عمدة القاري شرح صحيح البخاري

41 - (بابُ هِبَةِ الرَّجُلِ لامْرَأتِهِ والمَرْأةِ لِزَوْجِها)

أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان حكم هبة الرجل لامْرَأَته، وَحكم هبة الْمَرْأَة لزَوجهَا، وَحكمهَا أَنه يجوز، فَإِذا جَازَ هَل لأَحَدهمَا أَن يرجع على الآخر؟ فَلَا يجوز على مَا يَجِيء بَيَانه، إِن شَاءَ الله تَعَالَى.
قَالَ إبْرَاهِيمُ جائِزَةٌ

إِبْرَاهِيم هُوَ ابْن يزِيد النَّخعِيّ، أَي: هبة الرجل لأمرأه، وَهبة الْمَرْأَة لزَوجهَا جَائِزَة. وَهَذَا تَعْلِيق وَصله عبد الرَّزَّاق عَن الثَّوْريّ عَن مَنْصُور عَن إِبْرَاهِيم، قَالَ: إِذا وهبت لَهُ أَو وهب لَهَا فَلِكُل وَاحِد مِنْهُمَا عطيته. وَوَصله الطَّحَاوِيّ من طَرِيق أبي عوَانَة عَن مَنْصُور، قَالَ: قَالَ إِبْرَاهِيم: إِذا وهبت امْرَأَة لزَوجهَا، أَو وهب الزَّوْج لامْرَأَته، فالهبة جَائِزَة وَلَيْسَ لوَاحِد مِنْهُمَا أَن يرجع فِي هِبته. وَمن طَرِيق أبي حنيفَة: عَن حَمَّاد عَن إِبْرَاهِيم الزَّوْج وَالْمَرْأَة بِمَنْزِلَة ذِي الرَّحِم، إِذا وهب أَحدهمَا لصَاحبه لم يكن لَهُ أَن يرجع.
وَقَالَ عُمَرُ بنُ عَبْدِ العَزِيزِ: لاَ يَرْجِعَانِ
عمر بن عبد الْعَزِيز أحد الْخُلَفَاء الرَّاشِدين، وَأحد الزهاد العابدين. قَوْله: (لَا يرجعان) ، يَعْنِي: لَا يرجع الزَّوْج على الزَّوْجَة وَلَا الزَّوْجَة على الزَّوْج فِيمَا إِذا وهب أَحدهمَا للْآخر، وَهَذَا وَصله أَيْضا عبد الرَّزَّاق عَن الثَّوْريّ عَن عبد الرَّحْمَن بن زِيَاد: أَن عمر ابْن عبد الْعَزِيز قَالَ مثل قَول إِبْرَاهِيم، وَقَالَ ابْن بطال: قَالَ بَعضهم: لَهَا أَن ترجع فِيمَا أَعطَتْهُ، وَلَيْسَ لَهُ أَن يرجع فِيمَا أَعْطَاهَا، روى هَذَا عَن شُرَيْح وَالزهْرِيّ وَالشعْبِيّ، وَذكر عبد الرَّزَّاق عَن معمر عَن أَيُّوب عَن ابْن سِيرِين، كَانَ شُرَيْح إِذا جَاءَتْهُ امْرَأَة وهبت لزَوجهَا هبة ثمَّ رجعت فِيهَا يَقُول لَهُ: بينتك: أَنَّهَا وَهبتك طيبَة نَفسهَا من غير كره وَلَا هوان، وإلاَّ فيمينها: مَا وهبت بِطيب نَفسهَا إلاَّ بعد كره، وَهُوَ إِن انْتهى فَهَذَا يَقْتَضِي أَنَّهَا لَيْسَ لَهَا الرُّجُوع إلاَّ بِهَذَا الشَّرْط.
واسْتَأْذَنِ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم نِساءَهُ فِي أنْ يُمَرَّضَ فِي بَيْتِ عائِشَةَ، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا
مطابقته للتَّرْجَمَة من حَيْثُ إِن أَزوَاج النَّبِي، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وهبْنَ لَهُ مَا استحقين من الْأَيَّام، وَلم يكن لَهُنَّ رُجُوع فِيمَا مضى، وَهَذَا على حمل الْهِبَة على مَعْنَاهَا اللّغَوِيّ، وَهَذَا التَّعْلِيق وَصله البُخَارِيّ فِي هَذَا الْبَاب على مَا يَجِيء عَن قريب، وَوَصله أَيْضا فِي آخر الْمَغَازِي على مَا يَجِيء، إِن شَاءَ الله تَعَالَى. قَوْله: (أَن يمرض) ، على صِيغَة الْمَجْهُول، من التمريض وَهُوَ الْقيام على الْمَرِيض فِي مَرضه.
وَقَالَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم العائِدُ فِي هِبَتِهِ كالْكَلْبِ يعود فِي قَيْئِهِ

مطابقته للتَّرْجَمَة من حَيْثُ إِن عُمُوم الْعَائِد فِي هِبته المذموم يدْخل فِيهِ الزَّوْج وَالزَّوْجَة، وَهَذَا التَّعْلِيق وَصله البُخَارِيّ أَيْضا فِي: بَاب لَا يحل لأحد أَن يرجع فِي هِبته، وَسَيَأْتِي بعد خَمْسَة عشر بَابا، وَهَذَا الَّذِي علقه أخرجه السِّتَّة إلاَّ التِّرْمِذِيّ، أَخْرجُوهُ عَن ابْن عَبَّاس، قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (الْعَائِد فِي هِبته كالعائد فِي قيئه) ، زَاد أَبُو دَاوُد: قَالَ قَتَادَة، وَلَا نعلم الْقَيْء إلاَّ حَرَامًا، وَاحْتج بِهَذَا طَاوُوس وَعِكْرِمَة وَالشَّافِعِيّ وَأحمد وَإِسْحَاق على أَنه: لَيْسَ للْوَاهِب أَن يرجع فِيمَا وهبه إلاَّ الَّذِي ينحله الْأَب لِابْنِهِ، وَعند مَالك: لَهُ أَن يرجع فِي الْأَجْنَبِيّ الَّذِي قصد مِنْهُ الثَّوَاب وَلم يثبه، وَبِه قَالَ أَحْمد فِي رِوَايَة. وَقَالَ أَبُو حنيفَة وَأَصْحَابه: للْوَاحِد الرُّجُوع فِي هِبته من الْأَجْنَبِيّ مَا دَامَت قَائِمَة وَلم يعوض مِنْهَا، وَهُوَ قَول سعيد بن الْمسيب وَعمر بن عبد الْعَزِيز وَشُرَيْح القَاضِي وَالْأسود بن يزِيد، وَالْحسن الْبَصْرِيّ وَالنَّخَعِيّ وَالشعْبِيّ، وَرُوِيَ ذَلِك عَن عمر بن الْخطاب وَعلي بن أبي طَالب

(13/148)


وَعبد الله بن عمر وَأبي هُرَيْرَة وفضالة بن عبيد، وَأَجَابُوا عَن الحَدِيث بِأَنَّهُ، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، جعل الْعَائِد فِي هِبته كالعائد فِي قيئه، بالتشبيه من حَيْثُ إِنَّه ظَاهر الْقبْح مُرُوءَة وخلقاً، لَا شرعا، وَالْكَلب غير متعبد بالحلال وَالْحرَام، فَيكون الْعَائِد فِي هِبته عَائِدًا فِي أَمر قذر كالقذر الَّذِي يعود فِيهِ الْكَلْب، فَلَا يثبت بذلك منع الرُّجُوع فِي الْهِبَة، وَلكنه يُوصف بالقبح وَبِه نقُول، فَلذَلِك نقُول بِكَرَاهَة الرُّجُوع.
وَقَالَ الزُّهْرِيُّ فِيمَنْ قَالَ لاِمْرَأتِهِ هَبِي لِي بَعْضَ صَدَاقِكِ أوْ كُلَّهُ ثُمَّ لَمْ يَمْكُثْ إلاَّ يَسِيراً حتَّى طَلَّقَهَا فرَجَعَتْ فِيهِ قَالَ يَرُدُّ إلَيْهَا إنْ كانَ خَلَبَها وإنْ كانَتْ أعْطَتْهُ عنْ طِيبِ نَفْسٍ لَيْسَ فِي شَيْءٍ مِنْ أمْرِهِ خَدِيعَةٌ جازَ قَالَ الله تَعَالَى: {فإنْ طِبْنَ لَكُمْ عنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْساً} (النِّسَاء: 4) . فَكُلُوهُ

الزُّهْرِيّ: هُوَ مُحَمَّد بن مُسلم بن شهَاب، وَهَذَا التَّعْلِيق وَصله عبد الله عَن يُونُس بن يزِيد عَنهُ. قَوْله: (هبي) ، أَمر للمؤنث من: وهب يهب، وَأَصله: أوهبي، حذفت الْوَاو مِنْهُ تبعا لفعله، لِأَن أصل: يهب يُوهب، فَلَمَّا حذفت الْوَاو اسْتغنى عَن الْهمزَة فحذفت فَصَارَ: هبي، على وزن: عَليّ. قَوْله: (أوكله) أَي: أَو قَالَ: هبي لي كل الصَدَاق، قَوْله: (يرد إِلَيْهَا) ، أَي: يرد الزَّوْج الصَدَاق إِلَيْهَا. قَوْله: (إِن كَانَ خلبها) ، بِفَتْح الْخَاء الْمُعْجَمَة وَاللَّام وَالْبَاء الْمُوَحدَة أَي: إِن كَانَ خدعها، وَمِنْه فِي الحَدِيث: إِذا بِعْت فَقل: (لَا خلابة) ، أَي: لَا خداع. فَإِن قلت: روى عبد الرَّزَّاق عَن معمر عَن الزُّهْرِيّ، قَالَ: رَأَيْت الْقُضَاة يقبلُونَ الْمَرْأَة فِيمَا وهبت لزَوجهَا وَلَا يقبلُونَ الزَّوْج فِيمَا وهب لامْرَأَته؟ قلت: التَّوْفِيق بَينهمَا أَن رِوَايَة معمر عَنهُ هُوَ مَنْقُول، وَرِوَايَة يُونُس عَنهُ هُوَ اخْتِيَاره، وَهُوَ التَّفْصِيل الْمَذْكُور بَين أَن يكون خدعها، فلهَا أَن ترجع أَو لَا فَلَا، وَهُوَ قَول الْمَالِكِيَّة إِن أَقَامَا الْبَيِّنَة على ذَلِك، وَقيل: يقبل قَوْله فِي ذَلِك مُطلقًا. وَإِلَى عدم الرُّجُوع من الْجَانِبَيْنِ مُطلقًا ذهب الْجُمْهُور، وَإِلَى التَّفْصِيل الَّذِي نقل عَن الزُّهْرِيّ ذهب شُرَيْح القَاضِي، وَإِذا وهب أحد الزَّوْجَيْنِ للْآخر لَا بُد فِي ذَلِك من الْقَبْض، وَهُوَ قَول ابْن سِيرِين وَشُرَيْح وَالشعْبِيّ ومسروق وَالثَّوْري وَأبي حنيفَة وَالشَّافِعِيّ، وَهُوَ رِوَايَة أَشهب عَن مَالك، وَقَالَ ابْن أبي ليلى وَالْحسن: لَا يحْتَاج إِلَى الْقَبْض. قَوْله: {فَإِن طبن لكم} (النِّسَاء: 4) . الْآيَة: احْتج بِهَذِهِ الزُّهْرِيّ فِيمَا ذهب إِلَيْهِ، وَقبلهَا: {وَأتوا النِّسَاء صدقاتهن نحلة فَإِن طبن لكم عَن شَيْء مِنْهُ نفسا فكلوه هَنِيئًا مريئاً} (النِّسَاء: 4) . الْخطاب فِي قَوْله: {وَآتوا النِّسَاء} (النِّسَاء: 4) . للناكحين، وَقَالَ مقَاتل: كَانَ الرجل يتَزَوَّج ثمَّ يَقُول: أرثك وترثيني، فَتَقول الْمَرْأَة: نعم، فَنزلت. وَقيل: إِن الرجل كَانَ يُعْطي الرجل أُخْته وَيَأْخُذ أُخْته مَكَانهَا من غير مهر، فنهو عَن ذَلِك بهذ الْآيَة. قَوْله: {صدقاتهن} (النِّسَاء: 4) . أَي: مهورهن، وَاحِدهَا صَدَقَة، بِفَتْح الصَّاد وَضم الدَّال، وَهِي لُغَة أهل الْحجاز، وَتَمِيم تَقول: صَدَقَة، بِضَم الصَّاد وَسُكُون الدَّال، فَإِذا جمعُوا قَالُوا: صدقَات، بِضَم الصَّاد وَسُكُون الدَّال وبضم الدَّال أَيْضا مثل: ظلمات. قَوْله: {نَخْلَة} (النِّسَاء: 4) . أَي: فَرِيضَة مُسَمَّاة، قَالَه قَتَادَة وَابْن جريج وَمُقَاتِل، وَعَن ابْن عَبَّاس: النحلة: الْمهْر، وَقَالَ ابْن زيد: النحلة فِي كَلَام الْعَرَب الْوَاجِب، تَقول: لَا ينْكِحهَا إلاَّ بِشَيْء وَاجِب لَهَا، وَلَيْسَ يَنْبَغِي لأحد بعد النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَن ينْكح امْرَأَة إلاَّ بِصَدَاق وَاجِب، وَلَا يَنْبَغِي أَن تكون تَسْمِيَة الصَدَاق كذبا بِغَيْر حق، وَقيل: النحلة الدّيانَة وَالْملَّة، وَالتَّقْدِير: وآتوهن صدقاتهن ديانَة، وَفِيه لُغَتَانِ: كسر الصَّاد وَضمّهَا وانتصابها على الْمصدر، أَو على الْحَال. وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيّ: الْمَعْنى: آتوهن مهورهن ديانَة، على أَنه مفعول لَهُ، وَيجوز أَن يكون حَالا من المخاطبين، أَي: ناحلين طيبي النُّفُوس بالإعطاء، أَو من الصَّدقَات، أَي: منحولة معطاة عَن طيبَة الْأَنْفس، وَالْخطاب للأزواج. وَقيل: للأولياء لأَنهم كَانُوا يَأْخُذُونَ مُهُور بناتهم، وَكَانُوا يَقُولُونَ: هَنِيئًا لَك النافجة، لمن يُولد لَهُ بنت، يعنون: تَأْخُذ مهرهَا فتنفج بِهِ مَالك، أَي: تعظمه. قَوْله: {فَإِن طبن لكم} (النِّسَاء: 4) . يَعْنِي: النِّسَاء المنكوحات أَيهَا الْأزْوَاج. {عَن شَيْء مِنْهُ} (النِّسَاء: 4) . أَي: من الصَدَاق، وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيّ: الضَّمِير فِي: مِنْهُ، جَار مجْرى اسْم الْإِشَارَة، كَأَنَّهُ قيل: عَن شَيْء من ذَلِك. قَوْله: (نفسا) نصب على التَّمْيِيز، وَإِنَّمَا وحد لِأَن الْغَرَض بَيَان الْجِنْس، وَالْوَاحد يدل عَلَيْهِ، وَالْمعْنَى: فَإِن وهبْنَ لكم شَيْئا من الصَدَاق ونحلت عَن نفوسهن طَيّبَات غير مخبثات بِمَا يضطرهن إِلَى الْهِبَة من شكاسة أخلاقكم وَسُوء معاشرتكم، فكلوه فأنفقوه. قَالَ الْفُقَهَاء: فَإِن وهبت لَهُ ثمَّ طلبت مِنْهُ بعد الْهِبَة، علم أَنَّهَا لم تطب مِنْهُ نفسا. قَوْله: {هَنِيئًا مريئاً} (النِّسَاء: 4) . نعت لمصدر مَحْذُوف أَي: أكلا هَنِيئًا. وَقيل: هُوَ مصدر فِي مَوضِع الْحَال، أَي: أكلا هَنِيئًا، والهنيء مَا يُؤمن عاقبته، وَقيل: مَا أورث نفعا وشفاءً، وَقيل: الطّيب المساغ الَّذِي لَا ينغصه شَيْء، وَهُوَ مَأْخُوذ من هنأت الْبَعِير: إِذا عالجته بالقطران

(13/149)


من الجرب، وَالْمعْنَى: فكلوه دَوَاء شافياً، والمريء: الْمَحْمُود الْعَاقِبَة التَّام الهضم الَّذِي لَا يضر وَلَا يُؤْذِي، وَقيل: الهنيء: مَا يلد الْآكِل، والمريء مَا يحمد عاقبته، وَقيل لمدخل الطَّعَام من الْحُلْقُوم إِلَى فَم الْمعدة: المريء، لمرء الطَّعَام فِيهِ، وَهُوَ إنسياغه، وَفِي (تَفْسِير مقَاتل) : هَنِيئًا يَعْنِي: حلا مريئاً يَعْنِي: طيبا.

8852 - حدَّثنا إبْرَاهِيمُ بنُ مُوساى قَالَ أخبرنَا هِشامٌ عنْ مَعْمَرٍ عنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ أخبرَني عُبَيْدُ الله ابنُ عَبْدِ الله قَالَ قالَتْ عائِشَةُ رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا لَمَّا ثَقُلَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فاشْتَدَّ وجعُهُ اسْتَأْذَنَ أزْوَاجَهُ أنْ يُمَرَّضَ فِي بَيْتي فأذِنَّ لَهُ فخَرَجَ بَيْنَ رَجُلَيْنِ تَخُطُّ رِجْلاهُ الأرْضَ وكانَ بَيْنَ العَبَّاسِ وبَيْنَ رَجلٍ آخَرَ فَقَالَ عُبَيْدُ الله فَذَكَرْتُ لابْنِ عَبَّاسٍ مَا قالَتْ عائِشَةُ فَقَالَ لِي وهَلْ تَدْري مَنِ الرَّجُلُ الَّذِي لَمْ تُسَمِّ عائِشَةُ قُلْتُ لاَ قالَ هُوَ عَلِيُّ بنُ أبِي طالِبٍ..
مطابقته للتَّرْجَمَة هُوَ الْوَجْه الَّذِي ذَكرْنَاهُ فِي أَوَائِل الْبَاب عِنْد قَوْله: (وَاسْتَأْذَنَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم نِسَاءَهُ فِي أَن يمرض فِي بَيت عَائِشَة، وَقد مضى هَذَا الحَدِيث فِي كتاب الطَّهَارَة فِي: بَاب الْغسْل وَالْوُضُوء فِي المخضب والقدح، فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ: عَن أبي الْيَمَان الحكم بن نَافِع عَن شُعَيْب عَن الزُّهْرِيّ عَن عبيد الله بن عبد الله بن عتبَة عَن عَائِشَة بأتم مِنْهُ، وَهنا أخرجه: عَن إِبْرَاهِيم بن مُوسَى الْفراء أبي إِسْحَاق الرَّازِيّ الْمَعْرُوف بالصغير عَن هِشَام بن يُوسُف الصَّنْعَانِيّ الْيَمَانِيّ عَن معمر، بِفَتْح الميمين: ابْن رَاشد عَن مُحَمَّد بن مُسلم الزُّهْرِيّ عَن عبيد الله، بِضَم الْعين: ابْن عبد الله بِفَتْح الْعين: ابْن عتبَة ... إِلَى آخِره، وَقد مر الْكَلَام فِيهِ هُنَاكَ مستقصىً.

9852 - حدَّثنا مُسْلِمُ بنُ إبْرَاهِيمُ قَالَ حدَّثنا وُهَيْبٌ قَالَ حَدثنَا ابنُ طاوُسٍ عنْ أبِيهِ عنِ ابنِ عبَّاسٍ رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا قَالَ قَالَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم العائدُ فِي هِبَتِهِ كالْكَلْبِ يَعودُ فِي قَيْئِهِ..
مطابقته للتَّرْجَمَة هُوَ الْوَجْه الَّذِي ذَكرْنَاهُ عَن قريب عِنْد قَوْله: (وَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: الْعَائِد فِي هِبته كَالْكَلْبِ يعود فِي قيئه) ووهيب هُوَ ابْن خَالِد الْبَصْرِيّ، وَابْن طَاوُوس هُوَ عبد الله يروي عَن أَبِيه. قَوْله: (كَالْكَلْبِ يعود فِي قيئه) ويروى: كَالْكَلْبِ يقيء ثمَّ يعود فِي قيئه، وَقد مر الْكَلَام فِيهِ عَن قريب.

51 - (بابُ هِبَةِ الْمَرْأَةِ لِغَيْرِ زَوْجِها وعِتْقِهَا إذَا كانَ لَها زَوْجٌ فَهْوَ جائِزٌ إذَا لَمْ تَكنْ سَفِيهَةً فإذَا كانتْ سَفِيهَةً لَمْ يَجُزْ قَالَ الله تَعَالَى: {ولاَ تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أمْوَالَكُمْ} (النِّسَاء: 5) .)

أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان حكم هبة الْمَرْأَة لغير زَوجهَا إِن وهبت شَيْئا لغير زَوجهَا. قَوْله: (وعتقها) ، عطف على قَوْله: هبة الْمَرْأَة، أَي: حكم عتق الْمَرْأَة جاريتها. قَوْله: (إِذا كَانَ لَهَا زوج) ، لَيست للشّرط بل ظرف لما تقدم، لِأَن الْكَلَام فِيمَا إِذا كَانَ لَهَا زوج وَقت الْهِبَة أَو الْعتْق، أما إِذا لم يكن لَهَا زوج فَلَا نزاع فِي جَوَازه. قَوْله: (فَهُوَ) ، أَي: الْمَذْكُور من الْهِبَة وَالْعِتْق جَائِز إِذا لم تكن الْمَرْأَة سَفِيهَة، وَهِي ضد الرشيدة والرشيدة: من صلح دينهَا ودنياها. قَوْله: (وَقَالَ الله تَعَالَى: {وَلَا تُؤْتوا السُّفَهَاء أَمْوَالكُم} (النِّسَاء: 5) . ذكر هَذَا فِي معرض الِاسْتِدْلَال. وَقَالَ سعيد بن جُبَير وَمُجاهد وَالْحكم: السُّفَهَاء الَّذين ذكرهم الله، عز وَجل، هُنَا الْيَتَامَى وَالنِّسَاء، وَعَن الْحسن: الْمَرْأَة وَالصَّبِيّ، وَفِي لفظ: الصغار وَالنِّسَاء أسفه السُّفَهَاء، وَفِي لفظ: ابْنك السَّفِيه وامرأتك السفيهة، وَقد ذكر أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، قَالَ: اتَّقوا الله فِي الضعيفين: الْيَتِيم وَالْمَرْأَة. وَقَالَ ابْن مَسْعُود: النِّسَاء وَالصبيان، وَقَالَ السّديّ: الْوَلَد وَالْمَرْأَة. وَقَالَ الضَّحَّاك: الْوَلَد وَالنِّسَاء أسفه السُّفَهَاء، فَيَكُونُوا عَلَيْكُم أَرْبَابًا. وَعَن ابْن عَبَّاس: امْرَأَتك وبنتك قَالَ: وأسفه السُّفَهَاء الْولدَان وَالنِّسَاء. قَالَ الطَّبَرِيّ: وَقَالَ غير هَؤُلَاءِ: إِنَّهُم الصّبيان خَاصَّة، قَالَه ابْن جُبَير

(13/150)


وَالْحسن، وَقَالَ آخَرُونَ: بل عَنى بذلك السُّفَهَاء من ولد الرجل، مِنْهُم أَبُو مَالك وَابْن عَبَّاس وَأَبُو مُوسَى وَابْن زيد بن أسلم. وَقَالَ آخَرُونَ: بل عَنى بذلك النِّسَاء خَاصَّة، فَذكر الْمُعْتَمِر بن سُلَيْمَان عَن أَبِيه، قَالَ: زعم حضرمي أَن رجلا عمد فَدفع مَاله إِلَى امْرَأَته فَوَضَعته فِي غير الْحق، فَقَالَ الله عز وَجل: {وَلَا تُؤْتوا السُّفَهَاء أَمْوَالكُم} (النِّسَاء: 5) . وَقَالَ ابْن أبي حَاتِم: حَدثنَا أبي حَدثنَا هِشَام بن عمار حَدثنَا صَدَقَة بن خَالِد حَدثنَا عُثْمَان بن أبي العاتكة عَن عَليّ بن يزِيد عَن الْقَاسِم عَن أبي أُمَامَة، قَالَ: قَالَ رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: إِن النِّسَاء السُّفَهَاء إلاَّ الَّتِي أطاعت قيمها) . وَرَوَاهُ ابْن مرْدَوَيْه مطولا. وَقَالَ ابْن أبي حَاتِم: ذكره عَن مُسلم بن إِبْرَاهِيم. حَدثنَا حَرْب بن شُرَيْح عَن مُعَاوِيَة بن قُرَّة عَن أبي هُرَيْرَة: {وَلَا تُؤْتوا السُّفَهَاء أَمْوَالكُم} (النِّسَاء: 5) . قَالَ: الخدم، وهم شياطين الْإِنْس وهم الخدم. وَفِي (التَّوْضِيح) : من قَالَ عَنى بالسفهاء النِّسَاء خَاصَّة فَإِنَّهُ حمل اللَّفْظ على غير وَجهه، وَذَلِكَ لِأَن الْعَرَب لَا تكَاد تجمع: فعيلاً، على: فعلاء، إلاَّ فِي جمع الذُّكُور أَو الذُّكُور وَالْإِنَاث، فَأَما إِذا أَرَادوا جمع الْإِنَاث خَاصَّة لَا ذُكُور مَعَهُنَّ جَمَعُوهُ على: فعائل وفعيلات. مثل: غَرِيبَة تجمع على: غرائب وغريبات، فَأَما الغرباء فَهُوَ جمع غَرِيب. قَالَ: وَكَأن البُخَارِيّ أَرَادَ بالتبويب وَمَا فِيهِ من الْأَحَادِيث الرَّد على من خَالف ذَلِك (روى حبيب الْمعلم عَن عَمْرو بن شُعَيْب عَن أَبِيه عَن جده: أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، قَالَ، لما فتح مَكَّة: لَا يجوز عَطِيَّة امْرَأَة فِي مَالهَا إلاَّ بِإِذن زَوجهَا) . أخرجه النَّسَائِيّ.
وَقد اخْتلف الْعلمَاء فِي الْمَرْأَة المالكة لنَفسهَا الرشيدة ذَات الزَّوْج على قَوْلَيْنِ: أَحدهمَا: أَنه لَا فرق بَينهَا وَبَين الْبَالِغ الرشيد فِي التَّصَرُّف، وَهُوَ قَول الثَّوْريّ وَالشَّافِعِيّ وَأبي ثَوْر وَأَصْحَاب الرَّأْي. وَالْقَوْل الآخر: لَا يجوز لَهَا أَن تُعْطِي من مَالهَا شَيْئا بِغَيْر إِذن زَوجهَا، رُوِيَ ذَلِك عَن أنس وطاووس وَالْحسن الْبَصْرِيّ. وَقَالَ اللَّيْث: لَا يجوز عتق الْمُزَوجَة وصدقتها إلاَّ فِي الشَّيْء الْيَسِير الَّذِي لَا بُد مِنْهُ من صلَة الرَّحِم، أَو مَا يتَقرَّب بِهِ إِلَى الله تَعَالَى، وَقَالَ مَالك: لَا يجوز عطاؤها بِغَيْر إِذن زَوجهَا إلاَّ من ثلث مَالهَا خَاصَّة، قِيَاسا على الْوَصِيَّة.

0952 - حدَّثنا أَبُو عاصِمٍ عنِ ابنِ جرَيْجٍ عنِ ابنِ أبِي مُلَيكَةَ عنْ عَبَّادِ بنِ عَبْدِ الله عنْ أسْماءَ رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا قالَتْ قُلْتُ يَا رَسُولَ الله مالِي مالٌ إلاَّ مَا أدْخَلَ الزُّبَيْرُ عَلي أفأتَصَدَّقُ قَالَ تَصَدَّقِي وَلَا تُوعي فيُوعَى الله علَيْكِ.
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (تصدقي) فَإِنَّهُ يدل على أَن للمَرأة الَّتِي لَهَا زوج أَن تَتَصَدَّق بِغَيْر إِذن زَوجهَا. فَإِن قلت: التَّرْجَمَة هبة الْمَرْأَة، وَلَفظ الحَدِيث بِالصَّدَقَةِ؟ قلت: المُرَاد من الْهِبَة مَعْنَاهَا اللّغَوِيّ، وَهُوَ يتَنَاوَل الصَّدَقَة.
ذكر رِجَاله وهم خَمْسَة: الأول: أَبُو عَاصِم الضَّحَّاك بن مخلد. الثَّانِي: عبد الْملك بن عبد الْعَزِيز بن جريج. الثَّالِث: عبد الله بن عبيد الله بن أبي مليكَة، بِضَم الْمِيم. الرَّابِع: عباد، بِفَتْح الْعين الْمُهْملَة وَتَشْديد الْبَاء الْمُوَحدَة: ابْن عبد الله بن الزبير بن الْعَوام. لخامس: أَسمَاء بنت أبي بكر الصّديق، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا.
ذكر لطائف إِسْنَاده فِيهِ: التحديث بِصِيغَة الْجمع فِي مَوضِع. وَفِيه: العنعنة فِي أَرْبَعَة مَوَاضِع. وَفِيه: القَوْل فِي موضِعين. وَفِيه: أَن شَيْخه مصري وَابْن جريج وَابْن أبي مليكَة مكيان وَعباد بن عبد الله مدنِي. وَفِيه: رِوَايَة الرَّاوِي عَن جدته. وَفِيه: رِوَايَة التَّابِعِيّ عَن التَّابِعِيّ عَن الصحابية.
وَبَعض الحَدِيث مضى فِي كتاب الزَّكَاة فِي: بَاب الصَّدَقَة فِيمَا اسْتَطَاعَ، وَفِيه: عَن عباد بن عبد الله بن الزبير أخبرهُ عَن أَسمَاء، وَقد روى أَيُّوب هَذَا الحَدِيث عَن ابْن أبي مليكَة عَن عَائِشَة بِغَيْر وَاسِطَة، أخرجه أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ وَصَححهُ، وَالنَّسَائِيّ، وَصرح أَيُّوب عَن ابْن أبي مليكَة بتحديث عَائِشَة لَهُ بذلك، فَيحمل على أَنه سَمعه من عباد عَنْهَا، ثمَّ حدثته بِهِ.
قَوْله: (إلاَّ مَا أَدخل الزبير عَليّ) ، بتَشْديد الْيَاء، مَعْنَاهُ: مَا صيَّر ملكا لَهَا، فَأمرهَا، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، أَن تَتَصَدَّق، وَلم يأمرها باستئذان الزبير، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ. قَوْله: (أفأتصدق؟) بِهَمْزَة الِاسْتِفْهَام فِي رِوَايَة الْمُسْتَمْلِي، وَفِي رِوَايَة غَيره بِدُونِ حرف الِاسْتِفْهَام. قَوْله: (وَلَا توعي) من الإيعاء، أَي: لَا تجعليه فِي الْوِعَاء، وَهُوَ الظّرْف مَحْفُوظًا لَا تخرجينه مِنْهُ، فَيعْمل الله بك مثل ذَلِك، وَهُوَ معنى قَوْله: (فيوعى الله عَلَيْك.، قَوْله: (فيوعى) ، بِالنّصب لكَونه جَوَاب النَّهْي، وَإسْنَاد الإيعاء إِلَى الله تَعَالَى من بَاب المشاكلة. وَقَالَ الخطاي: أَي: لَا تخبىء

(13/151)


الشَّيْء فِي الْوِعَاء، وَمِنْه قَوْله تَعَالَى: {وَجمع فأوعى} (المعارج: 81) . أَي: مَادَّة الرزق مُتَّصِلَة باتصاف النَّفَقَة مُنْقَطِعَة بانقطاعها، فَلَا تمنعي فَضلهَا فتحرمي مادتها، وَقد مر الْكَلَام مَبْسُوطا فِي كتاب الزَّكَاة.

1952 - حدَّثنا عُبَيْدُ الله بنُ سَعِيدٍ قَالَ حدَّثنا عبْدُ الله بنُ نُمَيْر قَالَ حدَّثنا هشامُ بنُ عُرْوَةَ عنْ فاطِمَةَ عنْ أسْماءَ أنَّ رسولَ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ أنْفِقِي ولاَ تُحْصِي فَيُحْصِيَ الله علَيْكِ ولاَ تُوعِي فَيوعِيَ الله علَيْكِ.
مطابقته للتَّرْجَمَة مثل مُطَابقَة الحَدِيث الْمَاضِي لَهَا، وَعبيد الله بن سعيد بن يحيى أَبُو قدامَة الْيَشْكُرِي السَّرخسِيّ، وَفَاطِمَة بنت الْمُنْذر بن الزبير بن الْعَوام، وَهِي بنت عَم هِشَام بن عُرْوَة وَزَوجته، وَأَسْمَاء هِيَ بنت أبي بكر، جدتهما جَمِيعًا لأبويهما. قَوْله: (أنفقي) ، أَمر من الْإِنْفَاق. قَوْله: (وَلَا تحصى) من الإحصاء، نهى عَنهُ لِأَنَّهُ إِنَّمَا يُحْصى لأجل التبقية، والذخر فيحصي الله عَلَيْهَا بِقطع الْبركَة وَمنع الزِّيَادَة، وَقد يكون مرجع الإحصاء إِلَى المحاسبة عَلَيْهِ والمناقشة فِي الْآخِرَة، وَنسبه الإحصاء إِلَى الله من بَاب المشاكلة. وَقَوله: (فيحصى) ، بِالنّصب لِأَنَّهُ جَوَاب النَّهْي، وَهنا أَمر صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِالْإِنْفَاقِ، وَلم يقل: بِالْمَعْرُوفِ، لعلمها بمراده لاحْتِمَال أَن يُرَاد بِالَّذِي تَحت يَدهَا من مَال الزبير، فَإِن كَانَ كَذَلِك تنْفق بِمَا كَانَ يخفي الزبير إِنْفَاقه من إغاثة ملهوف وَإِعْطَاء سَائل.

2952 - حدَّثنا يَحْيَى بنُ بُكَيْرٍ عنِ اللَّيْثِ عنْ يَزِيدَ عنْ بُكَيْرٍ عنْ كُريْبٍ مَوْلى ابنِ عَبَّاسٍ أنَّ مَيْمُونَةَ بِنْتَ الحَارِثِ رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا أَنَّهَا أعْتَقَتْ ولِيدَة وَلم تَسْتَأذِنِ النبيَّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فلَمَّا كانَ يَوْمَهَا الَّذِي يَدُورُ عَلَيْها فيهِ قالَتْ أشَعَرْتَ يَا رسولَ الله أنِّي أعْتَقْتُ ولِيدَتي قَالَ أوْ فَعَلْتِ قالَتْ نَعَمْ قَالَ أمَّا أنَّكِ لوْ أعْطَيْتِهَا أخْوَالَكِ كانَ أَعْظَمَ لأجْرِكِ.
(الحَدِيث 2952 طرفه فِي: 4952) .
مطابقته للتَّرْجَمَة من حَيْثُ إِن مَيْمُونَة كَانَت رَشِيدَة، وأعتقت وليدتها من غير اسْتِئْذَان من النَّبِي، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فَلَو لم يكن تصرف الرشيدة فِي مَالهَا نَافِذا لأبطله النَّبِي، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم.
ذكر رِجَاله وهم سِتَّة: الأول: يحيى بن بكير هُوَ يحيى بن عبد الله بن بكير أَبُو زَكَرِيَّا المَخْزُومِي. الثَّانِي: اللَّيْث بن سعد. الثَّالِث: يزِيد من الزِّيَادَة ابْن أبي حبيب. الرَّابِع: بكير، بِضَم الْبَاء الْمُوَحدَة: ابْن عبد الله الْأَشَج. الْخَامِس: كريب مولى ابْن عَبَّاس أَبُو رشد، بِكَسْر الرَّاء. السَّادِس: مَيْمُونَة بنت الْحَارِث الْهِلَالِيَّة، زوج النَّبِي، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم.
ذكر لطائف إِسْنَاده فِيهِ: التحديث بِصِيغَة الْجمع فِي مَوضِع. وَفِيه: الْإِخْبَار بِصِيغَة الْإِفْرَاد فِي مَوضِع. وَفِيه: العنعنة فِي أَرْبَعَة مَوَاضِع. وَفِيه: أَن النّصْف الأول من الْإِسْنَاد بصريون وَالنّصف الثَّانِي مدنيون. وَفِيه: أَن شَيْخه مَنْسُوب إِلَى جده. وَفِيه: ثَلَاثَة من التَّابِعين على نسق وَاحِد وهم: يزِيد وَبُكَيْر وكريب. وَفِيه: أَن بكيراً وكريباً متحدان فِي الْحُرُوف الْأَرْبَعَة.
ذكر من أخرجه غَيره: أخرجه مُسلم فِي الزَّكَاة عَن هَارُون بن سعيد الْأَيْلِي. وَأخرجه النَّسَائِيّ فِي الْعتْق عَن أَحْمد ابْن يحيى بن الْوَزير.
ذكر مَعْنَاهُ: قَوْله: (وليدة) ، أَي: أمة، وَفِي رِوَايَة النَّسَائِيّ من طَرِيق عَطاء بن يسَار عَن مَيْمُونَة: أَنَّهَا كَانَت لَهَا جَارِيَة سَوْدَاء. قَوْله: (أشعرت؟) ، أَي: أعلمت؟ قَوْله: (قَالَ: أَو فعلت؟) ، أَي: قَالَ النَّبِي، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: أَو فعلت الْعتْق؟ قَوْله: (أما) ، بِفَتْح الْهمزَة وَتَخْفِيف الْمِيم، وَهُوَ هُنَا بِمَعْنى: حَقًا، أَو أحقاً، على خلاف فِيهِ، وتفتح كلمة: أَن بعْدهَا وَهِي قَوْله: أَنَّك، وَأما: أما، الَّتِي تكون حرف الاستفتاح الَّتِي بِمَعْنى ألاَ، فكلمة: أَن، بعْدهَا مَكْسُورَة كَمَا تكسر بعد ألاَ، الاستفتاحية. قَوْله: (أخوالك) ، أخوالها كَانُوا من بني هِلَال أَيْضا وَاسم أمهَا: هِنْد بنت عَوْف بن زُهَيْر بن الْحَارِث، وَوَقع فِي رِوَايَة الْأصيلِيّ: (إخواتك) ، بِالتَّاءِ. قَالَ عِيَاض: وَلَعَلَّه أصح من رِوَايَة أخوالك، بِدَلِيل رِوَايَة مَالك فِي (الْمُوَطَّأ) (فَلَو أعطيتهَا أختيك) .

(13/152)


وَقَالَ النَّوَوِيّ: الْجَمِيع وصحيح لَا تعَارض، وَيكون النَّبِي، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، قَالَ ذَلِك كُله. قَوْله: (كَانَ أعظم لأجرك) .
قَالَ ابْن بطال: فِيهِ: أَن هبة ذِي الرَّحِم أفضل من الْعتْق، وَيُؤَيِّدهُ مَا رَوَاهُ التِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ وَأحمد من حَدِيث سُلَيْمَان بن عَامر الضَّبِّيّ مَرْفُوعا: (الصَّدَقَة على الْمِسْكِين صَدَقَة، وعَلى ذِي الرَّحِم صَدَقَة وصلَة) . وَرَوَاهُ أَيْضا ابْن خُزَيْمَة وَابْن حبَان وصححاه. قلت: يَنْبَغِي أَن يكون أَفضَلِيَّة هبة ذِي الرَّحِم من الْعتْق إِذا كَانَ فَقِيرا لَا مُطلقًا، كَيفَ وَقد جَاءَ فِي الْعتْق أَنه: يعْتق بِكُل عُضْو مِنْهُ عضوا مِنْهُ من النَّار؟ وَبِه تجاز الْعقبَة يَوْم الْقِيَامَة؟ وَنقل عَن مَالك: أَن الصَّدَقَة على الْأَقَارِب أفضل من الْعتْق، وَالْحق أَن هَذَا يخْتَلف باخْتلَاف الْأَحْوَال.
وَقَالَ بَكْرُ بنُ مُضَرَ عنْ عَمْرٍ وعنْ بُكَيْرٍ عنْ كُرَيْبٍ: أنَّ مَيْمُونَةَ أعْتَقَتْ

هَذَا صُورَة تَعْلِيق، وَفِي نُسْخَة صَاحب (التَّلْوِيح) : بِخَطِّهِ بعد قَوْله: كَانَ أعظم لأجرك: تَابعه بكر بن مُضر عَن عَمْرو ... إِلَى آخِره. ثمَّ قَالَ: أَرَادَ البُخَارِيّ بِهَذِهِ الْمُتَابَعَة اللَّيْث بن سعد، وَأَن بكرا تَابعه، وَأَن عمرا تَابع يزِيد بن أبي حبيب، وَهُوَ مَرْوِيّ عِنْد الْإِسْمَاعِيلِيّ عَن الْحسن: حَدثنَا أَحْمد بن عِيسَى حَدثنَا ابْن وهب أَخْبرنِي عَمْرو بن الْحَارِث عَن بكير بن عبد الله عَن كريب، فَذكره، وَكَذَا ذكره صَاحب (التَّوْضِيح) لِأَنَّهُ أَخذه عَن صَاحب (التَّلْوِيح) وَذكره الْمزي فِي (الْأَطْرَاف) بِصُورَة التَّعْلِيق كَمَا هُوَ فِي نسختنا حَيْثُ قَالَ: أخرجه البُخَارِيّ فِي الْهِبَة عَن يحيى بن بكير عَن اللَّيْث عَن يزِيد بن أبي حبيب عَن بكير بن الْأَشَج عَن كريب بِهِ، قَالَ: وَقَالَ بكر بن مُضر عَن عَمْرو بن الْحَارِث عَن بكير عَن كريب: أَن مَيْمُونَة ... فَذكره. انْتهى. وَقيل: أَرَادَ البُخَارِيّ بِهَذَا التَّعْلِيق شَيْئَيْنِ: أَحدهمَا: مُوَافقَة عَمْرو بن الْحَارِث ليزِيد بن أبي حبيب على قَوْله: عَن كريب، وَقد خالفهما مُحَمَّد بن إِسْحَاق فَرَوَاهُ، عَن بكر، فَقَالَ: عَن سُلَيْمَان بن يسَار بدل: بكير، أخرجه أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيّ من طَرِيقه، وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيّ: رِوَايَة يزِيد وَعَمْرو أصح. وَالْآخر: أَنه: عَن بكر بن مُضر عَن عَمْرو بِصُورَة الْإِرْسَال، فَذكر قصَّة مَا أدْركهَا، لَكِن قد رَوَاهُ ابْن وهب عَن عَمْرو ابْن الْحَارِث، فَقَالَ فِيهِ: عَن كريب عَن مَيْمُونَة، أخرجه مُسلم وَالنَّسَائِيّ من طَرِيقه.

3952 - حدَّثنا حِبَّانُ بنُ مُوسَى قَالَ أخْبَرَنا عبْدُ الله قَالَ أخبرنَا يُونُسُ عنِ الزُّهْرِيِّ عنْ عُرْوَةَ عَن عائِشَةَ رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا كانَ رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إذَا أرَادَ سَفَراً أقْرَعَ بَيْنَ نِسائِهِ فأيَّتُهُنَّ خَرَجَ سَهْمُهَا خَرَجَ بِها مَعَهُ وكانَ يَقْسِمُ لِكُلِّ امْرَأةٍ مِنْهُنَّ يَوْمَها ولَيْلَتها غَيْرَ أنَّ سَوْدَةَ بنْتَ زَمْعَةَ وهَبَتْ يَوْمَها ولَيْلَتَهَا لِعائِشَةَ زَوْجِ النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم تَبْتَغِي بِذالِكَ رِضاءَ رسولِ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم..
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (وهبت يَوْمهَا وليلتها لعَائِشَة) ، فَإِن التَّرْجَمَة هبة الْمَرْأَة لغير زَوجهَا، فَلَا تُوجد الْمُطَابقَة إلاَّ إِذا قُلْنَا: إِن هَذَا هبة الْمَرْأَة لغير زَوجهَا، وَهُوَ عَائِشَة، فَلَو قُلْنَا: إِن الْهِبَة كَانَت لرَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، لَا يُطَابق التَّرْجَمَة، وللعلماء قَولَانِ فِي هَذَا: هَل الْهِبَة للزَّوْج أَو للضرة؟ والمطابقة تَأتي على قَول من يَقُول: للضرة، على مَا قُلْنَاهُ.
وحبان، بِكَسْر الْحَاء الْمُهْملَة وَتَشْديد الْبَاء الْمُوَحدَة: ابْن مُوسَى الْمروزِي، مر فِي الصَّلَاة، وَعبد الله هُوَ ابْن الْمُبَارك الْمروزِي، وَيُونُس هُوَ ابْن يزِيد، وَالزهْرِيّ هُوَ مُحَمَّد بن مُسلم بن شهَاب، وَعُرْوَة هُوَ ابْن الزبير بن الْعَوام.
والْحَدِيث أخرجه البُخَارِيّ أَيْضا فِي الشَّهَادَات عَن مُحَمَّد بن مقَاتل. وَأخرجه أَبُو دَاوُد فِي النِّكَاح عَن أَحْمد بن عَمْرو بن السَّرْح. وَأخرجه النَّسَائِيّ فِي عشرَة النِّسَاء عَن ابْن السَّرْح وَعَن مُحَمَّد بن آدم عَن ابْن الْمُبَارك إِلَى قَوْله: (خرج بهَا مَعَه) .
قَوْله: (أَقرع) ، من: أقرعت بَينهم من الْقرعَة، وَمِنْه يُقَال: تقارعوا واقترعوا، والقرعة هِيَ: السِّهَام الَّتِي تُوضَع على الحظوظ، فَمن خرجت قرعته وَهِي: سَهْمه الَّذِي وضع على النَّصِيب، فَهُوَ لَهُ. قَوْله: (فأيتهن) أَي: أَيَّة امْرَأَة خرج مِنْهُنَّ خرج سهمها الَّذِي باسمها (خرج بهَا مَعَه) أَي: خرج رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، بِتِلْكَ المرإة الَّتِي خرج سهمها مَعَه أَي: فِي صُحْبَة رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم. قَوْله: (تبتغي) ، أَي:

(13/153)


تطلب بذلك، أَي: بالذكور، وَهُوَ مَا وهبت يَوْمهَا وليلتها لعَائِشَة، وأصل الْقرعَة لتطييب النَّفس.
ثمَّ اخْتلفُوا أَن الْقرعَة فِي كل الْأَسْفَار أَو فِي سفر مَخْصُوص؟ فَقَالَ مَالك فِي (الْمُدَوَّنَة) : يخرج من شَاءَ مِنْهُنَّ فِي أَي الْأَسْفَار شَاءَ. وَقَالَ ابْن الْجلاب: إِن أَرَادَ سفر تِجَارَة فَفِيهِ رِوَايَتَانِ: إِحْدَاهمَا: كَالْحَجِّ والغزو، وَالْأُخْرَى: لَا أقراع. وَقَالَ: وَإِن أَرَادَ سفر حج أَو غَزْو فأقرع بَينهُنَّ، ثمَّ إِذا انْقَضى سَفَره قضى لَهُنَّ وَبَدَأَ بهَا، أَو بِمن شَاءَ غَيرهَا. وَقَالَ صَاحب (التَّوْضِيح) : لم ينْقل الْقَضَاء، والبداءة بغَيْرهَا أحب.

61 - (بابٌ بِمَنْ يُبْدَأُ بالْهَدِيَّةِ)

أَي: هَذَا بَاب يذكر فِيهِ حكم من يبْدَأ بالهدية عِنْد التَّعَارُض فِي الِاسْتِحْقَاق.

4952 - وَقَالَ بَكرٌ عنْ عَمْرٍ وعنْ بُكَيْرٍ عنْ كُرَيْبٍ مَولَى ابنِ عَبَّاسٍ أنَّ مَيْمُونَةَ زَوْجَ النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أعْتَقَتْ وَلِيدَةً لِها فقالَ لهَا لَو وصَلْتِ بَعْضَ أخْوالِكِ كانَ أعْظَمُ لأَجْرِكِ.
(انْظُر الحَدِيث 2952) .
مطابقته للتَّرْجَمَة تُؤْخَذ من معنى الحَدِيث، لِأَن فِيهِ شَيْئَيْنِ: عتق الوليدة وصلَة بعض أخوالها. فَقَالَ، عَلَيْهِ السَّلَام، مَا مَعْنَاهُ: أَن صلتها لبَعض أخوالها كَانَت أولى وَأكْثر لِلْأجرِ، وَيُؤَيّد هَذَا مَا رَوَاهُ النَّسَائِيّ من حَدِيث عَطاء بن السَّائِب عَن مَيْمُونَة، قَالَت: كَانَت لي جَارِيَة سَوْدَاء، فَقلت: يَا رَسُول الله! إِنِّي أردْت أعتق هَذِه. فَقَالَ رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (أَفلا تفدين بهَا بنت أختك أَو بنت أَخِيك من رِعَايَة الْغنم؟) . فَإِن قلت: التَّرْجَمَة بِلَفْظ الْهَدِيَّة، والْحَدِيث بِلَفْظ الصِّلَة، فَكيف الْمُطَابقَة؟ قلت: الْهَدِيَّة فِيهَا معنى الصِّلَة، وملاحظة هَذَا الْمِقْدَار فِي وَجه الْمُطَابقَة تَكْفِي. قَوْله: (فَقَالَ لَهَا) أَي: فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لميمونة، وَفِي بعض النّسخ: فَقَالَ لَهَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَقد مر هَذَا الحَدِيث الَّذِي ذكره مُعَلّقا فِي الْبَاب السَّابِق، وَالْكَلَام فِيهِ أَيْضا.

5952 - حدَّثنا مُحَمَّدُ بنَ بَشَّارٍ قَالَ حدَّثنا مُحَمَّدُ بنُ جَعْفَرٍ قَالَ حدَّثنا شُعْبَةُ عنْ أبِي عِمْرَانَ الجوْنِيِّ عنْ طَلْحَةَ بنِ عبدِ الله رَجُلٍ منْ بَني تَيْمِ ابنِ مُرَّةَ عنْ عائِشَة رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا قالَتْ قُلْتُ يَا رسولَ الله إنَّ لي جَارَيْنِ فإلَى أيِّهما أُهْدِي قَالَ إِلَى أقْرَبِهِما مِنْكَ بَابا.
(انْظُر الحَدِيث 9522 وطرفه) .
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة، وَأَبُو عمرَان الْجونِي، بِفَتْح الْجِيم وَسُكُون الْوَاو وبالنون: اسْمه عبد الْملك بن حبيب الْبَصْرِيّ، وَطَلْحَة بن عبد الله بن عُثْمَان بن عبيد الله بن معمر التَّيْمِيّ الْقرشِي، تقدم فِي الشُّفْعَة. والْحَدِيث قد مضى فِي الشُّفْعَة فِي: بَاب أَي جوَار أقرب، وَقد مر الْكَلَام فِيهِ هُنَاكَ.

71 - (بابُ مَنْ لَمْ يَقْبَلِ الْهَدِيَّةَ لِعِلَّةٍ)

أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان حكم من لم يقبل هَدِيَّة شخص لعِلَّة أَي: لأجل عِلّة فِيهَا، مثل: هَدِيَّة الْمُسْتَقْرض إِلَى الْمقْرض، أَو هَدِيَّة شخص لرجل يقْضِي حَاجته عِنْد أحد أَو يشفع لَهُ فِي أَمر.
وَقَالَ عُمَرُ بنُ عَبْدِ العَزِيزِ كانَتِ الْهَدِيَّةُ فِي زَمَنِ رسولِ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم هَدِيَّةً والْيَوْمَ رِشْوَةٌ

هَذَا التَّعْلِيق وَصله ابْن سعيد بِقصَّة فِيهِ، فَروِيَ من طَرِيق فرات بن مُسلم، قَالَ: اشْتهى عمر بن عبد الْعَزِيز التفاح فَلم يجد فِي بَيته شَيْئا يَشْتَرِي بِهِ، فَرَكبْنَا مَعَه، فَتَلقاهُ غلْمَان الدَّيْر بأطباق تفاح، فَتَنَاول وَاحِدَة فشمها، ثمَّ رد الأطباق. فَقلت لَهُ فِي ذَلِك، فَقَالَ: لَا حَاجَة لي فِيهِ. فَقلت: ألم يكن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَأَبُو بكر وَعمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا، يقبلُونَ الْهَدِيَّة؟ فَقَالَ: إِنَّهَا لأولئك هَدِيَّة، وَهِي للعمال بعدهمْ رشوة، والرشوة، بِضَم الرَّاء وَكسرهَا وَفتحهَا: مَا تُؤْخَذ بِغَيْر عوض، ويذم آخذه.

(13/154)


6952 - حدَّثنا أبُو اليَمَانِ قَالَ أخبرنَا شُعَيْبٌ عنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ أَخْبرنِي عُبَيْدُ الله بنُ عَبْدِ الله ابنِ عُتْبَةَ أنَّ عَبْدَ الله بنَ عَبَّاسٍ رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا أخْبَرَهُ أنَّهُ سَمِع الصَعْبَ بنَ جَثَّامَةَ اللَّيْثِيَّ وكانَ مِنْ أصْحَابِ النَّبِيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يُخْبِرُ أنَّهُ أهْدَي لِرَسُولِ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حِمَارَ وحْشٍ وهْوَ بالأبْوَاءِ أوْ بِوَدَّانَ وَهْوَ مُحْرِمٌ فرَدَّهُ قَالَ صَعْبٌ فَلَمَّا عرَفَ فِي وجْهِي رَدَّهُ هَدِيَّتِي قَالَ لَيْسَ بِنَا رَدٌ عَلَيْكَ ولَكِنَّا حُرُمٌ.
(انْظُر الحَدِيث 5281 وطرفه) .
مطابقته للتَّرْجَمَة للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (فَرده) ، أَي: رد حمَار وَحش الَّذِي أهداه صَعب، وَلم يقبله لعِلَّة، وَهِي كَونه محرما، وَأَبُو الْيَمَان الحكم بن نَافِع، وَقد تكَرر هَذَا الْإِسْنَاد بهؤلاء الروَاة غير مرّة. والْحَدِيث مضى فِي كتاب الْحَج فِي: بَاب إِذا أهْدى للْمحرمِ حمارا وحشياً، فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ: عَن عبد الله ب يُوسُف عَن مَالك عَن ابْن شهَاب وَهُوَ الزُّهْرِيّ، وَقد مر الْكَلَام فِيهِ هُنَاكَ. قَوْله: (وَكَانَ من أَصْحَاب النَّبِي، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم) ، جملَة مُعْتَرضَة، قَوْله: (رده) ، مصدر مفعول: عرف، أَي: عرف أثر الرَّد، وَهُوَ كراهتي لذَلِك. قَوْله: (حرم) بِضَمَّتَيْنِ. جمع حرَام، بِمَعْنى: محرم، نَحْو: قذال وقذل.

7952 - حدَّثنا عَبْدُ الله بنُ مُحَمَّدٍ قَالَ حدَّثنا سُفْيَانُ عنِ الزُّهْرِيِّ عنْ عُرْوَةَ بنِ الزُّبَيْرٍ عنْ أبِي حُمَيْدٍ السَّاعِدِيِّ رَضِي الله تَعَالَى عنهُ قَالَ اسْتَعْمَلَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم رَجُلاً مِنَ الأزْدِ يُقالُ لهُ ابنُ الأُتْبِيَّةِ علَى الصَّدَقَةِ فلَمَّا قَدِمَ قَالَ هَذَا لَكُمْ وهَذَا أُهْديَ لِي قَالَ فَهَلاَّ جلَسَ فِي بَيْتِ أبِيهِ أوْ بَيْتِ أُمِّهِ فَيَنْظُر أيُهْدِي لَهُ أمْ لاَ والَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَا يَأْخُذُ أحَدٌ مِنْهُ شَيْئاً إلاَّ جاءَ بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَحْمِلُهُ علَى رَقَبَتِهِ إنْ كانَ بَعِيراً لَهُ رُغَاءٌ أوْ بَقَرَةً لَهَا خُوَارٌ أوْ شَاة تَيْعَرُ ثُمَّ رَفَعَ بِيَدِهِ حتَّى رَأيْنَا عُفْرَةَ إبْطَيْهِ أللَّهُمَّ هَلْ بَلَّغْتُ أللَّهُمَّ هلْ بَلَّغْتُ ثَلَاثًا..
مطابقته للتَّرْجَمَة تُؤْخَذ من معنى الحَدِيث، لِأَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أنكر على عَامله الْمَذْكُور على أَخذه الْهَدِيَّة لِأَنَّهَا هَدِيَّة تهدى لأجل عِلّة، وَهُوَ ظَاهر، وَعبد الله بن مُحَمَّد بن عبد الله أَبُو جَعْفَر الْجعْفِيّ البُخَارِيّ الْمَعْرُوف بالمسندي، وسُفْيَان هُوَ ابْن عُيَيْنَة وَأَبُو حميد، بِضَم الْحَاء الْمُهْملَة: اسْمه عبد الرَّحْمَن، وَقيل: الْمُنْذر، وَقيل غير ذَلِك: السَّاعِدِيّ الْأنْصَارِيّ.
والْحَدِيث أخرجه البُخَارِيّ فِي أَوَاخِر كتاب الزَّكَاة فِي: بَاب قَول الله تَعَالَى {والعاملين عَلَيْهَا} (التَّوْبَة: 06) . أخرجه أَيْضا فِي الْأَحْكَام عَن عَليّ بن عبد الله عَن سُفْيَان بن عُيَيْنَة فِي النذور عَن أبي الْيَمَان وَفِي ترك الْحِيَل عَن عبيد بن إِسْمَاعِيل. وَأخرجه مُسلم فِي الْمَغَازِي عَن أبي بكر بن أبي شيبَة وَعَن جمَاعَة غَيره، وَأخرجه أَبُو دَاوُد فِي الْجراح عَن أبي الطَّاهِر بن السَّرْح وَمُحَمّد بن أَحْمد بن أبي خلف عَن سُفْيَان.
قَوْله: (من الأزد) ، بِفَتْح الْهمزَة وَسُكُون الزَّاي، وَفِي آخِره دَال مُهْملَة: هُوَ الأزد بن الْغَوْث بن نبت بن ملكان بن زيد بن كهلان بن سبأ بن يشجب بن يعرب بن قحطان؟ يُقَال لَهُ: الأزد، بالزاي، و: الْأسد، بِالسِّين، وَذكر فِي كتاب الزَّكَاة بِالسِّين. قَوْله: (ابْن الأتبية) ، بِضَم الْهمزَة وَسُكُون التَّاء الْمُثَنَّاة من فَوق وَكسر الْبَاء الْمُوَحدَة وَفتح الْيَاء آخر الْحُرُوف الْمُشَدّدَة، وَيُقَال: اللتبية، بِضَم اللَّام وَسُكُون التَّاء وَفتحهَا وَكسر الْبَاء الْمُوَحدَة، وَفِيه أَرْبَعَة أَقْوَال، وَقد ذَكرْنَاهُ فِي كتاب الزَّكَاة. قَالَ الْكرْمَانِي وَالأَصَح أَنه بِاللَّامِ وَسُكُون الفوقانية، وَأَنَّهَا نِسْبَة إِلَى بني: لتب، قَبيلَة مَعْرُوفَة. قلت: قَالَ الرشاطي: قَيده شَيخنَا أَبُو عَليّ الغساني، بِضَم اللَّام وَإِسْكَان التَّاء، وَقَالَ أَبُو بكر بن دُرَيْد: بَنو لتب، بطن من الْعَرَب مِنْهُم ابْن اللتبية رجل من الأزد لَهُ صُحْبَة، واللتب: الاشتداد، وَهُوَ اللصوق أَيْضا. قَوْله: (مِنْهُ) ، أَي: من مَال الصَّدَقَة. قَوْله: (يحملهُ) ، جملَة حَالية. قَوْله (إِن كَانَ بَعِيرًا) ، جَوَاب الشَّرْط مَحْذُوف تَقْدِيره: يحملهُ على رقبته. قَوْله: (لَهُ رُغَاء) جملَة وَقعت صفة لبعير، و: الرُّغَاء، بِضَم الرَّاء:

(13/155)


صَوت ذَوَات الْخُف، يُقَال: رغا يرغو رُغَاء، وأرغيته أَنا. قَوْله: (لَهَا خوار) ، جملَة وَقعت صفة لبقرة، و: الخوار، بِضَم الْخَاء الْمُعْجَمَة: صَوت الْبَقر، يُقَال: هر الثور يخور خواراً. وَقَالَ ابْن التِّين: هُوَ بِالْخَاءِ وَالْجِيم، وَفِي (الْمطَالع) : الْمَعْنى وَاحِد إلاَّ أَنه بِالْخَاءِ يسْتَعْمل فِي الظباء وَالشَّاة، وبالجيم للبقر وَالنَّاس. قَوْله: (تَيْعر) ، صفة لشاة يُقَال: يعرت العنز تَيْعر بِالْكَسْرِ، يعار بِالضَّمِّ، أَي: صاحت. قَالَ ابْن الْأَثِير: وَأكْثر مَا يُقَال لصوت الْمعز، وَقَالَ الْجَوْهَرِي: تَيْعر بِالْكَسْرِ، وَقَالَ غَيره بِفَتْحِهَا أَيْضا. قَوْله: (عفرَة إبطَيْهِ) ، بِضَم الْعين الْمُهْملَة وَسُكُون الْفَاء: وَهِي الْبيَاض الَّذِي فِيهِ شَيْء كلون الأَرْض، وشَاة عفراء يَعْلُو بياضها حمرَة. وَقيل: هِيَ بَيَاض لَيْسَ بناصع، وَيُقَال: هِيَ بِضَم الْمُهْملَة وَفتحهَا وَالْفَاء سَاكِنة وَبِفَتْحِهَا. قَوْله: (هَل بلغت؟) أَي: قد بلغت، أَو هُوَ اسْتِفْهَام تقريري، والتكرير للتَّأْكِيد ليسمع من لَا يسمع وليبلغ الشَّاهِد الْغَائِب.
وَفِي الحَدِيث: أَن هَدَايَا الْعمَّال يجب أَن تجْعَل فِي بَيت المَال، وَأَنه لَيْسَ لَهُم مِنْهَا شَيْء إلاَّ أَن يستأذنوا الإِمَام فِي ذَلِك، كَمَا جَاءَ فِي قصَّة معَاذ، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم طيب لَهُ الْهَدِيَّة فأنفذها لَهُ أَبُو بكر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، بعد رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم. وَفِيه: كَرَاهِيَة قبُول هَدِيَّة طَالب الْعِنَايَة، وَيدخل فِي معنى ذَلِك كَرَاهَة هَدِيَّة الْمديَان والمقارض، وكل من هديته بِسَبَب عِلّة.

81 - (بابٌ إذَا وهَبَ أوْ وَعَدَ ثُمَّ ماتَ قَبْلَ أنْ تَصِلَ إلَيْهِ)

أَي: هَذَا بَاب يذكر فِيهِ إِذا وهب الرجل هبة لآخر، أَو وعد لآخر، وَفِي رِوَايَة الْكشميهني: أَو وعد عدَّة ثمَّ مَاتَ أَي: الَّذِي وهب أَو الَّذِي وعد. قَوْله: (قبل أَن تصل) أَي: الْهِبَة أَو الْعدة إِلَيْهِ أَي: إِلَى الْمَوْهُوب لَهُ أَو الْمَوْعُود لَهُ، وَيجوز أَن يكون الضَّمِير فِي: مَاتَ، رَاجعا إِلَى الَّذِي وهب لَهُ أَو وعد لَهُ، أَي: أَو مَاتَ الَّذِي وهب لَهُ أَو مَاتَ الَّذِي وعد لَهُ، قبل أَن يصل مَا وهب لَهُ إِلَيْهِ، أَو مَاتَ قبل أَن يصل مَا وعد لَهُ إِلَيْهِ. وَجَوَاب: إِذا، مَحْذُوف لم يظهره لأجل الْخلاف فِيهِ، بَيَان ذَلِك أَن التَّرْجَمَة مُشْتَمِلَة على شَيْئَيْنِ: أَحدهمَا: الْهِبَة. وَالْآخر: الْوَعْد.
أما الْهِبَة: فَالشَّرْط فِيهَا الْقَبْض عِنْد أَكثر الْفُقَهَاء وَالتَّابِعِينَ، وَهُوَ قَول أبي حنيفَة وَالشَّافِعِيّ وَأحمد، إلاَّ أَن أَحْمد يَقُول: إِن كَانَت الْهِبَة عينا تصح بِدُونِ الْقَبْض فِي الْأَصَح، وَفِي الْمكيل وَالْمَوْزُون لَا تصح بِدُونِ الْقَبْض، وَعند مَالك: يثبت الْملك فِيهَا قبل الْقَبْض اعْتِبَارا بِالْبيعِ، وَبِه قَالَ أَبُو ثَوْر وَالشَّافِعِيّ فِي الْقَدِيم، وَهُوَ قَول ابْن أبي ليلى. وَفِي كتاب (التَّفْرِيع) لأَصْحَاب مَالك: وَمن وهب شَيْئا من مَاله لزمَه دَفعه إِلَى الْمَوْهُوب لَهُ إِذا طَالبه بِهِ، فَإِن أَبى ذَلِك حكم بِهِ عَلَيْهِ إِذا أقرّ وَقَامَت عَلَيْهِ الْبَيِّنَة، وَإِن أنكر حلف عَلَيْهَا وبرىء مِنْهَا، وَإِن نكل عَن الْيَمين حلف الْمَوْهُوب لَهُ فيأخذها مِنْهُ، وَإِن مَاتَ الْوَاهِب قبل دَفعهَا إِلَى الْمَوْهُوب لَهُ فَلَا شَيْء لَهُ إِذا كَانَ قد أمكنه أَخذهَا، ففرط فِيهَا، وَإِن مَاتَ الْمَوْهُوب لَهُ قبل قبضهَا، قَامَ ورثته مقَامه فِي مُطَالبَة الْوَاهِب بهبته، وَاسْتدلَّ أَصْحَابنَا وَأَصْحَاب الشَّافِعِي فِي اشْتِرَاط الْقَبْض بِحَدِيث عَائِشَة، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا: أَن أَبَا بكر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، نحلهَا جدَاد عشْرين وسْقا ... الحَدِيث ذَكرْنَاهُ عَن قريب. وَاسْتدلَّ صَاحب (الْهِدَايَة) فِي ذَلِك بقوله: وَلنَا. قَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: لَا تجوز الْهِبَة إلاَّ مَقْبُوضَة. قلت: هَذَا حَدِيث مُنكر لَا أصل لَهُ، بل هُوَ من قَول إِبْرَاهِيم النَّخعِيّ، رَوَاهُ عبد الرَّزَّاق فِي (مُصَنفه) ، وَقَالَ: أخبرنَا سُفْيَان الثَّوْريّ عَن مَنْصُور عَن إِبْرَاهِيم، قَالَ: لَا تجوز الْهِبَة حَتَّى تقبض، وَالصَّدَََقَة تجوز قبل أَن تقبض.
وَأما الْوَعْد: فَاخْتلف الْفُقَهَاء فِيهِ، فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَالشَّافِعِيّ وَالْأَوْزَاعِيّ: لَا يلْزم من الْعدة. لِأَنَّهَا مَنَافِع لم تقبض، فلصاحبها الرُّجُوع فِيهَا. وَقَالَ مَالك: أما الْعدة، مثل أَن يسْأَل الرجل الرجل أَن يهب لَهُ هبة، فَيَقُول: نعم، ثمَّ يَبْدُو لَهُ أَن لَا يفعل، فَلَا أرى ذَلِك يلْزمه. قَالَ: وَلَو كَانَ فِي قَضَاء دين فَسَأَلَهُ أَن يقْضِي عَنهُ، فَقَالَ: نعم، وَثمّ رجال يشْهدُونَ عَلَيْهِ، فَمَا أحراه أَن يلْزمه إِذا شهد عَلَيْهِ اثْنَان. وَقَالَ سَحْنُون: الَّذِي يلْزمه فِي الْعدة فِي السّلف، وَالْعَارِية أَن يَقُول لرجل: إهدم دَارك وَأَنا أسلفك مَا تبنيها بِهِ، أَو أخرج إِلَى الْحَج وَأَنا أسلفك أَو أشتر سلْعَة كَذَا، أَو تزوج وَأَنا أسلفك، كل ذَلِك مِمَّا يدْخلهُ فِيهِ. ويتشبه بِهِ، فَهَذَا كُله يلْزمه، وَأما أَن يَقُول: أَنا أسلفك أَو أُعْطِيك فَلَيْسَ بِشَيْء، وَقَالَ أصبغ: يلْزمه فِي ذَلِك مَا وعد بِهِ.
وَقَالَ عبيدَةُ إنْ ماتَا وكانتْ فُصِلَتِ الهَدِيَّةُ والْمُهْداى لَهُ حَيٌّ فَهْيَ لِوَرَثَتِهِ وإنْ لَمْ تَكُنْ فُصِلَتْ فَهِيَ فَهْيَ لِوَرَثَةِ الَّذِي أهْداى

(13/156)


عُبَيْدَة بِفَتْح الْعين الْمُهْملَة وَكسر الْبَاء الْمُوَحدَة: ابْن عَمْرو السَّلمَانِي، بِفَتْح السِّين الْمُهْملَة وَسُكُون اللَّام: الْحَضْرَمِيّ. قَوْله: (إِن مَاتَا) أَي: الْمهْدي والمهدى إِلَيْهِ. قَوْله: (وَكَانَت فصلت الْهَدِيَّة) ، بالصَّاد الْمُهْملَة من الْفَصْل، وَالْمرَاد مِنْهُ: الْقَبْض، ويروى: وصلت الْهَدِيَّة من الْوَصْل، فالوصول بِالنّظرِ إِلَى المهدى إِلَيْهِ، والفصل بِالنّظرِ إِلَى الْمهْدي، إِذْ حَقِيقَة الْإِقْبَاض لَا بُد لَهَا من فصل الْمَوْهُوب عَن الْوَاهِب، وَوَصله إِلَى الْمُتَّهب وتفصيله بَين أَن يكون انفصلت أم لَا مصير مِنْهُ إِلَى أَن قبض الرَّسُول يقوم مقَام المهدى إِلَيْهِ، وَذهب الْجُمْهُور إِلَى أَن الْهَدِيَّة لَا تنْتَقل إِلَى المهدى إِلَيْهِ إلاَّ بِأَن يقبضهَا أَو وَكيله.
وَقَالَ الحَسَنُ أيُّهُما ماتَ قَبْلُ فَهْيَ لِورَثَةِ الْمُهداى لَهُ إذِا قبَضَها الرَّسُولُ
الْحسن هُوَ الْبَصْرِيّ. قَوْله: (أَيهمَا) أَي: أَي وَاحِد من الْمهْدي والمهدى إِلَيْهِ مَاتَ قبل الآخر. قَوْله: (فَهِيَ) ، أَي: الْهَدِيَّة لوَرَثَة المهدى لَهُ، وَقَالَ ابْن بطال: إِن كَانَ بعث بهَا الْمهْدي مَعَ رَسُوله، فَمَاتَ الَّذِي أهديت إِلَيْهِ فَإِنَّهَا ترجع إِلَيْهِ، وَإِن كَانَ أرسل بهَا مَعَ رَسُول الَّذِي أهديت إِلَيْهِ فَمَاتَ المهدى إِلَيْهِ، فَهِيَ لوَرثَته، هَذَا قَول الحكم وَأحمد وَإِسْحَاق.

8952 - حدَّثنا عليُّ بنُ عَبْدِ الله قَالَ حدَّثنا سُفْيَانُ قَالَ حدَّثنا ابنُ الْمُنْكَدِرِ سَمِعْتُ جابِراً رَضِي الله تَعَالَى عنهُ قَالَ قَالَ لي النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَوْ جاءَ مالُ البَحْرَيْنِ أَعْطَيْتُكَ هكَذَا ثَلاثاً فلَمْ يَقْدَمْ حَتَّى تُوُفِيَّ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فأمَرَ أبُو بَكْرٍ مُنادِياً فَنادى مَنْ كانَ لَهُ عِنْدَ النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عِدَّةٌ أَو دَيْنٌ فَلْيَأْتِنَا فأتَيْتُهُ فقُلْتُ إنَّ النبيَّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وعَدَنِي فَحَثاى لِي ثَلاثاً..
مطابقته للتَّرْجَمَة من حَيْثُ إِن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وعد جَابِرا بِشَيْء وَمَات قبل الْوَفَاء بِهِ، وَالْحكم فِيهِ إِن وَقع مثل هَذَا من غير النَّبِي، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فالهبة لوَرَثَة الْوَاهِب، وَكَذَلِكَ لم يكن فِي حق النَّبِي، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، لَازِما وَلَكِن أَبَا بكر فعل ذَلِك على سَبِيل التَّطَوُّع، وَلم يكن يلْزم فِي ذَلِك شَيْء الشَّارِع، وَلَا أَبَا بكر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، وَإِنَّمَا أنفذ الصّديق ذَلِك بعد مَوته، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، اقْتِدَاء بطريقة رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، ولفعله، فَإِنَّهُ كَانَ أوفى النَّاس بعده وأصدقهم لوعده، فَإِن قلت: التَّرْجَمَة هَدِيَّة، وَالَّذِي قَالَه النَّبِي، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: وعد؟ قلت: لما كَانَ وعد النَّبِي، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، لَا يجوز أَن يخلف نزلُوا وعده منزلَة الضَّمَان فِي الصِّحَّة، فرقا بَينه وَبَين غَيره من الْأمة مِمَّن يجوز أَن يَفِي وَأَن لَا يَفِي، وَقد تنزل الْهِبَة الَّتِي لم تقبض منزلَة الْوَعْد بهَا، وَقَالَ الْمُهلب: إنجاز الْوَعْد مَنْدُوب إِلَيْهِ، وَلَيْسَ بِوَاجِب، وَالدَّلِيل على ذَلِك اتِّفَاق الْجَمِيع على أَن من وعد بِشَيْء لم يضْرب بِهِ مَعَ الْغُرَمَاء، وَلَا خلاف أَنه مستحسن وَمن مَكَارِم الْأَخْلَاق. انْتهى. وَقيل: لم يرو عَن أحد من السّلف وجوب لقَضَاء بالعدة. قلت: فِيهِ نظر، لِأَن البُخَارِيّ ذكر أَن ابْن الأشوع وَسمرَة قضيا بِهِ. وَفِي تَارِيخ الْمُسْتَمْلِي) : أَن عبد الله بن شبْرمَة قضى على رجل بوعد وحبسه فِيهِ، وتلا: {كبر مقتاً عِنْد الله أَن تَقولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ} (الصَّفّ: 03) .
وَرِجَال الحَدِيث أَرْبَعَة: عَليّ بن عبد الله الْمَعْرُوف بِابْن الْمَدِينِيّ، وسُفْيَان بن عُيَيْنَة وَمُحَمّد بن الْمُنْكَدر، مر فِي الْوضُوء، وَجَابِر بن عبد الله، والْحَدِيث أخرجه مُسلم فِي فَضَائِل النَّبِي، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، عَن عَمْرو النَّاقِد. قَوْله: (الْبَحْرين) على لفظ تَثْنِيَة بَحر مَوضِع بَين الْبَصْرَة وعمان، وَالنِّسْبَة إِلَيْهِ: بحراني. قَوْله: (ثَلَاثًا) أَي: ثَلَاث حثيات، من: حثيت الشَّيْء حثياً، وحثوت حثوا، إِذا قَبضته ورميته، والحثية الغرف بكف.

91 - (بابٌ كيْفَ يُقْبَضُ العَبْدُ والْمَتاعُ)

أَي: هَذَا بَاب يذكر فِيهِ كَيفَ يقبض العَبْد الْمَوْهُوب وَالْمَتَاع الْمَوْهُوب، والترجمة فِي كَيْفيَّة الْقَبْض لَا فِي أصل الْقَبْض، على مَا يَجِيء بَيَانه، إِن شَاءَ الله تَعَالَى.
وَقَالَ ابنُ عُمَرَ كُنْتُ علَى بَكْرٍ صَعْبٍ فاشْتَرَاهُ النبيُ، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَقَالَ هُوَ لَكَ يَا عَبْدَ الله

هَذَا التَّعْلِيق ذكره البُخَارِيّ مَوْصُولا فِي كتاب الْبيُوع فِي: بَاب إِذا اشْترى شَيْئا فوهبه من سَاعَته، وَقد تقدم الْكَلَام

(13/157)


فِيهِ هُنَاكَ مشروحاً. وَوجه إِيرَاده هُنَا لبَيَان كَيْفيَّة قبض الْمَوْهُوب، والموهوب هُنَا مَتَاع، فَاكْتفى فِيهِ بِكَوْنِهِ فِي يَد البَائِع، وَلم يحْتَج إِلَى قبض آخر. وَقَالَ ابْن بطال: كَيْفيَّة الْقَبْض عِنْد الْعلمَاء بِإِسْلَام الْوَاهِب لَهَا إِلَى الْمَوْهُوب لَهُ، وحيازة الْمَوْهُوب لذَلِك: كركوب ابْن عمر الْجمل.
وَاخْتلفُوا فِي الْحِيَازَة: هَل هِيَ شَرط لصِحَّة الْهِبَة أم لَا؟ فَقَالَ بَعضهم: شَرط، وَهُوَ قَول أبي بكر الصّديق وَعمر الْفَارُوق وَعُثْمَان وَابْن عَبَّاس ومعاذ وَشُرَيْح ومسروق وَالشعْبِيّ وَالثَّوْري وَالشَّافِعِيّ والكوفيين، وَقَالُوا: لَيْسَ للْمَوْهُوب لَهُ مُطَالبَة الْوَاهِب بِالتَّسْلِيمِ إِلَيْهِ، لِأَنَّهَا مَا لم يقبض عدَّة فَيحسن الْوَفَاء، وَلَا يقْضى عَلَيْهِ. وَقَالَ آخَرُونَ: تصح بالْكلَام دون الْقَبْض، كَالْبيع، روى عَن عَليّ وَابْن مَسْعُود وَالْحسن الْبَصْرِيّ وَالنَّخَعِيّ كَذَلِك، وَبِه قَالَ مَالك وَأحمد وَأَبُو ثَوْر، إِلَّا أَن أَحْمد وَأَبا ثَوْر قَالَا: للْمَوْهُوب لَهُ الْمُطَالبَة بهَا فِي حَيَاة الْوَاهِب، وَإِن مَاتَ بطلت الْهِبَة. فَإِن قلت: إِذا تعين فِي الْهِبَة حق الْمَوْهُوب لَهُ، وَجب لَهُ مُطَالبَة الْوَاهِب فِي حَيَاته، فَكَذَلِك بعد مماته كَسَائِر الْحُقُوق. قلت: هَذَا هُوَ الْقيَاس، لَوْلَا حكم الصّديق بَين ظهراني الصَّحَابَة وهم متوافرون فِيمَا وهبه لابنته جدَاد عشْرين وسْقا من مَاله بِالْغَابَةِ، وَلم تكن قبضتها، وَقَالَ لَهَا: لَو كنت خزنته كَانَ ذَلِك، وَإِنَّمَا هُوَ الْيَوْم مَال وإرث، وَلم يرو عَن أحد من الصَّحَابَة أَنه أنكر قَوْله ذَلِك، وَلَا رد عَلَيْهِ.

9952 - حدَّثنا قُتَيْبَةُ بنُ سَعيدٍ قَالَ حدَّثنا اللَّيثُ عنِ ابنِ مُلَيْكَةَ عنِ المِسْوَرِ بنِ مَخْرَمةَ رَضِي الله تَعَالَى عنهُما أنَّهُ قَالَ قَسَمَ رسولُ الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أقْبِيَةً ولَمْ يُعْطِ مَخْرَمَةَ مِنْهَا شيْئاً فَقَالَ مخْرَمَةُ يَا بُنيَّ انْطَلِقْ بِنا إِلَى رسولِ الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فانْطَلَقْتُ معَهُ فَقَالَ ادْخُلْ فادْعُهُ لي قَالَ فَدَعَوْتُهُ لَهُ فخَرَجَ إلَيْهِ وعَلَيْهِ قِباءٌ مِنْهَا فَقَالَ خبَأْنَا هاذا لَكَ قَالَ فنَظَرَ إلَيْهِ فَقَالَ رَضِيَ مَخْرَمَةُ..
مطابقته للتَّرْجَمَة من حَيْثُ إِن نقل الْمَتَاع إِلَى الْمَوْهُوب لَهُ قبض، وَبِهَذَا يُجَاب عَن قَول من قَالَ: كَيفَ يدل الحَدِيث على التَّرْجَمَة الَّتِي هِيَ قبض العَبْد؟ لِأَنَّهُ لما علم أَن قبض الْمَتَاع بِالنَّقْلِ إِلَيْهِ علم مِنْهُ حكم العَبْد وَغَيره من سَائِر المنقولات.
ذكر رِجَاله وهم خَمْسَة: قُتَيْبَة بن سعيد، وَاللَّيْث بن سعد، وَعبد الله بن عبيد الله بن أبي مليكَة، والمسور، بِكَسْر الْمِيم وَسُكُون السِّين الْمُهْملَة، وَأَبوهُ مخرمَة، بِفَتْح الْمِيم وَسُكُون الْخَاء الْمُعْجَمَة: ابْن نَوْفَل الزُّهْرِيّ، أسلم يَوْم الْفَتْح، بلغ مائَة وَخمْس عشرَة سنة، وَمَات سنة أَربع وَخمسين.
ذكر لطائف إِسْنَاده فِيهِ: التحديث بِصِيغَة الْجمع فِي موضِعين. وَفِيه: العنعنة فِي موضِعين. وَفِيه: القَوْل فِي موضِعين. وَفِيه: أَن شَيْخه بغلاني، وبغلان من بَلخ، وَأَن اللَّيْث مصري وَابْن أبي مليكَة مكي. وَفِيه: رد على من يَقُول: إِن الْمسور لم ير رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَلم يسمع مِنْهُ.
ذكر تعدد مَوْضِعه وَمن أخرجه غَيره: أخرجه البُخَارِيّ أَيْضا فِي اللبَاس عَن قُتَيْبَة أَيْضا، وَفِي الشَّهَادَات عَن زِيَاد بن يحيى، وَفِي الْخمس عَن عبد الله بن عبد الْوَهَّاب الحَجبي، وَفِي الْأَدَب عَن الحَجبي أَيْضا ... وَأخرجه مُسلم فِي الزَّكَاة عَن قُتَيْبَة بِهِ، وَعَن زِيَاد بن يحيى، وَأخرجه أَبُو دَاوُد فِي اللبَاس عَن قُتَيْبَة وَيزِيد بن خَالِد، كِلَاهُمَا عَن اللَّيْث بِهِ وَأخرجه التِّرْمِذِيّ فِي الاسْتِئْذَان عَن قُتَيْبَة، وَأخرجه النَّسَائِيّ فِي الزِّينَة عَن قُتَيْبَة.
ذكر مَعْنَاهُ: قَوْله: (أقبية) ، جمع: قبَاء، ممدوداً. وَقَالَ الْجَوْهَرِي: القباء الَّذِي يلبس، وَفِي (الْمغرب) مَا يدل على أَنه عَرَبِيّ، وَالدَّلِيل عَلَيْهِ مَا قَالَه ابْن دُرَيْد، وَهُوَ: من قبوت الشَّيْء إِذا جمعته. قَوْله: (فَادعه لي) أَي: فَادع رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، لأجلي. وَفِي رِوَايَة تَأتي: قَالَ الْمسور فأعظمت ذَلِك، فَقَالَ: يَا بني إِنَّه لَيْسَ بجبار فدعوته فَخرج. قَوْله: (فَخرج إِلَيْهِ) ، أَي: فَخرج رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، إِلَى مخرمَة. قَوْله: (وَعَلِيهِ قبَاء) ، جملَة حَالية. قَوْله: (مِنْهَا) ، أَي: من الأقببة، وَظَاهر هَذَا اسْتِعْمَال الْحَرِير، وَلَكِن قَالُوا: يجوز أَن يكون قبل النَّهْي، وَقيل: مَعْنَاهُ، وأنهه نشره على أكتافه ليراه مخرمَة كُله، وَهَذَا لَيْسَ بِلبْس، وَلَو كَانَ بعد التَّحْرِيم. قَوْله: (فَقَالَ خبأنا هَذَا لَك) . إِنَّمَا قَالَ هَذَا للملاطفة، لِأَنَّهُ كَانَ فِي خلقه شَيْء وَذكره فِي الْجِهَاد، وَلَفظه: (وَكَانَ فِي خلقه شدَّة) . قَوْله: (فَنظر إِلَيْهِ) أَي: قَالَ الْمسور: فَنظر مخرمَة إِلَى القباء. قَوْله: (فَقَالَ: رَضِي مخرمَة؟) ، قَالَ الدَّاودِيّ هُوَ من قَوْله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، مَعْنَاهُ: هَل رضيت على وَجه الِاسْتِفْهَام؟ وَقَالَ ابْن التِّين:

(13/158)


يحْتَمل أَن يكون من قَول مخرمَة.
وَمن فَوَائده: الاستئلاف للقلوب، وَأَن الْقَبْض يحصل بِمُجَرَّد النَّقْل إِلَى المهدى إِلَيْهِ.

02 - (بابٌ إِذا وهَبَ هِبةً فقَبَضَهَا الآخَرُ ولَمْ يَقُلْ قَبِلْتُ)

أَي: هَذَا بَاب يذكر فِيهِ إِذا وهب رجل هبة فقبضها الآخر، أَي: الْمَوْهُوب لَهُ، وَلم يقل: قبلت. وَجَوَاب: إِذا، مَحْذُوف، وَلم يُصَرح بِهِ لمَكَان الْخلاف فِيهِ. وَالْجَوَاب: جَازَت، خلافًا لمن يشْتَرط الْقبُول، قَالَ ابْن بطال: لَا يحْتَاج الْقَابِض أَن يَقُول: قبلت، وَهُوَ قد قبضهَا. قَالَ: وعَلى هَذَا جمَاعَة الْعلمَاء، وَمذهب الشَّافِعِي: لَا بُد من الْإِيجَاب وَالْقَبُول، كَمَا فِي البيع وَسَائِر التمليكات، فَلَا يقوم الْأَخْذ وَالعطَاء مقامهما، كَمَا فِي البيع. قَالَ: وَلَا شكّ أَن من يصير إِلَى انْعِقَاد البيع بالمعاطاة تجزيه فِي الْهِبَة. وَاخْتَارَ ابْن الصّباغ من أَصْحَاب الشَّافِعِي: أَن الْهِبَة الْمُطلقَة لَا تتَوَقَّف على إِيجَاب وَقبُول. وَقَالَ الْحسن الْبَصْرِيّ: لَا يعْتَبر الْقبُول فِي الْهِبَة كَالْعِتْقِ، وَهُوَ قَول شَاذ خَالف فِيهِ الكافة إلاَّ إِذا أَرَادَ الْهَدِيَّة، وَعند الْحَنَفِيَّة: لَا تصح الْهَدِيَّة إلاَّ بِالْإِيجَابِ، كَقَوْلِه: وهبت وَنَحْوه، هَذَا بِمُجَرَّدِهِ فِي حق الْوَاهِب، وبالقبول كَقَوْلِه: قبلت، وَالْقَبْض، فَلَا يتم فِي حق الْمَوْهُوب لَهُ إلاَّ بِالْقبُولِ وَالْقَبْض، لِأَنَّهُ عقد تبرع فَيتم بالمتبرع، وَلَكِن لَا يملكهُ الْمَوْهُوب لَهُ إلاَّ بِالْقبُولِ وَالْقَبْض، وَثَمَرَة ذَلِك فِيمَن حلف لَا يهب وَلم يقبل الْمَوْهُوب لَهُ يَحْنَث، وَعند زفر لَا يَحْنَث إلاَّ بِقبُول وَقبض كَمَا فِي البيع، أَو حلف على أَن يهب فلَانا، فوهبه، وَلم يقبل بر فِي يَمِينه عندنَا.

0062 - حدَّثنا مُحَمَّدُ بنُ مَحْبُوبٍ قَالَ حدَّثنا عبْدُ الواحِدِ قَالَ حدَّثنا مَعْمَرٌ عنِ الزُّهْرِيِّ عنْ حُمَيْدِ بنِ عبْدِ الرَّحْمانِ عنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِي الله تَعَالَى عنهُ قَالَ جاءَ رَجُلٌ إِلَى رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ هلَكْتُ فَقَالَ وَمَا ذَاك قَالَ وقعْتُ بأهْلِي فِي رمَضَانَ قَالَ تَجِدُ رَقَبَة قَالَ لَا قَالَ فَهلْ تَسْتَطِيعُ أنْ تَصُومَ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ قَالَ لَا قَالَ فَتَسْتَطِيعُ أنْ تُطْعِمَ سِتِّينَ مِسْكِيناً قَالَ لَا قَالَ فَجاءَ رجُلٌ مِنَ الأنْصَارِ بِعَرَقٍ والعرَقَ المِكْتلُ فِيهِ تَمْرٌ فَقَالَ اذْهَبْ بِهذا فتَصَدَّقْ بهِ قَالَ عَلَى أحْوَجَ مِنَّا يَا رسولَ الله والَّذِي بعَثَكَ بالحَقِّ مَا بيْنَ لاَبَتيْها أهْلُ بَيتٍ أحْوَجْ مِنَّا قَالَ اذْهَبْ فأطْعِمْهُ أهْلَكَ..
مطابقته للتَّرْجَمَة تُؤْخَذ من معنى الحَدِيث، وَهُوَ أَنه، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، أعْطى الرجل التَّمْر الْمَذْكُور فِيهِ فَقَبضهُ، وَلم يقل: قبلت، ثمَّ قَالَ لَهُ: (إذهب فأطعم أهلك) . وَاخْتِيَار البُخَارِيّ على هَذَا، وَهُوَ أَن الْقَبْض بِالْهبةِ كافٍ لَا يحْتَاج أَن يَقُول: قبلت، فَلذَلِك عقد التَّرْجَمَة الْمَذْكُورَة وَذكر لَهَا الحَدِيث الْمَذْكُور، ورد عَلَيْهِ بِوَجْهَيْنِ. أَحدهمَا: أَنه لم يُصَرح فِي الحَدِيث بِذكر الْقبُول وَلَا بنفيه. وَالْآخر: أَن هَذِه كَانَت صَدَقَة لَا هبة، فَلهَذَا لم يحْتَج إِلَى الْقبُول.
والْحَدِيث مضى فِي كتاب الصَّوْم فِي: بَاب إِذا جَامع فِي رَمَضَان وَلم يكن لَهُ شَيْء، فَتصدق عَلَيْهِ فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ: عَن أبي الْيَمَان عَن شُعَيْب عَن الزُّهْرِيّ ... إِلَى آخِره. وَهنا أخرجه: عَن مُحَمَّد بن مَحْبُوب أبي عبد الله الْبَصْرِيّ، وَهُوَ من أَفْرَاده عَن عبد الْوَاحِد بن زِيَاد عَن معمر بن رَاشد عَن مُحَمَّد بن مُسلم الزُّهْرِيّ، وَقد مر الْكَلَام فِيهِ هُنَاكَ مُسْتَوفى. والعرق، بِفتْحَتَيْنِ المكتل، بِكَسْر الْمِيم، وَهُوَ: الزنبيل. واللابة: الْحرَّة، وَهِي الأَرْض الَّتِي فِيهَا حِجَارَة سود، ولابتا الْمَدِينَة: حرتان تكتنفانها.