عمدة القاري شرح صحيح البخاري

81 - (بابُ ذِكْرِ أُسَامَةَ بنِ زَيْدٍ)

أَي: هَذَا بَاب فِي ذكر أُسَامَة بن زيد، قَالَ الْكرْمَانِي: قَالَ ذكر أُسَامَة، وَلم يقل: مَنَاقِب أُسَامَة، كَمَا قَالَ فِيمَا تقدم، لِأَن الْمَذْكُور فِي الْبَاب أَعم من المناقب، كالحديث الْآتِي.

2373 - حدَّثنا قُتَيْبَةُ بنُ سَعِيدٍ حدَّثنا لَ يْثٌ عنِ الزُّهْرِيِّ عنْ عُرْوَةَ عنْ عائِشَةَ رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا أنَّ قُرَيْشَاً أهَمَّهُمْ شأنْ المَخْزُومِيَّةِ فَقالُوا مَنْ يَجْتَرِىءُ علَيْهِ إلاَّ أُسَامَةُ بنُ زَيْدٍ حِبُّ رسُولِ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم. .

مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (من يجترىء عَلَيْهِ) إِلَى آخِره. والْحَدِيث مر بأتم مِنْهُ فِي: بَاب مَا ذكر فِي بني إِسْرَائِيل، وَمر الْكَلَام فِيهِ هُنَاكَ.
قَوْله: (شَأْن المخزومية) أَي: أمرهَا وحالها وَاسْمهَا: فَاطِمَة بنت الْأسود بن عبد الْأسد ابْن هِلَال بن عبد الله بن عمر بن مَخْزُوم وعمها أَبُو سَلمَة عبد الله بن مَخْزُوم. قَوْله: (حب) ، الْحبّ بِكَسْر الْحَاء بمعني المحبوب.

(وَحدثنَا عَليّ حَدثنَا سُفْيَان قَالَ ذهبت أسأَل الزُّهْرِيّ عَن حَدِيث المخزومية فصاح بِي

(16/232)


قلت لِسُفْيَان فَلم تحتمله عَن أحد قَالَ وجدته فِي كتاب كَانَ كتبه أَيُّوب بن مُوسَى عَن الزُّهْرِيّ عَن عُرْوَة عَن عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا أَن امْرَأَة من بني مَخْزُوم سرقت فَقَالُوا من يكلم فِيهَا النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فَلم يجترىء أحد أَن يكلمهُ فَكَلمهُ أُسَامَة بن زيد فَقَالَ إِن بني إِسْرَائِيل كَانَ إِذا سرق فيهم الشريف تَرَكُوهُ وَإِذا سرق فيهم الضَّعِيف قطعوه لَو كَانَت فَاطِمَة لَقطعت يَدهَا) هَذَا طَرِيق آخر فِي حَدِيث عَائِشَة رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا أخرجه عَن عَليّ بن عبد الله الْمَعْرُوف بِابْن الْمَدِينِيّ عَن سُفْيَان بن عُيَيْنَة إِلَى آخِره قَوْله قَالَ وجدته أَي قَالَ سُفْيَان وجدت هَذَا الحَدِيث فِي كتاب كتبه أَيُّوب بن مُوسَى بن عَمْرو بن سعيد بن الْعَاصِ الْأمَوِي عَن مُحَمَّد بن مُسلم الزُّهْرِيّ الوجادة أَن يُوقف على كتاب بِخَط شيخ فِيهِ أَحَادِيث لَيْسَ لَهُ رِوَايَة مَا فِيهَا فَلهُ أَن يَقُول وجدت أَو قَرَأت بِخَط فلَان أَو فِي كتاب فلَان بِخَطِّهِ حَدثنَا فلَان ويسوق بَاقِي الْإِسْنَاد والمتن وَقد اسْتمرّ الْعَمَل عَلَيْهِ قَدِيما وحديثا وَهُوَ من بَاب الْمُرْسل وَفِيه شوب من الِاتِّصَال قَوْله " تَرَكُوهُ " يَعْنِي أَحْدَثُوا ذَلِك بعد أَنْبِيَائهمْ قَوْله " لَو كَانَت " يَعْنِي لَو كَانَت السارقة فَاطِمَة لَقطعت يَدهَا وَفِيه ترك الرَّحْمَة فِيمَن وَجب عَلَيْهِ الْحَد -

(بابٌ)
أَي: هَذَا بَاب وَهُوَ كالفصل لما قبله، وَلَيْسَ هَذَا فِي كثير من النّسخ بموجود.

4373 - حدَّثني الحَسَنُ بنُ مُحَمَّدٍ حدَّثنا أبُو عَبَّادٍ يَحْيَى بنُ عَبَّادٍ حدَّثَنا الماجِشُونُ أخْبرَنا عَبْدُ الله بنُ دِينارٍ قَالَ نَظَرَ ابنُ عُمَرَ يَوْماً وهْوَ فِي المَسْجِدِ إِلَى رَجُلٍ يَسْحَبُ ثِياَهُ فِي ناحِيَةٍ مِنَ المَسْجِدِ فَقَالَ انْظُرْ مِنْ هاذَا لَيْتَ هَذَا عِنْدِي قَالَ لَهُ إنْسَانٌ أمَا تَعْرِفُ هَذَا يَا أبَا عَبْدِ الرَّحْمانِ هَذَا مُحَمَّدُ بنُ أُسَامَةَ قَالَ فَطَأطأ ابنُ عُمَرَ رأسَهُ ونَقَرَ بِيَدَيْهِ فِي الأرْضِ ثُمَّ قالَ لَوْ رَآهُ رسُولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لأحَبَّهُ.

مطابقته للتَّرْجَمَة بطرِيق الْإِلْحَاق. وَالْحسن بن مُحَمَّد بن الصَّباح أَبُو عَليّ الزَّعْفَرَانِي وَهُوَ من أَفْرَاده، وَيحيى بن عباد، بتَشْديد الْبَاء الْمُوَحدَة: أَبُو عباد الضبعِي الْبَصْرِيّ، والماجشون هُوَ عبد الْعَزِيز بن عبد الله بن أبي سَلمَة. والْحَدِيث من أَفْرَاده.
قَوْله: (وَهُوَ فِي الْمَسْجِد) الْوَاو فِيهِ للْحَال. قَوْله: (يسحب)

قَوْله: (لَيْت هَذَا عِنْدِي) أَي: قَرِيبا مني حَتَّى أنصحه وأعظه، وَقد رُوِيَ: عَبدِي، بِالْبَاء الْمُوَحدَة، وَكَأَنَّهُ على هَذَا كَانَ أسود اللَّوْن مثل العبيد السود. قَوْله: (لَهُ إِنْسَان) ، أَي: قَالَ لعبد الله بن عمر شخص: أما تعرف هَذَا يَا أَبَا عبد الرَّحْمَن؟ وَهُوَ كنية عبد الله بن عمر. قَوْله: (مُحَمَّد بن أُسَامَة) ، أَي: أُسَامَة بن زيد. قَوْله: (فطأطأ ابْن عمر) أَي: طأطأ رَأسه أَي خفضه. قَوْله: (لَأحبهُ) ، إِنَّمَا قَالَ ذَلِك لما كَانَ يعلم من محبَّة رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لأسامة ولأبيه زيد بن حَارِثَة ولذريتهما، فَإِنَّهُ قَاس مُحَمَّدًا الْمَذْكُور على أَبِيه وعَلى جده حَيْثُ كَانَا محبوبين لرَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم.

5373 - حدَّثنا مُوساى بنُ إسْمَاعِيلَ حدَّثنا مُعْتَمِرٌ قَالَ سَمِعْتُ أبي حدَّثنا أبُو عُثْمَانَ عنْ أُسَامَةَ بنِ زَيْدٍ رَضِي الله تَعَالَى عنهُما حدَّثَ عنِ النَّبِيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أنَّهُ كانَ يأخُذُهُ والحَسَنُ فيَقُولُ اللَّهُمَّ

(16/233)


أحِبَّهُمَا فإنِّي أُحِبُّهُما.
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. ومعتمر هُوَ ابْن سُلَيْمَان يروي عَن أَبِيه، وَأَبُو عُثْمَان هُوَ عبد الرَّحْمَن النَّهْدِيّ.
والْحَدِيث أخرجه البُخَارِيّ أَيْضا فِي فَضَائِل الْحسن عَن مُسَدّد وَفِي الْأَدَب عَن عبد الله بن مُحَمَّد وَعَن عَليّ بن الْمَدِينِيّ. وَأخرجه النَّسَائِيّ، رَحمَه الله، فِي المناقب عَن أبي قدامَة وَعَن الْحسن بن قزعة وَعَن قُتَيْبَة وَعَن سوار بن عبد الله.
قَوْله: (وَالْحسن) هُوَ ابْن عَليّ بن أبي طَالب، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا. قَوْله: (أحبهما) ، بِفَتْح الْهمزَة وَكسر الْحَاء وَفتح الْبَاء الْمُشَدّدَة. قَوْله: (أحبهما) بِضَم الْهمزَة وَضم الْبَاء، وَفِيه: منقبة عَظِيمَة لأسامة بن زيد وَالْحسن بن عَليّ.

6373 - وقالَ نُعَيْمٌ عنِ ابنِ الْمُبَارَكِ أخبرنَا مَعْمَرٌ عنِ الزُّهْريِّ أخبرَنِي مَوْلًى ل أِسَامَةَ بنِ زَيْدٍ أنَّ الحَجَّاجَ بنَ أيْمَنَ بنِ أُمِّ أيْمَنَ وكانَ أيْمَنُ بنُ أُمِّ أيْمَنَ أخَا أُسَامَةَ بنِ زَيْدٍ لأمِّهِ وهْوَ رَجُلٌ مِنَ الأنْصَارِ فرَآهُ ابنُ عُمرَ لاَ يُتِمُّ رَكُوعَهُ وَلَا سُجُودَهُ فَقَالَ أعِدْ.

7373 - قَالَ أبُو عبْدِ الله وحدَّثني سُلَيْمَانُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمانِ حدَّثنَا الوَلِيدُ بنُ مُسْلِمٍ حدَّثنَا عبْدُ الرَّحْمانِ بنُ نَمِرٍ عنِ الزُّهْرِيَّ حدَّثنِي حَرْمَلَةُ مَوْلَى أُسَامَةَ ابنِ زَيْدٍ أنَّهُ بَيْنَمَا هُمَا مَعَ عَبْدِ الله بنُ عُمَرَ إذْ دَخَلَ الحَجَّاجُ بنُ أيْمَنَ فَلَمْ يُتِمَّ رُكُوعَهُ وَلَا سُجُودَهُ فَقَالَ أعِدْ فلَمَّا ولَّى قَالَ لي ابنُ عُمَرَ مَنْ هاذَا قُلْتُ الحَجَّاجُ بنُ أيْمَنَ ابنِ أُمِّ أيْمَنَ فَقَالَ ابنُ عُمَرَ لَوْ رأى هذَا رسُولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لأَحَبَّهُ فَذَكَرَ حُبَّهُ وَمَا ولَدَتْهُ أُمُّ أيْمَنَ قَالَ أوْ زَادَنِي بَعْضُ أصْحَابِي عَنْ سُلَيْمَانَ وكانَتْ حاضِنَةَ النَّبِيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم. (انْظُر الحَدِيث 6373) .

نعيم، بِضَم النُّون هُوَ: حَمَّاد بن مُعَاوِيَة بن الْحَارِث بن سَلمَة بن مَالك أَبُو عبد الله الْخُزَاعِيّ الْمروزِي الْأَعْوَر الرفاء الفارض، أحد شُيُوخ البُخَارِيّ، وَفِي (التَّهْذِيب) : روى عَنهُ البُخَارِيّ مَقْرُونا بِغَيْرِهِ، سكن مصر، وَمَات بسر من رأى مسجوناً فِي محنة سنة ثَمَان وَعشْرين وَمِائَتَيْنِ. قَالَه أَبُو دَاوُد. وَقَالَ إِبْرَاهِيم بن مُحَمَّد نفطويه: كَانَ مُقَيّدا فجر بأقياده وَأُلْقِي فِي حُفْرَة لم يُكفن وَلم يصلَّ عَلَيْهِ، فعل ذَلِك بِهِ صَاحب ابْن أبي دؤاد؟ . وَفِي (التَّهْذِيب) : خرج نعيم إِلَى مصر فَأَقَامَ بهَا نيفاً وَأَرْبَعين سنة ثمَّ حمل إِلَى الْعرَاق فِي امتحان الْقُرْآن مَعَ الْبُوَيْطِيّ مقيدين، فَمَاتَ نعيم بالعسكر بسامرة، وَابْن الْمُبَارك هُوَ عبد الله، وَمعمر بِفَتْح الميمين هُوَ ابْن رَاشد يروي عَن مُحَمَّد بن مُسلم الزُّهْرِيّ، وَمولى أُسَامَة بن زيد هُوَ حَرْمَلَة، بِفَتْح الْحَاء الْمُهْملَة وَسُكُون الرَّاء وَفتح الْمِيم، سمع أُسَامَة وَعلي بن أبي طَالب، روى عَنهُ أَبُو جَعْفَر مُحَمَّد بن عَليّ وَالزهْرِيّ فِي مَوَاضِع، وَالْحجاج بن أَيمن بن عبيد ابْن عَمْرو بن هِلَال الْأنْصَارِيّ الخزرجي، وَقيل: الحبشي، من موالى الْخَزْرَج ابْن أم أَيمن حاضنة رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وأخو أُسَامَة لأمه. قَالَ ابْن إِسْحَاق: استُشهد يَوْم حنين وَله ابْن اسْمه حجاج، وَذكره الذَّهَبِيّ أَيْضا فِي (تَجْرِيد الصَّحَابَة) وَتزَوج أم أَيمن قبل زيد بن حَارِثَة فَولدت لَهُ أَيمن، وَنسب أَيمن إِلَى أمه لشرفها على أَبِيه وشهرتها عِنْد أهل الْبَيْت النَّبَوِيّ، وَتزَوج زيد بن حَارِثَة أم أَيمن، وَكَانَت حاضنة النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، ورثهَا من أَبِيه فَولدت لَهُ أُسَامَة بن زيد، وَعَاشَتْ أم أَيمن بعد النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، قَلِيلا، وَاسْمهَا: بركَة بِفَتْح الْبَاء الْمُوَحدَة، أعْتقهَا أَبُو النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَأسْلمت قَدِيما، وَقَالَ أَبُو عمر: بركَة بنت ثَعْلَبَة بن عَمْرو بن حصن بن مَالك بن سَلمَة بن عَمْرو بن النُّعْمَان، وَهِي: أم أَيمن، غلبت عَلَيْهَا كنيتها، هَاجَرت الهجرتين إِلَى أَرض الْحَبَشَة وَإِلَى الْمَدِينَة جَمِيعًا، وَقَالَ الْوَاقِدِيّ: كَانَت بركَة لعبد الله بن عبد الْمطلب وَصَارَت للنَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَقَالَ أَبُو عمر بِإِسْنَادِهِ إِلَى سُلَيْمَان بن أبي شيخ: كَانَت بركَة لأم رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَكَانَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول: أم أَيمن أُمِّي بعد أُمِّي، وَكَانَ رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يزورها، وَكَانَ أَبُو بكر وَعمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا، يزورانها فِي منزلهَا، كَمَا كَانَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يزورها. .

(16/234)


ذكر مَعْنَاهُ: قَوْله: (وَهُوَ رجل) ، أَي: أَيمن رجل من الْأَنْصَار، وَقد ذَكرْنَاهُ الْآن. قَوْله: (فَرَآهُ ابْن عمر) ، رأى مَعْطُوف على شَيْء مُقَدّر وَهُوَ خبر: أَن الْحجَّاج بن أَيمن رَآهُ عبد الله بن عمر، فرأه يقصر فِي صلَاته وَهُوَ معنى قَوْله: (لَا يتم رُكُوعه وَلَا سُجُوده) . قَوْله: (فَقَالَ: أعد) أَي: قَالَ عبد الله بن عمر للحجاج: أعد صَلَاتك، وَفِي رِوَايَة الْإِسْمَاعِيلِيّ، فَقَالَ: يَا ابْن أخي: أتحسب أَنَّك قد صليت؟ إِنَّك لم تصلِ فأعِد صَلَاتك.
قَوْله: (قَالَ أَبُو عبد الله) ، هُوَ البُخَارِيّ نَفسه (حَدثنِي سُلَيْمَان بن عبد الرَّحْمَن) ابْن ابْنة شُرَحْبِيل بن أَيُّوب الدِّمَشْقِي، عَن الْوَلِيد بن مُسلم الْقرشِي الْأمَوِي الدِّمَشْقِي عَن عبد الرَّحْمَن بن نمر، بِفَتْح النُّون وَكسر الْمِيم: الْيحصبِي، بِلَفْظ مضارع حصب، الدِّمَشْقِي عَن مُحَمَّد بن مُسلم الزُّهْرِيّ عَن حَرْمَلَة ... إِلَى آخِره. قَوْله: (بَيْنَمَا هُوَ) قيل: فِيهِ تَجْرِيد، كَأَن حَرْمَلَة قَالَ: بَيْنَمَا أَنا، فَجرد من نَفسه شخصا فَقَالَ: بَيْنَمَا هُوَ، وَقيل: فِيهِ الْتِفَات من الْحَاضِر إِلَى الْغَائِب. قَوْله: (فَلَمَّا ولَّى) أَي: الْحجَّاج. قَوْله: (قَالَ لي ابْن عمر:) يَا حَرْمَلَة! (من هَذَا؟ قلت: الْحجَّاج بن أَيمن) . قَوْله: (لَأحبهُ) يَعْنِي: لمحبته أَيمن وَأمه أم أَيمن ولأسامة بن زيد. قَوْله: (وَمَا وَلدته أمه) ، كَذَا ثَبت فِي رِوَايَة أبي ذَر بواو الْعَطف وَالضَّمِير على هَذَا لأسامة فِي قَوْله: (فَذكر حبه) أَي: ميله إِلَى أَيمن، يَعْنِي: حبه إِيَّاه وَفِي رِوَايَة غير أبي ذَر: فَذكر حبه مَا وَلدته أم أَيمن، فعلى هَذَا فَالضَّمِير للنَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَمَا وَلدته هُوَ الْمَفْعُول، وَالْمرَاد: بِمَا وَلدته أم أَيمن: مَا وَلدته من ذكر وَأُنْثَى. قَالَ الْكرْمَانِي: فَذكر حبه أَي: حب أَيمن وَأَوْلَاد أم أَيمن، وَالْفَاعِل مَحْذُوف، أَي: رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، أَو حب رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَهَا مَقْرُونا بِأَوْلَادِهَا، فَهُوَ مُضَاف إِلَى الْفَاعِل. قَوْله: (وَزَادَنِي بعض أَصْحَابِي) ، أَي: قَالَ البُخَارِيّ: وَزَادَنِي بعض أَصْحَابِي على مَا مر، قيل: هُوَ إِمَّا يَعْقُوب بن سُفْيَان فَإِنَّهُ رَوَاهُ فِي (تَارِيخه) : عَن سُلَيْمَان بن عبد الرَّحْمَن بِالْإِسْنَادِ الْمَذْكُور وَزَاد فِيهِ: وَكَانَت أم أَيمن حاضنة النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَأما الذهلي فَإِنَّهُ أخرجه فِي (الزهريات) عَن سُلَيْمَان أَيْضا، وَكَأن هَذَا الْقدر لم يسمعهُ البُخَارِيّ من سُلَيْمَان فَحَمله عَن بعض أَصْحَابه، فَبين مَا سَمعه مِمَّا لم يسمعهُ، فَللَّه دره مَا أدق تحريره وَمَا أَشد تحبيره.

91 - (بابُ مَنَاقِبِ عَبْدِ الله بنِ عُمَرَ بنِ الخَطَّابِ رَضِي الله تَعَالَى عنهُما)

أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان مَنَاقِب أبي عبد الرَّحْمَن عبد الله بن عمر بن الْخطاب الْمَكِّيّ الْمدنِي، أسلم قَدِيما مَعَ أَبِيه قبل أَن يبلغ الْحلم وَهُوَ أحد العبادلة وفقهاء الصَّحَابَة والمكثرين مِنْهُم، وَأمه زَيْنَب، وَيُقَال: رايطة بنت مَظْعُون أُخْت عُثْمَان بن مَظْعُون، وأخيه قدامَة بن مَظْعُون، للْجَمِيع صُحْبَة، مَاتَ بِمَكَّة فِي سنة ثَلَاث وَسبعين وعمره سِتّ وَثَمَانُونَ سنة، وَقيل: كَانَ سَبَب مَوته أَن الْحجَّاج دس عَلَيْهِ من مس رجله بِحَرْبَة مَسْمُومَة فَمَرض بهَا إِلَى أَن مَاتَ.

8373 - حدَّثنا إسْحَاقُ بنُ نَصْرٍ حدَّثنا عَبْدُ الرَّزَّاقِ عنْ مَعْمَرٍ عنِ الزُّهْرِيِّ عنْ سالِمٍ عنِ ابنِ عُمَرَ رَضِي الله تَعَالَى عنهُما قَالَ كانَ الرَّجُلُ فِي حَياةِ النِّبِيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إذَا رَأى رُؤْيَا قَصَّهَا عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فتَمَنَّيْتُ أنْ أرَي رُؤيَا أقُصها علَى النَّبِيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وكُنْتُ غُلامَاً أعْزَبَ وكُنْتُ أنامُ فِي المَسْجِدِ علَى عَهْدِ النَّبِيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فرَأيْتُ فِي المَنَامِ كأنَّ مَلَكَيْنِ أخَذَانِي فذَهَبَا بِي إِلَى النَّارِ فإذَا هِيَ مَطْوِيَّةٌ كَطَيِّ البِئْرِ وإذَا لَهَا قَرْنَانِ كَقَرْنَيِّ البِئْرِ وإذَا فِيهَا ناسٌ قَدْ عَرَفْتُهُمْ فجَعَلْتُ أقُولُ أعُوذُ بِاللَّه مِنَ النَّارِ أعُوذُ بِاللَّه مِنَ النَّارِ فلَقِيَهُمَا ملَكٌ آخَرُ فَقَالَ لِي لَنْ تُرَعْ. فَقَصَصْتُهَاعلَى حَفْصَةَ فَقَصَّتْهَا حَفْصَة علَى النَّبِيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ نِعْمَ الرَّجُلُ عَبْدُ الله لَوْ كانَ يُصَلِّي مِنَ اللَّيْلِ قَالَ سالِمٌ فَكانَ عَبْدُ الله لاَ يَنامُ مِنَ اللَّيْلِ إلاَّ قَلِيلاً. .

مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (نعم الرجل عبد الله) ، وَقَول الْملك الثَّالِث: (لن ترع) . وَإِسْحَاق بن نصر هُوَ إِسْحَاق بن إِبْرَاهِيم بن نصر أَبُو إِبْرَاهِيم السَّعْدِيّ البُخَارِيّ، وَكَانَ ينزل مَدِينَة بُخَارى بِبَاب بني سعد، وَوَقع فِي رِوَايَة أبي

(16/235)


ذَر وَحده هَكَذَا: حَدثنَا مُحَمَّد حَدثنَا إِسْحَاق بن نصر، وَأَرَادَ بِمُحَمد البُخَارِيّ نَفسه، وَقد مر فِي كتاب الصَّلَاة فِي: بَاب فضل من تعار من اللَّيْل من حَدِيث نَافِع عَن ابْن عمر مطولا، وَفِيه قصَّة رُؤْيَة الْملكَيْنِ بِمَعْنى مَا فِي ذَلِك.
قَوْله: (رُؤْيا) ، بِدُونِ التَّنْوِين يخْتَص بالمنام، كالرؤية باليقظة، فرقوا بَينهمَا بحرفي التَّأْنِيث أَي: الْألف الْمَقْصُورَة وَالتَّاء. قَوْله: (أعزب) ، وَهُوَ الَّذِي لَا أهل لَهُ، ويروى: عزباً، قَوْله: (وَإِذا لَهَا قرنان) ، كلمة: إِذا، للمفاجأة، والقرنان تَثْنِيَة قرن وَأَرَادَ بهما الطَّرفَيْنِ. قَوْله: (لن ترع بِالْجَزْمِ) ، كَذَا فِي رِوَايَة الْقَابِسِيّ، وَقَالَ ابْن التِّين: هِيَ لُغَة قَليلَة، يَعْنِي: الْجَزْم بلن، وَقَالَ الْقَزاز: وَلَا أحفظ لَهُ شَاهدا، وَفِي رِوَايَة الْأَكْثَرين بِلَفْظ: لن تراع، قَالَ بَعضهم: وَهُوَ الْوَجْه. قلت: لن ترع أَيْضا الْوَجْه، لِأَن الْجَزْم بلن لُغَة حَكَاهَا الْكسَائي، وَمَعْنَاهُ: لَا تخف.

1473 - حدَّثنا يَحْيَى بنُ سُلَيْمَانَ حدَّثنا ابنُ وَهْبٍ عنْ يُونُسَ عنِ الزُّهْرِيِّ عنْ سالِمٍ عنِ ابنِ عُمَرَ عنْ أُخْتِهِ حَفْصَةَ أنَّ النَّبِيَّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ لَهَا إنَّ عَبْدَ الله رَجُلٌ صالِحٌ. .

مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة لِأَن قَول النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (إِن عبد الله رجل صَالح) منقبة عَظِيمَة لَهُ. وَيحيى بن سُلَيْمَان أَبُو سعيد الْجعْفِيّ الْكُوفِي، سكن مصر، يروي عَن عبد الله بن وهب الْمصْرِيّ عَن يُونُس بن يزِيد عَن مُحَمَّد بن مُسلم الزُّهْرِيّ. وَفِيه: رِوَايَة التَّابِعِيّ عَن التَّابِعِيّ. وَفِيه: رِوَايَة الصَّحَابِيّ عَن الصحابية، وَهُوَ أَيْضا رِوَايَة الْأَخ عَن أُخْته.

02 - (بابُ مَناقِبِ عَمَّارٍ وحُذَيْفَةَ رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا)

أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان مَنَاقِب عمار بن يَاسر، وَحُذَيْفَة بن الْيَمَان، ويكنى عمار بِأبي الْيَقظَان الْعَنسِي بالنُّون، وَأمه سميَّة، بِضَم السِّين الْمُهْملَة مصغر، أسلم هُوَ وَأَبوهُ قَدِيما وعذبوا لأجل الْإِسْلَام، وَقتل أَبُو جهل أمه فَكَانَت أول شهيدة فِي الْإِسْلَام، وَمَات أَبوهُ قَدِيما، وعاش عمار إِلَى أَن قتل فِي وقْعَة صفّين، وَكَانَ مَعَ عَليّ بن أبي طَالب مَعَ الفئة العادلة، وَحُذَيْفَة بن الْيَمَان بن جَابر ابْن عَمْرو الْعَبْسِي بِالْبَاء الْمُوَحدَة حَلِيف بني عبد الْأَشْهَل من الْأَنْصَار، وَأسلم هُوَ وَأَبوهُ الْيَمَان، وَمَات بعد قتل عُثْمَان، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، وَقيل: إِنَّمَا جمع البُخَارِيّ بَين عمار وَحُذَيْفَة فِي التَّرْجَمَة لوُقُوع الثَّنَاء عَلَيْهِمَا من أبي الدَّرْدَاء فِي حَدِيث وَاحِد.

2473 - حدَّثنا مالِكُ بنُ إسْمَاعِيلَ حدَّثنا إسْرَائِيلُ عنِ المُغِيرَةِ عنْ إبْرَاهِيمَ عنْ عَلْقَمَةَ قَالَ قَدِمْتُ الشَّأمَ فصَلَّيْتُ رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ قُلْتُ اللَّهُمَّ يَسِّرْ لِي جَلِيسَاً صالِحَاً فأتَيْتُ قَوْمَاً فجَلَسْتُ إلَيْهِمْ فإذَا شَيْخٌ قدْ جاءَ حَتَّى جَلَسَ إلَى جَنْبِي قُلْتُ مَنْ هاذَا قالُوا أبُو الدَّرْدَاءِ فَقُلْتُ إنِّي دَعَوْتُ الله أنْ يُيَسِّرَ لِي جَلِيسَاً صالِحَاً فيَسَّرَكَ لِي قَالَ مِمَّنْ أنْتَ قُلْتُ مِنْ أهْلِ الكُوفَةِ قَالَ أوَلَيْسَ عِنْدَكُمْ ابنُ أُمِّ عَبْدٍ صاحِبُ النَّعْلَيْنِ والوِسادِ والمِطْهَرَةِ وفِيكُمْ الَّذِي أجارَهُ الله مِنَ الشَّيْطَانِ عَلِى لِسانِ نَبِيِّهِ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أوَ لَيْسَ فِيكُمْ صاحِبُ سِرِّ النَّبِيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الَّذِي لَا يَعْلَمُ أحَدٌ غَيْرَهُ ثُمَّ قَالَ كَيْفَ يَقْرَأ عَبْدُ الله واللَّيْلِ إذَا يَغْشَي فَقَرَأتُ علَيْهِ واللَّيْلِ إذَا يَغْشَى والنَّهَارِ إذَا تَجَلَّى والذَّكَرِ والأُنْثَى قَالَ وَالله لَقَدْ أقْرَأنِيهَا رسُولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مِنْ فِيهِ إلَى فِيَّ. .

مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (وَفِيكُمْ الَّذِي أجاره الله من الشَّيْطَان) لِأَن المُرَاد بِهِ هُوَ عمار بن يَاسر، وَفِي قَوْله: (أوليس فِيكُم صَاحب سر النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم) لِأَن المُرَاد بِهِ حُذَيْفَة بن الْيَمَان، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ.
وَمَالك بن إِسْمَاعِيل بن زِيَاد أَبُو غَسَّان النَّهْدِيّ الْكُوفِي، وروى عَنهُ مُسلم بِوَاسِطَة، وَإِسْرَائِيل هُوَ ابْن يُونُس بن أبي إِسْحَاق السبيعِي، والمغيرة هُوَ ابْن مقسم أَبُو هِشَام الضَّبِّيّ الْكُوفِي، وَإِبْرَاهِيم النَّخعِيّ وعلقمة بن قيس النَّخعِيّ.
قَوْله: (فَجَلَست إِلَيْهِم) أَي حَتَّى انْتهى جلوسي إِلَيْهِم. قَوْله: (فَإِذا شيخ) كلمة: إِذا، للمفاجأة. قَوْله: (قَالُوا أَبَا الدَّرْدَاء) ، واسْمه: عُوَيْمِر بن عَامر الْأنْصَارِيّ الخزرجي الْفَقِيه الْحَكِيم، مَاتَ بِدِمَشْق سنة

(16/236)


اثْنَتَيْنِ وَثَلَاثِينَ. قَوْله: (قَالَ: مِمَّن أَنْت؟) ويروى: فَقَالَ، بفاء الْعَطف. قَوْله: (أَو لَيْسَ عنْدكُمْ ابْن أم عبد؟) أَرَادَ بِهِ عبد الله بن مَسْعُود، لِأَن أمه أم عبد بنت عبدود بن سَوَاء مَاتَ ابْن مَسْعُود بِالْمَدِينَةِ، وَقيل: بِالْكُوفَةِ. وَالْأول أثبت سنة اثْنَتَيْنِ وَثَلَاثِينَ، وَقيل: كَانَ مُرَاد أبي الدَّرْدَاء من هَذَا السُّؤَال أَنه فهم من عَلْقَمَة أَنه قدم دمشق لطلب الْعلم، فَقَالَ: أوَليس عنْدكُمْ من الْعلمَاء من لَا يحْتَاج إِلَى غَيره وَيُسْتَفَاد مِنْهُ؟ إِن الشَّخْص لَا يرحل عَن بَلَده لأجل طلب الْعلم إلاَّ إذَا لَمْ يَجِد أحدا يُعلمهُ. قَوْله: (صَاحب النَّعْلَيْنِ) أَي: نَعْلي النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَكَانَ ابْن مَسْعُود هُوَ الَّذِي كَانَ يحمل نَعْلي النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ويتعاهدهما. قَوْله: (والوساد) وَفِي رِوَايَة شُعْبَة: صَاحب السِّوَاك، بِالْكَاف، أَو السوَاد بِالدَّال، وَوَقع فِي رِوَايَة الْكشميهني: والوسادة، وَرِوَايَة: السوَاد، أوجه، لِأَن السوَاد السرَار، براءين بِكَسْر السِّين فيهمَا، والوساد: المخدة. وَقَالَ الْجَوْهَرِي: السوَاد السرَار، تَقول: ساودته مساودة وسواداً، أَي: ساررته، وَأَصله: إدناء سوادك من سوَاده وَهُوَ الشَّخْص. قَوْله: (والمطهرة) ، بِكَسْر الْمِيم: الْإِدَاوَة وكل إِنَاء يتَطَهَّر بِهِ، وَفِي رِوَايَة السَّرخسِيّ: والمطهر، بِغَيْر هَاء، وَكَانَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم خصص ابْن مَسْعُود بِنَفسِهِ اختصاصاً شَدِيدا، كَانَ لَا يَحْجُبهُ رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِذا جَاءَ وَلَا يخفي عَنهُ سره، وَكَانَ يلج عَلَيْهِ ويلبسه نَعْلَيْه ويستره إِذا اغْتسل ويوقظه إِذا نَام، وَكَانَ يعرف فِي الصَّحَابَة بِصَاحِب السوَاد والسواك، وَكَانَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول: إذنك عَليّ أَن ترفع الْحجاب وَتسمع سوَادِي حَتَّى انهاك. قَوْله: (وَفِيكُمْ الَّذِي أجاره الله من الشَّيْطَان؟) كَذَا هُوَ بواو الْعَطف فِي رِوَايَة الْكشميهني، وَفِي رِوَايَة غَيره: أفيكم؟ بِهَمْزَة الِاسْتِفْهَام، وَفِي رِوَايَة شُعْبَة: أَلَيْسَ فِيكُم أَو مِنْكُم؟ بِالشَّكِّ، وَمعنى قَوْله: (الَّذِي أجاره الله من الشَّيْطَان) يَعْنِي على لِسَان نبيه، وَفِي رِوَايَة شُعْبَة: أجاره الله على لِسَان نبيه، وَزَاد فِي رِوَايَته يَعْنِي عماراً، وَأَرَادَ بِهِ قَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: وَيْح عمار يَدعُوهُم إِلَى الْجنَّة ويدعونه إِلَى النَّار، وَذَلِكَ حِين أكرهوه على الْكفْر بسبه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، قيل: وَيحْتَمل أَن يكون المُرَاد بذلك حَدِيث عَائِشَة مَرْفُوعا: مَا خير عمار بَين أَمريْن إلاَّ اخْتَار أشدهما رَوَاهُ التِّرْمِذِيّ. قَوْله: (وَلَيْسَ فِيكُم) الْهمزَة فِيهِ للاستفهام. قَوْله: (صَاحب سر النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم) أَرَادَ بِهِ حُذَيْفَة، فَإِنَّهُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أعلمهُ أموراً من أَحْوَال الْمُنَافِقين، وأموراً من الَّذِي يجْرِي بَين هَذِه الْأمة فِيمَا بعده، وَجعل ذَلِك سرا بَينه وَبَينه. قَوْله: (الَّذِي لَا يعلم) كَذَا هُوَ فِي رِوَايَة الْأَكْثَرين بِحَذْف الضَّمِير الْمَنْصُوب فِي: يعلم، وَفِي رِوَايَة الْكشميهني: الَّذِي لَا يُعلمهُ، وَكَانَ عمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، إِذا مَاتَ وَاحِد يتبع حُذَيْفَة، فَإِن صلى عَلَيْهِ هُوَ صلى عَلَيْهِ أَيْضا عمر، وإلاَّ فَلَا. قَوْله: (كَيفَ يقْرَأ عبد الله) يَعْنِي: ابْن مَسْعُود. قَوْله: (وَالذكر وَالْأُنْثَى) أَي: وَكَانَ يقْرَأ بِدُونِ: وَمَا خلق، وَهَذِه خلاف الْقِرَاءَة المتواترة الْمَشْهُورَة، وَيُقَال: قَرَأَ عبد الله: وَالذكر وَالْأُنْثَى، أنزل كَذَلِك ثمَّ أنزل، وَمَا خلق، فَلم يسمعهُ عبد الله وَلَا أَبُو الدَّرْدَاء، وسَمعه سَائِر النَّاس وأثبتوه، وَهَذَا كظن عبد الله: أَن المعوذتين ليستا من الْقُرْآن، وَالله أعلم.

3473 - حدَّثنا سُلَيْمَانُ بنُ حَرْبٍ حدَّثنا شُعْبَةُ عنْ مُغِيرَةَ عنْ إبْرَاهِيمَ قَالَ ذَهَبَ علْقَمَةُ إِلَى الشَّأمِ فَلَمَّا دَخَلَ المَسْجِدَ قَالَ أللَّهُمَّ يَسِّرْ لِي جَلِيسَاً صَالحا فجَلَسَ إلَى أبي الدَّرْدَاءِ فَقَالَ أبُو الدَّرْدَاءِ مِمَّنْ أنْتَ قَالَ مِنْ أهْلِ الكُوفَةِ قَالَ ألَيْسَ فِيكُمْ أوْ مِنْكُمْ صاحِبُ السِّرِّ الَّذِي لاَ يَعْلَمُهُ غَيْرُهُ يَعْنِي حُذَيْفَةَ قَالَ قُلْتُ بلَى قَالَ ألَيْسَ فِيكُمْ أوْ مِنْكُمْ الَّذِي أجَارَهُ الله علَى لِسَانِ نَبِيِّهِ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَعْنِي مِنَ الشَّيْطَانِ يعْنِي عَمَّارَاً قُلْتُ بَلَى قَالَ ألَيْسَ فيكُمْ أوْ مِنْكُمْ صاحِبُ السِّوَاك أَو السِّرَارِ قَالَ بَلَى قَالَ كَيْفَ كانَ عَبْدُ الله يَقْرَأُ واللَّيْلِ إذَا يَغْشَى والنَّهارِ إذَا تَجَلَّى قُلْتُ والذكَرِ والأنْثَى قَالَ مَا زَالَ بِي هاؤُلاءِ حَتَّى كادُوا يَسْتَنْزِلُونِي عنْ شَيْءٍ سَمِعْتُهُ مِنْ رَسُولِ لله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم. .

هَذَا طَرِيق آخر فِي الحَدِيث الْمَذْكُور من طَرِيق سُلَيْمَان بن حَرْب، وَهُوَ فِي نفس الْأَمر يُفَسر بعضه بعض الحَدِيث السَّابِق. قَوْله: (قَالَ: مِمَّن أَنْت) ويروى: فَقَالَ لي: مِمَّن أَنْت؟ قَوْله: (من الشَّيْطَان على لِسَان نبيه) ويروى: من الشَّيْطَان، يَعْنِي على لِسَان نبيه. قَوْله: (أَو السرَار) شكّ من الرَّاوِي. قَوْله: (يستنزلوني) ويروي: يستنزلونني. قَوْله: (من رَسُول الله) ويروى: من نَبِي الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَالله أعلم.

(16/237)


12 - (بابُ مَنَاقِبِ أبِي عُبَيْدَةَ بنِ الجَرَّاحِ رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ)

أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان مَنَاقِب أبي عُبَيْدَة واسْمه: عَامر بن عبد الله بن الْجراح بن هِلَال بن أهيب بن ضبة بن الْحَارِث بن فهر، يجْتَمع مَعَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي فهر بن مَالك، وَعدد مَا بَينهمَا من الْآبَاء متفاوت جدا بِخَمْسَة آبَاء، فَيكون أَبُو عُبَيْدَة من حَيْثُ الْعدَد فِي دَرَجَة: عبد منَاف، وَمِنْهُم من أَدخل فِي نسبه بَين الْجراح وهلال: ربيعَة، فَيكون على هَذَا فِي دَرَجَة: هَاشم، وَأمه أم غنم بنت جَابر بن عبد الله بن الْعَلَاء بن عَامر بن عميرَة بن الْوَدِيعَة بن الْحَارِث بن فهر، وَيُقَال: أُمَيْمَة بنت جَابر بن عبد الْعُزَّى، وَمن بني الْحَارِث بن فهر، وَهُوَ أَمِين هَذِه الْأمة، وَقتل أَبوهُ يَوْم بدر كَافِرًا، وَيُقَال: إِنَّه هُوَ الَّذِي قَتله، وَمَات أَبُو عُبَيْدَة وَهُوَ أَمِير على الشَّام من قبل عمر بن الْخطاب، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، مَاتَ سنة ثَمَان عشرَة فِي طاعون عمواس، وقبره بغور بيسان عِنْد قَرْيَة تسمى: عمتا، وَصلى عَلَيْهِ معَاذ بن جبل.

4473 - حدَّثنا عَمْرُو بنُ عَلِيٍّ حدَّثنا عَبْدُ الأعلَى حدَّثنا خالِدٌ عنْ أبِي قِلابَةَ قَالَ حدَّثني أنَسُ بنُ مالِكٍ أنَّ رسُولَ الله قَالَ إنَّ لِكُلِّ أمَّةٍ أمِيناً وإنَّ أمينَنا أيَّتُهَا الأُمَّةُ أبُو عُبَيْدَةَ بنُ الجَرَّاحِ.
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. وَعَمْرو بن عَليّ بن بَحر أَبُو حَفْص الْبَاهِلِيّ الْبَصْرِيّ الصَّيْرَفِي، وَهُوَ شيخ مُسلم أَيْضا، وَعبد الْأَعْلَى أَبُو مُحَمَّد السَّامِي الْبَصْرِيّ، وخَالِد هُوَ بن مهْرَان الْحذاء، وَأَبُو قلَابَة، بِكَسْر الْقَاف وَتَخْفِيف اللَّام واسْمه عبد الله بن زيد الْجرْمِي.
والْحَدِيث أخرجه البُخَارِيّ أَيْضا فِي الْمَغَازِي عَن أبي الْوَلِيد وَفِي خبر الْوَاحِد عَن سُلَيْمَان بن حَرْب. وَأخرجه مُسلم فِي الْفَضَائِل عَن أبي بكر وَزُهَيْر. وَأخرجه النَّسَائِيّ فِي المناقب عَن حميد بن مسْعدَة.
قَوْله: (أميننا) ، الْأمين الثِّقَة الرِّضَا. قَوْله: (أيتها الْأمة) ، صورته صُورَة النداء، لَكِن المُرَاد مِنْهُ الِاخْتِصَاص، أَي: أميننا مخصوصين من بَين الْأُمَم أَبُو عُبَيْدَة، فعلى هَذَا يكون مَنْصُوبًا على الِاخْتِصَاص، وَقَالَ القَاضِي: هُوَ بِالرَّفْع على النداء، والأفصح أَن يكون مَنْصُوبًا على الِاخْتِصَاص، وَالْأَمَانَة مُشْتَركَة بَين أبي عُبَيْدَة وَغَيره من الصَّحَابَة، لَكِن الْمَقْصُود بَيَان زيادتها فِي أبي عُبَيْدَة وَالنَّبِيّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، خص كل وَاحِد من كبار الصَّحَابَة بفضيلة وَاحِدَة وَصفه بهَا، فأشعر بِقدر زَائِد فِيهَا على غَيره، يُوضح ذَلِك مَا رَوَاهُ التِّرْمِذِيّ من حَدِيث قَتَادَة عَن أنس بن مَالك، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، قَالَ: قَالَ رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (أرْحم أمتِي بأمتي أَبُو بكر، وأشدهم فِي أَمر الله عمر، وأصدقهم حَيَاء عُثْمَان، وأعلمهم بالحلال وَالْحرَام معَاذ بن جبل، وأفرضهم زيد بن ثَابت، وأقرؤهم أبي بن كَعْب، وَلكُل أمة أَمِين، وَأمين هَذِه الْأمة أَبُو عُبَيْدَة بن الْجراح) . وَرَوَاهُ ابْن حبَان أَيْضا.

5473 - حدَّثنا مُسْلِمُ بنُ إبْرَاهِيمَ حدَّثنَا شُعْبَةُ عنْ أبِي إسْحَاقَ عنْ صِلَةَ عنْ حُذَيْفَةَ رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ قَالَ قَالَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لأَهْلِ نَجْرَانَ لأَبْعَثَنَّ يَعْنِي عَلَيْكُمْ يَعْنِي أمِيناً حَقَّ أمِينٍ فأشْرَفَ أصْحَابُهُ فبَعَثَ أبَا عُبَيْدَةَ رَضِي الله تَعَالَى عنهُ. .

مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (حق أَمِين) . وَأَبُو إِسْحَاق عمر بن عبد الله السبيعِي، وصلَة، بِكَسْر الصَّاد الْمُهْملَة وَتَخْفِيف اللَّام: هُوَ ابْن زفر الْعَبْسِي الْكُوفِي، مَاتَ فِي زمن مُصعب بن الزبير.
والْحَدِيث أخرجه البُخَارِيّ أَيْضا فِي خبر الْوَاحِد عَن سُلَيْمَان بن حَرْب وَفِي الْمَغَازِي عَن بنْدَار وَعَن الْعَبَّاس بن سُهَيْل، وَأخرجه مُسلم فِي الْفَضَائِل عَن أبي مُوسَى وَبُنْدَار عَن إِسْحَاق بن إِبْرَاهِيم، وَأخرجه التِّرْمِذِيّ فِي المناقب عَن مَحْمُود بن غيلَان. وَأخرجه النَّسَائِيّ فِيهِ عَن إِسْحَاق بن إِبْرَاهِيم بِهِ وَعَن نصر بن عَليّ وَإِسْمَاعِيل بن مَسْعُود. وَأخرجه ابْن مَاجَه فِي السّنة عَن بنْدَار بِهِ وَعَن عَليّ بن مُحَمَّد.
قَوْله: (عَن حُذَيْفَة) ، قَالَ أَبُو مَسْعُود الدِّمَشْقِي: هَكَذَا قَالَ يحيى بن آدم فِيهِ: عَن إِسْرَائِيل عَن أبي إِسْحَاق عَن صلَة عَن حُذَيْفَة، وَيحيى إِمَام، وَقَالَ غَيره: عَن إِسْرَائِيل عَن أبي إِسْحَاق عَن صلَة عَن ابْن مَسْعُود وَحُذَيْفَة أصح. قَوْله: (لأهل نَجْرَان)

(16/238)


بِفَتْح النُّون وَسُكُون الْجِيم وبالراء: بلد بِالْيمن وَأَهْلهَا العاقب واسْمه عبد الْمَسِيح وَالسَّيِّد وَأَبُو الْحَارِث بن عَلْقَمَة وَأَخُوهُ كرز وَأَوْس وَزيد بن قيس وَشَيْبَة وخويلد وَعَمْرو وَعبيد الله، وَكَانَ وَفد نَجْرَان سنة تسع كَمَا ذكره ابْن سعد، وَكَانُوا أَرْبَعَة عشر رجلا من أَشْرَافهم، وَكَانُوا نَصَارَى وَلم يسلمُوا إِذْ ذَاك، ثمَّ لم يلبث السَّيِّد وَالْعَاقِب إلاَّ يَسِيرا حَتَّى أَتَيَا إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فَأَسْلمَا، وَقَالَ ابْن إِسْحَاق: قدم وَفد نَصَارَى نَجْرَان سِتُّونَ رَاكِبًا، مِنْهُم أَرْبَعَة وَعِشْرُونَ رجلا من أَشْرَافهم وَثَلَاثَة مِنْهُم يؤول إِلَيْهِم أَمرهم وهم: الْعَاقِد وَالسَّيِّد وَأَبُو حَارِثَة أحد بني بكر بن وَائِل أسقفهم وَصَاحب مدارسهم، وَلما دخلُوا الْمَسْجِد النَّبَوِيّ دخلُوا فِي تجمل وَثيَاب حسان وَقد حانت صَلَاة الْعَصْر، فَقَامُوا يصلونَ إِلَى الْمشرق، فَقَالَ رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم دعوهم، وَكَانَ الْمُتَكَلّم أَبَا حَارِثَة وَالسَّيِّد وَالْعَاقِب وسألوه أَن يُرْسل مَعَهم أَمينا. فَبعث مَعَهم أَبَا عُبَيْدَة بن الْجراح، وَكَانَ أَبُو حَارِثَة يعرف أَمر رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَلَكِن صده الشّرف والجاه عَن اتِّبَاع الْحق. قَوْله: (لَأَبْعَثَن) ، أَي: لما سَأَلُوا أَن يُرْسل إِلَيْهِم أَمينا قَالَ: لَأَبْعَثَن أَمينا حق أَمِين. قَوْله: (يَعْنِي: عَلَيْكُم، يَعْنِي: أَمينا) رِوَايَة الْأَكْثَرين، وَفِي رِوَايَة أبي ذَر: لَأَبْعَثَن حق أَمِين، وَفِي رِوَايَة مُسلم: لَأَبْعَثَن إِلَيْكُم رجلا أَمينا حق أَمِين. قَوْله: (فَأَشْرَف أَصْحَابه) ، أَي: تطلعوا إِلَى الْولَايَة وَرَغبُوا فِيهَا حرصاً على أَن يكون هُوَ الْأمين الْمَوْعُود فِي الحَدِيث، لَا حرصاً على الْولَايَة من حَيْثُ هِيَ، وَفِي رِوَايَة مُسلم: فاستشرف لَهَا أَصْحَاب رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، قَوْله: (فَبعث أَبَا عُبَيْدَة) ، وَفِي رِوَايَة أبي يعلى: قُم يَا أَبَا عُبَيْدَة، فَأرْسلهُ مَعَهم.

(بابُ مَنَاقِبِ مُصْعَبٍ بنِ عُمَيْرٍ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان مَنَاقِب مُصعب. ذكر مَنَاقِب مُصعب بن عميير وَلم يذكر فِيهِ شَيْئا، وَكَأَنَّهُ لم يجد شَيْئا على شَرطه وبيض لَهُ، وَفِي بعض النّسخ: ذكر مُصعب بن عُمَيْر لَيْسَ إلاَّ. وَمصْعَب بن عُمَيْر بن هَاشم بن عبد منَاف بن عبد الدَّار بن قصي الْقرشِي الْعَبدَرِي، يكنى أَبَا عبد الله، كَانَ من أجلة الصَّحَابَة وفضلائهم، وَكَانَ رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، قد بَعثه إِلَى الْمَدِينَة قبل الْهِجْرَة بعد الْعقبَة الثَّانِيَة يُقْرِئهُمْ الْقُرْآن ويفقههم فِي الدّين، وَكَانَ يدعى القاريء والمقرىء، وَيُقَال: إِنَّه أول من جمع الْجُمُعَة بِالْمَدِينَةِ قبل الْهِجْرَة، وَقتل يَوْم أحد شَهِيدا، قَتله ابْن قمية اللَّيْثِيّ فِيمَا قَالَ ابْن إِسْحَاق وَهُوَ يَوْمئِذٍ ابْن أَرْبَعِينَ سنة، أَو أَزِيد شَيْئا وَأسلم بعد دُخُول رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، دَار الأرقم، وَكَانَ بلغه أَن رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، يَدْعُو إِلَى الْإِسْلَام فِي دَار الأرقم، فَدخل وَأسلم وكتم إِسْلَامه خوفًا من أمه وَقَومه، وَكَانَ يخْتَلف إِلَى رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، سرا فَبَصر بِهِ عُثْمَان بن طَلْحَة يُصَلِّي فَأخْبر بِهِ قومه وَأمه فَأَخَذُوهُ فحبسوه، فَلم يزل مَحْبُوسًا حَتَّى خرج إِلَى أَرض الْحَبَشَة وَهَاجَر إِلَى أَرض الْحَبَشَة فِي أول من هَاجر إِلَيْهَا ثمَّ شهد بَدْرًا.

5473 - حدَّثنا مُسْلِمُ بنُ إبْرَاهِيمَ حدَّثنَا شُعْبَةُ عنْ أبِي إسْحَاقَ عنْ صِلَةَ عنْ حُذَيْفَةَ رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ قَالَ قَالَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لأَهْلِ نَجْرَانَ لأَبْعَثَنَّ يَعْنِي عَلَيْكُمْ يَعْنِي أمِيناً حَقَّ أمِينٍ فأشْرَفَ أصْحَابُهُ فبَعَثَ أبَا عُبَيْدَةَ رَضِي الله تَعَالَى عنهُ. .

مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (حق أَمِين) . وَأَبُو إِسْحَاق عمر بن عبد الله السبيعِي، وصلَة، بِكَسْر الصَّاد الْمُهْملَة وَتَخْفِيف اللَّام: هُوَ ابْن زفر الْعَبْسِي الْكُوفِي، مَاتَ فِي زمن مُصعب بن الزبير.
والْحَدِيث أخرجه البُخَارِيّ أَيْضا فِي خبر الْوَاحِد عَن سُلَيْمَان بن حَرْب وَفِي الْمَغَازِي عَن بنْدَار وَعَن الْعَبَّاس بن سُهَيْل، وَأخرجه مُسلم فِي الْفَضَائِل عَن أبي مُوسَى وَبُنْدَار عَن إِسْحَاق بن إِبْرَاهِيم، وَأخرجه التِّرْمِذِيّ فِي المناقب عَن مَحْمُود بن غيلَان. وَأخرجه النَّسَائِيّ فِيهِ عَن إِسْحَاق بن إِبْرَاهِيم بِهِ وَعَن نصر بن عَليّ وَإِسْمَاعِيل بن مَسْعُود. وَأخرجه ابْن مَاجَه فِي السّنة عَن بنْدَار بِهِ وَعَن عَليّ بن مُحَمَّد.
قَوْله: (عَن حُذَيْفَة) ، قَالَ أَبُو مَسْعُود الدِّمَشْقِي: هَكَذَا قَالَ يحيى بن آدم فِيهِ: عَن إِسْرَائِيل عَن أبي إِسْحَاق عَن صلَة عَن حُذَيْفَة، وَيحيى إِمَام، وَقَالَ غَيره: عَن إِسْرَائِيل عَن أبي إِسْحَاق عَن صلَة عَن ابْن مَسْعُود وَحُذَيْفَة أصح. قَوْله: (لأهل نَجْرَان) بِفَتْح النُّون وَسُكُون الْجِيم وبالراء: بلد بِالْيمن وَأَهْلهَا العاقب واسْمه عبد الْمَسِيح وَالسَّيِّد وَأَبُو الْحَارِث بن عَلْقَمَة وَأَخُوهُ كرز وَأَوْس وَزيد بن قيس وَشَيْبَة وخويلد وَعَمْرو وَعبيد الله، وَكَانَ وَفد نَجْرَان سنة تسع كَمَا ذكره ابْن سعد، وَكَانُوا أَرْبَعَة عشر رجلا من أَشْرَافهم، وَكَانُوا نَصَارَى وَلم يسلمُوا إِذْ ذَاك، ثمَّ لم يلبث السَّيِّد وَالْعَاقِب إلاَّ يَسِيرا حَتَّى أَتَيَا إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فَأَسْلمَا، وَقَالَ ابْن إِسْحَاق: قدم وَفد نَصَارَى نَجْرَان سِتُّونَ رَاكِبًا، مِنْهُم أَرْبَعَة وَعِشْرُونَ رجلا من أَشْرَافهم وَثَلَاثَة مِنْهُم يؤول إِلَيْهِم أَمرهم وهم: الْعَاقِد وَالسَّيِّد وَأَبُو حَارِثَة أحد بني بكر بن وَائِل أسقفهم وَصَاحب مدارسهم، وَلما دخلُوا الْمَسْجِد النَّبَوِيّ دخلُوا فِي تجمل وَثيَاب حسان وَقد حانت صَلَاة الْعَصْر، فَقَامُوا يصلونَ إِلَى الْمشرق، فَقَالَ رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم دعوهم، وَكَانَ الْمُتَكَلّم أَبَا حَارِثَة وَالسَّيِّد وَالْعَاقِب وسألوه أَن يُرْسل مَعَهم أَمينا. فَبعث مَعَهم أَبَا عُبَيْدَة بن الْجراح، وَكَانَ أَبُو حَارِثَة يعرف أَمر رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَلَكِن صده الشّرف والجاه عَن اتِّبَاع الْحق. قَوْله: (لَأَبْعَثَن) ، أَي: لما سَأَلُوا أَن يُرْسل إِلَيْهِم أَمينا قَالَ: لَأَبْعَثَن أَمينا حق أَمِين. قَوْله: (يَعْنِي: عَلَيْكُم، يَعْنِي: أَمينا) رِوَايَة الْأَكْثَرين، وَفِي رِوَايَة أبي ذَر: لَأَبْعَثَن حق أَمِين، وَفِي رِوَايَة مُسلم: لَأَبْعَثَن إِلَيْكُم رجلا أَمينا حق أَمِين. قَوْله: (فَأَشْرَف أَصْحَابه) ، أَي: تطلعوا إِلَى الْولَايَة وَرَغبُوا فِيهَا حرصاً على أَن يكون هُوَ الْأمين الْمَوْعُود فِي الحَدِيث، لَا حرصاً على الْولَايَة من حَيْثُ هِيَ، وَفِي رِوَايَة مُسلم: فاستشرف لَهَا أَصْحَاب رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، قَوْله: (فَبعث أَبَا عُبَيْدَة) ، وَفِي رِوَايَة أبي يعلى: قُم يَا أَبَا عُبَيْدَة، فَأرْسلهُ مَعَهم.

(بابُ مَنَاقِبِ مُصْعَبٍ بنِ عُمَيْرٍ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان مَنَاقِب مُصعب. ذكر مَنَاقِب مُصعب بن عميير وَلم يذكر فِيهِ شَيْئا، وَكَأَنَّهُ لم يجد شَيْئا على شَرطه وبيض لَهُ، وَفِي بعض النّسخ: ذكر مُصعب بن عُمَيْر لَيْسَ إلاَّ. وَمصْعَب بن عُمَيْر بن هَاشم بن عبد منَاف بن عبد الدَّار بن قصي الْقرشِي الْعَبدَرِي، يكنى أَبَا عبد الله، كَانَ من أجلة الصَّحَابَة وفضلائهم، وَكَانَ رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، قد بَعثه إِلَى الْمَدِينَة قبل الْهِجْرَة بعد الْعقبَة الثَّانِيَة يُقْرِئهُمْ الْقُرْآن ويفقههم فِي الدّين، وَكَانَ يدعى القاريء والمقرىء، وَيُقَال: إِنَّه أول من جمع الْجُمُعَة بِالْمَدِينَةِ قبل الْهِجْرَة، وَقتل يَوْم أحد شَهِيدا، قَتله ابْن قمية اللَّيْثِيّ فِيمَا قَالَ ابْن إِسْحَاق وَهُوَ يَوْمئِذٍ ابْن أَرْبَعِينَ سنة، أَو أَزِيد شَيْئا وَأسلم بعد دُخُول رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، دَار الأرقم، وَكَانَ بلغه أَن رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، يَدْعُو إِلَى الْإِسْلَام فِي دَار الأرقم، فَدخل وَأسلم وكتم إِسْلَامه خوفًا من أمه وَقَومه، وَكَانَ يخْتَلف إِلَى رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، سرا فَبَصر بِهِ عُثْمَان بن طَلْحَة يُصَلِّي فَأخْبر بِهِ قومه وَأمه فَأَخَذُوهُ فحبسوه، فَلم يزل مَحْبُوسًا حَتَّى خرج إِلَى أَرض الْحَبَشَة وَهَاجَر إِلَى أَرض الْحَبَشَة فِي أول من هَاجر إِلَيْهَا ثمَّ شهد بَدْرًا.

22

- (بابُ مَناقِبِ الحَسَنِ والْحُسَيْنِ رَضِي الله تَعَالَى عنهُما
(
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان مَنَاقِب أبي مُحَمَّد الْحسن وَأبي عبد الله الْحُسَيْن، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا، وفضائلهما لَا تعد ومناقبهما لَا تحد. وَترك الْحسن الْخلَافَة لله تَعَالَى لَا لعِلَّة وَلَا لذلة وَلَا لقلَّة، وَكَانَ ذَلِك تَحْقِيقا لمعجزة جده رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، حَيْثُ قَالَ: يُصْلِح الله بِهِ بَين طائفتين، وهما طائفته وَطَائِفَة مُعَاوِيَة، مَاتَ بِالْمَدِينَةِ مسموماً سنة تسع وَأَرْبَعين وَلم يكن بَين وِلَادَته وَحمل الْحُسَيْن إلاَّ طهر وَاحِد، وَأما الْحُسَيْن فَقتله سِنَان، بِكَسْر السِّين الْمُهْملَة وبالنونين: ابْن أنس النَّخعِيّ يَوْم الْجُمُعَة يَوْم عَاشُورَاء سنة إِحْدَى وَسِتِّينَ بكربلاء من أَرض الْعرَاق، وَيُقَال كَانَ مولد الْحسن فِي رَمَضَان سنة ثَلَاث من الْهِجْرَة عِنْد الْأَكْثَرين، وَقيل: بعد ذَلِك، ومولد الْحُسَيْن فِي شعْبَان سنة أَربع من الْهِجْرَة فِي قَول الْأَكْثَرين.
قَالَ نافِعُ بنُ جُبَيْرٍ عنْ أبِي هُرَيْرَةَ عَانَقَ النَّبِيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الحَسَنَ
نَافِع بن جُبَير بن مطعم مر فِي الْوضُوء، وَهَذَا التَّعْلِيق قد مضى مَوْصُولا مطولا فِي كتاب الْبيُوع فِي: بَاب مَا ذكر فِي الْأَسْوَاق.

22

- (بابُ مَناقِبِ الحَسَنِ والْحُسَيْنِ رَضِي الله تَعَالَى عنهُما
(
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان مَنَاقِب أبي مُحَمَّد الْحسن وَأبي عبد الله الْحُسَيْن، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا، وفضائلهما لَا تعد ومناقبهما لَا تحد. وَترك الْحسن الْخلَافَة لله تَعَالَى لَا لعِلَّة وَلَا لذلة وَلَا لقلَّة، وَكَانَ ذَلِك تَحْقِيقا لمعجزة جده رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، حَيْثُ قَالَ: يُصْلِح الله بِهِ بَين طائفتين، وهما طائفته وَطَائِفَة مُعَاوِيَة، مَاتَ بِالْمَدِينَةِ مسموماً سنة تسع وَأَرْبَعين وَلم يكن بَين وِلَادَته وَحمل الْحُسَيْن إلاَّ طهر وَاحِد، وَأما الْحُسَيْن فَقتله سِنَان، بِكَسْر السِّين الْمُهْملَة وبالنونين: ابْن أنس النَّخعِيّ يَوْم الْجُمُعَة يَوْم عَاشُورَاء سنة إِحْدَى وَسِتِّينَ بكربلاء من أَرض الْعرَاق، وَيُقَال كَانَ مولد الْحسن فِي رَمَضَان سنة ثَلَاث من الْهِجْرَة عِنْد الْأَكْثَرين، وَقيل: بعد ذَلِك، ومولد الْحُسَيْن فِي شعْبَان سنة أَربع من الْهِجْرَة فِي قَول الْأَكْثَرين.
قَالَ نافِعُ بنُ جُبَيْرٍ عنْ أبِي هُرَيْرَةَ عَانَقَ النَّبِيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الحَسَنَ
نَافِع بن جُبَير بن مطعم مر فِي الْوضُوء، وَهَذَا التَّعْلِيق قد مضى مَوْصُولا مطولا فِي كتاب الْبيُوع فِي: بَاب مَا ذكر فِي الْأَسْوَاق.

(16/239)


6473 - حدَّثنا صَدَقَةُ حدَّثَنَا ابنُ عُيَيْنَةَ حدَّثَنَا أبُو أبُو مُوساى عنِ الحَسَنِ سَمِعَ أبَا بَكْرَةَ سَمِعْتُ النَّبِيَّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم علَى المِنْبَرِ والحَسَنُ إلَى جَنْبِهِ يَنْظُرُ إِلَى النَّاسِ مَرَّةً وإلَيْهِ مَرَّةً ويَقُولُ ابْنِي هَذَا سَيِّدٌ ولَعَلَّ الله أنْ يُصْلِحَ بِهِ بَيْنَ فِئَتَيْنِ مِنَ المُسْلِمينَ. .

مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (هَذَا سيد) .
ذكر رِجَاله وهم خَمْسَة: صَدَقَة بن الْفضل أَبُو الْفضل الْمروزِي وَهُوَ من أَفْرَاده، وَابْن عُيَيْنَة هُوَ سُفْيَان بن عُيَيْنَة، وَأَبُو مُوسَى إِسْرَائِيل بن مُوسَى من أهل الْبَصْرَة نزل الْهِنْد لم يروه عَن الْحسن غَيره، وَالْحسن هُوَ الْبَصْرِيّ، وَأَبُو بكرَة اسْمه نفيع، بِضَم النُّون وَفتح الْفَاء: ابْن الْحَارِث بن كلدة الثَّقَفِيّ.
والْحَدِيث مضى فِي الصُّلْح فِي: بَاب قَول النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لِلْحسنِ بن عَليّ، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا ... إِلَى آخِره، وَمضى الْكَلَام فِيهِ هُنَاكَ.

8473 - حدَّثني مُحَمَّدُ بنُ الحُسَيْنِ بنِ إبْرَاهِيمَ قَالَ حدَّثني حُسَيْنُ بنُ مُحَمَّدٍ حدَّثنا جَرِيرٌ عنْ مُحَمَّدٍ عنْ أنَسِ بنِ مَالِكٍ رَضِي الله تَعَالَى عنهُ أتِيَ عُبَيْدُ الله بنُ زِيادٍ بِرَأسِ الْحُسَيْنِ بنِ عَلِيٍّ عَلَيْهِ السَّلاَمُ فَجُعِلَ فِي طَستٍ فجَعَلَ يَنْكُتُ وَقَالَ فِي حُسْنِهِ شَيْئَاً فَقَالَ أنَسٌ كانَ أشْبَهُهُمْ بِرَسُولِ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وكانَ مَخْضُوبَاً بالوَسْمَةِ.

مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (كَانَ أشبههم برَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم) .
وَمُحَمّد بن الْحُسَيْن بن إِبْرَاهِيم بن الْحر أَخُو أبي الْحسن عَليّ بن أشكاب العامري الْبَغْدَادِيّ، مَاتَ يَوْم الثُّلَاثَاء يَوْم عَاشُورَاء سنة إِحْدَى وَسِتِّينَ وَمِائَتَيْنِ بِبَغْدَاد، وَهُوَ من أَفْرَاده، وَالْحُسَيْن بن مُحَمَّد بن بهْرَام أَبُو أَحْمد التَّمِيمِي الْمروزِي الْمعلم، نزل بِبَغْدَاد، مَاتَ سنة أَربع عشرَة وَمِائَتَيْنِ، وَجَرِير ابْن حَازِم، وَمُحَمّد هُوَ ابْن سِيرِين.
والْحَدِيث من أَفْرَاده.
قَوْله: (أُتِي) بِضَم الْهمزَة على صِيغَة الْمَجْهُول. (وَعبيد الله بن زِيَاد) بن أبي سُفْيَان وَزِيَاد بِكَسْر الزَّاي وَتَخْفِيف الْيَاء آخر الْحُرُوف هُوَ الَّذِي ادَّعَاهُ مُعَاوِيَة أَخا لِأَبِيهِ أبي سُفْيَان فألحقه بنسبه، وَهُوَ الَّذِي يُقَال لَهُ: زِيَاد ابْن أَبِيه، وَيُقَال لَهُ: زِيَاد بن سميَّة، بِضَم السِّين الْمُهْملَة، وَهِي أمة كَانَت لِلْحَارِثِ وَالِد أبي بكرَة نفيع، بِضَم النُّون وَفتح الْفَاء. وَقَالَ ابْن معِين: وَيُقَال لِعبيد الله بن مرْجَانَة وَهِي أمه، وَقَالَ غَيره: وَكَانَت مَجُوسِيَّة، وَقَالَ البُخَارِيّ: وَكَانَت مرْجَانَة سبية من أصفهان، وَكَانَ زِيَاد من أَصْحَاب عَليّ، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، فَلَمَّا اسْتَلْحقهُ مُعَاوِيَة صَار من أَشد النَّاس بغضاً لعَلي بن أبي طَالب وَأَوْلَاده، وَعبيد الله ابْنه هُوَ الَّذِي سير الْجَيْش لقِتَال الْحُسَيْن، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، وَهُوَ يَوْمئِذٍ أَمِير الْكُوفَة ليزِيد بن مُعَاوِيَة ابْن أبي سُفْيَان، وَكَانَ جَيْشه ألف فَارس، ورأسهم الْحر بن يزِيد التَّمِيمِي وعَلى مقدمتهم الْحصين بن نمير الْكُوفِي، ثمَّ جرى مَا جرى فَأخر الْأَمر قتل الْحُسَيْن.
وَاخْتلفُوا فِي قَاتله، فَقيل: الْحصين بن نمير، وَقيل: مهَاجر بن أَوْس التَّمِيمِي، وَقيل: كثير

(16/240)


ابْن عبد الله الشّعبِيّ، وَقيل: شمر بن ذِي الجوشن، وَقيل: سِنَان بن أبي أَوْس بن عَمْرو النَّخعِيّ، وَهُوَ الْأَشْهر، فَأخذ رَأس الْحُسَيْن وَدفعه إِلَى خولي بن يزِيد، وَكَانَ سِنَان طعنه فَوَقع، ثمَّ قَالَ لخولي: احتز رَأسه، فَأَرَادَ أَن يفعل فارعد وَضعف، فَقَالَ لَهُ سِنَان: فت الله عضدك، وَأَبَان يَديك، فَنزل إِلَيْهِ فذبحه، وَكَانَ ذَلِك يَوْم الْجُمُعَة يَوْم عَاشُورَاء سنة إِحْدَى وَسِتِّينَ، ثمَّ حملُوا رَأس الْحُسَيْن ورؤوس الْقَتْلَى من أَصْحَابه إِلَى عبيد الله بن زِيَاد وَهُوَ بِالْكُوفَةِ، وَكَانَت الرؤوس اثْنَيْنِ وَسبعين رَأْسا حمل خولي بن يزِيد رَأس الْحُسَيْن، وحملت كِنْدَة ثَلَاثَة عشر رَأْسا، وهوازن عشْرين، وَبَنُو تَمِيم عشْرين، وَبَنُو أَسد سَبْعَة، ومذحج أحد عشر، وَكَانَ مَعَ الرؤوس والسبايا شمر بن ذِي الجوشن، وَقيس بن الْأَشْعَث وَعَمْرو بن الْحجَّاج وَعُرْوَة بن قيس. فاقبلوا حَتَّى قدمُوا بهَا على عبيد الله بن زِيَاد، ثمَّ نذْكر الْآن مَا جرى بعد أَن قدمُوا بِرَأْس الْحُسَيْن على هَذَا اللعين عبيد الله ابْن زِيَاد.
قَوْله: (فَجعل) ، على صِيغَة الْمَجْهُول أَي: جعل رَأس الْحُسَيْن، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، فِي طست، بِفَتْح الطَّاء الْمُهْملَة وَسُكُون السِّين الْمُهْملَة، قَالَ الْجَوْهَرِي: الطست الطس بلغَة طي أبدل من إِحْدَى السينين تَاء للاستثقال، وَفِي (الْمغرب) بالشين الْمُعْجَمَة: الطشت مُؤَنّثَة، وَهِي أَعْجَمِيَّة، والطس تعريبها، وَالْجمع طشاش وطشوش، وَقد يُقَال: الطشوت. قَوْله: (فَجعل ينكت) ، أَي: فَجعل عبيد الله بن زِيَاد ينكت أَي: يضْرب بقضيب على الأَرْض فيؤثر فِيهَا، وَهُوَ بِالتَّاءِ الْمُثَنَّاة من فَوق، وَفِي رِوَايَة التِّرْمِذِيّ وَابْن حبَان من طَرِيق حَفْصَة بنت سِيرِين عَن أنس: فَجعل يَقُول بقضيب لَهُ فِي أَنفه، وَفِي رِوَايَة الطَّبَرَانِيّ من حَدِيث زيد بن أَرقم: فَجعل يَجْعَل قَضِيبًا فِي يَده فِي عَيْنَيْهِ وَأَنْفه، فَقلت: أرفع قضيبك فقد رَأَيْت فَم رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي مَوْضِعه. قَوْله: فَقَالَ فِي حسنه شَيْئا. وَفِي رِوَايَة التِّرْمِذِيّ، رَحمَه الله: مَا رَأَيْت مثل هَذَا حسنا، لم يذكر، فَقَالَ أنس: كَانَ أشبههم برَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، أَي: أشبه أهل الْبَيْت، وَزَاد الْبَزَّار من وَجه آخر عَن أنس، قَالَ: فَقلت لَهُ: إِنِّي رَأَيْت رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، يلثم حَيْثُ يَقع قضيبك، قَالَ: فانقبض. انْتهى. وَقَالَ سبط ابْن الْجَوْزِيّ: أما كَانَ لرَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم على أنس من الْحُقُوق أَن يُنكر على ابْن زِيَاد فعله ويقبح لَهُ مَا وَقع من قرع ثنايا الْحُسَيْن بالقضيب؟ لَكِن الْفَحْل زيد بن أَرقم فَإِنَّهُ أنكر عَلَيْهِ، فروى الطَّبَرِيّ عَن أبي محنف عَن سُلَيْمَان بن أبي رَاشد عَن حميد بن مُسلم، قَالَ: شهِدت ابْن زِيَاد وَهُوَ ينْكث بقضيب بَين ثنيتيه سَاعَة، فَلَمَّا رَآهُ زيد بن أَرقم لاهجه عَن نكثه بالقضيب، فَقَالَ لَهُ: أعل بِهَذَا الْقَضِيب عَن هَاتين الشفتين، فوالذي لَا إِلَه غَيره لقد رَأَيْت شفتي رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، على هَاتين الشفتين يقبلهما، ثمَّ انفضح الشَّيْخ يبكي. فَقَالَ لَهُ ابْن زِيَاد: أبكى الله عَيْنَيْك، فوَاللَّه لَوْلَا أَنَّك شيخ قد خرفت وَذهب عقلك لضَرَبْت عُنُقك، فَقَامَ وَخرج فَسمِعت النَّاس يَقُولُونَ: وَالله لقد قَالَ زيد بن أَرقم قولا لَو سَمعه ابْن زِيَاد لقَتله، فَقلت: مَا الَّذِي قَالَ؟ قَالَ: مر بِنَا وَهُوَ يَقُول: أَنْتُم يَا معاشر الْعَرَب عبيد بعد الْيَوْم، قتلتم ابْن فَاطِمَة وأمرتم ابْن مرْجَانَة فَهُوَ يقتل خياركم ويستعبد شِرَاركُمْ فبعداً لمن رَضِي بالذل والعار. قلت: فَللَّه ذَر زيد بن أَرقم الْأنْصَارِيّ الخزرجي من أَعْيَان الصَّحَابَة، غزا مَعَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، سبع عشرَة غَزْوَة، وَشهد صفّين مَعَ عَليّ بن أبي طَالب وَكَانَ من خَواص أَصْحَابه، وَمَات بِالْكُوفَةِ سنة سِتّ وَسِتِّينَ، وَقيل: ثَمَان وَسِتِّينَ، ثمَّ إِن الله تَعَالَى جازى هَذَا الْفَاسِق الظَّالِم عبيد الله بن زِيَاد بِأَن جعل قَتله على يَدي إِبْرَاهِيم بن الأشتر يَوْم السبت لثمان بَقينَ من ذِي الْحجَّة سنة سِتّ وَسِتِّينَ على أَرض يُقَال لَهَا: الجازر، بَينهَا وَبَين الْموصل خَمْسَة فراسخ، وَكَانَ الْمُخْتَار بن أبي عُبَيْدَة الثَّقَفِيّ أرْسلهُ لقِتَال ابْن زِيَاد، وَلما قتل ابْن زِيَاد جِيءَ بِرَأْسِهِ وبرؤوس أَصْحَابه وطرحت بَين يَدي الْمُخْتَار، وَجَاءَت حَيَّة دقيقة تخللت الرؤوس حَتَّى دخلت فِي فَم ابْن مرْجَانَة وَهُوَ ابْن زِيَاد وَخرجت من منخره وَدخلت فِي منخره وَخرجت من فِيهِ، وَجعلت تدخل وَتخرج من رَأسه بَين الرؤوس، ثمَّ إِن الْمُخْتَار بعث بِرَأْس ابْن زِيَاد ورؤوس الَّذين قتلوا مَعَه إِلَى مَكَّة إِلَى مُحَمَّد بن الْحَنَفِيَّة، وَقيل: إِلَى عبد الله بن الزبير، فنصبها بِمَكَّة وأحرق ابْن الأشتر جثة ابْن زِيَاد وجثث البَاقِينَ. قَوْله: (وَكَانَ) أَي: الْحُسَيْن (مخضوباً بالوسمة) بِفَتْح الْوَاو وَسُكُون السِّين الْمُهْملَة، وَجَاء فتحهَا وَهُوَ نبت يختضب بِهِ يمِيل إِلَى سَواد.

(16/241)


9473 - حدَّثنا حَجَّاجُ بنُ المِنْهَالِ حدَّثنا شُعْبَةُ قَالَ أخْبَرَنِي عَدِيٌ قَالَ سَمِعْتُ البَرَاءَ رَضِي الله تَعَالَى عنهُ قَالَ رأيْتُ النَّبِيَّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم والحَسَنُ بنُ عَلِيٍّ علَى عاتِقِهِ يَقُولُ أللَّهُمَّ إنِّي أُحِبُّهُ فأحِبَّهُ.

مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. وعدي، بِفَتْح الْعين الْمُهْملَة وَكسر الدَّال: ابْن ثَابت الْأنْصَارِيّ مر فِي الْإِيمَان.
والْحَدِيث أخرجه مُسلم فِي الْفَضَائِل عَن عبيد الله بن معَاذ وَعَن أبي بكر بن نَافِع وَبُنْدَار. وَأخرجه التِّرْمِذِيّ فِي المناقب عَن بنْدَار بِهِ وَعَن مَحْمُود بن غيلَان. وَأخرجه النَّسَائِيّ فِيهِ عَن عَليّ بن الْحُسَيْن الدرهمي.
قَوْله: (وَالْحسن) الْوَاو فِيهِ للْحَال وَوَقع فِي رِوَايَة الْإِسْمَاعِيلِيّ من طَرِيق عَمْرو بن مَرْزُوق عَن شُعْبَة الْحسن أَو الْحُسَيْن بِالشَّكِّ، ثمَّ ذكر أَن أَكثر أَصْحَاب شُعْبَة رَوَوْهُ، فَقَالُوا: الْحسن، بِغَيْر شكّ. قَوْله: (على عَاتِقه) اسْم لما بَين الْمنْكب والعنق. قَوْله: (يَقُول) جملَة حَالية. قَوْله: (إِنِّي أحبه) بِضَم الْهمزَة وَكسر الْحَاء. قَوْله: (فَأَحبهُ) بِفَتْح الْهمزَة لِأَنَّهُ أَمر من: أحب.

0573 - حدَّثنا عَبْدَانُ أخبرَنا عَبْدُ الله قَالَ أخبرنِي عُمَرُ بنُ سَعِيدِ بنِ أبِي حُسَيْنٍ عنِ ابنِ أبِي مُلَيْكَةَ عنْ عُقْبَةَ بنِ الحَارِثِ قَالَ رأيْتُ أبَا بَكْرٍ رَضِي الله تَعَالَى عنهُ وحَمَلَ الحَسَنُ وهْوَ يَقُولُ بِأبِي شَبِيهٌ بالنَّبِيِّ لَيْسَ شَبِيهٌ بِعَلِيٍّ وعَلِيٌّ يَضْحَكُ. (انْظُر الحَدِيث 2453) .

مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (وَحمل الْحسن. .) إِلَى آخِره. وعبدان هُوَ عبد الله لقب لعبدان، وَقد تكَرر ذكره، وَعبد الله هُوَ ابْن الْمُبَارك وَعمر بن سعيد بن أبي سعيد حُسَيْن الْقرشِي النَّوْفَلِي، يروي عَن عبد الله بن أبي مليكَة، بِضَم الْمِيم وَعقبَة بِضَم الْعين وَسُكُون الْقَاف: ابْن الْحَارِث بن عَامر بن نَوْفَل بن عبد منَاف أَبُو سروعة الْقرشِي الْمَكِّيّ، سمع النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَهُوَ من أَفْرَاده.
قَوْله: (وَحمل الْحسن) الْوَاو فِيهِ للْحَال، وَكَذَا الْوَاو فِي قَوْله: (وَهُوَ يَقُول) قَوْله: (بِأبي شَبيه) وَقد مر هَذَا فِي أول: بَاب صفة النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من حَدِيث عقبَة بن الْحَارِث وَمعنى: بِأبي مفدى أَي: هُوَ مفدى بِأبي، قَوْله: (شَبيه) مَرْفُوع لِأَنَّهُ خبر مُبْتَدأ مَحْذُوف تَقْدِيره: هُوَ شَبيه بِالنَّبِيِّ، قَوْله: (لَيْسَ شَبيه) رُوِيَ بِالرَّفْع وَبِالنَّصبِ، فَوجه الرّفْع على أَن: لَيْسَ، بِمَعْنى: لَا، العاطفة يَعْنِي: لَا شَبيه بعلي، وَقَالَ ابْن مَالك: أَصله لَيْسَ شَبيه، وَيكون شَبيه اسْم: لَيْسَ، وخبرها الضَّمِير الْمُتَّصِل الْمَحْذُوف اسْتغْنَاء عَن تلفظه بنيته، وَوجه النصب على أَن يكون اسْم لَيْسَ هُوَ الضَّمِير الَّذِي فِيهِ وخبرها. قَوْله: (شَبِيها) . فَإِن قلت: هَذَا يُعَارض قَول عَليّ، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، فِي صفة النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لم أر قبله وَلَا بعده مثله. قلت: يحمل الْمَنْفِيّ على عُمُوم الشّبَه، والمثبت على معظمه.

1573 - حدَّثني يَحْيَى بنُ مُعِينٍ وصَدَقةُ قَالَا أخْبرَنا مُحَمَّدُ بنُ جَعْفَرٍ عنْ شُعْبَةَ عنْ واقِدِ بنِ مُحَمَّدٍ عنْ أبِيهِ عنِ ابنِ عُمَرَ رَضِي الله تَعَالَى عنهُما قَالَ قَالَ أبُو بَكْرٍ ارْقُبُوا مُحَمَّدَاً صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي أهْلِ بَيْتِهِ. (انْظُر الحَدِيث 3173) .

هَذَا الحَدِيث مر عَن قريب فِي بَاب مَنَاقِب قرَابَة رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ عَن عبد الله بن عبد الْوَهَّاب عَن خَالِد عَن شُعْبَة عَن وَاقد بِكَسْر الْقَاف ابْن مُحَمَّد بن زيد ابْن عبد الله بن عمر بن الْخطاب

2573 - حدَّثني إبْرَاهِيمُ بنُ مُوسَى أخبرَنا هِشامُ بنُ يُوسُفُ عنْ مَعْمَرٍ عنِ الزُّهْرِيِّ عنْ أنَسَ وَقَالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ أخبرنَا مَعْمَرٌ عنِ الزُّهْرِيِّ أَخْبرنِي أنَسٌ قَالَ لَمْ يَكُنْ أَحَدٌ أشْبَهَ بالنَّبِيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مِنَ الحَسَنِ بنِ عَلِيٍّ رَضِي الله تَعَالَى عنهُما.

مطابقته للتَّرْجَمَة من حَيْثُ إِن الْحسن إِذا لم يكن أحد أشبه بِالنَّبِيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مِنْهُ كَانَت لَهُ منقبة عَظِيمَة وَفضل ظَاهر، وَإِبْرَاهِيم بن مُوسَى بن يزِيد التَّمِيمِي الْفراء أَبُو إِسْحَاق الرَّازِيّ، وَقد مر فِي مَوَاضِع، وَهِشَام بن يُوسُف أَبُو عبد الرَّحْمَن الصَّنْعَانِيّ يروي عَن معمر بن رَاشد عَن مُحَمَّد بن مُسلم الزُّهْرِيّ عَن أنس بن مَالك، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ.
وَأخرج هَذَا مُسْندًا ثمَّ أخرجه مُعَلّقا

(16/242)


فَقَالَ: وَقَالَ عبد الرَّزَّاق ... إِلَى آخِره، وَأخرجه التِّرْمِذِيّ فِي المناقب عَن مُحَمَّد بن يحيى الذهلي عَن عبد الرَّزَّاق بِهِ، وَقَالَ: حسن صَحِيح. قيل: إِنَّمَا قصد البُخَارِيّ بِهَذَا التَّعْلِيق بَيَان سَماع الزُّهْرِيّ لَهُ من أنس، وَقيل: هَذَا يُعَارض مَا رَوَاهُ مُحَمَّد بن سِيرِين عَن أنس، وَقد مضى عَن قريب، وَلَفظه: كَانَ، أَي: الْحسن أشبههم برَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، ووفق بَينهمَا بِأَن الَّذِي وَقع فِي رِوَايَة الزُّهْرِيّ هُنَا فِي حَيَاة النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، لِأَنَّهُ يَوْمئِذٍ كَانَ أَشد شبها بِالنَّبِيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من أَخِيه الْحُسَيْن، وَالَّذِي وَقع فِي رِوَايَة ابْن سِيرِين كَانَ بعد ذَلِك، وَقيل: إِن المُرَاد أَن كلاًّ مِنْهُمَا كَانَ أَشد شبها فِي بعض أَعْضَائِهِ فقد روى التِّرْمِذِيّ وَابْن حبَان من طَرِيق هَانِيء بن هانىء عَن عَليّ، قَالَ: كَانَ الْحسن أشبه برَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَا بَين الرَّأْس إِلَى الصَّدْر وَالْحُسَيْن أشبه بِالنَّبِيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَا كَانَ أَسْفَل فِي ذَلِك.

3573 - حدَّثني مُحَمَّدُ بنُ بَشَّارٍ حدَّثنا غُنْدَرٌ حدَّثنا شُعْبَةُ عنْ مُحَمَّدِ بنِ أبِي يَعْقُوبَ سَمِعْتُ ابنَ أبِي نُعْمٍ سَمِعْتُ عَبْدَ الله بنَ عُمَرَ وسألَهُ عنِ الْمُحْرِم قَالَ شُعْبَةُ أحْسِبُهُ يَقْتُلُ الذُّبابَ فَقَالَ أهْلُ العِراقِ يَسْألُونَ عنِ الذُّبَابِ وقَدْ قَتَلُوا ابنَ ابْنَةِ رَسُولِ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم هُمَا رِيحانَتَايَ مِنَ الدُّنْيَا. (الحَدِيث 3573 طرفه فِي: 4995) .

مطابقته للتَّرْجَمَة من حَيْثُ إِنَّه يتَضَمَّن فضل الْحُسَيْن ظَاهرا، وغندر هُوَ مُحَمَّد بن جَعْفَر، وَمُحَمّد بن أبي يَعْقُوب هُوَ مُحَمَّد ابْن أبي عبد الله بن أبي يَعْقُوب الضَّبِّيّ الْبَصْرِيّ، وينسب إِلَى جده، وَابْن أبي نعم، بِضَم النُّون وَسُكُون الْعين الْمُهْملَة: التِّرْمِذِيّ اسْمه عبد الرَّحْمَن، يكنى أَبَا الحكم البَجلِيّ.
والْحَدِيث أخرجه البُخَارِيّ أَيْضا فِي الْأَدَب عَن مُوسَى بن إِسْمَاعِيل. وَأخرجه التِّرْمِذِيّ فِي المناقب عَن عقبَة بن مكرم الْعمي الضَّبِّيّ.
قَوْله: (عَن الْمحرم) أَي: بِالْحَجِّ وَالْعمْرَة، يَعْنِي: سَأَلَ رجل ابْن عمر عَن حَال الْمحرم يقتل الذُّبَاب حَالَة الْإِحْرَام. وَفِي الْأَدَب فِي رِوَايَة مهْدي بن مَيْمُون عَن ابْن أبي يَعْقُوب، وَسَأَلَهُ رجل، وَقيل فِي رِوَايَة أبي ذَر: فَسَأَلته، ورد هَذَا بِأَن فِي رِوَايَة التِّرْمِذِيّ: أَن رجلا من أهل الْعرَاق سَأَلَ. قَوْله: (قَالَ شُعْبَة: أَحْسبهُ يقتل الذُّبَاب) أَي: أَظُنهُ سَأَلَ عَن الْمحرم يقتل الذُّبَاب، وَوَقع فِي رِوَايَة أبي دَاوُد الطَّيَالِسِيّ: عَن شُعْبَة بِغَيْر شكّ. فَإِن قلت: وَقع فِي رِوَايَة مهْدي ابْن مَيْمُون فِي الْأَدَب: سُئِلَ ابْن عمر عَن دم البعوض يُصِيب الثَّوْب؟ قلت: يحْتَمل أَن يكون السُّؤَال وَقع عَن الْأَمريْنِ. قَوْله: (فَقَالَ أهل الْعرَاق) أَي: قَالَ عبد الله بن عمر ... إِلَى آخِره، إِنَّمَا قَالَ مُتَعَجِّبا حَيْثُ يسْأَلُون عَن قتل الذُّبَاب ويتفكرون فِيهِ، وَقد كَانُوا اجترأوا على قتل الْحُسَيْن بن عَليّ وَابْن بنت رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَهَذَا شَيْء عَجِيب، يسْأَلُون عَن الشَّيْء الْيَسِير ويفرطون فِي الشَّيْء الْخطر الْعَظِيم. قَوْله: (هما) أَي: الْحسن وَالْحُسَيْن (ريحانتاي) كَذَا فِي رِوَايَة الْأَكْثَرين بالتثنية، وَفِي رِوَايَة أبي ذَر بِالْإِفْرَادِ والتذكير، أَعنِي، هما ريحاني، وَجه التَّشْبِيه أَن الْوَلَد يشم وَيقبل فكأنهم من جملَة الرياحين، وَقَالَ الْكرْمَانِي: الريحان الرزق أَو المشموم. قلت: لَا وَجه هُنَا أَن يكون بِمَعْنى الرزق على مَا لَا يخفى، وروى التِّرْمِذِيّ من حَدِيث أنس: أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ يَدْعُو الْحسن وَالْحُسَيْن فيشمهما ويضمهما إِلَيْهِ، وروى الطَّبَرَانِيّ فِي (الْأَوْسَط) من طَرِيق أبي أَيُّوب، قَالَ: (دخلت على رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، الْحسن وَالْحُسَيْن يلعبان بَين يَدَيْهِ، فَقلت: أتحبهما يَا رَسُول الله؟ قَالَ: وَكَيف لَا وهما ريحانتاي من الدُّنْيَا أشمهما؟) .