عمدة القاري شرح
صحيح البخاري 311 - (بابُ اسْتِئْذَانِ الرَّجَلِ
الإمَامَ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان حكم استيذان الرجل من الرّعية،
أَي: طلبه الْإِذْن من الإِمَام فِي الرُّجُوع أَو
التَّخَلُّف عَن الْخُرُوج أَو نَحْو ذَلِك.
لِقَوْلِهِ عَزَّ وجَلَّ: {إنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ
الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّه ورسُولِهِ وإذَا كانُوا معَهُ
علَى أمْرٍ جامِعٍ لَمْ يَذْهَبُوا حَتَّى يَسْتأذِنُوهُ
إنَّ الَّذِينَ يَسْتأذِنُونَكَ} (النُّور: 26) . إِلَى
آخر الْآيَة
هَذِه الْآيَة الْكَرِيمَة فِي سُورَة النُّور، وتمامها:
{أُولَئِكَ الَّذين يُؤمنُونَ بِاللَّه وَرَسُوله فَإِذا
استأذنوك لبَعض شَأْنهمْ فاذن لمن شِئْت مِنْهُم واستغفر
لَهُم الله إِن الله غَفُور رَحِيم} (النُّور: 26) .
والاحتجاج بهَا فِي قَوْله: {فَإِذا استأذنوك لبَعض
شَأْنهمْ فَأذن لمن شِئْت مِنْهُم} (النُّور: 26) . وَوجه
ذَلِك أَن الله تَعَالَى جعل ترك ذهابهم عَن مجْلِس رَسُول
الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حَتَّى يستأذنوه ثَالِث
الْإِيمَان بِاللَّه، وَالْإِيمَان بِرَسُولِهِ وجعلهما
كالتسبب لَهُ والبساط لذكره، وَذَلِكَ مَعَ تصدير
الْجُمْلَة بإنما، وإيقاع الْمُؤمنِينَ مُبْتَدأ مخبرا
عَنهُ بموصول أحاطت صلته بِذكر الإيمانين، ثمَّ عقبه بِمَا
يزِيدهُ توكيداً وتشديداً حَيْثُ أَعَادَهُ على أسلوب آخر
وَهُوَ قَوْله: {إِن الَّذين يَسْتَأْذِنُونَك أُولَئِكَ
الَّذين يُؤمنُونَ بِاللَّه وَرَسُوله} (النُّور: 26) .
وَالْمرَاد بِالْأَمر الْجَامِع: الطَّاعَة يَجْتَمعُونَ
عَلَيْهِ نَحْو: الْجُمُعَة والنحر وَالْفطر وَالْجهَاد
وَأَشْبَاه ذَلِك. قَوْله: {لم يذهبوا حَتَّى يستأذنواه}
(النُّور: 26) . قَالَ الْمُفَسِّرُونَ: كَانَ النَّبِي
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِذا صعد الْمِنْبَر يَوْم
الْجُمُعَة وَأَرَادَ الرجل أَن يخرج من الْمَسْجِد
لحَاجَة أَو عذر لم يخرج حَتَّى يسْتَأْذن، أَي: يقوم
فيراه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَيعرف أَن لَهُ حَاجَة،
فَيَأْذَن لَهُ، قَالَ مُجَاهِد: وَإِذن الإِمَام يَوْم
الْجُمُعَة أَن يُشِير بِيَدِهِ، وَلم يَأْمُرهُ الله
تَعَالَى بِالْإِذْنِ لكلهم، بل قَالَ: {فاذن لمن شِئْت}
(النُّور: 26) . قَالَ مقَاتل: نزلت فِي عمر رَضِي الله
تَعَالَى عَنهُ، اسْتَأْذن فِي الرُّجُوع إِلَى أَهله فِي
غَزْوَة تَبُوك، فَأذن لَهُ. وَقَالَ: انْطلق مَا أَنْت
بمنافق، يُرِيد بذلك تسميع الْمُنَافِقين. وَقَالَ
الْمُهلب: هَذِه الْآيَة أصل أَن لَا يبرح أحد من
السُّلْطَان إِذا جمع النَّاس لأمر من أُمُور الْمُسلمين
يحْتَاج فِيهِ إِلَى اجْتِمَاعهم إلاَّ بِإِذْنِهِ، فَإِن
رأى أَن يَأْذَن لَهُ أذن وإلاَّ لم يَأْذَن لَهُ.
7692 - حدَّثنا إسْحَاقُ بنُ إبْرَاهِيمَ قَالَ أخبرنَا
جَرِيرٌ عنِ المُغِيرَةِ عنِ الشَّعْبِيِّ عنْ جابِرِ ابنِ
عَبْدِ الله رَضِي الله تَعَالَى عنهُما قَالَ غَزَوْتُ
معَ رسولِ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ فتَلاحَقَ
بِيَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأَنا علَى ناضِحٍ
لَنا قَدْ أعْيَا فَلاَ يَكادُ يَسِيرُ فَقَالَ لي مَا
لِبَعِيرِكَ قَالَ قُلْتُ عَيِيَ قَالَ فتَخَلَّفَ رسولُ
الله فَزَجَرَهُ ودعا لَهُ فَما زَالَ بَيْنَ يَدَيِ
الإبِلِ قدَّامُها يَسِيرُ فَقَالَ لي كَيْفَ تَرَى
بَعِيرَكَ قَالَ قُلْتُ بِخَيْرٍ قَدْ أصَابَتْهُ
برَكَتُكَ قَالَ أفَتَبِيعُنِيهِ قَالَ فاسْتَحْيَيْتُ
ولَمْ يَكُنْ لَنا ناضِحٌ غَيْرَهُ قَالَ فَقُلْتُ نَعَمْ
قَالَ فَبِعْنِيهِ فبِعْتُهُ إيَّاهُ علَى أنَّ لِي فِقارَ
ظَهْرِهِ حتَّى أبْلُغَ المَدِينَةِ قالَ فَقُلْتُ يَا
رسولَ الله أنِّي عَرُوسَّ فاسْتأذَنْتُهُ فأذِنَ لِي
فتَقَدَّمْتُ النَّاسَ إلَى المَدِينَةِ حَتَّى أتَيْتُ
المَدِينَةَ فلَقِيَنِي خَالِي فسَألَنِي عنِ البَعِيرِ
فأخْبَرْتُهُ بِمَا صَنَعْتُ فِيهِ فَلاَمَنِي قَالَ وقَدْ
كانَ رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ لي حِينَ
اسْتأذَنْتُهُ هَلْ تَزَوَّجْتَ بِكْراً أمْ ثَيِّبَاً
فقُلْتُ تَزَوَّجْتُ ثَيِّباً فَقال هَلاَّ تَزَوَّجْتَ
بِكْرَاً تُلاعِبُهَا وتُلاعِبُكَ قُلْتُ يَا رسولَ الله
تُوُفِّيَ والِدِي أوِ اسْتُشْهِدَ ولِي أخَوَاتٌ صِغَارٌ
فَكَرِهْتُ أنْ أتَزَوَّجَ مِثْلَهُنَّ فلاَ
تُؤَدِّبُهُنَّ ولاَ تَقُومُ عَلَيْهِنَّ فتَزَوَّجْتُ
ثَيِّباً لِتَقُومَ عَلَيْهِنَّ وتُؤَدِّبُهُنَّ قَالَ
فَلَمَّا قَدِمَ رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
المَدِينَةَ غَدَوْتُ علَيْهِ بالبَعِيرِ فأعْطَانِي
ثَمَنَهُ ورَدَّهُ علَيَّ..
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (إِنِّي عروس فاستأذنته
فَأذن لي) ، وَإِسْحَاق بن إِبْرَاهِيم الْمَعْرُوف بِابْن
رَاهَوَيْه، وَجَرِير
(14/228)
هُوَ بن عبد الحميد، والمغيرة هُوَ مقسم
الضَّبِّيّ أحد فُقَهَاء الْكُوفَة، وَالشعْبِيّ هُوَ
عَامر.
والْحَدِيث قد مر مطولا ومختصراً فِي الاستقراض وَفِي
الشُّرُوط، وَمضى الْكَلَام فِيهِ مستقصىً.
قَوْله: (نَاضِح) أَي: بعير يستقى عَلَيْهِ المَاء.
قَوْله: (أعيى) ، أَي: تَعب وَعجز، وَكَذَلِكَ: عيى،
كِلَاهُمَا بِمَعْنى. قَوْله: (فقار ظَهره) ، بِكَسْر
الْفَاء، وَهِي خَرَزَات عِظَام الظّهْر، أَي: على أَن لي
الرّكُوب عَلَيْهِ إِلَى الْمَدِينَة. قَوْله: (عروس) ،
يَسْتَوِي فِيهِ الرجل وَالْمَرْأَة. قَوْله: (لامني) أَي:
على بيع الناضح، إِذْ لم يكن لَهُ غَيره. قَوْله: (ورده)
أَي: الْجمل، فَحصل لَهُ الثّمن والمثمن كِلَاهُمَا.
قَالَ المُغِيرَةُ هذَا فِي قَضائِنا حَسَنٌ لاَ نَرَى
بِهِ بَأْسا
الْمُغيرَة هُوَ الْمَذْكُور فِي إِسْنَاد الحَدِيث،
وَظَاهره تَعْلِيق. قَالَ بَعضهم: هُوَ مَوْصُول
بِالْإِسْنَادِ الْمَذْكُور إِلَى الْمُغيرَة، وَفِيه نظر
لَا يخفى. قَوْله: هَذَا، أَي: البيع بِمثل هَذَا الشَّرْط
حسن فِي حكمنَا بِهِ لَا بَأْس بِمثلِهِ، لِأَنَّهُ أَمر
مَعْلُوم لَا خداع فِيهِ وَلَا مُوجب للنزاع. وَقَالَ
الدَّاودِيّ: مُرَاده جَوَاز زِيَادَة الْغَرِيم على حَقه
تأسياً برَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، ورد
عَلَيْهِ ابْن التِّين: بِأَنَّهُ لم يذكر فِيهِ أَنه صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم قَضَاهُ وزاده.
411 - (بابُ مَنْ غَزَا وهْوَ حَدِيثُ عَهْدٍ بِعُرْسِهِ)
أَي: هَذَا بَاب فِي ذكر من غزا، وَالْحَال أَنه حَدِيث
عهد بعرسه، بِكَسْر الْعين أَي: بِزَوْجَتِهِ، وَيجوز ضم
الْعين أَي: بِزَمَان عرسه، وَفِي رِوَايَة الْكشميهني:
بعرس، بِلَا ضمير.
فِيهِ جابِرٌ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
أَي: فِي هَذَا الْبَاب حَدِيث جَابر، وَأَرَادَ بِهِ
الحَدِيث الْمَذْكُور فِيمَا قبله، وَاكْتفى بِذكر هَذَا
الْمِقْدَار لتكرر هَذَا الحَدِيث.
511 - (بابُ مَنِ اخْتَارَ الغَزْوَ بَعْدَ الْبِنَاءِ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان أَمر من اخْتَار الْغَزْو بعد
بنائِهِ بِزَوْجَتِهِ، أَي: بعد دُخُوله عَلَيْهَا، كَيفَ
يكون حكمه؟ هَل يمْنَع؟ كَمَا دلّ عَلَيْهِ حَدِيث أبي
هُرَيْرَة، أَو لَا يمْنَع؟ والْحَدِيث يدل على
الْأَوْلَوِيَّة، وَيَأْتِي حَدِيث أبي هُرَيْرَة الْآن،
وَاعْترض الدَّاودِيّ على هَذِه التَّرْجَمَة فَقَالَ: لَو
قَالَ: بَاب من اخْتَار الْبناء قبل الْغَزْو، وَكَانَ
أبين فَإِنَّمَا الحَدِيث فِيهِ، أَي: فِي حَدِيث أبي
هُرَيْرَة أَنه اخْتَار الْبناء قبل الْغَزْو، ورد
عَلَيْهِ أَن التَّرْجَمَة متضمنة معنى الِاسْتِفْهَام
كَمَا ذَكرْنَاهُ، وَفِيه يظْهر الرَّد عَلَيْهِ أَنه
اخْتَار الْبناء قبل الْغَزْو، وَسَنذكر فِي النِّكَاح:
بَاب من أحب الْبناء بعد الْغَزْو.
فِيهِ أبُو هُرَيْرَةَ عنِ النَّبِيِّ صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم
أَي: فِي هَذَا الْبَاب المترجم حَدِيث أبي هُرَيْرَة،
وَهُوَ الَّذِي أوردهُ فِي الْخمس من طَرِيق همام عَنهُ،
قَالَ: غزا نَبِي من الْأَنْبِيَاء، عَلَيْهِم الصَّلَاة
وَالسَّلَام، فَقَالَ: لَا يَتبعني رجل ملك بضع امْرَأَة،
وَهُوَ يُرِيد أَن يَبْنِي بهَا، وَقَالَ الْكرْمَانِي:
إِنَّمَا لم يذكر الحَدِيث وَاكْتفى بِالْإِشَارَةِ
إِلَيْهِ لِأَنَّهُ لَعَلَّه لم يكن بِشَرْطِهِ، فَأَرَادَ
التَّنْبِيه عَلَيْهِ، ورد عَلَيْهِ بِأَنَّهُ لم يستحضر
أَنه أوردهُ مَوْصُولا فِي مَكَان آخر، على مَا سَيَأْتِي،
إِن شَاءَ الله تَعَالَى، قَرِيبا.
611 - (بابُ مُبَادَرَةِ الإمَامِ عِنْدَ الفَزَعِ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان مَا جَاءَ من مبادرة الإِمَام،
أَي: مسارعته بالركوب عِنْد وُقُوع الْفَزع، والفزع فِي
الأَصْل الْخَوْف، فَوضع مَوضِع الإغاثة والنصر، لِأَن من
شَأْنه الإغاثة وَالدَّفْع عَن الْحَرِيم مراقب حذر، قَالَ
ابْن الْأَثِير: وَمِنْه حَدِيث: لقد فزع أهل الْمَدِينَة
لَيْلًا فَركب فرسا لأبي طَلْحَة، إِن اسْتَغَاثُوا
يُقَال: فزعت إِلَيْهِ فأفزعني، أَي: استغثت إِلَيْهِ
فأغاثني، وأفزعته إِذا أغثته، وَإِذا خوفته.
(14/229)
8692 - حدَّثنا مُسَدَّدٌ قَالَ حدَّثنا
يَحْيَء عنْ شُعْبَةَ قَالَ حدَّثني قَتادَةُ عنْ أنَسِ
بنِ مالِكٍ رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ قَالَ كانَ
بالمَدِينَةِ فزَعٌ فرَكِبَ رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم فرَساً لأِبِي طَلْحَةَ فَقَالَ مَا رأيْنَا مِنْ
شَيءٍ وإنْ وَجَدْناخُ لَبَحْرَاً..
مطابقته للتَّرْجَمَة تُؤْخَذ من معنى الحَدِيث. وَيحيى
هُوَ ابْن سعيد الْقطَّان، وَقد مضى هَذَا الحَدِيث
مرَارًا فِي الْهِبَة وَفِي الْجِهَاد فِيمَا مضى فِي
موضِعين، وَسَيَأْتِي فِي الْأَدَب عَن مُسَدّد عَن يحيى
أَيْضا. قَوْله: (فرسا لأبي طَلْحَة) ، اسْم الْفرس،
مَنْدُوب، وَاسم أبي طَلْحَة: زيد بن سهل الْأنْصَارِيّ،
زوج أم أنس بن مَالك، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا.
قَوْله: (من شَيْء) ، أَي: مِمَّا يُوجب الْفَزع. قَوْله:
(وَإِن وَجَدْنَاهُ) ، أَي: الْفرس وَكلمَة: إِن،
مُخَفّفَة من المثقلة، وَاللَّام فِي: لبحراً،
للتَّأْكِيد.
711 - (بابُ السُّرْعَةِ والرَّكْضِ فِي الفَزَعِ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان مَا جَاءَ من سرعَة الإِمَام
والمبادرة إِلَى الرّكُوب عِنْد وُقُوع الْفَزع.
9692 - حدَّثنا الفَضْلُ بنُ سَهْلٍ قَالَ حدَّثنا
حُسَيْنُ بنُ مُحَمَّدٍ قَالَ حدَّثنا جَرِيرُ بنُ حازِمٍ
عنْ مُحَمَّدٍ عنْ أنَسِ بنِ مالِكٍ رَضِي الله تَعَالَى
عنهُ قَالَ فَزِعَ النَّاسُ فرَكِبَ رسولُ الله صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم فرَساً لأِبِي طَلْحَةَ بَطِيئاً ثُمَّ
خَرَجَ يَرْكُضُ وحْدَهُ فرَكِبَ النَّاسُ يَرْكُضُونَ
خَلْفَهُ فَقَالَ لَمْ تُرَاعُوا إنَّهُ لَبَحْرٌ فَما
سُبِقَ بَعْدَ ذَلِكَ اليَوْمِ..
هَذَا وَجه آخر فِي حَدِيث أنس الْمَذْكُور، أخرجه عَن
الْفضل بن سهل الْأَعْرَج الْبَغْدَادِيّ عَن حُسَيْن بن
مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن بهْرَام التَّمِيمِي الْمعلم عَن
جرير، بِفَتْح الْجِيم: ابْن حَازِم، بِالْحَاء
الْمُهْملَة ابْن زيد بن النَّضر الْأَزْدِيّ الْبَصْرِيّ
عَن مُحَمَّد بن سِيرِين عَن أنس، رَضِي الله تَعَالَى
عَنهُ. قَوْله: (ثمَّ خرج) ، أَي: من الْمَدِينَة. قَوْله:
(يرْكض) ، حَال. قَوْله: (وَحده) ، أَي: بِدُونِ رَفِيق.
قَوْله: (لم تراعوا) ، أَي: لَا تراعوا، و: لم، بِمَعْنى:
لَا. قَوْله: (إِنَّه) ، أَي: إِن الْفرس الْمَذْكُور:
لبحر، شبهه بالبحر فِي سرعَة الجري. قَوْله: قَالَ: أَي:
قَالَ أنس، فَمَا سبق هَذَا الْفرس، وَهُوَ على صِيغَة
الْمَجْهُول.
811 - (بابُ الخُرُوجِ فِي الفَزَعِ وحْدَهُ)
أَي: هَذَا بَاب فِيمَا جَاءَ من خُرُوج الإِمَام فِي
وُقُوع الْفَزع وَحده مُنْفَردا، ثبتَتْ هَذِه
التَّرْجَمَة بِغَيْر حَدِيث، قَالَ الْكرْمَانِي: فَإِن
قلت: مَا فَائِدَة هَذِه التَّرْجَمَة حَيْثُ لم يَأْتِ
فِيهَا حَدِيث وَلَا أثر؟ قلت: الْإِشْعَار بِأَنَّهُ لم
يثبت فِيهِ بِشَرْطِهِ شَيْء أَو ترْجم ليلحق بِهِ حَدِيثا
فَلم يتَّفق لَهُ، أَو اكْتفى بِالْحَدِيثِ الَّذِي قبله،
وَقَالَ بَعضهم: قَالَ الْكرْمَانِي: وَيحْتَمل أَن يكون
اكْتفى بِالْإِشَارَةِ إِلَى الحَدِيث الَّذِي قبله،
وَفِيه بعد. قلت: سُبْحَانَ الله! الْكرْمَانِي ذكر
ثَلَاثَة أوجه كَمَا ذَكرنَاهَا الْآن، فَلِمَ عين
الْوَجْه الثَّالِث بقوله: وَفِيه بعد، لأجل الطعْن فِيهِ،
وهلا ذكر الْوَجْه الثَّانِي، مَعَ أَنه ذكره بتغيير
عِبَارَته؟ وَقَالَ ابْن بطال: جملَة مَا فِي هَذِه
التراجم أَن الإِمَام يَنْبَغِي لَهُ أَن يشح بِنَفسِهِ
لما فِي ذَلِك من النّظر للْمُسلمين، إلاَّ أَن يكون من
أهل الْغنى الشَّديد والثبات الْبَالِغ، فَيحْتَمل أَن
يسوغ لَهُ ذَلِك، وَكَانَ فِي النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم، من ذَلِك مَا لَيْسَ فِي غَيره مَعَ مَا علم أَن
الله تَعَالَى يعصمه وينصره.
911 - (بابُ الجَعَائِلِ والحِمْلاَنِ فِي السَّبِيلِ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان حكم الجعائل وَهُوَ جمع: جعيلة
أَو جعَالَة، بِالْفَتْح والجعل بِالضَّمِّ الِاسْم
وبالفتح الْمصدر، يُقَال: جعلت لَك جعلا وَجعلا، وَهُوَ
الْأُجْرَة على الشَّيْء فعلا أَو قولا. قَوْله:
(والحملان) ، بِضَم الْحَاء: الْحمل، وَقَالَ ابْن
الْأَثِير: الحملان مصدر كالحمل، يُقَال: حمل يحمل
حملاناً. قَوْله: (فِي السَّبِيل) أَي: فِي سَبِيل الله،
وَهُوَ الْجِهَاد.
(14/230)
وَقَالَ مُجَاهِدٌ قُلْتُ لاِبْنِ عُمَرَ
الغَزْوَ قَالَ إنِّي أُحِبُّ أنْ أُعِيِنَكَ بِطائِفَةٍ
مِنْ مَالي قُلْتُ أوْسَعَ الله عَلَيَّ قَالَ إنَّ غِناكَ
لَكَ وإنِّي أُحِبُّ أنْ يَكونَ مِنْ مَالي فِي هَذَا
الوَجْهِ
هَذَا التَّعْلِيق وَصله البُخَارِيّ فِي الْمَغَازِي فِي
غَزْوَة الْفَتْح بِمَعْنَاهُ. قَوْله: (الْغَزْو) ،
بِالنّصب تَقْدِيره: قَالَ مُجَاهِد لعبد الله بن عمر:
أُرِيد الْغَزْو، حَاصله أَرَادَ الْمُجَاهِد أَن يكون
مُجَاهدًا فِي سَبِيل الله. وَقَالَ بَعضهم: هُوَ بِالنّصب
على الإغراء، وَالتَّقْدِير: عَلَيْك الْغَزْو، قلت: هَذَا
لَا يَسْتَقِيم وَلَا يَصح مَعْنَاهُ لِأَن مُجَاهدًا يخبر
عَن نَفسه أَنه يُرِيد أَن يَغْزُو، بِدَلِيل قَول ابْن
عمر لَهُ: إِنِّي أحب أَن أعينك بطَائفَة من مَالِي،
وَلَيْسَ مَعْنَاهُ أَن يَقُول لِابْنِ عمر: عَلَيْك
الْغَزْو، وَفِي رِوَايَة الْكشميهني: أنغزو؟ بالنُّون على
الِاسْتِفْهَام. قَوْله: (قلت) أَي: قَالَ الْمُجَاهِد:
وسع الله عَليّ، وَأَرَادَ بِهِ أَن عِنْده مَا يَكْفِيهِ
للْجِهَاد وَلَيْسَ لَهُ حَاجَة إِلَى ذَلِك، وَقَول ابْن
عمر: إِن غناك لَك ... إِلَى آخِره، يدل على أَن الرجل
إِذا أخرج من مَاله شَيْئا يتَطَوَّع بِهِ فِي سَبِيل الله
فَلَا بَأْس بِهِ، وَكَذَلِكَ إِذا أعَان الْغَازِي بفرس
يَغْزُو عَلَيْهِ، وَنَحْو ذَلِك وَهَذَا لَا خلاف فِيهِ.
وَإِنَّمَا الِاخْتِلَاف فِيمَا إِذا آجر نَفسه أَو فرسه
فِي الْغَزْو، فَقَالَ مَالك: يكره ذَلِك. وَقَالَت
الْحَنَفِيَّة: يكره فِي ذَلِك الجعائل إلاَّ إِذا كَانَ
بِالْمُسْلِمين ضعف، وَلَيْسَ فِي بَيت المَال شَيْء،
فَعِنْدَ ذَلِك إِن أعَان بَعضهم بَعْضًا لَا يكره.
وَقَالَ الشَّافِعِي: لَا يجوز أَن يَغْزُو بِجعْل
يَأْخُذهُ، وأرده إِن غزا بِهِ، وَإِنَّمَا أجيزه من
السُّلْطَان دون غَيره لِأَنَّهُ يَغْزُو بِشَيْء من حَقه،
وَاحْتج فِيهِ: بِأَن الْجِهَاد فرض على الْكِفَايَة، فَمن
فعله وَقع عَن فَرْضه فَلَا يجوز أَن يسْتَحق على غَيره
عوضا.
وَقَالَ عُمَرُ إنَّ نَاسا يأخُذُونَ مِنْ هاذَا المالِ
لِيُجَاهِدوا ثُمَّ لَا يُجَاهِدُونَ فَمَنْ فعَلهُ
فَنَحْنُ أحَقُّ بِمالِهِ حتَّى نأخُذَ مِنْهُ مَا أخَذَ
هَذَا التَّعْلِيق وَصله ابْن أبي شيبَة من طَرِيق
سُلَيْمَان الشَّيْبَانِيّ عَن عَمْرو بن أبي قُرَّة،
قَالَ: جَاءَنَا كتاب عمر بن الْخطاب، رَضِي الله تَعَالَى
عَنهُ أَن نَاسا ... فَذكر مثله. وَأخرجه البُخَارِيّ
أَيْضا فِي (تَارِيخه) . وَقَول عمر يدل على أَن كل من
أَخذ مَالا من بَيت المَال على عمل فَإِذا أهمل الْعَمَل
يُؤْخَذ مِنْهُ مَا أَخذه قبل، وَكَذَلِكَ الْأَخْذ مِنْهُ
على عمل لَا يتأهل لَهُ وَلَا يلْتَفت إِلَى تخيل أَن
الأَصْل من مَال بَيت المَال الْإِبَاحَة للْمُسلمين قلت:
يُؤْخَذ من ذَلِك أَن كل من يتَوَلَّى وَظِيفَة دينية،
وَهُوَ لَيْسَ بِأَهْل لذَلِك، يُؤْخَذ مِنْهُ مَا
يَأْخُذهُ من مَال تِلْكَ الْوَظِيفَة الَّتِي عين
لإقامتها.
وقالَ طاوُسٌ ومُجَاهِدٌ إذَا دُفِعَ إلَيْكَ شَيءٌ
تَخْرُجُ بِهِ فِي سَبِيلِ الله فاصْنَعْ بِهِ مَا شِئْتَ
وضَعْهُ عِنْدَ أهْلِكَ
هَذَا يدل على أَن طاووساً ومجاهداً لَا يكرهان أَخذ شَيْء
فِي الْغَزْو. قَوْله: (دفع) ، على صِيغَة الْمَجْهُول،
قَوْله: (مَا شِئْت) ، أَي: مِمَّا يتَعَلَّق بسبيل الله،
حَتَّى الْوَضع عِنْد الْأَهْل فَإِنَّهُ أَيْضا من
متعلقاته، وَكَانَ سعيد بن الْمسيب يَقُول: إِذا أعْطى
الْإِنْسَان شيئاف فِي الْغَزْو إِذا بلغت رَأس مغزاك
فَهُوَ لَك.
0792 - حدَّثنا الحُمَيْدِيُّ قَالَ حدَّثَنَا سُفْيَانُ
قَالَ سَمِعْتُ مالِكَ بنَ أنَسٍ سَأَلَ زَيْدَ ابنَ
أسْلَمَ فَقَالَ زَيْدٌ سَمِعْتُ أبِي يَقُولُ قَالَ
عُمَرُ بنُ الخَطَّابِ رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ حَمَلْتُ
عَلَى فَرَسٍ فِي سَبِيلِ الله فرَأيْتُهُ يُباعُ فسألْتُ
النَّبيَّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم آشْتَرِيهِ فقالَ لاَ
تَشْتَرِهِ ولاَ تَعُدْ فِي صَدَقَتِكَ.
.
(14/231)
مطابقته للتَّرْجَمَة من حَيْثُ إِن الْفرس
الَّذِي حمله عمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، فِي سَبِيل
الله أَنه كَانَ حملاناً وَلم يكن حَبِيسًا، إِذْ لَو
كَانَ حَبِيسًا لم يكن يجوز بَيْعه. وَقَوله أَيْضا: (لَا
تعد فِي صدقتك) يدل على أَنه لم يكن حَبِيسًا، وَإِنَّمَا
كَانَ حملاناً، والْحميدِي، بِضَم الْحَاء الْمُهْملَة:
عبد الله بن الزبير بن عِيسَى بن عبيد الله، ونسبته إِلَى
حميد أحد أجداده، وَقد تكَرر ذكره، وسُفْيَان هُوَ ابْن
عُيَيْنَة، وَزيد بن أسلم يروي عَن أَبِيه أسلم مولى عمر
بن الْخطاب الْعَدوي. والْحَدِيث مضى فِي الزَّكَاة وَفِي
الْهِبَة، وَمضى الْكَلَام فِيهِ.
1792 - حدَّثنا إسْمَاعِيلُ قَالَ حدَّثني مالِكٌ عنْ
عبْدِ الله بنِ عُمَرَ رَضِي الله تَعَالَى عنهُما أَن
عُمَرَ بنَ الخَطَّابِ حَمَلَ علَى فَرَسٍ فِي سَبِيلِ
الله فوَجَدَهُ يُبَاعُ فأرَادَ أنْ يَبْتَاعَهُ فَسألَ
رسولَ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ لاَ
تَبْتَعْهُ ولاَ تَعُدْ فِي صَدَقَتِكَ..
هَذَا مثل الحَدِيث الَّذِي قبله، غير أَن الروَاة
مُخْتَلفَة وَالْكَلَام فِيهِ مضى. قَوْله: (يُبَاع) ، على
صِيغَة الْمَجْهُول فِي مَحل النصب على أَنه الْمَفْعُول
الثَّانِي. قَوْله: (أَن يبتاعه) أَي: أَرَادَ أَن
يَشْتَرِيهِ. قَوْله: (لَا تبتعه) ، أَي: لَا تشتره.
2792 - حدَّثنا مُسَدَّدٌ قَالَ حدَّثنا يَحْيَى بنُ
سَعِيدٍ عنْ يَحْيَى بنِ سَعِيدٍ الأنصَارِيِّ قَالَ
حدَّثنا أبُو صالِحٍ قَالَ سَمِعْتُ أبَا هُرَيْرَةَ رَضِي
الله تَعَالَى عنهُ قَالَ قَالَ رسولُ الله صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم لَوْلا أنْ أشُقَّ عَلَى أُمَّتِي مَا
تَخَلَّفْتُ عنْ سَرِيَّةٍ ولاكِنْ لَا أجِدُ حُمُولَةً
وَلَا أجِدُ مَا أحْمِلُهُمْ عليْهِ ويَشُقُّ علَيَّ أنْ
يَتَخَلُّفوْا عَنِي ولَوَدِدْتُ أنِّي قاتَلْتُ فِي
سَبِيلِ الله فقُتِلْتُ ثُمَّ أُحْيِيتُ ثُمَّ قُتِلْتُ
ثُمَّ أُحْييتُ..
مطابقته للتَّرْجَمَة تُؤْخَذ من قَوْله: (وَلَا أجد مَا
أحملهم عَلَيْهِ) وَيحيى بن سعيد الأول هُوَ الْقطَّان،
وَأَبُو صَالح ذكْوَان الزيات، والْحَدِيث تقدم فِي
أَوَائِل الْجِهَاد فِي: بَاب تمني الشَّهَادَة، والحمولة
الَّتِي يحمل عَلَيْهَا. قَوْله: (فقُتِلْتُ) إِلَى آخِره
كُله على صِيغ الْمَجْهُول.
121 - (بابُ مَا قِيلَ فِي لِوَاءِ النَّبِيِّ صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان مَا قيل فِي لِوَاء النَّبِي
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم اللِّوَاء، بِكَسْر اللَّام
وبالمد، قَالَ ابْن الْعَرَبِيّ: اللِّوَاء، مَا يعْقد فِي
طرف الرمْح ويلوى مَعَه، وَبِذَلِك سمي لِوَاء، والراية
ثوب يَجْعَل فِي طرف الرمْح ويخلى بهيئته تصفقه الرّيح،
وَيُقَال: اللِّوَاء علم الْجَيْش، قيل: هُوَ دون
الرَّايَة، وَقيل: اللِّوَاء عَلامَة كبكبة الْأَمِير
يَدُور مَعَه حَيْثُ دَار، والراية هِيَ الَّتِي يتولاها
صَاحب الْحَرْب. وَقيل: اللِّوَاء الْعلم الضخم، وَالْعلم
عَلامَة لمحل الْأَمِير، كَمَا مر. وَفرق التِّرْمِذِيّ
بَين اللِّوَاء والراية حَيْثُ ترْجم أَولا، وَقَالَ: بَاب
الألوية، ثمَّ روى من حَدِيث جَابر: أَن النَّبِي صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم دخل مَكَّة وَلِوَاؤُهُ أَبيض، ثمَّ ترْجم
ثَانِيًا وَقَالَ: بَاب فِي الرَّايَات، ثمَّ روى من
حَدِيث الْبَراء، فَقَالَ حِين سُئِلَ عَن راية رَسُول
الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: كَانَت سَوْدَاء مربعة من
نمرة. وَأخرجه أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيّ أَيْضا، وروى
أَبُو يعلى فِي (مُسْنده) وَالطَّبَرَانِيّ فِي
(الْكَبِير) من حَدِيث عبد الله بن بُرَيْدَة عَن أَبِيه،
قَالَ: كَانَت راية رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
سَوْدَاء وَلِوَاؤُهُ أَبيض، وروى الشَّيْخ بن حَيَّان من
حَدِيث عَائِشَة، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا، قَالَت:
كَانَ لِوَاء رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَبيض،
وروى أَبُو دَاوُد من رِوَايَة سماك بن حَرْب عَن رجل من
قومه عَن آخر مِنْهُم، قَالَ: رَأَيْت راية رَسُول الله،
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، صفراء، وروى ابْن عدي من حَدِيث
ابْن عَبَّاس، قَالَ: كَانَت راية رَسُول الله، صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم سَوْدَاء وَلِوَاؤُهُ أَبيض مَكْتُوب بِهِ:
لَا إلاه إلاَّ الله مُحَمَّد رَسُول الله، صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم، وروى الطَّبَرَانِيّ فِي (الْكَبِير) من
حَدِيث جَابر: أَن راية رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم كَانَت سَوْدَاء. وروى ابْن أبي عَاصِم فِي (كتاب
الْجِهَاد) من حَدِيث كرز بن أُسَامَة عَن النَّبِي صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم، أَنه عقد راية بني سليم حَمْرَاء،
وروى أَيْضا من حَدِيث مزيدة، يَقُول: كنت جَالِسا عِنْد
رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فعقد راية
الْأَنْصَار وَجعلهَا صفراء. قلت: مزيدة بِفَتْح الْمِيم
وَكسر الزَّاي: الْعَبْدي من
(14/232)
عبد الْقَيْس، هُوَ جد هودة العصري
الْعَبْدي. فَإِن قلت: مَا وَجه التَّوْفِيق فِي اخْتِلَاف
هَذِه الرِّوَايَات؟ قلت: وَجه الِاخْتِلَاف باخْتلَاف
الْأَوْقَات.
4792 - حدَّثنا سَعيدُ بنُ أبِي مَرْيَمَ قَالَ حدَّثني
اللَّيْثُ قَالَ أخبرَني عُقَيْلٌ عنِ ابنِ شِهَابٍ قَالَ
أخْبَرَنِي ثَعْلَبَةُ بنُ أبِي مالِكٍ القُرَظِيُّ أنَّ
قَيسَ ابْنَ سَعْدٍ الأنْصَارِيَّ رَضِي الله تَعَالَى
عنهُ وكانَ صاحِبَ لِواءِ رَسولِ الله صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم أرَادَ الحَجَّ فرَجَّلَ.
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة، وثعلبة بن أبي مَالك اسْمه
عبد الله لَهُ رُؤْيَة من النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم الْقرظِيّ، وَيُقَال: الْكِنْدِيّ، وَقيس ابْن سعد
بن عبَادَة الْأنْصَارِيّ الخزرجي أَبُو عبد الله
الْمَدِينِيّ، لَهُ ولأبيه صُحْبَة.
وَهَذَا الحَدِيث مَوْقُوف، فَلذَلِك اقْتصر على هَذَا
الْمِقْدَار، لِأَن غَرَضه هُوَ قَوْله: (وَكَانَ صَاحب
لِوَاء رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم) ، وَأخرجه
الْإِسْمَاعِيلِيّ بِتَمَامِهِ من طَرِيق اللَّيْث،
فَقَالَ بعد قَوْله: فَرجل أحد شقي رَأسه، فَقَامَ غُلَام
لَهُ فقلد هَدْيه، فَنظر قيس هَدْيه وَقد قلد فَأهل
بِالْحَجِّ وَلم يرجل شقّ رَأسه الآخر. قَوْله: (أَرَادَ
الْحَج) ، خبر قَوْله: أَن قيس بن سعد الْأنْصَارِيّ.
وَقَوله: (وَكَانَ صَاحب لِوَاء رَسُول الله، صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم) جملَة مُعْتَرضَة بَين إسم إِن وخبرها.
قَوْله: (فرجَّل) ، بِالْجِيم من الترجيل، وَهُوَ:
تَسْرِيح الشّعْر وتنظيفه وتحسينه بالمشط، قَالَ
الْكرْمَانِي: وَفِي بعض الرِّوَايَة بِالْحَاء، قيل:
إِنَّه خطأ، ومفعول: رجل، مَحْذُوف، أَي: رجَّل رَأسه،
وَفِي بعض النّسخ غير مَحْذُوف.
5792 - حدَّثنا قُتَيْبَةُ قَالَ حدَّثنا حاتِمُ بنُ
إسْمَاعِيلَ عنْ يَزِيدَ بنِ أبِي عُبَيْدٍ عنْ سَلَمَةَ
بنِ الأكْوَعِ رَضِي الله تَعَالَى عنهُ قَالَ كانَ
عَلِيٌّ رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ تخَلَّفَ عنِ
النَّبِيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي خَيْبَرَ وكانَ
بهِ رمَدٌ فَقالَ أَنا أتَخَلَّفُ عنْ رَسوُلِ الله صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم فخَرَجَ عَلِيٌّ فلَحِقَ بِالنَّبِيِّ
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فلَمَّا كانَ مساءُ اللَّيْلَةِ
الَّتِي فتَحَهَا فِي صَباحِهَا فَقال رسولُ الله صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم لأعْطِيَنَّ الرَّايةَ أوْ قالَ
ليَأخُذَنَّ غَداً رَجُلٌ يُحِبُّهُ الله ورسُولُهُ أوْ
قالَ يحِبُّ الله ورسُولُهُ يَفْتَحُ الله عليهِ فَإِذا
نَحْنُ بِعَلِيٍّ وَمَا نَرْجُوهُ فَقالوا هذَا عَليٌّ
فأعْطَاهُ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ففتَحَ
الله علَيْهِ.
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (لَأُعْطيَن الرَّايَة)
وحاتم بن إِسْمَاعِيل أَبُو إِسْمَاعِيل الْكُوفِي سكن
الْمَدِينَة، وَيزِيد بن أبي عبيد مولى سَلمَة بن
الْأَكْوَع، وَقد مر عَن قريب، وَقد مضى نَحوه عَن سهل بن
سعد فِي الْجِهَاد فِي: بَاب دُعَاء النَّبِي صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم إِلَى الْإِسْلَام.
وَأخرج البُخَارِيّ حَدِيث الْبَاب فِي فضل عَليّ، رَضِي
الله تَعَالَى عَنهُ، عَن قُتَيْبَة أَيْضا، وَفِي
الْمَغَازِي أَيْضا عَن القعْنبِي. وَأخرجه مُسلم فِي
الْفَضَائِل عَن قُتَيْبَة عَن حَاتِم بن إِسْمَاعِيل.
قَوْله: (تخلف عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم)
يَعْنِي: لأجل رمد عَيْنَيْهِ، وَذَلِكَ فِي غَزْوَة
خَيْبَر. قَوْله: (أَو قَالَ) ، شكّ من الرَّاوِي. قَوْله:
(فَإِذا نَحن بعلي) كلمة: إِذا، للمفاجأة أَي: فَإِذا نَحن
بعلي قد حضر. قَوْله: (وَمَا نرجوه) ، أَي: مَا كُنَّا
نرجو قدومه فِي ذَلِك الْوَقْت للرمد الَّذِي بِهِ.
وَفِيه: فَضِيلَة عَليّ، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، على
غَايَة مَا يكون، ومعجزة للنَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
فِي إخْبَاره بِالْغَيْبِ، وَقد وَقع كَمَا أخبر.
6792 - حدَّثنا مُحَمَّدُ بنُ العَلاءِ قَالَ حدَّثنا
أَبُو أُسَامَةَ عنْ هِشَامِ بنِ عُرْوَةَ عنْ أبِيهِ عنْ
نافِعِ ابنِ جُبَيْرٍ قَالَ سَمِعْتُ العَبَّاسَ يَقولُ
لِلزُّبَيْرِ رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا هاهُنَا
أمَرَكَ النَّبِيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أنْ تَرْكُزَ
الرَّايَةَ.
(الحَدِيث 6792 طرفه فِي: 0824) .
مطابقته للتَّرْجَمَة إِنَّمَا تتأتى على قَول من قَالَ:
اللِّوَاء والراية وَاحِدَة، وَالصَّحِيح الْفرق بَينهمَا،
كَمَا ذكرنَا، فعلى هَذَا وَجه الْمُطَابقَة من حَيْثُ
إِلْحَاق الرَّايَة باللواء فِي كَونهمَا للنَّبِي صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم، وَقَالَ الرشاطي: الرَّايَات
إِنَّمَا كَانَت بِخَيْبَر، وَإِنَّمَا كَانَت
(14/233)
الألوية قيل، قَالَ ابْن الْأَثِير: وَلَا
يمسك اللِّوَاء إلاَّ صَاحب الْجَيْش، وَأَبُو أُسَامَة
حَمَّاد بن أُسَامَة، وَنَافِع بن جُبَير بن مطعم، مر فِي
الْوضُوء وَالْعَبَّاس بن عبد الْمطلب، وَالزُّبَيْر بن
الْعَوام. قَوْله: هَهُنَا، وَأَشَارَ بِهِ إِلَى
الْحجُون، بِفَتْح الْحَاء الْمُهْملَة وَضم الْجِيم
الْخَفِيفَة: وَهُوَ الْجَبَل المشرف مِمَّا يَلِي شعب
الجزارين بِمَكَّة، والْحَدِيث قِطْعَة من حَدِيث أوردهُ
البُخَارِيّ فِي غَزْوَة الْفَتْح.
قَالَ الْمُهلب: فِيهِ: أَن الرَّايَة لَا يركزها إلاَّ
بِإِذن الإِمَام لِأَنَّهَا ولَايَة عَن الإِمَام ومكانه،
فَلَا يَنْبَغِي أَن يتَصَرَّف فِيهَا إلاَّ بأَمْره،
وَمِمَّا يدل على أَنَّهَا ولَايَة. قَوْله، صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم: أَخذ الرَّايَة، زيد فأصيب، ثمَّ أَخذهَا
خَالِد بن الْوَلِيد من غير أَمر، فَفتح لَهُ فَهَذَا نَص
فِي ولايتها.
021 - (بابُ الأجِيرِ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان حكم الْأَجِير فِي الْغَزْو
هَل يُسهم لَهُ أم لَا؟ وَوَقع هَذَا الْبَاب فِي رِوَايَة
بَعضهم قبل: بَاب مَا قيل فِي لِوَاء النَّبِي، صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم.
وقالَ الحَسَنُ وابنُ سِيرينَ يُقْسَمُ لِلأجِيرِ مِنَ
المَغْنَمِ
أَي: قَالَ الْحسن الْبَصْرِيّ وَمُحَمّد بن سِيرِين،
وَهَذَا التَّعْلِيق وَصله عبد الرَّزَّاق عَنْهُمَا
بِلَفْظ: (يُسهم للْأَجِير) ، وَوَصله ابْن أبي شيبَة
عَنْهُمَا بِلَفْظ: العَبْد والأجير إِذا شَهدا الْقِتَال
أعطيا من الْغَنِيمَة. وَقَالَ الثَّوْريّ: لَا يُسهم
للْأَجِير إلاَّ إِذا قَاتل، وَإِذا اُسْتُؤْجِرَ
لِيُقَاتل لَا يُسهم لَهُ عِنْد الْحَنَفِيَّة والمالكية،
وَقَالَ غَيرهم: يُسهم لَهُ، وَقَالَ أَحْمد: لَو
اسْتَأْجر الإِمَام قوما على الْغَزْو لم يُسهم لَهُم غير
الْأُجْرَة. وَقَالَ الشَّافِعِي: هَذَا فِيمَن لم يجب
عَلَيْهِ الْجِهَاد، وَأما الْحر الْبَالِغ الْمُسلم إِذا
حضر الصَّفّ فَإِنَّهُ يتَعَيَّن عَلَيْهِ الْجِهَاد فيسهم
لَهُ، وَلَا تجب الْأُجْرَة.
وأخذَ عَطِيَّةُ بنُ قَيْسٍ فرَساً علَى النِّصْفِ فبَلَغَ
سَهْمُ الفرَسِ أرْبَعْمائَةِ دِينارٍ فأخذَ مائَتَيْنِ
وأعْطَى صاحِبَهُ مِائَتَيْنِ
عَطِيَّة بن قيس الكلَاعِي أَبُو يحيى الْحِمصِي،
وَيُقَال: الدِّمَشْقِي، وَقَالَ أَبُو مسْهر: كَانَ مولد
عَطِيَّة بن قيس فِي حَيَاة رَسُول الله، صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم فِي سنة سبع، وغزا فِي خلَافَة مُعَاوِيَة
وَتُوفِّي سنة عشر وَمِائَة. وَقيل: كَانَ من التَّابِعين،
وَكَانَ لِأَبِيهِ صُحْبَة، وَهَذَا الَّذِي فعله عَطِيَّة
لَا يجوز عِنْد مَالك وَأبي حنيفَة وَالشَّافِعِيّ،
لِأَنَّهَا إِجَارَة مَجْهُولَة، فَإِذا وَقع مثل هَذَا
كَانَ لصَاحب الدَّابَّة كِرَاء مثلهَا، وَمَا أصَاب
الرَّاكِب فِي الْمغنم فَلهُ، وَأَجَازَ الْأَوْزَاعِيّ،
وَأحمد أَن يعْطى فرسه على النّصْف فِي الْجِهَاد.
3792 - حدَّثنا عبْدُ الله بنُ مُحَمَّدٍ قَالَ حدَّثنا
سُفْيانُ قَالَ حدَّثنا ابنُ جُرَيْجٍ عنْ عَطاءٍ عنْ
صَفْوَانَ بنِ يَعْلَى عنْ أبِيهِ رَضِي الله تَعَالَى
عنهُ قَالَ غزَوْتُ مَعَ رَسولِ الله صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم غَزْوَةَ تَبُوكَ فَحَمَلْتُ علَى بَكْرٍ فَهْوَ
أوْثَقُ أعْمَالِي فِي نَفْسِي فاسْتَأجَرْتُ أجِيراً
فقاتَلَ رَجُلاً فَعَضَّ أحَدُهُمَا الآخرَ فانْتَزَعَ
يَدَهُ مِنْ فِيهِ ونَزَعَ ثَنِيَّتَهُ فَأتى النَّبِيَّ
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فأهْدَرَهَا فقَالَ أيَدْفَعُ
يدَهُ إلَيْكَ فتَقْضَمُهَا كَما يَقْضَمُ الْفَحْلُ..
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (فاستأجرت أَجِيرا) .
وَعبد الله بن مُحَمَّد المسندي، وسُفْيَان هُوَ ابْن
عُيَيْنَة، وَابْن جريج هُوَ عبد الْملك بن عبد الْعَزِيز
بن جريج، وَعَطَاء هُوَ ابْن أبي رَبَاح، وَصَفوَان بن
يعلى بن أُميَّة التَّمِيمِي أَو التَّيْمِيّ يروي عَن
أَبِيه يعلى، بِفَتْح الْيَاء آخر الْحُرُوف على وزن يرضى:
ابْن أُميَّة، وَيُقَال: ابْن منية، وَهِي أمه، وَكَانَ
عَامل عمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ على نَجْرَان، عداده
فِي أهل مَكَّة.
والْحَدِيث أخرجه البُخَارِيّ أَيْضا فِي الْإِجَارَة فِي:
بَاب الْأَجِير فِي الْغَزْو.
قَوْله: (فأهدرها) أَي: أسقطها، وَيُقَال: هدر السُّلْطَان
دم فلَان أَي: أَبَاحَهُ، وأهدره أَيْضا. قَوْله: (يقضمها)
أَي: يمضغها كَمَا يمضغ الْفَحْل مَا يَأْكُلهُ، يُقَال:
قضمت الدَّابَّة بِالْكَسْرِ شعيرها تقضمه إِذا أَكلته،
وَقَالَ الدَّاودِيّ: تقضمها تقطعها، قَالَ: والفحل هُنَا
الْجمل.
(14/234)
221 - (بابُ قَوْلِ النَّبِيِّ صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم نُصِرْتُ بالرُّعْبِ مَسِيرَةَ شَهْرٍ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان مَا جَاءَ من قَول النَّبِي
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (نصرت بِالرُّعْبِ) ، أَي:
بالخوف. قَوْله: (مسيرَة شهر) ، أَي: مَسَافَة شهر. وَوَقع
فِي رِوَايَة الطَّبَرَانِيّ من حَدِيث أبي أُمَامَة: شهرا
أَو شَهْرَيْن، وَمن رِوَايَته أَيْضا من حَدِيث السَّائِب
بن يزِيد: (شهرا أَمَامِي وشهراً خَلْفي) ، وَخص بالشهرين
لِأَن الله تَعَالَى خص نَبينَا صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
بخصائص لم يشركها غَيره، فَكَانَ الرعب فِي هَذِه
الْمدَّة، وَإِن حصل لِسُلَيْمَان، عَلَيْهِ السَّلَام،
فِي الرّيح {غدوها شهر ورواحها شهر} (سبأ: 21) . وَنصر
الله تَعَالَى إِيَّاه بِالرُّعْبِ مِمَّا خصّه الله بِهِ،
وفضله وَلم يؤته أحدا غَيره. فَإِن قلت: لم اقْتصر هَهُنَا
على الشَّهْر؟ قلت: لِأَنَّهُ لم يكن بَينه وَبَين الممالك
الْكِبَار أَكثر من ذَلِك: كالشام وَالْعراق ومصر واليمن،
فَإِن بَين الْمَدِينَة النَّبَوِيَّة وَبَين وَاحِدَة من
هَذِه الممالك شهرا ودونه.
وقوْلِهِ جَلَّ وعَزَّ {سَنُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ
كَفَرُوا الرُّعْبَ بِمَا أشْرَكُوا بِاللَّه} (آل عمرَان)
: 151) .
وَقَوله، بِالْجَرِّ عطف على: قَول النَّبِي صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم، وَمن معجزاته وخصائصه صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم الرعب الَّذِي أَلْقَاهُ الله تَعَالَى فِي قُلُوب
الْكفَّار بِسَبَب مَا أشركوا بِاللَّه، وَلِهَذَا جعل
الله لَهُ الْفَيْء بضعه حَيْثُ يَشَاء، لِأَنَّهُ وصل
إِلَيْهِ من قبل الرعب الَّذِي فِي قُلُوبهم مِنْهُ،
والفيء: كل مَال لم يوجف عَلَيْهِ بخيل وَلَا ركاب، وَهُوَ
مَا خلا عَنهُ أَهله وتركوه من أجل الرعب، وَكَذَا مَا
صَالحُوا عَلَيْهِ من جِزْيَة أَو خراج من وُجُوه
الْأَمْوَال.
قَالَ جابِرٌ عنِ النَّبِيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
أَي: قَالَ جَابر بن عبد الله حَدِيث: (نصرت بِالرُّعْبِ)
، وَأَشَارَ بِهِ إِلَى مَا أخرجه مَوْصُولا فِي أول كتاب
التَّيَمُّم من حَدِيث يزِيد الْفَقِير، قَالَ: أخبرنَا
جَابر بن عبد الله أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
قَالَ: (أَعْطَيْت خمْسا لم يعطهنَّ أحد قبلي: نصرت
بِالرُّعْبِ، مسيرَة شهر) الحَدِيث. قَالَ الْكرْمَانِي:
فَإِن قلت: كثير من النَّاس يخَافُونَ من الْمُلُوك من
مَسَافَة شهر! قلت: هَذَا لَيْسَ بِمُجَرَّد الْخَوْف بل
بالنصرة وَالظفر بالعدو.
7792 - حدَّثنا يَحْيَى بنُ بُكَيْرٍ قَالَ حدَّثنا
اللَّيْثُ عنْ عُقَيْلٍ عنِ ابنِ شِهَابٍ عنْ سَعِيدِ بنِ
المُسَيَّبِ عَن أبِي هُرَيْرَةَ رَضِي الله تَعَالَى عنهُ
أنَّ رسولَ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ بُعِثْتُ
بِجَوَامِع الكَلِمِ ونُصِرْت بِمَفَاتِيحِ خَزَائِنِ
الأرْضِ فوُضِعَتْ فِي يَدِي قَالَ أبُو هُرَيْرَةَ وقدْ
ذَهَبَ بالرُّعْب فبَيْنَا أنَا نَائِمٌ أُتيتُ رسولَ الله
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وأنْتُمْ تَنْتَثِلُونَها..
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (نصرت بِالرُّعْبِ) .
وَرِجَاله قد تكَرر ذكرهم. والْحَدِيث أخرجه البُخَارِيّ
أَيْضا فِي التَّعْبِير عَن سعيد ابْن عفير.
قَوْله: (بجوامع الْكَلم) ، قَالَ ابْن التِّين: جَوَامِع
الْكَلم الْقُرْآن لِأَنَّهُ يَقع فِيهِ الْمعَانِي
الْكَثِيرَة بالألفاظ القليلة، وَكَذَلِكَ يَقع فِي
الْأَحَادِيث النَّبَوِيَّة الْكثير من ذَلِك. وَقَالَ
الْخطابِيّ: مَعْنَاهُ إيجاز الْكَلَام فِي إشباع
الْمعَانِي. قلت: الْإِضَافَة فِي: جَوَامِع الْكَلم، من
إِضَافَة الصّفة إِلَى الْمَوْصُوف، هِيَ: الْكَلِمَة
الموجزة لفظا المتسعة معنى، يَعْنِي: يكون اللَّفْظ
قَلِيلا وَالْمعْنَى كثيرا. وَقَالُوا: فِيهِ الْحَث على
اسْتِخْرَاج تِلْكَ الْمعَانِي وتبيين تِلْكَ الدقائق
المودعة فِيهَا. وَقَالَ ابْن شهَاب، فِيمَا ذكره
الْإِسْمَاعِيلِيّ: بَلغنِي أَن جَوَامِع الْكَلم: أَن
الله تَعَالَى يجمع لَهُ الْأُمُور الْكَثِيرَة الَّتِي
كَانَت تكْتب فِي الْكتب قبله فِي الْأَمر الْوَاحِد أَو
الْأَمريْنِ أَو نَحْو ذَلِك، قَوْله: (فَبينا) ، قد
ذكرنَا غير مرّة أَن أَصله: بَين، فأشبعت فَتْحة النُّون
بِالْألف، وَهِي تُضَاف إِلَى الْجُمْلَة: (وأتيت) جَوَاب
على صِيغَة الْمَجْهُول. قَوْله: (بمفاتيح خَزَائِن
الأَرْض) ، قَالَ ابْن التِّين: يحْتَمل أَن يُرِيد
بِهَذَا مَا فتح الله لأمته بعده فغنموه واستباحوا
خَزَائِن الْمُلُوك المدخرة، وَهُوَ مَا جزم بِهِ ابْن
بطال، وَقَالَ: يحْتَمل أَن يُرِيد الأَرْض الَّتِي فِيهَا
الْمَعَادِن، وَلَا شكّ أَن الْعَرَب كَانَت أقل النَّاس
وَأَقل الْأُمَم أَمْوَالًا، فبشرهم بِأَن أَمْوَال كسْرَى
وَقَيْصَر تصير إِلَيْهِم وهم الَّذين يملكُونَ الخزائن،
وَهَكَذَا وَقعت. قَوْله: (تنتثلونها) ، بِفَتْح التَّاء
الْمُثَنَّاة من فَوق وَسُكُون النُّون وَفتح التَّاء
الْأُخْرَى كَذَلِك وَكسر الثَّاء الْمُثَلَّثَة، على وزن
تفتعلونها من بَاب الافتعال وَمَعْنَاهُ: تستخرجونها من
موَاضعهَا، وثلاثيه من: تثلث الْبِئْر وانتلثها إِذا
استخرجت ترابها، وَكَذَلِكَ
(14/235)
نثلث كِنَانَتِي إِذا استخرجت مَا فِيهَا
من النبل، وَقيل: النثل ترك شَيْء بِمرَّة وَاحِدَة، وَفِي
(التَّوْضِيح) وَفِي رِوَايَة: وَأَنْتُم ترغثونها أَي:
تستخرجون درها وترضعونها، وَمعنى الحَدِيث أَنه صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم ذهب وَلم ينل مِنْهَا شَيْئا، بل قسم مَا
أدْرك مِنْهَا بَيْنكُم وآثركم بهَا، ثمَّ أَنْتُم
تنتثلونها على حسب مَا وَعدكُم.
8792 - حدَّثنا أبُو اليَمَانِ أخْبَرَنَا شُعَيْبٌ عنِ
الزُّهْرِيِّ قَالَ أخْبَرَنِي عُبَيْدُ الله بنُ عَبْدِ
الله أنَّ ابنَ عَبَّاسٍ رَضِي الله تَعَالَى عنهُما
أخْبَرَهُ أنَّ أبَا سُفْيَانَ أخْبَرَهُ أنَّ هِرَقْلَ
أرْسَلَ إلَيْهِ وهُمْ بإيلياءَ الله صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم فلَمَّا فَرَغَ مِنْ قِرَاءَةِ الكِتَابِ كثُرَ
عِنْدَهُ الصَّخَبُ فارْتَفَعَتْ ثُمَّ دَعَا بِكِتابِ
رَسُول الأصْوَاتُ وأُخْرِجْنَا فقُلْتُ لأِصْحَابِي حِينَ
أُخْرِجْنَا لَقَدْ أمَرَ أمْرُ ابنِ أبِي كَبْشَةَ إنَّهُ
يَخَافُهُ مَلِكُ بَنِي الأصْفَرِ..
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (إِنَّه يخافه ملك بني
الْأَصْفَر) ، وَقيل: مُنَاسبَة دُخُول حَدِيث أبي
سُفْيَان فِي هَذَا الْبَاب هَذِه اللَّفْظَة، لِأَن بَين
الْحجاز وَالشَّام مسيرَة شهر أَو أَكثر، وَقد تقدم هَذَا
الحَدِيث بِطُولِهِ فِي بَدْء الْوَحْي فِي أول الْكتاب.
321 - (بابُ حَمْلِ الزَّادِ فِي الغَزْوِ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان جَوَاز حمل الزَّاد فِي
الْغَزْو، وَهُوَ لَا يُنَافِي التَّوَكُّل.
وَقَوْلِ الله تَعَالَى {وتَزَوَّدُوا فإنَّ خَيْرَ
الزَّادِ التَّقْوَى} (الْبَقَرَة: 791) .
وَقَول الله بِالْجَرِّ عطفا على قَوْله: (حمل الزَّاد) ،
روى النَّسَائِيّ عَن سعيد بن عبد الرَّحْمَن المَخْزُومِي
عَن سُفْيَان ابْن عُيَيْنَة عَن عَمْرو بن دِينَار عَن
عِكْرِمَة عَن ابْن عَبَّاس، قَالَ: كَانَ نَاس يحجون
بِغَيْر زادٍ، فَأنْزل الله تَعَالَى: {وتزودوا فَإِن خير
الزَّاد التَّقْوَى} (الْبَقَرَة: 791) . وَعَن ابْن
عَبَّاس أَيْضا، قَالَ: كَانَ نَاس من أهل الْيمن يحجون
وَلَا يتزودون وَيَقُولُونَ: نَحن المتوكلون، فَأنْزل الله
تَعَالَى: {وتزودوا فَإِن خير الزَّاد التَّقْوَى}
(الْبَقَرَة: 791) . وَلما أَمرهم بالزاد للسَّفر فِي
الدُّنْيَا أرشدهم إِلَى زَاد الْآخِرَة واستصحاب
التَّقْوَى إِلَيْهَا.
9792 - حدَّثنا عُبَيْدُ بنُ إسْمَاعِيلَ قَالَ حدَّثنا
أبُو أُسَامَةَ عنْ هِشَامٍ قَالَ أخبَرَنِي أبِي
وحدَّثَتْنِي أَيْضا فاطِمَةُ عنْ أسْمَاءَ رَضِي الله
تَعَالَى عنهَا قالَتْ صَنَعْتُ سُفْرَةَ رسولِ الله صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم فِي بَيْتِ أبِي بَكْرٍ حينَ أرَادَ
أنْ يُهَاجِرَ إلَى المَدِينَةِ قالَتْ فَلَمْ تَجِدْ
لِسُفْرَتِهِ ولاَ لِسِقَائِهِ مَا نَرْبُطُهُمَا بِهِ
فَقُلْتُ لأِبِي بَكْر وَالله ماأجِدُ بِهِ إلاَّ نِطَاقِي
قَالَ فَشُقِّيهِ باثْنَيْنِ فارْبُطِيهِ بِوَاحِدٍ
السِّقَاءَ وبالآخَرِ السُّفْرَةَ فَفَعَلْتُ فلِذَلِكَ
سُمِّيتْ ذَاتَ النِّطَاقَيْنِ.
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (فَلم نجد لسفرته وَلَا
لسقائه مَا نربطهما بِهِ) فَإِنَّهُ يدل على حمل الزَّاد
لأجل السّفر. فَإِن قلت: لَيْسَ فِيهِ سفر الْغَزْو،
فَأَيْنَ الْمُطَابقَة؟ قلت: قَاس سفر الْغَزْو عَلَيْهِ.
وَعبيد، بِضَم الْعين مصغر عبد: ابْن إِسْمَاعِيل، واسْمه
فِي الأَصْل، عبد الله، يكنى: أَبَا مُحَمَّد الْهَبَّاري
الْقرشِي الْكُوفِي، وَهُوَ من أَفْرَاده، وَأَبُو
أُسَامَة حَمَّاد بن أُسَامَة، وَهِشَام هُوَ ابْن
عُرْوَة، يروي عَن أَبِيه عُرْوَة بن الزبير بن الْعَوام،
وَفَاطِمَة هِيَ بنت الْمُنْذر زَوْجَة هِشَام، وَأَسْمَاء
هِيَ بنت أبي بكر الصّديق، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ.
والْحَدِيث أخرجه البُخَارِيّ أَيْضا فِي هِجْرَة النَّبِي
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن عبد الله بن أبي شيبَة،
وَإِنَّمَا قَالَ هِشَام فِي رِوَايَته عَن أَبِيه:
أَخْبرنِي، وَفِي رِوَايَته عَن زَوجته فَاطِمَة:
حَدَّثتنِي، لِأَنَّهُ سمع من فَاطِمَة وَقَرَأَ على
الْوَالِد، أَو للتفنن والاحتراز عَن التّكْرَار.
(14/236)
قَوْله: (سفرة) ، بِضَم السِّين
الْمُهْملَة، قَالَ ابْن الْأَثِير: السفرة طَعَام
يَتَّخِذهُ الْمُسَافِر، وَأكْثر مَا يحمل فِي جلد مستدير،
فَنقل اسْم الطَّعَام إِلَى الْجلد وَسمي بِهِ، كَمَا سميت
المزادة راوية، وَغير ذَلِك من الْأَسْمَاء المنقولة.
قَوْله: (وَلَا لسقائه) ، بِكَسْر السِّين، وَهُوَ ظرف
المَاء من الْجلد، وَيجمع على: أسقية، والسقاية إِنَاء
يشرب فِيهِ. قَوْله: (إلاَّ نطاقي) ، بِكَسْر النُّون،
وَهُوَ: شقة تلبسها الْمَرْأَة. قَالَ ابْن الْأَثِير:
النطاق هُوَ أَن تلبس الْمَرْأَة ثوبها ثمَّ تشد وَسطهَا
بِشَيْء وترفع وسط ثوبها وترسله على الْأَسْفَل عِنْد
معاناة الأشغال، لِئَلَّا تعثر فِي ذيلها، وَبِه سميت
أَسمَاء بنت أبي بكر، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا، ذَات
النطاقين، وَقيل: لِأَنَّهَا كَانَت تطارق نطاقاً فَوق
نطاق، وَقيل: كَانَ لَهَا نطاقان تلبس أَحدهمَا وَتحمل فِي
الآخر الزَّاد إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
وَأبي بكر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، وهما فِي الْغَار،
وَقيل: شقَّتْ نطاقها نِصْفَيْنِ فاستعملت أَحدهمَا وَجعلت
الآخر شداداً لزادهما. قَوْله: (فَلذَلِك سميت) ، على
صِيغَة الْمَجْهُول من الْمَاضِي، ويروى على صِيغَة
الْمُتَكَلّم على صِيغَة الْمَجْهُول أَيْضا.
0892 - حدَّثنا علِيُّ بنُ عَبْدِ الله قَالَ أخبرنَا
سُفْيانُ عنْ عَمْرٍ وَقَالَ أَخْبرنِي عَطَاءٌ قَالَ
سَمِعَ جابِرَ بنَ عبْدِ الله رَضِي الله تَعَالَى عنهُما
قَالَ كُنَّا نَتَزَوَّدُ لُحُومَ الأضَاحِي علَى عَهْدِ
النَّبِيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَى المَدِينَةِ..
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (كُنَّا نتزود) إِلَى
آخِره، وَقد ذكرنَا فِي مُطَابقَة الحَدِيث الْمَاضِي أَنه
قَاس سفر الْغَزْو عَلَيْهِ، وَهَهُنَا كَذَلِك.
وَعلي بن عبد الله هُوَ ابْن الْمَدِينِيّ، وسُفْيَان هُوَ
ابْن عُيَيْنَة، وَعَمْرو هُوَ ابْن دِينَار، وَعَطَاء
هُوَ ابْن أبي رَبَاح.
والْحَدِيث أخرجه البُخَارِيّ أَيْضا عَن عَليّ بن عبد
الله أَيْضا فِي الْأَضَاحِي وَفِي الْأَطْعِمَة عَن عبد
الله بن مُحَمَّد. وَأخرجه مُسلم فِي الْأَضَاحِي عَن أبي
بكر بن أبي شيبَة. وَأخرجه النَّسَائِيّ فِي الْحَج عَن
قُتَيْبَة عَن سُفْيَان بِهِ وَعَن مُحَمَّد بن عبد
الْأَعْلَى.
وَيُسْتَفَاد مِنْهُ أَشْيَاء: الأول: فِيهِ دَلِيل على
مَشْرُوعِيَّة التزود فِي السّفر مُطلقًا. وَفِيه: رد على
مَا يَدعِيهِ أهل البطالة من الصُّوفِيَّة والمخرفة على
النَّاس باسم التَّوَكُّل وَترك التزود. الثَّانِي: فِيهِ
جَوَاز التزود من لُحُوم الْأَضَاحِي، وروى مُسلم من
حَدِيث أبي الزبير عَن جَابر عَن النَّبِي صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم أَنه: نهى عَن أكل لُحُوم الْأَضَاحِي بعد
ثَلَاث، ثمَّ قَالَ بعد: كلوا وتزودوا وَادخرُوا.
الثَّالِث فِيهِ: جَوَاز الْأكل من لُحُوم الْأَضَاحِي
وَلَو كَانَ المضحي غَنِيا، لِأَن التزود يسْتَلْزم الْأكل
عَادَة.
1892 - حدَّثنا مُحَمَّدُ بنُ الْمُثَنَّى قَالَ حدَّثنا
عبْدُ الوَهَّابِ قَالَ سَمِعْتُ يَحْيَى قَالَ أخبرَنِي
بُشَيْرُ ابنُ يَسارٍ أنَّ سُوَيْدَ بنَ النُّعْمَانِ
رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ أخْبَرَهُ أنَّهُ خَرَجَ مَعَ
النَّبِيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عامَ خَيْبَرَ حتَّى
إذَا كانُوا بالصَّهْبَاءِ وهْيَ مِنْ خَيْبَرَ وهْيَ
أدْنَى خَيْبَرَ فَصَلُّوا العَصْرَ فدَعَا النبيُّ صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم بالأطْعِمَةِ فَلَمْ يُؤْتَ النبيُّ
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إلاَّ بِسَوِيقٍ فَلُكْنا
فأكَلْنَا وشَرِبنَا ثُمَّ قَالَ النَّبيُّ صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم فَمَضْمَضَ ومَضْمَضْنَا وصَلَّيْنَا..
مطابقته للتَّرْجَمَة تُؤْخَذ من موضِعين: الأول: من
قَوْله: (فَدَعَا النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
بالأطعمة) فَهَذَا يدل على أَنه كَانَ مَعَهم الزَّاد.
وَالثَّانِي: من قَوْله: (إِلَّا بسويق) وَهَذَا زَاد
كَانَ مَعَهم، وهم فِي الْغَزْو، وَعبد الْوَهَّاب هُوَ
ابْن عبد الْمجِيد الثَّقَفِيّ، وَيحيى بن سعيد
الْأنْصَارِيّ، وَبشير بِضَم الْبَاء الْمُوَحدَة وَفتح
الشين الْمُعْجَمَة: ابْن يسَار ضد الْيَمين والْحَدِيث مر
فِي كتاب الْوضُوء فِي: بَاب من مضمض من السويق، وَمضى
الْكَلَام فِيهِ هُنَاكَ. قَوْله: (فلكنا) بِضَم اللَّام
وَسُكُون الْكَاف، يُقَال: لكت اللُّقْمَة ألوكها فِي فمي
لوكاً، والسويق: دَقِيق الْقَمْح المقلو أَو الشّعير أَو
الذّرة أَو الدخن.
2892 - حدَّثنا بِشْرُ بنُ مَرْحُومٍ قَالَ حدَّثنا حاتِمُ
بنُ إسْمَاعِيلَ عنْ يَزِيدَ بنِ أبِي عُبَيْدٍ عنْ
سَلَمَةَ رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ قَالَ خَفَّتْ
أزْوَادُ النَّاسِ وأمْلَقُوا فأتَوُا النَّبِيَّ صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم فِي نَحْرِ
(14/237)
إبِلِهِمْ فأذِنَ لَهُمْ فلَقِيَهُمْ عُمَرُ فأخْبَرُوهُ
فَقَالَ مَا بَقَاؤكُمْ بَعْدَ إبِلِكُمْ فدَخَلَ عُمَرُ
علَى النَّبِيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ يَا
رسولَ الله مَا بَقاؤهُمْ بَعْدَ إبِلِهِمْ قَالَ رسولُ
الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم نادِ فِي النَّاسِ يأتُونَ
بِفَضْلِ أزْوَادِهمْ فدَعا وبَرَّكَ علَيْهِ ثُمَّ
دَعاهُمْ بأوْعِيَتِهِمْ فاحْتَثَى النَّاسُ حتَّى فرَغُوا
ثُمَّ قَالَ رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أشْهَدُ
أنْ لَا إلاه إلاَّ الله وأنِّي رَسُولُ الله.
(انْظُر الحَدِيث 4842) .
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (خفَّت أزواد النَّاس)
وَكَذَا فِي قَوْله: (بِفضل أَزْوَادهم) وَبشر، بِكَسْر
الْبَاء الْمُوَحدَة وَسُكُون الشين الْمُعْجَمَة: ابْن
مَرْحُوم، بِالْحَاء الْمُهْملَة، وَقد مر فِي البيع
وَهُوَ من أَفْرَاده، و: خَاتم، بِالْحَاء الْمُهْملَة
وَكسر التَّاء الْمُثَنَّاة من فَوق: ابْن إِسْمَاعِيل
الْكُوفِي، وَيزِيد من الزِّيَادَة مولى سَلمَة بن
الْأَكْوَع، يروي عَن مَوْلَاهُ، وَقد مضى الحَدِيث فِي:
بَاب الشّركَة فِي الطَّعَام، بِعَين هَذَا الإساد والمتن،
وَفِيه بعض زِيَادَة.
قَوْله: (وأملقوا) أَي: افتقروا، وَالْمعْنَى هُنَا: فني
زادهم. قَوْله: (فِي نحر إبلهم) أَي: بِسَبَب نحر إبلهم،
وَفِيه حذف تَقْدِيره: فاستأذنوه فِي نحر إبلهم. قَوْله:
(مَا بقاؤهم بعد إبلهم) أَي: بعد نحر إبلهم، يُشِير بذلك
إِلَى غَلَبَة الهلكة على الراجل. قَوْله: (يأْتونَ) قَالَ
بَعضهم: أَي فهم يأْتونَ، فَلذَلِك رَفعه. قلت: كَونه
حَالا أوجه على مَا لَا يخفى. قَوْله: (وبرك) ،
بِالتَّشْدِيدِ أَي: دَعَا بِالْبركَةِ. قَوْله:
(عَلَيْهِ) ، أَي: على الطَّعَام، هَذِه رِوَايَة
الْكشميهني، وَفِي رِوَايَة غَيره: عَلَيْهِم. قَوْله:
(فاحتثى النَّاس) ، من الاحتثاء من الحثي، بِالْحَاء
الْمُهْملَة والثاء الْمُثَلَّثَة: وَهُوَ الحفن
بِالْيَدِ. قَوْله: (قَالَ رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم) إِلَى آخِره إِشَارَة إِلَى أَن ظُهُور المعجزة
مِمَّا يُؤَيّد الرسَالَة، لِأَن المعجزات مُوجبَات
للشهادات على صدق الْأَنْبِيَاء عَلَيْهِم الصَّلَاة
وَالسَّلَام.
وَفِيه: حسن خلق رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
وإجابته إِلَى مَا يلْتَمس مِنْهُ أَصْحَابه وإجراؤهم على
الْعَادة البشرية فِي الِاحْتِيَاج إِلَى الزَّاد فِي
السّفر. وَفِيه: منقبة ظَاهِرَة لعمر بن الْخطاب، رَضِي
الله تَعَالَى عَنهُ، دَالَّة على يقينه بإجابة دُعَاء
رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وعَلى حسن نظره
للْمُسلمين، وَقَالَ ابْن بطال: استنبط مِنْهُ بعض
الْفُقَهَاء أَنه يجوز للْإِمَام فِي الغلاء إِلْزَام مَا
عِنْده من فَاضل قوته أَن يُخرجهُ للْبيع لما فِي ذَلِك من
صَلَاح النَّاس. |