عمدة القاري شرح
صحيح البخاري 47 - (بابُ إقَامَةِ المُهَاجِرِ بِمَكَّةَ
بَعْدَ قَضاءِ نُسُكِهِ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان حكم إِقَامَة المُهَاجر بعد
قَضَاء نُسكه من حج أَو عمْرَة.
3933 - حدَّثني إبْرَاهِيمُ بنُ حَمْزَةَ حدَّثنا حاتِمٌ
عنْ عَبْدِ الرَّحْمانِ بنِ حُمَيْدٍ الزُّهْرِيِّ قَالَ
سَمِعْتُ عُمَرَ بنَ عَبْدِ العَزِيزِ يسألُ السَّائِبَ
بنَ أُخْتِ النَّمِرِ مَا سَمِعْتُ فِي سُكْنَى مَكَّةَ
قَالَ سَمِعْتُ العَلاَءَ بنَ الحَضْرَمِيِّ قَالَ قَالَ
رسُولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ثلاثٌ لِلْمُهَاجِرِ
بَعْدَ الصَّدَرِ.
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. وَإِبْرَاهِيم بن حَمْزَة،
بِالْحَاء وَالزَّاي: أَبُو إِسْحَاق الزبيرِي الْأَسدي
الْمدنِي، مَاتَ سنة ثَلَاثِينَ وَمِائَتَيْنِ، وَهُوَ من
أَفْرَاده، وحاتم هُوَ ابْن إِسْمَاعِيل الْكُوفِي، سكن
الْمَدِينَة، وَعبد الرَّحْمَن بن حميد، بِضَم الْحَاء:
ابْن عبد الرَّحْمَن ابْن عَوْف الزُّهْرِيّ، والسائب
بِالسِّين الْمُهْملَة ابْن يزِيد من الزِّيَادَة ابْن
أُخْت النمر، بِلَفْظ الْحَيَوَان الْمَشْهُور،
الْكِنْدِيّ على الْمَشْهُور، والْعَلَاء بن الْحَضْرَمِيّ
صَحَابِيّ جليل ولاه النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم،
الْبَحْرين، وَكَانَ مجاب الدعْوَة وَمَات فِي خلَافَة
عمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، وَمَاله فِي البُخَارِيّ
إِلَّا هَذَا الحَدِيث.
وَأخرجه مُسلم فِي الْحَج عَن القعْنبِي وَعَن يحيى وَعَن
حسن الْحلْوانِي وَعبد بن حميد وَعَن حجاج بن الشَّاعِر.
وَأخرجه أَبُو دَاوُد فِيهِ عَن القعْنبِي. وَأخرجه
التِّرْمِذِيّ فِيهِ عَن أَحْمد بن منيع. وَأخرجه
النَّسَائِيّ فِيهِ عَن مُحَمَّد بن رَافع وَعَن مُحَمَّد
بن عبد الله وَعَن عبيد الله بن سعد وَفِي الصَّلَاة عَن
الْحَارِث بن مِسْكين وَعَن مُحَمَّد بن عبد الْملك.
وَأخرجه ابْن مَاجَه فِي الصَّلَاة عَن أبي بكر بن أبي
شيبَة.
قَوْله: (ثَلَاث) أَي: ثَلَاث لَيَال ترخص فِي الْإِقَامَة
لِلْمُهَاجِرِ بعد طواف الصَّدْر، وَهُوَ بعد الرُّجُوع من
منى، وَكَانَت الْإِقَامَة بِمَكَّة حَرَامًا على الَّذين
هَاجرُوا مِنْهَا قبل الْفَتْح إِلَى رَسُول الله، صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم، ثمَّ أُبِيح لَهُم إِذا دخلوها
بِحَجّ أَو عمْرَة أَن يقيموا بعد قَضَاء نسكهم ثَلَاثَة
أَيَّام وَلَا يزِيدُوا عَلَيْهَا، وَإِن حكم الْإِقَامَة
ثَلَاث لَيَال حكم الْمُسَافِر، وَفِي كَلَام الدَّاودِيّ
اخْتِصَاص ذَلِك بالمهاجرين الْأَوَّلين، وَلَا معنى
لتقييده بالأولين، وَقَالَ النَّوَوِيّ: معنى هَذَا
الحَدِيث أَن الَّذين هَاجرُوا يحرم عَلَيْهِم استيطان
مَكَّة، وَحكى عِيَاض: أَنه قَول الْجُمْهُور، قَالَ:
وَأَجَازَهُ لَهُم جمَاعَة بعد الْفَتْح فحملوا هَذَا
القَوْل على الزَّمن الَّذِي كَانَت الْهِجْرَة
الْمَذْكُورَة وَاجِبَة فِيهِ، قَالَ: وَاتفقَ الْجَمِيع
على أَن
(17/65)
الْهِجْرَة قبل الْفَتْح كَانَت وَاجِبَة
عَلَيْهِم، وَأَن سُكْنى الْمَدِينَة كَانَ وَاجِبا لنصرة
النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ومواساته بِالنَّفسِ،
وَأما غير الْمُهَاجِرين فَيجوز لَهُ سُكْنى أَي بلد
أَرَادَ سَوَاء مَكَّة وَغَيرهَا بالِاتِّفَاقِ.
48 - (بابُ التَّارِيخِ مِنْ أيْنَ أرَّخُوا التَّاريخَ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان التَّارِيخ: هُوَ تَعْرِيف
الْوَقْت وَكَذَلِكَ التوريخ، قَالَ الصَّيْدَاوِيُّ: أَخذ
التَّارِيخ من الأرخ، كَأَنَّهُ شَيْء حدث كَمَا يحدث
الْوَلَد، قَالَ الصغاني: قَالَ ابْن شُمَيْل: يُقَال
للانثى من بقر الْوَحْش: أرخ، بِالْفَتْح وَجمعه: اراخ،
مثل: فرخ وفراخ، وَقَالَ الصَّيْدَاوِيُّ: هُوَ الارخ،
بِالْكَسْرِ، وَضعف الْأَزْهَرِي قَوْله. وَقَالَ
الْجَوْهَرِي: أرخت الْكتاب بِيَوْم كَذَا وورخته
بِمَعْنى، قلت: فرق الْأَصْمَعِي بَين اللغتين، فَقَالَ:
بَنو تَمِيم يَقُولُونَ: ورخت الْكتاب توريخاً، وَقيس
تَقول: أرخته تأريخاً، وَقيل: التَّارِيخ مُعرب من: مَاء
وروز، وَمَعْنَاهُ: حِسَاب الْأَيَّام والشهور والأعوام
فعربته الْعَرَب، قَوْله: (من أَيْن أَرخُوا التَّارِيخ) ،
أَي: ابْتِدَاء التَّارِيخ من أَي وَقت كَانَ، وَفِيه
اخْتِلَاف. فروى ابْن الْجَوْزِيّ بِإِسْنَادِهِ إِلَى
الشّعبِيّ، قَالَ: لما كثر بَنو آدم فِي الأَرْض وانتشروا
أَرخُوا من هبوط آدم، عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام ثمَّ
إِلَى زمَان يُوسُف عَلَيْهِ السَّلَام ثمَّ إِلَى خُرُوج
مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام من مصر بني اسرائيل ثمَّ إِلَى
زمَان دَاوُد عَلَيْهِ السَّلَام، فَكَانَ التَّارِيخ
مِنْهُ إِلَى الطوفان، ثمَّ إِلَى نَار الْخَلِيل،
عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام، ثمَّ إِلَى زمَان
سُلَيْمَان، عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام، ثمَّ إِلَى
زمَان عِيسَى، عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام، وَرَوَاهُ
أَيْضا ابْن إِسْحَاق عَن ابْن عَبَّاس، رَضِي الله
تَعَالَى عَنْهُمَا، وَحكى مُحَمَّد بن سعد عَن ابْن
الْكَلْبِيّ: أَن حمير كَانَت تؤرخ بالتبابعة وغسان بالسد،
وَأهل صنعاء بِظُهُور الْحَبَشَة على الْيمن، ثمَّ
بِغَلَبَة الْفرس، ثمَّ أرخت الْعَرَب بِالْأَيَّامِ
الْمَشْهُورَة: كحرب البسوس، وداحس والغبراء، وبيوم ذِي
قار، والفجارات وَنَحْوهَا، وَبَين حَرْب البسوس ومبعث
نَبينَا صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، سِتُّونَ سنة. وَقَالَ
ابْن هِشَام الْكَلْبِيّ عَن أَبِيه: أما الرّوم فَأَرختْ
بقتل دَارا بن دَارا إِلَى ظُهُور الْفرس عَلَيْهِم، وَأما
القبط فَأَرختْ ببخت نصر إِلَى فلابطرة صَاحِبَة مصر،
وَأما الْيَهُود فَأَرختْ بخراب بَيت الْمُقَدّس، وَأما
النَّصَارَى فبرفع الْمَسِيح، عَلَيْهِ الصَّلَاة
وَالسَّلَام، وَأما ابْتِدَاء تَارِيخ الْإِسْلَام فَفِيهِ
اخْتِلَاف أَيْضا، فروى الْحَافِظ ابْن عَسَاكِر فِي
(تَارِيخ دمشق) : عَن أنس بن مَالك أَنه كَانَ التَّارِيخ
من مقدم رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم،
الْمَدِينَة فِي ربيع الأول، فأرخوا. وَعَن ابْن عَبَّاس:
قدم النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، الْمَدِينَة
وَلَيْسَ لَهُم تَارِيخ، وَكَانُوا يؤرخون بالشهر والشهرين
من مقدمه فأقاموا على ذَلِك إِلَى أَن توفّي النَّبِي صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم، وَانْقطع التَّارِيخ، وَمَضَت
أَيَّام أبي بكر على هَذَا وَأَرْبع سِنِين من خلَافَة عمر
على هَذَا، ثمَّ وضع التَّارِيخ، وَاخْتلفُوا فِي سَببه،
فروى ابْن السَّمرقَنْدِي: أَن أَبَا مُوسَى
الْأَشْعَرِيّ، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، كتب إِلَى عمر،
رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، أَنه يأتينا مِنْك كتب لَيْسَ
لَهَا تَارِيخ، فأرخ لتستقيم الْأَحْوَال، فأرخ. وَقَالَ
أَبُو الْيَقظَان: رفع إِلَى عمر صك مَحَله فِي شعْبَان،
فَقَالَ: أَي شعْبَان هَذَا؟ الَّذِي نَحن فِيهِ أم
الْمَاضِي أم الَّذِي يَأْتِي؟ وَقَالَ الْهَيْثَم ابْن
عدي: أول من أرخ يعلى بن أُميَّة، كتب إِلَى عمر من الْيمن
كتابا مؤرخاً فَاسْتَحْسَنَهُ وَشرع فِي التَّارِيخ.
وَقَالَ ابْن عَبَّاس: لما عزم عمر على التَّارِيخ جمع
الصَّحَابَة فاستشارهم، فَقَالَ سعد بن أبي وَقاص: أرخ
لوفاة رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَقَالَ
طَلْحَة: أرخ لمبعثه، وَقَالَ عَليّ بن أبي طَالب: أرخ
لهجرته فَإِنَّهَا فرقت بَين الْحق وَالْبَاطِل، وَقَالَ
آخَرُونَ: لمولده، وَقَالَ قوم: لنبوته، وَكَانَ هَذَا فِي
سنة سبع عشرَة من الْهِجْرَة، وَقيل: فِي سنة سِتّ عشرَة،
وَاتَّفَقُوا على قَول عَليّ، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ،
ثمَّ اخْتلفُوا فِي الشُّهُور، فَقَالَ عبد الرَّحْمَن بن
عَوْف: أرخ لرجب، فَإِنَّهُ أول الْأَشْهر الْحرم، وَقَالَ
طَلْحَة: من رَمَضَان لِأَنَّهُ شهر الْأمة، وَقَالَ
عَليّ: من الْمحرم لِأَنَّهُ أول السّنة.
48 - (بابُ التَّارِيخِ مِنْ أيْنَ أرَّخُوا التَّاريخَ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان التَّارِيخ: هُوَ تَعْرِيف
الْوَقْت وَكَذَلِكَ التوريخ، قَالَ الصَّيْدَاوِيُّ: أَخذ
التَّارِيخ من الأرخ، كَأَنَّهُ شَيْء حدث كَمَا يحدث
الْوَلَد، قَالَ الصغاني: قَالَ ابْن شُمَيْل: يُقَال
للانثى من بقر الْوَحْش: أرخ، بِالْفَتْح وَجمعه: اراخ،
مثل: فرخ وفراخ، وَقَالَ الصَّيْدَاوِيُّ: هُوَ الارخ،
بِالْكَسْرِ، وَضعف الْأَزْهَرِي قَوْله. وَقَالَ
الْجَوْهَرِي: أرخت الْكتاب بِيَوْم كَذَا وورخته
بِمَعْنى، قلت: فرق الْأَصْمَعِي بَين اللغتين، فَقَالَ:
بَنو تَمِيم يَقُولُونَ: ورخت الْكتاب توريخاً، وَقيس
تَقول: أرخته تأريخاً، وَقيل: التَّارِيخ مُعرب من: مَاء
وروز، وَمَعْنَاهُ: حِسَاب الْأَيَّام والشهور والأعوام
فعربته الْعَرَب، قَوْله: (من أَيْن أَرخُوا التَّارِيخ) ،
أَي: ابْتِدَاء التَّارِيخ من أَي وَقت كَانَ، وَفِيه
اخْتِلَاف. فروى ابْن الْجَوْزِيّ بِإِسْنَادِهِ إِلَى
الشّعبِيّ، قَالَ: لما كثر بَنو آدم فِي الأَرْض وانتشروا
أَرخُوا من هبوط آدم، عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام ثمَّ
إِلَى زمَان يُوسُف عَلَيْهِ السَّلَام ثمَّ إِلَى خُرُوج
مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام من مصر بني اسرائيل ثمَّ إِلَى
زمَان دَاوُد عَلَيْهِ السَّلَام، فَكَانَ التَّارِيخ
مِنْهُ إِلَى الطوفان، ثمَّ إِلَى نَار الْخَلِيل،
عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام، ثمَّ إِلَى زمَان
سُلَيْمَان، عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام، ثمَّ إِلَى
زمَان عِيسَى، عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام، وَرَوَاهُ
أَيْضا ابْن إِسْحَاق عَن ابْن عَبَّاس، رَضِي الله
تَعَالَى عَنْهُمَا، وَحكى مُحَمَّد بن سعد عَن ابْن
الْكَلْبِيّ: أَن حمير كَانَت تؤرخ بالتبابعة وغسان بالسد،
وَأهل صنعاء بِظُهُور الْحَبَشَة على الْيمن، ثمَّ
بِغَلَبَة الْفرس، ثمَّ أرخت الْعَرَب بِالْأَيَّامِ
الْمَشْهُورَة: كحرب البسوس، وداحس والغبراء، وبيوم ذِي
قار، والفجارات وَنَحْوهَا، وَبَين حَرْب البسوس ومبعث
نَبينَا صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، سِتُّونَ سنة. وَقَالَ
ابْن هِشَام الْكَلْبِيّ عَن أَبِيه: أما الرّوم فَأَرختْ
بقتل دَارا بن دَارا إِلَى ظُهُور الْفرس عَلَيْهِم، وَأما
القبط فَأَرختْ ببخت نصر إِلَى فلابطرة صَاحِبَة مصر،
وَأما الْيَهُود فَأَرختْ بخراب بَيت الْمُقَدّس، وَأما
النَّصَارَى فبرفع الْمَسِيح، عَلَيْهِ الصَّلَاة
وَالسَّلَام، وَأما ابْتِدَاء تَارِيخ الْإِسْلَام فَفِيهِ
اخْتِلَاف أَيْضا، فروى الْحَافِظ ابْن عَسَاكِر فِي
(تَارِيخ دمشق) : عَن أنس بن مَالك أَنه كَانَ التَّارِيخ
من مقدم رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم،
الْمَدِينَة فِي ربيع الأول، فأرخوا. وَعَن ابْن عَبَّاس:
قدم النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، الْمَدِينَة
وَلَيْسَ لَهُم تَارِيخ، وَكَانُوا يؤرخون بالشهر والشهرين
من مقدمه فأقاموا على ذَلِك إِلَى أَن توفّي النَّبِي صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم، وَانْقطع التَّارِيخ، وَمَضَت
أَيَّام أبي بكر على هَذَا وَأَرْبع سِنِين من خلَافَة عمر
على هَذَا، ثمَّ وضع التَّارِيخ، وَاخْتلفُوا فِي سَببه،
فروى ابْن السَّمرقَنْدِي: أَن أَبَا مُوسَى
الْأَشْعَرِيّ، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، كتب إِلَى عمر،
رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، أَنه يأتينا مِنْك كتب لَيْسَ
لَهَا تَارِيخ، فأرخ لتستقيم الْأَحْوَال، فأرخ. وَقَالَ
أَبُو الْيَقظَان: رفع إِلَى عمر صك مَحَله فِي شعْبَان،
فَقَالَ: أَي شعْبَان هَذَا؟ الَّذِي نَحن فِيهِ أم
الْمَاضِي أم الَّذِي يَأْتِي؟ وَقَالَ الْهَيْثَم ابْن
عدي: أول من أرخ يعلى بن أُميَّة، كتب إِلَى عمر من الْيمن
كتابا مؤرخاً فَاسْتَحْسَنَهُ وَشرع فِي التَّارِيخ.
وَقَالَ ابْن عَبَّاس: لما عزم عمر على التَّارِيخ جمع
الصَّحَابَة فاستشارهم، فَقَالَ سعد بن أبي وَقاص: أرخ
لوفاة رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَقَالَ
طَلْحَة: أرخ لمبعثه، وَقَالَ عَليّ بن أبي طَالب: أرخ
لهجرته فَإِنَّهَا فرقت بَين الْحق وَالْبَاطِل، وَقَالَ
آخَرُونَ: لمولده، وَقَالَ قوم: لنبوته، وَكَانَ هَذَا فِي
سنة سبع عشرَة من الْهِجْرَة، وَقيل: فِي سنة سِتّ عشرَة،
وَاتَّفَقُوا على قَول عَليّ، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ،
ثمَّ اخْتلفُوا فِي الشُّهُور، فَقَالَ عبد الرَّحْمَن بن
عَوْف: أرخ لرجب، فَإِنَّهُ أول الْأَشْهر الْحرم، وَقَالَ
طَلْحَة: من رَمَضَان لِأَنَّهُ شهر الْأمة، وَقَالَ
عَليّ: من الْمحرم لِأَنَّهُ أول السّنة.
3934 - حدَّثنا عبْدُ الله بنُ مَسْلَمَةَ حدَّثنا عَبْدُ
العَزِيزِ عنْ أبِيهِ عنْ سَهْلِ بنِ سَعْدٍ قَالَ مَا
عَدُّوا منْ مَبْعَثِ النَّبِيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
ولاَ مِنْ وَفاتِهِ مَا عَدّوا إلاَّ مِنْ مَقْدَمِهِ
المَدِينَةِ.
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة، وَعبد الْعَزِيز هُوَ ابْن
أبي حَازِم سَلمَة بن دِينَار. قَوْله: (مَا عدوا) أَي:
التَّارِيخ من مبعث النَّبِي صلى الله
(17/66)
عَلَيْهِ وَسلم، وَلَا عدوه من وَفَاته،
وَإِنَّمَا عدوه من وَقت (مقدمه الْمَدِينَة) ، أَي: من
وَقت قدومه مُهَاجرا إِلَيْهَا، وَقد ذَكرْنَاهُ مستقصًى.
قَالَ الْكرْمَانِي: فَإِن قلت: قدومه الْمَدِينَة كَانَ
فِي ربيع الأول، فَلم جعلُوا ابتداءه من الْمحرم؟ قلت:
لِأَنَّهُ أول السّنة، أَو لِأَن الْهِجْرَة من مَكَّة
كَانَت فِيهِ، وَقد ذكرنَا الْآن مَا يُغني عَن هَذَا
السُّؤَال وَالْجَوَاب.
3935 - حدَّثنا مُسَدَّدٌ حدَّثنا يَزِيدُ بنُ زُرَيْعٍ
حدَّثنا مَعْمَرٌ عنِ الزُّهْرِيِّ عنْ عُرْوَةَ عنْ
عائِشَةَ رَضِي الله تَعَالَى عنهَا قالَتْ فُرِضَتِ
الصَّلاَةُ رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ هاجَرَ النَّبِيُّ صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم ففُرِضَتْ أرْبَعَاً وتُرِكَتْ صَلاَةُ
السَّفَرِ علَى الأوَّلِ. (انْظُر الحَدِيث 350 وطرفه) .
لما كَانَ البابان السابقان داخلين فِي: بَاب هِجْرَة
النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، جَاءَت الْمُنَاسبَة
لذكر هَذَا الحَدِيث هُنَا، وَقد مر الحَدِيث فِي كتاب
الصَّلَاة فِي أول الْأَبْوَاب، وَهُوَ: بَاب كَيفَ فرضت
الصَّلَاة، وَقد مر الْكَلَام فِيهِ مستقصًى هُنَاكَ.
قَوْله: (على الأول) رِوَايَة أبي ذَر، ويروى: على الأولى.
تابَعَهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ عنْ مَعْمَرٍ
أَي: تَابع يزِيد بن زُرَيْع فِي رِوَايَة الحَدِيث عَن
معمر بن رَاشد عبد الرازق بن همام الصَّنْعَانِيّ، وَهَذِه
الْمُتَابَعَة وَصلهَا الْإِسْمَاعِيلِيّ عَنهُ.
49 - (بابُ قَوْلِ النَّبِيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
اللَّهُمَّ أمْضِ لأصْحَابِي هِجْرَتَهُمْ ومَرْثِيَّتِهِ
لِمَنْ ماتَ بِمَكَّةَ)
أَي: هَذَا بَاب فِي ذكر قَول النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم: أللهم أمض لِأَصْحَابِي هجرتهم، وَيَأْتِي
تَفْسِيره فِي حَدِيث الْبَاب. قَوْله: (ومرثيته)
بِالْجَرِّ عطف على قَوْله: قَول النَّبِي صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم، أَي: وَفِي ذكر مرثية النَّبِي للَّذين
مَاتُوا بِمَكَّة، وَهُوَ من رثى للْمَيت إِذا رق لَهُ،
ورثيته إِذا بكيته وعددت محاسنه، وَالْمرَاد من مرثيته
هُنَا التوجع لَهُ لكَونه مَاتَ فِي الْبَلدة الَّتِي
هَاجر مِنْهَا.
414 - (حَدثنَا يحيى بن قزعة حَدثنَا إِبْرَاهِيم عَن
الزُّهْرِيّ عَن عَامر بن سعد بن مَالك عَن أَبِيه قَالَ
عادني النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -
عَام حجَّة الْوَدَاع من مرض أشفيت مِنْهُ على الْمَوْت
فَقلت يَا رَسُول الله بلغ بِي من الوجع مَا ترى وَأَنا
ذُو مَال وَلَا يَرِثنِي إِلَّا ابْنة لي وَاحِدَة أفأتصدق
بِثُلثي مَالِي قَالَ لَا قَالَ فأتصدق بشطره قَالَ لَا
قَالَ الثُّلُث يَا سعد وَالثلث كثير إِنَّك أَن تذر ذريتك
أَغْنِيَاء خير من أَن تذرهم عَالَة يَتَكَفَّفُونَ
النَّاس قَالَ أَحْمد بن يُونُس ومُوسَى عَن إِبْرَاهِيم
أَن تذر وَرثتك وَلست بنافق نَفَقَة تبتغي بهَا وَجه الله
إِلَّا أجرك الله بهَا حَتَّى اللُّقْمَة تجعلها فِي فِي
امْرَأَتك قلت يَا رَسُول الله أخلف بعد أَصْحَابِي قَالَ
إِنَّك لن تخلف فتعمل عملا تبتغي بِهِ وَجه الله إِلَّا
ازددت بِهِ دَرَجَة ورفعة ولعلك تخلف حَتَّى ينْتَفع بك
أَقوام ويضر بك آخَرُونَ اللَّهُمَّ أمض لِأَصْحَابِي
هجرتهم وَلَا تردهم على أَعْقَابهم لَكِن البائس سعد بن
خَوْلَة يرثى لَهُ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّم َ - أَن توفّي بِمَكَّة)
(17/67)
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله
اللَّهُمَّ امْضِ لِأَصْحَابِي هجرتهم إِلَى آخر الحَدِيث
وَيحيى بن قزعة بِالْقَافِ وَالزَّاي وَالْعين الْمُهْملَة
المفتوحات الْحِجَازِي وَهُوَ من أَفْرَاده وَإِبْرَاهِيم
هُوَ ابْن سعد بن إِبْرَاهِيم بن عبد الرَّحْمَن بن عَوْف
يروي عَن مُحَمَّد بن مُسلم الزُّهْرِيّ وَسعد بن مَالك
هُوَ سعد بن أبي وَقاص وَهَذَا الحَدِيث قد مر فِي كتاب
الْجَنَائِز فِي بَاب رثاء النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - سعد بن خَوْلَة فَإِنَّهُ أخرجه
هُنَاكَ عَن عبد الله بن يُوسُف عَن مَالك عَن ابْن شهَاب
عَن عَامر بن سعد بن أبي وَقاص عَن أَبِيه إِلَى آخِره
وَمر الْكَلَام فِيهِ هُنَاكَ قَوْله أشفيت أَي أشرفت من
الوجع مِنْهُ أَي من الْمَرَض قَوْله أَن تذر ذريتك
هَكَذَا فِي رِوَايَة الْكشميهني والقابسي وَفِي رِوَايَة
الْأَكْثَرين وَرثتك قَوْله وَأَن بِفَتْح الْهمزَة ويروى
بِكَسْرِهَا وجزاؤه قَوْله خير قَوْله عَالَة جمع العائل
وَهُوَ الْفَقِير قَوْله يَتَكَفَّفُونَ أَي يبسطون أكفهم
إِلَى النَّاس للسؤال قَوْله قَالَ أَحْمد بن يُونُس هُوَ
أَحْمد بن عبد الله بن يُونُس أحد مَشَايِخ البُخَارِيّ
قَوْله ومُوسَى هُوَ مُوسَى بن إِسْمَاعِيل الْمنْقري
التَّبُوذَكِي وَهُوَ أَيْضا أحد مَشَايِخ البُخَارِيّ
قَوْله عَن إِبْرَاهِيم هُوَ ابْن سعد فتعليق أَحْمد أخرجه
البُخَارِيّ فِي حجَّة الْوَدَاع فِي آخر الْمَغَازِي
وَتَعْلِيق مُوسَى أخرجه فِي الدَّعْوَات قَوْله بنافق
يسْتَعْمل بِمَعْنى منفق وَهُوَ رِوَايَة الْكشميهني
أَعنِي منفق وَهُوَ الصَّوَاب قَوْله إِلَّا أجرك الله
بقصر الْهمزَة قَوْله وأخلف على صِيغَة الْمَجْهُول أَي
فِي مَكَّة أَو فِي الدُّنْيَا قَوْله امْضِ من الامضاء
أَي أنفذها وتممها لَهُم وَلَا تنقصها عَلَيْهِم قَوْله
لَكِن البائس هُوَ شَدِيد الْحَاجة أوالفقير قَوْله يرثي
لَهُ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -
كَلَام سعد بن أبي وَقاص وَالْأَكْثَر على أَنه كَلَام
الزُّهْرِيّ قَوْله أَن توفّي بِفَتْح الْهمزَة
للتَّعْلِيل أَي لأجل أَنه توفّي فِي مَكَّة ويروى أَنه
مَاتَ بِمَكَّة -
50 - (بابٌ كيْفَ آخَى النَّبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
بَيْنَ أصْحَابِهِ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان كَيْفيَّة إخاء النَّبِي صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم بَين أَصْحَابه، قَالَ أَبُو عمر:
كَانَت المؤاخاة مرَّتَيْنِ مرّة بَين الْمُهَاجِرين
خَاصَّة، وَذَلِكَ بِمَكَّة. وَمرَّة بَين الْمُهَاجِرين
وَالْأَنْصَار، وَهَذِه هِيَ الْمَقْصُودَة هُنَا.
وقالَ عَبْدُ الرَّحْمانِ بنُ عَوْفٍ آخَى النَّبِيُّ صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم بَيْنِي وبَيْنَ سَعْدِ بنِ
الرَّبِيعِ لَمَّا قَدِمْنَا المَدِينَةَ
هَذِه قِطْعَة من حَدِيث أخرجه البُخَارِيّ بِتَمَامِهِ
فِي الْبيُوع فِي أول بَاب من أبوابه، فَإِنَّهُ أخرجه
هُنَاكَ عَن عبد الْعَزِيز ابْن عبد الله عَن أبراهيم بن
سعد عَن أَبِيه عَن جده، قَالَ: قَالَ عبد الرَّحْمَن بن
عَوْف: لما قدمنَا الْمَدِينَة آخى رَسُول الله، صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم بيني وَبَين سعد بن الرّبيع ... الحَدِيث.
وَقَالَ أبُو جُحَيْفَةَ آخَى النَّبِيُ صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم بَيْنَ سَلْمانَ وأبِي الدَّرْدَاءِ
أَبُو جُحَيْفَة، بِضَم الْجِيم وَفتح الْحَاء وَسُكُون
الْيَاء آخر الْحُرُوف وبالفاء: اسْمه وهب بن عبد الله
السوَائِي، وَهُوَ من صغَار الصَّحَابَة، قيل: مَاتَ
رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَهُوَ لم يبلغ
الْحلم، نزل الْكُوفَة وابتنى بهَا دَارا، مَاتَ فِي سنة
أَربع وَسبعين، وَهَذَا التَّعْلِيق قِطْعَة من حَدِيث
أخرجه البُخَارِيّ بِتَمَامِهِ فِي كتاب الصّيام فِي: بَاب
من أقسم على أَخِيه ليفطر فِي التَّطَوُّع، فَإِنَّهُ
أخرجه هُنَاكَ عَن مُحَمَّد بن بشار عَن جَعْفَر بن عَوْف
عَن أبي العميس عَن عون بن أبي جُحَيْفَة عَن أَبِيه،
قَالَ: آخى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ... إِلَى
آخِره.
3937 - حدَّثنا مُحَمَّدُ بنُ يُوسُفَ حدَّثنا سُفْيَانُ
عنْ حُمَيْدٍ عنْ أنَسٍ رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ قَالَ
قدِمَ عَبْدُ الرَّحْمانِ بنُ عَوْفٍ فآخَى النَّبِيُّ صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم بَيْنَهُ وبَيْنَ سَعْدِ بنِ
الرَّبِيعِ الأنْصَارِيِّ فعَرَضَ عَلَيْهِ أنْ
يُنَاصِفَهُ أهْلَهُ ومالَهُ فَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمانِ
بارَكَ الله لَكَ فِي أهْلِكَ ومالِكَ دُلَّنِي على
السُّوقِ فرَبِح شَيْئَاً مِن أقِطٍ وسَمْنٍ فرآهُ
النَّبِيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بَعْدَ أيَّامٍ
وعَلَيْهِ وضَرٌ مِنْ صُفْرَةٍ فَقال النَّبِيُّ صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم مَهْيَمْ يَا عَبْدَ الرَّحْمانِ قَالَ يَا
رسُولَ الله تَزَوَّجْتُ امْرَأةً مِنَ الأنْصَارِ قَالَ
فَما سُقْتَ فِيهَا فَقال
(17/68)
وَزْنَ نَوَاةٍ مِنْ ذَهَبٍ فَقَالَ
النَّبِيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أوْلِمْ ولَوْ
بِشَاةٍ. .
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة لِأَن فِيهِ كَيْفيَّة
المؤاخاة، وَمُحَمّد بن يُوسُف أَبُو أَحْمد البُخَارِيّ
البيكندي، وسُفْيَان هُوَ ابْن عُيَيْنَة، والْحَدِيث مر
فِي كتاب الْبيُوع فِي أول أبوابه، فَإِنَّهُ أخرجه
هُنَاكَ عَن أَحْمد بن يُونُس عَن زُهَيْر عَن حميد عَن
أنس إِلَى آخِره، وَمر الْكَلَام فِيهِ هُنَاكَ. قَوْله:
(قدم عبد الرَّحْمَن) أَي: الْمَدِينَة، ويروى بِوُجُود
لفظ: الْمَدِينَة. قَوْله: (فربح) الْفَاء فِيهِ فَاء
الفصيحة، أَي: فدله فَذهب فاتجر فربح. قَوْله: (وَعَلِيهِ
وضر) الْوَاو فِيهِ للْحَال، والوضر، بِفَتْح الضَّاد
الْمُعْجَمَة: اللطخ من الخلوق أَو طيب لَهُ لون. قَوْله:
(مَهيم) بِفَتْح الْمِيم وَالْيَاء آخر الْحُرُوف: أَي:
مَا الْخَبَر. قَوْله: (نواة) ، بالنُّون وَهُوَ وزن
خَمْسَة دَرَاهِم. وَفِيه: أَن الْوَلِيمَة بعد الْبناء.
51 - (بابٌ)
أَي: هَذَا بَاب إِن قَدرنَا هَكَذَا يكون لفظ بَاب
معرباً، وَإِلَّا فَهُوَ غير مُعرب، لِأَن الْإِعْرَاب
يَسْتَدْعِي التَّرْكِيب، وَهُوَ كالفصل للباب
الَّذِي قبله.
416 - (حَدثنِي حَامِد بن عمر عَن بشر بن الْمفضل حَدثنَا
حميد حَدثنَا أنس أَن عبد الله بن سَلام بلغه مقدم
النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -
الْمَدِينَة فَأَتَاهُ يسْأَله عَن أَشْيَاء فَقَالَ
إِنِّي سَائِلك عَن ثَلَاث لَا يعلمهُنَّ إِلَّا نَبِي مَا
أول أَشْرَاط السَّاعَة وَمَا أول طَعَام يَأْكُلهُ أهل
الْجنَّة وَمَا بَال الْوَلَد ينْزع إِلَى أَبِيه أَو
إِلَى أمه قَالَ أَخْبرنِي بِهِ جِبْرِيل آنِفا قَالَ ابْن
سَلام ذَاك عَدو الْيَهُود من الْمَلَائِكَة قَالَ أما أول
أَشْرَاط السَّاعَة فَنَار تَحْشُرهُمْ من الْمشرق إِلَى
الْمغرب وَأما أول طَعَام يَأْكُلهُ أهل الْجنَّة
فَزِيَادَة كبد الْحُوت وَأما الْوَلَد فَإِذا سبق مَاء
الرجل مَاء الْمَرْأَة نزع الْوَلَد وَإِذا سبق مَاء
الْمَرْأَة مَاء الرجل نزعت الْوَلَد قَالَ أشهد أَن لَا
إِلَه إِلَّا الله وَأَنَّك رَسُول الله قَالَ يَا رَسُول
الله إِن الْيَهُود قوم بهت فاسألهم عني قبل أَن يعلمُوا
بِإِسْلَامِي فَجَاءَت الْيَهُود فَقَالَ النَّبِي -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَي رجل عبد الله
ابْن سَلام فِيكُم قَالُوا خيرنا وَابْن خيرنا وأفضلنا
وَابْن أفضلنا فَقَالَ النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّم َ - أَرَأَيْتُم إِن أسلم عبد الله بن سَلام
قَالُوا أَعَاذَهُ الله من ذَلِك فَأَعَادَ عَلَيْهِم
فَقَالُوا مثل ذَلِك فَخرج إِلَيْهِم عبد الله فَقَالَ
أشهد أَن لَا إِلَه إِلَّا الله وَأَن مُحَمَّدًا رَسُول
الله قَالُوا شَرنَا وَابْن شَرنَا وتنقصوه قَالَ هَذَا
كنت أَخَاف يَا رَسُول الله) مطابقته للتَّرْجَمَة لباب
هِجْرَة النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -
ظَاهِرَة وَذَلِكَ أَنا قد ذكرنَا أَن الْأَبْوَاب
الْمَذْكُورَة بعد بَاب هِجْرَة النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - كلهَا تَابِعَة لباب هِجْرَة
النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وحامد بن
عمر بن حَفْص بن عبد الله بن أبي بكرَة الثَّقَفِيّ
البكراوي من أهل الْبَصْرَة شيخ مُسلم أَيْضا وَبشر
بِكَسْر الْبَاء الْمُوَحدَة وَسُكُون الشين الْمُعْجَمَة
ابْن الْفضل ابْن لَاحق أَبُو إِسْمَاعِيل الرقاشِي
الْبَصْرِيّ والْحَدِيث مر فِي كتاب الْأَنْبِيَاء فِي
بَاب قَول الله عز وَجل {وَإِذ قَالَ رَبك للْمَلَائكَة
إِنِّي جَاعل فِي الأَرْض خَليفَة} وَمر الْكَلَام فِيهِ
هُنَاكَ قَوْله ينْزع بالزاي الْمَكْسُورَة أَي يشبه
أَبَاهُ وَيذْهب إِلَيْهِ قَوْله " فَزِيَادَة كبد الْحُوت
" الزِّيَادَة هِيَ الْقطعَة المنفردة الْمُعَلقَة بالكبد
وَهِي فِي الطّعْم فِي غَايَة اللَّذَّة وَيُقَال أَنَّهَا
أهنأ طَعَام وأمرؤه وَوَقع فِي حَدِيث ثَوْبَان أَن تحفتهم
حِين يدْخلُونَ الْجنَّة زِيَادَة كبد النُّون وَالنُّون
هُوَ الْحُوت الَّذِي عَلَيْهِ الأَرْض وَالْإِشَارَة بذلك
إِلَى نَفاذ الدُّنْيَا وَفِي حَدِيث ثَوْبَان بِزِيَادَة
وَهِي أَنه ينْحَر لَهُم عقيب ذَلِك نون الْجنَّة الَّذِي
كَانَ يَأْكُل من أطرافها وشرابهم عَلَيْهِ من عين
(17/69)
تسمى سلسبيلا وَذكر الطَّبَرَانِيّ من
طَرِيق الضَّحَّاك عَن ابْن عَبَّاس قَالَ يَنْطَح الثور
الْحُوت بقرنه فيأكل مِنْهُ أهل الْجنَّة ثمَّ يحيا فينحر
الثور بِذَنبِهِ فيأكلونه ثمَّ يحيا فيستمران كَذَلِك
وَهَذَا مُنْقَطع ضَعِيف قَوْله أما الْوَلَد وَفِي
رِوَايَة الْفَزارِيّ عَن حميد فِي تَرْجَمَة آدم وَأما
شبه الْوَلَد قَوْله " نزع الْوَلَد " بِالنّصب على
المفعولية أَي جذبه إِلَيْهِ وَفِي رِوَايَة الْفَزارِيّ "
كَانَ الشّبَه لَهُ " قَوْله " قوم بهت " بِضَم الْبَاء
الْمُوَحدَة وَالْهَاء جمع بهيت كقضيب وقضب وَقَالَ
الْكرْمَانِي جمع بهوت وَهُوَ كثير الْبُهْتَان.
417 - (حَدثنَا عَليّ بن عبد الله حَدثنَا سُفْيَان عَن
عَمْرو سمع أَبَا الْمنْهَال عبد الرَّحْمَن بن مطعم قَالَ
بَاعَ شريك لي دَرَاهِم فِي السُّوق نَسِيئَة فَقلت
سُبْحَانَ الله أيصلح هَذَا فَقَالَ سُبْحَانَ الله وَالله
لقد بعتها فِي السُّوق فَمَا عابه أحد فَسَأَلت الْبَراء
بن عَازِب فَقَالَ قدم النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّم َ - وَنحن نتبايع هَذَا البيع فَقَالَ مَا كَانَ
يدا بيد فَلَيْسَ بِهِ بَأْس وَمَا كَانَ نَسِيئَة فَلَا
يصلح والق زيد بن أَرقم فَاسْأَلْهُ فَإِنَّهُ كَانَ
أعظمنا تِجَارَة فَسَأَلت زيد بن أَرقم فَقَالَ مثله)
مطابقته للتَّرْجَمَة الْمَذْكُورَة أَولا فِي قَوْله
فَقَالَ قدم النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم
َ - وَنحن نتبايع وسُفْيَان هُوَ ابْن عُيَيْنَة وَعَمْرو
هُوَ ابْن دِينَار والْحَدِيث مر فِي كتاب الْبيُوع فِي
بَاب بيع الْوَرق بِالذَّهَب نَسِيئَة وَفِي كتاب الشّركَة
فِي بَاب الِاشْتِرَاك فِي الذَّهَب وَالْفِضَّة قَوْله "
والق " أَمر من لَقِي يلقى قَوْله " مثله " أَي مثل مَا
قَالَ الْبَراء
(وَقَالَ سُفْيَان مرّة فَقَالَ قدم علينا النَّبِي -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - الْمَدِينَة وَنحن
نتبايع وَقَالَ نَسِيئَة إِلَى الْمَوْسِم أَو الْحَج) أَي
قَالَ سُفْيَان بن عُيَيْنَة الرَّاوِي وَأَشَارَ بِهَذَا
إِلَى أَن سُفْيَان روى مرّة مثل الَّذِي مضى وَلَيْسَ
فِيهِ تعْيين مُدَّة النَّسِيئَة وروى أُخْرَى بِتَعْيِين
الْمدَّة وَهُوَ قَوْله إِلَى الْمَوْسِم قَوْله أَو
الْحَج شكّ من الرَّاوِي أَي أَو إِلَى وَقت الْحَج -
52 - (بابُ إتْيَانِ الْيَهُودِ النَّبِيَّ صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم حِينَ قَدِمَ المَدِينَةَ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان إتْيَان الْيَهُود ... إِلَى
آخِره.
هادُوا صارُوا يَهُودَ وأمَّا قَوْلُهُ هُدْنَا تُبْنَا:
هائِدٌ تائِبٌ
مَشى البُخَارِيّ هَهُنَا على عَادَته فِي ذكر أَلْفَاظ من
الْقُرْآن مِمَّا يماثل لفظ الحَدِيث، فَإِن قَوْله:
{هادوا} . مَذْكُور فِي قَوْله: {وَمن الَّذين هادوا
سماعون للكذب} . وَمَعْنَاهُ هُنَا: صَارُوا يهود، وَأما
قَوْله: {هدنا} . فمذكور فِي قَوْله: {إِنَّا هدنا
إِلَيْك} . وَمَعْنَاهُ: تبنا إِلَيْك، وَكَذَا فسر أَبُو
عبيد اللَّفْظَيْنِ الْمَذْكُورين، وَقَالَ الْجَوْهَرِي:
هاد يهود هوداً: تَابَ وَرجع إِلَى الْحق فَهُوَ هائد،
وَقوم هود مثل حَائِل وحول، وبازل وبزل، وَقَالَ أَبُو
عبيد: التهود التَّوْبَة وَالْعَمَل الصَّالح، وَيُقَال
أَيْضا: هاد وتهود: إِذا صَار يَهُودِيّا.
3941 - حدَّثنا مُسْلِمُ بنُ إبْرَاهِيمَ حدَّثنا قُرَّةُ
عنُ مُحَمَّدٍ عنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِي الله تَعَالَى
عنهُ عنِ النَّبِيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ لَوْ
آمَنَ بِي عَشَرَةٌ مِنَ اليَهُودِ لآمَنَ بِيَ اليَهُودُ.
مطابقته للتَّرْجَمَة تَأتي بتعسف، وَهُوَ أَن يُقَال: لَو
أَتَى إِلَيْهِ عشرَة من الْيَهُود حِين قدم الْمَدِينَة
لآمن الْيَهُود، بَيَان صِحَة هَذِه الْمُلَازمَة أَن
يُقَال: إِن: لَو، للمضي فَمَعْنَاه: لَو آمن فِي
الزَّمَان الْمَاضِي قبل قدوم النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم، الْمَدِينَة أَو عقب قدومه مثلا عشرَة لتابعهم
الْكل، لَكِن لم يُؤمنُوا حِينَئِذٍ فَلم يتابعهم الْكل،
قيل: قَالَ كَعْب: الْعشْرَة هم الَّذين سماهم الله فِي
سُورَة الْمَائِدَة فعلى هَذَا، فَالْمُرَاد من الْعشْرَة
فِي الحَدِيث نَاس معينون مِنْهُم وإلاَّ فقد آمن بِهِ
أَكثر من عشرَة، قَالَ كَعْب: لم يسلم من الَّذين سماهم
فِي الْمَائِدَة إلاَّ عبد الله بن سَلام وَعبد الله بن
صوريا، (فَإِن قلت) : ذكر الْبَيْهَقِيّ فِي (دلائله) :
أَن حبرًا من أَحْبَار الْيَهُود سمع رَسُول الله، صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم، يقْرَأ سُورَة يُوسُف، فجَاء مَعَه
بِنَفر من الْيَهُود فأسلموا كلهم. قلت: قد يكون النَّفر
غير أَحْبَار وهم أَتبَاع غير مُعينين مِنْهُم، وَالْمرَاد
بِالْعشرَةِ الْأَعْيَان مِنْهُم.
والْحَدِيث الْمَذْكُور أخرجه مُسلم أَيْضا فِي التَّوْبَة
عَن يحيى
(17/70)
ابْن حبيب عَن قُرَّة، بِضَم الْقَاف
وَتَشْديد الرَّاء: ابْن خَالِد السدُوسِي عَن مُحَمَّد بن
سِيرِين.
3942 - حدَّثني أحْمَدُ أوْ مُحَمَّدُ بنُ عُبَيْدِ الله
الغُدَانِيُّ حدَّثنا حَمَّادُ بنُ أُسَامَةَ أخبرَنا أبُو
عُمَيْسٍ عنْ قَيْسِ بنِ مُسْلِمٍ عنْ طارِقِ بنِ شِهَابٍ
عنْ أبِي مُوسَى رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ قَالَ دَخَلَ
النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم المَدِينَةَ وإذَا
أُنَاسٌ مِنَ اليَهُودِ يُعَظِّمُونَ عاشُورَاءَ
ويَصُومُونَهُ فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
نَحْنُ أحَقُّ بِصَوْمِهِ فأمَرَ بِصَوْمِهِ. (انْظُر
الحَدِيث 2005) .
مطابقته للتَّرْجَمَة تَأتي بالتعسف مثل مُطَابقَة
الحَدِيث السَّابِق، وَذَلِكَ أَن فِي حَدِيث ابْن عَبَّاس
الَّذِي مضى فِي كتاب الصَّوْم، قَالَ: قدم النَّبِي صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم، الْمَدِينَة ... الحَدِيث. وَفِيه:
(فَأَنا أَحَق بمُوسَى مِنْكُم) ، فَدلَّ على أَن
الْيَهُود أَتَوا النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم،
وَقَالُوا: هَذَا يَوْم نجا الله بني إِسْرَائِيل من
عدوهم، فصامه مُوسَى، فَقَالَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم:
(أَنا أَحَق بمُوسَى مِنْكُم) ، فصامه. وَحَدِيث أبي
مُوسَى وَحَدِيث ابْن عَبَّاس كِلَاهُمَا من أصل وَاحِد،
فَبِهَذَا الْوَجْه تحصل الْمُطَابقَة فَافْهَم.
قَوْله: (أَحْمد أَو مُحَمَّد بن عبيد الله) بِالشَّكِّ
مِنْهُ هُنَا، وَقد ذكره فِي التَّارِيخ فِيمَن اسْمه:
أَحْمد وَعبيد تَصْغِير العَبْد وَفِي رِوَايَة
السَّرخسِيّ وَالْمُسْتَمْلِي: عبد الله بِالتَّكْبِيرِ،
وَالْأول أصح، وَاسم جده: سُهَيْل الغداني، بِضَم الْغَيْن
الْمُعْجَمَة وَتَخْفِيف الدَّال الْمُهْملَة، وَأَبُو
عُمَيْس، بِضَم الْعين الْمُهْملَة وَفتح الْمِيم وَسُكُون
الْيَاء آخر الْحُرُوف وَفِي آخِره سين مُهْملَة: واسْمه
عتبَة، بِضَم الْعين الْمُهْملَة وَسُكُون التَّاء
الْمُثَنَّاة من فَوق: ابْن عبد الله بن عتبَة بن عبد الله
بن مَسْعُود الْهُذلِيّ الْكُوفِي. قَوْله: (دخل النَّبِي
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم) ، وَفِي رِوَايَة الْكشميهني:
قدم. وَقد مر الْكَلَام فِيهِ فِي كتاب الصَّوْم.
3943 - حدَّثنا زِيادُ بنُ أيُّوبَ حدَّثنا هُشَيْمٌ
حدَّثنا أبُو بِشْرٍ عنْ سَعِيدِ بنِ جُبَيْرٍ عنِ ابنِ
عَبَّاسٍ رَضِي الله تَعَالَى عنهُما قَالَ لَمَّا قَدِمَ
النَّبِيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم المَدِينَةَ وجَدَ
اليَهُودَ يَصُومُونَ عاشُورَاءَ فَسُئِلُوا عنْ ذَلِكَ
فقالُوا هَذَا هُوَ اليَوْمُ الَّذِي أظْفَرَ الله فيهِ
مُوسَى وبَنِي إسْرَائِيلَ علَى فِرْعَوْنَ ونَحْنُ
نَصُوُمُهُ تَعْظِيماً لَهُ فَقالَ رَسُولُ الله صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم نَحْنُ أوْلَى بِمُوسَى مِنْكُمْ ثُمَّ
أمَرَ بِصَوْمِهِ. .
مطابقته للتَّرْجَمَة تُؤْخَذ من قَوْله: (نَحن أولى
بمُوسَى مِنْكُم) كَمَا حققناه فِي تَرْجَمَة الحَدِيث
السَّابِق، وَزِيَاد، بِكَسْر الزَّاي وَتَخْفِيف الْيَاء
آخر الْحُرُوف: ابْن أَيُّوب أَبُو هَاشم الطوسي، كَانَ
يُقَال لَهُ: دلوية، بِفَتْح الدَّال الْمُهْملَة وَضم
اللَّام وَتَخْفِيف الْيَاء آخر الْحُرُوف، كَانَ الإِمَام
أَحْمد يَقُول: إِنَّه شُعْبَة الصَّغِير، سكن بَغْدَاد
وَمَات سنة اثْنَتَيْنِ وَخمسين وَمِائَتَيْنِ وَهُوَ من
أَفْرَاده، وهشيم مصغر هشم ابْن بشير السّلمِيّ
الوَاسِطِيّ، وَأَبُو بشر، بِكَسْر الْبَاء الْمُوَحدَة:
اسْمه جَعْفَر بن أبي وحشية، واسْمه إِيَاس الْبَصْرِيّ
وَيُقَال: الوَاسِطِيّ. والْحَدِيث مضى فِي كتاب الصَّوْم
فِي: بَاب صِيَام عَاشُورَاء.
3944 - حدَّثنا عَبْدَانُ حدَّثنا عَبْدُ الله عنْ يُونُسَ
عنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ أخبرنِي عُبَيْدُ الله بنُ عَبْدِ
الله بنِ عُتْبَةَ عنْ عَبْدِ الله بنِ عَبَّاسٍ رَضِي
الله تَعَالَى عنهُما أنَّ النَّبِيَّ صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم كانَ يَسْدِلُ شَعْرَهُ وكانَ الْمُشْرِكُونَ
يَفْرُقُونَ رُؤُوسَهُمْ وكانَ أهْلُ الكِتابِ يَسْدِلُونَ
رؤُوسَهُم وكانَ النَّبِيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
يُحِبُّ مُوَافَقَةَ أهْلِ الكِتَابِ فِيما لَمْ يُؤمَرَ
فِيهِ بِشَيْءٍ ثُمَّ فَرَّقَ النَّبِيُّ صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم رأسَهُ. (انْظُر الحَدِيث 3558 وطرفه) .
لَا وَجه لذكر هَذَا الحَدِيث فِي هَذَا الْبَاب إلاَّ أَن
يُقَال: وَقع اسْتِطْرَادًا لما وَقع فِي الحَدِيث
السَّابِق. وعبدان لقب عبد الله ابْن عُثْمَان، وَقد مر
غير مرّة، وَعبد الله هُوَ ابْن الْمُبَارك.
والْحَدِيث مر فِي: بَاب صفة النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم، فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ عَن يحيى بن بكير عَن
اللَّيْث عَن يُونُس عَن الزُّهْرِيّ ... إِلَى آخِره.
قَوْله: (يسدل) أَي: يُرْخِي، من سدل الثَّوْب
(17/71)
إِذا أرخاه، وَهُوَ من بَاب نصر ينصر،
وَجَاء أَيْضا من بَاب ضرب يضْرب، وَالْفرق فرق الشّعْر
بعضه من بعض.
3945 - حدَّثني زِيادُ بنُ أيُّوبَ حدَّثنا هُشَيْمٌ
أخْبرَنا أبُو بِشْرٍ عنْ سَعِيدِ بنِ جُبَيْرٍ عنِ ابنِ
عَبَّاسٍ رَضِي الله تَعَالَى عنهُما قَالَ هُمْ أهْلُ
الكِتَابِ جَزَّؤُهُ أجْزَاءًا فآمَنُوا بِبَعْضِهِ
وكَفَرُوا بِبَعْضِهِ.
لما كَانَ: أهل الْكتاب، مَذْكُورا فِي الحَدِيث السَّابِق
فِي حَدِيث ابْن عَبَّاس، قَالَ ابْن عَبَّاس: هم أهل
الْكتاب الَّذين جزؤه، أَي: جزؤا الْقُرْآن أَجزَاء فآمنوا
بِبَعْضِه، وَكَفرُوا بِبَعْضِه، ذكر هَذَا فِي تَفْسِير
قَوْله تَعَالَى: {الَّذين جعلُوا الْقُرْآن عضين}
(الْحجر: 91) . أَي: أَجزَاء، وَهُوَ جمع عضة، وَأَصلهَا:
عضوة على وزن فعلة من عضا الشَّاة إِذا جزأها أَعْضَاء،
وَفِي رِوَايَة الْكشميهني بعد قَوْله: (وَكَفرُوا
بِبَعْضِه) يَعْنِي: فِي قَوْله تَعَالَى: {الَّذين جعلُوا
الْقُرْآن عضين} (الْحجر: 91) .
53 - (بابُ إسْلاَمِ سَلْمَانَ الْفَارِسيِّ رَضِي الله
تَعَالَى عَنهُ)
أَي: هَذَا بَاب فِي ذكر شَيْء فِيهِ دلَالَة على إِسْلَام
سلمَان الْفَارِسِي، وَقد مضى فِي كتاب الْبيُوع فِي: بَاب
الشِّرَاء من الْمُشْركين كَيْفيَّة إِسْلَام سلمَان
ومكاتبته وقصته مَشْهُورَة وولاه عمر، رَضِي الله تَعَالَى
عَنهُ، الْعرَاق وَكَانَ يعْمل فِي الخوص بِيَدِهِ فيأكل
مِنْهُ، عَاشَ مِائَتَيْنِ وَخمسين سنة بِلَا خلاف. وَقيل
ثَلَاثمِائَة وَخمسين، وَقيل إِنَّه أدْرك وَحي عِيسَى بن
مَرْيَم، عَلَيْهِمَا السَّلَام، وَمَات بالمداين سنة سِتّ
وَثَلَاثِينَ.
3946 - حدَّثني الحَسَنُ بنُ عُمَرَ بنِ شَقِيق حدَّثنا
مُعْتَمِرٌ قَالَ أبي ح وحدَّثنا أبُو عُثْمَانَ عنْ
سَلْمَانَ الْفَارِسِيِّ أنَّهُ تَدَاوَلَهُ بِضْعَةَ
عَشَرَ مِنْ رَبٍّ إِلَى رَبٍّ.
لَيْسَ فِيهِ شَيْء يدل على التَّرْجَمَة إلاَّ أَن
يُقَال: إِن تداوله هَذَا الْعدَد من وَاحِد إِلَى وَاحِد
إِنَّمَا كَانَ لطلب الْإِسْلَام، فَبِهَذَا المقدرا تحصل
الْمُطَابقَة. ومعتمر بن سُلَيْمَان التَّيْمِيّ. قَوْله:
(وَحدثنَا) ، بِالْوَاو إشعاراً بِأَنَّهُ حَدثهُ غير
ذَلِك أَيْضا، وَأَبُو عُثْمَان هُوَ عبد الرَّحْمَن بن مل
بِضَم الْمِيم وَكسرهَا النَّهْدِيّ، بِفَتْح النُّون
التَّابِعِيّ. قَوْله: (إِنَّه تداوله) ، أَي: تداولته
الْأَيْدِي أَي: أَخَذته هَذِه مرّة وَهَذِه مرّة، والرب
السَّيِّد وَالْمَالِك، وَأَرَادَ بِهِ سلمَان الْمَالِك.
3947 - حدَّثنا مُحَمَّدُ بنُ يُوسُفَ حدَّثنا سُفْيَانُ
عنْ عَوْفٍ عنْ أبِي عُثْمَانَ قَالَ سَمِعْتُ سَلْمَانَ
رَضِي الله تَعَالَى عنهُ يَقُولُ أنَا مِنْ رَامَ
هُرْمُزَ.
سُفْيَان هُوَ ابْن عُيَيْنَة، وعَوْف هُوَ الْأَعرَابِي.
قَوْله: (من رام هُرْمُز) ، بالراء وَضم الْمِيم وبالميم
وبالزاي، وَقيل: إِنَّه بِفَتْح الْمِيم الأولى، وَهِي
بَلْدَة بخوزستان، بِضَم الْخَاء الْمُعْجَمَة وبالزاي من
بِلَاد فَارس قريب عراق الْعَرَب، وروى ابْن عَبَّاس عَن
سلمَان: أَنه قَالَ: كنت من أَصْبَهَان من قَرْيَة جي،
بِفَتْح الْجِيم وَتَشْديد الْيَاء، وَكَانَ أبي دهقاناً.
3948 - حدَّثني الحَسَنُ بنُ مُدْرِكٍ حدَّثنَا يَحْيَى
بنُ حَمَّادٍ أخْبَرَنَا أبُو عَوَانَةَ عنْ عَاصِمٍ
الأحْوَلِ عنْ أبِي عُثْمَانَ عنْ سَلْمَانَ قَالَ
فَتْرَةٌ بَيْنَ عِيسَى ومُحَمَّدٍ صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم سِتُّمَائَةِ سَنَةٍ.
هَذَا لَا تعلق لَهُ بالترجمة، وَكَذَلِكَ الَّذِي قبله،
وَإِنَّمَا ذكرهمَا اتِّفَاقًا لِكَوْنِهِمَا يتعلقان
بِهِ، وَقَالَ الْكرْمَانِي: تعلق هَذِه الْأَحَادِيث
بِإِسْلَامِهِ يَعْنِي: أَنه أسلم بعد تداول بضعَة عشر
رَبًّا وَبعد هجرته عَن وَطنه وَبعد عيشه مُدَّة طَوِيلَة،
وَالْحسن بن مدرك بِلَفْظ اسْم الْفَاعِل من الْإِدْرَاك
مر فِي آخر الْحيض، وَأَبُو عوَانَة الوضاح الْيَشْكُرِي،
وَقد مر غير مرّة، وَالْمرَاد بالفطرة الْمدَّة الَّتِي
لَا يبْعَث فِيهَا رَسُول من الله تَعَالَى، وَلَا يمْتَنع
أَن يكون فِيهَا نَبِي يَدْعُو إِلَى شَرِيعَة الرَّسُول
الْأَخير. قلت: من الْأَنْبِيَاء فِي الفترة: حَنْظَلَة بن
صَفْوَان نَبِي أَصْحَاب الرس، قَالَ ابْن عَبَّاس: كَانَ
من ولد إِسْمَاعِيل، عَلَيْهِ السَّلَام، وَكَانَ فِي
فَتْرَة، وَمِنْهُم: خَالِد بن سِنَان الْعَبْسِي، وروى
الطَّبَرَانِيّ بِإِسْنَادِهِ عَن ابْن عَبَّاس، قَالَ:
جَاءَت بنت خَالِد بن سِنَان إِلَى النَّبِي صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم، فَبسط لَهَا
(17/72)
ثَوْبه، وَقَالَ: بنت نَبِي ضيعه قومه، وَعَن عَطاء عَن
ابْن عَبَّاس: لما ظهر رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم، بِمَكَّة وفدت عَلَيْهِ ابْنة خَالِد بن سِنَان
وَهِي عَجُوز كَبِيرَة فَرَحَّبَ بهَا، وَقَالَ: مرْحَبًا
بابنة أخي، كَانَ أَبوهَا نَبيا، وَإِنَّمَا ضيعه قومه،
وَمِنْهُم: شُعَيْب بن ذِي مهزم، غير شُعَيْب بن ضيفون،
ذكر السُّهيْلي أَنه نَبِي من الْعَرَب فِي زمن معد بن
عدنان، وَقَالَ ابْن كثير: وَالظَّاهِر أَن هَؤُلَاءِ
كَانُوا قوما صالحين يدعونَ إِلَى الْخَيْر، فقد ثَبت فِي
الصَّحِيح عَن رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، أَنه
قَالَ: (أَنا أولى النَّاس بِعِيسَى ابْن مَرْيَم،
عَلَيْهِمَا السَّلَام، لِأَنَّهُ لَيْسَ بيني وَبَينه
نَبِي) . قيل: يحْتَمل أَن يكون مُرَاده: نَبِي مُرْسل،
وَلَا يمْتَنع أَن يكون نَبِي غير مُرْسل يَدْعُو النَّاس
إِلَى شَرِيعَة الرَّسُول الْأَخير، كَمَا ذَكرْنَاهُ،
وَالْحَمْد لله على التَّمام، وعَلى النَّبِي الصَّلَاة
وَالسَّلَام. |