عمدة القاري شرح
صحيح البخاري 03 - (بابُ فَضْلِ عائِشَةَ رَضِي الله
تَعَالَى عَنْهَا)
(16/249)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان فضل عَائِشَة،
رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا، هِيَ الصديقة بنت الصّديق،
رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا، قيل: إِنَّمَا قَالَ
البُخَارِيّ: ذكر مُعَاوِيَة ومناقب فَاطِمَة وَفضل
عَائِشَة لِأَنَّهُ أَرَادَ بِذكر الْفضل مُرَاعَاة لفظ
الحَدِيث فِي حَقّهَا. وَأما الذّكر فَهُوَ أَعم من
المناقب. وَأمّهَا أم رُومَان بنت عَامر بن عُوَيْمِر بن
عبد شمس تزَوجهَا رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
بِمَكَّة قبل الْهِجْرَة بِسنتَيْنِ فِي قَول أبي
عُبَيْدَة، وَقيل: قبلهَا بِثَلَاث سِنِين، وَقيل: بِسنة
وَنصف، وَهِي بنت سِتّ سِنِين وَبنى بهَا بِالْمَدِينَةِ
بعد مُنْصَرفه من وقْعَة بدر فِي شَوَّال سنة اثْنَتَيْنِ
من الْهِجْرَة وَهِي بنت تسع سِنِين، وَمَات النَّبِي صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم وَلها نَحْو ثَمَان عشرَة سنة،
وَعَاشَتْ بعده قَرِيبا من خمسين سنة، وَأكْثر الناسُ
الْأَخْذ عَنْهَا ونقلوا عَنْهَا من الْأَحْكَام والآداب
شَيْئا كثيرا، حَتَّى قيل: إِن ربع الْأَحْكَام
الشَّرْعِيَّة منقولة عَنْهَا، رُوِيَ لَهَا عَن رَسُول
الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ألف حَدِيث وَعشرَة
أَحَادِيث، وَلم تَلد للنَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم،
وَسَأَلته أَن تكتني، فَقَالَ: إكتني بِابْن أختك، قَالَت:
أم عبد الله.
8673 - حدَّثنا يَحْيَى بنُ بُكَيْرٍ حدَّثنا اللَّيْثُ
عنْ يُونُسَ عنِ ابنِ شِهَابٍ قَالَ أبُو سَلَمَةَ إنَّ
عائِشَةَ رَضِي الله تَعَالَى عنهَا قالَتْ قَالَ رسُولُ
الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَوْماً يَا عائِشَ هَذَا
جِبْرِيلُ يُقْرئُكِ السَّلامَ فَقُلْتُ وعَلَيْهِ
السَّلاَمُ ورَحْمَةُ الله وبرَكَاتُهُ تَراى مَا لَا أراى
تُرِيدُ رسُولَ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم. .
مطابقته للتَّرْجَمَة من حَيْثُ إِن سَلام جِبْرِيل
عَلَيْهَا يدل على أَن لَهَا فضلا عَظِيما، وَاسْتدلَّ
بِهِ بَعضهم لفضل خَدِيجَة على عَائِشَة لِأَن الَّذِي ورد
فِي حق خَدِيجَة أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
قَالَ لَهَا: (إِن جِبْرِيل يُقْرِئك السَّلَام من رَبك) ،
وَهنا: السَّلَام من جِبْرِيل خَاصَّة، وَيحيى بن بكير
هُوَ يحيى بن عبد الله بن بكير المَخْزُومِي الْمصْرِيّ،
وَهَذَا روى لَهُ مُسلم أَيْضا وَيُونُس بن يزِيد وَأَبُو
سَلمَة بن عبد الرَّحْمَن ابْن عَوْف، والْحَدِيث مر فِي
بَدْء الْخلق وَمر الْكَلَام فِيهِ هُنَاكَ. قَوْله: (يَا
عائش) ، مرخم يجوز فِي الشين الضَّم وَالْفَتْح. قَوْله:
(ترى) خطاب لرَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وأوضحه
بقوله: تُرِيدُ رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم.
9673 - حدَّثنا آدَمُ حدَّثنا شُعْبَةُ قَالَ وحدَّثنا
عَمْرٌ وأخبرَنا شُعْبَةُ عنْ عَمْرِو بنِ مُرَّةَ عنْ
مُرَّةَ عنْ أبِي مُوسَى الأشْعَرِيِّ رَضِي الله تَعَالَى
عَنهُ قَالَ قَالَ رسُولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
كَمَلَ مِنَ الرِّجَالِ كَثيرٌ ولَمْ يَكْمُلْ مِنَ
النِّساءِ إلاَّ مَرْيَمُ بِنْتُ عِمْرَانَ وآسِيةُ
امْرَأةُ فِرْعَوْنَ وفَضْلُ عائِشَةَ علَى النِّسَاءِ
كفَضْلِ الثَّرِيدِ علَى سائِرِ الطَّعَامِ.
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (فضل عَائِشَة) إِلَى
آخِره، وَأخرج هَذَا الحَدِيث من طَرِيقين: الأول: عَن آدم
بن أبي إِيَاس عَن شُعْبَة عَن عَمْرو بن مرّة ... إِلَى
آخِره. الثَّانِي: عَن عَمْرو بن مَرْزُوق عَن شُعْبَة عَن
عَمْرو بن مرّة، بِضَم الْمِيم وَتَشْديد الرَّاء:
الْأَعْمَى الْكُوفِي عَن مرّة الْهَمدَانِي الْكُوفِي عَن
أبي مُوسَى عبد الله بن قيس الْأَشْعَرِيّ، رَضِي الله
تَعَالَى عَنهُ. والْحَدِيث مضى فِي قصَّة مُوسَى فِي:
بَاب قَول الله تَعَالَى: {ضرب الله مثلا} (إِبْرَاهِيم:
42، النَّحْل: 57، 67 و 211، الزمر: 92، التَّحْرِيم: 01 و
11) . الْآيَة، وَمضى الْكَلَام فِيهِ هُنَاكَ.
قَوْله: (كمل) ، بِتَثْلِيث الْمِيم. قَوْله: (وَلم يكمل)
، أَي: من نسَاء عصرها، وَقَالَ ابْن حبَان
الْأَفْضَلِيَّة الَّتِي يدل عَلَيْهَا هَذَا الحَدِيث
وَغَيره مُقَيّدَة بنساء النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم، حَتَّى لَا يَقع بَينه وَبَين قَوْله: أفضل نسَاء
إهل الْجنَّة خَدِيجَة وَفَاطِمَة، تعَارض ظَاهرا.
0773 - حدَّثنا عَبْدُ العَزِيزِ بنُ عَبْدِ الله قَالَ
حدَّثني مُحَمَّدُ بنُ جَعْفَرٍ عنْ عَبْدِ الله بنِ
عَبْدِ الرَّحْمانِ أنَّهُ سَمِعَ أنَسَ بنَ مَالِكٍ رَضِي
الله تَعَالَى عَنهُ يقُولُ سَمِعْتُ رسُولَ الله صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم يَقُولُ فَضْلُ عائِشَةَ عَلَى النِّسَاءِ
كَفَضْلِ الثَّرِيدِ عَلَى الطَّعَامِ.
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. وَعبد الْعَزِيز بن عبد
الله بن يحيى أبي الْقَاسِم الْقرشِي العامري الأويسي
الْمَدِينِيّ، وَمُحَمّد بن جَعْفَر ابْن أبي كثير، وَعبد
الله بن عبد الرَّحْمَن بن معمر بن حزم أَبُو طوالة
الْأنْصَارِيّ.
والْحَدِيث أخرجه البُخَارِيّ أَيْضا فِي الْأَطْعِمَة
(16/250)
عَن عَمْرو بن عون ومسدد. وَأخرجه مُسلم
فِي الْفَضَائِل عَن القعْنبِي وَعَن يحيى بن يحيى وقتيبة
وَعلي بن حجر. وَأخرجه التِّرْمِذِيّ فِي المناقب عَن
عَليّ بن حجر. وَأخرجه النَّسَائِيّ فِي الْوَلِيمَة عَن
إِسْحَاق بن إِبْرَاهِيم. وَأخرجه ابْن مَاجَه فِي
الْأَطْعِمَة عَن حَرْمَلَة بن يحيى.
قَوْله: (الثَّرِيد) ، فِي الأَصْل: الْخبز المكسور،
يُقَال: ثردت الْخبز ثرداً أَي كَسرته فَهُوَ ثريد ومثرود،
والإسم: الثردة بِالضَّمِّ، وَقَالَ ابْن الْأَثِير فِي
شرح هَذَا الْموضع، قيل: لم يرد عين الثَّرِيد، وَإِنَّمَا
أَرَادَ الطَّعَام الْمُتَّخذ من اللَّحْم والثريد مَعًا
لِأَن الثَّرِيد غَالِبا لَا يكون إلاَّ من لحم، وَالْعرب
قَلما تَجِد طبيخاً، وَلَا سِيمَا بِلَحْم. وَيُقَال:
الثَّرِيد أحد اللحمين بل اللَّذَّة وَالْقُوَّة إِذا
كَانَ اللَّحْم نضيجاً فِي المرق أَكثر مِمَّا فِي نفس
اللَّحْم. انْتهى. قلت: علم من هَذَا أَن الثَّرِيد طَعَام
متخذ من اللَّحْم يكون فِيهِ خبز مكسور، فَلَا يُسمى
اللَّحْم الْمَطْبُوخ وَحده بِدُونِ الْخبز المكسور
ثريداً، وَلَا الْخبز المكسور وَحده بِدُونِ اللَّحْم
ثريداً. وَالظَّاهِر أَن فضل الثَّرِيد على سَائِر
الطَّعَام إِنَّمَا كَانَ فِي زمنهم لأَنهم قَلما كَانُوا
يَجدونَ الطبيخ، وَلَا سِيمَا إِذا كَانَ بِاللَّحْمِ،
وَأما فِي هَذَا الزَّمَان فأطعمة معمولة من أَشْيَاء
كَثِيرَة متنوعة فِيهَا من أَنْوَاع اللحوم وَمَعَهَا
أَنْوَاع من الْخبز الْحوَاري، فَلَا يُقَال: إِن مُجَرّد
اللَّحْم مَعَ الْخبز المكسور أفضل من هَذِه الْأَطْعِمَة
الْمُخْتَلفَة الْأَجْنَاس والأنواع، وَهَذَا ظَاهر لَا
يخفى.
1773 - حدَّثني مُحَمَّدُ بنُ بَشَّارٍ حدَّثنا عَبْدُ
الوَهَّابِ بنُ عَبْدِ المَجِيدِ حدَّثنا ابنُ عَوْنٍ عنِ
الْقَاسِمِ بنِ مُحَمَّدٍ أنَّ عائِشَةَ اشْتَكَتْ فَجاءَ
ابنُ عَبَّاسٍ فَقَالَ يَا أمَّ الْمُؤْمِنِينَ
تَقْدَمِينَ علَى فَرَطِ صِدْقٍ علَى رسُولِ الله صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم وعلَى أبِي بَكْرٍ.
مطابقته للتَّرْجَمَة من حَيْثُ إِن ابْن عَبَّاس قطع
لعَائِشَة بِدُخُول الْجنَّة، إِذْ لَا يُقَال ذَلِك إلاَّ
بتوقيف، وَهَذِه فَضِيلَة عَظِيمَة. وَابْن عون، بِفَتْح
الْعين الْمُهْملَة وَسُكُون الْوَاو: عبد الله
الْبَصْرِيّ.
والْحَدِيث أخرجه البُخَارِيّ أَيْضا فِي التَّفْسِير عَن
ابْن الْمثنى نَحوه.
قَوْله: (اشتكت) ، أَي: ضعفت. قَوْله: (تقدمين) ، بِفَتْح
الدَّال. قَوْله: (على فرط) ، بِفَتْح الْفَاء وَالرَّاء:
وَهُوَ الْمُتَقَدّم من كل شَيْء. وَيُقَال: الفرط الفارط
أَي: السَّابِق إِلَى المَاء والمنزل. قَوْله: (صدق) ، صفة
فرط أَي: صَادِق، وَهُوَ عبارَة عَن الْحسن. قَالَ
تَعَالَى: {فِي مقْعد صدق} (الْقَمَر: 55) . قَوْله: (على
رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم) بدل مِنْهُ بتكرير
الْعَامِل، وَحَاصِل الْمَعْنى: أَن النَّبِي صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم وَأَبا بكر قد سبقاك وَأَنت تلحقينهما،
وهما قد هيئا لَك الْمنزل فِي الْجنَّة فَلَا تحملي الْهم
وافرحي بذلك.
2773 - حدَّثنا مُحَمَّدُ بنُ بَشَّارٍ حدَّثنا غُنْدَرٌ
حدَّثنا شُعْبَةُ عنِ الحَكَمِ سَمِعْتُ أبَا وَائِلٍ
قَالَ لمَّا بَعَثَ عَلِيٌّ عَمَّارَاً والحَسَنَ إلَى
الكُوفَةِ لِيَسْتَنْفِرَهُمْ خَطَبَ عَمَّارٌ فَقَالَ
إنِّي لأَعْلَمُ أنَّهَا زَوْجَتُهُ فِي الدُّنْيَا
والآخِرَةِ ولاكِنَّ الله ابْتَلاَكُمْ تَتَّبِعُونَهُ أوْ
إيَّاهَا.
مطابقته للتَّرْجَمَة تُؤْخَذ من قَوْله: (إِنَّهَا) أَي:
إِن عَائِشَة (زَوجته) أَي: زَوْجَة النَّبِي صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم (فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَة) وَفِي هَذَا
فضل عَظِيم لَهَا.
وغندر هُوَ مُحَمَّد بن جَعْفَر، وَالْحكم هُوَ ابْن عتيبة
وَأَبُو وَائِل هُوَ شَقِيق. قَوْله: (بعث عليٌّ) أَي:
عَليّ بن أبي طَالب، وَكَانَ عَليّ رَضِي الله تَعَالَى
عَنهُ، بعث عمار بن يَاسر وَالْحسن ابْنه إِلَى الْكُوفَة
لأجل نصرته فِي مقاتلة كَانَت بَينه وَبَين عَائِشَة
بِالْبَصْرَةِ، وَيُسمى: بِيَوْم الْجمل، بِالْجِيم.
قَوْله: (ليستنفرهم) ، أَي: ليستنجدهم ويستنصرهم من
الاستنفار وَهُوَ الاستنجاد والاستنصار. قَوْله: (خطب) ،
جَوَاب: لما. قَوْله: (أَنَّهَا:) أَي أَن عَائِشَة زوج
النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي الدُّنْيَا
وَالْآخِرَة. وروى ابْن حبَان من طَرِيق سعيد بن كثير عَن
عَائِشَة: أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ
لَهَا: أما ترْضينَ أَن تَكُونِي زَوْجَتي فِي الدُّنْيَا
وَالْآخِرَة؟ قَوْله: (تتبعونه) ، أَي: تتبعون عليا أَو
تتبعون إِيَّاهَا، أَي: عَائِشَة. قيل: الضَّمِير
الْمَنْصُوب فِي: تتبعونه، يرجع إِلَى الله تَعَالَى،
وَالْمرَاد بِاتِّبَاع حكمه الشَّرْعِيّ فِي طَاعَة
الإِمَام وَعدم الْخُرُوج عَلَيْهِ. فَإِن قلت: خَاطب الله
تَعَالَى أَزوَاج النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بقوله:
{قرن فِي بيوتكن} (الْأَحْزَاب: 33) . وَلِهَذَا قَالَت أم
سَلمَة: لَا يحركني ظهر بعير حَتَّى ألْقى الله تَعَالَى.
قلت: كَانَت عَائِشَة،
(16/251)
رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا، متأولة هِيَ
وَطَلْحَة وَالزُّبَيْر، وَكَانَ مُرَادهم إِيقَاع
الْإِصْلَاح بَين النَّاس وَأخذ الْقصاص من قتلة عُثْمَان،
رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ.
3773 - حدَّثنا عُبَيْدُ بنُ إسْمَاعِيلَ حدَّثنا أبُو
أسَامَةَ عنْ هِشَامٍ عنْ أبِيهِ عنْ عائِشَةَ رَضِي الله
تَعَالَى عَنْهَا أنَّها اسْتَعَارَتْ مِنْ أسْماءَ
قِلادَةً فهَلَكَتْ فأرْسَلَ رسُولُ الله صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم ناسَاً مِنْ أصْحَابِهِ فِي طلَبِهَا
فأدْرَكَتْهُمُ الصَّلاَةُ فَصَلَّوْا بِغَيْرٍ وُضُوءٍ
فلَمَّا أتَوُا النَّبِيَّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
شَكَوْا ذالِكَ إلَيْهِ فنَزَلَتْ آيَةُ التَّيَمُّمِ
فَقَالَ أُسَيْدُ بنُ حُضَيْرٍ جَزَاكِ الله خَيْرَاً
فَوالله مَا نَزَلَ بِكِ أمْرٌ قَطُّ إلاَّ جعَلَ الله
لَكِ مِنْهُ مَخْرَجَاً وجَعَلَ لِلْمُسْلِمِينَ فِيهِ
بَرَكَةً. .
مطابقته للتَّرْجَمَة تفهم من قَوْله: (جَزَاك الله خيرا)
إِلَى آخِره. وَأَبُو أُسَامَة حَمَّاد بن أُسَامَة يروي
عَن هِشَام بن عُرْوَة عَن أَبِيه عُرْوَة بن الزبير.
والْحَدِيث مُرْسل لِأَن عُرْوَة تَابِعِيّ والْحَدِيث مر
بِطُولِهِ فِي أول كتاب التَّيَمُّم.
قَوْله: (من أَسمَاء) ، هِيَ أُخْت عَائِشَة، والقلادة
وَالْعقد بِكَسْر الْعين وَاحِد، وَهُوَ كل مَا يعْقد
ويعلق فِي الْعُنُق. فَإِن قلت: قَالَت فِي الرِّوَايَة
الْأُخْرَى: عقدا لي وَهَذَا يخلف قَوْلهَا: استعارت. قلت:
لَا مُخَالفَة فِي الْحَقِيقَة لِأَنَّهَا ملك لأسماء
وإضافته فِي تِلْكَ الرِّوَايَة إِلَى نَفسهَا لكَونه فِي
يَدهَا. قَوْله: (فَهَلَكت) ، أَي: ضَاعَت. قَوْله: (أسيد)
، بِضَم الْهمزَة وَفتح السِّين (وحضير) ، بِضَم الْحَاء
الْمُهْملَة وَفتح الضَّاد الْمُعْجَمَة: الْأنْصَارِيّ
الصَّحَابِيّ. قَوْله: (فصلوا بِغَيْر وضوء) ، قَالَ
النَّوَوِيّ: فِيهِ دَلِيل على أَن من عَدِمَ المَاء
وَالتُّرَاب يُصَلِّي على حَاله، وَللشَّافِعِيّ فِيهِ
أَرْبَعَة أَقْوَال، أَصَحهَا: أَنه يجب عَلَيْهِ أَن
يُصَلِّي وَيجب أَن يُعِيدهَا. وَالثَّانِي: تحرم عَلَيْهِ
الصَّلَاة وَتجب الْإِعَادَة. وَالثَّالِث: لَا تجب
عَلَيْهِ وَلَكِن تسْتَحب وَيجب الْقَضَاء. الرَّابِع: تجب
الصَّلَاة وَلَا تجب الْإِعَادَة، وَهَذَا مَذْهَب
الْمُزنِيّ، وَعند أبي حنيفَة: يمسك عَن الصَّلَاة وَلَا
يجب عَلَيْهِ التَّشَبُّه، وَعند أبي يُوسُف وَمُحَمّد:
يجب التَّشَبُّه، وَلَا خلاف فِي الْقَضَاء.
4773 - حدَّثني عُبَيْدُ بنُ إسْمَاعِيلَ حدَّثنا أبُو
أُسَامَةَ عنْ هِشَامٍ عنْ أبِيهِ أنَّ رسُولَ الله صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم لَمَّا كانَ فِي مَرَضِهِ جعَلَ
يَدُورُ فِي نِسائِهِ ويَقُولُ أيْنَ أنَا غدَاً أَيْن
أَنا غَدا حِرْصاً علَى بَيْتِ عائِشَةَ قالَتْ عائِشَةُ
فلَمَّا
(16/252)
كانَ يَوْمِي سَكَنَ. .
هَذَا الْإِسْنَاد بِعَين الْإِسْنَاد الأول وَهُوَ أَيْضا
مُرْسل، قيل: ظَاهره كَذَا، وَلَكِن قَول عَائِشَة فِي آخر
الحَدِيث: قَالَت عَائِشَة، يُوضح أَن كُله مَوْصُول.
قَوْله: (فِي مَرضه) أَي: مَرضه الَّذِي مَاتَ فِيهِ،
وَفِي رِوَايَة مُسلم: قَالَت: إِن كَانَ رَسُول الله، صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم ليتفقد، يَقُول: أَيْن أَنا الْيَوْم؟
أَيْن أَنا غَدا؟ استبطاء ليَوْم عَائِشَة، وَهنا حرصاً
أَي: لأجل حرصه على بَيت عَائِشَة. قَوْله: (فَلَمَّا
كَانَ يومي سكن) ، قَالَ الْكرْمَانِي: أَي: مَاتَ أَو سكت
عَن هَذَا القَوْل، وَقَالَ بَعضهم: الثَّانِي هُوَ
الصَّحِيح، وَالْأول خطأ صَرِيح. قلت: الْخَطَأ الصَّرِيح
تخطئته، لِأَن فِي رِوَايَة مُسلم: فَلَمَّا كَانَ يومي
قَبضه الله بَين سحرِي وَنَحْرِي، وَالسحر، بِفَتْح
السِّين وَضمّهَا وَإِسْكَان الْحَاء: الرئة وَمَا تعلق
بهَا.
5773 - حدَّثنا عَبْدُ الله بنُ عَبْدِ الوهَّابِ حدَّثنا
حَمَّادٌ حدَّثنا هِشَامٌ عنْ أبِيهِ قَالَ كانَ النَّاسُ
يَتَحَرَّوْنَ بِهَدَايَاهُمْ يَوْمَ عائِشةَ قالَتْ
عائِشَةُ فاجْتَمَعَ صَوَاحِبِي إِلَى أُمِّ سلَمَةَ
فقُلْنَ يَا أُمَّ سلَمَةَ وَالله إنَّ النَّاسَ
يتَحَرَّوْنَ بِهَدَاياهُمْ يَوْمَ عائِشَةَ وإنَّا
نُرِيدُ الخَيْرَ كَما تُرِيدُهُ عائِشَةُ فَمُرِي رسُولَ
الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أنْ يأمُرَ النَّاسَ أنْ
يُهْدُوا إلَيْهِ حَيْثُ مَا كَانَ أوْحيْتُ مَا دَارَ
قالَتْ فذَكَرَتْ ذالِكَ أُمُّ سَلَمَةَ لِلْنَّبِيِّ صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم قالَتْ فأعْرَضَ عَنِّي فلَمَّا عادَ
إلَيَّ ذَكَرْتُ لَهُ ذَاكَ فأعْرَضَ عَنِّي فلَمَّا كَانَ
فِي الثَّالِثَةِ ذَكَرْتُ لَهُ فَقَالَ يَا أُمَّ سلَمَةَ
لاَ تُؤْذِينِي فِي عائِشَةَ فإنَّهُ وَالله مَا نزَلَ
علَيَّ الوَحْيُ وأنَا فِي لِحافِ امْرَأةٍ مِنْكُنَّ
غيْرَهَا.
مطابقته للتَّرْجَمَة تُؤْخَذ من قَوْله: (لَا تؤذيني فِي
عَائِشَة) إِلَى آخِره. وَعبد الله بن عبد الْوَهَّاب
أَبُو مُحَمَّد الحَجبي الْبَصْرِيّ، مَاتَ فِي سنة ثَمَان
وَعشْرين وَمِائَتَيْنِ وَهُوَ من أَفْرَاده، وَحَمَّاد
هُوَ ابْن زيد، وَهِشَام يروي عَن أَبِيه عُرْوَة بن
الزبير. والْحَدِيث مر فِي كتاب الْهِبَة فِي: بَاب قبُول
الْهَدِيَّة، وَمر الْكَلَام فِيهِ هُنَاكَ.
قَوْله: (يتحرون) ، أَي: يقصدون ويجتهدون. قَوْله:
(وَإِنَّا نُرِيد الْخَيْر) ، بنُون الْمُتَكَلّم مَعَ
الْغَيْر، وَأم سَلمَة أم الْمُؤمنِينَ وَاسْمهَا: هِنْد،
وَقد مر غير مرّة. قَوْله: (فمري) أَي: قولي، وَبِه
يسْتَدلّ على أَن الْعُلُوّ والاستعلاء لَا يشْتَرط فِي
الْأَمر. قَوْله: (فِي لِحَاف) ، وَهُوَ اسْم مَا يتغطى
بِهِ، قَالَ الْكرْمَانِي: والمعتنون بِهَذَا الْكتاب من
الشُّيُوخ، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُم، ضبطوه فَقَالُوا:
هَهُنَا منتصف الْكتاب، أَي: كتاب البُخَارِيّ. وَبَاب
مَنَاقِب الْأَنْصَار هُوَ ابْتِدَاء النّصْف الْأَخير
مِنْهُ.
1 - (بابُ مَناقِبِ الأنصَارِ)
أَي: هَذَا بَاب فِي مَنَاقِب الْأَنْصَار، وَالْأَنْصَار
جمع نصير مثل شرِيف وأشراف، والنصير النَّاصِر وَجمعه: نصر
مثل صَاحب وَصَحب، وَالْأَنْصَار إسم إسلامي سمي بِهِ
النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الْأَوْس والخزرج
وحلفاءهم، والأوس ينتسبون إِلَى أَوْس بن حَارِثَة،
والخزرج ينتسبون إِلَى الْخَزْرَج بن حَارِثَة، وهما ابْنا
قيلة بنت الأرقم بن عَمْرو بن جَفْنَة، وَقيل: قيلة بنت
كَاهِل بن عذرة بن سعد ابْن قضاعة، وأبوهما حَارِثَة بن
ثَعْلَبَة من الْيمن.
وقَوْلِ الله عز وجلَّ {والَّذِينَ تَبَوَّؤُا الدَّارَ
والإيمانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هاجَرَ
إلَيْهِمْ ولاَ يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حاجَةً مِمَّا
أُوتُوا} (الْحَشْر: 9) .
وَقَول الله عز وَجل، بِالْجَرِّ عطفا على قَوْله:
مَنَاقِب الْأَنْصَار، لِأَنَّهُ مُضَاف مجرور بِإِضَافَة
الْبَاب إِلَيْهِ، وَفِي النّسخ الَّتِي لم يذكر فِيهَا
لفظ: بَاب، يكون مَرْفُوعا، لِأَنَّهُ يكون عطفا على لفظ:
المناقب أَيْضا لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ يكون مَرْفُوعا على
أَنه خبر مُبْتَدأ مَحْذُوف تَقْدِيره: هَذَا مَنَاقِب
الْأَنْصَار، يَعْنِي: هَذَا الَّذِي نذكرهُ مَنَاقِب
الْأَنْصَار. قَوْله: وَالَّذين تبوؤا} (الْحَشْر: 9) .
أَي: اتَّخذُوا ولزموا، والتبوؤ فِي الأَصْل التَّمَكُّن
والاستقرار، وَالْمرَاد بِالدَّار: دَار الْهِجْرَة نزلها
الْأَنْصَار قبل الْمُهَاجِرين وابتنوا الْمَسَاجِد قبل
قدوم النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، بِسنتَيْنِ
فَأحْسن الله عَلَيْهِم الثَّنَاء. قَوْله: (وَالْإِيمَان)
فِيهِ إِضْمَار أَي: وآثروا الْإِيمَان، وَهَذَا من قبيل
قَول الشَّاعِر:
علفتها تبناً وَمَاء بَارِدًا
وَزعم مُحَمَّد بن الْحسن بن زبالة أَن الْإِيمَان اسْم من
أَسمَاء الْمَدِينَة، وَاحْتج بِالْآيَةِ، وَلَا حجَّة
لَهُ فِيهَا، لِأَن الْإِيمَان لَيْسَ بمَكَان. قَوْله:
(من قبلهم) أَي: من قبل الْمُهَاجِرين. قَوْله: (يحبونَ من
هَاجر إِلَيْهِم) أَي: من الْمُسلمين حَتَّى بلغ من محبتهم
أَن نزلُوا لَهُم عَن نِسَائِهِم وشاطروهم أَمْوَالهم
ومساكنهم. قَوْله: (حَاجَة) أَي: حسداً وغيظاً مِمَّا
أُوتِيَ الْمُهَاجِرُونَ، وَقد مر شَيْء من ذَلِك فِي
أَوَائِل مَنَاقِب عُثْمَان، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ.
6773 - حدَّثنا مُوساى بنُ إسْمَاعِيلَ حدَّثنا مَهْدِي
بنُ مَيْمُونٍ حدَّثنا غَيْلاَنُ بنُ جَرِيرٍ قَالَ قُلْتُ
لأِنَسٍ أرَأيْتُمْ اسْمَ الأنْصَارِ كُنْتُمْ تُسَمُّونَ
بِهِ أمْ سَمَّاكُمُ الله قَالَ بَلْ سَمَّانَا الله
كُنَّا نَدْخُلُ علَى أنَسٍ فَيُحَدِّثُنَا مَناقِبَ
الأنْصَارِ ومَشَاهِدَهُمْ ويُقْبِلُ عَلَيَّ أوْ علَى
رَجُلٍ مِنَ الأزْدِ فيَقُولُ فَعَلَ قَوْمُكَ يَوْمَ
كَذَا وكَذَا وكَذَا وكَذَا. (الحَدِيث 6773 طرفه فِي:
4483) .
مطابقته للتَّرْجَمَة تُؤْخَذ من معنى الحَدِيث.
والْحَدِيث أخرجه البُخَارِيّ أَيْضا فِي آخر أَيَّام
الْجَاهِلِيَّة عَن أبي النُّعْمَان مُحَمَّد بن الْفضل.
وَأخرجه النَّسَائِيّ فِي التَّفْسِير عَن إِسْحَاق بن
إِبْرَاهِيم.
قَوْله: (أَرَأَيْتُم؟) أَي: أخبروني أَنكُمْ قبل
الْقُرْآن كُنْتُم تسمون بالأنصار أم لَا؟ قَوْله: (بل
سمانا الله) ، كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى:
{وَالسَّابِقُونَ الْأَولونَ من الْمُهَاجِرين
وَالْأَنْصَار} (التَّوْبَة: 011) . قَوْله:
(16/253)
(كُنَّا ندخل على أنس) أَي: بِالْبَصْرَةِ.
قَوْله: (فَيقبل عَليّ) أَي: مُخَاطبا لي، من الإقبال، و:
عَليّ، بتَشْديد الْيَاء. قَوْله: (أَو على رجل) ، شكّ من
الرَّاوِي، أَي: أَو يقبل أنس على رجل من الأزد،
وَالظَّاهِر أَن المُرَاد هُوَ غيلَان الْمَذْكُور
لِأَنَّهُ من الأزد، وَيحْتَمل أَن يكون غَيره من الأزد.
فَإِن قلت: فعلى التَّقْدِيرَيْنِ: قَالَ أنس: فعل قَوْمك،
بِالْخِطَابِ إِلَى غيلَان أَو غَيره من الأزد بقوله:
قَوْمك، وَلَيْسَ قومه من الْأَنْصَار؟ قلت: هَذَا
بِاعْتِبَار النِّسْبَة الأعمية إِلَى الأزد، فَإِن الأزد
يجمعهُمْ قَوْله: (فعل قَوْمك كَذَا) ، أَي: يَحْكِي مَا
كَانَ من مآثرهم فِي الْمَغَازِي وَنصر الْإِسْلَام.
قَوْله: (كَذَا وَكَذَا) وَاعْلَم أَن: كَذَا، ترد على
ثَلَاثَة أوجه: أَحدهَا: أَن تكون كلمة وَاحِدَة مركبة من
كَلِمَتَيْنِ مكنياً بهَا عَن غير عدد، وَهَذَا هُوَ
المُرَاد بِهِ هُنَا، كَمَا جَاءَ فِي الحَدِيث: يُقَال
للْعَبد يَوْم الْقِيَامَة: أَتَذكر يَوْم كَذَا وَكَذَا
فعلت كَذَا وَكَذَا؟ .
7773 - حدَّثني عُبَيْدُ بنُ إسْمَاعِيلَ حدَّثنا أبُو
أُسَامَة عنْ هِشَامٍ عنْ أبِيهِ عنْ عائِشَةَ رَضِي الله
تَعَالَى عنهَا قالَتْ كانَ يَوْمَ بُعاثَ يَوْمَاً
قَدَّمَهُ الله لِرَسُولِهِ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
فقَدِمَ رسُولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَقد
افْتَرَقَ مَلأهُمْ وقُتِلَتْ سَرَوَاتُهُمْ وجُرِّحُوا
فقَدَّمَهُ الله لِرَسُولِهِ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي
دُخُولِهِمْ فِي الإسْلاَمِ.
مطابقته للتَّرْجَمَة تُؤْخَذ من معنى الحَدِيث مثل مَا
فِي الحَدِيث السَّابِق، وَسَنَده بِعَيْنِه مضى فِي
الْبَاب السَّابِق، والْحَدِيث أخرجه البُخَارِيّ أَيْضا
فِي الْهِجْرَة عَن عبيد الله بن سعيد.
ذكر مَعْنَاهُ: قَوْله: (بُعَاث) بِضَم الْبَاء
الْمُوَحدَة وَتَخْفِيف الْعين الْمُهْملَة وَفِي آخِره
ثاء مُثَلّثَة: وَهُوَ يَوْم من أَيَّام الْأَوْس والخزرج
مَعْرُوف، وَقَالَ العسكري: روى بَعضهم عَن الْخَلِيل بن
أَحْمد بالغين الْمُعْجَمَة، وَقَالَ أَبُو مَنْصُور
الْأَزْهَرِي: صحفه ابْن المظفر، وَمَا كَانَ الْخَلِيل
ليخفى عَلَيْهِ هَذَا الْيَوْم لِأَنَّهُ من مشاهير
أَيَّام الْعَرَب، وَإِنَّمَا صحفه اللَّيْث وَعَزاهُ
إِلَى الْخَلِيل نَفسه وَهُوَ لِسَانه، وَذكر النَّوَوِيّ
أَن أَبَا عُبَيْدَة معمر بن الْمثنى ذكره أَيْضا بغين
مُعْجمَة، وَحكى الْقَزاز فِي (الْجَامِع) : أَنه يُقَال
بِفَتْح أَوله أَيْضا، وَذكر عِيَاض: أَن الْأصيلِيّ
رَوَاهُ بِالْوَجْهَيْنِ، يَعْنِي بِالْعينِ الْمُهْملَة
والمعجمة، وَأَن الَّذِي وَقع فِي رِوَايَة أبي ذَر بالغين
الْمُعْجَمَة وَجها وَاحِدًا، وَهُوَ مَكَان، وَيُقَال:
إِنَّه حصن على ميلين من الْمَدِينَة، وَقَالَ ابْن قرقول:
يجوز صرفه وَتَركه. قلت: إِذا كَانَ اسْم يَوْم يجوز صرفه،
وَإِذا كَانَ اسْم بقْعَة يتْرك صرفه للتأنيث والعلمية.
وَقَالَ أَبُو مُوسَى الْمَدِينِيّ: بُعَاث، حصن
لِلْأَوْسِ، وَقَالَ ابْن قرقول: وَهُوَ على لَيْلَتَيْنِ
من الْمَدِينَة، وَكَانَت بِهِ وقْعَة عَظِيمَة بَين
الْأَوْس والخزرج قتل فِيهَا كثير مِنْهُم، وَكَانَ رَئِيس
الأول فِيهِ حضير وَالِد أسيد بن حضير، وَكَانَ يُقَال
لَهُ: حضير الْكَتَائِب وَكَانَ فارسهم، وَيُقَال: إِنَّه
ركز الرمْح فِي قدمه يَوْم بُعَاث، وَقَالَ: أَتَرَوْنَ
أَنِّي أفر؟ فَقتل يَوْمئِذٍ، وَكَانَ لَهُ حصن منيع
يُقَال لَهُ: وأقم، وَكَانَ رَئِيس الْخَزْرَج يَوْمئِذٍ،
وَكَانَ ذَلِك قبل الْهِجْرَة بِخمْس سِنِين، وَقيل:
بِأَرْبَعِينَ سنة، وَقيل: بِأَكْثَرَ من ذَلِك. وَقَالَ
فِي (الواعي) : بقيت الْحَرْب بَينهم قَائِمَة مائَة
وَعشْرين سنة حَتَّى جَاءَ الْإِسْلَام. وَفِي (الْجَامِع)
: كَأَنَّهُ سمى بعاثاً لنهوض الْقَبَائِل بَعْضهَا إِلَى
بعض، وَقَالَ أَبُو الْفرج الْأَصْبَهَانِيّ: إِن سَبَب
ذَلِك أَنه كَانَ من قاعدتهم أَن الْأَصِيل لَا يقتل
بالحليف، فَقتل رجل من الْأَوْس حليفاً للخزرج، فأرادوا
أَن يقيدوه فامتنعوا، فَوَقَعت بَينهم الْحَرْب لأجل
ذَلِك. قَوْله: (يَوْمًا قدمه الله لرَسُوله) أَي: قدم
ذَلِك الْيَوْم لأجل رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم، إِذْ لَو كَانَ أَشْرَافهم أَحيَاء لاستكبروا عَن
مُتَابعَة رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، ولمنع حب
رياستهم عَن دُخُول رَئِيس عَلَيْهِم، فَكَانَ ذَلِك من
جملَة مُقَدمَات الْخَيْر، وَذكر أَبُو أَحْمد العسكري فِي
(كتاب الصَّحَابَة) : قَالَ بَعضهم: كَانَ يَوْم بُعَاث
قبل قدوم النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، بِخمْس
سِنِين. قَوْله: (فَقدم رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم) ، أَي: الْمَدِينَة. (وَقد افترق) الْوَاو فِيهِ
للْحَال. قَوْله: (ملأهم) أَي: جَمَاعَتهمْ. قَوْله:
(سرواتهم) ، بِفَتْح السِّين الْمُهْملَة وَالرَّاء
وَالْوَاو أَي: خيارهم وأشرافهم، والسروات جمع السراة
وَهُوَ جمع السّري وَهُوَ السَّيِّد الشريف الْكَرِيم،
وَقَالَ ابْن الْأَثِير: السّري النفيس الشريف، وَقيل:
السخي ذُو مُرُوءَة، وَالْجمع سراة بِالْفَتْح على غير
قِيَاس، وَقد تضم السِّين، وَالِاسْم مِنْهُ السرو.
انْتهى. قلت: السرو سخاء فِي مُرُوءَة، يُقَال: سرا
(16/254)
يسرو، وسرى بِالْكَسْرِ يسري سرواً فيهمَا، وسر وَيسر
وسراوة، أَي: صَار سرياً. قَالَ الْجَوْهَرِي: جمع السّري
سراة وَهُوَ جمع عَزِيز أَن يجمع فعيل على فعلة، وَلَا
يعرف غَيره. (وجرحوا) بِضَم الْجِيم وَكسر الرَّاء، من
الْجرْح، ويروى: وحرجوا بِفَتْح الْحَاء الْمُهْملَة وَكسر
الرَّاء وبالجيم من: الْحَرج، وَهُوَ فِي الأَصْل: الضّيق،
وَيَقَع على الْإِثْم وَالْحرَام، وَقيل: الْحَرج أضيق
الضّيق. قَوْله: (فقدمه الله) أَي: فَقدم الله ذَلِك
الْيَوْم. (لرَسُوله) أَي: لأَجله. قَوْله: (فِي دُخُولهمْ
فِي الْإِسْلَام) كلمة: فِي، هُنَا للتَّعْلِيل أَي: لأجل
دُخُولهمْ، أَي: دُخُول الْأَنْصَار الَّذين بقوا من
الَّذين قتلوا يَوْم بُعَاث فِي الْإِسْلَام، وَجَاء فِي
بِمَعْنى التَّعْلِيل فِي الْقُرْآن والْحَدِيث، أما
الْقُرْآن فَقَوله تَعَالَى: {فذلكن الَّذِي لمتنني فِيهِ}
(يُوسُف: 23) . وَأما الحَدِيث فَقَوله صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم: (إِن امْرَأَة دخلت النَّار فِي الْهِرَّة) .
8773 - حدَّثنا أبُو الوَلِيدِ حدَّثنا شُعْبَةُ عنْ أبِي
التَّيَّاحِ قَالَ سَمِعْتُ أنَسَاً رَضِي الله تَعَالَى
عنهُ يقُولُ قالَتِ الأنْصَارُ يَوْمَ فَتْحِ مَكَّةَ
وأعْطَى قُرَيْشَاً وَالله إنَّ هَذَا لَهُوَ الْعَجَبُ
إنَّ سُيُوفَنَا تَقْطُرُ مِنْ دِماءِ قُرَيْشٍ
وغَنَائِمَنَا تُرَدُّ عَلَيْهِمْ فبَلَغَ ذلِكَ
النَّبِيَّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فدَعَا الأنْصَارَ
قَالَ فَقَالَ مَا الَّذِي بلَغَنِي عَنْكُمْ وكانُوا لاَ
يَكْذِبُونَ فقالُوا هُوَ الَّذِي بلَغَكَ قَالَ أوَلاَ
تَرْضَوْنَ أنْ يَرْجِعَ النَّاسُ بالغَنَائِمِ إِلَى
بُيُوتِهِمْ وتَرْجِعُونَ بِرَسُولِ الله صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم إلَى بُيُوتِكُمْ لَوْ سَلَكَتِ الأنْصَارُ
وادِيَاً أوْ شِعْبَاً لسَلَكْتُ وادِيَ الأنْصَارِ أوْ
شِعْبَهُمْ. .
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (قَالَ: أَولا ترْضونَ)
إِلَى آخِره، فَإِن فِيهِ منقبة عَظِيمَة لَهُم. وَأَبُو
الْوَلِيد هِشَام بن عبد الْملك، وَأَبُو التياح، بِفَتْح
التَّاء الْمُثَنَّاة من فَوق وَتَشْديد الْيَاء آخر
الْحُرُوف وَفِي آخِره حاء مُهْملَة: واسْمه يزِيد بن حميد
الضبعِي الْبَصْرِيّ.
والْحَدِيث أخرجه البُخَارِيّ أَيْضا فِي الْمَغَازِي عَن
سُلَيْمَان بن حَرْب. وَأخرجه مُسلم فِي الزَّكَاة عَن
مُحَمَّد بن الْوَلِيد. وَأخرجه النَّسَائِيّ فِي المناقب
عَن إِسْحَاق بن إِبْرَاهِيم.
قَوْله: (يَوْم فتح مَكَّة) ، يَعْنِي: عَام فتح مَكَّة،
لِأَن الْغَنَائِم الْمشَار إِلَيْهَا كَانَت غَنَائِم
حنين وَكَانَ ذَلِك بعد الْفَتْح بشهرين. قَوْله: (وَأعْطى
قُريْشًا) ، الْوَاو فِيهِ للْحَال. قَوْله: (وَالله)
إِلَى قَوْله: (ترد عَلَيْهِم) مقول الْأَنْصَار. قَوْله:
(إِن هَذَا) إِشَارَة إِلَى الْإِعْطَاء الَّذِي دلّ
عَلَيْهِ، قَوْله: وَأعْطى قُريْشًا. قَوْله: (إِن
سُيُوفنَا تقطر من دِمَاء قُرَيْش) فِيهِ من أَنْوَاع
البديع الْقلب نَحْو: عرضت النَّاقة على الْحَوْض،
وَالْأَصْل: دِمَاؤُهُمْ تقطر من سُيُوفنَا، هَكَذَا
قَالُوا: وَيجوز أَن يكون على الأَصْل، وَيكون الْمَعْنى:
إِن سُيُوفنَا من كَثْرَة مَا أَصَابَهَا من دِمَاء
قُرَيْش تقطر دِمَاءَهُمْ. قَوْله: (وَكَانُوا لَا
يكذبُون) يَعْنِي الْأَنْصَار. قَوْله: (هُوَ الَّذِي
بلغك) يَعْنِي: الَّذِي بلغك نَحن قُلْنَاهُ وَلَا ننكر.
قَوْله: (لَسَلَكْت) أَرَادَ بذلك حسن مُوَافَقَته
إيَّاهُم وترجيحهم فِي ذَلِك على غَيرهم لما شَاهد مِنْهُم
من حسن الْجوَار وَالْوَفَاء بالعهد، لَا مُتَابعَة لَهُم،
لِأَنَّهُ هُوَ الْمَتْبُوع المطاع المفترض الطَّاعَة
والمتابعة لَهُ وَاجِبَة على كل مُؤمن ومؤمنة. قَوْله:
(أَو شِعْبهمْ) بِكَسْر الشين وَسُكُون الْعين
الْمُهْملَة: وَهُوَ الطَّرِيق فِي الْجَبَل، وَيجمع على:
شعاب، وَأما الشّعب، بِالْفَتْح فَهُوَ: مَا تشعب من قبائل
الْعَرَب والعجم، وَيجمع على: شعوب. 2 - (بابُ قَوْلِ النَّبِيِّ صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم لَوْلاَ الهِجْرَةُ لكُنْتُ مِنَ
الأنْصَارِ قالَهُ عَبْدُ الله بنُ زَيْدٍ عنِ النَّبِيِّ
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم)
أَي: هَذَا بَاب يذكر فِيهِ قَول النَّبِي صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم إِلَى آخِره. وَقَالَ محيي السّنة: لَيْسَ
المُرَاد مِنْهُ الِانْتِقَال عَن النّسَب الولادي،
وَمَعْنَاهُ: لَوْلَا أَن الْهِجْرَة أَمر ديني وَعبادَة
مَأْمُور بهَا لانتسبت إِلَى داركم، وَالْغَرَض مِنْهُ
التَّعْرِيض بِأَنَّهُ لَا فَضِيلَة أَعلَى من النُّصْرَة
بعد الْهِجْرَة، وَبَيَان أَنهم بلغُوا من الْكَرَامَة
مبلغا لَوْلَا أَنه من الْمُهَاجِرين لعد نَفسه من
الْأَنْصَار، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُم، وتلخيصه:
لَوْلَا فضلي على الْأَنْصَار بِالْهِجْرَةِ لَكُنْت
وَاحِدًا مِنْهُم. قَوْله: (قَالَه عبد الله بن زيد) أَي:
ابْن عَاصِم بن كَعْب أَبُو مُحَمَّد الْأنْصَارِيّ
البُخَارِيّ الْمَازِني، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ،
وَأخرج هَذَا الْمُعَلق بِتَمَامِهِ مَوْصُولا فِي
الْمَغَازِي فِي: بَاب غَزْوَة الطَّائِف، عَن مُوسَى بن
إِسْمَاعِيل عَن وهيب
(16/255)
عَن عَمْرو بن يحيى عَن عباد بن تَمِيم عَن
عبد الله بن زيد بن عَاصِم، قَالَ: لما أَفَاء الله على
رَسُوله ... الحَدِيث. وَفِيه: (لَوْلَا الْهِجْرَة
لَكُنْت امْرأ من الْأَنْصَار) .
9773 - حدَّثني مُحَمَّدُ بنُ بَشَّارٍ حدَّثنا غُنْدَرٌ
حدَّثنا شُعْبَةُ عنْ مُحَمَّدِ بنِ زِيادٍ عنْ أبِي
هُرَيْرَةَ رَضِي الله تَعَالَى عنهُ عنِ النَّبِيِّ صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم أوْ قَالَ أبُو القَاسِمِ صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم لَوْ أنَّ الأنْصَارَ سلَكُوا وادِيَاً أوْ
شِعْبَاً لسَلَكْتُ فِي وادِي الأنْصَارِ ولَوْلا
الهِجْرَةُ لكُنْتُ امْرَأً مِنَ الأنْصَارِ: فَقَالَ أبُو
هُرَيْرَةَ رَضِي الله تَعَالَى عنهُ مَا ظَلَمَ بأبِي
وأُمِّي آوَوْهُ ونَصَرُوهُ أوْ كَلِمَةً أُخْراى.
مطابقته للتَّرْجَمَة من حَيْثُ إِن فِيهِ جُزْءا هُوَ
التَّرْجَمَة. وغندر، بِضَم الْغَيْن الْمُعْجَمَة: هُوَ
مُحَمَّد بن جَعْفَر، وَقد مر غير مرّة. والْحَدِيث أخرجه
النَّسَائِيّ فِي المناقب نَحوه عَن مُحَمَّد بن بشار عَن
غنْدر عَن شُعْبَة بِهِ.
قَوْله: (مَا ظلم) أَي: رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم فِي هَذَا القَوْل. قَوْله: (بِأبي وَأمي) أَي: هُوَ
مفدًّى بِأبي وَأمي. قَوْله: (آووه) بَيَان لما قبله من
الإيواء أَي: آوى الْأَنْصَار رَسُول الله، صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم بِمَعْنى ضموه إِلَيْهِم وَأَحَاطُوا بِهِ
وَاتَّخذُوا لَهُ منزلا. قَوْله: (أَو كلمة أُخْرَى) أَي:
قَالَ أَبُو هُرَيْرَة كلمة أُخْرَى مَعَ قَوْله: آووه
ونصروه، وَهِي قَوْله: وواسوه بِالْمَالِ وَأَصْحَابه
أَيْضا بِأَمْوَالِهِمْ.
3 - (بابُ إخَاءِ النَّبِيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
بَيْنَ الْمُهَاجِرِينَ والأنْصَارِ)
هَذَا بَاب فِي بَيَان إخاء النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم، وَهُوَ من قَوْلهم: وآخاه موآخاة وإخاء أَي:
اتَّخذهُ أَخا.
0873 - حدَّثنا إسْمَاعِيلُ بنُ عبْدِ الله قَالَ حدَّثني
إبْرَاهِيمُ بنُ سَعْدٍ عنْ أبِيهِ عنْ جَدِّهِ قَالَ
لَمَّا قَدِمُوا الْمَدِينَةَ آخاى رسُولُ الله صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم بَيْنَ عَبْدِ الرَّحْمانِ بنِ عَوْفٍ
وسَعْدِ بنِ الرَّبِيعِ قَالَ لِعَبْدِ الرَّحْمانِ إنِّي
أكْثَرُ الأنْصَارِ مَالا فأُقْسِمُ مَالِي نِصْفَيْنِ.
ولِي امْرَأتَانِ فانْظُرْ أعْجَبَهُمَا إلَيْكَ
فَسَمِّهَا لِي أُطَلِّقْهَا فإذَا انْقَضَتْ عَدَّتُهَا
فتَزَوَّجْهَا قَالَ بارَكَ الله لَكَ فِي أهْلِكَ ومالِكَ
أيْنَ سُوقُكُمْ فدَلُّوهُ علَى سُوقِ بَنِ قَيْنُقاعَ
فَمَا انْقَلَبَ إلاَّ ومعَهُ فَضْلٌ مِنْ أقِطٍ وسَمْنٍ
ثُمَّ تابعَ الغُدُوَّ ثُمَّ جاءَ يَوْمَاً وبِهِ أثَرُ
صُفْرَةٍ فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
مَهْيَمُ قَالَ تَزَوَّجْتُ قَالَ كَمْ سُقْتَ إلَيْهَا
قَالَ نَوَاةً مِنْ ذَهَبٍ أوْ وَزْنَ نَوَاةٍ مِنْ ذَهَبٍ
شَكَّ إبْرَاهِيمُ. (انْظُر الحَدِيث 8402) .
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. وَإِسْمَاعِيل بن عبد الله
هُوَ إِسْمَاعِيل بن أبي أويس ابْن أُخْت مَالك بن أنس،
وَإِبْرَاهِيم بن سعد بن إِبْرَاهِيم بن عبد الرَّحْمَن بن
عَوْف يروي عَن أَبِيه سعد بن إِبْرَاهِيم عَن جده عبد
الرَّحْمَن بن عَوْف.
والْحَدِيث مر فِي أول كتاب الْبيُوع فَإِنَّهُ أخرجه
هُنَاكَ: عَن عبد الْعَزِيز بن عبد الله عَن إِبْرَاهِيم
بن سعد إِلَى آخِره.
قَوْله: (وَسعد بن الرّبيع) بِفَتْح الرَّاء ضد الخريف
الخزرجي الْأنْصَارِيّ العقبي النَّقِيب البدري، اسْتشْهد
يَوْم أحد، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، وقينقاع، بِفَتْح
القافين وَسُكُون الْيَاء آخر الْحُرُوف وَضم النُّون،
وَفِي آخِره عين مُهْملَة. قَوْله: (الغدو) والغدوات
كَقَوْلِه تعاى: {بِالْغُدُوِّ وَالْآصَال} (الْأَعْرَاف:
502، الرَّعْد: 51، النُّور: 63) . أَي: فعل مثله فِي كل
صَبِيحَة يَوْم. قَوْله: (مَهيم؟) بِفَتْح الْمِيم
وَسُكُون الْهَاء وَفتح الْيَاء آخر الْحُرُوف وَفِي آخِره
مِيم، أَي: مَا حالك وَمَا شَأْنك وَمَا الْخَبَر؟ قَوْله:
(نواة) ، وَهِي: خَمْسَة دَرَاهِم. قَوْله: (أَو وزن) ،
شكّ من الرَّاوِي، وَهُوَ إِبْرَاهِيم بن سعد الْمَذْكُور.
1873 - حدَّثنا قُتَيْبَةُ حدَّثنا إسماعِيلُ بنُ جَعْفَرٍ
عنْ حُمَيْدٍ عنْ أنَسٍ رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ أنَّهُ
قَالَ قَدِمَ علَيْنَا عَبْدُ الرَّحْمانِ بنُ عَوْفٍ
وآخاى رسُولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بَيْنَهُ
وبَيْنَ سَعْدِ
(16/256)
ابنِ الرِّبِيعِ وكانَ كَثِيرَ المَالِ
فَقَالَ سَعْدٌ قَدْ عَلِمَتِ الأنْصَارُ أنِّي مِنْ
أكْثَرِهَا مالاَ سأقْسِمُ مالِي بَيْنِي وبَيْنَكَ
شَطْرَيْنِ ولِي امْرَأتَانِ فانْظُرْ أعْجَبَهُمَا
إلَيْكَ فأُطَلَّقُهَا حَتَّى إذَا حَلَّتْ تَزَوَّجْتُهَا
فَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمانِ بارَكَ الله لَكَ فِي أهْلِكَ
فلَمْ يَرْجِعْ يَوْمَئِذٍ حتَّى أفْضَلَ شَيْئَاً مِنْ
سَمْنٍ وأقِطٍ فلَمْ يَلْبَثْ إلاَّ يَسِيرَا حَتَّى جاءَ
رَسُولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وعَلَيْهِ وَضَرٌ
مِنْ صُفْرَةٍ فقالَ لَهُ رَسُولُ الله صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم مَهْيَمْ قَالَ تَزَوَّجْتُ امْرَأةً مِنَ
الأنْصَارِ فَقَالَ مَا سُقْتُ فِيها قَالَ وَزْنَ نَوَاةٍ
مِنْ ذَهَبٍ أوْ نَوَاةً مِنْ ذَهَبٍ فَقَالَ أوْلِمْ
ولَوْ بِشَاةٍ. .
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: وآخى رَسُول الله، صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم بَينه وَبَين سعد، وَإِسْمَاعِيل بن
جَعْفَر أَبُو إِبْرَاهِيم الْأنْصَارِيّ الْمَدِينِيّ،
كَانَ يكون بِبَغْدَاد مَاتَ سنة ثَمَانِينَ وَمِائَة،
وَبَعضه مر فِي كتاب الْكفَالَة فِي: بَاب قَول الله
تَعَالَى: {وَالَّذين عاقدت إيمَانكُمْ} (النِّسَاء: 33) .
بِعَين هَذَا الْإِسْنَاد.
قَوْله: (وضر) بِفَتْح الْوَاو وَالضَّاد الْمُعْجَمَة
وبالراء أَي: لطخ من الطّيب وَنَحْوه، وَأكْثر المباحث
تقدم هُنَاكَ. وَفِيه: الْأَمر بالوليمة وَالْأَشْهر
استحبابها وَهِي: الطَّعَام الَّذِي يصنع عِنْد الْعرس.
2873 - حدَّثنا الصَّلْتُ بنُ مُحَمَّدٍ أبُو هَمَّامٍ
قَالَ سَمِعْتُ الْمُغِيرَةَ بنَ عَبْدِ الرَّحْمانِ
حدَّثنا أبُو الزِّنادِ عنِ الأعْرَجِ عنْ أبِي هُرَيْرَةَ
رَضِي الله تَعَالَى عنهُ قَالَ قَالَتِ الأنْصَارُ اقسِمْ
بَيْنَنَا وبَيْنَهُمْ النَّخْلَ قَالَ لاَ قَالَ
تَكْفُونَا المَؤونَةَ وتَشْرَكُونَا فِي التَّمْرَ قالُوا
سَمِعْنَا وأطَعْنَا. .
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (سمعنَا وأطعنا) وَأَبُو
الزِّنَاد، بالزاي وَالنُّون: عبد الله بن ذكْوَان،
والأعرج عبد الرَّحْمَن بن هُرْمُز. والْحَدِيث مر فِي
الْمُزَارعَة فِي: بَاب إِذا قَالَ إكفني مؤونة النّخل،
فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ: عَن الحكم بن نَافِع عَن شُعَيْب
عَن أبي الزِّنَاد عَن الْأَعْرَج عَن أبي هُرَيْرَة.
قَوْله: (وَبينهمْ) يَعْنِي: وَبَين الْمُهَاجِرين.
قَوْله: (تكفونا) ويروى: تكفوننا، على الأَصْل، وَكَذَا
الْوَجْهَانِ فِي (تشركونا) قَوْله: (قَالُوا) أَي:
الْأَنْصَار، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُم.
4 - (بابُ حُبِّ الأنْصَارِ مِنَ الإيمانِ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان حب الْأَنْصَار.
4873 - حدَّثنا مُسْلِمُ بنُ إبْرَاهِيمَ حدَّثنا شُعْبَةُ
عنْ عَبْدِ الرَّحْمانِ بنِ عبد الله بنِ جَبْر عنْ أنَسِ
بنِ مالِكٍ رَضِي الله تَعَالَى عنهُ عنِ النَّبِيِّ صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ آيةُ الإيمانِ حُبُّ الأنصَارِ
وآيَةُ النِّفَاقِ بُغْضُ الأنْصَارِ. (انْظُر الحَدِيث
71) .
(16/257)
مضى الحَدِيث فِي كتاب الْإِيمَان فِي:
بَاب عَلامَة الْإِيمَان حب الْأَنْصَار، فَإِنَّهُ أخرجه
هُنَاكَ عَن أبي الْوَلِيد عَن شُعْبَة عَن عبد الرَّحْمَن
بن عبد الله بن جبر عَن أنس ... إِلَى آخِره. وَعبد الله
بن عبد الله هُوَ الصَّحِيح، وَمَا وَقع عَن عبد الله بن
عبد الله ابْن جبر لَا يَصح، وَقَالَ ابْن منجويه: أهل
الْعرَاق يَقُولُونَ فِي جده: جبر، وَلَا يَصح، وَإِنَّمَا
هُوَ جَابر بن عتِيك الْأنْصَارِيّ الْمدنِي.
5 - (بابُ قَوْلِ النَّبِيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
لِلأنْصَارِ أنْتُمْ أحَبُّ النَّاسِ إلَيَّ)
أَي: هَذَا بَاب يذكر فِيهِ قَول النَّبِي صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم للْأَنْصَار: أَنْتُم أحب النَّاس إِلَيّ،
وَالْحكم بأحبية الْأَنْصَار إِلَيْهِ من النَّاس لَا
يُنَافِي أحيية أحد إِلَيْهِ من غير الْأَنْصَار، لِأَن
الحكم للْكُلّ بِشَيْء لَا يُنَافِي الحكم بِهِ لفرد من
أَفْرَاده، فَلَا تعَارض بَينه وَبَين قَوْله: أَبُو بكر،
فِي جَوَاب: من أحب النَّاس إِلَيْك؟ فَافْهَم.
5873 - حدَّثنا أبُو مَعْمَرٍ حدَّثنا عَبْدُ الوَارِثِ
حدَّثنا عبْدُ العَزِيزِ عنْ أنَسٍ رَضِي الله تَعَالَى
عنهُ قَالَ رأى النَّبِيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
النِّساءَ والصِّبْيَانَ مُقْبِلِينَ قَالَ حَسِبْتُ
أنَّهُ قَالَ مِنْ عُرُسٍ فقامَ النَّبِيُّ صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم مُمَثِّلاً فَقَالَ اللَّهُمَّ أَنْتُم
مِنْ أحَبِّ النَّاسِ إلَيَّ قالَهَا ثَلاثَ مِرَارٍ.
(الحَدِيث 5873 طرفه فِي: 0815) .
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (أَنْتُم من أحب النَّاس
إليّ) وَأَبُو معمر، بِفَتْح الميمين: عبد الله بن عَمْرو
بن أبي الْحجَّاج الْمنْقري المقعدي الْبَصْرِيّ، وَعبد
الْوَارِث هُوَ ابْن سعيد، وَعبد الْعَزِيز بن صُهَيْب.
والْحَدِيث أخرجه البُخَارِيّ أَيْضا فِي النِّكَاح عَن
عبد الرَّحْمَن بن الْمُبَارك.
قَوْله: (حسبت) ، الشَّك فِيهِ من الرَّاوِي: والعرس،
بِضَم الْعين الْمُهْملَة وَهُوَ طَعَام الْوَلِيمَة يذكر
وَيُؤَنث. قَوْله: (ممثلاً) ، بِضَم الْمِيم الأولى وَفتح
الثَّانِيَة وَكسر الثَّاء الْمُثَلَّثَة من بَاب التفعيل،
أَي: منتصباً قَائِما، قَالَ ابْن التِّين: كَذَا وَقع
رباعياً وَالَّذِي ذكره أهل اللُّغَة: مثل الرجل، بِفَتْح
الْمِيم وَضم الْمُثَلَّثَة: مثولاً إِذا انتصب قَائِما،
ثلاثي. انْتهى. قلت: كَانَ غَرَضه الْإِنْكَار على الَّذِي
وَقع هُنَا وَلَيْسَ بموجه، لِأَن: ممثلاً، مَعْنَاهُ
هُنَا: مُكَلّفا نَفسه ذَلِك، وطالباً ذَلِك، فَلذَلِك عدى
فعله، وَأما مثل، الَّذِي هُوَ ثلاثي فَهُوَ لَازم غير
مُتَعَدٍّ، وَفِي رِوَايَة النِّكَاح: ممتناً، بِفَتْح
التَّاء الْمُثَنَّاة من فَوق وبالنون: من الْمِنَّة أَي:
متفضلاً عَلَيْهِم.
6873 - حدَّثنا يَعْقُوبُ بنُ إبْرَاهِيمَ بنِ كَثِيرٍ
حدَّثنا بَهْزُ بنُ أسَدٍ حدَّثنا شُعْبَةُ قَالَ أخبرَنِي
هِشَامُ ابنُ زَيْدٍ قَالَ سَمِعْتُ أنَسَ بنَ مالِكٍ
رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ قَالَ جاءَتِ امْرَأةٌ مِنَ
الأنْصَارِ إِلَى رسُولِ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
ومَعَهَا صَبِيٌّ لَهَا فَكَلَّمَهَا رسُولُ الله صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ والَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ
إنَّكُمْ أحَبُّ النَّاسِ إلَيَّ مَرَّتَيْنِ.
التَّرْجَمَة مَذْكُورَة فِي الحَدِيث، وَيَعْقُوب
الْمَذْكُور هُوَ الدَّوْرَقِي وَهُوَ شيخ مُسلم أَيْضا،
وَهِشَام بن زيد بن أنس بن مَالك سمع جده أنسا.
والْحَدِيث أخرجه البُخَارِيّ أَيْضا فِي النِّكَاح عَن
بنْدَار عَن غنْدر وَفِي النذور عَن إِسْحَاق عَن وهب بن
جرير. وَأخرجه مُسلم فِي الْفَضَائِل عَن أبي مُوسَى
وَبُنْدَار وَعَن يحيى بن حبيب وَعَن أبي بكر بن أبي
شيبَة. وَأخرجه النَّسَائِيّ فِي المناقب عَن أبي كريب
بِهِ وَعَن مُحَمَّد بن عبد الْأَعْلَى.
قَوْله: (فكلمها رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم)
أَي: ابتدأها بالْكلَام تأنيساً لَهَا، وَيحْتَمل أَنه
أجابها عَمَّا سَأَلته.
6 - (بابُ اَتْباعِ الأنْصَارِ)
أَي: هَذَا بَاب فِي اتِّبَاع الْأَنْصَار، بِفَتْح
الْهمزَة جمع تبع، وَأَرَادَ بهم الحلفاء والموالي لأَنهم
أَتبَاع الْأَنْصَار وَلَيْسوا بأنصار.
7873 - حدَّثنا مُحَمَّدُ بنُ بَشَّارٍ حدَّثنا غُنْدَرٌ
حدَّثنا شُعْبَةُ عنْ عَمُرٍ وسَمِعْتُ أبَا حَمْزَةَ عنْ
زَيْدِ بنِ أرْقَمَ قالَتِ الأنْصَارُ لِكُلِّ نَبِيٍّ
أتْباعٌ وإنَّا قَدِ اتَّبَعْنَاكَ فادْعُ الله أنْ
يَجْعَلَ أتْبَاعَنَا
(16/258)
مِنَّا فدَعَا بِهِ فَنَمَيْتُ ذَلِكَ إلَى
ابنِ أبِي لَيْلَى قَالَ قَدْ زَعَمَ ذَلِكَ زَيْدٌ.
(الحَدِيث 7873 طرفه فِي: 8873) .
مطابقته للتَّرْجَمَة تظهر من مَعْنَاهُ، وَعَمْرو هُوَ
ابْن مرّة بن عبد الله أَبُو عبد الله الْجملِي أحد
الْأَعْلَام الْكُوفِي الضَّرِير، قَالَ أَبُو حَاتِم:
ثِقَة يرى الإرجاء، مَاتَ سنة سِتّ عشرَة وَمِائَة،
وَأَبُو حَمْزَة، بِالْحَاء الْمُهْملَة وَالزَّاي: اسْمه
طَلْحَة بن يزِيد من الزِّيَادَة مولى قرظة بن كَعْب
الْأنْصَارِيّ، و: قرظة، بِفَتْح الْقَاف وَالرَّاء والظاء
الْمُعْجَمَة، صَحَابِيّ مَعْرُوف وَهُوَ ابْن كَعْب بن
ثَعْلَبَة ابْن عَمْرو بن كَعْب بن عَامر بن زيد مَنَاة
أَنْصَارِي خزرجي، مَاتَ فِي ولَايَة الْمُغيرَة على
الْكُوفَة لمعاوية، وَذَلِكَ فِي حُدُود سنة خمسين.
قَوْله: (أَن يَجْعَل أتباعنا منَّا) أَي: يُقَال لَهُم
الْأَنْصَار، حَتَّى تتناولهم الْوَصِيَّة بهم بالأحسان
إِلَيْهِم وَنَحْو ذَلِك. قَوْله: (فَدَعَا بِهِ) ، أَي:
بِمَا سَأَلُوهُ من ذَلِك، وَفِي الرِّوَايَة الَّتِي
تَأتي بِلَفْظ: أللهم إجعل أتباعهم مِنْهُم. قَوْله:
(فنميت) ، أَي: رفعته ونقلته، وَهُوَ بتَخْفِيف الْمِيم،
وَأما بتَشْديد الْمِيم فَمَعْنَاه: أبلغته على جِهَة
الْإِفْسَاد، وَقَائِل ذَلِك هُوَ عَمْرو بن مرّة. قَوْله:
(إِلَى ابْن أبي ليلى) ، وَهُوَ عبد الرَّحْمَن بن أبي
ليلى. قَوْله: (قد زعم ذَلِك زيد) ، أَي: قَالَ قَالَ
ذَلِك زيد، وَأهل الْحجاز يطلقون الزَّعْم على القَوْل
وَزيد هُوَ زيد بن أَرقم، وَجزم بِهِ أَبُو نعيم فِي
(الْمُسْتَخْرج) ، وَقيل: يحْتَمل أَن يكون غير زيد بن
أَرقم كزيد بن ثَابت، وَمَا ذكره أَبُو نعيم هُوَ
الصَّحِيح.
8873 - حدَّثنا آدَمُ حدَّثنا شُعْبَةُ حدَّثنَا عَمْرُو
بنُ مُرَّةَ قَالَ سَمِعْتُ أبَا حَمْزَةَ رَجُلاً مِنَ
الأنْصَارِ قالَتِ الأنْصَارُ إنَّ لِكُلِّ قَوْمٍ
أتْبَاعَاً وإنَّا قَدِ اتَّبَعْنَاكَ فادْعُ الله أنْ
يَجْعَلَ أتْباعَنَا مِنَّا قَالَ النَّبِيُّ صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم اللَّهُمَّ اجْعَلْ أتْبَاعَهُمْ مِنْهُمْ:
قَالَ عَمْرٌ وفذَكَرْتُهُ لاِبْنِ أبِي لَيْلَى قَالَ
قَدْ زَعَم ذَاكَ زَيْدٌ قَالَ شعْبَةُ أظَنَّهُ زَيْدَ
بنَ أرْقَمَ. (انْظُر الحَدِيث 7873) .
هَذَا طَرِيق آخر فِي الحَدِيث الْمَذْكُور عَن آدم بن أبي
إِيَاس إِلَى آخِره، وَهُوَ من أَفْرَاد البُخَارِيّ.
قَوْله: (رجلا منَ الْأَنْصَار) نصب على أَنه بَيَان أَو
بدل من: أَبَا حَمْزَة، وَأَبُو حَمْزَة يروي عَن
حُذَيْفَة مُرْسلا، وَعَن زيد بن أَرقم وَعنهُ عَمْرو بن
مرّة فَقَط. قَوْله: (قَالَ شُعْبَة: أَظُنهُ) ، أَي: أَظن
قَول ابْن أبي ليلى: ذَاك زيد، أَنه زيد بن أَرقم، وظنه
صَحِيح، فَإِنَّهُ زيد بن أَرقم كَمَا ذَكرْنَاهُ.
7 - (بابُ فَضْلِ دُورِ الأنْصَارِ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان فضل دور الْأَنْصَار، والدور
بِالضَّمِّ جمع دَار، قَالَ ابْن الْأَثِير: هِيَ
الْمنَازل المسكونة والمحال وَتجمع أَيْضا على ديار،
وَالْمرَاد هَهُنَا الْقَبَائِل، وكل قَبيلَة اجْتمعت فِي
محلّة سميت تِلْكَ الْمحلة دَارا، وَسمي ساكنوها بهَا
مجَازًا على حذف الْمُضَاف، أَي: أهل الدّور، قَالَ: وَأما
قَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (وَهل ترك لنا عقيل من
دَار) فَإِنَّمَا يُرِيد بِهِ الْمنزل لَا الْقَبِيلَة.
9873 - حدَّثنا مُحَمَّدُ بنُ بَشَّار حدَّثنا غُنْدَرٌ
حدَّثنا شُعْبَةُ قَالَ سَمِعْتُ قَتادَةَ عنْ أنَسِ بنِ
مالِكٍ عنْ أبِي أُسَيْدٍ رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ قَالَ
قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم خَيْرُ دُورِ
الأنْصَارِ بَنُو النَّجَّارِ ثُمَّ بَنُو عَبْدِ
الأشْهَلِ ثُمَّ بَنُو الحَارِثِ بنِ خَزْرَجٍ ثُمَّ بَنُو
ساعِدَةَ وَفِي كلِّ دُورِ الأنْصَارِ خَيْرٌ. .
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. وغندر، بِضَم الْغَيْن
الْمُعْجَمَة قد تكَرر ذكره وَهُوَ مُحَمَّد بن جَعْفَر،
وَأَبُو أسيد، بِضَم الْهمزَة وَفتح السِّين الْمُهْملَة،
مصغر أَسد واسْمه: مَالك بن ربيعَة السَّاعِدِيّ، رَضِي
الله تَعَالَى عَنهُ.
والْحَدِيث أخرجه البُخَارِيّ أَيْضا فِي مَنَاقِب سعد بن
عبَادَة عَن إِسْحَاق عَن عبد الصَّمد. وَأخرجه مُسلم فِي
الْفَضَائِل عَن أبي مُوسَى. وَأخرجه التِّرْمِذِيّ فِي
المناقب عَن مُحَمَّد بن بشار بِهِ. وَأخرجه النَّسَائِيّ
فِيهِ عَن مُحَمَّد بن الْمثنى عَن غنْدر بِهِ.
قَوْله: (خير دور الْأَنْصَار) ، أَي: خير قبائلهم: بَنو
النجار) بِفَتْح النُّون وَتَشْديد الْجِيم، وَهَذَا من
بَاب إِطْلَاق الْمحل وَإِرَادَة الْحَال، أَو خيريتها
بِسَبَب خيرية أَهلهَا، والنجار هُوَ: تيم الله بن
ثَعْلَبَة بن عَمْرو بن الْخَزْرَج، والخزرج أَخُو
الْأَوْس ابْنا حَارِثَة بن ثَعْلَبَة العنقاء بن عَمْرو
مزيقيا بن عَامر بن مَاء السَّمَاء
(16/259)
ابْن حَارِثَة الغطريف بن امرىء الْقَيْس
البطريق بن ثَعْلَبَة البهلول بن مَازِن وَهُوَ جماع
غَسَّان بن الأزد بن الْغَوْث بن يشجب ابْن ملكان بن زيد
بن كهلان ابْن سبأ بن يشجب بن يعرب بن قحطان بن عَابِر بن
شالخ بن إرفخشذ بن سَام بن نوح، عَلَيْهِ الصَّلَاة
وَالسَّلَام. والأزد، يُقَال لَهُ: الْأسد أَيْضا
بِالسِّين، وقحطان: فعلان من الْقَحْط وَهُوَ الشدَّة،
وَيُقَال: شَيْء قحيط أَي: شَدِيد، وَسمي: تيم الله
بالنجار، لِأَنَّهُ اختتن بقدوم، وَقيل: جرحه رجل بالقدوم
فَسُمي النجار، وَبَنُو النجار هم رَهْط سعد بن معَاذ
وَأبي أَيُّوب. وَمِنْهُم: أَبُو قيس صرمة بن مَالك بن عدي
بن عَامر بن غنم بن عدي بن النجار النجاري، ترهب فِي
الْجَاهِلِيَّة وَلبس المسوح وَفَارق الْأَوْثَان واغتسل
من الْجَنَابَة وهم بالنصرانية، ثمَّ أمسك عَنْهَا،
وَقَالَ: أعبد رب إِبْرَاهِيم، عَلَيْهِ الصَّلَاة
وَالسَّلَام، فَلَمَّا قدم النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم الْمَدِينَة أسلم فَحسن إِسْلَامه. وَأما
الطَّائِفَة النجارية فتنسب إِلَى حُسَيْن النجار، أَخذ
عَن بشر بن غياث المريسي الْقَائِل بِخلق الْقُرْآن.
قَوْله: (ثمَّ بَنو عبد الْأَشْهَل) ، هم من الْأَوْس،
وَعبد الْأَشْهَل بن جشم بن الْحَرْث بن الْخَزْرَج
الْأَصْغَر بن عَمْرو وَهُوَ النبيت بن مَالك بن أَوْس بن
حَارِثَة، وَبَقِيَّة النّسَب قد مرت الْآن. وَقَالَ ابْن
دُرَيْد: زَعَمُوا أَن الْأَشْهَل صنم وَالنِّسْبَة
إِلَيْهِ أشهلي، مِنْهُم: أسيد بن حضير بن سماك بن عتِيك
بن امرىء الْقَيْس بن زيد بن عبد الْأَشْهَل. قَوْله:
(ثمَّ بَنو الْحَارِث بن خزرج) والخزرج بن عَمْرو بن مَالك
بن أَوْس الْمَذْكُور. مِنْهُم: رَافع بن خديج بن رَافع بن
عدي بن زيد بن عَمْرو بن زيد بن جشم بن الْحَارِث بن
الْخَزْرَج الْمَذْكُور. قَوْله: (ثمَّ بَنو سَاعِدَة) ،
هم من الْخَزْرَج الْمَذْكُور أَيْضا، وساعدة بن كَعْب بن
الْخَزْرَج، قَالَ ابْن دُرَيْد: سَاعِدَة اسْم من أَسمَاء
الْأسد. مِنْهُم: سعد بن عبَادَة بن دليم بن حَارِثَة بن
أبي خُزَيْمَة بن ثَعْلَبَة بن طريف بن الْخَزْرَج ابْن
سَاعِدَة الْأنْصَارِيّ الخزرجي الشَّاعِر. قلت: أَبُو
حزيمة، بِفَتْح الْحَاء الْمُهْملَة وَكسر الزَّاي، كَذَا
قَالَه الدارقني، وَقَالَ أَبُو عمر: حليمة بِاللَّامِ
مَوضِع الزَّاي، وَقَالَ الْخَطِيب: خُزَيْمَة، بِضَم
الْخَاء الْمُعْجَمَة وَفتح الزَّاي، وَيُقَال: خُزَيْمَة،
بِكَسْر الزَّاي، قَوْله: (وَفِي كل دور الْأَنْصَار خير)
، الْمَذْكُور هُنَا لفظ: خير، فِي الْمَوْضِعَيْنِ.
الأول: قَوْله: (خير دور الْأَنْصَار) وَلَفظ: خير فِيهِ،
بِمَعْنى أفعل التَّفْضِيل أَي: أفضل دور الْأَنْصَار،
أَي: قبائلهم كَمَا ذكرنَا. وَالثَّانِي: قَوْله: (وَفِي
كل دور الْأَنْصَار خير) ، وَلَفظ: خير، فِيهِ على أَصله،
أَي: فِي كل دور الْأَنْصَار أَي: فِي قبائلهم خير، وَإِن
تفاوتت مَرَاتِبهمْ.
فَقَالَ سَعْدٌ مَا أرَي النَّبِيَّ صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم إلاَّ قَدْ فَضَّلَ عَلَيْنَا فَقِيل قَدْ
فَضَّلَكُمُ علَى كَثِيرٍ
أَي: قَالَ سعد بن عبَادَة، بِضَم الْعين الْمُهْملَة
وَتَخْفِيف الْبَاء الْمُوَحدَة، وَهُوَ من بني سَاعِدَة.
قَوْله: (مَا أرى) ، يجوز بِفَتْح الْهمزَة من الرُّؤْيَة،
وَبِضَمِّهَا بِمَعْنى الظَّن. قَوْله: (قد فضل علينا)
أَي: قد فضل النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، علينا بعض
الْقَبَائِل وَإِنَّمَا كَانَ ذَلِك لِأَنَّهُ من بني
سَاعِدَة وَلم يذكر النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، بني
سَاعِدَة إلاَّ بِكَلِمَة، ثمَّ، بعد ذكره الْقَبَائِل
الثَّلَاثَة. قَوْله: (فَقيل: قد فَضلكُمْ على كثير) أَي:
على كثير من الْقَبَائِل الْغَيْر الْمَذْكُورين من
الْأَنْصَار.
وَقَالَ عَبْدُ الصَّمَدِ حدَّثَنَا شُعْبَةُ حدَّثنا
قَتادَةُ سَمِعْتُ أنَسَاً قَالَ أبُو أُسَيْدٍ عنِ
النَّبِيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِهَذَا وَقَالَ
سَعْدُ بنُ عُبَادَةَ
عبد الصَّمد هُوَ ابْن عبد الْوَارِث بن سعيد التنوري
الْبَصْرِيّ، وَهَذَا التَّعْلِيق ذكره مَوْصُولا فِي
مَنَاقِب سعد بن عبَادَة عَن إِسْحَاق عَن عبد الصَّمد عَن
شُعْبَة عَن قَتَادَة، قَالَ: سَمِعت أنس بن مَالك، قَالَ
أَبُو أسيد: قَالَ رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم:
(خير دور الْأَنْصَار بَنو النجار) الحَدِيث، وَيَأْتِي
عَن قريب إِن شَاءَ الله تَعَالَى. قَوْله: (وَقَالَ سعد
بن عبَادَة) أَي: صرح بِأَن سَعْدا فِي قَوْله: قَالَ سعد:
مَا أرى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، هُوَ سعد بن
عبَادَة.
0973 - حدَّثنا سَعْدُ بنُ حَفْصٍ الطَّلْحِيُّ حدَّثنا
شَيْبَانُ عنْ يَحْيَى قَالَ أبُو سلَمَة أخْبَرَنِي أبُو
أُسَيْدٍ أنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم يَقُولُ خَيْرُ الأنْصَارِ أوْ قالَ خَيْرُ دُورِ
الأنْصَارِ بَنُو النَّجَّارِ وبَنُو عَبْدِ الأشْهَلِ
وبَنُو الحَارِثِ وبَنُو ساعِدَةَ.
(16/260)
هَذَا طَرِيق آخر عَن أبي أسيد عَن
النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، أخرجه عَن سعد بن حَفْص
أبي مُحَمَّد الطلحي الْكُوفِي عَن شَيبَان بن عبد
الرَّحْمَن النَّحْوِيّ عَن يحيى بن أبي كثير، وَاسم أبي
كثير صَالح اليمامي الطَّائِي عَن أبي سَلمَة بن عبد
الرَّحْمَن بن عَوْف عَن أبي أسيد مَالك بن ربيعَة.
وَأخرجه البُخَارِيّ أَيْضا فِي الْأَدَب عَن أبي قبيصَة
عَن سُفْيَان، وَأخرجه مُسلم فِي الْفَضَائِل عَن يحيى بن
يحيى وَعَن عَمْرو بن عَليّ. وَأخرجه النَّسَائِيّ فِي
المناقب عَن عَمْرو بن عَليّ وَآخَرين.
|