوسطته،
فَقلت: أشهد أَن لَا إلاه إِلَّا الله وَأَن مُحَمَّدًا
عَبده وَرَسُوله، يَا عَدو الله، وَثَبت إِلَى تمر
الصَّدَقَة فَأَخَذته وَكَانُوا أَحَق بِهِ مِنْك؟ لأرفعنك
إِلَى رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فيفضحك،
فعاهدني أَن لَا يعود، فَغَدَوْت إِلَى رَسُول الله، صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم، فَقَالَ: مَا فعل أسيرك؟ فَقلت:
عاهدني أَن لَا يعود. قَالَ: إِنَّه عَائِد، فارصده.
فرصدته اللَّيْلَة الثانة، فَصنعَ مثل ذَلِك، وصنعت مثل
ذَلِك، وعاهدني أَن لَا يعود، فخليت سَبيله، ثمَّ غَدَوْت
إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لأخبره فَإِذا
مناديه يُنَادي: أَيْن معَاذ؟ فَقَالَ لي: يَا معَاذ! مَا
فعل أسيرك؟ قَالَ: فَأَخْبَرته، فَقَالَ لي: إِنَّه عَائِد
فارصده، فرصدته اللَّيْلَة الثَّالِثَة فَصنعَ مثل ذَلِك،
وصنعت مثل ذَلِك، فَقَالَ: يَا عَدو الله عاهدتني
مرَّتَيْنِ وَهَذِه الثَّالِثَة، لأرفعنك إِلَى رَسُول
الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فيفضحك، فَقَالَ: إِنِّي
شَيْطَان ذُو عِيَال، وَمَا أَتَيْتُك إِلَّا من نَصِيبين،
وَلَو أصبت شَيْئا
(12/146)
دونه مَا أَتَيْتُك، وَلَقَد كُنَّا فِي
مدينتكم هَذِه حَتَّى بعث صَاحبكُم، فَلَمَّا نزل عَلَيْهِ
آيتان أنفرتانا مِنْهَا، فوقعنا بنصيبين، وَلَا تقرآن فِي
بَيت إلاَّ لم يلج فِيهِ الشَّيْطَان ثَلَاثًا، فَإِن خليت
سبيلي علمتكهما. قلت: نعم. قَالَ: آيَة الْكُرْسِيّ وخاتمة
سُورَة الْبَقَرَة أَمن الرَّسُول إِلَى آخرهَا، فخليت
سَبيله ثمَّ غَدَوْت إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم لأخبره فَإِذا مناديه يُنَادي: أَيْن معَاذ بن جبل؟
فَلَمَّا دخلت عَلَيْهِ قَالَ لي: مَا فعل أسيرك؟ قلت:
عاهدني أَن لَا يعود، وأخبرته بِمَا قَالَ، فَقَالَ رَسُول
الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: صدق الْخَبيث وَهُوَ كذوب.
قَالَ: فَكنت أقرؤهما عَلَيْهِ بعد ذَلِك فَلَا أجد فِيهِ
نُقْصَانا.
وَأما حَدِيث أبي بن كَعْب، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ،
فقد رَوَاهُ أَبُو يعلى الْموصِلِي: حَدثنَا أَحْمد بن
إِبْرَاهِيم الدَّوْرَقِي حَدثنَا مُبشر عَن
الْأَوْزَاعِيّ عَن يحيى بن أبي كثير عَن عَبدة بن أبي
لبَابَة عَن عبد الله ابْن أبي بن كَعْب أَن أَبَاهُ
أخبرهُ أَنه: كَانَ لَهُ جرن فِيهِ تمر، فَكَانَ يتعاهده
فَوَجَدَهُ ينقص، قَالَ: فحرسه ذَات لَيْلَة فَإِذا هُوَ
بِدَابَّة شبه الْغُلَام المحتلم، قَالَ: فَسلمت فَرد
عَليّ السَّلَام، قَالَ: فَقلت: أَنْت جني أم أنسي؟ قَالَ:
جني. قَالَ: قلت: ناولني يدك. قَالَ: فناولني فَإِذا يَده
يَد كلب وَشعر كلب، فَقلت: هَكَذَا خلق الْجِنّ؟ قَالَ:
لقد علمت الْجِنّ مَا فيهم أَشد مني. قلت: فَمَا حملك على
مَا صنعت؟ قَالَ: بَلغنِي أَنَّك رجل تحب الصَّدَقَة
فأحببنا أَن نصيب من طَعَامك. قَالَ فَقَالَ لَهُ أبي:
فَمَا الَّذِي يجيرنا مِنْكُم؟ قَالَ: هَذِه الْآيَة، آيَة
الْكُرْسِيّ، ثمَّ غَدا إِلَى رَسُول الله صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم فَأخْبرهُ، فَقَالَ النَّبِي صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم: صدق الْخَبيث) . وَرَوَاهُ الْحَاكِم فِي
(مُسْتَدْركه) ، وَقَالَ: صَحِيح الْإِسْنَاد وَلم
يخرجَاهُ، وَرَوَاهُ ابْن حبَان فِي (صَحِيحه)
وَالنَّسَائِيّ وَغَيرهم.
وَأما حَدِيث أبي أَيُّوب الْأنْصَارِيّ، رَضِي الله
تَعَالَى عَنهُ، فَرَوَاهُ التِّرْمِذِيّ فِي (فَضَائِل
الْقُرْآن) : (حَدثنَا مُحَمَّد بن بشار، قَالَ: حَدثنَا
أَبُو أَحْمد، قَالَ: حَدثنَا سُفْيَان عَن ابْن أبي ليلى
عَن أَخِيه عبد الرَّحْمَن بن أبي ليلى عَن أبي أَيُّوب
الْأنْصَارِيّ أَنه كَانَت لَهُ سهوة فِيهَا تمر، فَكَانَت
تَجِيء فتأخذ مِنْهُ الغول، قَالَ: فَشَكا ذَلِك إِلَى
النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فَقَالَ: إذهب فَإِذا
رَأَيْتهَا فَقل: بِسم الله، أجيبي رَسُول الله صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم، فَأَخذهَا فَحَلَفت أَن لَا تعود، فأرسلها
فجَاء إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ:
مَا فعل أسيرك؟ قَالَ: حَلَفت أَن لَا تعود، فَقَالَ: كذبت
وَهِي معاودة للكذب. قَالَ: فَأَخذهَا مرّة أُخْرَى
فَحَلَفت أَن لَا تعود، فأرسلها، فجَاء إِلَى النَّبِي صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ: مَا فعل أسيرك؟ قَالَ:
حَلَفت أَن لَا تعود. فَقَالَ: كذبت وَهِي معاودة للكذب،
فَأَخذهَا فَقَالَ: مَا أَنا بتاركك حَتَّى أذهب بك إِلَى
النَّبِي، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فَقَالَت: إِنِّي
ذاكرة لَك شَيْئا، آيَة الْكُرْسِيّ اقرأها فِي بَيْتك
فَلَا يقربك شَيْطَان وَلَا غَيره، فجَاء إِلَى النَّبِي،
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فَقَالَ: مَا فعل أسيرك؟
فَأخْبرهُ بِمَا قَالَت. قَالَ: صدقت وَهِي كذوب) ،
وَهَذَا حَدِيث حسن غَرِيب.
وَأما حَدِيث أَبُو سعيد الْأنْصَارِيّ فَرَوَاهُ
الطَّبَرَانِيّ من حَدِيث مَالك بن حَمْزَة بن أبي أسيد
عَن أَبِيه عَن جده أبي أسيد السَّاعِدِيّ الخزرجي، وَله
بِئْر فِي الْمَدِينَة، يُقَال لَهَا: بِئْر بضَاعَة، قد
بَصق فِيهَا النَّبِي، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فَهِيَ
ينشر بهَا ويتيمن بهَا، قَالَ: فَقطع أَبُو أسيد تمر
حَائِطه فَجَعلهَا فِي غرفَة، وَكَانَت الغول تخَالفه
إِلَى مشْربَته فتسرق تمره وتفسده عَلَيْهِ، فَشَكا إِلَى
النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فَقَالَ: إِذا قَالَ
تِلْكَ الغول: يَا أَبَا أسيد، فاستمع عَلَيْهَا، فَإِذا
سَمِعت اقتحامها، فَقل: بِسم الله أجيبي رَسُول الله صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم، فَقَالَت الغول: يَا أَبَا أسيد
اعفني أَن تكلفني أَن أذهب إِلَى رَسُول الله صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم، فأعطيك موثقًا من الله أَن لَا أخالفك
إِلَى بَيْتك وَلَا أسرق تمرك، وأدلك على آيَة تقرؤها فِي
بَيْتك فَلَا تخَالف إِلَى أهلك، وتقرؤها على إنائك وَلَا
تكشف غطاءه، فَأعْطَاهُ الموثق الَّذِي رَضِي بِهِ
مِنْهَا، فَقَالَت: الْآيَة الَّتِي أدلك عَلَيْهَا آيَة
الْكُرْسِيّ، ثمَّ حكت أستها تضرط، فَأتى النَّبِي صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم فَقص عَلَيْهِ الْقِصَّة حَيْثُ ولت،
فَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (صدقت وَهِي
كذوب) .
وَأما حَدِيث زيد بن ثَابت، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ،
فَرَوَاهُ ابْن أبي الدُّنْيَا، وَفِيه: أَنه خرج إِلَى
حَائِطه فَسمع جلبة فَقَالَ: مَا هَذَا؟ قَالَ رجل من
الْجِنّ: أصابتنا السّنة فَأَرَدْت أَن أُصِيب من ثماركم.
قَالَ لَهُ: مَا الَّذِي يعيذنا مِنْكُم؟ قَالَ: آيَة
الْكُرْسِيّ.
قَوْله: (جرن) ، بِضَمَّتَيْنِ جمع: جرين، بِفَتْح الْجِيم
وَكسر الرَّاء، وَهُوَ مَوضِع تحفيف التَّمْر. قَوْله:
(سهوة) ، بِفَتْح السِّين الْمُهْملَة وَسُكُون الْهَاء
وَفتح الْوَاو، وَهِي: الطاق فِي الْحَائِط يوضع فِيهَا
الشَّيْء، وَقيل: هِيَ الصّفة، وَقيل: المخدع بَين
الْبَيْتَيْنِ، وَقيل: هِيَ شَبيه بالرف، وَقيل: بَيت
صَغِير كالخزانة الصَّغِيرَة. قَوْله: (الغول) ، بِضَم
الْغَيْن الْمُعْجَمَة، وَهُوَ شَيْطَان يَأْكُل النَّاس،
وَقيل: هُوَ من يَتلون من الْجِنّ. قَوْله: (أَبُو أسيد) ،
بِضَم الْهمزَة وَفتح السِّين، واسْمه: مَالك بن ربيعَة.
قَوْله: (ينشر بهَا) من النشرة، وَهِي ضرب من الرّقية
والعلاج يعالج بِهِ من كَانَ يظنّ أَن بِهِ مسا من
الْجِنّ، سميت نشرة لِأَنَّهُ ينشر بهَا عَنهُ مَا خامره
من
(12/147)
الدَّاء أَي: يكْشف ويزال.
ذكر مَا يُسْتَفَاد مِنْهُ فِيهِ: أَن السَّارِق لَا يقطع
فِي مجاعَة، وَأَنه يجوز أَن يُعْفَى عَنهُ قبل أَن يبلغ
الإِمَام. وَفِيه: أَن الشَّيْطَان قد يعلم علما ينْتَفع
بِهِ إِذا صدق. وَفِيه: أَن الكذوب قد يصدق مَعَ الندرة.
وَفِيه: عَلَامَات النُّبُوَّة لقَوْله: مَا فعل أسيرك
البارحة. وَفِيه: تَفْسِير لقَوْله تَعَالَى: {إِنَّه
يراكم هُوَ وقبيله من حَيْثُ لَا ترونهم} (الْأَعْرَاف:
72) . يَعْنِي: الشَّيَاطِين، إِن المُرَاد بذلك مَا هم
عَلَيْهِ من خلقهمْ الروحانية، فَإِذا استحضروا فِي صُورَة
الْأَجْسَام المدركة بِالْعينِ جَازَت رُؤْيَتهمْ، كَمَا
شخص الشَّيْطَان لأبي هُرَيْرَة فِي صُورَة سَارِق.
وَفِيه: أَن الْجِنّ يَأْكُلُون الطَّعَام، وَهُوَ مُوَافق
لقَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (سَأَلُونِي الزَّاد) .
وَقَالَ ابْن التِّين: وَفِي شعر الْعَرَب أَنهم لَا
يَأْكُلُون. وَفِيه: ظُهُور الْجِنّ وتكلمهم بِكَلَام
الْإِنْس. وَفِيه: قبُول عذر السَّارِق. وَفِيه: وَعِيد
أبي هُرَيْرَة بِرَفْعِهِ إِلَيْهِ وخدعة الشَّيْطَان.
وَفِيه: فِي الثَّالِثَة بَلَاغ فِي الْإِعْذَار. وَفِيه:
فضل آيَة الْكُرْسِيّ. وَفِيه: أَن للشَّيْطَان نَصِيبا
مِمَّن ترك ذكر الله تَعَالَى عِنْد الْمَنَام. وَفِيه:
أَن من أقيم فِي حفظ شَيْء يُسمى وَكيلا. وَفِيه: أَن
الْجِنّ تسرق وتخدع. وَفِيه: جَوَاز جمع زَكَاة الْفطر قبل
لَيْلَة الْفطر، وتوكيل الْبَعْض لحفظها وتفرقتها. وَفِيه:
جَوَاز تعلم الْعلم مِمَّن لم يعْمل بِعِلْمِهِ.
11 - (بابٌ إذَا باعَ الوَكِيلُ شَيْئاً فاسِداً فَبَيعُهُ
مَرْدُودٌ)
أَي: هَذَا بَاب يذكر فِيهِ إِذا بَاعَ الْوَكِيل شَيْئا
من الْأَشْيَاء الَّتِي وكل فِيهَا بيعا فَاسِدا فبيعه
مَرْدُود.
2132 - حدَّثنا إسْحاقُ قَالَ حَدثنَا يَحْيَى بنُ صَالِحٍ
قَالَ حَدثنَا مُعَاوِيَةُ هوَ ابنُ سَلاَّمٍ عنْ يَحْيَى
قَالَ سَمِعْتُ عُقْبَةَ بنَ عبدِ الْغافِرِ أنَّهُ سَمِعَ
أَبَا سعيدٍ الخُدْرِيِّ رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ قَالَ
جاءَ بِلالٌ إِلَى النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
بِتَمْرٍ بَرْنِيٍّ فَقَالَ لَهُ النبيُّ صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم مِنْ أيْنَ هَذَا قَالَ بِلالٌ كانَ
عِنْدَنا تَمرٌ رَدِيءٌ فبِعْتُ مِنْهُ صَاعَيْنِ بِصاعٍ
لِنُطْعِمَ النبيَّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ
النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عِنْدَ ذَلِكَ أوَّهُ
أوهْ عَيْنُ الرِّبَا عَيْنُ الرِّبا لاَ تَفْعَلْ ولَكِنْ
إذَا أرَدْتَ أنْ تَشْتَرِيَ فَبِعْ التَّمْرَ بِبَيْع
آخَرَ ثُمَّ اشْتَرِهِ.
مطابقته للتَّرْجَمَة تفهم من قَوْله: (عين الرِّبَا لَا
تفعل) لِأَن من الْمَعْلُوم أَن بيع الرِّبَا مِمَّا يجب
رده. وَقَالَ بَعضهم: لَيْسَ فِيهِ تَصْرِيح بِالرَّدِّ،
بل فِيهِ إِشْعَار بِهِ، وَلَعَلَّه أَشَارَ بذلك إِلَى
مَا ورد فِي بعض طرقه، فَعِنْدَ مُسلم من طَرِيق أبي نَضرة
عَن أبي سعيد فِي نَحْو هَذِه الْقِصَّة فَقَالَ: هَذَا
الرِّبَا فَردُّوهُ. انْتهى. قلت: الَّذِي يعلم بِالرَّدِّ
من الحَدِيث فَوق الْعلم بتصريح الرَّد، لِأَن فِيهِ
الرَّد بِمرَّة وَاحِدَة، وَالْمَفْهُوم من متن الحَدِيث
بمرات. الأولى: قَوْله: (أوه أوه) ، بالتكرار،
وَالثَّانِي: قَوْله: (عين الرِّبَا) ، وَالثَّالِثَة:
قَوْله: (لَا تفعل) ، وَالرَّابِعَة: قَوْله: (وَلَكِن)
إِلَى آخِره.
ذكر رِجَاله وهم سِتَّة: الأول: إِسْحَاق، اخْتلف فِيهِ،
فَقَالَ أَبُو نعيم: هُوَ إِسْحَاق بن رَاهَوَيْه، وَقَالَ
أَبُو عَليّ الجياني: إِسْحَاق هَذَا لم ينْسبهُ أحد من
شُيُوخنَا فِيمَا بَلغنِي، قَالَ: وَيُشبه أَن يكون
إِسْحَاق بن مَنْصُور، فقد روى مُسلم عَن إِسْحَاق ابْن
مَنْصُور عَن يحيى بن صَالح هَذَا الحَدِيث، وَقَالَ
بَعضهم: وَجزم أَبُو عَليّ الجياني بِأَنَّهُ ابْن
مَنْصُور. قلت: من أَيْن هَذَا الْجَزْم من أبي عَليّ
الجياني؟ بل قَوْله يدل على أَنه مُتَرَدّد فِيهِ لقَوْله:
وَيُشبه أَن يكون إِسْحَاق بن مَنْصُور، وَلَا يلْزم من
إِخْرَاج مُسلم عَن إِسْحَاق بن مَنْصُور عَن يحيى بن
صَالح هَذَا الحَدِيث أَن يكون رِوَايَة البُخَارِيّ
أَيْضا كَذَلِك. الثَّانِي: يحيى ابْن صَالح أَبُو
زَكَرِيَّا الوحاظي، ووحاظ بطن من حمير. الثَّالِث:
مُعَاوِيَة بن سَلام، بتَشْديد اللَّام: أَبُو سَلام.
الرَّابِع: يحيى ابْن أبي كثير، وَقد تكَرر ذكره.
الْخَامِس: عقبَة، بِضَم الْعين وَسُكُون الْقَاف: ابْن
عبد الغافر العوذي، بِفَتْح الْعين الْمُهْملَة وَسُكُون
الْوَاو وبالذال الْمُعْجَمَة، قتل فِي الجماجم سنة ثَلَاث
وَثَمَانِينَ. السَّادِس: أَبُو سعيد الْخُدْرِيّ، واسْمه:
سعد بن مَالك، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ.
(12/148)
ذكر لطائف إِسْنَاده فِيهِ: التحديث
بِصِيغَة الْجمع فِي ثَلَاثَة مَوَاضِع. وَفِيه: العنعنة
فِي مَوضِع. وَفِيه: السماع فِي موضِعين. وَفِيه: القَوْل
فِي موضِعين. وَفِيه: أَن شَيْخه إِن كَانَ ابْن
رَاهَوَيْه فَهُوَ مروزي سكن نيسابور، وَإِن كَانَ ابْن
مَنْصُور فَهُوَ أَيْضا مروزي انْتقل بآخرة إِلَى نيسابور،
وَيحيى بن صَالح حمصي وَمُعَاوِيَة بن سَلام الحبشي
الْأسود، وَيحيى بن أبي كثير يمامي طائي. وَفِيه: أَن
شَيْخه ذكر غير مَنْسُوب.
والْحَدِيث أخرجه مُسلم فِي الْبيُوع عَن إِسْحَاق بن
مَنْصُور عَن يحيى. وَأخرجه النَّسَائِيّ فِيهِ عَن هِشَام
بن عمار.
ذكر مَعْنَاهُ: قَوْله: (برني) ، بِفَتْح الْمُوَحدَة
وَسُكُون الرَّاء وَكسر النُّون بعْدهَا يَاء مُشَدّدَة:
وَهُوَ ضرب من التَّمْر أصفر مدور، وَهُوَ أَجود التمور،
قَالَه صَاحب (الْمُحكم) : قَالَ بَعضهم: قيل لَهُ ذَلِك
لِأَن كل تَمْرَة تشبه البرنية. قلت: كَلَامه يشْعر أَن
الْيَاء فِيهِ للنسبة، وَلَيْسَت الْيَاء فِيهِ للنسبة،
فَكَأَنَّهُ مَوْضُوع، هَكَذَا مثل كرْسِي وَنَحْوه.
قَوْله: (كَانَ عندنَا) ، هَكَذَا رِوَايَة الْكشميهني،
وَفِي رِوَايَة غَيره: كَانَ عِنْدِي. قَوْله: (رَدِيء) ،
قَالَ بَعضهم: رَدِيء، بِالْهَمْزَةِ على وزن: عَظِيم.
قلت: نعم هُوَ مَهْمُوز اللَّام من: ردىء الشَّيْء يردأ
رداءة، فَهُوَ رَدِيء، أَي: فَاسد، وأردأته أَي: أفسدته،
وَلَكِن لما كثر اسْتِعْمَاله حسن فِيهِ التَّخْفِيف بِأَن
قلبت الْهمزَة يَاء لانكسار مَا قبلهَا وأدغمت الْيَاء فِي
الْيَاء فَصَارَت: رديّ بتَشْديد الْيَاء. قَوْله: (لنطعم
النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم) ، أَي: لأجل أَن نطعم،
وَاللَّام فِيهِ مَكْسُورَة وَالنُّون مَضْمُومَة من
الْإِطْعَام، وَلَفظ النَّبِي مَنْصُوب بِهِ، هَذَا فِي
رِوَايَة أبي ذَر، وَفِي رِوَايَة غَيره: ليطعم، بِفَتْح
الْيَاء آخر الْحُرُوف وَفتح الْعين من: طعم يطعم، وَلَفظ
النَّبِي مَرْفُوع بِهِ. قَوْله: (عِنْد ذَلِك) ، أَي:
عِنْد قَول بِلَال. قَوْله: (أوه) مرَّتَيْنِ، بِفَتْح
الْهمزَة وَتَشْديد الْوَاو وَسُكُون الْهَاء، وَهِي كلمة
تقال عِنْد الشكاية والحزن. وَقَالَ ابْن قرقول: بِالْقصرِ
وَالتَّشْدِيد وَسُكُون الْهَاء، وَكَذَا روينَاهُ، وَقيل:
بِمد الْهمزَة. وَقَالَ الْجَوْهَرِي: وَقد يُقَال
بِالْمدِّ لتطويل الصَّوْت بالشكاية، وَقيل بِسُكُون
الْوَاو وَكسر الْهَاء، وَمن الْعَرَب من يمد الْهمزَة
وَيجْعَل بعْدهَا واوين: آووه، وَكله بِمَعْنى: التحزن،
وَقَالَ ابْن التِّين: إِنَّمَا تأوه ليَكُون أبلغ فِي
الزّجر، وَقَالَهُ إِمَّا للتألم من هَذَا الْفِعْل،
وَإِمَّا من سوء الْفَهم. قَوْله: (عين الرِّبَا) ،
بالتكرار أَيْضا أَي: هَذَا البيع نفس الرِّبَا حَقِيقَة،
وَوَقع فِي مُسلم مرّة وَاحِدَة. قَوْله: (وَلَكِن إِذا
أردْت أَن تشتري) ، أَي: أَن تشتري التَّمْر الْجيد.
قَوْله: (فبع التَّمْر) ، أَي: فبع التَّمْر الرَّدِيء
بِبيع آخر، أَي: بِبيع شَيْء آخر، بِأَن تبيعه بحنطة أَو
شعير مثلا. قَوْله: (ثمَّ اشتره) ، أَي: ثمَّ اشْتَرِ
التَّمْر الْجيد، ويروى: ثمَّ اشْتَرِ بِهِ، أَي: بِثمن
الرَّدِيء، فعلى هَذِه الرِّوَايَة مفعول: اشترِ مَحْذُوف
تَقْدِيره: ثمَّ اشْتَرِ الْجيد بِثمن الرَّدِيء، وَيدل
على مَا قُلْنَاهُ مَا قد رُوِيَ عَن بِلَال فِي هَذَا
الْخَبَر: انْطلق فَرده على صَاحبه وَخذ تمرك وبعه بحنطة
أَو شعير ثمَّ اشْتَرِ بِهِ من هَذَا التَّمْر، ثمَّ جئني
بِهِ، رَوَاهُ الطَّبَرِيّ من طَرِيق سعيد بن الْمسيب عَن
بِلَال، وَفِي رِوَايَة مُسلم: وَلَكِن إِذا أردْت أَن
تشتري التَّمْر فبعه بِبيع آخر ثمَّ اشترِه، أَي: إِذا
أردْت أَن تشتري التَّمْر الْجيد فبع التَّمْر الرَّدِيء
بِبيع آخر ثمَّ اشْتَرِ الْجيد، وَبَين التركيبين
مُغَايرَة ظَاهرا، وَلَكِن فِي الْحَقِيقَة يرجعان إِلَى
معنى وَاحِد، وَهُوَ أَن لَا يَشْتَرِي الْجيد بِضعْف
الرَّدِيء، بل إِذا أَرَادَ أَن يَشْتَرِي الْجيد يَبِيع
ذَلِك الردي، بِشَيْء، وَيَأْخُذ ثمنه، ثمَّ يَشْتَرِي
بِهِ التَّمْر الْجيد، حَتَّى لَا يَقع الرِّبَا فِيهِ
لِأَن الله تَعَالَى قَالَ فِي كِتَابه الْكَرِيم: {يَا
أَيهَا الَّذين آمنُوا اتَّقوا الله وذروا مَا بَقِي من
الربوا} . إِلَى قَوْله: {فلكم من رُؤُوس أَمْوَالكُم}
(الْأَعْرَاف: 72) . قد أَمر الله برد عقد الرِّبَا، ورد
رَأس المَال وَلَا خلاف أَيْضا أَن من بَاعَ بيعا فَاسِدا
أَن بَيْعه مَرْدُود.
واستفيد من حَدِيث الْبَاب حُرْمَة الرِّبَا وَعظم أمره،
وَقد تقدم الْبَحْث فِيهِ فِي: بَاب مَا إِذا أَرَادَ بيع
تمر بِتَمْر خير مِنْهُ، وَهُوَ فِي كتاب الْبيُوع.
21 - (بابُ الوَكالَةِ فِي الوَقْفِ ونَفَقَتِهِ وأنْ
يُطْعِمَ صَدِيقا لَهُ ويَأكُلَ بالمَعْرُوفِ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان حكم الْوكَالَة فِي الْوَقْف.
قَوْله: (وَنَفَقَته) أَي: نَفَقَة الْوَكِيل، يدل
عَلَيْهِ لفظ الْوكَالَة. قَوْله: (وَأَن يطعم) ، كلمة:
أَن، مَصْدَرِيَّة تَقْدِيره: وإطعام الْوَكِيل صديقه من
مَال الْوَقْف الَّذِي هُوَ وَكيل فِيهِ. قَوْله:
(وَيَأْكُل) أَي: الْوَكِيل (بِالْمَعْرُوفِ) يَعْنِي:
بِمَا يتعارفه الوكلاء فِيهِ، وَذَلِكَ لِأَنَّهُ حبس
نَفسه لتصرف مُوكله وَالْقِيَام بأَمْره قِيَاسا على ولي
الْيَتِيم؟ قَالَ الله تَعَالَى فِيهِ:
(12/149)
{وَمن كَانَ فَقِيرا فَليَأْكُل
بِالْمَعْرُوفِ} (النِّسَاء: 6) . فَهَذَا مُبَاح عِنْد
الْحَاجة، وَالْوَقْف كَذَلِك، وَلَيْسَ هَذَا مثل من
اؤتمن على مَال غَيره لغير الصَّدَقَة فَأعْطى مِنْهُ
فَقِيرا بِغَيْر إِذن ربه، فَإِنَّهُ لَا يجوز ذَلِك
بِالْإِجْمَاع.
3132 - حدَّثنا قُتَيْبَةُ بنُ سَعِيدٍ قَالَ حدَّثنا
سُفْيانُ عنْ عَمْرٍ وَقَالَ فِي صدَقَةِ عُمَرَ رَضِي
الله تَعَالَى عنهُ لَيْسَ علَى الوَلِيِّ جُناحٌ أَن
يأكُلَ ويُؤْكِلَ صَدِيقاً غَيْرَ مُتَأثِّلٍ فكانَ ابنُ
عُمَرَ هُوَ يَلِي صَدَقَةَ عُمَرَ يُهْدِي لِلنَّاسِ مِنْ
أهْلِ مَكَّةَ كانَ يَنْزِلُ عَلَيْهِم. .
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة لِأَن التَّرْجَمَة
تَتَضَمَّن أَرْبَعَة أَشْيَاء، والْحَدِيث يشملها،
وسُفْيَان هُوَ ابْن عُيَيْنَة الْمَكِّيّ وَعَمْرو هُوَ
ابْن دِينَار الْمَكِّيّ.
قَوْله: (قَالَ فِي صَدَقَة عمر) إِلَى آخِره، قَالَ
الْكرْمَانِي، رَحمَه الله: صَدَقَة، بِالتَّنْوِينِ،
وَعمر، فَاعل، هَذَا على سَبِيل الْإِرْسَال، إِذْ هُوَ لم
يدْرك عمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، وَفِي بَعْضهَا:
صَدَقَة عمر، بِالْإِضَافَة، وَفِي بَعْضهَا: عَمْرو،
بِالْوَاو، فالقائل بِهِ هُوَ ابْن دِينَار، أَي: قَالَ
ابْن دِينَار فِي الْوَقْف الْعمريّ ذَلِك، وَقَالَ بَعضهم
فِي صَدَقَة عمر، أَي: فِي رِوَايَته لَهَا عَن ابْن عمر
كَمَا جزم بذلك الْمزي فِي (الْأَطْرَاف) . قلت: لم يذكر
الْمزي هَذَا فِي الْأَطْرَاف) أصلا، وَإِنَّمَا قَالَ بعد
الْعَلامَة بِحرف الْخَاء الْمُعْجَمَة: حَدِيث عَمْرو بن
دِينَار ... إِلَى آخِره، مَا ذكره البُخَارِيّ، ثمَّ
قَالَ: مَوْقُوف، وَالصَّوَاب الْمُحَقق مَا قَالَه
الْكرْمَانِي، وَالتَّقْدِير الَّذِي قدره هَذَا الْقَائِل
خلاف الأَصْل، وَلَا ثمَّة دَاع يَدعُوهُ إِلَى ذَلِك،
وَقَوله، ويوضحه رِوَايَة الْإِسْمَاعِيلِيّ من طَرِيق
ابْن أبي عمر عَن سُفْيَان عَن عَمْرو بن دِينَار عَن ابْن
عمر: لَا يسْتَلْزم مَا ذكره من التَّقْدِير الْمَذْكُور
بالتعسف. قَوْله: (لَيْسَ على الْوَلِيّ) أَي: الَّذِي
يتَوَلَّى أَمر الْوَقْف، قَوْله: (جنَاح) أَي: إِثْم،
قَوْله: (أَن يَأْكُل) ، أَي: بِأَن يَأْكُل مِنْهُ.
قَوْله: (أَو يُؤْكَل) ، بِضَم الْيَاء وَكسر الْكَاف،
وَهُوَ من الثلاثي الْمَزِيد فِيهِ. قَوْله: (صديقا) ، نصب
على أَنه مفعول: يُؤْكَل. قَوْله: (لَهُ) ، أَي: للوالي،
وَهُوَ جملَة فِي مَحل النصب لِأَنَّهَا صفة لقَوْله:
صديقا، قَوْله: (غير متاثل) ، نصب على الْحَال من بَاب
التفعل، بِالتَّشْدِيدِ، أَي: غير جَامع، يُقَال: مَال
مؤثل، ومجد مؤثل أَي: مَجْمُوع ذُو أصل، وَاثِلَة الشَّيْء
أَصله، فالمتأثل من يجمع مَالا ويجعله أَلا. قَوْله:
(مَالا) مَنْصُوب بِهِ. قَوْله: (فَكَانَ) ، أَي: ابْن عمر
إِلَى آخِره، فَأَشَارَ إِلَيْهِ الْمزي أَنه مَوْقُوف،
وَقَالَ بَعضهم: هُوَ مَوْصُول بِالْإِسْنَادِ
الْمَذْكُور. قلت: قد ذكرنَا أَن الْكرْمَانِي صرح
بِأَنَّهُ مُرْسل، فَكيف يكون الْمَعْطُوف على الْمُرْسل
مَوْصُولا؟ قَوْله: (يهدي) ، بِضَم الْيَاء من الإهداء.
قَوْله: (للنَّاس) ، ويروى: لناس بِدُونِ الْألف،
وَاللَّام. قَوْله: (كَانَ) أَي: ابْن عمر: (ينزل
عَلَيْهِم) أَي: على النَّاس، وَهَذِه الْجُمْلَة حَال
بِتَقْدِير: قد، كَمَا فِي قَوْله: {أوجاؤكم حصرت}
(النِّسَاء: 09) . أَي: قد حصرت.
ذكر مَا يُسْتَفَاد مِنْهُ فِيهِ: جَوَاز أكل الْوَلِيّ
على الْوَقْف وإيكاله غَيره بِالْمَعْرُوفِ، وَقد أَخذ
هَذَا من قَوْله تَعَالَى: {وَمن كَانَ فَقِيرا فَليَأْكُل
بِالْمَعْرُوفِ} (النِّسَاء: 09) . وَهَذَا فِي مَال
الْيَتِيم، وَفِي مَال الْوَقْف أَهْون من ذَلِك، وَقَالَ
الْمُهلب: هَذَا مُبَاح عِنْد الْحَاجة، وَهَذَا سنة
الْوَقْف: أَن يَأْكُل مِنْهُ الْوَلِيّ ويؤكل لِأَن
الْحَبْس لهَذَا حبس. وَقَالَ ابْن التِّين: فِيهِ: أَن
النَّاس فِي أوقافهم على شروطهم، وأهداه ابْن عمر، رَضِي
الله تَعَالَى عَنْهُمَا، كَانَ على وَجْهَيْن: أَحدهمَا
للشّرط الَّذِي فِي الْوَقْف أَن يُؤْكَل صديقا لَهُ،
وَالْآخر: أَنه كَانَ ينزل على الَّذين يهدى إِلَيْهِم
مُكَافَأَة عَن طعامهم، فَكَأَنَّهُ هُوَ أكله. وَفِيه:
الاستضافة ومكافأة الضَّيْف، وَسَيَأْتِي الْكَلَام فِي
هَذَا الْبَاب مستقصىً فِي كتاب الْوَقْف، إِن شَاءَ الله
تَعَالَى.
31 - (بابُ الوَكالَة فِي الحُدودِ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان حكم الْوكَالَة فِي إِقَامَة
الْحُدُود.
4132
- 5132 حدَّثنا أبُو الوَلِيدِ قَالَ أخبرنَا اللَّيْثُ
عنِ ابنِ شِهَابٍ عنْ عُبَيْدِ الله عنْ زَيْدِ بنِ خالِدٍ
وَأبي هُرَيْرَةَ رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا عنِ
النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ واغْدُ يَا
أُنَيْسُ إلَى امْرَأةِ هذَا فإنِ اعْتَرَفَتْ فارْجُمْهَا
...
(12/150)
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (أغد يَا
أنيس) إِلَى آخِره، فَإِن أمره بذلك تَفْوِيض لَهُ.
وَرِجَاله قد ذكرُوا غير مرّة، وَأَبُو الْوَلِيد هِشَام
بن عبد الْملك الطَّيَالِسِيّ، وَعبيد الله بن عبد الله بن
عتبَة، وَزيد بن خَالِد يكنى أَبَا طَلْحَة الْجُهَنِيّ
الصَّحَابِيّ.
ذكر تعدد مَوْضِعه وَمن أخرجه غَيره: أخرجه البُخَارِيّ
فِي ثَمَانِيَة مَوَاضِع فِي الندور وَفِي الْمُحَاربين
وَفِي الصُّلْح وَفِي الْأَحْكَام وَفِي الشُّرُوط وَفِي
الِاعْتِصَام وَفِي خبر الْوَاحِد وَفِي الشَّهَادَات.
وَأخرجه مُسلم فِي الْحُدُود عَن قُتَيْبَة وَعَن عَمْرو
النَّاقِد وَعَن أبي الطَّاهِر وحرملة وَعَن عبد بن حميد.
وَأخرجه أَبُو دَاوُد فِيهِ عَن القعْنبِي عَن مَالك بِهِ.
وَأخرجه التِّرْمِذِيّ فِيهِ عَن قُتَيْبَة بِهِ وَعَن
إِسْحَاق بن مُوسَى وَعَن نصر بن عَليّ وَغير وَاحِد كلهم
عَن سُفْيَان بن عُيَيْنَة. وَأخرجه النَّسَائِيّ فِي
الْقَضَاء وَفِي الرَّجْم عَن قُتَيْبَة وَفِي الْقَضَاء
والشروط عَن يُونُس بن عبد الْأَعْلَى وَعَن الْحَارِث بن
مِسْكين وَفِي الرَّجْم عَن مُحَمَّد بن يحيى وَعَن
مُحَمَّد بن إِسْمَاعِيل وَعَن عبد الْعَزِيز بن سَلمَة
وَعَن مُحَمَّد بن رَافع. وَأخرجه ابْن مَاجَه فِي
الْحُدُود من أبي بكر بن أبي شيبَة وَهِشَام بن عمار
وَمُحَمّد بن الصَّباح.
ذكر مَعْنَاهُ: قَوْله: (قَالَ: واغد يَا أنيس) ، طرف من
حَدِيث طَوِيل أخرجه فِي كتاب الْمُحَاربين فِي: بَاب
الِاعْتِرَاف بِالزِّنَا، حَدثنَا عَليّ بن عبد الله
أخبرنَا سُفْيَان، قَالَ: حفظناه من الزُّهْرِيّ، قَالَ:
أَخْبرنِي عبيد الله أَنه سمع أَبَا هُرَيْرَة وَزيد ابْن
خَالِد، قَالَ: كُنَّا عِنْد النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم فَقَامَ رجل فَقَالَ: أنْشدك الله إلاَّ قضيت
بَيْننَا بِكِتَاب الله، فَقَامَ خَصمه وَكَانَ أفقه
مِنْهُ، فَقَالَ: اقْضِ بَيْننَا بِكِتَاب الله وإيذن لي،
قَالَ: قل. قَالَ: إِن ابْني كَانَ عسيفاً على هَذَا فزنى
بامرأته، فَافْتَدَيْت مِنْهُ بِمِائَة شَاة وخادم، ثمَّ
سَأَلت أهل الْعلم فَأَخْبرُونِي أَن على ابْني جلد مائَة
وتغريب عَام، وعَلى امْرَأَته الرَّجْم. فَقَالَ النَّبِي
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَالَّذِي نَفسِي بِيَدِهِ لأقضين
بَيْنكُمَا بِكِتَاب الله، جلّ ذكره: الْمِائَة شَاة
وَالْخَادِم مَرْدُود، وعَلى ابْنك جلد مائَة وتغريب عَام،
وأغد يَا أنيس على امْرَأَة هَذَا، فَإِن اعْترفت فارجمها.
فغدا عَلَيْهَا فَاعْترفت فرجمها ... الحَدِيث، وَذكر
هُنَا هَذِه الْقطعَة لأجل التَّرْجَمَة الْمَذْكُورَة.
قَوْله: (واغدُ) أَمر من: غَدا يَغْدُو، وبالغين
الْمُعْجَمَة من الغدو، وَهُوَ الذّهاب وَهُوَ عطف على مَا
تقدم عَلَيْهِ فِي الحَدِيث. قَوْله: (يَا أنيس) تَصْغِير
أنس، وَهُوَ أنيس بن الضَّحَّاك الْأَسْلَمِيّ، وَيُقَال:
مكبرا، ذكر لَهُ عمر حَدِيثا، وَإِنَّمَا خصّه من بَين
الصَّحَابَة قصدا إِلَى أَنه لَا يُؤمر فِي الْقَبِيلَة
إلاَّ رجل مِنْهُم لنفورهم عَن حكم غَيرهم، وَكَانَت
الْمَرْأَة أسلمية.
وَاخْتلف الْعلمَاء فِي الْوكَالَة فِي الْحُدُود
وَالْقصاص، فَذهب أَبُو حنيفَة وَأَبُو يُوسُف إِلَى أَنه
لَا يجوز قبُولهَا فِي ذَلِك، وَلَا يُقَام الْحَد
وَالْقصاص حَتَّى يحضر الْمُدَّعِي، وَهُوَ قَول
الشَّافِعِي، وَقَالَ ابْن أبي ليلى وَجَمَاعَة: تقبل
الْوكَالَة فِي ذَلِك، وَقَالُوا: لَا فرق بَين الْحُدُود
وَالْقصاص والديون إلاَّ أَن يَدعِي الْخصم أَن صَاحبه قد
عَفا عَنهُ فتوقف عَن النّظر فِيهِ حَتَّى يحضر.
6132 - حدَّثنا ابنُ سَلاَّمٍ قَالَ أخبرنَا عَبْدُ
الوَهَّابِ الثَّقَفِيُّ عنْ أيُّوبَ عنِ ابنِ أبِي
مُلَيْكَة عنْ عُقْبَةَ بنِ الحارِثِ قالَ جِيءَ
بالنُّعَيْمَانِ أَو ابنِ النُّعَيْمانِ أَو ابنِ
النُّعَيْمَانِ شارِباً فأمرَ رسولُ الله صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم منْ كانَ فِي البَيْتِ أنْ يَضْرِبوا قَالَ
فكُنتُ أَنا فِيمَنْ ضَرَبَهُ فضَرَبناهُ بالنِّعالَ
والجَرِيدِ.
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (فَأمر من كَانَ فِي
الْبَيْت أَن يضربوه) ، لِأَن الإِمَام إِذا لم يتول
إِقَامَة الْحَد بِنَفسِهِ وَولى غَيره كَانَ ذَلِك
بِمَنْزِلَة التَّوْكِيل.
وَرِجَاله: مُحَمَّد بن سَلام، قَالَ الْكرْمَانِي:
الصَّحِيح البيكندي البُخَارِيّ، وَهُوَ من أَفْرَاده،
وَأَيوب هُوَ السّخْتِيَانِيّ، وَابْن أبي مليكَة، بِضَم
الْمِيم هُوَ عبد الله بن عبيد الله بن أبي مليكَة،
وَعقبَة بن الْحَارِث بن عَامر الْقرشِي النَّوْفَلِي
الْمَكِّيّ، لَهُ صُحْبَة، أسلم يَوْم فتح مَكَّة، روى
لَهُ البُخَارِيّ ثَلَاثَة أَحَادِيث.
قَوْله: (بالنعيمان) ، بِالتَّصْغِيرِ. قَوْله: (أَو
بِابْن النعيمان) ، شكّ من الرَّاوِي، وَوَقع عِنْد
الْإِسْمَاعِيلِيّ فِي رِوَايَة: جِيءَ بنعمان أَو نعيمان،
فَشك هَل هُوَ بِالتَّكْبِيرِ أَو التصغير، وَفِي
رِوَايَة: بالنعيمان، بِغَيْر شكّ، وَوَقع عِنْد الزبير بن
بكار فِي النّسَب من طَرِيق أبي بكر بن مُحَمَّد بن عَمْرو
بن حزم عَن أَبِيه، قَالَ: كَانَ بِالْمَدِينَةِ رجل
يُقَال لَهُ النعيمان، يُصِيب الشَّرَاب ... فَذكر
الحَدِيث نَحوه، وروى ابْن مَنْدَه من حَدِيث مَرْوَان بن
قيس السّلمِيّ من صحابة النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
(12/151)
أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، مر بِرَجُل سَكرَان
يُقَال لَهُ نعيمان، فَأمر بِهِ فَضرب ... الحَدِيث،
وَهُوَ: النعيمان بن عَمْرو بن رِفَاعَة بن الْحَارِث بن
سَواد بن مَالك بن غنم بن مَالك بن النجار الْأنْصَارِيّ
الَّذِي شهد بَدْرًا، وَكَانَ مزاحا وَقَالَ ابْن عبد
الْبر: إِنَّه كَانَ رجلا صَالحا، وَأَن الَّذِي حَده
النَّبِي، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، كَانَ ابْنه. قَوْله:
(شارباً) ، حَال، يَعْنِي: متصفاً بالشرب، لِأَنَّهُ حِين
جِيءَ بِهِ لم يكن شارباً حَقِيقَة، بل كَانَ سَكرَان،
وَالدَّلِيل عَلَيْهِ مَا جَاءَ فِي الْحُدُود، وَهُوَ
سَكرَان، وَزَاد عَلَيْهِ: فشق عَلَيْهِ.
ذكر مَا يُسْتَفَاد مِنْهُ فِيهِ: أَن حد الشّرْب أخف
الْحُدُود، وَقَالَ الْخطابِيّ: وَفِيه: أَن حد الْخمر لَا
يستأنى فِيهِ الْإِقَامَة كَحَد الْحَامِل لتَضَع الْحمل.
وَفِيه: إِقَامَة الْحُدُود وَالضَّرْب بالنعال والجريد،
وَكَانَ ذَلِك فِي زمن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
ثمَّ رتبه عمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، ثَمَانِينَ.
41 - (بَاب الوَكالَةِ فِي الْبُدْنِ وتَعاهُدِها)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان حكم الْوكَالَة فِي أَمر
الْبدن الَّتِي تهدى، وَهُوَ بِضَم الْبَاء الْمُوَحدَة
جمع: بَدَنَة. قَوْله: (وتعاهدها) أَي: وَفِي بَيَان تعاهد
الْبدن، وَهُوَ افتقاد أمرهَا.
7132 - حدَّثنا إسْمَاعِيلُ بنُ عبْدِ الله قَالَ
حدَّثَنِي مالِكٌ عنْ عَبْدِ الله بن أبِي بَكْرِ بنِ
حَزْم عَنْ عَمْرَةَ بِنْتِ عَبْدِ الرَّحْمانِ أنَّها
أخبَرَتْهُ قَالَت عائِشةُ رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا
أَنا فتَلْتُ قَلائِدَ هَدْي رسولِ الله صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم بِيَدَيَّ ثُمَّ قلَّدَها رسولُ الله صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم بِيَدَيْهِ ثُمَّ بعَثَ بِها معَ أبِي
فلَمْ يَحْرُمْ على رسولِ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
شَيْءٌ أحَلَّهُ الله لَهُ حَتَّى نحِرَ الهدْيُ. .
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي كلا جزأيها ظَاهِرَة، أما فِي
الْجُزْء الأول وَهُوَ قَوْله: (ثمَّ بعث بهَا مَعَ أبي)
فَإِنَّهُ، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فوض أمرهَا لأبي بكر،
رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، حِين بعث بهَا. وَأما فِي
الثَّانِي، وَهُوَ قَوْله: (قلدها بيدَيْهِ) ، لِأَنَّهُ
تعاهد مِنْهُ فِي ذَلِك. وَإِسْمَاعِيل بن عبد الله هُوَ
إِسْمَاعِيل بن أبي أويس الْمدنِي، ابْن أُخْت مَالك بن
أنس. والْحَدِيث قد مضى فِي كتاب الْحَج فِي: بَاب من قلد
القلائد بِيَدِهِ، فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ: عَن عبد الله
بن يُوسُف عَن مَالك ... إِلَى آخِره، بأتم مِنْهُ وأطول،
وَقد مر الْكَلَام فِيهِ هُنَاكَ. 51 - (بابٌ إِذا قَالَ الرَّجُلُ
لِوَكِيلِهِ ضعْهُ حَيْث أرَاكَ الله وَقَالَ الوَكِيلُ
قَدْ سَمِعْتُ مَا قُلْتَ)
أَي: هَذَا بَاب يذكر فِيهِ إِذا قَالَ الرجل لوَكِيله
الَّذِي وَكله: ضع الشَّيْء الْفُلَانِيّ حَيْثُ أَرَاك
الله، يَعْنِي فِي أَي مَوضِع شِئْت. وَقَالَ الْوَكِيل:
قد سَمِعت مَا قلت لي وَوَضعه حَيْثُ أَرَادَ، وَجَوَاب:
إِذا، مَحْذُوف، يَعْنِي: جَازَ هَذَا الْأَمر.
8132 - حدَّثني يَحْيَى بنُ يَحْيَى قَالَ قَرَأتُ علَى
مالِكٍ عنْ إسْحاقَ بنِ عَبْدِ الله أنَّهُ سَمِعَ أنَسَ
بنَ مالِكٍ رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ يقُولُ كانَ أبُو
طَلْحَةَ أكْثَرَ الأنْصَارِ بالمَدِينَةِ مَالا وكانَ
أحَبَّ أمْوالِهِ إلَيْهِ بِيرُحاءَ وَكَانَت
مُستَقْبِلَةَ المَسْجِدِ وكانَ رسولُ الله صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم يَدْخُلُها ويَشْرَبُ من ماءٍ فِيها
طَيِّبٍ فلمَّا نَزَلَتْ لَنْ تَنالُوا البِرَّ حتَّى
تُنْفِقُوا مَمَّا تُحِبُّونَ قامَ أبُو طَلْحَةَ إلَى
رسولِ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فقالَ يَا رسولَ الله
إنَّ الله تعَالى يَقولُ فِي كِتَابِهِ لَنْ تَنالُوا
البِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مَمَّا تُحِبُّونَ وإنَّ أحَبَ
أمْوالِي إلَيَّ بِيرَحَاءَ وإنَّهَا صَدَقَةٌ لله أرْجُو
بِرَّها وذَخْرَها عِنْدَ الله فَضَعْهَا يَا رسولَ الله
(12/152)
حَيْثُ شِئْتَ فَقَالَ بَخٍ ذلِكَ مالٌ رَائِحٌ قدْ
سَمِعْتُ مَا قُلْتَ فِيها وأرَى أنْ تَجْعَلَها فِي
الأقْرَبِينَ قَالَ أفْعَلُ يَا رسولَ الله فَقَسَمَهَا
أبُو طَلْحَةَ فِي أقَارِبِهِ وبَنِي عَمِّه. .
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَول أبي طَلْحَة للنَّبِي صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم: إِنَّهَا صَدَقَة فضعها يَا رَسُول
الله حَيْثُ شِئْت، فَإِنَّهُ لم يُنكر عَلَيْهِ ذَلِك،
وَإِن كَانَ مَا وَضعهَا بِنَفسِهِ بل أمره أَن يَضَعهَا
فِي الْأَقْرَبين، وَيفهم مِنْهُ أَن الْوكَالَة لَا تتمّ
إلاَّ بِالْقبُولِ، أَلا ترى أَن أَبَا طَلْحَة قَالَ
لرَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: ضعها يَا رَسُول
الله حَيْثُ شِئْت! فَأَشَارَ عَلَيْهِ أَن يَجْعَلهَا فِي
الْأَقْرَبين، بعد أَن قَالَ: قد سَمِعت مَا قلت فِيهَا،
وَقد مضى الحَدِيث فِي كتاب الزَّكَاة فِي: بَاب الزَّكَاة
على الْأَقَارِب، فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ: عَن عبد الله
بن يُوسُف عَن مَالك ... إِلَى آخِره نَحوه، وَأخرجه
هُنَا: عَن يحيى بن يحيى بن بكر بن زِيَاد التَّمِيمِي
الْحَنْظَلِي شيخ مُسلم أَيْضا، مَاتَ يَوْم الْأَرْبَعَاء
سلخ صفر سنة سِتّ وَعشْرين وَمِائَتَيْنِ، وَقد مر
الْكَلَام فِيهِ هُنَاكَ.
قَوْله: (رائج) ، بِالْجِيم: من الرواج، وَقيل: بِالْحَاء،
وَقيل: بِالْبَاء الْمُوَحدَة.
وَمِمَّا يُسْتَفَاد مِنْهُ: دُخُول الشَّارِع حَوَائِط
أَصْحَابه وشربه من المَاء العذب. وَفِيه: رِوَايَة
الحَدِيث بِالْمَعْنَى.
تابَعَهُ إسْماعِيلُ عنْ مالِكٍ
يَعْنِي: تَابع يحيى بن يحيى إِسْمَاعِيل بن أبي أويس عَن
مَالك عَن أنس، وَسَيَأْتِي مَوْصُولا فِي تَفْسِير آل
عمرَان.
وَقَالَ روْحٌ عنْ مالِكٍ رابِحٌ
يَعْنِي: قَالَ روح بن عبَادَة فِي رِوَايَته عَن مَالك:
رابح، بِالْبَاء الْمُوَحدَة من الرِّبْح، وَقد ذكرنَا
الْآن أَن فِيهِ ثَلَاث رِوَايَات.
61 - (بابُ وَكالةِ الأمِينِ فِي الخِزَانَةِ ونَحْوِها)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان حكم وكَالَة الرجل الْأمين فِي
الخزانة وَنَحْوهَا.
9132 - حدَّثنا محَمَّدُ بنُ العَلاَءِ قَالَ حدَّثنا أبُو
أُسَامَةَ عنْ بُرَيْدِ بنِ عَبْدِ الله عنْ أبِي بُرْدَةَ
عنْ أبِي مُوسَى رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ عنِ النبيِّ
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ الخَازِنُ الأمِينُ الَّذِي
يُنْفِقُ ورُبَّمَا قَالَ الَّذِي يُعْطِي مَا أُمِرَ بِهِ
كامِلاً مُوَفَّرا طَيِّبٌ نَفْسُهُ إِلَى الَّذِي أُمِرَ
بِهِ أحَدُ المُتَصَدِّقِينِ. .
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة، لِأَن الخازن الْأمين مفوض
إِلَيْهِ الْإِنْفَاق والإعطاء بِحَسب أَمر الْآمِر بِهِ،
وَمُحَمّد بن الْعَلَاء أَبُو كريب الْهَمدَانِي الْكُوفِي
شيخ مُسلم أَيْضا، وَأَبُو أُسَامَة حَمَّاد بن أُسَامَة،
وبريد، بِضَم الْبَاء الْمُوَحدَة، وَأَبُو بردة كَذَلِك
بِضَم الْبَاء الْمُوَحدَة، واسْمه عَامر، وَقيل:
الْحَارِث بن أبي مُوسَى الْأَشْعَرِيّ، وَاسم أبي مُوسَى:
عبد الله بن قيس، والْحَدِيث ذكره البُخَارِيّ فِي كتاب
الزَّكَاة فِي: بَاب أجر الْخَادِم، بِهَذَا الْإِسْنَاد
والمتن بعينهما، وَمضى الْكَلَام فِيهِ هُنَاكَ مُسْتَوفى. |