عمدة القاري شرح صحيح البخاري

32 - (بابُ مَناقِبِ بِلاَلِ بنِ رَبَاحٍ مَوْلَى أبِي بَكْرٍ رَضِي الله تَعَالَى عنهُما)

ورباح، بِفَتْح الرَّاء وَالْبَاء الْمُوَحدَة، وَاسم أمه حمامة، كَانَت لبَعض بني جمح، وَقد مضى بَيَانه فِي الْبيُوع فِي: بَاب الشِّرَاء وَالْبيع مَعَ الْمُشْركين، وَذكر ابْن سعد أَنه كَانَ من مولدِي الشراة، وَكَانَ أَبُو بكر اشْتَرَاهُ بِخمْس أَوَاقٍ.
وقالَ النَّبِيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم سَمِعْتُ دَفَّ نَعْلَيْكَ بَيْنَ يَدَيَّ فِي الجَنَّةِ

(16/243)


هَذَا التَّعْلِيق قِطْعَة من حَدِيث مضى فِي صَلَاة اللَّيْل، والدف، بِفَتْح الدَّال الْمُهْملَة وَتَشْديد الْفَاء: السّير اللين، وَيُقَال: الخفق، وَإِنَّمَا قَالَ: بَين يَدي، ليبين أَنه يفعل ذَلِك.

4573 - حدَّثنا أبُو نُعَيْمٍ حدَّثنَا عَبْدُ العَزِيزِ بنُ أبِي سلَمَةَ عنْ مُحَمَّدِ بنِ الْمُنْكَدِرِ أخْبَرَنَا جابِرُ ابنُ عَبْدِ الله رَضِي الله تَعَالَى عنهُما قَالَ كانَ عُمَرُ يَقُولُ أبُو بَكْرٍ سَيِّدُنا وأعْتَقَ سَيِّدَنا يَعْنِي بِلاَلاً.

مطابقته للتَّرْجَمَة من حَيْثُ إِن عمر أطلق على بِلَال بالسيادة وَهِي منقبة عَظِيمَة وَأَبُو نعيم الْفضل بن دُكَيْن، وَعبد الْعَزِيز بن عبد الله بن أبي سَلمَة الْمَاجشون، وَاسم أبي سَلمَة دِينَار. قَوْله: (وَأعْتق سيدنَا) السَّيِّد الأول حَقِيقَة، وَالسَّيِّد الثَّانِي مجَاز، لِأَنَّهُ قَالَه تواضعاً، وَيُقَال: مَعْنَاهُ أَنه من سادة هَذِه الْأمة وَلَيْسَ أَنه أفضل من عمر، وَقيل: إِن السِّيَادَة لَا تثبت إلاَّ فَضِيلَة.

5573 - حدَّثنا ابنُ نُمَيْرٍ عنْ مُحَمَّدِ بنِ عُبَيْدٍ حدَّثنا إسْمَاعِيلُ عنْ قَيْسٍ أنَّ بِلالاً قَالَ لأبي بَكْرٍ إنْ كُنْتَ اشْتَرَيْتَنِي لِنَفْسِكَ فأمْسِكْنِي وإنْ كُنْتَ إنَّما اشْتَرَيْتَنِي لله فدَعْنِي وعَمَلَ الله.

مطابقته للتَّرْجَمَة يُمكن أَن تُؤْخَذ من قَوْله: (فَدَعْنِي وَعمل الله) لِأَن كَلَامه هَذَا يدل على أَن قَصده التجرد إِلَى الله والاشتغال بِعَمَلِهِ، وَهُوَ منقبة غير قَليلَة.
وَابْن نمير هُوَ مُحَمَّد بن عبد الله بن نمير، وَقد ذكر غير مرّة، وَمُحَمّد بن عبيد الطنافسي مر فِي بَدْء الْخلق وَإِسْمَاعِيل هُوَ ابْن أبي خَالِد، وَقيس هُوَ ابْن حَازِم.
قَوْله: (إِن كنت اشتريتني؟) إِلَى آخِره هَذِه القَوْل من بِلَال كَانَ فِي خلَافَة أبي بكر، وَصرح بذلك فِي رِوَايَة أَحْمد عَن أبي أُسَامَة عَن إِسْمَاعِيل بِلَفْظ: قَالَ بِلَال لأبي بكر حِين توفّي رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم. قَوْله: (فَدَعْنِي) أَي: فاتركني، وَفِي رِوَايَة أبي أُسَامَة: فذرني، وَهُوَ بِمَعْنى: دَعْنِي. قَوْله: (وَعمل الله) أَي: مَعَ عمل الله، وَفِي رِوَايَة الْكشميهني: فَدَعْنِي وعملي لله، وَفِي رِوَايَة أبي أُسَامَة: فذرني أعمل لله، وَذكر الْكرْمَانِي: أَرَادَ بِلَال أَن يُهَاجر من الْمَدِينَة فَمَنعه أَبُو بكر إِرَادَة أَن يُؤذن فِي مَسْجِد رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فَقَالَ: إِنِّي لَا أُرِيد الْمَدِينَة بِدُونِ رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَلَا أتحمل مقَام رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، خَالِيا عَنهُ. وَقَالَ ابْن سعد فِي (الطَّبَقَات) : أَن بِلَالًا قَالَ: رَأَيْت أفضل عمل الْمُؤمن الْجِهَاد، فَأَرَدْت أَن أرابط فِي سَبِيل الله، وَأَن أَبَا بكر قَالَ لِبلَال: أنْشدك الله وحقي، فَأَقَامَ مَعَه بِلَال حَتَّى توفّي، فَلَمَّا مَاتَ أذن لَهُ عمر، فَتوجه إِلَى الشَّام مُجَاهدًا، وَتُوفِّي بهَا فِي طاعون عمواس سنة ثَمَان عشرَة، وَقيل: مَاتَ سنة عشْرين، وَالله أعلم.

42 - (بابُ ذِكْرِ ابنِ عَبَّاسٍ رَضِي الله تَعَالَى عنهُما)

أَي: هَذَا بَاب فِيهِ ذكر عبد الله بن عَبَّاس بن عبد الْمطلب بن هَاشم ابْن عَم النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، يكنى أَبَا الْعَبَّاس، ولد قبل الْهِجْرَة بِثَلَاث سِنِين، وَمَات بِالطَّائِف سنة ثَمَان وَسِتِّينَ، وَفِي غَالب النّسخ لَيْسَ لفظ: بَاب، مَذْكُورا وَإِنَّمَا لم يقل: مَنَاقِب ابْن عَبَّاس، مثل غَيره لِأَنَّهُ قد عقد لَهُ بَابا فِي كتاب الْعلم حَيْثُ قَالَ: بَاب قَول النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: أللهم علمه الْكتاب، ثمَّ ذكر عَنهُ أَنه قَالَ: ضمني رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَقَالَ: أللهم علمه الْكتاب، وَهَذَا منقبة عَظِيمَة، وَاكْتفى بِهِ عَن ذكر لفظ: مَنَاقِب هُنَا.

6573 - حدَّثنا مُسَدَّدٌ حدَّثنا عَبْدُ الوَارِثِ عنْ خالِدٍ عنْ عِكْرِمَةَ عنِ ابنِ عَبَّاسٍ قَالَ ضَمَّنِي النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَى صَدْرِهِ وَقَالَ أللَّهُمَّ علِّمْهُ الحِكْمَةَ حدَّثنَا أبُو مَعْمَرٍ حدَّثنا عَبْدُ الوَارِثِ وَقَالَ اللَّهُمَّ عَلِّمْهُ الكِتَابَ حدَّثنا مُوساى حدَّثنا وُهَيْبٌ عنْ خالِدٍ مِثْلَهُ. .

قد ذكرنَا الْآن أَن هَذَا الحَدِيث قد تقدم فِي كتاب الْعلم. وَأخرجه هُنَا أَيْضا من ثَلَاث طرق. الأول: عَن مُسَدّد

(16/244)


عَن عبد الْوَارِث بن سعيد الْعَنْبَري الْبَصْرِيّ عَن خَالِد الْحذاء عَن عِكْرِمَة مولى ابْن عَبَّاس. الثَّانِي: عَن أبي معمر، بِفَتْح الميمين بَينهمَا عين مُهْملَة سَاكِنة: واسْمه عبد الله بن عَمْرو الْمنْقري التَّمِيمِي المقعد عَن عبد الْوَارِث إِلَى آخِره. الثَّالِث: عَن مُوسَى ابْن إِسْمَاعِيل التَّبُوذَكِي عَن وهيب مصغر وهب بن خَالِد بن عجلَان أبي بكر الْبَصْرِيّ عَن خَالِد الْحذاء.
قَوْله: (الْحِكْمَة) أَي: الْعلم وَقيل: إتقان الْأُمُور، وَفِي بعض النّسخ: وَالْحكمَة الْإِصَابَة من غير النُّبُوَّة، قَوْله: (مثله) أَي: مثل مَا روى أَبُو معمر.

52 - (بابُ مَناقِبِ خالِدِ بنِ الوَلِيدِ رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ)

أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان مَنَاقِب أبي سُلَيْمَان خَالِد بن الْوَلِيد بن الْمُغيرَة بن عبد الله بن عمر بن مَخْزُوم بن يقظة، بِفَتْح الْيَاء آخر الْحُرُوف وَالْقَاف والظاء الْقَائِمَة: ابْن مرّة بن كَعْب، يجْتَمع مَعَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَمَعَ أبي بكر جَمِيعًا فِي مرّة بن كَعْب، وَكَانَ من فرسَان الصَّحَابَة، أسلم بَين الْفَتْح وَالْحُدَيْبِيَة، وَيُقَال: قبل غَزْوَة مُؤْتَة بشهرين، وَكَانَت فِي جُمَادَى الأولى سنة ثَمَان، وَكَانَ الْفَتْح بعد ذَلِك فِي رَمَضَان، وَشهد مَعَ رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مشَاهد ظَهرت فِيهَا نجابته، ثمَّ كَانَ قتل أهل الرِّدَّة على يَدَيْهِ، ثمَّ فتوح الْبِلَاد الْكِبَار، وَمَات على فرَاشه بحمص، وَقيل بِالْمَدِينَةِ، وَالْأول أصح سنة إِحْدَى وَعشْرين، وَقَالَ صَاحب (التَّوْضِيح) : قَالَ الصّديق، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، حِين احْتضرَ والنسوة يبْكين: دَعْهُنَّ تهريق دُمُوعهنَّ على أبي سُلَيْمَان، فَهَل قَامَت النِّسَاء عَن مثله؟ قلت: هَذَا غلط فَاحش يظْهر بِالتَّأَمُّلِ، وَقَالَ الزبير بن بكار: انقرض ولد خَالِد وَلم يبْق مِنْهُم أحد، وورثهم أَيُّوب بن سَلمَة.

7573 - حدَّثنا أحْمَدُ بنُ وَاقِدٍ حدَّثنا حَمَّادُ بنُ زَيْدٍ عنْ أيُّوبَ عنْ حُمَيْدِ بنِ هِلاَلٍ عنْ أنَسٍ رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ أنَّ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم نَعَى زَيْدَاً وجَعْفَرَاً وابنَ رَواحَةَ لِلنَّاسِ قَبْلَ أنْ يأتِيَهُمْ خَبَرُهُمْ فَقَالَ أخَذَ الرَّايَةَ زَيْدٌ فأُصِيبَ ثُمَّ أخَذَ جَعْفَرٌ فأُصِيبَ ثُمَّ أخَذَ ابنُ رَوَاحَةَ فأُصِيبَ وعَيْنَاهُ تَذْرِفَانِ حَتَّى أخَذَ سَيْفٌ مِنْ سُيُوفِ الله حتَّى فَتَحَ الله عَلَيْهِمْ. .

مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (حَتَّى أَخذ سيف من سيوف الله) .
وَأحمد بن وَاقد هُوَ أَحْمد بن عبد الْملك بن وَاقد، بِكَسْر الْقَاف: أَبُو يحيى الْحَرَّانِي، وينسب إِلَى جده، وَأَيوب السّخْتِيَانِيّ.
والْحَدِيث قد مر فِي الْجَنَائِز عَن أبي معمر وَفِي الْجِهَاد عَن يُوسُف ابْن يَعْقُوب الصفار وَفِي عَلَامَات النُّبُوَّة عَن سُلَيْمَان بن حَرْب وَفِي الْمَغَازِي عَن أَحْمد بن وَاقد أَيْضا وَمر الْكَلَام فِيهِ هُنَاكَ، أَعنِي: فِي الْجَنَائِز، وَزيد هُوَ ابْن حَارِثَة، وجعفر هُوَ ابْن أبي طَالب، وَابْن رَوَاحَة هُوَ عبد الله.
قَوْله: (تَذْرِفَانِ) ، أَي: تسيلان دمعاً. قَوْله: (حَتَّى أَخذ) ، ويروى أَخذهَا، وَأَرَادَ بِسيف: خَالِد بن الْوَلِيد، وَمن يَوْمئِذٍ سمي سيف الله، وَقد أخرج ابْن حبَان وَالْحَاكِم من حَدِيث عبد الله بن أبي أوفى، قَالَ: قَالَ رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (لَا تُؤْذُوا خَالِدا فَإِنَّهُ سيف من سيوف الله تَعَالَى صبه الله تَعَالَى على الْكفَّار) .

62 - (بابُ مَناقِبِ سالِمٍ مَوْلَى أبِي حُذَيْفَةَ رَضِي الله تَعَالَى عنهُ)

أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان مَنَاقِب سَالم مولى أبي حُذَيْفَة. أما سَالم، فَقَالَ أَبُو عمر: سَالم بن معقل يكنى أَبَا عبد الله، كَانَ من أهل فَارس من اصطخر، وَقيل: إِنَّه من عجم الْفرس، وَكَانَ من فضلاء الصَّحَابَة وكبارهم وَهُوَ مَعْدُود فِي الْمُهَاجِرين لِأَنَّهُ لما أعْتقهُ مولاته زوج أبي حُذَيْفَة وَإِلَى أَبَا حُذَيْفَة وتبناه، فَلذَلِك عد فِي الْمُهَاجِرين، وَهُوَ مَعْدُود أَيْضا فِي الْأَنْصَار فِي بني عبيد لعتق مولاته الْأَنْصَارِيَّة زوج أبي حُذَيْفَة لَهُ، فَهُوَ يعد فِي قُرَيْش من الْمُهَاجِرين لما ذكرنَا، وَفِي الْأَنْصَار لما وَصفنَا، وَفِي الْعَجم لما تقدم ذكره أَيْضا ويعد فِي الْقُرْآن أَيْضا مَعَ ذَلِك، وَكَانَ يؤم الْمُهَاجِرين بقباء فيهم عمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، قبل أَن يقدم رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، الْمَدِينَة. وَقد رُوِيَ أَنه هَاجر مَعَ عمر بن الْخطاب، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، وَكَانَ يفرط فِي الثَّنَاء عَلَيْهِ، وَكَانَ رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، قد آخى بَينه وَبَين معَاذ بن ماعص، وَقيل: إِنَّه آخى بَينه وَبَين أبي بكر، وَلَا يَصح. وَرُوِيَ عَن

(16/245)


عمر أَنه قَالَ: لَو كَانَ سَالم حَيا مَا جَعلتهَا شُورَى. قَالَ أَبُو عمر: هَذَا عِنْدِي على أَنه كَانَ يصدر فِيهَا عَن رَأْيه، وَالله أعلم. قَالَ: وَكَانَ أَبُو حُذَيْفَة قد تبنى سالما، فَكَانَ ينْسب إِلَيْهِ، وَيُقَال: سَالم بن أبي حُذَيْفَة حَتَّى نزلت: {ادعوهُمْ لِآبَائِهِمْ} (الْأَحْزَاب: 5) . وَكَانَ سَالم عبد الثبيتة بنت يعار بن زيد بن عبيد بن زيد بن مَالك بن عَوْف بن عَمْرو بن عَوْف الْأَنْصَارِيَّة، كَانَت من الْمُهَاجِرَات الأولى، وَمن فضلاء نسَاء الصَّحَابَة. قلت: ثبيتة، بِضَم الثَّاء الْمُثَلَّثَة وَفتح الْبَاء الْمُوَحدَة وَسُكُون الْيَاء آخر الْحُرُوف وَفتح التَّاء الْمُثَنَّاة من فَوق، وَقيل: اسْمهَا عمْرَة بنت يعار، وَعَن ابْن إِسْحَاق: اسْمهَا سلمى بنت يعار، ويعار، بِضَم الْيَاء آخر الْحُرُوف وَفتحهَا وبالعين الْمُهْملَة، وَقَالَ أَبُو عمر: شهد سَالم مولى أبي حُذَيْفَة بَدْرًا، وَقتل يَوْم الْيَمَامَة شَهِيدا هُوَ ومولاه أَبُو حُذَيْفَة، فَوجدَ رَأس أَحدهمَا عِنْد رجْلي الآخر، وَذَلِكَ سنة اثْنَتَيْ عشرَة من الْهِجْرَة، وَأما أَبُو حُذَيْفَة فَاخْتلف فِي اسْمه، فَقيل: مهشم، وَقيل: هشيم، وَقيل: هَاشم بن عتبَة بن ربيعَة بن عبد شمس بن عبد منَاف الْقرشِي العبشمي، كَانَ من فضلاء الصَّحَابَة من الْمُهَاجِرين الْأَوَّلين، جمع الله لَهُ الشّرف وَالْفضل، صلى الْقبْلَتَيْنِ وَهَاجَر الهجرتين وَكَانَ إِسْلَامه قبل دُخُول رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم دَار الأرقم للدُّعَاء فِيهَا إِلَى الْإِسْلَام، وَشهد بَدْرًا وأحداً وَالْخَنْدَق وَالْحُدَيْبِيَة والمشاهد كلهَا، وَقتل يَوْم الْيَمَامَة شَهِيدا كَمَا ذَكرْنَاهُ الْآن وَهُوَ ابْن ثَلَاث أَو أَربع وَخمسين سنة.

8573 - حدَّثنا سُلَيْمَانُ بنُ حَرْبٍ حدَّثنا شُعْبَةُ عنْ عَمْرِو بنِ مُرَّةَ عنْ إبْرَاهِيمَ عنْ مَسْرُوق قَالَ ذُكِرَ عَبْدُ الله عِنْدَ عَبْدِ الله بنِ عَمْرٍ وفقال ذَاكَ رَجُلٌ لاَ أزَالُ أُحِبُّهُ بَعْدَ مَا سَمِعْتُ رسُولَ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُولُ اسْتَقْرِؤا القُرْآنَ مِنْ أرْبَعَةٍ مِنْ عَبْدِ الله بنِ مَسْعُودٍ فبَدَأ بِهِ وسالِمٍ مَوْلَى أبِي حُذَيْفَةَ وأُبَيِّ بنِ كَعْبٍ ومُعاذِ بنِ جَبَلٍ قَالَ لاَ أدْرِي بَدَأ بأُبَيٍّ أوْ بِمُعَاذٍ. .

مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (وَسَالم مولى أبي حُذَيْفَة) وَإِبْرَاهِيم هُوَ النَّخعِيّ، ومسروق هُوَ ابْن الأجدع.
والْحَدِيث أخرجه البُخَارِيّ أَيْضا فِي مَنَاقِب أبي بن كَعْب عَن أبي الْوَلِيد، وَفِي فَضَائِل الْقُرْآن عَن حَفْص بن عَمْرو فِي مَنَاقِب معَاذ بن جبل عَن مُحَمَّد بن بشار وَفِي مَنَاقِب عبد الله بن مَسْعُود عَن حَفْص بن عمر. وَأخرجه مُسلم فِي الْفَضَائِل عَن أبي بكر بن أبي شيبَة وَعَن جمَاعَة آخَرين. وَأخرجه التِّرْمِذِيّ فِي المناقب عَن هناد، وَأخرجه النَّسَائِيّ فِيهِ وَفِي فَضَائِل الْقُرْآن عَن بشر بن خَالِد وَعَن آخَرين.
قَوْله: (ذكر) ، على صِيغَة الْمَجْهُول. قَوْله: (عبد الله) ، أَرَادَ بِهِ عبد الله بن مَسْعُود. قَوْله: (استقرئوا) ، أَي: اطْلُبُوا الْقِرَاءَة من أَرْبَعَة أنفس. قَوْله: (من عبد الله) إِلَى آخِره، بَيَان للأربعة. قَوْله: (فَبَدَأَ بِهِ) أَي: بِعَبْد الله بن مَسْعُود، والتقديم يُفِيد الاهتمام بالمقدم وتفضيله على غَيره، وَوجه تَخْصِيص هَؤُلَاءِ الْأَرْبَعَة أَنهم كَانُوا أَكثر ضبطاً للفظ الْقُرْآن وأتقن للْأَدَاء، وَإِن كَانَ غَيرهم أفقه فِي الْمَعَالِي مِنْهُم، وَقيل: لأَنهم تفرغوا لأَخذه مِنْهُ مشافهة، وَقيل: لِأَنَّهُ يُؤْخَذ مِنْهُم، وَقيل: إِنَّه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، أَرَادَ الْإِعْلَام بِمَا يكون بعده، وَهَذَا لَا يدل على أَن غَيرهم لم يجمعه. قَوْله: (أَو بمعاذ) ، ويروى: أَو بمعاذ بن جبل.

72 - (بابُ مَناقِبِ عَبْدِ الله بنِ مَسْعُودٍ رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ)

أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان مَنَاقِب عبد الله بن مَسْعُود بن غافل بن حبيب بن شمخ بن مَخْزُوم، وَيُقَال: ابْن شمخ بن فار بن مَخْزُوم ابْن صاهلة بن كَاهِل بن الْحَارِث بن تَمِيم بن سعد بن هذل بن مدركة بن إلْيَاس بن مُضر بن نزار بن معد بن عدنان، أَبُو عبد الرَّحْمَن الْهُذلِيّ، وَأمه أم عبد بنت عبدود بن سَواد من هُذَيْل أَيْضا، أسلمت وصحبت وَأَبوهُ مَاتَ فِي الْجَاهِلِيَّة، وَعبد الله أسلم قَدِيما، وَقد روى ابْن حبَان من طَرِيقه أَنه كَانَ سادس سِتَّة فِي الْإِسْلَام، وَهَاجَر الهجرتين وَشهد بَدْرًا والمشاهد كلهَا مَعَ رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَهُوَ صَاحب نعل رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَقد ذَكرْنَاهُ عَن قريب، مَاتَ بِالْمَدِينَةِ سنة اثْنَتَيْنِ وَثَلَاثِينَ وَهُوَ ابْن بضع وَسِتِّينَ سنة، وَقيل: مَاتَ بِالْكُوفَةِ، وَالْأول أصح.

(16/246)


247 - (حَدثنَا حَفْص بن عمر حَدثنَا شُعْبَة عَن سُلَيْمَان قَالَ سَمِعت أَبَا وَائِل قَالَ سَمِعت مسروقا قَالَ قَالَ عبد الله بن عَمْرو إِن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - لم يكن فَاحِشا وَلَا متفاحشا وَقَالَ إِن من أحبكم إِلَيّ أحسنكم أَخْلَاقًا وَقَالَ استقرئوا الْقُرْآن من أَرْبَعَة من عبد الله بن مَسْعُود وَسَالم مولى أبي حُذَيْفَة وَأبي بن كَعْب ومعاذ بن جبل) مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله عبد الله بن مَسْعُود والْحَدِيث مر فِي الْبَاب الَّذِي قبله غير أَنه زَاد فِي هَذَا حَدِيثا تقدم فِي صفة النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَسليمَان هُوَ الْأَعْمَش بن مهْرَان وَأَبُو وَائِل من الويل بِالْيَاءِ آخر الْحُرُوف اسْمه شَقِيق قَوْله " فَاحِشا " أَي متكلما بالقبيح وَلَا متفاحشا أَي وَلَا متكلفا للتكلم بِهِ
1673 - حدَّثنا مُوساى عنْ أبِي عَوَانَةَ عنْ مُغِيرَةَ عنْ إبْرَاهِيمَ عنْ عَلْقَمَةَ دَخَلْتُ الشَّأمَ فصَلَّيْتُ رَكْعَتَيْنِ فَقُلْتُ اللَّهُمَّ يَسِّرْ لِي جَلِيساً صالحَاً فرَأيْتُ شَيْخاً مُقْبِلاً فلَمَّا دَنا قُلْتُ أرْجُو أنْ يَكُونَ اسْتَجَابَ الله قَالَ مِنْ أيْنَ أنْتَ قُلْتُ مِنْ أهْلِ الكُوفَةِ قَالَ أفَلَمْ يَكُنْ فِيكُمْ صاحِبُ النَّعْلَيْنِ والوِسادِ المِطْهَرَةِ أوَ لَمْ يَكُنْ فِيكُمُ الَّذِي أُجِيرَ مِنَ الشَّيْطَانِ أوَلَمْ يَكُنْ فِيكُمْ صاحِبُ السِّرِّ الَّذِي لاَ يَعْلَمُهُ غَيْرُهُ كَيْفَ قرَأ ابنُ أُمِّ عَبْدٍ واللَّيْلِ فقَرَأتُ واللَّيْلِ إذَا يَغْشَى والنَّهَارِ إذَا تَجَلَّى والذَّكَرِ والأُنْثَى قَالَ أَقْرَأَنيهَا النَّبِيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فاهُ إلَى فِيَّ فَمَا زَالَ هَؤلاءِ حَتَّى كادُوا يَرُدُّونِي. .

مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. ومُوسَى هُوَ ابْن إِسْمَاعِيل التَّبُوذَكِي، وَأَبُو عوَانَة، بِفَتْح الْعين الْمُهْملَة: الوضاح بن عبد الله الْيَشْكُرِي، وَال مُغيرَة بن مقسم الْكُوفِي، وَإِبْرَاهِيم هُوَ النَّخعِيّ، وعلقمة بن قيس النَّخعِيّ، والْحَدِيث مر فِي: بَاب مَنَاقِب عمار وَحُذَيْفَة، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا، من طَرِيقين وَمر الْكَلَام فِيهِ هُنَاكَ. قَوْله: (اسْتَجَابَ) ، أَي: دعائي. قَوْله: (يردوني) ، ويروى: يردونني، على الأَصْل أَي من قِرَاءَة {الذّكر وَالْأُنْثَى} (اللَّيْل: 3) . إِلَى قِرَاءَة {وَمَا خلق الذّكر وَالْأُنْثَى} (اللَّيْل: 3) .

2673 - حدَّثنا سُلَيْمَانُ بنُ حَرْبٍ حدَّثنا شُعْبَةُ عنْ أبِي إسْحَاقَ عنْ عَبْدِ الرَّحْمانِ بنِ يَزِيدَ قَالَ سألْنَا حُذَيْفَةَ عنْ رَجُلٍ قَرِيبِ السَّمْتِ والهَدْيِ مِنَ النَّبِيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حَتَّى نأخُذَ عنْهُ فَقَالَ مَا أعْرِفُ أحَدَاً أقْرَبَ سَمْتاً وهَدْيَاً ودَلاًّ بالنَّبِيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم منِ ابنِ أُمِّ عَبْدٍ. (الحَدِيث 2673 طرفه فِي: 7906) .

مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. وَأَبُو إِسْحَاق عَمْرو بن عبد الله السبيعِي، وَعبد الرَّحْمَن بن يزِيد من الزِّيَادَة النَّخعِيّ أَخُو الْأسد بن يزِيد. والْحَدِيث أخرجه التِّرْمِذِيّ فِي المناقب عَن ابْن بشار. وَأخرجه النَّسَائِيّ فِيهِ عَن بنْدَار.
قَوْله: (السمت) ، وَهُوَ الْهَيْئَة الْحَسَنَة (وَالْهَدْي) بِفَتْح الْهَاء وَسُكُون الدَّال: الطَّرِيقَة وَالْمذهب، و: الدل بِفَتْح الدَّال الْمُهْملَة وتشديف اللَّام: الشكل وَالشَّمَائِل، وَكَأَنَّهُ مَأْخُوذ مِمَّا يدل ظَاهر حَاله على حسن فعاله، وَابْن أم عبد هُوَ: عبد الله بن مَسْعُود، وَهِي اسْم أمه وَقد مر عَن قريب.

3673 - حدَّثني مُحَمَّدُ بنُ العَلاءِ حدَّثنا إبْرَاهِيمُ بنُ يُوسُفَ بنِ أبِي إسْحَاقَ قَالَ حدَّثنِي أبِي عنْ أبِي إسْحَاقَ قَالَ حدَّثني الأسْوَدُ بنُ يَزِيدَ قَالَ سَمِعْتُ أبَا مُوساى الأشْعَرِي رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ يقُولُ قَدِمْتُ أنَا وأخِي مِنَ اليَمَنِ فمَكَثْنَا حينا مَا نُراى إلاَّ أنَّ عَبْدَ الله بنَ مَسْعُودٍ رَجُلٌ مِنْ أهْلِ بَيْتِ النَّبِيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لِمَا نَرَي منْ دُخُولِهِ ودُخُولِ أُمِّهِ علَى النَّبِيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم. (الحَدِيث 3673 طرفه فِي: 4834) .

(16/247)


مطابقته للتَّرْجَمَة تُؤْخَذ من قَوْله: (لما نرى) إِلَى آخِره. وَمُحَمّد بن الْعَلَاء أَبُو كريب الْهَمدَانِي الْكُوفِي، وَهُوَ شيخ مُسلم أَيْضا وَإِبْرَاهِيم بن يُوسُف بن إِسْحَاق بن أبي إِسْحَاق الْهَمدَانِي السبيعِي، يرْوى عَن أَبِيه يُوسُف بن إِسْحَاق وَهُوَ يروي عَن جده أبي إِسْحَاق السبيعِي.
والْحَدِيث أخرجه البُخَارِيّ فِي الْمَغَازِي عَن عبد الله بن مُحَمَّد وَإِسْحَاق بن نصر. وَأخرجه مُسلم فِي الْفَضَائِل عَن إِسْحَاق بن إِبْرَاهِيم وَمُحَمّد بن رَافع وَعَن آخَرين. وَأخرجه التِّرْمِذِيّ فِي المناقب عَن أبي كريب بِهِ. وَأخرجه النَّسَائِيّ فِيهِ عَن عَبدة بن عبد الله وَعَن مُحَمَّد بن بشار.
قَوْله: (قدمت أَنا وَأخي) قد ذكرنَا فِي مَنَاقِب أبي بكر أَن لأبي مُوسَى أَخَوَيْنِ: أَبُو رهم وَأَبُو بردة، وَقيل: إِن لَهُ أَخا آخر اسْمه: مُحَمَّد، وأشهرهم أَبُو بردة، بِضَم الْبَاء الْمُوَحدَة واسْمه: عَامر. قَوْله: (مَا نرى) يجوز أَن يكون حَالا من فَاعل: (مكثنا) وَيجوز أَن يكون صفة لقَوْله: (حينا) . قَوْله: (لما نرى) اللَّام فِيهِ للتَّعْلِيل، وَكلمَة مَا، مَصْدَرِيَّة أَي: لأجل رؤيتنا دُخُول عبد الله بن مَسْعُود وَدخُول أمه على النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَذَلِكَ يدل على خصوصيته بملازمة النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم. وَفِيه: دلَالَة على فَضله وخيره.

82 - (بابُ ذِكْرِ مُعاوِيَةَ بنِ أبِي سُفْيَانَ رَضِي الله تَعَالَى عنهُما)

أَي: هَذَا بَاب فِيهِ ذكر أبي عبد الرَّحْمَن بن مُعَاوِيَة بن أبي سُفْيَان، واسْمه: صَخْر، ويكنى أَيْضا أَبَا حَنْظَلَة بن حَرْب بن أبي أُميَّة ابْن عبد شمس بن عبد منَاف الْقرشِي الْأمَوِي، وَأمه هِنْد بنت عتبَة بن ربيعَة بن عبد شمس، فمعاوية وَأَبوهُ من مسلمة الْفَتْح، وَقيل: إِنَّه أسلم زمن الْحُدَيْبِيَة وَأسْلمت أمه أَيْضا بعده، وَكتب مُعَاوِيَة للنَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَولي إمرة دمشق عَن عمر بن الْخطاب بعد موت أَخِيه يزِيد بن أبي سُفْيَان سنة تسع عشرَة، وَاسْتمرّ عَلَيْهَا بعد ذَلِك فِي خلَافَة عُثْمَان ثمَّ زمَان محاربته لعَلي وَالْحسن، ثمَّ اجْتمع عَلَيْهِ النَّاس فِي سنة إِحْدَى وَأَرْبَعين إِلَى أَن مَاتَ سنة سِتِّينَ، فَكَانَت ولَايَته مَا بَين إِمَارَة ومحاربة ومملكة أَكثر من أَرْبَعِينَ سنة مُتَوَالِيَة.

4673 - حدَّثنا الحَسَنُ بنُ بِشْرٍ حدَّثنا الْمُعافَى عنْ عُثْمَانَ بنَ الأسْوَدِ عَن ابنِ أبِي مُلَيْكَةَ قَالَ أوْتَرَ مُعاوِيَةُ بَعْدَ العِشَاءِ بِرَكْعَةٍ وعِنْدَهُ مَوْلًى لإبنِ عَبَّاسٍ فأتَى ابنَ عَبَّاسٍ فَقَالَ دَعْهُ فإنَّهُ قَدْ صَحِبَ رَسُولَ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم. (الحَدِيث 4673 طرفه فِي: 5673) .

مطابقته للتَّرْجَمَة من حَيْثُ إِن فِيهِ ذكر مُعَاوِيَة. وَفِيه: دلَالَة أَيْضا على فَضله من حَيْثُ إِنَّه صحب النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم.
وَالْحسن بن بشر، بِكَسْر الْبَاء الْمُوَحدَة وَسُكُون الشين الْمُعْجَمَة: أَبُو مُسلم بن الْمسيب أَبُو عَليّ البَجلِيّ الْكُوفِي، مَاتَ سنة إِحْدَى وَعشْرين وَمِائَتَيْنِ، والمعافى، بِلَفْظ اسْم الْمَفْعُول من المعافاة، بِالْمُهْمَلَةِ وَالْفَاء: ابْن عمرَان الْأَزْدِيّ الْموصِلِي، يكنى أَبَا مَسْعُود، أحد الْأَعْلَام من الثِّقَات النبلاء، وَلَقَد لَقِي بعض التَّابِعين وتلمذ لِسُفْيَان الثَّوْريّ وَكَانَ يلقب: ياقوتة الْعلمَاء، وَكَانَ الثَّوْريّ شَدِيد التَّعْظِيم لَهُ، مَاتَ سنة خمس أَو سِتّ وَثَمَانِينَ وَمِائَة، وَلَيْسَ لَهُ فِي البُخَارِيّ سوى هَذَا الْموضع وَمَوْضِع آخر تقدم فِي الاسْتِسْقَاء، وَعُثْمَان بن الْأسود بن مُوسَى الْمَكِّيّ، وَابْن أبي مليكَة عبد الله بن عبيد الله بن أبي مليكَة.
وَأخرجه البُخَارِيّ أَيْضا عَن ابْن أبي مَرْيَم عَن نَافِع بن عمر عَن ابْن أبي مليكَة على مَا يَجِيء الْآن.
قَوْله: (وَعِنْده مولى لِابْنِ عَبَّاس) ، وَهُوَ: كريب روى ذَلِك مُحَمَّد بن نصر الْمروزِي فِي كتاب (الْوتر) لَهُ من طَرِيق ابْن عُيَيْنَة عَن عبيد الله بن أبي يزِيد عَن كريب. قَوْله: (فَأتى ابْن عَبَّاس فَقَالَ: دَعه) ، فِيهِ حذف تَقْدِيره: فَأتى ابْن عَبَّاس فَأخْبرهُ بذلك، فَقَالَ، الْفَاء فِيهِ فصيحة، وَهِي الَّتِي تفصح عَن الْمُقدر الْمَذْكُور. قَوْله: (دَعه) ، أَي: اترك القَوْل فِيهِ وَالْإِنْكَار عَلَيْهِ فَإِنَّهُ صحب رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَإنَّهُ عَارِف بالفقه.

5673 - حدَّثنا ابنُ أبِي مَرْيَمَ حدَّثنا نافِعُ بنُ عُمَرَ حدَّثنِي ابنُ أبِي مُلَيْكَةَ قِيلَ ل اِبْنِ عَبَّاسٍ هَلْ لَكَ فِي أمِيرِ المُؤْمِنِينَ مُعاوِيةَ فإنَّهُ مَا أوْتَرَ إلاَّ بِوَاحِدَةٍ قَالَ أصَابَ إنَّهُ فَقيهٌ. (انْظُر الحَدِيث 4673) .

(16/248)


هَذَا طَرِيق آخر فِي الحَدِيث الْمَذْكُور عَن سعيد بن الحكم بن أبي مَرْيَم عَن نَافِع بن عمر بن عبد الله الجُمَحِي، وَقد تقدم فِي الْعلم. قَوْله: (إلاَّ بِوَاحِدَة) أَي: بِرَكْعَة وَاحِدَة. قَوْله: (أصَاب) ، أَي: السّنة. قَوْله: (إِنَّه) أَي: إِن مُعَاوِيَة (فَقِيه) يَعْنِي: يعرف أَبْوَاب الْفِقْه.

6673 - حدَّثني عَمْرُو بنُ عَبَّاسٍ حدَّثنا مُحَمَّدُ بنُ جَعْفَر حدَّثنا شُعْبَةُ عنْ أبِي التَّيَّاحِ قَالَ سَمِعْتُ حُمْرَانَ بنَ أبَان عنْ مُعَاوِيَةً رَضِي الله تَعَالَى عنهُ قَالَ إنَّكُمْ لَتُصَلُّونَ صَلاةً لَقَدْ صَحِبْنَا النَّبِيَّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَمَا رَأيْنَاهُ يُصَلِّيهِمَا ولَقَدْ نَهَى عَنْهُمَا يَعْنِي الرَّكْعَتَيْنِ بَعْدَ العَصْرِ. (انْظُر الحَدِيث 785) .

مطابقته للتَّرْجَمَة من حَيْثُ إِن فِيهِ ذكر مُعَاوِيَة، وَلَا يدل هَذَا على فضيلته. فَإِن قلت: قد ورد فِي فضيلته أَحَادِيث كَثِيرَة. قلت: نعم، وَلَكِن لَيْسَ فِيهَا حَدِيث يَصح من طَرِيق الْإِسْنَاد نَص عَلَيْهِ إِسْحَاق بن رَاهَوَيْه وَالنَّسَائِيّ وَغَيرهمَا، فَلذَلِك قَالَ: بَاب ذكر مُعَاوِيَة، وَلم يقل: فَضِيلَة وَلَا منقبة.
وَعَمْرو بن عَبَّاس أَبُو عُثْمَان الْبَصْرِيّ وَهُوَ من أَفْرَاده، وَمَات فِي ذِي الْحجَّة سنة خمس وَثَلَاثِينَ وَمِائَتَيْنِ، وَمُحَمّد بن جَعْفَر هُوَ غنْدر، وَأَبُو التياح، بِفَتْح التَّاء الْمُثَنَّاة من فَوق وَتَشْديد الْيَاء آخر الْحُرُوف: واسْمه يزِيد بن حميد الضبعِي الْبَصْرِيّ، وحمران، بِضَم الْحَاء الْمُهْملَة: ابْن أبان، بِفَتْح الْهمزَة وَتَخْفِيف الْبَاء الْمُوَحدَة: مولى عُثْمَان بن عَفَّان.
والْحَدِيث من أَفْرَاده، وَقد مر هَذَا الحَدِيث فِي كتاب الصَّلَاة فِي: بَاب لَا يتحَرَّى الصَّلَاة قبل غرُوب الشَّمْس، وَقد مر الْكَلَام فِيهِ هُنَاكَ.

92 - (بابُ مَنَاقِبِ فاطِمَةَ عَلَيْهَا السَّلام)

أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان مَنَاقِب فَاطِمَة بنت النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَأمّهَا خَدِيجَة بنت خويلد، ولدت فَاطِمَة فِي الْإِسْلَام وَكَانَ مولدها وقريش تبني الْكَعْبَة، وَكَانَ بِنَاء قُرَيْش الْكَعْبَة قبل مبعث النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِسبع سِنِين وَسِتَّة أشهر، وأنكحها رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَليّ بن أبي طَالب، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، بعد وقْعَة أحد، وَقيل: تزَوجهَا بعد أَن ابتني رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بعائشة بأَرْبعَة أشهر وَنصفا وَبنى بهَا بعد تَزْوِيجه إِيَّاهَا بِتِسْعَة أشهر وَنصف، وَكَانَ سنّهَا يَوْمئِذٍ خمس عشرَة وَخَمْسَة أشهر وَنصفا، وَكَانَ سنّ عَليّ يَوْمئِذٍ إِحْدَى وَعشْرين سنة وَخَمْسَة أشهر، وَقَالَ أَبُو عمر: فَولدت لَهُ الْحسن وَالْحُسَيْن وَأم كُلْثُوم وَزَيْنَب، وَلم يتَزَوَّج عَليّ، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، عَلَيْهَا غَيرهَا حَتَّى مَاتَت، وَتوفيت لَيْلَة الثُّلَاثَاء لثلاث خلون من رَمَضَان سنة إِحْدَى عشرَة من الْهِجْرَة، وَقَالَ المدايني: وَصلى عَلَيْهَا الْعَبَّاس، وَقَالَ الْكرْمَانِي: غسلهَا عَليّ وَصلى عَلَيْهَا ودفنها لَيْلًا بوصيتها. وَقَالَ أَبُو عمر: توفيت بعد رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِيَسِير، وَقَالَ مُحَمَّد بن عَليّ: بِسِتَّة أشهر، وَقَالَ عَمْرو بن دِينَار: بِثمَانِيَة أشهر، وَقَالَ ابْن بُرَيْدَة: عاشت بعد أَبِيهَا سبعين يَوْمًا.
وَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فاطِمَةُ سَيِّدَةِ نِساءِ أهْلِ الجَنَّةِ
هَذَا التَّعْلِيق أخرجه البُخَارِيّ فِي عَلَامَات النُّبُوَّة، وَقد مر الْكَلَام فِيهِ هُنَاكَ وَغَيره.

7673 - حدَّثنا أبُو الوَلِيدِ حدَّثنا ابنُ عُيَيْنَةَ عنْ عَمْرِو بنِ دِينارٍ عنِ ابنِ أبِي مُلَيْكَةَ عنِ المِسْوَرِ بنِ مَخْرَمَةَ رَضِي الله تَعَالَى عنهُما أنَّ رسُولَ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ فاطِمَةُ بِضْعَةٌ مِنِّي فَمن أغْضَبَهَا فقَدْ أغْضَبَنِي. .

مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. وَأَبُو الْوَلِيد هِشَام بن عبد الْملك الطَّيَالِسِيّ يروي عَن سُفْيَان بن عُيَيْنَة. والْحَدِيث مر فِي: بَاب ذكر أَصْهَار النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بأتم مِنْهُ، وَمضى الْكَلَام فِيهِ. قَوْله: (بضعَة مني) بِفَتْح الْبَاء الْمُوَحدَة وَبِضَمِّهَا على قَول، وبكسرها أَيْضا، وَاسْتدلَّ بِهِ الْبَيْهَقِيّ على أَن: من سبها فَإِنَّهُ يكفر.