عمدة القاري شرح صحيح البخاري

421 - (بابُ حَمْلِ الزَّادِ علَى الرِّقَابِ)

أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان مَا جَاءَ من حمل الزَّاد على الرّقاب عِنْد تعذر حمله على الدَّوَابّ.

3892 - حدَّثني صَدَقَةُ بنُ الفَضْلِ قَالَ أخْبَرَنَا عَبْدَةُ عنْ هِشَامٍ عنْ وهْبِ بنِ كَيْسانَ عنْ جابِرٍ رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ قَالَ خَرَجْنَا ونَحْنُ ثَلَثُمِائَةٍ نَحْمِلُ زَادَنَا علَى رِقَابِنَا فَفَنِدَ زَادُنا حتَّى كَانَ الرُّجُلُ مِنَّا يأكُلُ فِي كلِّ يَوْمٍ تَمْرَةً قَالَ رَجُلٌ يَا أبَا عَبْدِ الله وأيْنَ كاَنَتِ التَّمْرَةُ تَقَعُ مِنَ الرُّجُلِ قَالَ لَقَدْ وَجَدْنا فَقْدَها حِينَ فَقَدْنَاهَا حتَّى أتَيْنا البَحْرَ فإذَا حُوتٌ قَدْ قَذَفَهُ البَحْرُ فأكَلْنَا مِنْهَا ثَمانِيَةَ عَشَرَ يَوْمَاً مَا أحْبَبْنا..
وَجه الْمُطَابقَة بَين الحَدِيث والترجمة فِي قَوْله: (وَنحن ثَلَاثمِائَة نحمل زادنا على رقابنا) . وَعَبدَة، بِفَتْح الْعين وَسُكُون الْبَاء الْمُوَحدَة: ابْن سُلَيْمَان، قد مر فِي الصَّلَاة وَهِشَام بن عُرْوَة، وَجَابِر بن عبد الله الْأنْصَارِيّ وَفِي بعض النّسخ: أَبوهُ مَذْكُور مَعَه. والْحَدِيث مر فِي أول: بَاب الشّركَة، فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ: عَن عبد الله بن يُوسُف عَن مَالك عَن وهب بن كيسَان ... إِلَى آخِره، وَقد مضى الْكَلَام فِيهِ هُنَاكَ. قَوْله: (لقد وجدنَا فقدها) أَي: حزَّنا على فقدها يُقَال: وجد عَلَيْهِ يجد وجدا وموجدة: إِذا حزن، وَوجد الشَّيْء يجده وجداناً: إِذا لقِيه. قَوْله: (مَا أحببنا) ، أَي: مَا اشتهينا.

(14/238)


521 - (بابُ إرْدَافِ المَرْأةِ خَلْفَ أخِيها)

أَي: هَذَا بَاب فِيمَا جَاءَ من جَوَاز إرداف الْمَرْأَة خلف أَخِيهَا، يُقَال: أردفته إردافاً: إِذا أركبته مَعَك، والردف، بِكَسْر الرَّاء، المرتدف: وَهُوَ الَّذِي يركب خلف الرَّاكِب.

4892 - حدَّثنا عَمْرُو بنُ عَلِيّ قَالَ حدَّثنا أبُو عاصِمٍ قَالَ حدَّثنا عُثْمانُ ابنُ الأسْوَدِ قَالَ حدَّثنا ابنُ أبي مُلَيْكَةَ عنْ عائِشَةَ رَضِي الله تَعَالَى عنهَا أنَّهَا قالَتْ يَا رسولَ الله يَرْجِعُ أصْحَابُكَ بأجْرِ حَجٍّ وعُمْرَةٍ ولَمْ أزِدْ علَى الحَجِّ فقالَ لَهَا اذْهَبِي ولْيُرْدِفْكِ عبدُ الرَّحْمانِ فأمَرَ عبْدَ الرَّحْمانِ أنْ يُعْمِرَهَا مِنْ التَّنْعِيمِ فانْتَظَرَهَا رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِأعْلَى مَكَّةَ حَتَّى جاءَتْ..
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (إذهبي وليردفك عبد الرَّحْمَن) ، وَهُوَ أَخُوهَا ابْن أبي بكر الصّديق، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُم، وَعَمْرو، بِفَتْح الْعين: ابْن عَليّ بن بَحر أَبُو حَفْص الْبَاهِلِيّ الْبَصْرِيّ الصَّيْرَفِي، وَأَبُو عَاصِم النَّبِيل، واسْمه الضَّحَّاك وَهُوَ أحد مَشَايِخ البُخَارِيّ يروي عَنهُ كثيرا بِدُونِ الْوَاسِطَة، وَعُثْمَان بن الْأسود الحَجبي، مر فِي الشّركَة، وَابْن أبي مليكَة، بِضَم الْمِيم: هُوَ عبد الله ابْن عبيد الله بن أبي مليكَة، وَاسم أبي مليكَة زُهَيْر، وَقد تكَرر ذكره، وَقد مضى الْبَحْث فِيهِ فِي: بَاب الْعمرَة لَيْلَة الحصبة، وَفِي: بَاب عمْرَة التَّنْعِيم، وَفِي كتاب الْحيض أَيْضا.
قَوْله: (وليردفك) ، بِضَم الْيَاء: من الإرداف، وَقد مر مَعْنَاهُ. قَوْله: (أَن يعمرها) أَي: بِأَن يعمرها بِضَم الْيَاء من الإعمار. قَوْله: (من التَّنْعِيم) بِفَتْح التَّاء الْمُثَنَّاة من فَوق وَسُكُون النُّون: مَوضِع من جِهَة الشَّام على ثَلَاثَة أَمْيَال من مَكَّة شرفها الله، عز وَجل.

5892 - حدَّثني عَبْدُ الله قَالَ حدَّثنا ابنُ عُيَيْنَةَ عنْ عَمْرِو بنِ دِينارٍ عنْ عَمْرِو بنِ أوْسٍ عنْ عَبْدِ الرَّحْمانِ بنِ أبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ رَضِي الله تَعَالَى عنهُما قَالَ أمَرَنِي النبِيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أنْ أُرْدِفَ عائِشَةَ وأُعْرَهَا مِنَ التَّنْعِيم.
(انْظُر الحَدِيث 4771) .
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة، وَعبد الله هُوَ ابْن مُحَمَّد الْمَعْرُوف بالمسندي، وَابْن عُيَيْنَة هُوَ سُفْيَان بن عُيَيْنَة، وَعَمْرو بن أَوْس، مضى فِي التَّهَجُّد. والْحَدِيث أخرجه البُخَارِيّ أَيْضا فِي الْحَج، وَقد مضى شَرحه هُنَاكَ.

621 - (بابُ الإرْتِدَافِ فِي الغَزْوِ والحَجِّ)

أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان مَا جَاءَ من الارتداف فِي الْغَزْو، أَي: فِي سفرة الْغُزَاة وسفرة الْحَج.

6892 - حدَّثنا قُتَيْبَةُ بنُ سَعِيدٍ قَالَ حدَّثنا عبدُ الوَهَّابِ قَالَ حدَّثنا أيُّوبُ عنْ أبِي قِلاَبَةَ عنْ أنَسٍ رَضِي الله تَعَالَى عنهُ قَالَ كُنْتُ رَدِيفَ أبي طَلْحَةَ وإنَّهُمْ لَيَصْرُخُونَ بِهِمَا جَمِيعاً الحَجِّ والعُمْرَةِ..
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة، وَيُقَاس الْغَزْو على الْحَج، وَعبد الْوَهَّاب الثَّقَفِيّ وَأَيوب السّخْتِيَانِيّ وَأَبُو قلَابَة، بِكَسْر الْقَاف عبد الله بن زيد الْجرْمِي. وَحَدِيث أنس هَذَا أخرجه البُخَارِيّ فِي الْحَج مقطعاً فِي مَوَاضِع. قَوْله: (ليصرخون) اللَّام فِيهِ للتَّأْكِيد، ويصرخون أَي: يرفعون أَصْوَاتهم بهما، أَي: يرفعون أَصْوَاتهم بهما، أَي: بِالْحَجِّ وَالْعمْرَة جَمِيعًا. قَوْله: (الْحَج وَالْعمْرَة) بِالْجَرِّ بدل من الضَّمِير، وَيجوز بِالنّصب على الِاخْتِصَاص، وبالرفع على أَنه خبر مُبْتَدأ مَحْذُوف، وَالتَّقْدِير: أَحدهمَا الْحَج وَالْآخر الْعمرَة.

721 - (بابُ الرِّدْفِ عَلَى الحِمارِ)

أَي: هَذَا بَاب فِيمَا جَاءَ من الردف على الْحمار، والردف بِكَسْر الرَّاء المرتدف، وَهُوَ الَّذِي يركب خلف الرَّاكِب.

7892 - حدَّثنا قُتَيْبَةُ قَالَ حدَّثنا أبُو صَفْوَانَ عنْ يُونُسَ بنِ يَزِيدَ عنِ ابنِ شِهابٍ عنْ عُرْوَةَ

(14/239)


عَن أُسَامَةَ بنِ زَيْدٍ رَضِي الله تَعَالَى عنهُما أنَّ رسوُلَ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم رَكِبَ علَى حِمَارٍ علَى إكَافٍ علَيْهِ قَطِيفَةٌ وأرْدَفَ أُسَامَةَ ورَاءَهُ..
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة، وَهُوَ ركُوب النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، الْحمار وإردافه أُسَامَة وَأَبُو صَفْوَان عبد الله بن سعيد الْأمَوِي.
والْحَدِيث أخرجه البُخَارِيّ أَيْضا فِي اللبَاس عَن قُتَيْبَة عَن أبي صَفْوَان، وَفِي التَّفْسِير وَفِي الْأَدَب عَن أبي الْيَمَان عَن شُعَيْب وَفِي الطِّبّ عَن يحيى بن بكير عَن إِسْمَاعِيل بن أبي أويس وَفِي الاسْتِئْذَان عَن إِبْرَاهِيم بن مُوسَى. وَأخرجه مُسلم فِي الْمَغَازِي عَن إِسْحَاق وَمُحَمّد بن رَافع وَعبد وَعَن مُحَمَّد بن رَافع، وَأخرجه النَّسَائِيّ فِي الطِّبّ عَن هِشَام بن عمار.
قَوْله: (على إكاف) بِكَسْر الْهمزَة، وَيُقَال فِيهِ: وكاف، بِدَلِيل: أوكفت الدَّابَّة، وَيجمع على: أكف. قَوْله: (قطيفة) ، وَهِي دثار مخمل.
وَفِيه: تواضع النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، من وُجُوه ركُوبه الْحمار وركوبه على قطيفة وإردافه الْغُلَام. وَفِيه: الْبَيَان أَنه النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، مَعَ مَحَله من الله، عز وَجل، منزلَة لم يكن يرفع نَفسه على الردف على الدَّابَّة، وَكَانَ يردف لنتأسى بِهِ فِي ذَلِك أمته، فَلَا يأنفوا مِمَّا لم يكن يأنف مِنْهُ رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَلَا يستنكف مِنْهُ مِمَّا لم يستنكف. وَفِيه: فضل أُسَامَة.

8892 - حدَّثني يَحْيَى بنُ بُكَيْرٍ قَالَ حدَّثَنا اللَّيْثُ قَالَ يُونُسُ أخْبَرَنِي نافِعٌ عنْ عَبْدِ الله رَضِي الله تَعَالَى عنهُ أنَّ رسوُلَ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أقْبَلَ يَوْمَ الفَتْحِ مِنْ أعْلَى مَكَّةَ علَى رَاحِلَتِهِ مُرْدِفاً أُسامَةَ بنَ زَيْدٍ ومَعَهُ بِلالٌ ومَعَهُ عُثْمَانُ بنُ طَلْحَةَ مِنَ الحَجَبَةِ حتَّى أنَاخَ فِي المَسْجِدِ فأمَرَهُ أنْ يأتِي بِمِفْتَاحِ البَيْتِ ففَتَحَ ودَخَلَ رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ومَعَهُ أُسَامَةُ وبِلالٌ وعُثْمَانُ فمَكَثَ فِيهَا نَهَاراً طَوِيلاً ثُمَّ خَرَجَ فاسْتَبَقَ النَّاسُ وكانَ عَبْدُ الله بنُ عُمَرَ أوَّلَ منْ دَخَلَ فوَجَدَ بِلالاً ورَاءَ البَابِ قائِماً فسَألَهُ أيْنَ صَلَّى رسوُلُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فأشَارَ إِلَى المَكَانِ الَّذِي صلَّى فيهِ. قَالَ عَبْدُ الله فنَسِيتُ أنْ أسْألَهُ كَمْ صلَّى مِنْ سَجْدَةٍ..
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (مردفاً أُسَامَة بن زيد) فَإِن قلت: التَّرْجَمَة فِي الردف على الْحمار، وَهنا الردف على الرَّاحِلَة؟ قلت: كِلَاهُمَا فِي نفس الارتداف سَوَاء، وَالْفرق فِي الدَّابَّة وتواضعه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي إردافه على الْحمار أقوى وَأعظم من إردافه على الرَّاحِلَة، فَيلْحق هَذَا بِذَاكَ. وَرِجَاله قد تكَرر ذكرهم. والْحَدِيث أخرجه البُخَارِيّ أَيْضا فِي الْمَغَازِي. وَقَالَ اللَّيْث: قَوْله: (من الحجبة؟) ، جمع الْحَاجِب، أَي: حجبة الْكَعْبَة وسدنتها وبيدهم مفتاحها. قَوْله: (فَفتح) ، فِيهِ حذف تَقْدِيره: فَأتى بالمفتاح فَفتح بِهِ الْكَعْبَة. قَوْله: (فَاسْتَبق النَّاس) أَي: فتسابقوا. قَوْله: (أَيْن صلى؟) قد سبق الْكَلَام فِي الصَّلَاة بَين من أثبت ثلاته صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَبَين من نفاها.

821 - (بابُ مَنْ أخذَ بالرِّكَابِ ونَحْوِهِ)

أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان فضل من أَخذ بالركاب أَي: بركاب الرَّاكِب. قَوْله: (وَنَحْوه) ، مثل الْإِعَانَة على الرّكُوب وتعديل قماشه وَنَحْو ذَلِك، فَإِن هَذِه الْأَشْيَاء من الْفَضَائِل، وَقد أَخذ ابْن عَبَّاس بركاب زيد بن ثَابت، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُم، فَقَالَ لَهُ: لَا تفعل يَا ابْن عَم رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ: هَكَذَا أمرنَا أَن نَفْعل بعلمائنا، فَأخذ زيد بن عَبَّاس فقبلها، فَقَالَ لَهُ: لَا تفعل، فَقَالَ: هَكَذَا أمرنَا أَن نَفْعل بآل رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم.

(14/240)


9892 - حدَّثني إسْحَاقُ قَالَ أخبرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ قَالَ أخْبرنا مَعْمَرٌ عنْ هَمَّامٍ عنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِي الله تَعَالَى عنهُ قَالَ قَالَ رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كُلُّ سُلاَمَى مِنَ النَّاسِ علَيْهِ صَدَقَةٌ ويُعِينُ الرَّجُلَ عَلى دَابَّتِهِ فَيَحْمِلُ علَيْهَا أوْ يَرْفَعُ عَلَيْهَا متَاعَهُ صَدَقَةٌ والكَلِمَةُ الطَّيِّبَةُ صَدَقَةٌ وكُلُّ خَطْوَةٍ يَخْطُوهَا إِلَى الصَّلاَةِ صَدَقَةٌ ويُمِيطُ الأذَى عنِ الطَّرِيقِ صَدَقَةٌ.
(انْظُر الحَدِيث 7072 وطرفه) .
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (ويعين الرجل على دَابَّته فَيحمل عَلَيْهَا) ، فَإِن إِعَانَة الرجل تتَنَاوَل أَخذه بالركاب وَغَيره.
وَإِسْحَاق هَذَا هُوَ ابْن مَنْصُور بن بهْرَام الكوسج أَبُو يَعْقُوب الْمروزِي، أَو إِسْحَاق بن نصر، وَهُوَ إِسْحَاق بن إِبْرَاهِيم بن نصر النجاري، لِأَن هَذَا الْإِسْنَاد بِعَيْنِه قد مر فِي الْمَوْضِعَيْنِ. أَحدهمَا: فِي كتاب الصُّلْح فِي: بَاب فضل الْإِصْلَاح بَين النَّاس حَيْثُ قَالَ: حَدثنَا إِسْحَاق أخبرنَا عبد الرَّزَّاق أخبرنَا معمر عَن همام عَن أبي هُرَيْرَة، قَالَ: قَالَ رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (كل سلامي من النَّاس) الحَدِيث. وَالْآخر: فِي الْجِهَاد فِي: بَاب فضل من حمل مَتَاع صَاحبه فِي السّفر، حَيْثُ قَالَ: حَدثنِي إِسْحَاق بن نصر حَدثنَا عبد الرَّزَّاق عَن معمر عَن همام عَن أبي هُرَيْرَة عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، قَالَ: (كل سلامي عَلَيْهِ صَدَقَة) الحَدِيث. وَعين هُنَا نِسْبَة إِسْحَاق حَيْثُ قَالَ: حَدَّثَنى إِسْحَاق بن نصر، وَهُنَاكَ قَالَ فِي أَكثر النّسخ: حَدثنَا إِسْحَاق مُجَردا من غير نِسْبَة، وَفِي بعض النّسخ، قَالَ: حَدثنَا إِسْحَاق بن مَنْصُور، وَالَّذِي يظْهر من مُغَايرَة الْمُتُون أَن المُرَاد بِإسْحَاق هُنَا هُوَ إِسْحَاق بن مَنْصُور، وكل من إسحاقين هذَيْن يروي عَن عبد الرَّزَّاق، وَقد مضى الْكَلَام فِي هَذَا الحَدِيث فِي الْمَوْضِعَيْنِ الْمَذْكُورين، ونعيد الْكَلَام هُنَا تكثيراً للفائدة.
فَقَوله: (كل سلامي) ، كَلَام إضافي مُبْتَدأ. وَقَوله: (عَلَيْهِ صَدَقَة) ، جملَة من الْمُبْتَدَأ وَالْخَبَر خبر للمبتدأ الأول. قَوْله: (عَلَيْهِ) ، كَانَ الْقيَاس فِيهِ أَن يُقَال: عَلَيْهَا، لِأَن السلَامِي مُؤَنّثَة، وَلَكِن هُنَا جَاءَ على وفْق لفظ: كل، أَو ضمن لفظ: سلامي، معنى الْعظم أَو الْمفصل، فَأَعَادَ الضَّمِير عَلَيْهِ لذَلِك، والسلامي، بِضَم السِّين وَتَخْفِيف اللَّام مَقْصُور: وَهُوَ عظم الْأَصَابِع. قَوْله: (كل يَوْم) ، نصب على الظّرْف. قَوْله: (يعدل) ، أَي: يصلح بِالْعَدْلِ، وَهُوَ مُبْتَدأ تَقْدِيره: أَن يعدل مثل قَوْله: وَتسمع بالمعيدي خير من أَن ترَاهُ. قَوْله: (أَو يرفع عَلَيْهَا) ، شكّ من الرَّاوِي أَو للتنويع. قَوْله: (وكل خطْوَة يخطوها إِلَى الصَّلَاة صَدَقَة) ، أَي: يرفع لَهُ بهَا دَرَجَة ويحط عَنهُ خَطِيئَة، وَلِهَذَا حث الشَّارِع على كَثْرَة الخطى إِلَى الْمَسَاجِد وَترك الْإِسْرَاع فِي السّير إِلَيْهِ. قَوْله: (وتميط الْأَذَى) ، أَي: تزيل، يُقَال: مَاطَ الرجل الشَّيْء يميطه ميطاً وإماطة إِذا أزاله، وَيُقَال: أماط الله عَنْك الْأَذَى إِذا دَعَوْت بزواله، قَالَه الْقَزاز، وَهُوَ قَول الْكسَائي، وَأنْكرهُ الْأَصْمَعِي، وَقَالَ: مطيته أَنا وأمطيت غَيْرِي، فَافْهَم.

921 - (بابُ كَرَاهِيَةِ السَّفَرِ بالْمَصَاحِفِ إِلَى أرْضِ العَدُوِّ)

أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان كَرَاهِيَة السّفر ... إِلَى آخِره، وَلَفظ كَرَاهِيَة غير مَوْجُودَة إلاَّ فِي رِوَايَة الْمُسْتَمْلِي. وَقَالَ بَعضهم: الْمُسْتَمْلِي أثبت فِي رِوَايَته لفظ: كَرَاهِيَة، وبثبوتها ينْدَفع الْإِشْكَال الْآتِي. قلت: أَرَادَ بالإشكال مَا قَالَه ابْن بطال: إِن تَرْتِيب هَذَا الْكتاب وَقع فِيهِ غلط من النَّاسِخ، وَأَن الصَّوَاب أَن يقدم حَدِيث مَالك قبل قَوْله: وَكَذَلِكَ يروي عَن مُحَمَّد بن بشر إِلَى آخِره انْتهى. قلت: إِنَّمَا قَالَ ابْن بطال مَا قَالَه بِنَاء على أَن التَّرْجَمَة: بَاب السّفر بالمصاحف إِلَى أَرض الْعَدو، وَكَذَلِكَ هِيَ عِنْد أَكثر الروَاة. بَيَان وَجه استشكاله أَن قَوْله: كَذَلِك يرْوى عَن مُحَمَّد بن بشر، يَقْتَضِي تقدم شَيْء حَتَّى يشار إِلَيْهِ بقوله: كَذَلِك، وَلم يتَقَدَّم شَيْء وَقَالَ هَذَا الْقَائِل: وَمَا ادَّعَاهُ ابْن بطال من الْغَلَط مَرْدُود، لِأَنَّهُ أَشَارَ بقوله إِلَى لفظ التَّرْجَمَة كَمَا بَينته من رِوَايَة الْمُسْتَمْلِي. قلت: لم يكن مَا قَالَه على مَا وَقع فِي رِوَايَة الْمُسْتَمْلِي كَمَا ذَكرْنَاهُ، وَلِأَن التَّقْدِير على رِوَايَة الْأَكْثَرين: بَاب السّفر بالمصاحف إِلَى أَرض الْعَدو وَهل يكره أم لَا؟ فَلَا يَسْتَقِيم قَوْله: وَكَذَلِكَ، يرْوى عَن مُحَمَّد بن بشر، بِكَسْر الْبَاء الْمُوَحدَة وَسُكُون الشين الْمُعْجَمَة، على مَا لَا يخفى على المتأمل.
وكذَلِكَ يُرْوَى عنْ مُحَمَّدِ بنِ بِشْرٍ عنْ عُبَيْدِ الله عنْ نافِعٍ عنِ ابنِ عُمَرَ عنِ النَّبِيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم

(14/241)


وَكَذَلِكَ أَي: كالمذكور فِي التَّرْجَمَة من كَرَاهِيَة السّفر بالمصاحف إِلَى أَرض الْعَدو يرْوى عَن مُحَمَّد بن بشر، بِكَسْر الْبَاء الْمُوَحدَة وَسُكُون الشين الْمُعْجَمَة: ابْن الفرافصة أَبُو عبد الله الْعَبْدي من عبد الْقَيْس الْكُوفِي، وَعبيد الله بن عبد الله ابْن عمر بن الْخطاب، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُم، وَرِوَايَة مُحَمَّد بن بشر هَذِه وَصلهَا إِسْحَاق بن رَاهَوَيْه فِي مُسْنده عَنهُ، وَلَفظه: كره رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَن يُسَافر بِالْقُرْآنِ إِلَى أَرض الْعَدو مَخَافَة أَن يَنَالهُ الْعَدو، وَأَرَادَ بِالْقُرْآنِ الْمُصحف، لِأَن الْقُرْآن الْمنزل على الرَّسُول الْمَكْتُوب فِي الْمَصَاحِف الْمَنْقُول عَنهُ نقلا متواتراً بِلَا شُبْهَة، وَهَذَا لَا يُمكن السّفر بِهِ، فَدلَّ على أَن المُرَاد بِهِ الْمُصحف الْمَكْتُوب فِيهِ الْقُرْآن.
وتابَعَهُ ابنُ إسْحَاقَ عنْ نافِعٍ عنِ ابنِ عُمَرَ عنِ النَّبِيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
أَي: تَابع مُحَمَّد بن بشر مُحَمَّد بن إِسْحَاق صَاحب (الْمَغَازِي) عَن نَافِع عَن عبد الله بن عمر عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، ومتابعته إِيَّاه فِي كَرَاهِيَة السّفر بالمصحف إِلَى أَرض الْعَدو، وَإِنَّمَا ذكر الْمُتَابَعَة لأجل زِيَادَة من زَاد فِي الحَدِيث: مَخَافَة أَن يَنَالهُ الْعَدو زاعماً أَنَّهَا مَرْفُوعَة لِأَنَّهَا لم تصح عِنْده وَلَا عِنْد مَالك مَرْفُوعَة، وَقَالَ الْمُنْذِرِيّ: رَوَاهُ بَعضهم من حَدِيث ابْن مهْدي والقعنبي عَن مَالك، فأدرج هَذِه الزِّيَادَة فِي الحَدِيث، وَقد اخْتلف عَن القعْنبِي فِي هَذِه الزِّيَادَة فَمرَّة بيَّن أَنَّهَا قَول مَالك، وَمرَّة يدرجها فِي الحَدِيث، وَرَوَاهُ يحيى بن يحيى النَّيْسَابُورِي عَن مَالك يذكر هَذِه الزِّيَادَة الْبَتَّةَ، وَقد رفع هَذِه الْكَلِمَات أَيُّوب وَاللَّيْث وَالضَّحَّاك بن عُثْمَان الْحزَامِي عَن نَافِع عَن ابْن عمر، وَقَالَ بَعضهم: يحْتَمل أَن مَالِكًا شكّ: هَل هِيَ من قَول سيدنَا رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أم لَا؟ فَجعل بتحريه هَذِه الزِّيَادَة من كَلَامه على التَّفْسِير، وإلاَّ فَهِيَ صَحِيحَة من قَول سيدنَا رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من رِوَايَة غَيره.
وقَدْ سافَرَ النبِيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وأصْحَابُهُ فِي أرْضِ العَدُوِّ وهُمْ يَعْلَمُونَ القُرْآنَ
أَرَادَ البُخَارِيّ بِهَذَا الْكَلَام أَن المُرَاد بِالنَّهْي عَن السّفر بِالْقُرْآنِ السّفر بالمصحف خشيَة أَن يَنَالهُ الْعَدو لَا السّفر بِالْقُرْآنِ نَفسه، وَقد ذكرنَا آنِفا أَن السّفر بِنَفس الْقُرْآن لَا يُمكن، وَإِنَّمَا المُرَاد بالقران الْمُصحف، وَقَالَ الدَّاودِيّ: لَا حجَّة فِيمَا ذكره البُخَارِيّ، وَقد روى مُفَسرًا نهي أَن يُسَافر بالمصحف، رَوَاهُ ابْن مهْدي عَن مَالك وَعبيد الله عَن نَافِع عَن ابْن عمر. وَقَالَ الْإِسْمَاعِيلِيّ: مَا كَانَ أغْنى البُخَارِيّ عَن هَذَا الأستدلال، لم يقل أحد أَن من يحسن الْقُرْآن لَا يَغْزُو الْعَدو فِي دَاره، وَقيل: الِاسْتِدْلَال بِهَذَا على التَّرْجَمَة ضَعِيف، لِأَنَّهَا وَاقعَة عين، ولعلهم تعلمُونَ تلقيناً وَهُوَ الْغَالِب حِينَئِذٍ، فعلى هَذَا يقْرَأ: يعلمُونَ، بِالتَّشْدِيدِ. وَقَالَ الْكرْمَانِي. قَوْله: (يعلمُونَ) ، من الْعلم، وَفِي بعض الرِّوَايَة من التَّعْلِيم، وَقَالَ صَاحب (التَّوْضِيح) : لَكِن رَأَيْته فِي أصل الدمياطي بِفَتْح الْيَاء، وَأجَاب الْمُهلب: بِأَن فَائِدَة ذَلِك أَنه أَرَادَ أَن يبين أَن نَهْيه عَن السّفر بِهِ إِلَيْهِم لَيْسَ على الْعُمُوم وَلَا على كل الْأَحْوَال، وَإِنَّمَا هُوَ فِي العساكر والسرايا الَّتِي لَيست مَأْمُونَة، وَأما إِذا كَانَ فِي الْعَسْكَر الْعَظِيم فَيجوز حمله إِلَى أَرضهم، وَلِأَن الصَّحَابَة كَانَ بَعضهم يعلم بَعْضًا لأَنهم لم يَكُونُوا مستظهرين لَهُ، وَقد يُمكن أَن يكون عِنْد بَعضهم صحف فِيهَا قُرْآن يعلمُونَ مِنْهَا، فاستدل البُخَارِيّ أَنهم فِي تعلمهمْ كَانَ فيهم من يتَعَلَّم بِكِتَاب، فَلَمَّا جَازَ تعلمه فِي أَرض الْعَدو بِكِتَاب وَبِغير كتاب كَانَ فِيهِ إِبَاحَة لحمله إِلَى أَرض الْعَدو إِذا كَانَ عسكراً مَأْمُونا، وَهَذَا قَول أبي حنيفَة، وَلم يفرق مَالك بَين الْعَسْكَر الْكَبِير وَالصَّغِير فِي ذَلِك، وَحكى ابْن الْمُنْذر عَن أبي حنيفَة الْجَوَاز مُطلقًا. قلت: لَيْسَ كَذَلِك، الْأَصَح هُوَ الأول: وَقَالَ ابْن سَحْنُون. قلت لأبي: أجَاز بعض الْعِرَاقِيّين الْغَزْو بالمصاحف فِي الْجَيْش الْكَبِير بِخِلَاف السّريَّة، قَالَ سَحْنُون: لَا يجوز ذَلِك لعُمُوم النَّهْي، وَقد يَنَالهُ الْعَدو فِي غَفلَة.

0992 - حدَّثنا عَبْدُ الله بنُ مَسْلَمَةَ عنْ مَالِكٍ عنْ نافِعٍ عنْ عَبْدِ الله بنِ عُمَرَ رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا أنَّ رسولَ الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم نَهَى أنْ يُسَافَرَ بالقُرْآنِ إِلَى أرْضِ العَدُوِّ.
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة، لِأَن المُرَاد بِالْقُرْآنِ الْمُصحف كَمَا ذَكرْنَاهُ.
والْحَدِيث أخرجه مُسلم، قَالَ: حَدثنَا يحيى بن يحيى، قَالَ:

(14/242)


قَرَأت على مَالك عَن نَافِع عَن ابْن عمر، قَالَ: نهى رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَن يُسَافر بِالْقُرْآنِ، إِلَى أَرض الْعَدو. وَفِي رِوَايَة لَهُ عَن اللَّيْث عَن نَافِع عَن عبد الله بن عمر عَن رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: أَنه كَانَ ينْهَى أَن يُسَافر بِالْقُرْآنِ إِلَى أَرض الْعَدو، وَيخَاف أَن يَنَالهُ الْعَدو، وَفِي رِوَايَة لَهُ عَن أَيُّوب عَن نَافِع عَن ابْن عمر، قَالَ: قَالَ رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: لَا تسافروا بِالْقُرْآنِ، فَإِنِّي لَا أَمن أَن يَنَالهُ الْعَدو. وَأخرجه أَبُو دَاوُد، وَترْجم أَولا بقوله: بَاب فِي الْمُصحف يُسَافر بِهِ إِلَى أَرض الْعَدو، ثمَّ قَالَ: حَدثنَا عبد الله بن مسلمة القعْنبِي عَن مَالك عَن نَافِع: أَن عبد الله بن عمر، قَالَ: نهى رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، أَن يُسَافر بِالْقُرْآنِ إِلَى أَرض الْعَدو. وَقَالَ مَالك: أرَاهُ مَخَافَة أَن يَنَالهُ الْعَدو. وَأخرجه ابْن مَاجَه: حَدثنَا أَحْمد بن سِنَان وَأَبُو عمر: قَالَا: حَدثنَا عبد الرَّحْمَن بن مهْدي عَن مَالك بن أنس عَن نَافِع عَن ابْن عمر: أَن رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، نهى أَن يُسَافر بِالْقُرْآنِ إِلَى أَرض الْعَدو مَخَافَة أَن يَنَالهُ الْعَدو. قَالَ أَبُو عمر: قَالَ يحيى بن يحيى الأندلسي، وَيحيى بن بكير وَأكْثر الروَاة عَن مَالك، قَالَ مَالك: أرَاهُ مَخَافَة أَن يَنَالهُ الْعَدو، وَجعلُوا التَّعْلِيل من كَلَامه وَلم يرفعوه، وَأَشَارَ إِلَى أَن ابْن وهب تفرد بِرَفْع هَذِه الزِّيَادَة. انْتهى. قلت: رفع هَذِه الزِّيَادَة مُسلم وَابْن مَاجَه، كَمَا ذَكرْنَاهُ، فصح أَن هَذِه الزِّيَادَة مَرْفُوعَة وَلَيْسَت بمدرجة، وَأما نِسْبَة هَذِه الزِّيَادَة إِلَى مَالك فِي رِوَايَة أبي دَاوُد فَإِنَّهَا لَا تعادل رِوَايَة مُسلم من طَرِيق اللَّيْث وَأَيوب بنسبتها إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَلَئِن سلمنَا التَّسَاوِي فَيحْتَمل أَن مَالِكًا كَانَ يجْزم بِهَذِهِ الزِّيَادَة أَولا، ثمَّ لما شكّ فِي رَفعهَا جعلهَا تَفْسِيرا من عِنْده، وَالله أعلم.

031 - (بابُ التَّكْبِيرِ عِنْدَ الحَرْبِ)

أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان مَشْرُوعِيَّة التَّكْبِير عِنْد الْحَرْب.

1992 - حدَّثنا عبْدُ الله بنُ مُحَمَّدٍ قَالَ حدَّثنا سُفْيانُ عنْ أيُّوبَ عنْ مُحَمَّدٍ عنْ أنَسٍ رَضِي الله تَعَالَى عنهُ قَالَ صَبَّحَ النَّبِيُّ خَيْبَرَ وقَدْ خَرَجُوا بِالمَسَاحِي علَى أعْنَاقِهِمْ فلَمَّا رَأوْا قالُوا هَذَا مُحَمَّدٌ والخَميسُ مُحَمَّدٌ والخَمِيسُ فلَجَأوُا إِلَى الحِصْنِ فرَفَعَ النَّبِيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَدَيْهِ وَقَالَ الله أكْبَرُ خَرِبَتْ خَيْبَرُ إنَّا إذَا نَزَلْنَا بِساحَةِ قَوْمٍ فَساءَ صَباحُ الْمُنْذِرِينَ وأَصَبْنَا حُمُرَاً فطَبَخْنَاهَا فَنَادى مُنَادِي النَّبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إنَّ الله ورسُولَهُ يَنْهَيَانِكُمْ عنْ لُحُومِ الحُمُرِ فأُكْفِئَتْ القُدُورُ بِمَا فِيها..
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (ألله أكبر خربَتْ خَيْبَر) وَعبد الله شَيْخه هُوَ المسندي، وسُفْيَان هُوَ ابْن عُيَيْنَة، وَأَيوب هُوَ السّخْتِيَانِيّ وَمُحَمّد هُوَ ابْن سِيرِين، وَقد مر صدر هَذَا الحَدِيث قبل هَذَا بعدة أَبْوَاب فِي: بَاب دُعَاء النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَى الْإِسْلَام، فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ من حَدِيث حميد عَن أنس. وَأما حَدِيث مُحَمَّد بن سِيرِين فَإِنَّهُ أخرجه أَيْضا فِي عَلَامَات النُّبُوَّة عَن عَليّ بن عبد الله وَفِي الْمَغَازِي عَن صَدَقَة بن الْفضل، وَأخرجه النَّسَائِيّ فِي الصَّيْد عَن مُحَمَّد بن عبد الله بن يزِيد. وَأخرجه ابْن ماجة فِي الذَّبَائِح عَن مُحَمَّد بن يحيى عَن عبد الرَّزَّاق.
قَوْله: (وأصبنا حمراً) بِضَم الْحَاء وَالْمِيم: جمع حمَار. قَوْله: (فَنَادَى مُنَادِي النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم) إِلَى آخِره. الَّذِي كَانَ نَادَى بِالنَّهْي عَن لُحُوم الْحمر الْأَهْلِيَّة هُوَ أَبُو طَلْحَة، كَمَا هُوَ الْمَذْكُور عِنْد مُسلم، قَالَ: حَدثنَا مُحَمَّد بن الْمنْهَال الضَّرِير، قَالَ: حَدثنَا يزِيد بن زُرَيْع، قَالَ: حَدثنَا هِشَام بن حسان عَن مُحَمَّد بن سِيرِين عَن أنس بن مَالك، قَالَ: لما كَانَ يَوْم خَيْبَر جَاءَ رجل فَقَالَ يَا رَسُول الله أكلت الْحمر ثمَّ جَاءَ آخر فَقَالَ يَا رَسُول الله افنيت الْحمر فَأمر رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَبَا طَلْحَة فَنَادَى: (إِن الله وَرَسُوله ينهيانكم عَن لُحُوم الْحمر، فَإِنَّهَا رِجْس أَو نجس) . قَالَ: فأكفئت الْقُدُور بِمَا فِيهَا. قَوْله: (وَالْخَمِيس) ، أَي: الْجَيْش، وَقد ذَكرْنَاهُ. قَوْله: (مُحَمَّد وَالْخَمِيس) ، بالتكرار وَهُوَ صَحِيح. قَوْله: (فلجأوا إِلَى الْحصن) ، أَي: تحَصَّنُوا بحصن خَيْبَر، وَقد روى سُفْيَان عَن أَيُّوب فِي هَذَا الحَدِيث: (حالوا إِلَى الْحصن) ، أَي: تحولوا لَهُ، يُقَال: حلت عَن الْمَكَان إِذا تحولت عَنهُ، وَمثله أحلّت عَنهُ. قَوْله: (ينهيانكم) ،

. قَوْله: (فأكفئت الْقُدُور بِمَا فِيهَا) ،

(14/243)


أَي: قلبت ونكست، وَقَالَ ابْن الْأَثِير: يُقَال: كفأت الْإِنَاء وأكفأته، إِذا كببته وَإِذا أملته لتفرغ مَا فِيهَا.
وَيُسْتَفَاد من هَذَا الحَدِيث: حُرْمَة أكل لحم الْحمر الْأَهْلِيَّة. وَاخْتلفت الْأَحَادِيث فِي سَبَب النَّهْي على خَمْسَة أوجه. الأول: مَا ذكره مُسلم فِي حَدِيث أنس: (فَإِنَّهَا رِجْس أَو نجس) . وَالثَّانِي: كَونهَا حمولة للنَّاس على مَا ذكر فِي حَدِيث ابْن مَسْعُود: (نهى عَنْهَا لِأَنَّهَا كَانَت حمولة) ، وَهُوَ وَإِن كَانَ ضَعِيفا فَهُوَ مَذْكُور فِي حَدِيث ابْن عَبَّاس الْمُتَّفق عَلَيْهِ، لَا أَدْرِي أنهى عَنهُ من أجل أَنَّهَا كَانَت حمولة للنَّاس، فكره أَن تذْهب حمولتهم أَو حرمه، وَفِي بعض طرقه فِي (المعجم الْكَبِير) للطبراني: (حرمتهَا مَخَافَة قلَّة الظّهْر) ، وَفِي حَدِيث ابْن عمر عِنْد مُسلم: (وَكَانَ النَّاس احتاجوا إِلَيْهَا) . وَالثَّالِث: كَونهَا لم تخمس، فَفِي حَدِيث ابْن أبي أوفى الْمُتَّفق عَلَيْهِ، فَقَالَ فِيهِ: (وَلَا تَأْكُلُوا من لُحُوم الْحمر شَيْئا) . قَالَ: فَقَالَ نَاس: إِنَّمَا نهى عَنْهَا رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لِأَنَّهَا لم تخمس، وَقَالَ آخَرُونَ: (نهى عَنْهَا أَلْبَتَّة) . الرَّابِع: كَونهَا جلالة فروى ابْن مَاجَه فِي حَدِيث ابْن أبي أوفى: (إِنَّمَا حرمهَا رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَلْبَتَّة من أجل أَنَّهَا كَانَت جلالة تَأْكُل الْعذرَة) . وروى أَبُو دَاوُد فِي حَدِيث غَالب بن أبحر: (فَإِنَّمَا حرمتهَا من جوال الْقرْيَة) . وَالْخَامِس: كَونهَا انتهبت. وَلم تقسم، فروى الطَّبَرَانِيّ بِإِسْنَاد جيد من حَدِيث ثَعْلَبَة بن الحكم، قَالَ: فَسَمعته ينْهَى عَن النهبة، فَأمر بالقدود فاكقئت من لُحُوم الْحمر الْأَهْلِيَّة وَالتَّعْلِيل بِالنَّجَاسَةِ قَاض على هَذِه الْعِلَل كلهَا فهيء مُؤثرَة بِنَفسِهَا وَذهب قوم، مِنْهُم عَاصِم بن عمر بن قَتَادَة وَعبيد بن الْحسن وَعبد الرَّحْمَن بن أبي ليلى إِلَى إِبَاحَة أكل لُحُوم الْحمر الْأَهْلِيَّة. وَاحْتَجُّوا فِيهِ بِحَدِيث أبحر أَو ابْن أبحر، أَنه قَالَ: يَا رَسُول الله! إِنَّه لم يبْق من مَالِي شَيْء أَسْتَطِيع أَن أطْعمهُ أَهلِي إلاَّ حمر لي، قَالَ: (فأطعم أهلك من سمين مَالك، فَإِنَّمَا كرهت لكم جوال الْقرْيَة) . رَوَاهُ الطَّحَاوِيّ وَأَبُو يعلى وَالطَّبَرَانِيّ، وَقَالَ جُمْهُور الْعلمَاء من التَّابِعين وَمن بعدهمْ، مِنْهُم أَبُو حنيفَة وَمَالك وَالشَّافِعِيّ وَأحمد وأصحابهم: يحرم أكل لُحُوم الْحمر الْأَهْلِيَّة، وَاحْتَجُّوا فِي ذَلِك بِحَدِيث الْبَاب، وَمَا جَاءَ بِهِ نَحوه، وَبِه قَالَت الظَّاهِرِيَّة، وَحَدِيث أبحر مُخْتَلف فِي إِسْنَاده اخْتِلَافا شَدِيدا.
وَقَالَ الْبَيْهَقِيّ: هُوَ مَعْلُول، وَقَالَ ابْن حزم: هُوَ بِطرقِهِ بَاطِل لِأَنَّهَا كلهَا من طَرِيق عبد الرَّحْمَن بن بشر، وَهُوَ مَجْهُول، وَعَن عبد الله بن عَمْرو بن لؤيم، وَهُوَ مَجْهُول وَمن طَرِيق شريك، وَهُوَ ضَعِيف.
تابَعَهُ علِيٌّ عنْ سُفْيَانَ رَفَعَ النَّبِيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَدَيْهِ
يَعْنِي تَابع عبد الله بن مُحَمَّد المسندي عَليّ بن عبد الله الْمَعْرُوف بِابْن الْمَدِينِيّ شيخ البُخَارِيّ، وَقد أسْندهُ فِي عَلَامَات النُّبُوَّة عَنهُ عَن سُفْيَان، وَالله أعلم.

131 - (بابُ مَا يُكْرَهُ مِنْ رَفْعِ الصَّوْتِ فِي التَّكْبِيرِ)

أَي: هَذَا بَاب فِيهِ بَيَان مَا يكره وَكلمَة: من، بَيَانِيَّة.

2992 - حدَّثنا مُحَمَّدُ بنُ يُوسُفَ قَالَ حدَّثنا سُفْيانُ عنْ عاصِمٍ عنْ أبِي عُثْمَانَ عنْ أبِي مُوسى الأشْعَرِي رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ قَالَ كُنَّا مَعَ رسولِ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَكُنَّا إذَا أشْرَفْنَا علَى وادٍ هَلَّلْنَا وكَبَّرْنَا ارْتَفَعَتْ أصْوَاتُنَا فَقالَ النَّبِيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَا أيُّهَا النَّاسُ ارْبَعُوا علَى أنْفُسِكُمْ فإنَّكُمْ لاَ تَدْعُونَ أصَمَّ ولاَ غائِبَاً إنَّه مَعَكُمْ إنَّهُ سَمِيعٌ قَرِيبٌ تَبارَكَ اسْمُهُ وتَعَالَى جدُّهُ..
مطابقته للتَّرْجَمَة تُؤْخَذ من معنى الحَدِيث لِأَن حَاصِل الْمَعْنى فِيهِ أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كره رفع الصَّوْت بِالذكر وَالدُّعَاء.
وَمُحَمّد بن يُوسُف أَبُو أَحْمد البُخَارِيّ البيكندي، وَهُوَ من أَفْرَاده، وَالأَصَح أَنه مُحَمَّد بن يُوسُف الْفرْيَابِيّ، كَمَا نَص عَلَيْهِ أَبُو نعيم الْحَافِظ، وسُفْيَان هُوَ ابْن عُيَيْنَة، وَعَاصِم هُوَ الْأَحول، وَأَبُو عُثْمَان هُوَ عبد الرَّحْمَن بن مل النَّهْدِيّ الْكُوفِي، وَأَبُو مُوسَى عبد الله ابْن قيس الْأَشْعَرِيّ.
والْحَدِيث أخرجه البُخَارِيّ أَيْضا فِي الْمَغَازِي عَن مُوسَى بن إِسْمَاعِيل وَفِي الدَّعْوَات وَفِي التَّفْسِير عَن سُلَيْمَان بن حَرْب وَفِي الدَّعْوَات أَيْضا عَن مُحَمَّد بن مقَاتل. وَأخرجه مُسلم فِي الدَّعْوَات عَن ابْن نمير وَإِسْحَاق بن إِبْرَاهِيم

(14/244)


وَأبي سعيد الْأَشَج وَعَن أبي بكر وَعَن أبي كَامِل وَعَن مُحَمَّد بن عبد الْأَعْلَى وَعَن خلف بن هِشَام وَعَن أبي الرّبيع الزهْرَانِي وَعَن إِسْحَاق بن إِبْرَاهِيم وَعَن إِسْحَاق بن مَنْصُور. وَأخرجه أَبُو دَاوُد فِيهِ عَن مُوسَى بن إِسْمَاعِيل وَعَن مُسَدّد وَعَن أبي صَالح مَحْبُوب بن مُوسَى. وَأخرجه التِّرْمِذِيّ فِيهِ عَن مُحَمَّد بن بشار. وَأخرجه النَّسَائِيّ فِي النعوت عَن أَحْمد بن حَرْب وَعَن مُحَمَّد ابْن بشار وَعَن مُحَمَّد بن حَاتِم وَفِي السّير وَفِي التَّفْسِير عَن عَمْرو بن عَليّ وَبشر بن هِلَال وَعَن عَبدة بن عبد الله وَفِي الْيَوْم وَاللَّيْلَة عَن حميد بن مسْعدَة وَعَن مُحَمَّد بن بشار وهلال بن بشر وَعَن مُحَمَّد بن عبد الْأَعْلَى. وَأخرجه ابْن مَاجَه فِي ثَوَاب التَّسْبِيح عَن مُحَمَّد بن الصَّباح.
قَوْله: (إِذا أَشْرَفنَا) من قَوْلهم: أشرفت عَلَيْهِ إِذا طلعت عَلَيْهِ. قَوْله: (ارْتَفَعت أصواتنا) جملَة فعلية وَقعت حَالا بِتَقْدِير: قد، كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى: {أَو جاؤكم حصرت صُدُورهمْ} (النِّسَاء: 09) . أَي: قد حصرت. قَوْله: (إربعوا) بِكَسْر الْهمزَة وَفتح الْبَاء الْمُوَحدَة أَي: أرفقوا، وَقَالَ الْأَزْهَرِي عَن يَعْقُوب: ربع الرجل يربع إِذا وَقع وانحبس، وَقَالَ اللَّيْث: يُقَال: أَربع على نَفسك وَأَرْبع عَلَيْك أَي: انْتظر. وَقَالَ الْخطابِيّ: يُرِيد: أَمْسكُوا عَن الْجَهْر، وقفُوا عَنهُ، وَقَالَ ابْن قرقول: اعطفوا عَلَيْهَا بالرفق بهَا والكف عَن الشدَّة، وَيُقَال: أصل الْكَلِمَة من قَوْلك: ربع الرجل بِالْمَكَانِ إِذا وقف عَن السّير وَأقَام بِهِ. قَوْله: (إِنَّه سميع) فِي مُقَابلَة الْأَصَم، قريب فِي مُقَابلَة الْغَائِب.
وَفِي الحَدِيث: كَرَاهَة رفع الصَّوْت بِالدُّعَاءِ، وَرُوِيَ من حَدِيث هِشَام عَن قَتَادَة عَن الْحسن عَن قيس بن عباد: كَانَ الصَّحَابَة يكْرهُونَ رفع الصَّوْت عِنْد الذّكر، وَعند الْقِتَال، وَعند الْجَنَائِز، وَفِي لفظ: وَرفع الْأَيْدِي عِنْد الدُّعَاء والقتال: وَقَالَ سعيد بن الْمسيب: ثَلَاث مِمَّا أحدث النَّاس: رفع الصَّوْت عِنْد الدُّعَاء، وَرفع الْأَيْدِي، واختصار السُّجُود، وَرَأى مُجَاهِد رجلا يرفع صَوته بِالدُّعَاءِ فَحَصَبه.

231 - (بابُ التَّسْبِيحِ إذَا هَبَطَ وادِياً)

أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان مَا يذكر من التَّسْبِيح إِذا هَبَط الْمُسَافِر فِي الْغَزْو أَو الْحَج أَو غَيرهمَا، وأضمر الْفَاعِل فِيهِ، والقرينة تدل عَلَيْهِ. قَوْله: (إِذا هَبَط) أَي: نزل (وَاديا) أَي: فِي وَاد.

3992 - حدَّثنا مُحَمَّدُ بنُ يُوسُفَ قَالَ حدَّثنا سُفْيَانُ عنْ حُصَيْنِ بنِ عبْدِ الرَّحْمانِ عنْ سالِمِ بنِ أبِي الجعْدِ عنْ جَابِرِ بنِ عَبْدِ الله رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا قَالَ كُنَّا إذَا صَعِدْنَا كَبَّرْنَا وَإذَا نَزَلْنا سبَّحْنَا.
(الحَدِيث 3992 طرفه فِي: 4992) .
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (وَإِذا نزلنَا سبحنا) وَالنُّزُول هُوَ الهبوط، وَمُحَمّد بن يُوسُف الْفرْيَابِيّ وسُفْيَان هُوَ ابْن عُيَيْنَة وحصين، بِضَم الْحَاء وَفتح الصَّاد الْمُهْمَلَتَيْنِ.
والْحَدِيث أخرجه البُخَارِيّ أَيْضا فِي الْبَاب الَّذِي يَلِيهِ. وَأخرجه النَّسَائِيّ فِي الْيَوْم وَاللَّيْلَة عَن أبي كريب وَعَن أَحْمد بن حَرْب.
قَوْله: (كُنَّا إِذا صعدنا) يَعْنِي: إِذا طلعنا موضعا عَالِيا مثل جبل وتل. قَوْله: (وَإِذا نزلنَا) ، يَعْنِي: إِلَى مَوضِع منخفض نَحْو الْوَادي، ثمَّ التَّكْبِير عِنْد الإشراف على الْمَوَاضِع الْعَالِيَة استشعاراً لكبرياء الله، عز وَجل، عِنْدَمَا يَقع عَلَيْهِ الْعين أَنه أكبر من كل شَيْء، وَأما التَّسْبِيح فِي الْمَوَاضِع المنخفضة فَهُوَ مستنبط من قَضِيَّة يُونُس، عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام، وتسبيحه فِي بطن الْحُوت، قَالَ الله تَعَالَى: {فلولا أَنه كَانَ من المسبحين للبث فِي بَطْنه إِلَى يَوْم يبعثون} (الصافات: 441) . فَنَجَّاهُ الله تَعَالَى بذلك من الظُّلُمَات، فامتثل الشَّارِع هَذَا التَّسْبِيح فِي بطُون الأودية لينجيه الله مِنْهَا وَمن أَن يُدْرِكهُ الْعَدو.

331

- (بابُ التَّكْبِير إذَا علاَ شَرَفاً
(
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان مَا يذكر من التَّكْبِير إِذا علا الْمُسَافِر فِي الْغَزْو أَو الْحَج أَو غَيرهمَا. قَوْله: (شرفاً) ، أَي: مَكَانا مشرفاً مرتفعاً.

331

- (بابُ التَّكْبِير إذَا علاَ شَرَفاً
(
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان مَا يذكر من التَّكْبِير إِذا علا الْمُسَافِر فِي الْغَزْو أَو الْحَج أَو غَيرهمَا. قَوْله: (شرفاً) ، أَي: مَكَانا مشرفاً مرتفعاً.

4992 - حدَّثنا مُحَمَّدٌ بنُ بَشَّارٍ قَالَ حدَّثنا ابنُ أبِي عَدِيٍّ عنْ شُعْبَةَ عنْ حُصَيْنِ عنْ سالِمٍ عنْ جابِرٍ رَضِي الله تَعَالَى عنهُ قَالَ كُنَّا إذَا صَعِدْنَا كَبَّرْنَا وإذَا تصَوَّبْنَا سبَّحْنَا..
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: إِذا صعدنا كبرنا، لِأَن مَعْنَاهُ: إِذا علونا مَكَانا عَالِيا مرتفعاً كبرنا، وَابْن أبي عدي هُوَ: مُحَمَّد بن أبي عدي

(14/245)


وَأَبُو عدي اسْمه: إِبْرَاهِيم السّلمِيّ، وحصين قد مر فِي الحَدِيث الْمَاضِي، وَكَذَلِكَ سَالم هُوَ ابْن أبي الْجَعْد. قَوْله: (وَإِذا تصوبنا) ، أَي: إِذا انحدرنا، والتصويب النُّزُول.

5992 - حدَّثنا عَبْدُ الله قَالَ حدَّثني عَبْدُ العَزِيزِ بنُ أبِي سلَمَةَ عنْ صالِحِ بنِ كَيْسَانَ عنْ سالِمِ بنَ عَبْدِ الله عنْ عَبْدِ الله بنِ عُمَرَ رَضِي الله تَعَالَى عنهُما قَالَ كانَ النَّبِيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِذا قفَلَ مِنَ الحَجِّ أوِ العُمْرَةِ وَلَا أعْلَمُهُ إلاَّ قَالَ الغَزْوَ يَقُولُ كُلَّمَا أوْفَى علَى ثَنِيَّةٍ أوْ فَدْفَدٍ كَبَّرَ ثَلاثَاً ثُمَّ قالَ لَا إلاه إلاَّ الله وحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ لَهُ المُلْكُ ولَهُ الحَمْدُ وهْوَ على كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ آيِبُونَ تائِبُونَ عابِدُونَ ساجِدُونَ لِرَبِّنَا حامِدُونَ صَدَق الله وعْدَهُ ونَصَرَ عَبْدَهُ وهَزَمَ الأحْزَابَ وحْدَهُ قالَ صالِحٌ فَقْلْتُ لَهُ ألَمْ يَقُلْ عبدُ الله إنْ شاءَ الله قالَ لَا..
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (كلما أوفى على ثنيةٍ أَو فدفدٍ كبر ثَلَاثًا) وَعبد الله زعم أَبُو مَسْعُود أَنه عبد الله بن صَالح، وَقَالَ الجياني: وَقع فِي رِوَايَة ابْن السكن عبد الله بن يُوسُف: وَقَالَ الْحَافِظ الْمزي فِي (الْأَطْرَاف) : قَالَ أَبُو مَسْعُود: وَهَذَا الحَدِيث رَوَاهُ النَّاس عَن عبد الله بن صَالح، وَقد روى أَيْضا عبد الله بن رَجَاء الْبَصْرِيّ وَالله أعلم أَيهمَا هُوَ.
والْحَدِيث أخرجه النَّسَائِيّ فِي الْحَج عَن مُحَمَّد بن عبد الله بن يزِيد الْمقري، وَفِي الْيَوْم وَاللَّيْلَة عَن مُحَمَّد بن مَنْصُور.
قَوْله: (إِذا قفل) أَي: إِذا رَجَعَ. قَوْله: (وَلَا أعلمهُ إِلَّا قَالَ الْغَزْو) وَهَذِه الْجُمْلَة كالإضراب عَن الْحَج وَالْعمْرَة. كَأَنَّهُ قَالَ: إِذا قفل من الْغَزْو. قَوْله: (يَقُول كلما أوفى) ، فَاعل: يَقُول: هُوَ عبد الله بن عمر، وَالضَّمِير فِي: أوفى، يرجع إِلَى رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَمعنى: أوفى، أَي: أشرف أَو علا. قَوْله: (على ثنية) ، بِفَتْح الثَّاء الْمُثَلَّثَة وَكسر النُّون وَتَشْديد الْيَاء آخر الْحُرُوف، وَهِي أَعلَى الْجَبَل، وَهُوَ مَا يرى مِنْهُ على الْبعد. وَقَالَ ابْن فَارس: الثَّنية من الأَرْض كالمرتفع، وَقَالَ الدَّاودِيّ: هِيَ الطَّرِيق الَّتِي فِي الْجبَال نَظِير الطَّرِيق بَين الجبلين. قَوْله: (أوفدفد) ، بفاءين بَينهمَا دَال مُهْملَة، وَهُوَ: الأَرْض الغليظة ذَات الْحَصَى لَا تزَال الشَّمْس تدف فِيهَا، قَالَه الْقَزاز، وَقَالَ ابْن فَارس: الأَرْض المستوية. وَقَالَ أَبُو عبيد: الفدفد الْمَكَان الْمُرْتَفع فِيهِ صلابة. قَوْله: (آيبون) ، خبر مُبْتَدأ مَحْذُوف أَي: نَحن آيبون، أَي: رَاجِعُون إِلَى الله، من آب يؤب أوباً إِذا رَجَعَ، وَكَذَلِكَ الْكَلَام فِي: تائبون وعابدون وساجدون. قَوْله: (لربنا) يحْتَمل تعلقه بحامدون أَو بساجدون أَو بهما أَو بِالصِّفَاتِ الْأَرْبَعَة الْمُتَقَدّمَة أَو بالخمسة على سَبِيل التَّنَازُع. قَوْله: (الْأَحْزَاب) ، اللَّام فِيهِ للْعهد، على طوائف الْعَرَب الَّتِي اجْتَمعُوا على محاربة رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم. قَوْله: (قَالَ صَالح) هُوَ ابْن كيسَان الرَّاوِي. قَوْله: (فَقلت لَهُ) أَي: لسالم بن عبد الله بن عمر. قَوْله: (ألم يقل عبد الله؟) هُوَ ابْن عمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا.

431 - (بابٌ يُكْتَبُ لِلْمُسَافِرِ مِثْلُ مَا كانَ يَعْمَلُ فِي الإقَامَةِ)

أَي: هَذَا بَاب يذكر فِيهِ يكْتب للْمُسَافِر مثل مَا كَانَ يعْمل فِي الْإِقَامَة إِذا كَانَ سَفَره فِي غير مَعْصِيّة.

6992 - حدَّثنا مَطَرُ بنُ الْفَضْلِ قالَ حدَّثنا يَزِيدُ بنُ هاارُونَ قَالَ حدَّثنا العَوَّامُ قالَ حدَّثنا إبْرَاهِيمُ أبُو إسْمَاعِيلُ السَّكْسَكِيُّ قَالَ سَمِعْتُ أبَا بُرْدَةَ واصْطَحَبَ هُوَ ويزِيدُ بنُ أبِي كَبْشَةَ فِي سَفَرٍ فَكانَ يَزِيدُ يَصُومُ فِي السَّفَرِ فَقال لَهُ أبُو بُرْدَةَ سَمِعْتُ أَبَا موساى مِرَاراً يقُولُ قَالَ رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إذَا مَرِضَ العَبْدُ أوْ سَافَرَ كُتِبَ لَهُ مِثْلُ مَا كانَ يَعْمَلُ مُقِيماً صَحِيحاً.
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (إِذا مرض العَبْد أَو سَافر) إِلَى آخِره.
ذكر رِجَاله وهم سَبْعَة: الأول: مطر بن الْفضل الْمروزِي. الثَّانِي: يزِيد من الزِّيَادَة ابْن هَارُون بن زادان الوَاسِطِيّ. الثَّالِث: الْعَوام، بِفَتْح الْعين الْمُهْملَة وَتَشْديد الْوَاو، ابْن حَوْشَب، بِالْحَاء الْمُهْملَة والشين الْمُعْجَمَة على وزن جَعْفَر. الرَّابِع: إِبْرَاهِيم بن عبد الرَّحْمَن أَبُو إِسْمَاعِيل السكْسكِي، بالسينين

(14/246)


الْمُهْمَلَتَيْنِ المفتوحتين بَينهمَا كَاف سَاكِنة، فِي كِنْدَة ينْسب إِلَى السكاسك بن أَشْرَس بن كِنْدَة. الْخَامِس: أَبُو بردة، بِضَم الْبَاء الْمُوَحدَة، واسْمه عَامر، وَقيل: الْحَارِث، وَقيل: اسْمه كنيته ابْن أبي مُوسَى الْأَشْعَرِيّ. السَّادِس: يزِيد من الزِّيَادَة ابْن أبي كَبْشَة، قَالَ الْمُنْذِرِيّ: شَامي، وَكَانَ عريف السكاسك، ولي خراج الْهِنْد لِسُلَيْمَان بن عبد الْملك، وَمَات فِي خِلَافَته. وَلَيْسَ لَهُ فِي البُخَارِيّ ذكر إلاَّ فِي هَذَا الْموضع، وَأَبوهُ أَبُو كَبْشَة روى عَن أبي الدَّرْدَاء، ذكر فِيمَن لَا يعرف اسْمه، وَقيل: اسْمه حَيْوِيل، بِفَتْح الْحَاء الْمُهْملَة وَسُكُون الْيَاء آخر الْحُرُوف وَكسر الْوَاو بعْدهَا يَاء أُخْرَى سَاكِنة وَفِي آخِره لَام. السَّابِع: أَبُو مُوسَى عبد الله بن قيس الْأَشْعَرِيّ.
والْحَدِيث أخرجه أَبُو دَاوُد فِي الْجَنَائِز عَن مُحَمَّد بن عِيسَى ومسدد.
قَوْله: (واصطحب هُوَ) أَي: أَبُو بردة، وَيزِيد فِي سفر. قَوْله: (وَكَانَ يزِيد يَصُوم فِي سفر) ، وَفِي رِوَايَة الْإِسْمَاعِيلِيّ: وَكَانَ يَصُوم الدَّهْر. قَوْله: (مثل مَا كَانَ يعْمل مُقيما صَحِيحا) فِيهِ اللف والنشر المقلوب، فَإِن قَوْله: مُقيما يُقَابل قَوْله أَو سَافر، وَقَوله: صَحِيحا، يُقَابل قَوْله: إِذا مرض، هَذَا فِيمَن كَانَ يعْمل طَاعَة فَمنع مِنْهَا، وَكَانَت نِيَّته لَوْلَا الْمَانِع أَن يَدُوم عَلَيْهَا، وَقد ورد ذَلِك صَرِيحًا عِنْد أبي دَاوُد من طَرِيق الْعَوام بن حَوْشَب عَن إِبْرَاهِيم بن عبد الرَّحْمَن السكْسكِي عَن أبي بردة عَن أبي مُوسَى الْأَشْعَرِيّ، قَالَ: سَمِعت النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم غير مرّة وَلَا مرَّتَيْنِ، يَقُول: إِذا كَانَ العَبْد يعْمل عملا صَالحا فَشَغلهُ عَن ذَلِك مرض أَو سفر كتب لَهُ كصالح مَا كَانَ يعْمل، وَهُوَ صَحِيح مُقيم. وَورد أَيْضا فِي حَدِيث عبد الله بن عَمْرو بن الْعَاصِ مَرْفُوعا: أَن العَبْد إِذا كَانَ على طَريقَة حَسَنَة من الْعِبَادَة ثمَّ مرض قيل للْملك الْمُوكل بِهِ: أكتب لَهُ مثل عمله إِذا كَانَ طلقاً حَتَّى أطلقهُ أَو ألفته إِلَيّ، أخرجه عبد الرَّزَّاق وَأحمد وَالْحَاكِم وَصَححهُ. وَلأَحْمَد من حَدِيث أنس، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، رَفعه: إِذا ابتلى الله العبدَ الْمُسلم ببلاء فِي جسده، قَالَ الله: أكتب لَهُ عمله الَّذِي كَانَ يعْمل، فَإِن شفَاه طهره وَإِن قَبضه غفر لَهُ. وروى النَّسَائِيّ من حَدِيث عَائِشَة، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا، مَا من امرىء يكون لَهُ صَلَاة من اللَّيْل يغلبه عَلَيْهَا نوم أَو وجع إلاَّ كتب لَهُ أجر صلَاته، وَكَانَ نَومه عَلَيْهِ صَدَقَة.