عمدة القاري شرح صحيح البخاري

531 - (بابُ سَيْرِ الرَّجُلِ وحْدَهُ بِاللَّيْلِ)

أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان حكم سير الرجل بِاللَّيْلِ وَحده أَي: حَال كَونه وَحده من غير رَفِيق مَعَه، هَل يكره ذَلِك أم لَا؟ وَالْجَوَاب، يعلم من حَدِيثي الْبَاب، فَالْحَدِيث الأول: يدل على عدم الْكَرَاهَة، وَالثَّانِي: يدل على الْكَرَاهَة، فَلذَلِك أبهم البُخَارِيّ التَّرْجَمَة، وَفِي نفس الْأَمر يرجع مَا فيهمَا إِلَى معنى وَاحِد، وَهُوَ مَا قَالَ الْمُهلب: نَهْيه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن الْوحدَة فِي سير اللَّيْل إِنَّمَا هُوَ إشفاق على الْوَاحِد من الشَّيَاطِين، لِأَنَّهُ وَقت انتشارهم، وَإِذا هم بالتمثل لَهُم وَمَا يفزعهم وَيدخل فِي قُلُوبهم الوساوس، وَلذَلِك أَمر النَّاس أَن يحبسوا صبيانهم عِنْد فَحْمَة اللَّيْل، وَمَعَ هَذَا إِن الْوحدَة لَيست بمحرمة، وَإِنَّمَا هِيَ مَكْرُوهَة، فَمن أَخذ بالأفضل من الصُّحْبَة فَهُوَ أولى، وَمن أَخذ بالوحدة فَلم يَأْتِ حَرَامًا.

7992 - حدَّثنا الحُمَيْدِيُّ قَالَ حدَّثنا سُفْيانُ قَالَ حدَّثنا مُحَمَّدُ بنُ الْمُنْكَدِرِ قالَ سَمِعْتُ جابِرَ بنَ عَبْدِ الله رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا يَقولُ ندَبَ النَّبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم النَّاسَ يَوْمَ الخَنْدَقِ فانْتَدَبَ الزُّبَيْرُ ثُمَّ نَدَبَهُمْ فانْتَدَبَ الزُّبَيْرُ ثُمَّ ندَبَهُمْ فانْتَدَبَ الزُّبَيْرُ قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إنَّ لِكُلِّ نَبِيٍّ حَوَارِيَّاً وحَوَارِيَّ الزُّبَيْرُ..
مطابقته للتَّرْجَمَة من حَيْثُ انتداب الزبير وتوجهه وَحده، وَسَيَأْتِي فِي مناقبه من طَرِيق عبد الله بن الزبير مَا يدل على ذَلِك، وَيرد بِهَذَا اعْتِرَاض الْإِسْمَاعِيلِيّ بقوله: لَا أعلم هَذَا الحَدِيث كَيفَ يدْخل فِي هَذَا الْبَاب، وَقد رَأَيْت كَيْفيَّة دُخُوله فِيهِ، وَيرد أَيْضا مَا قَالَه بَعضهم بِأَنَّهُ لَا يلْزم من كَون الزبير انتدب أَن لَا يكون سَار مَعَه غَيره مُتَابعًا. قلت: وَلَا يلْزم أَيْضا كَونه تَابع مَعَه وترجح جَانب النَّفْي بِمَا ذكرنَا.
والْحميدِي: هُوَ عبد الله بن الزبير بن عِيسَى، وَقد تكَرر ذكره، وسُفْيَان هُوَ ابْن عُيَيْنَة.
والْحَدِيث مر فِي كتاب الْجِهَاد قبل هَذَا بعدة أَبْوَاب، فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ فِي بَابَيْنِ: أَحدهمَا: فِي بَاب فضل الطليعة عَن

(14/247)


أبي نعيم عَن سُفْيَان بن عُيَيْنَة عَن مُحَمَّد بن الْمُنْكَدر عَن جَابر، وَالْآخر فِي: بَاب هَل يبْعَث الطليعة وَحده، عَن صَدَقَة عَن ابْن عُيَيْنَة إِلَى آخِره، وَقد مر الْكَلَام فِيهِ هُنَاكَ.
قالَ سُفْيَانُ الحَوَارِيُّ النَّاصِرُ

سُفْيَان هُوَ ابْن عُيَيْنَة أحد رَوَاهُ الحَدِيث، وَقَالَ بَعضهم: هُوَ مَوْصُول عَن الْحميدِي عَنهُ، وَفِيه نظر لَا يخفى.

8992 - حدَّثنا أبُو الوَلِيدِ قالَ حدَّثنا عاصِمُ بنُ مُحَمَّدٍ قَالَ حدَّثني أبِي عنِ ابنِ عُمَرَ رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا عنِ النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَحدثنَا أَبُو نعيم قَالَ حَدثنَا عَاصِم بن مُحَمَّد بن زيد بن عبد الله بن عمر عَن أَبِيه عَن ابْن عمر عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ قالَ لَوْ يَعْلَمُ النَّاسُ مَا فِي الوَحْدَةِ مَا أعْلَمُ مَا سارَ رَاكِبٌ بِلَيْلٍ وَحْدَهُ.
مطابقته للتَّرْجَمَة من حَيْثُ إِطْلَاقهَا لِأَنَّهَا مُبْهمَة كَمَا ذكرنَا آنِفا، وَأخرجه من طَرِيقين. الأول: عَن أبي الْوَلِيد هِشَام ابْن عبد الْملك الطَّيَالِسِيّ عَن عَاصِم بن مُحَمَّد بن زيد بن عبد الله بن عمر بن الْخطاب، يروي عَن أَبِيه مُحَمَّد بن زيد وَمُحَمّد يروي عَن جده عبد الله بن عمر عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم. وَالثَّانِي: عَن أبي نعيم الْفضل بن دُكَيْن عَن عَاصِم ... إِلَى آخِره، وَقَالَ الْحَافِظ الْمزي فِي (الْأَطْرَاف) قَالَ البُخَارِيّ: حَدثنَا أَبُو الْوَلِيد عَن عَاصِم بن مُحَمَّد بِهِ، وَقَالَ بعده: وَأَبُو نعيم عَن عَاصِم، وَلم يقل: حَدثنَا أَبُو نعيم، وَلَا فِي كتاب حَمَّاد بن شَاكر: حَدثنَا أَبُو نعيم. وَأجِيب: عَن ذَلِك بِأَن الَّذِي وَقع فِي جَمِيع الرِّوَايَات عَن الْفربرِي عَن البُخَارِيّ حَدثنَا أَبُو نعيم، وَكَذَلِكَ وَقع فِي رِوَايَة النَّسَفِيّ عَن البُخَارِيّ، فَقَالَ: حَدثنَا أَبُو الْوَلِيد، فساق الْإِسْنَاد ثمَّ قَالَ: وَحدثنَا أَبُو الْوَلِيد وَأَبُو نعيم، قَالَا: حَدثنَا عَاصِم فَذكره وَبِذَلِك جزم أَبُو نعيم الْأَصْبَهَانِيّ فِي (الْمُسْتَخْرج) فَقَالَ، بعد أَن أخرجه من طَرِيق عَمْرو بن مَرْزُوق عَن عَاصِم بن مُحَمَّد: أخرجه البُخَارِيّ عَن أبي نعيم وَأبي الْوَلِيد. فَإِن قلت: ذكر التِّرْمِذِيّ أَن عَاصِم بن مُحَمَّد تفرد بِرِوَايَة هَذَا الحَدِيث؟ قلت: لَيْسَ كَذَلِك، فَإِن أَخَاهُ عَمْرو بن مُحَمَّد قد رَوَاهُ مَعَه عَن أَبِيه أخرجه النَّسَائِيّ.
قَوْله: (مَا فِي الْوحدَة) ، قَالَ ابْن التِّين: الْوحدَة، ضبطت بِفَتْح الْوَاو وَكسرهَا، وَأنكر بعض أهل اللُّغَة الْكسر، وَقَالَ ابْن قرقول: وَحدك، مَنْصُوب بِكُل حَال عِنْد أهل الْكُوفَة على الظّرْف، وَعند الْبَصرِيين على الْمصدر، أَي: توَحد وَحده. قَالَ: وكسرته الْعَرَب فِي ثَلَاثَة مَوَاضِع: عيير وَحده، وجحيش، وَحده ونسيج وَحده، وَعَن أبي عَليّ: رجيل وَحده، ووحد، بِفَتْح الْحَاء وَكسرهَا، ووحد ووحيد ومتوحد، وللأنثى وحدة ووحدة وحد بِكَسْر الْحَاء وَضمّهَا وحادة ووحدة ووحداً وتوحد كُله بَقِي وَحده، وَعَن كرَاع: الوحد الَّذِي ينزل وَحده. قَوْله: (مَا أعلم) أَي: الَّذِي أعلم، وَالْجُمْلَة فِي مَحل النصب لِأَنَّهَا مفعول: لَو يعلم. قَوْله: (رَاكب) هَذَا من قبيل الْغَالِب وإلاَّ فالراجل أَيْضا كَذَلِك؟ فَإِن قلت: ذكر فِي الْبَاب حديثين: أَحدهمَا: فِي الْجَوَاز. وَالثَّانِي: فِي الْمَنْع. قلت: تُؤْخَذ الْجَواب عَنهُ مِمَّا ذكرنَا فِي أول الْبَاب، وَأَيْضًا أَن للسير فِي اللَّيْل حالتين: إِحْدَاهمَا: الْحَاجة إِلَيْهِ مَعَ غَلَبَة السَّلامَة، كَمَا فِي حَدِيث الزبير. وَالْأُخْرَى: حَالَة الْخَوْف، فحذر عَنْهَا الشَّارِع، وَأَيْضًا إِذا اقْتَضَت الْمصلحَة الِانْفِرَاد كإرسال الجاسوس والطليعة، فَلَا كَرَاهَة وإلاَّ فالكراهة، وَالله أعلم.

631 - (بابُ السُّرْعَةِ فِي السَّيْرِ عِنْدَ الرُّجُوُعِ إِلَى الوَطَنِ)

أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان جَوَاز السرعة فِي السّير عِنْد الرُّجُوع إِلَى الوطن.
قالَ أبُو حُمَيْدٍ قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إنِّي مُتَعَجِّلٌ إِلَى المَدِينَةِ فَمنْ أرَادَ أنْ يتَعَجَّلَ مَعِي فَلْيَتَعَجَّلْ

أَبُو حميد، بِضَم الْحَاء هُوَ عبد الرَّحْمَن، وَقيل غير ذَلِك: السَّاعِدِيّ الْأنْصَارِيّ، وَهَذَا التَّعْلِيق قِطْعَة من حَدِيث سبق فِي الزَّكَاة مطولا فِي: بَاب خرص التَّمْر. قَوْله: (فَليَتَعَجَّل) ، ويروي: (فليعجل) ، فَالْأول من بَاب: التفعل، وَالثَّانِي من بَاب: التفعيل.

(14/248)


9992 - حدَّثنا مُحَمَّدُ بنُ المُثَنَّى قَالَ حدَّثنا يَحْيَى عنْ هِشَامٍ قَالَ أخْبَرَنِي أبِي قالَ سُئِلَ أُسَامَةُ بنُ زَيْدٍ رَضِي الله تَعَالَى عنهُما قَالَ كانَ يَحْيَى يَقولُ وَأَنا أسْمَعُ فسَقَطَ عَنِّي عنْ مَسِيرِ النَّبِيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي حَجَّةِ الوَدَاعِ قَالَ فَكانَ يَسِيرُ العَنَقَ فإذَا وَجَدَ فَجْوَةً نَصَّ والنَّصُّ فَوْقَ العَنَقِ..
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (نَص) لِأَن النَّص هُوَ السّير الشَّديد. وَيحيى هم ابْن سعيد الْقطَّان، وَهِشَام هُوَ ابْن عُرْوَة يروي عَن أَبِيه عُرْوَة بن الزبير. والْحَدِيث مر فِي كتاب الْحَج فِي: بَاب السّير إِذا دفع من عَرَفَة.
قَوْله: (كَانَ يحيى) ، أَي: يحيى الْقطَّان، يَقُول: وَأَنا أسمع، فَسقط عني، وَهَذِه جملَة مُعْتَرضَة بَين قَوْله: سُئِلَ أُسَامَة بن زيد، وَبَين قَوْله: عَن مسير النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لِأَن عَن مسير النَّبِي مُتَعَلق بقوله: سُئِلَ، وَالتَّقْدِير قَالَ البُخَارِيّ، قَالَ ابْن الْمثنى، وَكَانَ يحيى يَقُول تَعْلِيقا عَن عُرْوَة أَو مُسْندًا إِلَيْهِ، قَالَ: سُئِلَ أُسامة وَأَنا أسمع السُّؤَال، فَقَالَ يحيى سقط عني هَذَا اللَّفْظ وَأَنا أسمع عِنْد رِوَايَة الحَدِيث كَأَنَّهُ لم يذكرهَا أَولا واستدركه آخرا وَقَالَ فِي كتاب الْحَج: سُئِلَ أُسَامَة وَأَنا جَالس. وَفِي (صَحِيح مُسلم) قَالَ هِشَام، عَن أَبِيه: سُئِلَ أُسَامَة وَأَنا شَاهد: كَيفَ كَانَ مسير النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حِين أَفَاضَ من عَرَفَة؟ قَوْله: (الْعُنُق) ، بِفَتْح الْعين الْمُهْملَة وَالنُّون: وَهُوَ السّير السهل. قَوْله: (فجوة) ، بِفَتْح الْفَاء وَسُكُون الْجِيم، وَهِي الفرجة بَين الشَّيْئَيْنِ. قَالَ تَعَالَى: {وهم فِي فجوة مِنْهُ} (الْكَهْف: 71) . قَوْله: (نَص) بِالتَّشْدِيدِ، فعل ماضٍ من نَص ينص نصا، وَهُوَ السّير الشَّديد حَتَّى يسْتَخْرج أقْصَى مَا عِنْده.

0003 - حدَّثنا سَعِيدُ بنُ أبِي مَرْيَمَ قَالَ أخْبَرَنا مُحَمَّدُ بنُ جَعْفَرٍ قَالَ أخبرَنِي زَيْدٌ هُوَ ابنُ أسْلَمَ عنْ أبِيهِ قَالَ كُنْتُ مَعَ عَبْدِ الله بنِ عُمَرَ رَضِي الله تَعَالَى عنهُما بِطَرِيقِ مَكَّةَ فبَلَغَهُ عنْ صَفِيَّةَ بِنْتِ أبي عُبَيْدٍ شِدَّةُ وجَعٍ فأسْرَعَ السَّيْرَ حتَّى إذَا كانَ بعْدَ غُرُوبِ الشَّفَقِ ثُمَّ نَزَلَ فصَلَّى المَغْرِبَ والعَتَمَةَ يَجْمَعُ بَيْنَهُمَا وَقَالَ إنِّي رأيْتُ النَّبِيَّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إذَا جَدَّ بِهِ السَّيْرُ أخَّرَ المَغْرِبَ وجَمَعَ بَيْنَهُما..
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (إِذا جدَّ بِهِ السّير) والْحَدِيث مضى فِي أَبْوَاب الْعمرَة فِي: بَاب الْمُسَافِر إِذا جد بِهِ السّير تعجل إِلَى أَهله، فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ بِعَين هَذَا الْإِسْنَاد والمتن، وَمضى الْكَلَام فِيهِ هُنَاكَ، وَصفِيَّة بنت أبي عبيد الثقفية أُخْت الْمُخْتَار، أدْركْت النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَسمعت مِنْهُ، وَكَانَت زَوْجَة ابْن عمر.

1003 - حدَّثنا عبْدُ الله بنُ يُوسُفَ قَالَ أخبرنَا مالِكٌ عنْ سُمَيٍّ مَوْلَى أبِي بَكْرٍ عنْ أبِي صالِحٍ عنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِي الله تَعَالَى عنهُ أنَّ رسولَ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ السَّفَرُ قِطْعَةٌ مِنَ العَذَابِ يَمْنَعُ أحَدُكُمْ نَوْمَهُ وطَعَامَهُ وشَرَابَهُ فإذَا قَضَى أحَدُكُمْ نَهْمَتَهُ فَلْيُعَجِّلْ إِلَى أهْلِهِ..
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (فليعجل إِلَى أَهله) وَهَذَا الحَدِيث مضى فِي كتاب الْحَج فِي: بَاب السّفر قِطْعَة من الْعَذَاب، بِعَين هَذَا الْإِسْنَاد والمتن جَمِيعًا، وَمضى الْكَلَام فِيهِ هُنَاكَ، وَأَبُو صَالح ذكْوَان الزيات. قَوْله: (نَومه) ، مَنْصُوب بِنَزْع الْخَافِض، أَو مفعول ثَان للْمَنْع، لِأَنَّهُ يَقْتَضِي مفعولين كالإعطاء، وَالْمرَاد بِمَنْعه: كمالها ولذتها، لما فِيهِ من الْمَشَقَّة والتعب ومقاساة الْحر وَالْبرد وَالْخَوْف والسرى ومفارقة الْأَهْل والأوطان. قَوْله: (نهمته) بِفَتْح النُّون: الْحَاجة وَالْمَقْصُود.

731 - (بابٌ إذَا حَمَلَ علَى فَرَسٍ فرَآهَا تُباعُ)

أَي: هَذَا بَاب يذكر فِيهِ إِذا حمل رجل على فرس أَي: أركب غَيره عَلَيْهِ فِي سَبِيل الله حسبَة لله، عز وَجل، ثمَّ رَآهَا تبَاع، هَل لَهُ أَن يَشْتَرِيهَا أم لَا؟ وَالْجَوَاب: يعلم من الحَدِيث.

2003 - حدَّثنا عَبْدُ الله بنُ يُوسُفَ قَالَ أخبرنَا مالِكٌ عَنْ نَافِعٍ عنْ عَبْدِ الله بنِ عُمَرَ رَضِي الله تَعَالَى

(14/249)


عنهُما أنَّ عُمَرَ بنَ الخَطَّابِ حَمَلَ علَى فَرَسٍ فِي سَبِيلِ الله فوَجَدَهُ يُباعُ فأرادَ أنْ يَبْتَاعَهُ فَسَأَلَ رسُولَ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقال لَا تَبْتَعْهُ وَلَا تَعُدْ فِي صَدَقَتِكَ..

3003 - حدَّثنا إسْمَاعِيلُ قَالَ حدَّثني مالِكٌ عنْ زَيْدِ بنِ أسْلَمَ عنْ أبِيهِ قَالَ سَمِعْتُ عُمَرَ بنَ الخَطَّابِ رَضِي الله تَعَالَى عنهُ يَقولُ حَمَلْتُ علَى فَرَسٍ فِي سَبِيلِ الله فابْتَاعَهُ أوْ فأضَاعَهُ الَّذِي كانَ عِنْدَهُ فأرَدْتُ أنْ أشْتَرِيَهُ وظَنَنْتُ أنَّهُ بَائِعُهُ بِرُخْصٍ فَسألْتُ النَّبِيَّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ لَا تَشْتَرِهِ وإنْ بِدِرْهَمٍ فإنَّ العَائِدَ فِي هِبَتِهِ كالْكَلْبِ يَعودُ فِي قَيْئِهِ..
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة وَفِيه بَيَان مَا أبهمه فِي التَّرْجَمَة والْحَدِيث مضى فِي الزَّكَاة فِي: بَاب هَل يَشْتَرِي صدقته؟ عَن سَالم عَن أَبِيه أَن عمر تصدق بفرس ذكره فِي هَذَا الْبَاب عَن يحيى بن بكير عَن اللَّيْث عَن عقيل عَن ابْن شهَاب عَن سَالم، وَذكره هَهُنَا عَن عبد الله بن يُوسُف عَن مَالك عَن نَافِع عَن ابْن عمر: أَن عمر حمل على فرس ... الحَدِيث، وَمضى فِي الْهِبَة أَيْضا، وَمضى الْكَلَام فِيهِ هُنَاكَ.
قَوْله: (ابتاعه أَو أضاعه) شكّ من الرَّاوِي، وَلَا معنى لقَوْله: ابتاعه إلاَّ إِذا كَانَ بِمَعْنى: بَاعه، وَلَعَلَّ الابتياع جَاءَ بِمَعْنى البيع، كَمَا جَاءَ: اشْترى، بِمَعْنى: بَاعَ، وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيّ فِي قَوْله: {بئْسَمَا مَا اشْتَروا بِهِ أنفسهم} (الْبَقَرَة: 201) . ان اشْتَروا بمعني: باوا، وَكَأَنَّهُ قَالَ: اتخذ البيع لنَفسِهِ كَمَا يُقَال فِي اكْتسب وَنَحْوه. وَقيل: لَعَلَّ الرَّاوِي صحفه وَهُوَ: أباعه؟ أَي: عرضه للْبيع. قَوْله: (وَإِن بدرهم) أَي: وَإِن كَانَ بدرهم، فَحذف فعل الشَّرْط، والحذف عِنْد الْقَرِينَة، جَائِز.

831 - (بابُ الجِهَادِ بإذْنِ الأبَوَيْنِ)

أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان أَن الْجِهَاد بِإِذن الْأَبَوَيْنِ، كَذَا أطلق، وَلَكِن فِيهِ خلاف وتفصيل، فَلذَلِك أبهم فَقَالَ أَكثر أهل الْعلم، مِنْهُم الْأَوْزَاعِيّ وَالثَّوْري وَمَالك وَالشَّافِعِيّ وَأحمد: إِنَّه لَا يخرج إِلَى الْغَزْو إلاَّ بِإِذن وَالِديهِ مَا لم تقع ضَرُورَة وَقُوَّة الْعَدو، فَإِذا كَانَ كَذَلِك تعين الْفَرْض على الْجَمِيع وَزَالَ الِاخْتِيَار وَوَجَب الْجِهَاد على الْكل، فَلَا حَاجَة إِلَى الْإِذْن من وَالِد وَسيد. وَقَالَ ابْن حزم فِي (مَرَاتِب الْإِجْمَاع) : إِن كَانَ أَبَوَاهُ يضيعان بِخُرُوجِهِ ففرضه سَاقِط عَنهُ إِجْمَاعًا وإلاَّ فالجمهور يوقفه على الاستيذان، والأجداد كالآباء والجدات كالأمهات، وَعند الْمُنْذِرِيّ: هَذَا فِي التَّطَوُّع، أما إِذا وَجب عَلَيْهِ فَلَا حَاجَة إِلَى إذنهما، وَإِن منعاه عصاهما، هَذَا إِذا كَانَا مُسلمين، فَإِن كَانَا كَافِرين فَلَا سَبِيل لَهما إِلَى مَنعه وَلَو نفلا، وطاعتهما حِينَئِذٍ مَعْصِيّة. وَعَن الثَّوْريّ: هما كالمسلمين، وَقَالَ بَعضهم: يحْتَمل أَن يكون هَذَا كُله بعد الْفَتْح وَسُقُوط فرض الْهِجْرَة وَالْجهَاد وَظُهُور الدّين، وَأَن يكون ذَلِك من الْأَعْرَاب وَغير من تجب عَلَيْهِ الْهِجْرَة، فرجح بر الْوَالِدين على الْجِهَاد. فَإِن قلت: هَل ينْدَرج فِي هَذَا الْمديَان؟ قلت: قَالَ الشَّافِعِي، فِيمَا ذكره ابْن المناصف: لَيْسَ لَهُ أَن يَغْزُو إلاَّ بِإِذْنِهِ سَوَاء كَانَ مُسلما أَو غَيره، وَفرق مَالك بَين أَن يجد قَضَاء وَبَين أَن لَا يجد، فَإِن كَانَ عديماً فَلَا يرى بجهاده بَأْسا، وَإِن لم يسْتَأْذن غَرِيمه، فَإِن كَانَ مَلِيًّا وَأوصى بِدِينِهِ إِذا حل أعْطى دينه وَلَا يَسْتَأْذِنهُ. وَقَالَ الْأَوْزَاعِيّ: لَا يتَوَقَّف على الْإِذْن مُطلقًا، وَالله أعلم.

4003 - حدَّثنا آدَمُ قَالَ حدَّثنا شُعْبَةُ قَالَ حدَّثنا حَبِيبُ بنُ أبِي ثابِتٍ قَالَ سَمِعْتُ أبَا العَبَّاسِ الشَّاعِرِ وكانَ لاَ يُتَّهَمْ فِي حَدِيثِهِ قَالَ سَمِعْتُ عَبْدَ الله بنَ عَمْرٍ وَرَضي الله تَعَالَى عنهُما يَقُولُ جاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فاسْتأذَنَهُ فِي الجِهادِ فَقَالَ أحُرٌّ والِدَاكَ قالَ نَعَمْ قَالَ فَفِيهِمَا فَجاهِدْ.
(الحَدِيث 4003 طرفه فِي: 2795) .
قيل: لَا مُطَابقَة للتَّرْجَمَة لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ اسْتِئْذَان وَلَا غَيره. قلت: تُؤْخَذ الْمُطَابقَة من قَوْله: (ففيهما فَجَاهد) ، بطرِيق الاستنباط لِأَن أمره بالمجاهدة فيهمَا يَقْتَضِي رضاهما عَلَيْهِ، وَمن رضاهما الْإِذْن لَهُ عِنْد الاسْتِئْذَان فِي الْجِهَاد.
وحبِيب بن أبي ثَابت، واسْمه قيس بن دِينَار أَبُو يحيى الْأَسدي الْكُوفِي وَقد مر فِي الصَّوْم. وَأَبُو الْعَبَّاس، بتَشْديد الْبَاء الْمُوَحدَة:

(14/250)


واسْمه السَّائِب بن فروخ الشَّاعِر الْمَكِّيّ الْأَعْمَى، وَقد مر فِي التَّهَجُّد، وَإِنَّمَا قَالَ: وَكَانَ لَا يُتَّهم فِي حَدِيثه لِئَلَّا يُتَوهم بِسَبَب أَنه شَاعِر أَنه مُتَّهم فِي الحَدِيث. وَعبد الله بن عَمْرو بن الْعَاصِ.
والْحَدِيث أخرجه البُخَارِيّ أَيْضا فِي الْأَدَب عَن مُحَمَّد بن كثير عَن سُفْيَان وَعَن مُسَدّد عَن يحيى. وَأخرجه مُسلم فِي الْأَدَب عَن مُحَمَّد بن الْمثنى وَعَن أبي بكر بن أبي شيبَة وَزُهَيْر ابْن حَرْب وَعَن عبيد الله بن معَاذ وَعَن مُحَمَّد بن حَاتِم وَعَن الْقَاسِم بن زَكَرِيَّاء وَعَن أبي كريب. وَأخرجه أَبُو دَاوُد فِي الْجِهَاد عَن مُحَمَّد بن كثير بِهِ، وَأخرجه التِّرْمِذِيّ فِيهِ عَن مُحَمَّد بن بشار. وَأخرجه النَّسَائِيّ فِيهِ عَن مُحَمَّد بن الْمثنى.
قَوْله: (جَاءَ رجل) قيل: يحْتَمل أَن يكون هُوَ جاهمة بن الْعَبَّاس بن مرداس، قَالَ أَبُو عمر: جاهمة السّلمِيّ حجازي، ثمَّ قَالَ: حَدثنَا عبد الْوَارِث بن سُفْيَان حَدثنَا قَاسم بن أصبغ حَدثنَا أَحْمد بن زُهَيْر حَدثنَا عبد الرَّحْمَن بن الْمُبَارك حَدثنَا سُفْيَان بن حبيب حَدثنَا ابْن جريج عَن مُحَمَّد بن طَاعَة عَن مُعَاوِيَة بن جاهمة عَن أَبِيه، قَالَ: أتيت النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَسْتَشِيرهُ فِي الْجِهَاد؟ فَقَالَ: (أَلَك وَالِدَة؟) قلت: نعم. قَالَ: إذهب فأكرمها فَإِن الْجنَّة تَحت رِجْلَيْهَا) . وَرَوَاهُ النَّسَائِيّ وَأحمد أَيْضا من طَرِيق مُعَاوِيَة بن جاهمة، وروى ابْن أبي عَاصِم بِسَنَد صَحِيح: بَينا نَحن عِنْد النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي ظلّ شَجَرَة بَين مَكَّة وَالْمَدينَة إِذا جَاءَ أَعْرَابِي من أخلق الرِّجَال وأشدهم، فَقَالَ: يَا رَسُول الله {إِنِّي أحب أَن أكون مَعَك وَأَجد بِي قُوَّة، وَأحب أَن أقَاتل الْعَدو مَعَك وأقتل بَين يَديك. فَقَالَ: (هَل لَك من وَالدّين؟ قَالَ: نعم. قَالَ: إنطلق فَالْحق بهما وبرهما، واشكر لله وَلَهُمَا، قَالَ: إِنِّي أجد قُوَّة ونشاطاً لقِتَال الْعَدو، قَالَ: انْطلق فَالْحق بهما) . فَأَدْبَرَ، فَجعلنَا نتعجب من خلقه وجسمه. وروى أَبُو دَاوُد من حَدِيث أبي سعيد الْخُدْرِيّ أَن رجلا هَاجر إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من الْيمن، فَقَالَ: هَل لَك أحد بِالْيمن؟ قَالَ: أبواي، فَقَالَ: أذِنا لَك؟ قَالَ: لَا. قَالَ: إرجع إِلَيْهِمَا فاستأذنهما، فَإِن أذنا لَك فَجَاهد، وإلاَّ فبرهما) . وَصَححهُ ابْن حبَان. فَإِن قلت: روى ابْن حبَان من حَدِيث عبد الله بن عَمْرو من طَرِيق غير طَرِيق حَدِيث الْبَاب: جَاءَ رجل إِلَى رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَسَأَلَهُ عَن أفضل الْأَعْمَال، فَقَالَ: (الصَّلَاة، قَالَ: ثمَّ مَه؟ قَالَ: الْجِهَاد. قَالَ: فَإِن لي وَالدّين} فَقَالَ: برك بِوَالِدَيْك خير، فَقَالَ: وَالَّذِي بَعثك نَبيا لأجاهدن ولأتركنهما. قَالَ: فَأَنت أعلم) . قلت: هَذَا يحمل على جِهَاد فرض الْعين تَوْفِيقًا بَينه وَبَين حَدِيث الْبَاب. قَوْله: (ففيهما) أَي: فَفِي الْوَالِدين فَجَاهد، الْجَار وَالْمَجْرُور مُتَعَلق بمقدر، وَهُوَ: جَاهد، وَلَفظ: جَاهد الْمَذْكُور مُفَسّر لَهُ، لِأَن مَا بعد الْفَاء الجزائية لَا يعْمل فِيمَا قبلهَا، وَمَعْنَاهُ: خصصهما بِالْجِهَادِ، وَهَذَا كَلَام لَيْسَ ظَاهره مرَادا، لِأَن ظَاهر الْجِهَاد إِيصَال الضَّرَر للْغَيْر، وَإِنَّمَا المُرَاد إِيصَال الْقدر الْمُشْتَرك من كلفة الْجِهَاد، وَهُوَ بذل المَال وتعب الْبدن فيؤول الْمَعْنى إِلَى: إبذل مَالك وأتعب بدنك فِي رضَا والديك.
وَفِيه: بالتأكيد ببر الْوَالِدين وتعظيم حَقّهمَا وَكَثْرَة الثَّوَاب على برهما، وَالله أعلم.

931 - (بابُ مَا قِيلَ فِي الجَرَسِ ونَحْوِهِ فِي أعْنَاقِ الإبِلِ)

أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان مَا قيل فِي كَرَاهَة الجرس، وَهُوَ بِفَتْح الْجِيم وَالرَّاء وَفِي آخِره سين مُهْملَة، وَهُوَ مَعْرُوف. وَحكى عِيَاض إسكان الرَّاء والأصوب أَن الَّذِي بِالْفَتْح، مَا علق فِي عنق الدَّابَّة وَغَيره فيصوت، والجرس بالإسكان: الصَّوْت، يُقَال: أجرس إِذا صَوت، وَيجمع على أَجْرَاس، قَوْله: (وَنَحْوه) مثل القلائد من الأوتار كَانُوا يعلقونها على أَعْنَاق الْإِبِل لدفع الْعين على مَا نذكرهُ قَوْله: (فِي أَعْنَاق الْإِبِل) إِنَّمَا خص الْإِبِل بِالذكر لوُرُود الْخَبَر فِيهَا بخصوصها للْغَالِب.

5003 - حدَّثنا عبْدُ الله بنُ يُوسُفَ قَالَ أخْبرَنا مالِكٌ عنْ عَبْدِ الله بنِ أبِي بَكْرٍ عنْ عَبَّادِ بنِ تَمِيمٍ أنَّ أَبَا بَشِيرٍ الأنْصَارِيَّ رَضِي الله تَعَالَى عنهُ قَالَ أخْبَرَهُ أنَّهُ كانَ مَعَ رَسولِ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي بَعْضِ أسْفَارِهِ قَالَ عَبْدُ الله حَسِبْتُ أنَّهُ قَالَ والنَّاسُ فِي مَبِيتِهِمْ فأرْسَلَ رسُولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم رسُولاً أنْ لاَ يَبْقَيَنَّ فِي رَقَبَةِ بَعِيرٍ قِلاَدَةٌ مِنْ وَتَرٍ أوْ قِلاَدَةٌ إلاَّ قُطِعَتْ.
قيل: لَيْسَ فِي الحَدِيث مَا يدل على التَّبْوِيب، لِأَنَّهُ لَا ذكر فِيهِ للجرس، وتمحل لَهُ بقول الْخطابِيّ: أَمر بِقطع القلائد لأَنهم كَانُوا يعلقون فِيهَا الْأَجْرَاس. قيل: لَعَلَّ البُخَارِيّ استنبطه من هَذَا. وَأجِيب: بِأَن هَذَا لَيْسَ بِشَيْء، لِأَن الحَدِيث نَفسه فِيهِ ذكر الجرس.

(14/251)


وَالْبُخَارِيّ على عَادَته يحِيل على أَطْرَاف الحَدِيث فِي التَّبْوِيب. بَيَانه مَا فِي (الموطآت) للدارقطني من رِوَايَة عُثْمَان بن عمر عَن مَالك عَن عبد الله عَن عباد عَن أبي بشير السَّاعِدِيّ، وَفِيه: وَلَا جرس فِي عنق بعير إلاَّ قطع. قلت: رد الْوَجْه الأول لَيْسَ لَهُ وَجه، لِأَن الَّذِي رَوَاهُ البُخَارِيّ من رِوَايَة عبد الله بن يُوسُف عَن مَالك لَيْسَ فِيهِ ذكر الجرس، وَإِنَّمَا ذكره فِي الطَّرِيق الَّذِي رَوَاهُ عُثْمَان بن عمر عَن مَالك، وَمَا قيل فِي وَجه الْمُطَابقَة بقول الْخطابِيّ أوجه، لِأَن الجرس لَا يعلق فِي أَعْنَاق الْإِبِل إلاَّ بعلاقة، وَهِي الْوتر وَنَحْوه، فَذكر البُخَارِيّ الجرس الَّذِي يعلق بالقلادة، فَإِذا ورد النَّهْي عَن تَعْلِيق القلائد فِي أَعْنَاق الْإِبِل يدْخل فِيهِ النَّهْي عَن الجرس بِالضَّرُورَةِ، وَالْأَصْل هُوَ النَّهْي عَن الجرس، أَلا ترى أَنه ورد: أَن الْمَلَائِكَة لَا تصْحَب رفْقَة فِيهَا جرس؟ وَلِأَنَّهُ يشبه الناقوس.
ذكر رِجَاله وهم خَمْسَة: الأول: عبد الله بن يُوسُف أَبُو مُحَمَّد التنيسِي، أَصله من دمشق. الثَّانِي: مَالك بن أنس. الثَّالِث: عبد الله ابْن أبي بكر بن مُحَمَّد بن عمر بن حزم. الرَّابِع: عباد، بتَشْديد الْبَاء الْمُوَحدَة ابْن تَمِيم الْأنْصَارِيّ، مر فِي الْوضُوء. الْخَامِس: أَبُو بشير، بِفَتْح الْبَاء الْمُوَحدَة وَكسر الشين الْمُعْجَمَة: الْأنْصَارِيّ، وَذكره الْحَاكِم أَبُو أَحْمد فِيمَن لَا يعرف اسْمه، وَقيل: اسْمه قيس بن عبد الْحَرِير تَصْغِير حَرِير بِالْحَاء الْمُهْملَة وبالراءين الْمُهْمَلَتَيْنِ، مَاتَ بعد الْحرَّة، وَهُوَ من المعمرين. وَقَالَ الذَّهَبِيّ: أَبُو بشير الْأنْصَارِيّ الْمَازِني، وَقيل: السَّاعِدِيّ، شهد بيعَة الرضْوَان، وَقَالَ أَبُو عمر: أَبُو بشير الْأنْصَارِيّ قيل: الْمَازِني الْأنْصَارِيّ، وَقيل: السَّاعِدِيّ الْأنْصَارِيّ، وَقيل: الْأنْصَارِيّ الْحَارِثِيّ، لَا يُوقف لَهُ على اسْم صَحِيح وَلَا سَمَّاهُ من يوثق بِهِ ويعتمد عَلَيْهِ، وَقد قيل: اسْمه قيس بن عبيد من بني النجار، وَلَا يَصح. وَالله أعلم. وَقيل: مَاتَ سنة أَرْبَعِينَ، وَالأَصَح أَنه مَاتَ بعد الْحرَّة.
ذكر لطائف إِسْنَاده فِيهِ: التحديث بِصِيغَة الْجمع فِي مَوضِع، وبصيغة الْإِخْبَار كَذَلِك فِي مَوضِع وبصيغة الْإِفْرَاد فِي مَوضِع. وَفِيه: العنعنة فِي مَوضِع. وَفِيه: ثَلَاثَة مدنيون: مَالك وَشَيْخه وَشَيخ شَيْخه، وَثَلَاثَة أنصاريون وهم: عبد الله وَعباد وَأَبُو بشر. وَفِيه: تابعيان. وهما: عبد الله وَعباد. وَفِيه: أَنه لَيْسَ لأبي بشير فِي البُخَارِيّ غير هَذَا الحَدِيث الْوَاحِد.
ذكر من أخرجه غَيره: أخرجه مُسلم فِي اللبَاس عَن يحيى بن يحيى. وَأخرجه أَبُو دَاوُد فِي الْجِهَاد عَن القعْنبِي. وَأخرجه النَّسَائِيّ فِي السّير عَن قُتَيْبَة عَن مَالك عَن عبد الله بن أبي بكر عَن عباد بن تَمِيم عَن رجل من الْأَنْصَار بِهِ، وَلم يقل عَن أبي بشير.
ذكر مَعْنَاهُ: قَوْله: (فِي بعض أَسْفَاره) ، لم يُعينهُ أحد من الشُّرَّاح. قَوْله: (قَالَ عبد الله) ، هُوَ عبد الله بن أبي بكر، الرَّاوِي، وَكَأَنَّهُ شكّ فِي قَوْله: (أَنه) قَالَ: فلأجل هَذَا قَالَ: حسبت. قَوْله: (فَأرْسل رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم) قَالَ ابْن عبد الْبر، فِي رِوَايَة روح بن عبَادَة عَن مَالك: أرسل مَوْلَاهُ زيدا. قَالَ ابْن عبد الْبر: هُوَ زيد بن حَارِثَة. قَوْله: (قلادة من وتر أَو قلادة) ، كَذَا وَقع هُنَا بِكَلِمَة: أَو، للشَّكّ أَو للتنويع، وَوَقع فِي رِوَايَة أبي دَاوُد عَن القعْنبِي بِلَفْظ: (وَلَا قلادة) ، وَهُوَ من عطف الْعَام على الْخَاص، قَوْله: (وتر) ، بِالتَّاءِ الْمُثَنَّاة من فَوق فِي جَمِيع الرِّوَايَات، وَقَالَ ابْن الْجَوْزِيّ: رُبمَا صحف من لَا علم لَهُ بِالْحَدِيثِ فَقَالَ: وبر، بِالْبَاء الْمُوَحدَة، وَحكى ابْن التِّين عَن الدَّاودِيّ أَنه جزم بذلك، وَقَالَ: وَهُوَ مَا ينْزع من الْجمال يشبه الصُّوف. قَالَ ابْن التِّين: فصحف. وَقَالَ ابْن الْجَوْزِيّ: وَفِي المُرَاد بالأوتار ثَلَاثَة أَقْوَال: أَحدهَا: أَنهم كَانُوا يقلدون الْإِبِل أوتار القسي لِئَلَّا تصيبها الْعين بزعمهم، فَأمروا بقطعها إعلاماً بِأَن الأوتار لَا ترد من أَمر الله تَعَالَى شَيْئا. الثَّانِي: لِئَلَّا تختنق الدَّابَّة بهَا عِنْد الركض، ويحكى ذَلِك عَن مُحَمَّد بن الْحسن من أَصْحَابنَا، وَعَن أبي عبيد مَا يرجحه فَإِنَّهُ قَالَ: نهى عَن ذَلِك لِأَن الدَّوَابّ تتأذى بذلك ويضيق عَلَيْهَا نَفسهَا ورعيها، وَرُبمَا تعلّقت بشجرة فاختنقت أَو تعوقت عَن السّير. الثَّالِث: أَنهم كَانُوا يعلقون فِيهَا الْأَجْرَاس، وَيدل عَلَيْهِ تبويب البُخَارِيّ كَمَا ذَكرْنَاهُ، وَقد حمل النَّضر بن شُمَيْل الأوتار فِي هَذَا الحَدِيث على معنى: التار، فَقَالَ: مَعْنَاهُ لَا تَطْلُبُوا بهَا دُخُول الْجَاهِلِيَّة. قَالَ الْقُرْطُبِيّ: وَهَذَا تَأْوِيل بعيد. وَقَالَ النَّوَوِيّ: ضَعِيف وَمَال وَكِيع إِلَى قَول النَّضر، فَقَالَ: الْمَعْنى لَا تركبوا الْخَيل فِي الْفِتَن فَإِن من ركبهَا لم يسلم أَن يتَعَلَّق بِهِ وتر يطْلب بِهِ. فَإِن قلت: الْكَرَاهَة فِي الجرس لماذا؟ قلت: لما رَوَاهُ مُسلم من حَدِيث الْعَلَاء بن عبد الرَّحْمَن عَن أَبِيه

(14/252)


عَن أبي هُرَيْرَة، رَفعه: الجرس مزمار الشَّيْطَان، وَهَذَا يدل على أَن الْكَرَاهَة فِيهِ لصورته لِأَن فِيهِ شبها بِصَوْت الناقوس وشكله. فَإِن قلت: الْكَرَاهَة فِيهِ للتَّحْرِيم أَو للتنزيه؟ قلت: قَالَ النَّوَوِيّ وَغَيره: الْجُمْهُور على النَّهْي كَرَاهَة تَنْزِيه، وَقيل: كَرَاهَة تَحْرِيم، وَقيل: يمْنَع مِنْهُ قبل الْحَاجة، وَيجوز إِذا وَقعت الْحَاجة. وَعَن مَالك: تخْتَص الْكَرَاهَة من القلائد بالوتر وَيجوز بغَيْرهَا إِذا لم يقْصد دفع الْعين، هَذَا كُله فِي تَعْلِيق التمائم وَغَيرهَا مِمَّا لَيْسَ فِيهِ قُرْآن وَنَحْوه، فَأَما مَا فِيهِ ذكر الله فَلَا نهي عَنهُ، فَإِنَّهُ إِنَّمَا يَجْعَل للتبرك لَهُ والتعوذ بأسمائه وَذكره، وَكَذَلِكَ لَا نهي عَمَّا يعلق لأجل الزِّينَة مَا لم يبلغ الْخُيَلَاء أَو السَّرف.
وَاخْتلفُوا فِي تَعْلِيق الجرس أَيْضا، فَقيل: لَا يجوز أصلا، وَقيل: يجوز عِنْد الْحَاجة والضرورة، وَقيل: يجوز فِي الصَّغِير دون الْكَبِير. فَإِن قلت: تَقْلِيد الأوتار هَل هُوَ مَخْصُوص بِالْإِبِلِ، على مَا فِي الحَدِيث، أم لَا؟ قلت: قد ذكرنَا أَن تَخْصِيص الْإِبِل بِالذكر فِيهِ للْغَالِب، وَقد روى أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيّ من حَدِيث أبي وهب الجياني رَفعه: إربطوا الْخَيل وقلدوها وَلَا تقلدوها الأوتار، فَدلَّ على أَن لَا اخْتِصَاص لِلْإِبِلِ.

(بَاب من اكتتب فِي جَيش فَخرجت امْرَأَته حَاجَة وَكَانَ لَهُ عذر هَل يُؤذن لَهُ)
أَي هَذَا بَاب فِي بَيَان مَا جَاءَ من خبر من اكتتب فِي جَيش واكتتب بِلَفْظ الْمَعْلُوم والمجهول يُقَال اكتتب فلَان إِذا كتب نَفسه فِي ديوَان السُّلْطَان قَوْله " حَاجَة " نصب على الْحَال قَوْله " أَو كَانَ لَهُ عذر " أَي أَو كَانَ لَهُ عذر غير ذَلِك هَل يُؤذن لَهُ بِالْحَجِّ مَعهَا وَجَوَاب من يعلم من الحَدِيث
210 - (حَدثنَا قُتَيْبَة بن سعيد قَالَ حَدثنَا سُفْيَان عَن عَمْرو عَن أبي معبد عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا أَنه سمع النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - يَقُول لَا يخلون رجل بِامْرَأَة وَلَا تسافرن امْرَأَة إِلَّا وَمَعَهَا محرم فَقَامَ رجل فَقَالَ يَا رَسُول الله اكتتبت فِي غَزْوَة كَذَا وَكَذَا وَخرجت امْرَأَتي حَاجَة قَالَ اذْهَبْ فحج مَعَ امْرَأَتك) مطابقته للتَّرْجَمَة تُؤْخَذ من قَوْله اذْهَبْ فحج مَعَ امْرَأَتك لِأَنَّهُ اكتتب فِي جَيش وأرادت امْرَأَته أَن تحج الْفَرْض فَأذن لَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَن يحجّ مَعَ امْرَأَته لِأَنَّهُ اجْتمع لَهُ مَعَ حج التَّطَوُّع فِي حَقه تَحْصِيل حج الْفَرْض لامْرَأَته فَكَانَ اجْتِمَاع ذَلِك لَهُ أفضل من مُجَرّد الْجِهَاد الَّذِي يحصل الْمَقْصُود مِنْهُ بِغَيْرِهِ وسُفْيَان هُوَ ابْن عُيَيْنَة وَعَمْرو هُوَ ابْن دِينَار وَأَبُو معبد بِفَتْح الْمِيم وَسُكُون الْعين الْمُهْملَة وَفتح الْبَاء الْمُوَحدَة اسْمه نَافِذ بالنُّون وَالْفَاء والذال الْمُعْجَمَة مولى عبد الله بن عَبَّاس والْحَدِيث مضى فِي كتاب الْحَج فِي أَوَاخِر أَبْوَاب الْمحصر فِي بَاب حج النِّسَاء فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ عَن أبي النُّعْمَان عَن حَمَّاد بن زيد عَن عَمْرو عَن أبي معبد إِلَى آخِره وَمضى الْكَلَام فِيهِ هُنَا قَوْله " فحج " ويروى فاحجج بفك الْإِدْغَام

(بَاب الجاسوس)
أَي هَذَا بَاب فِي بَيَان حكم الجاسوس إِذا كَانَ من جِهَة الْكفَّار ومشروعيته إِذا كَانَ من جِهَة الْمُسلمين والجاسوس على وزن فاعول من التَّجَسُّس وَهُوَ التفتيش عَن بواطن الْأُمُور (التَّجَسُّس التبحث) هَكَذَا فسره أَبُو عُبَيْدَة والتبحث من بَاب التفعل من الْبَحْث وَهُوَ التفتيش وَمِنْه بحث الْفَقِيه لِأَنَّهُ يفتش عَن أصل الْمسَائِل (وَقَول الله تَعَالَى {لَا تَتَّخِذُوا عدوي وَعَدُوكُمْ أَوْلِيَاء} ) وَقَول الله بِالْجَرِّ عطفا على لفظ الجاسوس قَالَ الْمُفَسِّرُونَ نزلت فِي حَاطِب بن أبي بلتعة وقصته تَأتي عَن قريب ومناسبة ذكر هَذِه الْآيَة هُنَا هِيَ أَنه ينتزع مِنْهَا حكم جاسوس الْكفَّار يعلم ذَلِك من قصَّة حَاطِب قَوْله " عدوي " أَي عَدو ديني وَعَدُوكُمْ

(14/253)


عطف عَلَيْهِ وأولياء مفعول ثَان لقَوْله لَا تَتَّخِذُوا والعدو فعول من عدا كعفو من عَفا ولكونه على زنة الْمصدر أوقع على الْجمع إِيقَاعه على الْوَاحِد
211 - (حَدثنَا عَليّ بن عبد الله قَالَ حَدثنَا سُفْيَان قَالَ حَدثنَا عَمْرو بن دِينَار سمعته مِنْهُ مرَّتَيْنِ قَالَ أَخْبرنِي حسن بن مُحَمَّد قَالَ أَخْبرنِي عبيد الله بن أبي رَافع قَالَ سَمِعت عليا رَضِي الله عَنهُ يَقُول بَعَثَنِي رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَنا وَالزُّبَيْر والمقداد بن الْأسود قَالَ انْطَلقُوا حَتَّى تَأْتُوا رَوْضَة خَاخ فَإِن بهَا ظَعِينَة وَمَعَهَا كتاب فَخُذُوهُ مِنْهَا فَانْطَلَقْنَا تعادي بِنَا خَيْلنَا حَتَّى انتهينا إِلَى الرَّوْضَة فَإِذا نَحن بِالظَّعِينَةِ فَقُلْنَا أَخْرِجِي الْكتاب فَقَالَت مَا معي من كتاب فَقُلْنَا لتخْرجن الْكتاب أَو لنلقين الثِّيَاب فَأَخْرَجته من عقاصها فأتينا بِهِ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فَإِذا فِيهِ من حَاطِب بن أبي بلتعة إِلَى أنَاس من الْمُشْركين من أهل مَكَّة يُخْبِرهُمْ بِبَعْض أَمر رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فَقَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - يَا حَاطِب مَا هَذَا قَالَ يَا رَسُول الله لَا تعجل عَليّ إِنِّي كنت امْرَءًا مُلْصقًا فِي قُرَيْش وَلم أكن من أَنْفسهَا وَكَانَ من مَعَك من الْمُهَاجِرين لَهُم قَرَابَات بِمَكَّة يحْمُونَ بهَا أَهْليهمْ وَأَمْوَالهمْ فَأَحْبَبْت إِذْ فَاتَنِي ذَلِك من النّسَب فيهم أَن أَتَّخِذ عِنْدهم يدا يحْمُونَ بهَا قَرَابَتي وَمَا فعلت كفرا وَلَا ارْتِدَادًا وَلَا رضَا بالْكفْر بعد الْإِسْلَام فَقَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - لقد صدقكُم قَالَ عمر يَا رَسُول الله دَعْنِي أضْرب عنق هَذَا الْمُنَافِق قَالَ إِنَّه قد شهد بَدْرًا وَمَا يدْريك لَعَلَّ الله أَن يكون قد اطلع على أهل بدر فَقَالَ اعْمَلُوا مَا شِئْتُم فقد غفرت لكم قَالَ سُفْيَان وَأي إِسْنَاد هَذَا) مطابقته للتَّرْجَمَة من حَيْثُ أَن تِلْكَ الظعينة الَّتِي مَعهَا كتاب كَانَ حكمهَا حكم الجاسوس وَاخْتلف الْعلمَاء فِي جَوَاز قتل جاسوس الْكفَّار. (ذكر رِجَاله) وهم سِتَّة. الاول عَليّ بن عبد الله الْمَعْرُوف بِابْن الْمَدِينِيّ. الثَّانِي سُفْيَان بن عُيَيْنَة. الثَّالِث عَمْرو بن دِينَار الْمَكِّيّ. الرَّابِع حسن بن مُحَمَّد بن الْحَنَفِيَّة أَبُو مُحَمَّد الْهَاشِمِي الْمدنِي مَاتَ فِي زمن عبد الْملك بن مَرْوَان. الْخَامِس عبيد الله بِضَم الْعين ابْن أبي رَافع واسْمه أسلم مولى رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -. السَّادِس عَليّ بن أبي طَالب رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ (ذكر تعدد مَوْضِعه وَمن أخرجه غَيره) أخرجه البُخَارِيّ أَيْضا فِي الْمَغَازِي عَن قُتَيْبَة وَفِي التَّفْسِير عَن الْحميدِي وَأخرجه مُسلم فِي الْفَضَائِل عَن أبي بكر بن أبي شيبَة وَعَمْرو النَّاقِد وَزُهَيْر بن حَرْب وَإِسْحَق بن إِبْرَاهِيم وَابْن أبي عمر وَأخرجه أَبُو دَاوُد فِي الْجِهَاد عَن مُسَدّد وَأخرجه التِّرْمِذِيّ فِي التَّفْسِير عَن ابْن أبي عمر وَأخرجه النَّسَائِيّ فِيهِ عَن مُحَمَّد بن مَنْصُور وَعبيد الله بن سعد السَّرخسِيّ رَحِمهم الله تَعَالَى (ذكر مَعْنَاهُ) قَوْله " رَوْضَة خَاخ " بخاءين معجمتين بَينهمَا ألف وَقَالَ السُّهيْلي كَانَ هشيم يصحفها فَيَقُول خاج بخاء وجيم وَذكر البُخَارِيّ أَن أَبَا عوَانَة كَانَ يَقُولهَا كَمَا يَقُول هشيم وَذكر ياقوت مائَة وَثَلَاثِينَ رَوْضَة فِي بِلَاد الْعَرَب مِنْهَا رَوْضَة خَاخ وَهُوَ مَوضِع بَين مَكَّة وَالْمَدينَة قَوْله " ظَعِينَة " بِفَتْح الظَّاء الْمُعْجَمَة وَكسر الْعين الْمُهْملَة وَسُكُون الْيَاء آخر الْحُرُوف وَفتح النُّون وَهِي الْمَرْأَة فِي الهودج وَلَا يُقَال ظَعِينَة إِلَّا وَهِي كَذَلِك لِأَنَّهَا تظعن بارتحال الزَّوْج وَقيل أَصْلهَا الهودج وَسميت بِهِ الْمَرْأَة لِأَنَّهَا تكون فِيهِ وَقَالَ ابْن فَارس الظعينة الْمَرْأَة وَهُوَ من بَاب الِاسْتِعَارَة وَأما الظعائن فالهوادج كَانَت فِيهَا نسَاء أَو لم تكن وَكَانَ اسْمهَا سارة وَقيل أم سارة وَقيل كنُود مولاة لقريش وَقيل

(14/254)


لعمران بن صَيْفِي وَقيل كَانَت من مزينة من أهل العرج وَفِي الإكليل للْحَاكِم وَكَانَت مغنية نواحة تغني بِهِجَاء رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فَأمر بهَا يَوْم الْفَتْح فقتلت وَذكرهَا أَبُو نعيم وَابْن مَنْدَه فِي جملَة الصحابيات وَوَقع فِي كتاب الْأَحْكَام للْقَاضِي إِسْمَاعِيل فِي قصَّة حَاطِب قَالَ للَّذين أرسلهم أَن بهَا امْرَأَة من الْمُسلمين مَعهَا كتاب إِلَى الْمُشْركين وَأَنَّهُمْ لما أَرَادوا أَن يخلعوا ثِيَابهَا قَالَت أولستم مُسلمين انْتهى وَهَذَا مُشكل لِأَن سيدنَا رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - لما دخل مَكَّة ذكرهَا فِي المستثنين بِالْقَتْلِ وَبِمَا قَالَ الْحَاكِم أَيْضا وَيُؤَيِّدهُ مَا ذكر أَبُو عبيد الْبكْرِيّ فَإِن بهَا امْرَأَة من الْمُشْركين وَقَالَ الواحدي قَالَ جمَاعَة الْمُفَسّرين أَن هَذِه الْآيَة يَعْنِي قَوْله تَعَالَى {يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا لَا تَتَّخِذُوا عدوي وَعَدُوكُمْ أَوْلِيَاء} نزلت فِي حَاطِب بن أبي بلتعة وَذَلِكَ أَن سارة مولاة أبي عَمْرو بن صَيْفِي بن هَاشم بن عبد منَاف أَتَت رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - إِلَى الْمَدِينَة من مَكَّة وَهُوَ يتجهز لفتح مَكَّة فَقَالَ مَا جَاءَ بك قَالَت الْحَاجة قَالَ فَأَيْنَ أَنْت عَن شباب أهل مَكَّة وَكَانَت مغنية قَالَت مَا طلب مني شَيْء بعد وقْعَة بدر فكساها وَحملهَا وأتاها حَاطِب بن أبي بلتعة كتب مَعهَا كتابا إِلَى أهل مَكَّة وَأَعْطَاهَا عشرَة دَنَانِير وَكتب فِي الْكتاب إِلَى أهل مَكَّة أَن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - يُرِيدكُمْ فَخُذُوا حذركُمْ فَنزل جِبْرِيل عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام بخبرها فَبعث عليا وَعمَّارًا وَعمر وَالزُّبَيْر وَطَلْحَة والمقداد بن الْأسود وَأَبا مرْثَد وَكَانُوا كلهم فُرْسَانًا وَقَالَ انْطَلقُوا حَتَّى تَأْتُوا رَوْضَة خَاخ فَإِن بهَا ظَعِينَة مَعهَا كتاب إِلَى الْمُشْركين فَخُذُوهُ وخلوا سَبِيلهَا فَإِن لم تَدْفَعهُ إِلَيْكُم فاضربوا عُنُقهَا وَفِي تَفْسِير النَّسَفِيّ أَتَت سارة رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - من مَكَّة إِلَى الْمَدِينَة بعد بدر بِسنتَيْنِ وَرَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - يتجهز لفتح مَكَّة فَقَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - " أَمُسْلِمَة جِئْت قَالَت لَا قَالَ أمهاجرة جِئْت قَالَت لَا قَالَ فَمَا حَاجَتك قَالَت ذهب الموَالِي يَعْنِي قتلوا يَوْم بدر فَاحْتَجت حَاجَة شَدِيدَة فَقدمت عَلَيْكُم لتعطوني وتكسوني وتحملوني فَحَث عَلَيْهَا رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - بني عبد الْمطلب وَبني الْمطلب فَكَسَوْهَا وَحملُوهَا وأعطوها نَفَقَة فَأَتَاهَا حَاطِب فَكتب مَعهَا إِلَى أهل مَكَّة وَأَعْطَاهَا عشرَة دَنَانِير وَكَسَاهَا بردا واستحملها كتابا إِلَى أهل مَكَّة نسخته من حَاطِب بن أبي بلتعة إِلَى أهل مَكَّة اعلموا أَن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - يُرِيدكُمْ فَخُذُوا حذركُمْ وَقَالَ السُّهيْلي الْكتاب أما بعد فَإِن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قد توجه إِلَيْكُم فِي جَيش كالليل يسير كالسيل وَأقسم بِاللَّه لَو لم يسر إِلَيْكُم إِلَّا وَحده لأظفره الله بكم وأنجز لَهُ بوعده فِيكُم فَإِن الله وليه وناصره " وَفِي تَفْسِير ابْن سَلام " أَن فِيهِ أَن مُحَمَّدًا رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قد نفر إِمَّا إِلَيْكُم وَإِمَّا إِلَى غَيْركُمْ فَعَلَيْكُم الحذر " وَقيل كَانَ فِيهِ أَنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - آذن فِي النَّاس بالغزو وَلَا أرَاهُ يُرِيد غَيْركُمْ فقد أَحْبَبْت أَن يكون لي عنْدكُمْ يَد بكتابي إِلَيْكُم قَوْله " تعادى بِنَا خَيْلنَا " بِلَفْظ الْمَاضِي أَي تبَاعد وتجارى وبالمضارع بِحَذْف إِحْدَى التَّاءَيْنِ قَوْله " أَو لتلْقين الثِّيَاب " قَالَ ابْن التِّين صَوَابه فِي الْعَرَبيَّة بِحَذْف الْيَاء (قلت) الْقيَاس مَا قَالَه لَكِن صحت الرِّوَايَة بِالْيَاءِ فَتَنَاول الكسرة بِأَنَّهَا لمشاكلة لتخْرجن وَبَاب المشاكلة وَاسع فَيجوز كسر الْيَاء وَفتحهَا فالفتحة بِالْحملِ على الْمُؤَنَّث الْغَائِب على طَرِيق الِالْتِفَات من الْخطاب إِلَى الْغَيْبَة قَالَ الْكرْمَانِي ويروى بِفَتْح الْقَاف وَرفع الثِّيَاب قَوْله " فَأَخْرَجته " أَي الْكتاب من عقاصها بِكَسْر الْعين الْمُهْملَة وبالقاف وبالصاد الْمُهْملَة وَهُوَ الشّعْر المضفور وَيُقَال هِيَ الَّتِي تتَّخذ من شعرهَا مثل الْوِقَايَة وكل خصْلَة مِنْهُ عقيصة والعقص لي خصلات الشّعْر بعضه على بعض وَقَالَ الْمُنْذِرِيّ هُوَ لي الشّعْر بعضه على بعض على الرَّأْس وَيدخل أَطْرَافه فِي أُصُوله قَالَ وَيُقَال هِيَ الَّتِي تتَّخذ من شعرهَا مثل الرمانة قَالَ وَقيل العقاص هُوَ الْخَيط الَّذِي يجمع فِيهِ أَطْرَاف الذوائب وعقص الشّعْر ضفره وَيُقَال العقاص السّير الَّذِي يجمع بِهِ شعرهَا على رَأسهَا والعقص الضفر والضفر الفتل وَقَالَ ابْن بطال وَفِي رِوَايَة أخرجته من حجزَتهَا قَوْله " فأتينا بِهِ " أَي بِالْكتاب ويروى بهَا أَي بالصحيفة قَالَ الْكرْمَانِي أَو بِالْمَرْأَةِ قلت فِيهِ نظر لأَنا قد ذكرنَا عَن الواحدي أَن فِي رِوَايَته مَعهَا كتاب إِلَى الْمُشْركين فَخُذُوهُ فَخلوا سَبِيلهَا قَوْله " إِلَى أنَاس من الْمُشْركين " قَالَ الْكرْمَانِي هُوَ كَلَام الرَّاوِي وضع مَوضِع إِلَى فلَان وَفُلَان الْمَذْكُورين فِي الْكتاب قلت لم يطلع الْكرْمَانِي على أَسمَاء الْمَكْتُوب إِلَيْهِم فَلذَلِك قَالَ هَكَذَا وَالَّذين كتب إِلَيْهِم هم صَفْوَان بن أُميَّة وَسُهيْل بن عَمْرو وَعِكْرِمَة بن أبي جهل قَوْله " مُلْصقًا فِي قُرَيْش " أَي مُضَافا إِلَيْهِم وَلست مِنْهُم وأصل ذَلِك من إلصاق الشَّيْء بِغَيْرِهِ لَيْسَ مِنْهُ وَلذَلِك قيل للدعي فِي الْقَوْم ملصق وَقيل مَعْنَاهُ حليفا وَلم يكن من نفس قُرَيْش وأقربائهم قَوْله " وَكَانَ مَعَك " كَذَا فِي الرِّوَايَة الصَّحِيحَة

(14/255)


وَعند مُسلم مِمَّن مَعَك بِزِيَادَة من وَالصَّوَاب إِسْقَاطهَا لِأَن من لَا تزاد فِي الْمُوجب عِنْد الْبَصرِيين وَأَجَازَهُ بعض الْكُوفِيّين قَوْله " إِذْ فَاتَنِي ذَلِك " كلمة إِذْ بِمَعْنى حِين وَذَلِكَ إِشَارَة إِلَى قَوْله لَهُم قَرَابَات يحْمُونَ بهَا أَهْليهمْ وأمولهم قَوْله " أَن أَتَّخِذ " كلمة أَن مَصْدَرِيَّة فِي مَحل النصب لِأَنَّهُ مفعول أَحْبَبْت قَوْله " يدا " أَي نعْمَة ومنة عَلَيْهِم قَوْله " كفرا " نصب على التَّمْيِيز وَمَا بعده عطف عَلَيْهِ قَوْله " هَذَا الْمُنَافِق " إِنَّمَا أطلق عمر رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ اسْم النِّفَاق عَلَيْهِ لِأَنَّهُ والى كفار قُرَيْش وَبَاطِنهمْ وَإِنَّمَا فعل حَاطِب ذَلِك متأولا فِي غير ضَرَر لرَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَعلم الله صدق نِيَّته فَنَجَّاهُ من ذَلِك وَقَالَ الْحَافِظ قَالَ عمر دَعْنِي أضْرب عُنُقه يَعْنِي كفر وَقَالَ الباقلاني فِي قَضِيَّة هَذَا الْكتاب هَذِه اللَّفْظَة لَيست بمعروفة قيل يحْتَمل أَن يكون المُرَاد بهَا كفر النِّعْمَة وَقَالَ ابْن التِّين يحْتَمل أَن يكون قَول عمر هَذَا قبل قَوْله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - لقد صدقكُم وَقد أثبت الله لَهُ الْإِيمَان فِي قَوْله {يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا لَا تَتَّخِذُوا عدوي وَعَدُوكُمْ} الْآيَة وَكَانَت أمه بِمَكَّة فَأَرَادَ أَن يحفظوها فِيهَا وَعَن الطَّبَرِيّ كَانَ هَذَا من حَاطِب هفوة وَقد قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فِيمَا روته عمْرَة عَن عَائِشَة أقيلوا ذَوي الهيئات عثراتهم قَالَ فَإِن ظن ظان أَن صفحه عَنهُ كَانَ لما أعلم الله من صدقه فَلَا يجوز لمن بعد الرَّسُول أَن يعلم ذَلِك فَإِن ظن فقد ظن خطأ لِأَن أَحْكَام الله عز وَجل فِي عباده إِنَّمَا تجْرِي على مَا ظهر مِنْهُم لَا بِمَا يظنّ قَوْله " لَعَلَّ الله " كلمة لَعَلَّ اسْتعْملت اسْتِعْمَال عَسى قَالَ النَّوَوِيّ معنى الترجي فِيهَا رَاجع إِلَى عمر رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ لِأَن وُقُوع هَذَا الْأَمر مُحَقّق عِنْده - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَمَا يدْريك على التَّحْقِيق بعثا لَهُ على التفكر والتأمل وَمَعْنَاهُ أَن الغفران لَهُم فِي الْآخِرَة وَإِلَّا فَلَو توجه على أحد مِنْهُم حد استوفي مِنْهُ قَوْله " اعْمَلُوا مَا شِئْتُم " ظَاهره الِاسْتِقْبَال وَقَالَ ابْن الْجَوْزِيّ لَيْسَ هُوَ على الِاسْتِقْبَال وَإِنَّمَا هُوَ للماضي تَقْدِيره اعْمَلُوا مَا شِئْتُم أَي عمل كَانَ لكم فقد غفر وَيدل على هَذَا شَيْئا أَحدهمَا أَنه لَو كَانَ للمستقبل كَانَ جَوَابه فسأغفر وَالثَّانِي أَنه يكون إطلاقا فِي الذُّنُوب وَلَا وَجه لذَلِك وَقَالَ الْقُرْطُبِيّ هَذَا التَّأْوِيل وَإِن كَانَ حسنا لَكِن فِيهِ بعد لِأَن اعْمَلُوا صِيغَة أَمر وَهِي مَوْضُوعَة للاستقبال وَلم تضع الْعَرَب قطّ صِيغَة الْأَمر مَوضِع الْمَاضِي لَا بِقَرِينَة وَلَا بِغَيْر قرينَة كَذَا نَص عَلَيْهِ النحويون وَصِيغَة الْأَمر إِذا وَردت بِمَعْنى الْإِبَاحَة إِنَّمَا هِيَ بِمَعْنى الْإِنْشَاء والابتداء لَا بِمَعْنى الْمَاضِي فَكَانَ كَقَوْل الْقَائِل أَنْت وَكيلِي وَقد جعلت لَك التَّصَرُّف كَيفَ شِئْت فَإِنَّمَا يَقْتَضِي إِطْلَاق التَّصَرُّف من وَقت التَّوْكِيل لَا قبل ذَلِك قَالَ وَقد ظهر لي وَجه وَهُوَ أَن هَذَا الْخطاب خطاب إكرام وتشريف يتَضَمَّن أَن هَؤُلَاءِ الْقَوْم حصلت لَهُم حَالَة غفرت بهَا ذنوبهم السالفة وتأهلوا أَن يغْفر لَهُم ذنُوب مستأنفة إِن وَقعت مِنْهُم لَا أَنهم نجزت لَهُم فِي ذَلِك الْوَقْت مغْفرَة الذُّنُوب اللاحقة بل لَهُم صَلَاحِية أَن يغْفر لَهُم مَا عساه أَن يَقع وَلَا يلْزم من وجود الصلاحية لشَيْء مَا وجود ذَلِك الشَّيْء إِذْ لَا يلْزم من وجود أَهْلِيَّة الْخلَافَة وجودهَا لكل من وجدت مِنْهُ أهليتها وَكَذَلِكَ الْقَضَاء وَغَيره وعَلى هَذَا فَلَا يَأْمَن من حصلت لَهُ أَهْلِيَّة الْمَغْفِرَة من الْمُؤَاخَذَة على مَا عساه أَن يَقع من الذُّنُوب ثمَّ أَن الله عز وَجل أظهر صدق رَسُوله فِي كل من أخبر عَنهُ بِشَيْء من ذَلِك فَإِنَّهُم لم يزَالُوا على أَعمال أهل الْجنَّة إِلَى أَن توفوا وَمن وَقع مِنْهُم فِي أَمر مَا أَو مُخَالفَة لَجأ إِلَى تَوْبَة ولازمها حَتَّى لَقِي الله عَلَيْهَا يعلم ذَلِك قطعا من حَالهم من طالع سيرهم وأخبارهم قَوْله " قَالَ سُفْيَان " وَأي إِسْنَاد هَذَا أَرَادَ بِهِ سُفْيَان بن عُيَيْنَة تَعْظِيم هَذَا الْإِسْنَاد وَصِحَّته وقوته لِأَن رِجَاله هم الأكابر الْعُدُول الثِّقَات الْحفاظ (ذكر مَا يُسْتَفَاد مِنْهُ) فِيهِ هتك سر الجاسوس رجلا كَانَ أَو امْرَأَة إِذا كَانَت فِي ذَلِك مصلحَة أَو كَانَ فِي السّتْر مفْسدَة وَقَالَ الدَّاودِيّ الجاسوس يقتل وَإِنَّمَا نفى الْقَتْل عَن حَاطِب لما علم النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - مِنْهُ وَلَكِن مَذْهَب الشَّافِعِي وَطَائِفَة أَن الجاسوس الْمُسلم يُعَزّر وَلَا يجوز قَتله وَإِن كَانَ ذَا هَيْئَة عُفيَ عَنهُ لهَذَا الحَدِيث وَعَن أبي حنيفَة وَالْأَوْزَاعِيّ يوجع عُقُوبَة ويطال حَبسه وَقَالَ ابْن وهب من الْمَالِكِيَّة يقتل إِلَّا أَن يَتُوب وَعَن بَعضهم أَنه يقتل إِذا كَانَت عَادَته ذَلِك وَبِه قَالَ ابْن الْمَاجشون وَقَالَ ابْن الْقَاسِم يضْرب عُنُقه لِأَنَّهُ لَا تعرف تَوْبَته وَبِه قَالَ سَحْنُون وَمن قَالَ بقتْله فقد خَالف الحَدِيث وأقوال الْمُتَقَدِّمين وَقَالَ الْأَوْزَاعِيّ فَإِن كَانَ كَافِرًا يكون ناقضا للْعهد وَقَالَ أصبغ الجاسوس الْحَرْبِيّ يقتل وَالْمُسلم وَالذِّمِّيّ

(14/256)


يعاقبان إِلَّا أَن يظاهرا على الْإِسْلَام فيقتلان وَفِيه كَمَا قَالَ الطَّبَرِيّ إِذا ظهر للْإِمَام رجل من أهل السّتْر أَنه قد كَاتب عدوا من الْمُشْركين ينذره مِمَّا أسره الْمُسلمُونَ فيهم من عزم وَلم يكن مَعْرُوفا بالغش لِلْإِسْلَامِ وَأَهله وَكَانَ ذَلِك من فعله هفوة وزلة من غير أَن يكون لَهَا أَخَوَات يجوز الْعَفو عَنهُ كَمَا فعل رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - بحاطب من عَفوه عَن جرمه بَعْدَمَا اطلع عَلَيْهِ من فعله وَفِيه الْبَيَان عَن بعض أَعْلَام النُّبُوَّة وَذَلِكَ إِعْلَام الله تَعَالَى نبيه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - بِخَبَر الْمَرْأَة الحاملة كتاب حَاطِب إِلَى قُرَيْش ومكانها الَّذِي هِيَ بِهِ وَذَلِكَ كُله بِالْوَحْي وَفِيه هتك ستر الْمُرِيب وكشف الْمَرْأَة العاصية وَفِيه أَن الجاسوس لَا يُخرجهُ تجسسه من الْإِيمَان وَفِيه الْحجَّة لترك إِنْفَاذ الْوَعيد من الله لمن شَاءَ ذَلِك لقَوْله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - لَعَلَّ الله اطلع على أهل بدر فَقَالَ اعْمَلُوا مَا شِئْتُم فقد غفرت لكم وَفِيه جَوَاز غفران مَا تَأَخّر من الذُّنُوب قبل وُقُوعه وَفِيه جَوَاز تَجْرِيد الْعَوْرَة عَن الستْرَة عِنْد الْحَاجة قَالَه ابْن الْعَرَبِيّ وَفِيه دلَالَة على أَن حكم المتأول فِي اسْتِبَاحَة الْمَحْظُور خلاف حكم الْمُتَعَمد لاستحلاله من غير تَأْوِيل قَالَه ابْن الْجَوْزِيّ وَفِيه أَن من أَتَى مَحْظُورًا وَادّعى فِي ذَلِك مَا يحْتَمل التَّأْوِيل كَانَ القَوْل قَوْله فِي ذَلِك وَإِن كَانَ غَالب الظَّن خِلَافه

(بَاب الْكسْوَة للأسارى)
أَي هَذَا بَاب فِي بَيَان مَا جَاءَ من الْكسْوَة للأسارى قَالَ ابْن التِّين الْكسْوَة بِكَسْر الْكَاف وَضمّهَا وَفِي الْمغرب الْكسْوَة اللبَاس وَالضَّم لُغَة وَجمعه كسى بِالضَّمِّ يُقَال كسوته إِذا ألبسته ثوبا والكاسي خلاف العاري وَجمعه كساة كعراة جمع عَار وَالْأسَارَى جَمِيع أَسِير
212 - (حَدثنَا عبد الله بن مُحَمَّد قَالَ حَدثنَا ابْن عُيَيْنَة عَن عَمْرو سمع جَابر بن عبد الله رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ لما كَانَ يَوْم بدر أُتِي بِأسَارَى وَأتي بِالْعَبَّاسِ وَلم يكن عَلَيْهِ ثوب فَنظر النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - لَهُ قَمِيصًا فوجدوا قَمِيص عبد الله بن أبي يقدر عَلَيْهِ فَكَسَاهُ النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - إِيَّاه فَلذَلِك نزع النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَمِيصه الَّذِي ألبسهُ. قَالَ ابْن عُيَيْنَة كَانَت لَهُ عِنْد النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - يَد فَأحب أَن يُكَافِئهُ) مطابقته للتَّرْجَمَة تَأْخُذ من قَوْله فَكَسَاهُ النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - إِيَّاه وَذَلِكَ لِأَن الْعَبَّاس بن عبد الْمطلب عَم النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - كَانَ فِي جملَة الْأُسَارَى يَوْم بدر وَكَانَ عُريَانا فَكَسَاهُ النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَحَدِيث جَابر هَذَا قد مضى فِي أَوَاخِر كتاب الْجَنَائِز فِي بَاب هَل يخرج الْمَيِّت من الْقَبْر بأتم من هَذَا فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ عَن عَليّ بن عبد الله عَن سُفْيَان بن عُيَيْنَة عَن عَمْرو بن دِينَار عَن جَابر إِلَى آخِره وَمضى الْكَلَام فِيهِ هُنَاكَ قَوْله " فَنظر النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - لَهُ " أَي للْعَبَّاس قَمِيصًا أَي نظر يطْلب قَمِيصًا لأَجله فوجدوا قَمِيص عبد الله بن أبي بن سلول وَكَانَ الْعَبَّاس طوَالًا كَأَنَّهُ الْفسْطَاط وَكَانَ أَبوهُ عبد الْمطلب أطول مِنْهُ وَكَانَ ابْنه عبد الله إِذا مَشى مَعَ النَّاس كَأَنَّهُ رَاكب وَالنَّاس مشَاة وَكَانَ الْعَبَّاس أطول مِنْهُ فَلم يَجدوا قَمِيصًا قدره إِلَّا قَمِيص عبد الله بن أبي بن سلول وَهُوَ معنى قَوْله يقدر عَلَيْهِ بِضَم الدَّال من قدرت الثَّوْب عَلَيْهِ قدرا فانقدر أَي جَاءَ على الْمِقْدَار قَوْله " إِيَّاه " أَي قَمِيص عبد الله قَوْله " فَلذَلِك " أَي فلأجل ذَلِك نزع النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَمِيصه من بدنه فألبسه عبد الله بعد وَفَاته مُكَافَأَة على صَنِيعه وَهُوَ معنى قَوْله قَالَ ابْن عُيَيْنَة أَي سُفْيَان بن عُيَيْنَة كَانَت لَهُ أَي لعبد الله عِنْد النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - يَد أَي نعْمَة فَأحب النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَن يُكَافِئهُ وَفِيه أَن الْمُكَافَأَة تكون فِي الْحَيَاة وَبعد الْمَمَات وَفِيه كسْوَة الْأُسَارَى وَالْإِحْسَان إِلَيْهِم وَلَا يتركون عُرَاة فتبدو عَوْرَاتهمْ وَلَا يجوز النّظر إِلَى عورات الْمُشْركين -
341 - (بابُ فَضْلِ مَنْ أسْلَمَ على يَدَيْهِ رَجُلٌ)

أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان فضل من أسلم على يَدَيْهِ رجل.

(14/257)


9003 - حدَّثنا قُتَيْبَةُ بنُ سَعِيدٍ قَالَ حدَّثنا يَعْقُوبُ بنُ عَبْدِ الرحْمانِ بنِ مُحَمَّدِ بنِ عَبْدِ الله ابنِ عَبْدٍ القَارِيُّ عنْ أبِي حازِمٍ قَالَ أخْبَرَنِي سَهْلٌ رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ يَعْنِي ابنَ سَعْدٍ قَالَ قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَوْمَ خَيْبَرَ لأُعْطِيَنَّ الرَّايَةَ غَدا رَجُلاً يُفْتَحُ على يَدَيْهِ يُحِبُّ الله ورَسُولَهُ ويُحِبُّهُ الله ورسُولُهُ فَباتَ النَّاسُ لَيْلَتَهُمْ أيُّهُمْ يُعْطَى فَغَدَوْا كُلَّهُمْ يَرْجُوهُ فَقال أيْنَ عَلِيٌّ فَقيلَ يَشْتَكِي عَيْنَيْهِ فبَصَقَ فِي عَيْنَيْهِ ودَعَا لَهُ فبَرَأ كأنْ لَمْ يَكُنْ بِهِ وجَعٌ فأعْطَاهُ الرَّايَةَ فَقال أُقَاتِلُهُمْ حتَّى يَكُونُوا مِثْلَنَا فَقالَ انْفُدْ عَلَى رِسْلِكَ حتَّى تَنْزِلَ بِساحَتِهِمْ ثُمَّ ادْعُهُمْ إِلَى الإسْلامِ وأخْبِرْهُمْ بِمَا يَجِبُ عَلَيْهِمْ فَوَالله لأِنْ يَهْدِيَ الله بِكَ رَجُلاً خَيْرٌ لَكَ مِنْ أنْ يَكُونَ لَكَ حُمْرُ النَّعَمِ..
مطابقته للتَّرْجَمَة تُؤْخَذ من قَوْله: (لِأَن يهدي الله بك) إِلَى آخِره، وَيَعْقُوب الْقَارِي، بِالْقَافِ وَالرَّاء مَنْسُوب إِلَى: القارة، هم: بَنو الْهون بن خُزَيْمَة بن مدركة بن الياس بن مُضر، وَأَبُو حَازِم، بِالْحَاء الْمُهْملَة وَالزَّاي: سَلمَة بن دِينَار الْأَعْرَج. والْحَدِيث مضى فِي كتاب الْجِهَاد، وَأخرجه أَيْضا فِي الْمَغَازِي عَن قُتَيْبَة فِي الْكل، وَقد مضى الْكَلَام فِيهِ فِي: بَاب مَا قيل فِي لِوَاء النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ من حَدِيث سَلمَة بن الْأَكْوَع.
قَوْله: (أَيهمْ يعْطى) ، بِضَم الْيَاء فِي: يعْطى، وَفتح الطَّاء على صِيغَة الْمَجْهُول، فعلى هَذَا: أَيهمْ، بِضَم الْيَاء ويروى: يُعْطي، على صِيغَة الْمَعْلُوم وعَلى هَذَا: أَيهمْ، بِالنّصب. قَوْله: (يرجوه) ويروى: (يرجونه) . قَوْله: (على رسلك) بِكَسْر الرَّاء وَسُكُون السِّين أَي: على هينتك. قَوْله: (لِأَن يهدي الله) ، كلمة: أَن، مَصْدَرِيَّة فِي مَحل الرّفْع على الِابْتِدَاء، وَخَبره قَوْله: (خير لَك) قَوْله: (من حمر النعم) ، بِضَم الْحَاء، أَي: كرامها وأعلاها منزلَة، قَالَه ابْن الْأَنْبَارِي، وَعَن الْأَصْمَعِي: بعير أَحْمَر إِذا لم يخالط حمرته بِشَيْء، فَإِن خالطت حمرته فَهُوَ كميت، وَالْمرَاد: بحمر النعم، الْإِبِل خَاصَّة، وَهِي أَنْفسهَا وخيارها. قَالَ الْهَرَوِيّ: يذكر وَيُؤَنث، وَأما الْأَنْعَام: فالإبل وَالْبَقر وَالْغنم.

441 - (بابُ الأُسَارَي فِي السَّلاسِل)

أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان كَون الْأُسَارَى فِي السلَاسِل، وَهُوَ جمع سلسلة، وَقَالَ أَبُو دَاوُد: بَاب الْأَسير يوثق، وَذكر فِيهِ حَدِيث ثُمَامَة بن أَثَال، وَحَدِيث الْحَارِث بن برصاء، وأنهما أوثقا وَجِيء بهما إِلَى رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، والإيثاق أَعم من أَن يكون بالسلسلة أَو بالحبال.

0103 - حدَّثنا مُحَمَّدُ بنُ بَشَّارٍ حدَّثنا غُنْدَرٌ قَالَ حدَّثنا شُعْبَةُ عنْ مُحَمَّدِ بنِ زِيادٍ عنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِي الله تَعَالَى عنهُ عنِ النَّبِيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ عجَبَ الله مِنْ قَوْمٍ يَدْخُلُونَ الجَنَّةَ فِي السَّلاسِلِ.
(الحَدِيث 0103 طرفه فِي: 7554) .
قيل: إِن كَانَ المُرَاد حَقِيقَة وضع السلَاسِل فِي الْأَعْنَاق فالترجمة مُطَابقَة، وَإِن كَانَ المُرَاد الْمجَاز عَن الْإِكْرَاه فَلَيْسَتْ بمطابقة. وَقَالَ الْمُهلب: يَعْنِي أَنهم يدْخلُونَ الْجنَّة فِي الْإِسْلَام مكرهين، وسمى الْإِسْلَام باسم الْجنَّة لِأَنَّهُ سَببهَا، وَمن دخله دخل الْجنَّة. قلت: فعلى هَذَا يكون ذكر الْمُسَبّب وَإِرَادَة السَّبَب. قلت: هَذَا مجَاز، وَقيل: يحْتَمل أَن يكون المُرَاد الْمُسلمين المأسورين فِي السلَاسِل عِنْد أهل الْكفْر يموتون على ذَلِك أَو يقتلُون فيحشرون كَذَلِك، وَعبر عَن الْحَشْر بِدُخُول الْجنَّة لثُبُوت دُخُولهمْ فِيهَا. قلت: هَذَا أَيْضا مجَاز، وَلَكِن لَا مَانع أَن يكون المُرَاد من التَّرْجَمَة الْحَقِيقَة على تَقْدِير أَن يُقَال: يدْخلُونَ الْجنَّة، وَكَانُوا فِي الدُّنْيَا فِي السلَاسِل. وَقَالَ الطَّيِّبِيّ: يحْتَمل أَن يكون المُرَاد بالسلسلة الجذب الَّذِي يجذبه الْحق من خلص عباده من الضَّلَالَة إِلَى الْهدى، وَمن الهبوط فِي مهاوي الطبيعة إِلَى العروج للدرجات العلى. قلت: هَذَا أَيْضا مجَاز.
وغندر، بِضَم الْغَيْن الْمُعْجَمَة وَسُكُون النُّون: مُحَمَّد بن جَعْفَر الْبَصْرِيّ.
قَوْله: (عجب الله من قوم) ، قد مر غير مرّة أَن المُرَاد من إِطْلَاق مَا يَسْتَحِيل على الله لَازمه وغايته نَحْو الرِّضَا والإثابة فِيهِ. قَوْله: (يدْخلُونَ الْجنَّة فِي السلَاسِل) ، وَفِي رِوَايَة أبي دَاوُد من طَرِيق حَمَّاد بن سَلمَة عَن مُحَمَّد بن زِيَاد بِلَفْظ: يقادون إِلَى الْجنَّة بالسلاسل.

(14/258)


541 - (بابُ فَضْلِ مَنْ أسْلَمَ مِنْ أهْلِ الكِتَابَيْنِ)

أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان فضل من أسلم من أهل الكتابينِ وهما: التَّوْرَاة وَالْإِنْجِيل وأهلهما: الْيَهُود والنصاري.

1103 - حدَّثنا عَلِيُّ بنُ عَبْدِ الله قَالَ حدَّثنا سُفْيَانُ بنُ عُيَيْنَةَ قَالَ حدَّثنا صالِحُ بنُ حَيٍّ أبُو حَسَنٍ قَالَ سَمِعْتُ الشَّعْبِيَّ يَقُولُ حدَّثني أبُو بُرْدَةَ أنَّهُ سَمِعَ أبَاهُ عنِ النبِيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ ثلاثَةٌ يُؤْتُونَ أجْرَهُمْ مَرَّتَيْنِ الرجُلُ تكُونُ لَهُ الأمَةُ فيُعَلِّمُهَا فيُحْسِنُ تَعْلِيمَها ويُؤدِّيهَا فيُحْسِنُ أدَبَها ثُمَّ يُعْتِقُها فيَتَزَوَّجُها فلَهُ أجْرَانِ ومُؤمِنُ أهْلِ الكِتَابِ الَّذِي كانَ مُؤْمِناً ثُمَّ آمَنُ بالنَّبِيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فلَهُ أجْرَانِ والعَبْدُ الَّذِي يُؤَدِّي حَقَّ الله ويَنْصَحُ لِسَيِّدِهِ فلَهُ أجْرَانِ..
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (وَمُؤمن من أهل الْكتاب) إِلَى قَوْله: (فَلهُ أَجْرَانِ) فَإِذا كَانَ لَهُ أَجْرَانِ فَلهُ الْفضل، وَالشعْبِيّ هُوَ عَامر، وَأَبُو بردة، بِضَم الْبَاء الْمُوَحدَة: اسْمه الْحَارِث، وَيُقَال: عَامر، وَيُقَال: اسْمه كنيته، وَقد مر غير مرّة، وَأَبوهُ أَبُو مُوسَى الْأَشْعَرِيّ واسْمه عبد الله ابْن قيس. والْحَدِيث مر فِي كتاب الْعلم فِي: بَاب تَعْلِيم الرجل أمته وَأَهله، فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ: عَن مُحَمَّد بن سَلام عَن الْمحَاربي عَن صَالح بن حَيَّان عَن عَامر الشّعبِيّ عَن أبي بردة عَن أَبِيه، وَحي لقب حَيَّان، فَلذَلِك ذكر هُنَا بِصَالح بن حَيَّان وَقد مر الْكَلَام فِيهِ هُنَاكَ مستقصىً.
ثُمَّ قالَ الشَّعْبِيُّ وأعْطَيْتكَها بِغَيْرِ شَيْءٍ وقَدح كانَ الرَّجُلُ يرْحَلُ فِي أهْوَنَ مِنْهَا إِلَى المَدِينَةِ

أَي: قَالَ عَامر الشّعبِيّ يُخَاطب صَالحا: أَعطيتك هَذِه الْمَسْأَلَة أَو الْمقَالة، ويروي: أعطيكها، بِلَفْظ الْمُسْتَقْبل. قَوْله: (بِغَيْر شَيْء) ، أَي: بِغَيْر أَخذ مَال مِنْك على جِهَة الْأُجْرَة عَلَيْهِ. قَوْله: (وَقد كَانَ الرجل يرحل) ، أَي: يُسَافر فِي أَهْون مِنْهَا، أَي: من هَذِه الْمَسْأَلَة (إِلَى الْمَدِينَة) أَي: مَدِينَة النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَاللَّام فِيهَا للْعهد، وَفِي: بَاب تَعْلِيم الرجل أمته، قد كَانَ يركب فِيمَا دونهَا، وَمُرَاد الشّعبِيّ من هَذَا الْكَلَام الْحَث على طلب الْعلم، وَلَا سِيمَا إِذا كَانَ الْمعلم حَاضرا، فَافْهَم.