عمدة القاري شرح صحيح البخاري

59 - (بابُ بَعْثِ النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم خالِدَ بنَ الوَلِيدِ إِلَى بَنِي جَذِيمَةَ)

أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان بعث النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم خَالِد بن الْوَلِيد إِلَى بني جذيمة، بِفَتْح الْجِيم وَكسر الذَّال الْمُعْجَمَة بعْدهَا يَاء آخر الْحُرُوف سَاكِنة. وَهِي قَبيلَة من عبد قيس، قَالَه الْكرْمَانِي، وَلَيْسَ كَذَلِك، لِأَنَّهُ ظن أَنهم من بني جذيمة بن عَوْف بن بكر بن عَوْف قَبيلَة من عبد الْقَيْس، وَإِنَّمَا هُوَ جذيمة بن عَامر بن عبد مَنَاة بن كنَانَة، وَهَذَا الْبَعْث كَانَ عقيب فتح مَكَّة فِي شَوَّال قبل الْخُرُوج إِلَى حنين عِنْد جَمِيع أهل الْمَغَازِي، وَكَانُوا بِأَسْفَل مَكَّة من نَاحيَة يَلَمْلَم، وَقَالَ ابْن سعد: بعث النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَيْهِم خَالِد ابْن الْوَلِيد فِي ثَلَاثمِائَة وَخمسين من الْمُهَاجِرين وَالْأَنْصَار دَاعيا إِلَى الْإِسْلَام لَا مُقَاتِلًا.

(17/313)


60 - (بابُ سَرِيّةِ عَبْدِ الله بنِ حُذَافَةَ السَّهْمِيِّ وعَلْقَمَةَ بنِ مُجَزِّرٍ المُدْلِجِيِّ ويُقالُ إنَّها سَرِيةُ الأنْصاري)

أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان سَرِيَّة عبد الله إِلَى آخِره، وَلَيْسَ فِي كثير من النّسخ لفظ: بَاب، وَقد مر تَفْسِير السّريَّة عَن قريب. وَعبد الله بن حذافة، بِضَم الْحَاء الْمُهْملَة وَتَخْفِيف الذَّال الْمُعْجَمَة وبالفاء: ابْن قيس بن عدي بن سعد بن سهم الْقرشِي السَّهْمِي، أسلم قَدِيما وَكَانَ من الْمُهَاجِرين الْأَوَّلين إِلَى أَرض الْحَبَشَة الْهِجْرَة الثَّانِيَة، وَيُقَال: إِنَّه شهد بَدْرًا وَلم يذكرهُ ابْن إِسْحَاق فِي الْبَدْرِيِّينَ، وَكَانَت فِيهِ دعابة، وَكَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، بَعثه إِلَى كسْرَى. وَقَالَ خَليفَة بن خياط: وَفِي سنة تسع عشرَة أسرت الرّوم عبد الله بن حذافة السَّهْمِي. وَقَالَ ابْن لَهِيعَة: توفّي عبد الله بن حذافة السَّهْمِي بِمصْر وَدفن بمقبرتها، وعلقمة بن مجزر، بِضَم الْمِيم وَفتح الْجِيم وَكسر الزَّاي الأولى الثَّقِيلَة، وَحكى فتحهَا، وَالْأول أشهر، وَقَالَ عِيَاض: وَقع لأكْثر الروَاة بِسُكُون الْحَاء الْمُهْملَة وَكسر الرَّاء، وَقَالَ بَعضهم: وَأغْرب الْكرْمَانِي فضبطه بِالْحَاء الْمُهْملَة وَتَشْديد الرَّاء فتحا وكسراً وَهُوَ خطأ ظَاهر، انْتهى. قلت: هَذَا تشنيع ظَاهر عَلَيْهِ من غير وَجه لِأَنَّهُ لم يضْبط إلاَّ بقوله: بِضَم الْمِيم وَفتح الْجِيم وَفتح الزَّاي الْمُشَدّدَة وَكسرهَا، وبزاي أُخْرَى، ثمَّ قَالَ: وَقَالَ بَعضهم: هُوَ بِالْحَاء الْمُهْملَة وبالراء الْمُشَدّدَة فتحا وكسراً، ثمَّ بالزاي الْمُعْجَمَة، وَنسبَة الْخَطَأ إِلَيْهِ خطأ، لِأَنَّهُ حكى ذَلِك عَن بَعضهم وَلَيْسَ عَلَيْهِ فِي ذَلِك مُؤَاخذَة. وَقَالَ الذَّهَبِيّ: عَلْقَمَة بن مجزز الْأَعْوَر بن جعدة الْكِنَانِي المدلجي، اسْتَعْملهُ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم على سَرِيَّة، وَبَعثه عمر رَضِي الله عَنهُ، على جَيش إِلَى الْحَبَشَة فهلكوا كلهم، وَذكر أَبَاهُ مجززاً فِي الصَّحَابَة. وَقَالَ الْقَائِف: روى عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَوْله: (المدلجي) ، بِضَم الْمِيم وَسُكُون الدَّال الْمُهْملَة وَكسر اللَّام وبالجيم، قَالَ الرشاطي: المدلجي فِي كنَانَة ينْسب إِلَى مُدْلِج بن مرّة بن عبد مَنَاة، مِنْهُم من أَصْحَاب النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: مجزز المدلجي الْقَائِف الْمَذْكُور فِي حَدِيث عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا، وَهُوَ مجزز بن الْأَعْوَر بن جعدة بن معَاذ بن عتوادة بن عَمْرو بن مُدْلِج، نسبه إِلَى ابْن الْكَلْبِيّ. قَوْله: (يُقَال: إِنَّهَا) أَي: إِن هَذِه السّريَّة (سَرِيَّة الْأنْصَارِيّ) وَأَرَادَ بهَا عبد الله بن حذافة السَّهْمِي الْقرشِي الْمُهَاجِرِي، وَقَالَ ابْن الْجَوْزِيّ: قَوْله: (الْأنْصَارِيّ) وهمٌ من بعض الروَاة، وَإِنَّمَا هُوَ سهمي، يحْتَمل الْحمل على الْمَعْنى الْأَعَمّ، أَي: أَنه نصر رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فِي الْجُمْلَة قلت: فِيهِ نظر، لِأَن هَذَا الِاحْتِمَال يجْرِي فِي جَمِيع الصَّحَابَة، وَالْأَنْصَار خلاف الْمُهَاجِرين، وَلَيْسَ المُرَاد مِنْهُ الْمَعْنى اللّغَوِيّ.

340 - (حَدثنَا مُسَدّد حَدثنَا عبد الْوَاحِد حَدثنَا الْأَعْمَش قَالَ حَدثنِي سعد بن عُبَيْدَة عَن أبي عبد الرَّحْمَن عَن عَليّ رَضِي الله عَنهُ قَالَ بعث النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - سَرِيَّة فَاسْتعْمل عَلَيْهَا رجلا من الْأَنْصَار وَأمرهمْ أَن يطيعوه فَغَضب فَقَالَ أَلَيْسَ أَمركُم النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَن تطيعوني قَالُوا بلَى قَالَ فاجمعوا لي حطبا فَجمعُوا فَقَالَ أوقدوا نَارا فأوقدوها فَقَالَ ادخلوها فَهموا وَجعل بَعضهم يمسك بَعْضًا وَيَقُولُونَ فَرَرْنَا إِلَى النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - من النَّار فَمَا زَالُوا حَتَّى خمدت النَّار فسكن غَضَبه فَبلغ النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فَقَالَ لَو دخلوها مَا خَرجُوا مِنْهَا إِلَى يَوْم الْقِيَامَة الطَّاعَة فِي الْمَعْرُوف) مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله " فَاسْتعْمل رجلا من الْأَنْصَار " فَإِنَّهُ عبد الله بن حذافة وَقد مر الْكَلَام فِي قَوْله " الْأنْصَارِيّ " عبد الْوَاحِد هُوَ ابْن زِيَاد وَالْأَعْمَش سُلَيْمَان وَسعد بن عُبَيْدَة بِالتَّصْغِيرِ أَبُو حَمْزَة الْكُوفِي ختن أبي عبد الرَّحْمَن وَاسم أبي عبد الرَّحْمَن عبد الله بن حبيب السّلمِيّ وَعلي بن أبي طَالب رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ والْحَدِيث أخرجه البُخَارِيّ أَيْضا فِي الْأَحْكَام عَن عمر بن حَفْص وَفِي خبر الْوَاحِد عَن بنْدَار عَن غنْدر وَأخرجه مُسلم فِي الْمَغَازِي عَن أبي مُوسَى وَبُنْدَار وَغَيرهمَا وَأخرجه أَبُو دَاوُد فِي الْجِهَاد عَن عَمْرو بن مَسْرُوق وَأخرجه النَّسَائِيّ فِي الْبيعَة وَالسير عَن ابْن الْمثنى وَغَيره قَوْله " فَغَضب "

(17/314)


وَفِي رِوَايَة الْأَعْمَش فِي الْأَحْكَام فَغَضب عَلَيْهِم وَفِي رِوَايَة مُسلم فأغضبوه فِي شَيْء قَوْله " فَهموا " فسره الْكرْمَانِي بقوله وحزنوا وَلَيْسَ كَذَلِك بل الْمَعْنى قصدُوا الدُّخُول وَالدَّلِيل عَلَيْهِ رِوَايَة حَفْص فَلَمَّا هموا بِالدُّخُولِ فِيهَا فَقَامُوا ينظر بَعضهم إِلَى بعض وَفِي رِوَايَة ابْن جرير من طَرِيق أبي مُعَاوِيَة عَن الْأَعْمَش فَقَالَ لَهُم شَاب مِنْهُم لَا تعجلوا بِدُخُولِهَا وَفِي حَدِيث أبي سعيد أَنهم تحجزوا حَتَّى ظن أَنهم واثبون فِيهَا فَقَالَ احْبِسُوا أَنفسكُم فَإِنَّمَا كنت أضْحك مَعكُمْ قَوْله " حَتَّى خمدت النَّار " بِفَتْح الْمِيم يَعْنِي انطفى لهيبها وَحكى المطرزي كسر الْمِيم قَوْله " فَبلغ النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - " وَفِي رِوَايَة حَفْص فَذكر ذَلِك للنَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَفِي رِوَايَة مُسلم فَلَمَّا رجعُوا ذكرُوا ذَلِك للنَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَوْله " لَو دخلوها مَا خَرجُوا مِنْهَا " وَفِي رِوَايَة حَفْص مَا خَرجُوا مِنْهَا أبدا يَعْنِي أَن الدُّخُول فِيهَا مَعْصِيّة والعاصي يسْتَحق النَّار وَالْمرَاد بقوله إِلَى يَوْم الْقِيَامَة التَّأْبِيد يَعْنِي لَو دخلوها مستحلين لَهُ لما خَرجُوا مِنْهَا أبدا قَوْله " الطَّاعَة فِي الْمَعْرُوف " يَعْنِي الطَّاعَة للمخلوق فِي أَمر عرف بِالشَّرْعِ وَفِي كتاب خبر الْوَاحِد لَا طَاعَة فِي مَعْصِيّة وَفِي حَدِيث أبي سعيد من أَمركُم مِنْهُم بِمَعْصِيَة فَلَا تطيعوه وَفِيه أَن الْأَمر الْمُطلق يخص بِمَا كَانَ مِنْهُ فِي غير مَعْصِيّة فَافْهَم وَالله تَعَالَى أعلم -

(17/315)


62 - (بَعْثُ أبي مُوسى ومُعاذِ بنِ جَبَلٍ إِلَى اليَمَنِ قَبْلَ حَجَّةِ الودَاع)

أَي: هَذَا بَيَان بعث النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، أَبَا مُوسَى الْأَشْعَرِيّ ومعاذ بن جبل الخ، وَفِي بعض النّسخ: بَاب بعث أبي مُوسَى ... الخ، والبعث: الْإِرْسَال مصدر مُضَاف إِلَى مَفْعُوله، وطوى ذكر الْفَاعِل كَمَا قَرَّرْنَاهُ، وَقيل: أَرَادَ بقوله: قبل حجَّة الْوَدَاع، الْإِشَارَة إِلَى مَا وَقع فِي بعض أَحَادِيث الْبَاب: أَن أَبَا مُوسَى رَجَعَ من الْيمن فلقي النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، بِمَكَّة فِي حجَّة الْوَدَاع، والقَبْلية أَمر نسبي.

4342 - ح دّثنا مُوساى حدَّثنا أبُو عَوَانَةَ حدَّثنا عبْدُ المَلِكِ عَن أبي بُرْدَةَ قَالَ بَعَثَ رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَبَا مُوسى ومُعاذَ بنَ جَبَلٍ إِلَى اليَمَنِ قَالَ وبَعَثَ كلَّ واحدٍ مِنْهُما عَلَى مِخلاَفٍ قَالَ واليَمَنُ مخْلافَانِ ثُمَّ قَالَ يَسِّرَا وَلَا تُعَسِّرَا وبَشِّرَا وَلَا تُنَفِّرَا فانْطَلَقَ كلُّ واحِدٍ مِنْهُما إِلَى عَمَلِه قَالَ وكانَ كلُّ واحدٍ مِنْهُما إِذا سارَ فِي أرْضِهِ كانَ قَرِيباً منْ صاحِبِهِ أحْدَثَ بهِ عَهْداً فَسَلَّمَ عَلَيْهِ فَسارَ مُعاذٌ فِي أرْضِهِ قرِيباً منْ صاحبِهِ أبي مُوسى فَجاءَ يَسِيرُ عَلَى بغْلتِهِ حتَّى انْتَهَى إليْهِ وإذَا هُوَ جالِسٌ وقَدِ اجْتَمَعَ إليْهِ النَّاسُ وَإِذا رجُلٌ عنْدَهُ قَدْ جُمعَتْ يَدَاهُ إِلَى عُنُقِهِ فَقَالَ لهُ مُعاذٌ يَا عَبْدَ الله بنَ قَيْسٍ أيُّمَ هاذا قَالَ هذَا رجُلٌ كفَرَ بَعْدَ إسْلامِهِ قَالَ لَا أنْزلُ حتَّى يُقْتَلَ قَالَ إنَّما جِىء بهِ لذالِكَ فانْزِلْ قَالَ مَا أنْزِلُ حَتَّى يُقْتَلَ فأمَرَ بِهِ فقُتِلَ ثُمَّ نَزَلَ فَقَالَ يَا عبْدَ الله كيْفَ تَقْرَأُ القُرْآنَ قَالَ أتَفَوَّقُهُ تَفوُّقاً قَالَ فكَيْفَ تَقْرَأُ أنْت يَا مُعاذُ قَالَ أنامُ أوَّلَ اللَّيْلِ فأقُومُ وقَدْ قَضَيْتُ جُزْئِي منَ النَّوْمِ فأقْرَأُ مَا كَتَبَ الله لِي فأحْتَسِبُ نَوْمَتِي كمَا أحْتَسِبُ قَوْمَتي. (الحَدِيث 4342 طرفه فِي: 4345) .

مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. ومُوسَى هُوَ ابْن إِسْمَاعِيل الَّذِي يُقَال لَهُ: التَّبُوذَكِي، وَأَبُو عوَانَة، بِالْفَتْح: الوضاح الْيَشْكُرِي، وَعبد الْملك بن عُمَيْر، وَأَبُو بردة، بِضَم الْبَاء الْمُوَحدَة: واسْمه عَامر بن أبي مُوسَى عبد الله بن قيس، وَهَذَا مُرْسل، وَسَيَأْتِي من طَرِيق سعيد بن أبي بردة عَن أَبِيه عَن أبي مُوسَى مُتَّصِلا.
قَوْله: (مخلاف) ، بِكَسْر الْمِيم وَسُكُون الْخَاء الْمُعْجَمَة: وَهُوَ لليمن كالريف للعراق، أَي: الرستاق، والمخاليف الرساتيق، أَي: الكور قَوْله: (واليم مخلافان) ، أَي: أَرض الْيمن كورتان، وَكَانَت لِمعَاذ الْجِهَة الْعليا إِلَى صوب عدن وَكَانَ من عمله الْجند، بِفَتْح الْجِيم وَالنُّون، وَله بهَا مَسْجِد مَشْهُور إِلَى الْيَوْم، وَكَانَت جِهَة أبي مُوسَى السفلي.

(18/2)


قَوْله: (إِلَى عمله) ، أَي مَوضِع عمله. قَوْله: (إِذا سَار فِي أرضه كَانَ قَرِيبا من صَاحبه أحدث بِهِ عهدا) كَذَا وَقع فِي رِوَايَة الْأَكْثَرين: إِذا سَار فِي أرضه كَانَ قَرِيبا من صَاحبه أحدث بِهِ أَي: جدد الْعَهْد بزيارته، وَوَقع فِي رِوَايَة سعيد بن أبي بردة الَّتِي تَأتي فِي الْبَاب: فَجعلَا يتزاوران فزار معَاذ أَبَا مُوسَى، وَزَاد فِي رِوَايَة حميد بن هِلَال: (فَلَمَّا قدم عَلَيْهِ ألْقى لَهُ وسَادَة قَالَ: إنزل) قَوْله: (يسير) ، حَال من الضَّمِير الَّذِي فِي: فجَاء قَوْله: (وَإِذا هُوَ جَالس) كَلمه: إِذا، للمفاجأة، وَكَذَا: وَإِذا، الثَّانِي. قَوْله: (وَإِذا رجل) ، لم يدر مَا اسْمه، لَكِن وَقع فِي رِوَايَة سعيد بن أبي بردة أَنه يَهُودِيّ قَوْله: (قد جمعت يَدَاهُ إِلَى عُنُقه) ، جملَة وَقعت صفة لرجل قَوْله: (أيم) ، بِفَتْح الْهمزَة وَضم الْيَاء الْمُشَدّدَة وَفتح الْمِيم، واصله: أَي، الَّتِي للاستفهام فزيدت عَلَيْهَا، كلمة: مَا فَقيل: أَيّمَا، وَقد تسْقط الْألف فَيصير: أيم، وَقد تخفف الْيَاء فَيُقَال: أيم، بِفَتْح الْهمزَة وَسُكُون الْيَاء وَفتح الْمِيم، وَذَلِكَ كَمَا يُقَال: ايش أَصله: أَي شَيْء. قَوْله: (إِنَّمَا جِيءَ بِهِ لذَلِك) ، أَي: إِنَّمَا جِيءَ بِالرجلِ الْمَذْكُور للْقَتْل. قَوْله: (فَقَالَ: يَا عبد الله) ، أَي: فَقَالَ معَاذ بن جبل لأبي مُوسَى: يَا عبد الله، وهواسمه كَمَا غير مرّة قَوْله: (أتفوقه) بِالْفَاءِ وَالْقَاف أَي: ألازم قِرَاءَته لَيْلًا وَنَهَارًا شَيْئا بعد شَيْء، يَعْنِي: لَا أَقرَأ وردي دفْعَة وَاحِدَة بل هُوَ كَمَا يحلب اللَّبن سَاعَة بعد سَاعَة، واصله مَأْخُوذ من فوَاق النَّاقة وَهُوَ أَن تحلب ثمَّ تتْرك سَاعَة حَتَّى تدر، ثمَّ تحلب هَكَذَا دَائِما قَوْله: (جزئي) ، بِضَم الْجِيم وَسُكُون الزَّاي، وَكَانَ قد جزأ اللَّيْل أَجزَاء: جُزْء للنوم، وجزءً للْقِرَاءَة، وجزءاً للْقِيَام. قَوْله: (فاحتسب) من الاحتساب من بَاب الافتعال، أَي: اطلب الثَّوَاب فِي نومتي، بِفَتْح النُّون وَسُكُون الْوَاو وَفتح الْمِيم: (كَمَا أحتسب قومتي) بِفَتْح الْقَاف، وَطلب الثَّوَاب فِي القومة ظَاهر وَأما فِي النومة بالنُّون، فَلِأَنَّهُ من جملَة المعينات على الطَّاعَة من الْقِرَاءَة وَنَحْوهَا.

4343 - ح دّثني إسْحاقُ حدَّثنا خالِدٌ عنِ الشَّيْبانيِّ عنْ سَعِيدِ بنِ أبي بُرْدَة عنْ أبيهِ عنْ أبي مُوسى الأشْعَرِيِّ رَضِي الله عَنهُ أَن النبيَّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بعَثَهُ إِلَى اليَمَن فَسألَهُ عنْ أشْرِبَةٍ تُصْنَعُ بهَا فَقَالَ وَمَا هيَ قَالَ البِتْعُ والمِزْرُ فقُلْتُ لأِبي بُرْدَةَ مَا البتْعُ قَالَ نَبِيذُ العَسلِ والمِزْرُ نَبِيذُ الشَّعِيرِ فَقَالَ كُلُّ مُسْكِرٍ حَرَامٌ. .

مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (بَعثه إِلَى الْيمن) وَإِسْحَاق هُوَ ابْن شاهين، قَالَه الْحَافِظ الْمزي، وَقَالَ بَعضهم: إِسْحَاق هُوَ ابْن مَنْصُور والعمدة على الأول، وخَالِد هُوَ ابْن عبد الله الطَّحَّان والشيباني هُوَ سُلَيْمَان بن فَيْرُوز.
قَوْله: (البتع) ، بِكَسْر الْبَاء الْمُوَحدَة وَسُكُون التَّاء الْمُثَنَّاة من فَوق وَفِي آخِره عين مُهْملَة. قَوْله: (والمزر) بِكَسْر الْمِيم وَسُكُون الزَّاي وَفِي آخِره رَاء. قَوْله: (كل مُسكر حرَام) ، هَذَا لَا خلاف فِيهِ.
وَقَالَ صَاحب (التَّوْضِيح) : فِيهِ: حجَّة على أبي حنيفَة فِي تجويزه مَا لَا يبلغ بشاربه السكر مِمَّا عدا الْخمر قلت: لَا حجَّة عَلَيْهِ فِيهِ، لِأَن أَبَا بردة قَالَ عقيب تَفْسِير البتع والمزر: كل مُسكر حرَام، يَعْنِي إِذا أسكر، وَلَا يُخَالف فِيهِ أحد.
روَاه جَرِيرٌ وعبْدُ الوَاحِدِ عنِ الشَّيْبانيِّ عنْ أبي بُرْدَة
أَي: روى هَذَا الحَدِيث جرير بن عبد الحميد، وَعبد الْوَاحِد بن زِيَاد عَن سُلَيْمَان الشَّيْبَانِيّ عَن أبي بردة عَامر بن أبي مُوسَى الْأَشْعَرِيّ، بِدُونِ ذكر سعيد بن أبي بردة، أما تَعْلِيق جرير فوصله الْإِسْمَاعِيلِيّ من طَرِيق عُثْمَان بن أبي شيبَة من طَرِيق يُوسُف بن مُوسَى، كِلَاهُمَا عَن جرير عَن الشَّيْبَانِيّ عَن أبي بردة عَن أبي مُوسَى، وَأما تَعْلِيق عبد الْوَاحِد فوصله ...

343 - (حَدثنَا مُسلم حَدثنَا شُعْبَة حَدثنَا سعيد بن أبي بردة عَن أَبِيه قَالَ بعث النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - جده أَبَا مُوسَى وَمعَاذًا إِلَى الْيمن فَقَالَ يسرا وَلَا تعسرا وبشرا وَلَا تنفرا وتطاوعا فَقَالَ أَبُو مُوسَى يَا نَبِي الله إِن أَرْضنَا بهَا شراب من الشّعير المزر وشراب من الْعَسَل البتع فَقَالَ كل مُسكر حرَام فَانْطَلقَا فَقَالَ معَاذ لأبي مُوسَى كَيفَ تقْرَأ الْقُرْآن قَالَ قَائِما وَقَاعِدا

(18/3)


وعَلى رَاحِلَته وأتفوقه تفوقا قَالَ أما أَنا فأنام وأقوم فأحتسب نومتي كَمَا أحتسب قومتي وَضرب فسطاطا فَجعلَا يتزاوران فزار معَاذ أَبَا مُوسَى فَإِذا رجل موثق فَقَالَ مَا هَذَا فَقَالَ أَبُو مُوسَى يَهُودِيّ أسلم ثمَّ ارْتَدَّ فَقَالَ معَاذ لَأَضرِبَن عُنُقه) مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة وَمُسلم هُوَ ابْن إِبْرَاهِيم وَهَذَا مُرْسل وَمَعْنَاهُ ظَاهر
(تَابعه العقد ووهب عَن شُعْبَة) أَي تَابع مُسلما عبد الْملك بن عَمْرو الْعَقدي ووهب بن جرير عَن شُعْبَة بن الْحجَّاج عَن سعيد بن أبي بردة وَوصل مُتَابعَة العقد البُخَارِيّ فِي الْأَحْكَام والعقدي بِفَتْح الْعين وَالْقَاف نِسْبَة إِلَى العقد قوم من قيس وهم صنف من الأزد وَوصل مُتَابعَة وهب إِسْحَق بن رَاهَوَيْه فِي مُسْنده عَنهُ
(وَقَالَ وَكِيع وَالنضْر وَأَبُو دَاوُد عَن شُعْبَة عَن سعيد عَن أَبِيه عَن جده عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -) وصل تَعْلِيق وَكِيع البُخَارِيّ فِي الْجِهَاد مُخْتَصرا وَوصل تَعْلِيق النَّضر بِفَتْح النُّون وَسُكُون الضَّاد الْمُعْجَمَة ابْن شُمَيْل البُخَارِيّ فِي الْأَدَب وَوصل تَعْلِيق أبي دَاوُد هِشَام بن عبد الْملك الطَّيَالِسِيّ فِي مُسْنده الْمَرْوِيّ من طَرِيق يُونُس بن حبيب عَنهُ وَكَذَلِكَ وَصله النَّسَائِيّ من طَرِيق أبي دَاوُد -
4346 - ح دّثني عَبَّاسُ بنُ الوَلِيدِ حدّثنا عَبْدُ الوَاحِدِ عنْ أيُّوبَ بنِ عَائِذٍ حدَّثنا قَيْسُ ابنُ مُسْلِمٍ قَالَ سَمِعْتُ طارِقَ بنَ شِهابٍ يَقُولُ حدّثني أَبُو مُوسَى الأشْعَرِيُّ رضيَ الله عَنهُ قَالَ بَعَثَنِي رسُولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَى أرْضِ قَوْمِي فَجِئْتُ ورسُولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مُنيخٌ بالأبْطَحِ فَقَالَ أحَجَجْتَ يَا عَبْدَ الله بنَ قَيْسٍ قُلْتُ نَعَمْ يَا رسُولَ الله قَالَ كَيْفَ قلْتَ قَالَ قُلْتُ لَبَّيْكَ إهْلالاً كإهْلاَلِكَ قَالَ فَهَلْ سُقْتَ مَعَكَ هَدْياً قُلْتُ لَمْ أسُقْ قَالَ فَطُفْ بالبَيْتِ واسْعَ بَيْنَ الصفَّا والمَرْوَةِ ثُمَّ حِلَّ فَفَعَلْتُ حَتَّى مَشَطَتْ لِي امْرَأةٌ مِنْ نِساءِ بَني قَيْسٍ ومَكثنْا بِذَلِكَ حتَّى اسْتُخْلِفَ عُمَرُ رَضِي الله عَنهُ. .

مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (بَعَثَنِي رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، إِلَى أَرض قومِي) فَإِن أَرض قومه الْيمن. وعباس، بِفَتْح الْعين الْمُهْملَة وَتَشْديد الْبَاء الْمُوَحدَة وبالسين الْمُهْملَة: ابْن وليد النَّرْسِي، بِفَتْح النُّون وَسُكُون الرَّاء وبالسين الْمُهْملَة قَالَ الكلاباذي: نرس لقب جدهم كَانَ اسْمه نصرا فَقَالَ لَهُ بعض النبط: نرس، عوض: نصر فبقى لقباً عَلَيْهِ فنسب وَلَده إِلَيْهِ. وَقَالَ أَبُو عَليّ الجياني: رَوَاهُ ابْن السكن وَالْأَكْثَر هَكَذَا يَعْنِي: عَبَّاس، بِالْبَاء الْمُوَحدَة وَفِي رِوَايَة أبي أَحْمد الْجِرْجَانِيّ: حَدثنَا عَبَّاس، وَلم ينْسبهُ وَقيل: عَيَّاش، بِالْيَاءِ آخر الْحُرُوف وبالشين الْمُعْجَمَة، وَكَذَا ضَبطه الدمياطي، وَقَالَ: عَيَّاش بن الْوَلِيد الرقام ورد هَذَا، وَالْأول أصح وَأشهر، وَعبد الواحدهو ابْن زِيَاد، وَأَيوب بن عايذ، بِالْيَاءِ آخر الْحُرُوف وبالذال الْمُعْجَمَة: المدلجي الْبَصْرِيّ وَثَّقَهُ يحيى بن معِين وَغَيره وَرمى بالإرجاء وَلَيْسَ لَهُ فِي البُخَارِيّ إِلَّا هَذَا الْموضع.
والْحَدِيث مضى فِي الْحَج فِي: بَاب من أهلَّ فِي زمن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ عَن مُحَمَّد بن يُوسُف عَن سُفْيَان عَن قيس بن مُسلم عَن طَارق بن شهَاب. . الخ.
قَوْله: (منيخ) ، بِضَم الْمِيم: أَي نَازل بِالْأَبْطح، وأبطح مَكَّة مسيل واديها. قَوْله: (ثمَّ حل) ، بِكَسْر الْحَاء الْمُهْملَة وَتَشْديد اللَّام، بالإحلال. قَوْله: (حَتَّى اسْتخْلف عمر) ، أَي: إِلَى أَن اسْتخْلف عمر رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، ثمَّ من بعد عمر وَقع الِاخْتِلَاف فِيهِ وَتَنَازَعُوا فِيهِ، وَقد مر تَحْقِيق الْكَلَام فِي الْبَاب الْمَذْكُور فِي الْحَج.

(18/4)


4347 - ح دّثني حِبَّان أخبرنَا عَبْدُ الله عنْ زَكَرِيَّاءَ بنِ إسْحاقَ عنْ يَحْيَى بنِ عبْدِ الله بنِ صَيْفِيٍّ عنْ أبي مَعْبَدٍ مَوْلَى ابنِ عَبَّاسٍ عنِ ابنِ عَبَّاسٍ رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ قَالَ رسُولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لِمُعاذِ بنِ جَبَلٍ حِينَ بَعَثَهُ إِلَى اليَمَنِ إنَّكَ سَتَأتِي قَوْماً مِنْ أهْلِ الكِتابِ فإذَا جِئْتَهُمْ فادْعُهُمْ إِلَى أنْ يَشْهدُوا أنْ لاَ إلاهَ إِلَّا الله وأنَّ مُحَمَّداً رسولُ الله فإنْ هُمْ طاعُوا لَكَ بِذَلِكَ فأخْبِرْهُمْ أنَّ الله قَدْ فَرَضَ عَلَيْهِمْ خَمْسَ صَلَوَاتٍ فِي كلِّ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ فإنْ هُمْ طاعُوا لَكَ بِذَلِكَ فأخْبِرْهُمْ أنَّ الله قَدْ فَرَضَ عَلَيْهِمْ صَدَقَةً تُؤْخَذُ مِنْ أغْنِيَائِهِمْ فَتُرَدُّ عَلى فُقَرَائِهمْ فإنْ هُمْ طاعُوا لَكَ بِذَلِكَ فإيَّاكَ وَكَرَائِمَ أمْوَالِهِمْ وَاتقِ دَعْوَةَ المَظْلُومِ فَإنَّهُ لَيْسَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الله حِجابٌ.

مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. وحبان، بِكَسْر الْحَاء الْمُهْملَة وَتَشْديد الْبَاء الْمُوَحدَة: ابْن مُوسَى الْمروزِي، وَعبد الله هُوَ ابْن الْمُبَارك الْمروزِي، وَأَبُو معبد، بِفَتْح الْمِيم: اسْمه نَافِذ، بالنُّون وَالْفَاء الْمَكْسُورَة وبالذال الْمُعْجَمَة. وَمضى الحَدِيث فِي أول كتاب الْحَج ولس فِيهِ قَوْله: (فَإِن هم طاعوا لَك بذلك فإياك)
الخ.
قَوْله: (طاعوا) ، ذكره ابْن التِّين بِلَفْظ: طاعوا لَك بذلك، أَي: انقادوا لَك بذلك، يُقَال: هُوَ طوع فلَان أَي: مناقد لَهُ، فَإِذا مضى لأَمره فقد أطاعه، وَإِذا وَافقه فقد: طاوعه. قَوْله: (فَإِنَّهُ) ، أَي: فَإِن الشَّأْن. قَوْله: (لَيْسَ بَيِّنَة) ، أَي: بَين دَعْوَة الْمَظْلُوم، وَإِنَّمَا ذكر الضَّمِير بِاعْتِبَار أَن الدعْوَة بِمَعْنى الدُّعَاء. قَوْله: (وكرائم) ، جمع كَرِيمَة. وَهِي: النفيسة.
قَالَ أبُو عبْدِ الله طَوَّعَتْ طاعَتْ وأطاعَتْ لُغَةٌ طِعْتُ وطُعْتُ وأطَعْتُ
أَبُو عبد الله هُوَ البُخَارِيّ نَفسه. وَقد جرت عَادَته أَنه يذكر تصرف بعض الْأَلْفَاظ الَّتِي تقع فِي بعض أَحَادِيث بَاب من الأباب، فَقَالَ: طوعت بِمَعْنى. طاعت، كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى: {فطوعت لَهُ نَفسه قتل أَخِيه} (الْمَائِدَة: 30) بِمَعْنى: طاعت لَهُ نَفسه قَوْله: (وأطاعت) ، لُغَة يَعْنِي: أطاعت نَفسه، بِالْألف لُغَة فِي: طاعت نَفسه، بِلَا ألف. قَوْله: (طعت) ، يَعْنِي: يُقَال عِنْد الْإِخْبَار عَن نَفسه: طعت فلَانا، بِكَسْر الطَّاء وَيُقَال: طعت، بِضَم الطَّاء، وَيُقَال أَيْضا: أَطَعْت، بِالْألف قَالَ الْجَوْهَرِي: طاع لَهُ يطوع إِذا انْقَادَ.

4348 - ح دّثنا سُلَيْمانُ بن حَرْبٍ حدَّثنا شُعْبَةُ عنْ حَبِيبِ بنِ أبي ثَابت عنْ سَعيدِ بنِ جبَيْرٍ عنْ عَمْرِو بن مَيْمُونٍ أنَّ مُعاذاً رَضِي الله عَنهُ لَّما قَدِمَ اليَمَنَ صلَّى بِهِم الصُّبْحَ فَقَرَأ {واتخَذَ الله إبْرَاهِيمَ خَلِيلاً} (النِّسَاء: 125) فَقَالَ رجُلٌ مِنَ القَوْمِ: لَقَدْ قَرَّتْ عَيْنُ أُمِّ إبرَاهِيمَ.

مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. وَعَمْرو بن مَيْمُون الأودي من المخضرمين كَانَ بِالشَّام ثمَّ سكن الْكُوفَة.
قَوْله: (إِن معَاذًا لما قدم الْيمن) ، مَوْصُول، لِأَن عَمْرو بن مَيْمُون كَانَ بِالْيمن لما قدم معَاذ. قَوْله: (لقد قرت عين أم إِبْرَاهِيم) ، أَي: لقد بردت دمعتها، وَهُوَ كِنَايَة عَن السرُور، لِأَن دمعة السرُور بَارِدَة ودمعة الْحزن حارة، وَلذَلِك يُقَال للمدعو لَهُ، أقرّ الله عينه، وللمدعو عَلَيْهِ أسخن الله عينه. وَقَالَ ثَعْلَب وَغَيره: مَعْنَاهُ بلغ أمْنِيته فَلَا تطمع نَفسه إِلَى من هُوَ فَوْقه. فَإِن قلت: كَيفَ قرر معَاذ هَذَا الْقَائِل فِي الصَّلَاة على حَاله وَلم يَأْمُرهُ بِالْإِعَادَةِ. قلت: إِمَّا أَن معَاذًا لم يكن يعلم حينئذٍ وجوب الْإِعَادَة بذلك، وَإِمَّا أَنه أمره بِالْإِعَادَةِ وَلم ينْقل.
زَادَ مُعاذٌ عنْ شُعْبَةَ عنْ حبِيبٍ عنْ سَعيدٍ عنْ عَمْروٍ أنَّ النبيَّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بَعَثَ مُعاذاً إِلَى اليَمَنِ فَقَرَأ مُعاذٌ فِي صَلاَةِ الصُّبْحِ سُورَةَ النِّساءِ فَلَمَّا قَالَ {واتَّخَذَ الله إبْرَاهِيمَ خَلِيلاً} (النِّسَاء: 125) قَالَ رجُلٌ خَلْفَهُ قَرَّتْ عَيْنُ أُمِّ إبْرَاهِيمَ.

(18/5)


معَاذ هُوَ ابْن معَاذ التَّمِيمِي الْبَصْرِيّ، وحبِيب هُوَ ابْن أبي ثَابت، وَسَعِيد هُوَ ابْن جُبَير، وَعَمْرو هُوَ ابْن مَيْمُون، وَقد مضى ذكر هَؤُلَاءِ آنِفا. وَأَرَادَ بِالزِّيَادَةِ قَوْله: (إِن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، بعث معَاذًا) وَلَا مُنَافَاة بَين هَذَا وَبَين الَّذِي قبله لِأَن معَاذًا إِنَّمَا قدم الْيمن لما بَعثه النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَوْله: (فَقَرَأَ معَاذ فِي صَلَاة الصُّبْح) ، يدل على أَنه كَانَ أَمِيرا على الصَّلَاة فَقَط. وَحَدِيث ابْن عَبَّاس الَّذِي مضى عَن قريب يدل على أَنه كَانَ أَمِيرا على المَال أَيْضا، على مَا لَا يخفى.

61 - (بابُ بَعْثِ عَلِيِّ بنِ أبي طالِبٍ عَلَيْهِ السَّلاَمُ وخالِدِ بنِ الوَلِيدِ رَضِي الله عَنهُ إِلَى اليَمَنِ قَبْلَ حَجَّةِ الوَدَاعِ)

أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان بعث النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، عَليّ بن أبي طَالب وخَالِد بن الْوَلِيد، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا، وَلَيْسَ فِي بعض النّسخ لفظ: بَاب.

4349 - ح دّثني أحْمَدُ بنُ عُثْمانَ حدّثنا شُرَيْحُ بنُ مَسْلَمَةَ حَدثنَا إبْرَاهِيمُ بنُ يُوسُفَ بن إسحاقَ بنِ أبي إسْحاقَ حدّثني أبي عنْ أبي إسْحاقَ سَمِعْتُ البَرَاءَ رَضِي الله عَنهُ بعَثنا رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَعَ خَالِدِ بنِ الوَلِيدِ إِلَى اليَمَنِ قَالَ ثُمَّ بَعَثَ عَلِيًّا بَعْدَ ذَلِكَ مكانَهُ فَقَالَ مُرْ أصْحَابَ خَالِدٍ مَنْ شَاءَ مِنْهُمْ أنْ يُعَقِّبَ مَعَكَ فَلْيُعَقِّبْ ومَنْ شاءَ فَلْيُقْبِلْ فَكُنْتُ فِيمَنْ عَقَّبَ مَعَهُ قَالَ فَغَنِمتُ أوَاقٍ ذَوَاتِ عَدَدٍ.

مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. وَأحمد بن عُثْمَان بن حَكِيم أَبُو عبد الله الْكُوفِي وَهُوَ شيخ مُسلم أَيْضا. وَشُرَيْح، بِضَم الشين الْمُعْجَمَة وَفتح الرَّاء وَسُكُون الْيَاء آخر الْحُرُوف وَفِي آخِره حاء مُهْملَة: ابْن مسلمة، بِفَتْح الميمين وَاللَّام وَسُكُون السِّين: الْكُوفِي، وَإِبْرَاهِيم هَذَا يروي عَن أَبِيه يُوسُف، ويوسف يروي عَن جده أبي إِسْحَاق عَمْرو بن عبد الله السبيعِي، وَمَات إِسْحَاق قبل أَبِيه أبي إِسْحَاق والْحَدِيث من أَفْرَاده.
قَوْله: (بعثنَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم) ، كَانَ ذَلِك الْبَعْث بعد رجوعهم من الطَّائِف وَقِسْمَة الْغَنَائِم بالجعرانة. قَوْله: (أَن يعقب) ، من التعقيب وَهُوَ: أَن يعود بعض الْعَسْكَر بعد الرُّجُوع ليصيبوا غَزْوَة من الْعَدو، وَقَالَ الْجَوْهَرِي: التعقيب أَن يَغْزُو الرجل ثمَّ ينثني من سنته، وَقَالَ ابْن فَارس: التعقيب غزَاة بعد غزَاة. قَوْله: (أَوَاقٍ) ، أَصله: واقي، بتَشْديد الْيَاء وتخفيفها فحذفت الْيَاء استثقالاً. قَوْله: (ذَوَات عدد) ، أَي: كَثِيرَة.

4350 - ح دّثنا مُحَمَّدُ بنُ بَشَّارٍ حَدثنَا رَوْحُ بنُ عُبادَةَ حدَّثنا علِيُّ بن سوَيْدِ بن منْجُوفٍ عنْ عبْدِ الله بنِ بُرَيْدَةَ عنْ أبِيهِ رَضِي الله عَنهُ قَالَ بعَثَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَلِيًّا إِلَى خالِدٍ لِيَقْبِضَ الخُمُسَ وكُنْتُ أُبْغِضُ عَلِيًّا وقَدِ اغْتَسَلَ فقُلْتُ لخَالِدٍ أَلا تَرَى إِلَى هاذَا فَلَمَّا قَدِمْنا عَلى النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ذَكَرْتُ ذَلِكَ لهُ فَقَالَ يَا بُرَيْدَةُ أتُبْغِضُ عَلِيًّا فقُلْتُ نَعَمْ قَالَ لَا تُبْغِضْهُ فإنَّ لهُ فِي الخُمُسِ أكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ.

مطابقته للتَّرْجَمَة تُؤْخَذ من قَوْله: (بعث النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، عليا إِلَى خَالِد) وَكَانَ خَالِد فِي الْيمن حينئذٍ. وروح، بِفَتْح الرَّاء: ابْن عبَادَة، بِضَم الْعين وَتَخْفِيف الْبَاء الْمُوَحدَة، وَعلي بن سُوَيْد بن منجوف، بِفَتْح الْمِيم وَسُكُون النُّون وَضم الْجِيم سُكُون الْوَاو وَفِي آخِره فَاه: السدُوسِي الْبَصْرِيّ، وَلَيْسَ لَهُ فِي البُخَارِيّ إِلَّا هَذَا، وَوَقع فِي رِوَايَة الْقَابِسِيّ: عَليّ بن سُوَيْد عَن منجوف، وَهُوَ تَصْحِيف، وَعبد الله بن بُرَيْدَة يروي عَن أَبِيه بُرَيْدَة، بِضَم الْبَاء الْمُوَحدَة وَفتح الرَّاء تَصْغِير بردة ابْن الخصيب، بِضَم الْخَاء الْمُعْجَمَة وَفتح الصَّاد الْمُهْملَة وَسُكُون الْيَاء آخر الْحُرُوف وَفِي آخِره بَاء مُوَحدَة: ابْن عبد الله بن الْحَارِث الْأَسْلَمِيّ، أسلم

(18/6)


قبل بدر وَلم يشهدها وشهدا الْحُدَيْبِيَة، وَكَانَ مِمَّن بَايع بيعَة الرضْوَان تَحت الشَّجَرَة مَاتَ بمرو وقبره بالحصين، بِكَسْر الْجِيم وَتَشْديد الصَّاد الْمُهْملَة. والْحَدِيث من أَفْرَاده.
قَوْله: (عليا إِلَى خَالِد) أَي: عَليّ بن أبي طَالب إِلَى خَالِد بن الْوَلِيد. قَوْله: (ليقْبض الْخمس) ، أَي: خمس الْغَنِيمَة، وَفِي رِوَايَة الْإِسْمَاعِيلِيّ: ليقسم الْخمس، وَفِي رِوَايَة: ليقسم الْفَيْء. قَوْله: (وَكنت أبْغض عليا) ، بِضَم الْهمزَة، وَإِنَّمَا أبغضه لِأَنَّهُ رأى عليا أَخذ جَارِيَة، وَفِي رِوَايَة أَحْمد فِي السَّبي: وصيفة هِيَ أفضل السَّبي، قَالَ: فَخمس وَقسم فَخرج وَرَأسه يقطر، وَفِي رِوَايَة الْإِسْمَاعِيلِيّ: فَأخذ مِنْهُ، أَي: من الْخمس، جَارِيَة ثمَّ أصبح يقطر رَأسه. انْتهى فَظن بُرَيْدَة أَنه غل وَكَانَ مَا فعله عَليّ من ذَلِك سَبَب بغض بُرَيْدَة إِيَّاه قَوْله: (وَقد اغْتسل) ، كِنَايَة عَن الْوَطْء، أَرَادَ أَن عليا وطىء الْجَارِيَة الَّتِي أَخذهَا من الْخمس واصطفاها لنَفسِهِ. قَوْله: (فَقلت لخَالِد: أَلا ترى إِلَى هَذَا) الْقَائِل هُوَ بُرَيْدَة، وَأَشَارَ: بِهَذَا، إِلَى عَليّ رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، وَقَالَ الْخطابِيّ: فِيهِ إشْكَالَانِ: أَحدهمَا: أَنه قسم لنَفسِهِ. وَالثَّانِي: أَنه أَصَابَهَا قبل الِاسْتِبْرَاء، وَالْجَوَاب أَن الإِمَام أَن يقسم الْغَنَائِم بَين أَهلهَا وَهُوَ شريكهم، فَكَذَا من يقوم مقَامه فِيهَا، وَأما الِاسْتِبْرَاء فَيحْتَمل أَن تكون الوصيفة غير بَالِغَة، أَو كَانَت عذراء، وَأدّى اجْتِهَاده إِلَى عدم الِاحْتِيَاج إِلَيْهِ قَوْله: (ذكرت ذَلِك لَهُ) ، أَي: ذكرت مَا فعله عَليّ للنَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم. قَوْله: (فَإِن لَهُ فِي الْخمس أَكثر من ذَلِك) أَي: فَإِن لعَلي من الْحق فِي الْخمس أَكثر من الَّذِي أَخذه، وَعند أَحْمد من رِوَايَة عبد الْجَلِيل عَن عبد الله بن بُرَيْدَة عَن أَبِيه: فوالذي نفس مُحَمَّد بِيَدِهِ لنصيب آل عَليّ فِي الْخمس أفضل من وصيفه، وَزَاد قَالَ: فَمَا كَانَ من النَّاس أحد أحب إِلَيّ من عَليّ، وَفِي رِوَايَة: لَا تقع فِي عَليّ فَإِنَّهُ مني وَأَنا مِنْهُ، وَفِي رِوَايَة: قَالَ: من كنت وليه فعلي وليه.

4351 - ح دّثنا قُتيْبَةُ حدَّثنا عبْدُ الوَاحِدِ عنْ عُمارَة بن القَعقاع بن شُبْرُمَةَ حدَّثنا عبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ أبي نُعْمٍ قَالَ سَمِعْتُ أَبَا سعِيدٍ الخُدْريَّ يَقُولُ بَعثَ علِيُّ بنُ أبِي طالِبٍ رَضِي الله عَنهُ إِلَى رسولِ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مِنَ اليَمَنِ بِذُهَيْبَةٍ فِي أدِيمٍ مَقْرُوظ لمْ تُحَصَّلْ منْ تُرَابِها قَالَ فقَسَمَهَا بَيْنَ أرْبَعَةِ نفَرٍ بَيْنَ عُيَيْنَةَ بنِ بَدْرٍ وأقْرَعَ بنِ حابِسٍ وزَيْدِ الخَيْل والرابِعُ إمّا عَلْقَمَةُ وإمّا عامِرُ بنُ الطُّفَيْلِ فَقَالَ رجُلٌ منْ أصْحَابِهِ كنَّا نَحْنُ أحَقَّ بِهاذا منْ هاؤُلاءِ قَالَ فَبَلَغَ ذَلِكَ النبيَّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ ألاَ تأمَنُونِي وَأَنا أمِينُ مَنْ فِي السَّماءِ يأتِينِي خبَرُ السَّماءِ صَباحاً ومَساءً قَالَ فَقام رجُلٌ غائِرُ العَيْنَيْنِ مُشْرِفُ الوَجْنَتَيْنِ ناشِزُ الجَبْهَةِ كَثُّ اللِّحْيَةِ مَحْلُوقُ الرَّأسِ مُشَمَّرُ الأَزَارِ فَقَالَ يَا رسُولَ الله اتَّقِ الله قَالَ ويْلَكَ أوَ لَسْتُ أحَقَّ أهْلِ الأرْضِ أنْ يَتَّقِيَ الله قَالَ ثُمَّ وَلَّى الرَّجُلُ قَالَ خالدُ بنُ الوَلِيدِ يَا رسُولَ الله ألاَ أضْرِبُ عُنُقَهُ قَالَ لاَ لَعَلَّهُ أنْ يَكُونَ يُصَلِّي فَقَالَ خالِدٌ وكَمْ مِنْ مُصَلٍّ يقُولُ بِلِسانِهِ مَا لَيْسَ فِي قَلْبِهِ قَالَ رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إنِّي لَمْ أُومَرْ أنْ أنْقُبَ قُلُوبَ النَّاسِ وَلَا أشقَّ بُطُونَهُمْ قَالَ ثُمَّ نَظَرَ إليْهِ وهوَ مُقَفٍّ فَقَالَ إنَّهُ يَخْرُجُ مِنْ ضِئْضِىءِ هاذَا قَوْمٌ يَتلُونَ كِتابَ الله رَطْباً لَا يُجاوِزُ حَنَاجِرَهُمْ يَمْرُقُونَ مِنَ الدِّينِ كَما يَمْرُقُ السَّهْمُ منَ الرَّمِيَّةِ وأظُنُّهُ قَالَ لَئِنْ أدْرَكْتُهُمْ لأقْتُلَنَّهُمْ قَتْلَ ثَمُودَ. .

مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (بعث عَليّ بن أبي طَالب إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، من الْيمن) وَعبد الْوَاحِد هُوَ ابْن زِيَاد. قَوْله: (وَعمارَة) ، بِضَم الْعين وَتَخْفِيف الْمِيم: ابْن الْقَعْقَاع، بِفَتْح القافين وَسُكُون الْمُهْملَة الأولى: ابْن شبْرمَة، بِضَم الشين الْمُعْجَمَة وَسُكُون الْبَاء الْمُوَحدَة وَضم الرَّاء: الضَّبِّيّ الْكُوفِي، وَعبد الرَّحْمَن بن أبي نعم، بِضَم النُّون وَسُكُون الْعين: البَجلِيّ الْكُوفِي.
والْحَدِيث مضى فِي أَحَادِيث الْأَنْبِيَاء فِي: بَاب قَول الله: {وَأما عَاد فاهلكوا} (الحاقة: 6) . وَمضى الْكَلَام فِيهِ هُنَاكَ.
قَوْله: (بذهيبة) تَصْغِير: ذهبة

(18/7)


قَالَ الْخطابِيّ: انثها على معنى الْقطعَة، قيل: فِيهِ نظر لِأَنَّهَا كَانَت تَبرأ قلت: قد يؤنث الذَّهَب فِي بعض اللُّغَات. وَفِي (مُسلم) : بذهبة: بِفتْحَتَيْنِ بِغَيْر تَصْغِير. قَوْله: (مقروظ) ، أَي: مدبوغ بالقرظ، بِالْقَافِ وَالرَّاء والظاء الْمُعْجَمَة، قَالَ الْخَلِيل: هُوَ شجر يدبغ بورقه ولونه إِلَى الصُّفْرَة. قَوْله: (لم تحصل) بِصِيغَة الْمَجْهُول، أَي: لم تخلص من ترابها، قَالَ بَعضهم: أَي لم تخلص من تُرَاب الْمَعْدن. قلت: فِيهِ نظر من وَجْهَيْن. أَحدهمَا: أَنه لم يجز ذكر الْمَعْدن. وَالثَّانِي: أَنه لَو رَجَعَ إِلَى الْمَعْدن لقيل: من ترابه، بتذكير الضَّمِير، وَاخْتلف فِي هَذِه: الذهيبة، فَقيل: كَانَت خمس الْخمس، وَقيل: من الْخمس، وَكَانَ من خَصَائِصه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، أَن يَضَعهُ فِي صنف من الْأَصْنَاف للْمصْلحَة، وَقيل: من أصل الْغَنِيمَة. قَوْله: (بَين عُيَيْنَة بن بدر) ، وَمَا بعده بدل من قَوْله: (بَين أَرْبَعَة نفر) وعيينة مصغر عينة ابْن بدر وَهُوَ عُيَيْنَة بن حصن بن حُذَيْفَة بن بدر الْفَزارِيّ، فنسب إِلَى جده الْأَعْلَى ويكنى أَبَا مَالك، وَقَالَ أَبُو عمر: أسلم بعد الْفَتْح وَقيل: قبله، وَشهد الْفَتْح مُسلما وَهُوَ من الْمُؤَلّفَة قُلُوبهم، وَكَانَ من الْأَعْرَاب الجفاة وَكَانَ فِي الْجَاهِلِيَّة من الجرارين يَقُود عشرَة آلَاف، وَكَانَ اسْم عُيَيْنَة: حُذَيْفَة، فأصابته لقُوَّة فجحظت عَيناهُ فَسُمي: عُيَيْنَة. وَفِي (التَّوْضِيح) : وَكَانَ عُيَيْنَة من الْمُنَافِقين ارْتَدَّ بعد رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَبَعثه خَالِد إِلَى أبي بكر رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، فِي وثاق فَأسلم وَعَفا عَنهُ، وأقرع بِفَتْح الْهمزَة وَسُكُون الْقَاف وَفتح الرَّاء وبالعين الْمُهْملَة، واسْمه: فراس، وَكَانَ فِي رَأسه قرع فلقب بذلك، ابْن حَابِس، بالمهملتين وَالْبَاء الْمُوَحدَة: ابْن عقال بن مُحَمَّد بن سُفْيَان بن مجاشع التَّمِيمِي الْمُجَاشِعِي أحد الْمُؤَلّفَة قُلُوبهم. (وَزيد الْخَيل) ، هُوَ زيد بن مهلهل بن زيد بن منْهب الطَّائِي، قدم على رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَفِي وَفد طَيء سنة تسع فَأسلم وَسَماهُ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: زيد الْخَيْر، وَكَانَ يُقَال لَهُ: زيد الْخَيل لكرائم الْخَيل الَّتِي كَانَت عِنْده، وَمَات فِي حَيَاة النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَكَانَ شَاعِرًا محسناً خَطِيبًا لسناً شجاعاً كَرِيمًا، وَكَانَ قبل إِسْلَامه أسر عَامر بن الطُّفَيْل وجزَّنا صيته. قَوْله: (أما عَلْقَمَة وَإِمَّا عَامر بن الطُّفَيْل) ، شكّ من الرَّاوِي، وَجزم فِي رِوَايَة سعيد بن مَسْرُوق أَنه عَلْقَمَة بن علاثة، بِضَم الْعين الْمُهْملَة وبالثاء الْمُثَلَّثَة: ابْن عَوْف بن الْأَحْوَص بن جَعْفَر بن كلاب الْكلابِي العامري، من الْمُؤَلّفَة قُلُوبهم وَكَانَ سيداً فِي قومه حَلِيمًا عَاقِلا وَلم يكن فِيهِ ذَلِك الْكَرم، وَاسْتَعْملهُ عمر بن الْخطاب رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، على حوران فَمَاتَ بهَا فِي خِلَافَته. (وعامر بن الطُّفَيْل) مصغر الطِّفْل الْقَيْسِي، قدم على النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَلم يسلم وَعَاد من عِنْده فَخرج بِهِ خراج فِي أصل أُذُنه فَمَاتَ مِنْهُ، وَلذَلِك قيل: وَذكر عَامر بن الطُّفَيْل غلط من عبد الْوَاحِد فَإِنَّهُ كَانَ مَاتَ قبل ذَلِك، وَقَالَ الدمياطي: مَاتَ كَافِرًا. قَوْله: (فَقَامَ رجل) ، قيل: هُوَ ذُو الْخوَيْصِرَة التَّمِيمِي، وَعند أبي دَاوُد: اسْمه نَافِع، وَرجحه السُّهيْلي، وَقيل: اسْمه حرقوص بن زُهَيْر السَّعْدِيّ. قَوْله: (غائر الْعَينَيْنِ) ، بالغين الْمُعْجَمَة على وزن فَاعل من الْغَوْر، وَالْمرَاد: أَن عَيْنَيْهِ داخلتان فِي محاجرهما لاصقتان بقعر الحدقة وَهُوَ ضد الجحوظ. قَوْله: (مشرف الوجنتين) ، أَي: بارزهما، من الإشراف بالشين الْمُعْجَمَة، والوجنتان: العظمان المشرفان على الْخَدين. قَوْله: (ناشز) بالنُّون والشين الْمُعْجَمَة وَالزَّاي، أَي: مُرْتَفع الْجَبْهَة، وَأَصله من النشز وَهُوَ مَا ارْتَفع من الأَرْض. قَوْله: (كث اللِّحْيَة) : كثير شعرهَا، وَيُقَال: لحية كثة مجتمعة، وَرجل كث اللِّحْيَة، وَقوم كث. قَوْله: (محلوق الرَّأْس) ، كَانُوا لَا يحلقون رؤوسهم وَكَانُوا يفرقون شُعُورهمْ. قَوْله: (مشمر الْإِزَار) ، تشميره رَفعه عَن الكعب. قَوْله: (فَقَالَ خَالِد بن الْوَلِيد) ، وَفِي رِوَايَة أبي سَلمَة عَن سعيد. فَقَالَ عمر رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، وَقد مضى فِي عَلَامَات النُّبُوَّة، وَلَا منافاه بَينهمَا لاحْتِمَال أَن يكون كل مِنْهُمَا قَالَ ذَلِك، قيل: الْأَرْجَح أَنه عمر لصلابته ولشك الرَّاوِي فِي خَالِد، وَلِأَنَّهُ كَانَ غَائِبا مَعَ عَليّ. قَوْله: (لَعَلَّه أَن يُصَلِّي) اسْتعْمل فِيهِ: لَعَلَّ، اسْتِعْمَال: عَسى. وَقَالَ الْكرْمَانِي: قيل: فِيهِ دلَالَة من طَرِيق الْمَفْهُوم على أَن تَارِك الصَّلَاة مقتول. قلت: هَذَا الْمَفْهُوم لَيْسَ بِحجَّة وَفِيه خلاف مَشْهُور. قَوْله: (أَن أنقب) من نقبت الْحَائِط نقباً، إِذا فتحت فِيهِ فتحا، وَقيل بتَشْديد الْقَاف: من التنقيب، وَهُوَ التَّشْدِيد، أَرَادَ أَنه أَمر بِالْأَخْذِ بظواهر الْأُمُور والبواطن لَا يعلمهَا إلاَّ الله. قَوْله: (وَهُوَ مقف) ، جملَة حَالية من قفّى، بِالتَّشْدِيدِ يقفي، وَالْفَاعِل مِنْهُ: مقف، بِضَم الْمِيم وَفتح الْقَاف وَتَشْديد الْفَاء، أَي: مول، ويروى: مقفي، بِالْيَاءِ من أقفى فَهُوَ مقفى، وَأَصله: مقفي، بِضَم الْيَاء فحذفت الضمة للاستثقال وسكنت الْيَاء لأجل كسر الْفَاء، يُقَال: قفي الرجل الْقَوْم إِذا ولاهم قَفاهُ، وأقفاهم يقفيهم إِذا فعل ذَلِك فَهُوَ مقفي قَوْله: (من ضئضىء هَذَا) ، بضادين معجمتين مكسورتين بَينهمَا يَاء آخر الْحُرُوف بِهَمْزَة سَاكِنة، وَفِي

(18/8)


آخر يَاء بِهَمْزَة أَيْضا أَي: من أصل هَذَا الرجل، وَفِي رِوَايَة الْكشميهني: بصادين مهملتين، قَالَ ابْن الْأَثِير: كِلَاهُمَا بِمَعْنى الأَصْل، وقذ مضى فِي أَحَادِيث الْأَنْبِيَاء أَن من ضئضىء هَذَا أَو من عقب هَذَا. قَوْله: (رطبا) مَعْنَاهُ الْمُوَاظبَة على التِّلَاوَة أَو تَحْسِين الصَّوْت بهَا والحذاقة والتجويد فِيهَا فَيجْرِي لِسَانه بهَا ويمر عَلَيْهَا لَا يتَغَيَّر وَلَا ينكسر، وَقيل: معنى: رطبا، سهلاً كَمَا فِي الرِّوَايَة الْأُخْرَى، وَقَالَ الْخطابِيّ: أَي يواظب عَلَيْهَا فَلَا يزَال لِسَانه رطبا بهَا، وَقيل: يُرِيد الَّذِي لَا شدَّة فِي صَوت قارئه وَهُوَ لين رطب، وَقيل: يُرِيد أَنه يحفظ ذَلِك حفظا حسنا. قَوْله: (حَنَاجِرهمْ) جمع حنجرة وَهُوَ الْحُلْقُوم مَعْنَاهُ: لَا ترفع فِي الْأَعْمَال الصَّالِحَة وَلَا تقبل مِنْهُم، وَقيل: لم يتَمَكَّن فِي قُلُوبهم شَيْء كثير من الْيَقِين بِهِ وَإِنَّمَا يَحْفَظُونَهُ بالألسن وَهِي مقاربة للحناجر فنسب إِلَيْهَا مَا يقاربها قَوْله: (يَمْرُقُونَ) ، أَي: يخرجُون بالسرعة. قَوْله: (من الدّين) أَي: من الطَّاعَة دون الْملَّة، وَيُقَال: طَاعَة الْأَئِمَّة والأمراء وَفِي رِوَايَة سعيد بن مَسْرُوق، من الْإِسْلَام. قَوْله: (من الرَّمية) على وزن فعيلة بِمَعْنى الْمَفْعُول، والرمية: الصَّيْد الَّذِي ترميه فتقصده وينقذف فِيهِ سهمك وَهُوَ كل دَابَّة مرمية. قَوْله: (وَأَظنهُ قَالَ) أَي: وأظن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، قَالَ إِلَى آخِره، وَتقدم فِي قصَّة هود: لأقتلنهم قتل عَاد، وَالْغَرَض مِنْهُ الاستئصال بِالْكُلِّيَّةِ وهما سَوَاء فِيهِ، فعادٌ استؤصلت بِالرِّيحِ الصرصر، {وَأما ثَمُود فاهلكوا بالطاغية} (الحاقة: 5) أَي: الرجفة أَو الصاعقة أَو الصَّيْحَة، فَإِن قيل: إِذا كَانَ قَتلهمْ جَائِزا فلِمَ منع النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم خَالِدا من قَتله؟ قيل لَهُ: لَا يلْزم من قَتلهمْ جَوَاز قَتله. قَالَ الْخطابِيّ: فَإِن قيل: لما كَانَ قَتلهمْ وَاجِبا فَكيف مَنعه مِنْهُ؟ قُلْنَا: لعلمه بِأَن الله تَعَالَى يجْرِي قَضَاء فِيهِ حَتَّى يخرج من نَسْله من يسْتَحق الْقَتْل بِسوء فعالهم ليَكُون قَتلهمْ عُقُوبَة لَهُم فَيكون أبلغ فِي الْمصلحَة. وَقَالَ الْقُرْطُبِيّ: إِنَّمَا منع قَتله وَإِن كَانَ قد اسْتوْجبَ الْقَتْل لِئَلَّا يتحدث النَّاس أَنه يقتل أَصْحَابه، وَقَالَ الْمَازرِيّ: يحْتَمل أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، لم يكن فهم من الرجل الطعْن فِي النُّبُوَّة، إِنَّمَا نسبه إِلَى ترك الْعدْل فِي الْقِسْمَة، وَلَيْسَ ذَلِك كَبِيرَة، والأنبياء معصومون من الْكَبَائِر بِالْإِجْمَاع، وَاخْتلف فِي جَوَاز وُقُوع الصَّغِيرَة مِنْهُم. انْتهى. قلت: مذهبي أَن الْأَنْبِيَاء معصومون من الْكَبَائِر والصغائر قبل النُّبُوَّة وَبعدهَا، وَالَّذِي وَقع من بَعضهم شَيْء يشبه الصَّغِيرَة لَا يُقَال فِيهِ إلاَّ أَنه ترك الْأَفْضَل وَذهب إِلَى الْفَاضِل، وَقيل: إِنَّمَا لم يقتل الرجل وَلم يُعَاقِبهُ أَيْضا لِأَنَّهُ لم يثبت عَنهُ ذَلِك، بل نَقله عَن وَاحِد، وَخبر الْوَاحِد لَا يراق بِهِ الدَّم، وأبطل عِيَاض هَذَا بقوله فِي الحَدِيث: إعدل يَا مُحَمَّد، فخاطبه فِي الْمَلأ بذلك حَتَّى استأذنوه فِي قَتله، وَالصَّوَاب مَا تقدم.

4352 - حدّثنا المَكِّيُّ بنُ إبْرَاهِيمَ عنِ ابنِ جُرَيْجٍ قَالَ عَطاءٌ قَالَ جابرٌ أَمر النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَلِيًّا أنْ يُقِيمَ عَلَى إحْرَامِهِ.

مطابقته للتَّرْجَمَة من حَيْثُ إِن هَذَا فِي مَجِيء عَليّ من الْيمن إِلَى الْحَج فِي حجَّة الْوَدَاع. وَابْن جريج هُوَ عبد الْملك بن عبد الْعَزِيز بن جريج، وَعَطَاء هُوَ ابْن أبي رَبَاح والْحَدِيث مضى فِي الْحَج فِي: بَاب من أهلّ فِي زمن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، بِعَين هَذَا الْإِسْنَاد والمتن.
زَادَ مُحَمَّدُ بنُ بكْرٍ عنِ ان جُرَيْجٍ قَالَ عَطاءٌ قَالَ جابِرٌ فقَدِمَ علِيُّ بنُ أبي طالبٍ رَضِي الله عَنهُ بِسِعايَتهِ قَالَ لهُ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِمَ أهْلَلْتَ يَا علِيُّ قَالَ بِما أهَلَّ بهِ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ فأهْدِ وامْكُثْ حَرَاماً كَمَا أنْتَ قَالَ وأهْدَى لهُ عِليٌّ هَدْياً. أَي: زَاد مُحَمَّد بن بكر البرْسَانِي فِي رِوَايَته عَن ابْن جريج إِلَى آخِره، وَمضى هَذَا فِي الْحَج فِي الْبَاب الْمَذْكُور بعد أَن روى حَدِيث أنس فَلْينْظر فِيهِ. قَوْله: (بسعايته) ، أَي: تَوليته قبض الْخمس، وكل من تولى شَيْئا على قوم فَهُوَ ساعٍ عَلَيْهِم.

4352 - حدّثنا المَكِّيُّ بنُ إبْرَاهِيمَ عنِ ابنِ جُرَيْجٍ قَالَ عَطاءٌ قَالَ جابرٌ أَمر النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَلِيًّا أنْ يُقِيمَ عَلَى إحْرَامِهِ.

مطابقته للتَّرْجَمَة من حَيْثُ إِن هَذَا فِي مَجِيء عَليّ من الْيمن إِلَى الْحَج فِي حجَّة الْوَدَاع. وَابْن جريج هُوَ عبد الْملك بن عبد الْعَزِيز بن جريج، وَعَطَاء هُوَ ابْن أبي رَبَاح والْحَدِيث مضى فِي الْحَج فِي: بَاب من أهلّ فِي زمن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، بِعَين هَذَا الْإِسْنَاد والمتن.
زَادَ مُحَمَّدُ بنُ بكْرٍ عنِ ان جُرَيْجٍ قَالَ عَطاءٌ قَالَ جابِرٌ فقَدِمَ علِيُّ بنُ أبي طالبٍ رَضِي الله عَنهُ بِسِعايَتهِ قَالَ لهُ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِمَ أهْلَلْتَ يَا علِيُّ قَالَ بِما أهَلَّ بهِ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ فأهْدِ وامْكُثْ حَرَاماً كَمَا أنْتَ قَالَ وأهْدَى لهُ عِليٌّ هَدْياً. أَي: زَاد مُحَمَّد بن بكر البرْسَانِي فِي رِوَايَته عَن ابْن جريج إِلَى آخِره، وَمضى هَذَا فِي الْحَج فِي الْبَاب الْمَذْكُور بعد أَن روى حَدِيث أنس فَلْينْظر فِيهِ. قَوْله: (بسعايته) ، أَي: تَوليته قبض الْخمس، وكل من تولى شَيْئا على قوم فَهُوَ ساعٍ عَلَيْهِم.

4354 - ح دّثنا مُسَدَّدٌ حَدثنَا بِشْرُ بنُ المُفَضَّلِ عنْ حُميْدٍ الطَّوِيلِ حَدثنَا بكرٌ البَصْرِيُّ أنَّهُ ذَكَرَ

(18/9)


ل ابنِ عُمَرَ أنَّ أنسا حَدَّثَهُمْ أنَّ النبيَّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أهَلَّ بِعُمْرَةٍ وحَجَّةٍ فَقَالَ أهَلَّ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بالحَجِّ وأهلَلْنا بهِ معَهُ فلَمَّا قَدِمنا مَكَّةَ قَالَ مَنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهُ هَدْيٌ فليَجْعَلْها عُمْرَةً وَكَانَ مَعَ النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم هَدْيٌ فَقَدِمَ علَيْنا علِيُّ بنُ أبي طالِبٍ مِنَ اليَمَن حاجًّا فَقَالَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِمَ أهْلَلْتَ فإنَّ مَعَنا أهْلَكَ قَالَ أهْلَلْتُ بِمَا أهَلَّ بهِ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ فأمْسِكْ فإنَّ مَعَنَا هَدْياً.

مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (فَقدم علينا عَليّ بن أبي طَالب من الْيمن) ، وَبكر هُوَ ابْن عبد الله الْمُزنِيّ الْبَصْرِيّ. والْحَدِيث قد مر فِي الْحَج.

62 - (غَزْوَةُ ذِي الخَلَصَةِ)

أَي هَذَا بَيَان غَزْوَة ذِي الخلصة، بِفَتْح الْخَاء الْمُعْجَمَة وَاللَّام وَالصَّاد الْمُهْملَة. وَحكى ابْن دُرَيْد فتح أَوله وَسُكُون ثَانِيَة، وَحكى ابْن هِشَام ضمهما، وَقيل بِفَتْح أَوله وَضم ثَانِيه، وَالْأول أشهر. وَفِي بعض النّسخ: بَاب غَزْوَة ذِي الخلصة، وَهُوَ اسْم الْبَيْت الَّذِي كَانَ فِيهِ الصَّنَم، وَقيل: اسْم الْبَيْت الخلصة. وَاسم الصَّنَم: ذُو الخلصة، وَقيل: هُوَ اسْم صنم لدوس سيعبد فِي آخر الزَّمَان، ثَبت فِي الحَدِيث: لَا تقوم السَّاعَة حَتَّى تَصْطَفِق أليات نسَاء دوس وخثعم حول ذِي الْخصْلَة. وَفِي (التَّلْوِيح) : الخلصة فِي اللُّغَة نَبَات ينْبت نَبَات الْكَرم لَهُ حب كعنب الثَّعْلَب. وَله ورق أغبر رقاق مُدَوَّرَة وَاسِعَة وَله ورد كورد الموز وَهُوَ أَحْمَر كخرز العقيق وَلَا يُؤْكَل وَلكنه يرْعَى، وموضعه الْيَوْم مَسْجِد جَامع لبلدة يُقَال لَهَا: العبلات من أَرض خثعم، ذكره الْمبرد عَن أبي عُبَيْدَة وَبَعض الشَّارِحين وهم فِيهِ وَقَالَ: إِنَّه كَانَ فِي بِلَاد فَارس، فَافْهَم.

4355 - حدّثنا مُسَدَّدٌ حدّثنا خالِدٌ حدّثنا بَيانٌ عنْ قَيْسٍ عنْ جَرِيرٍ قَالَ كانَ بَيْتٌ فِي الجاهِلِيَّةِ يُقالُ لَهُ ذُو الخَلَصَةِ والكَعْبَةُ اليَمانِيَةُ والكَعْبَةُ الشَّامِيَّةُ فَقَالَ لِي النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ألاَ تُرِيحُنِي مِنْ ذِي الخَلَصَةِ فَنَفَرْتُ فِي مِائَةٍ وخَمْسِينَ رَاكِباً فَكَسَرْنَاهُ وقَتَلْنا مَنْ وجَدْنا عِنْدَهُ فأتَيْتُ النبيَّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فأخْبَرْتُهُ فَدَعَا لَنا ولأِحْمَسَ. .

مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. وخَالِد هُوَ ابْن عبد الله الطَّحَّان، وَبَيَان، بِفَتْح الْبَاء الْمُوَحدَة وَتَخْفِيف الْيَاء آخر الْحُرُوف: ابْن بشر، بِكَسْر الْبَاء الْمُوَحدَة، وَقيس هُوَ ابْن أبي حَازِم، وَجَرِير بن عبد الله البَجلِيّ، بِفَتْح الْبَاء الْمُوَحدَة وَالْجِيم.
والْحَدِيث مضى فِي: بَاب ذكر جرير بن عبد الله البَجلِيّ، فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ عَن إِسْحَاق الوَاسِطِيّ عَن خَالِد عَن بَيَان ... الخ بأتم مِنْهُ، وَمضى الْكَلَام فِيهِ هُنَاكَ. وَأخرجه مُسلم فِي الْفَضَائِل عَن عبد الحميد عَن خَالِد بِهِ.
قَوْله: (يُقَال لَهُ: ذُو الخلصة والكعبة اليمانية والكعبة الشامية) ، قَالَ النَّوَوِيّ: فِيهِ إِشْكَال إِذْ كَانُوا يَقُولُونَ لَهُ: الْكَعْبَة اليمانية، فَقَط، وَأما الْكَعْبَة الشامية فَهِيَ الْكَعْبَة المعظمة الَّتِي بِمَكَّة، فَلَا بُد من التَّأْوِيل بِأَن يُقَال: كَانَ يُقَال لَهُ: الْكَعْبَة اليمانية، وَالَّتِي بِمَكَّة الْكَعْبَة الشامية، وَقَالَ: ذكر الشامية غلط. وَقَالَ الْكرْمَانِي: يحْتَمل أَن تكون الْكَعْبَة مُبْتَدأ. وَقَوله: (الشامية) . خَبره وَالْجُمْلَة حَال، وَمَعْنَاهَا: أَن الْكَعْبَة هِيَ الشامية لَا غير، وَعند مُسلم: وَكَانَ يُقَال لَهُ: الْكَعْبَة اليمانية والشامية، قَالَ السُّهيْلي: وَهَذَا مُشكل، وَمَعْنَاهُ: كَانَ يُقَال لَهُ: الْكَعْبَة والكعبة الشامية الْبَيْت، فَزِيَادَة: لَهُ، فِي الحَدِيث سَهْو وبإسقاطه يَصح الْمَعْنى، قَالَه بعض النَّحْوِيين، وَقَالَ: وَلَيْسَ هُوَ عِنْدِي بسهو وَإِنَّمَا مَعْنَاهُ: وَكَانَ يُقَال لَهُ، أَي: يُقَال من أَجله الْكَعْبَة اليمانية، وَله بِمَعْنى: من أَجله، لَا يُنكر فِي الْعَرَبيَّة وَقَالَ عِيَاض: وَفِي بعض الرِّوَايَات: والكعبة اليمانية الشامية، بِغَيْر وَاو، وَقَالَ: وَفِيه إِبْهَام، قَالَ: وَالْمعْنَى: كَانَ يُقَال لَهُ تَارَة هَكَذَا وَتارَة هَكَذَا. قَوْله: (أَلا تريحني) كلمة: أَلا، بِفَتْح الْهمزَة وَتَخْفِيف اللَّام للتحضيض، وَقيل: طلب يتَضَمَّن الْأَمر، وتريحني، من الإراحة بالراء والحاء الْمُهْملَة والمرادا رَاحَة الْقلب، وَإِنَّمَا خص جَرِيرًا بذلك لِأَنَّهَا كَانَت فِي بِلَاد قومه

(18/10)


وَكَانَ هُوَ من أَشْرَافهم. قَوْله: (فنفرت) ، أَي: خرجت مسرعاً. قَوْله: (فكسرناه) ، أَي: الْبَيْت. قَوْله: (ولأحمس) على وزن أَحْمَر بالمهملتين، وأحمس أَخُو بخيلة، رَهْط جرير رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، ينسبون إِلَى أحمس بن الْغَوْث بن أَنْمَار، وبجيلة امْرَأَة نسبت إِلَيْهَا الْقَبِيلَة، وقبيلة أُخْرَى يُقَال لَهَا: أحمس بن ضبيعة بن ربيعَة بن نزار، وَلَيْسَت هَذِه بمراده هَهُنَا.

4355 - حدّثنا مُسَدَّدٌ حدّثنا خالِدٌ حدّثنا بَيانٌ عنْ قَيْسٍ عنْ جَرِيرٍ قَالَ كانَ بَيْتٌ فِي الجاهِلِيَّةِ يُقالُ لَهُ ذُو الخَلَصَةِ والكَعْبَةُ اليَمانِيَةُ والكَعْبَةُ الشَّامِيَّةُ فَقَالَ لِي النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ألاَ تُرِيحُنِي مِنْ ذِي الخَلَصَةِ فَنَفَرْتُ فِي مِائَةٍ وخَمْسِينَ رَاكِباً فَكَسَرْنَاهُ وقَتَلْنا مَنْ وجَدْنا عِنْدَهُ فأتَيْتُ النبيَّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فأخْبَرْتُهُ فَدَعَا لَنا ولأِحْمَسَ. .

مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. وخَالِد هُوَ ابْن عبد الله الطَّحَّان، وَبَيَان، بِفَتْح الْبَاء الْمُوَحدَة وَتَخْفِيف الْيَاء آخر الْحُرُوف: ابْن بشر، بِكَسْر الْبَاء الْمُوَحدَة، وَقيس هُوَ ابْن أبي حَازِم، وَجَرِير بن عبد الله البَجلِيّ، بِفَتْح الْبَاء الْمُوَحدَة وَالْجِيم.
والْحَدِيث مضى فِي: بَاب ذكر جرير بن عبد الله البَجلِيّ، فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ عَن إِسْحَاق الوَاسِطِيّ عَن خَالِد عَن بَيَان ... الخ بأتم مِنْهُ، وَمضى الْكَلَام فِيهِ هُنَاكَ. وَأخرجه مُسلم فِي الْفَضَائِل عَن عبد الحميد عَن خَالِد بِهِ.
قَوْله: (يُقَال لَهُ: ذُو الخلصة والكعبة اليمانية والكعبة الشامية) ، قَالَ النَّوَوِيّ: فِيهِ إِشْكَال إِذْ كَانُوا يَقُولُونَ لَهُ: الْكَعْبَة اليمانية، فَقَط، وَأما الْكَعْبَة الشامية فَهِيَ الْكَعْبَة المعظمة الَّتِي بِمَكَّة، فَلَا بُد من التَّأْوِيل بِأَن يُقَال: كَانَ يُقَال لَهُ: الْكَعْبَة اليمانية، وَالَّتِي بِمَكَّة الْكَعْبَة الشامية، وَقَالَ: ذكر الشامية غلط. وَقَالَ الْكرْمَانِي: يحْتَمل أَن تكون الْكَعْبَة مُبْتَدأ. وَقَوله: (الشامية) . خَبره وَالْجُمْلَة حَال، وَمَعْنَاهَا: أَن الْكَعْبَة هِيَ الشامية لَا غير، وَعند مُسلم: وَكَانَ يُقَال لَهُ: الْكَعْبَة اليمانية والشامية، قَالَ السُّهيْلي: وَهَذَا مُشكل، وَمَعْنَاهُ: كَانَ يُقَال لَهُ: الْكَعْبَة والكعبة الشامية الْبَيْت، فَزِيَادَة: لَهُ، فِي الحَدِيث سَهْو وبإسقاطه يَصح الْمَعْنى، قَالَه بعض النَّحْوِيين، وَقَالَ: وَلَيْسَ هُوَ عِنْدِي بسهو وَإِنَّمَا مَعْنَاهُ: وَكَانَ يُقَال لَهُ، أَي: يُقَال من أَجله الْكَعْبَة اليمانية، وَله بِمَعْنى: من أَجله، لَا يُنكر فِي الْعَرَبيَّة وَقَالَ عِيَاض: وَفِي بعض الرِّوَايَات: والكعبة اليمانية الشامية، بِغَيْر وَاو، وَقَالَ: وَفِيه إِبْهَام، قَالَ: وَالْمعْنَى: كَانَ يُقَال لَهُ تَارَة هَكَذَا وَتارَة هَكَذَا. قَوْله: (أَلا تريحني) كلمة: أَلا، بِفَتْح الْهمزَة وَتَخْفِيف اللَّام للتحضيض، وَقيل: طلب يتَضَمَّن الْأَمر، وتريحني، من الإراحة بالراء والحاء الْمُهْملَة والمرادا رَاحَة الْقلب، وَإِنَّمَا خص جَرِيرًا بذلك لِأَنَّهَا كَانَت فِي بِلَاد قومه وَكَانَ هُوَ من أَشْرَافهم. قَوْله: (فنفرت) ، أَي: خرجت مسرعاً. قَوْله: (فكسرناه) ، أَي: الْبَيْت. قَوْله: (ولأحمس) على وزن أَحْمَر بالمهملتين، وأحمس أَخُو بخيلة، رَهْط جرير رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، ينسبون إِلَى أحمس بن الْغَوْث بن أَنْمَار، وبجيلة امْرَأَة نسبت إِلَيْهَا الْقَبِيلَة، وقبيلة أُخْرَى يُقَال لَهَا: أحمس بن ضبيعة بن ربيعَة بن نزار، وَلَيْسَت هَذِه بمراده هَهُنَا.

4356 - ح دّثنا مُحَمَّدُ بنُ المُثَنَّى حدّثنا يَحيى حدَّثنا إسْماعِيلُ حَدثنَا قَيْسٌ قَالَ قَالَ لِي جَرِيرٌ رَضِي الله عَنهُ قَالَ لي النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ألاَ ترِيحُنِي مِنْ ذِي الخَلَصَةِ وكانَ بَيْتاً فِي خَثْعَمَ يُسَمَّى الكَعْبَةَ اليَمانِيَةَ فَانْطَلَقْتُ فِي خَمْسِينَ ومِائَةِ فارِسٍ مِنْ أحْمَسَ وكانُوا أصْحَابَ خَيْلٍ وكُنْتُ لاَ أثْبُتُ عَلى الخَيْلِ فَضَرَبَ فِي صَدْرِي حَتَّى رأيْتُ أثَرَ أصابِعِهِ فِي صَدْرِي وَقَالَ اللَّهُمَّ ثَبِّتْهُ واجْعَلْهُ هادِياً مَهْدِيًّا فانْطَلَقَ إلَيْهَا فَكَسَرَهَا وحَرَّقَها ثُمَّ بَعَثَ إِلَى رسُولِ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ رسُولُ جَرِيرٍ والَّذِي بَعَثَكَ بالحَقِّ مَا جِئْتُكَ حَتَّى تَرَكْتُها كأنَّها جَمَلٌ أجْرَبُ قَالَ فَبَارَكَ فِي خَيْلِ أحْمسَ ورِجَالِها خَمْسَ مرَّاتٍ. .

هَذَا طَرِيق آخر فِي الحَدِيث الْمَذْكُور عَن مُحَمَّد بن الْمثنى عَن يحيى بن سعيد الْقطَّان عَن إِسْمَاعِيل بن أبي خَالِد البَجلِيّ الْكُوفِي عَن قيس بن أبي حَازِم. والْحَدِيث مضى فِي الْجِهَاد فِي: بَاب الْبشَارَة فِي الْفتُوح بِعَين هَذَا الْإِسْنَاد.
قَوْله: (فِي خثعم) بِفَتْح الْخَاء الْمُعْجَمَة وَسُكُون الثَّاء الْمُثَلَّثَة وَفتح الْعين الْمُهْملَة: قَبيلَة بِالْيمن، وَقَالَ الرشاطي: هُوَ أقبل بن أَنْمَار بن أرش بن عَمْرو بن الْغَوْث بن نبت بن ملكان بن زيد بن كهلان، وَقَالَ ابْن الْكَلْبِيّ عَن أَبِيه: إِنَّمَا سمي: أقبل، بخثعم بجمل لَهُ يُقَال لَهُ: خثعم. قَوْله: (جمل أجرب) بِالْجِيم وَالْبَاء الْمُوَحدَة وَهُوَ كِنَايَة عَن إِزَالَة بهجتها وإذهاب زينتها. وَقَالَ الْخطابِيّ: المُرَاد هَا صَارَت مثل الْجمل المطلي بالقطران من جربه، يَعْنِي: صَارَت سَوْدَاء لما وَقع فِيهَا من التحريق، وروى عَن مُسَدّد: أجوف، بِالْوَاو وَالْفَاء بدل: أجرب، فَإِن صحت الرِّوَايَة فَمَعْنَاه: صَارَت خَالِيَة لَا شَيْء فِيهَا.

4357 - ح دّثنا يُوسُفُ بنُ مُوسَى أخبرَنا أبُو أُسامَةَ عنْ إسْماعِيلَ بنِ أبي خالِدٍ عنْ قَيْسٍ عنْ جَرِيرٍ قَالَ قَالَ لي رسُولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَلا تُرِيحُنِي مِنْ ذِي الخَلَصَةِ فَقُلْتُ بَلى فانْطَلَقْتُ فِي خَمْسِينَ ومِائَةِ فارِسٍ مِنْ أحْمَسَ وكانُوا أصْحَابَ خَيْلٍ وكُنْتُ لَا أثْبُتُ عَلَى الخَيْلِ فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لِلنبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَضَرَبَ يَدَهُ عَلى صَدْرِي حَتَّى رأيْتُ أثَرَ يَدِهِ فِي صَدْرِي وَقَالَ اللَّهُمَّ ثَبِّتْهُ واجْعلْهُ هادِياً مَهْدِيًّا قَالَ فَمَا وقَعْتُ عنْ فَرَسٍ بَعْدُ قَالَ وكانَ ذُو الخَلَصَةِ بَيْتاً باليْمَنِ لِخَثْعَمَ وبَجِيلَةَ فِيهِ نُصُبٌ تُعْبَدُ يُقالُ لهُ الكَعْبَةُ قَالَ فَأَتَاهَا فَحَرَّقَها بالنارِ وكَسَرَهَا قَالَ ولَّما قَدِمَ جَرِيرٌ اليَمَنَ كانَ بِها رجُلٌ يَسْتَقْسِمُ بالأزلاَمِ فَقِيلَ لهُ إنَّ رسُولَ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم هاهُنا فإنْ قَدَرَ عَلَيْكَ ضَرَبَ عُنُقَكَ قَالَ فبيْنَمَا هُوَ يَضْرِبُ بِها إذْ وَقَفَ عَلَيْهِ جَرِيرٌ فَقَالَ لَتَكْسِرَنَّها وَلَتَشْهَدَنْ أنْ لَا إلاهَ إلاَّ الله أوْ لأضْرِبَنَّ عُنُقَك قَالَ فكَسَرَها وشَهِدَ ثُمَّ بَعَثَ جَرِيرٌ رجُلاً مِنْ أحْمَسَ يُكْنَى أَبَا أرْطاةَ إِلَى النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يُبْشِّرُهُ بِذَلِكَ فَلَمَّا أتَى النبيَّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ يَا رسُولَ الله والّذِي بَعَثَكَ بالحَقِّ مَا جِئْتُ حَتَّى تَرَكْتُها كَأَنَّهَا جَمَلٌ أجْرَبُ قَالَ فبَرَّك النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَلى خَيْلِ أحمَسَ ورِجالِها خَمْسَ مَرَّاتٍ. .

هَذَا طَرِيق آخر فِي الحَدِيث السَّابِق أخرجه عَن يُوسُف بن مُوسَى بن رَاشد الْقطَّان الْكُوفِي، سكن بَغْدَاد، عَن أبي

(18/11)


أُسَامَة حَمَّاد بن أُسَامَة إِلَى آخِره. والْحَدِيث مضى فِي الْجِهَاد فِي: بَاب حرق الدّور والنخيل.
قَوْله: (فِيهِ نصب) ، بِضَمَّتَيْنِ وَسُكُون الصَّاد أَيْضا، وَهُوَ حجر كَانُوا ينصبونه فِي الْجَاهِلِيَّة ويذبحون عَلَيْهِ، فيحمر بِالدَّمِ ويعبدونه، وَالضَّمِير فِي: فِيهِ، يرجع إِلَى الْبَيْت. وَفِي قَوْله: (فَأَتَاهَا) إِلَى ذِي الخلصة. قَوْله: (فحرقها) يَعْنِي: مَا فِيهَا من الأخشاب. و: (كسرهَا) أَي: هدما فِيهَا من الْبناء. قَوْله: (يستقسم) . أَي: يطْلب قسْمَة من الْخَيْر وَالشَّر بِالْقداحِ. قَالَ الله تَعَالَى: {وَأَن تستقسموا بالأزلام} (الْمَائِدَة: 3) وَلَيْسَ هَذَا من الْقسم بِمَعْنى: الْيَمين. قَوْله: (يضْرب بهَا) ، أَي: بالأزلام. قَوْله: (وَكسرهَا) أَي: الأزلام وَشهد أَن لَا إِلَه إِلَّا الله. قَوْله: (يكنى أَبَا أَرْطَأَة) بِفَتْح الْهمزَة وَسُكُون الرَّاء وبالطاء بعْدهَا التَّاء، واسْمه: حُصَيْن بن ربيعَة وَقع مُسَمّى فِي (صَحِيح مُسلم) وَوَقع لبَعض رُوَاته: حُسَيْن، بسين مُهْملَة بدل الصَّاد وَهُوَ تَصْحِيف، وَقيل: اسْمه حصن، بِكَسْر الْحَاء وَسُكُون الصَّاد، وَمن الروَاة من قلبه فَقَالَ: ربيعَة بن حُصَيْن، وَمِنْهُم من سَمَّاهُ: أَرْطَاة وَالصَّحِيح: أَبُو أَرْطَأَة حُصَيْن بن ربيعَة بن عَامر بن الْأَزْوَر وَهُوَ صَحَابِيّ بجلي وَلَيْسَ لَهُ ذكر إلاّ فِي هَذَا الحَدِيث. قَوْله: (فبرك) ، بِالتَّشْدِيدِ أَي: دَعَا بِالْبركَةِ. قَوْله: (خمس مَرَّات) ، فَإِن قلت: فِي حَدِيث أنس: كَانَ إِذا دَعَا عائلاً. قلت: هَذَا يحمل على الْغَالِب وَالزِّيَادَة عَلَيْهِ لِمَعْنى اقْتضى ذَلِك.
وَفِي الحَدِيث من الْفَوَائِد الدَّالَّة مَا يفتتن بِهِ النَّاس من بِنَاء وَغَيره سَوَاء كَانَ من الصُّور أَو الجماد، والبشارة فِي الْفتُوح، وَفضل ركُوب الْخَيل فِي الْحَرْب، وَقبُول خبر الْوَاحِد، وَالْمُبَالغَة فِي نكاية الْعَدو وَفِيه: منقبة عَظِيمَة لجرير رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، وَفِيه: بركَة دُعَاء النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم.

64 - (غَزْوَةُ ذاتَ السّلاَسِلِ)

أَي: هَذَا بَيَان غَزْوَة ذَات السلَاسِل، وَفِي بعض النّسخ: بَاب غَزْوَة ذَات السلَاسِل، وَسميت هَذِه الْغَزْوَة بِذَات السلَاسِل لِأَن الْمُشْركين ارْتبط بَعضهم إِلَى بعض مَخَافَة أَن يَفروا. وَقيل: لِأَن بهَا مَاء يُقَال لَهُ: السلسل، وَقَالَ ابْن سعد: هِيَ مَا وَرَاء وَادي الْقرى بَينهمَا وَبَين الْمَدِينَة عشرَة أَيَّام، قَالَ: وَكَانَت فِي جُمَادَى الْآخِرَة سنة ثَمَان من الْهِجْرَة، وَقيل: كَانَت سنة سبع، وَالله أعلم.
وهْيَ غَزْوَةُ لَخْمٍ وجُذَامَ قالهُ إسْماعِيلُ بنُ أبي خالدٍ وَقَالَ ابنُ إسْحاق عنْ يَزِيدَ عَنْ عُرْوَةَ هِيَ بِلادُ بَلِيٍّ وعُذْرَةَ وبَنى القَيْنِ.

أَي: غَزْوَة ذَات السلَاسِل غَزْوَة لخم، بِفَتْح اللَّام وَسُكُون الْخَاء الْمُعْجَمَة: وَهِي قَبيلَة كَبِيرَة مَشْهُورَة ينسبون إِلَى لخم واسْمه مَالك بن عدي بن الْحَارِث بن مرّة بن أدد، وَقَالَ الرشاطي: رَأَيْت فِي نسب لخم وأخيه جذام وأختهما عاملة اخْتِلَافا كثيرا، وَقَالَ فِي بَاب الْجِيم: كَانَ لخم وجذام أَخَوَيْنِ فاقتتلا، وكا اسْم لخم مَالك بن عدي، وَاسم جذام عَامر بن عدي فجذم مَالك إِصْبَع عَامر فَسُمي جذاماً، لِأَن أُصْبُعه جذمت، ولخم عَامر مَالِكًا فَسمى لخماً، واللخمة اللَّطْمَة. قَوْله: (قَالَ إِسْمَاعِيل بن أبي خَالِد) وَاسم أبي خَالِد: سعد، وَيُقَال: هُرْمُز، وَيُقَال: كثير الأحمسي البَجلِيّ مَوْلَاهُم الْكُوفِي. قَوْله: (وَقَالَ ابْن إِسْحَاق) هُوَ مُحَمَّد بن إِسْحَاق صَاحب (الْمَغَازِي) (عَن يزِيد) من الزِّيَادَة ابْن رُومَان الْمدنِي، يرْوى عَن عُرْوَة بن الزبير بن الْعَوام. قَوْله: (هِيَ بِلَاد بلي) أَي: ذَات السلَاسِل هِيَ بِلَاد هَؤُلَاءِ الثَّلَاثَة، أما بلي، بِفَتْح الْبَاء الْمُوَحدَة وَكسر اللَّام الْخَفِيفَة وياء النِّسْبَة، فَهِيَ قَبيلَة كَبِيرَة ينبسون إِلَى بلي بن عَمْرو بن الحاف ابْن قضاعة، وَقَالَ ابْن دُرَيْد: بلي، فعيل من قَوْلهم: بلواً سفرا، أَي: نضوا سفرا، وَمن قَوْلهم: بلوت الرجل: إِذا اختبرته، وَأما (عذرة) ، بِضَم الْعين الْمُهْملَة وَسُكُون الذَّال الْمُعْجَمَة: فَهِيَ قَبيلَة كَبِيرَة ينسبون إِلَى عذرة بن سعد هذيم بن زيد بن لَيْث بن سُوَيْد بن أسلم، بِضَم اللَّام اب الحاف بن قضاعة، وَقَالَ ابْن دُرَيْد: هُوَ من عذرت الصَّبِي وأعذرته: إِذا ختنته، والعذرة أَيْضا دَار يُصِيب النَّاس فِي حُلُوقهمْ، وَأما (بَنو الْقَيْن) بِفَتْح الْقَاف وَسُكُون الْيَاء آخر الْحُرُوف وبالنون: فَهِيَ قَبيلَة كَبِيرَة ينسبون إِلَى الْقَيْن بن جسر، وَقَالَ الرشاطي: الْقَيْن هُوَ النُّعْمَان بن جسر بن شيع الله، بِكَسْر الشين الْمُعْجَمَة وَسُكُون الْيَاء آخر الْحُرُوف، وَفِي آخِره عين مُهْملَة: ابْن أَسد بن وبرة بن ثَعْلَب بن حلوان بن عمرَان بن الحاف بن قضاعة، قَالَ ابْن الْكَلْبِيّ: النُّعْمَان حضنه

(18/12)


عبد يُقَال لَهُ الْقَيْن فغلب عَلَيْهِ. قَالَ أَبُو جَعْفَر: كل عبد عِنْد الْعَرَب قينٍ وَالْأمة قينةٍ والقين الْحداد، وَفِي كِتَابه أَيْضا: قين وَهُوَ قين ابْن عَامر بن عبد مَنَاة بن كنَانَة.

4358 - ح دّثنا إسْحاقُ أخبرنَا خالدُ بنُ عبْدِ الله عنْ خالِدٍ الحَذَّاءِ عنْ أبي عُثْمانَ أنَّ رسُولَ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بعَثَ عَمْرَو بنَ العاصِ علَى جَيْش ذاتِ السّلاَسِلِ قَالَ فأتَيْتُهُ فقُلْتُ أيُّ النَّاسِ أحَبُّ إليْكَ قَالَ عائِشَةُ قُلْتُ ومِنَ الرِّجالِ قَالَ أبُوها قُلْتُ ثُمَّ مَنْ قَالَ عُمَرُ فَعَدَّ رِجالاً فَسَكَتُّ مَخَافَةَ أنْ يَجْعَلَنِي فِي آخرِهِمْ. (انْظُر الحَدِيث 3662) .

مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (بعث عَمْرو بن الْعَاصِ على جَيش ذَات السلَاسِل) وَسبب ذَلِك مَا ذكره ابْن سعد: أَن جمعا من قضاعة تجمعُوا وَأَرَادُوا أَن يدنوا من أَطْرَاف المدنية فَدَعَا النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، عَمْرو بن الْعَاصِ فعقد لَهُ لِوَاء أَبيض وَبَعثه فِي ثَلَاثمِائَة من سراة الْمُهَاجِرين وَالْأَنْصَار، ثمَّ أمده بِأبي عُبَيْدَة بن الْجراح فِي مِائَتَيْنِ وَأمره أَن يلْحق بِعَمْرو وَأَن لَا يختلفا، فَأَرَادَ أَبُو عُبَيْدَة أَن يؤمهم فَمَنعه عَمْرو، وَقَالَ: إِنَّمَا قدمت عَليّ مدَدا وَأَنا الْأَمِير، فأطاع لَهُ أَبُو عُبَيْدَة، فصلى بهم عَمْرو، وَسَار عَمْرو حَتَّى وطىء بِلَاد بلَى وعذرة. وذكرا نب حبَان هَذَا الحَدِيث وَفِيه، فَلَقوا الْعَدو فهزموهم فأرادوا أَن يتبعوهم فَمَنعهُمْ، يَعْنِي: عَمْرو بن الْعَاصِ أَمِير الْقَوْم.
وَأما حَدِيث الْبَاب فَأخْرجهُ عَن إِسْحَاق هُوَ ابْن شاهين عَن خَالِد بن عبد الله الطَّحَّان عَن خَالِد بن مهْرَان الْحذاء عَن أبي عُثْمَان عبد الرَّحْمَن بن مل النَّهْدِيّ، وهذ مُرْسل، وَجزم بِهِ الْإِسْمَاعِيلِيّ.
قَوْله: (قَالَ: فَأَتَيْته) أَي: قَالَ عَمْرو بن الْعَاصِ: فَأتيت النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَفِي رِوَايَة مُعلى بن مَنْصُور فِي مُسلم: (قدمت من جَيش ذَات السلَاسِل فَأتيت النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم) . قَوْله: (فَسكت) ، بتَشْديد تَاء الْمُتَكَلّم هُوَ عَمْرو بن الْعَاصِ، وَفِي هَذَا الحَدِيث جَوَاز تأمير الْمَفْضُول عِنْد وجود الْفَاضِل إِذا امتاز الْمَفْضُول بِصفة تتَعَلَّق بِتِلْكَ الْولَايَة فَإِنَّهُ كَانَ فِي هَذَا الْجَيْش أَبُو بكر وَعمر رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا، فَلَا يَقْتَضِي تأمير عَمْرو فِي هَذَا أفضليته عَلَيْهِمَا وَلَكِن يَقْتَضِي لَهُ فضلا فِي الْجُمْلَة، وَفِي هَذِه الْغَزْوَة تيَمّم عَمْرو بن الْعَاصِ مَخَافَة الْبرد.

4359 - ح دّثنا عبْد الله بنُ أبي شَيْبَةَ العَبْسيُّ حدّثنا ابنُ إدْرِيسَ عنْ إسْماعِيلَ بنِ أبي خالِدٍ عنْ قَيْسٍ عنْ جَرِيرٍ قَالَ كُنْتُ بالبَحْرِ فَلِقيتُ رَجُلَيْنِ مِنْ أهْلِ اليَمَنِ ذَا كَلاَعٍ وذَا عَمْروٍ فَجَعَلْتُ أُحَدِّثُهُمْ عنْ رسُولِ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ لَهُ ذُو عَمْروٍ لَئِنْ كانَ الَّذِي تَذْكُرُ مِنْ أمْرِ صاحِبِكَ لَقَدْ مَرَّ عَلَى أجَلِهِ مُنْذُ ثَلاثٍ وأقْبَلاَ مَعِي حَتَّى إذَا كُنَّا فِي بَعْضِ الطَّرِيقِ رُفِعَ لَنَا رَكْبٌ مِنْ قِبَلِ المَدِينَةِ فَسألْناهُمْ فَقالُوا قُبِضَ رسُولُ الله واسْتُخْلِفَ أبُو بكْرٍ والنَّاسُ صالُحونَ فَقَالاَ أخْبِرْ صاحِبكَ أنّا قَدْ جِئْنا وَلعَلَّنا سنَعُودُ إنْ شاءَ الله وَرَجَعَا إِلَى اليَمَنِ فأخبَرْتُ أَبَا بَكْرٍ

(18/13)


بِحَدِيثِهِمْ قَالَ أفَلاَ جِئْتَ بِهِمْ فَلَمَّا كانَ بَعْدُ قَالَ لِي ذُو عَمْروٍ يَا جَرِيرُ إنَّ لَكَ عَلَى كَرَامَةً وإنِّي مخْبِرُكَ خَبَراً إنَّكُمْ مَعْشَرَ العرَبِ لَنْ تَزَالُوا بِخَيْرٍ مَا كُنْتُمْ إذَا هَلَكَ أمِيرٌ تأمَّرْتُمْ فِي آخَرَ فإذَا كانَتْ بالسَّيْفِ كانُوا مُلُوكاً يَغْضَبُونَ غَضَبَ المُلُوكِ ويَرْضُونَ رِضا المُلُوكِ.

مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة من حَيْثُ إِن جَرِيرًا لما هد ذَا الخلصة بعد شُهُوده حجَّة الْوَدَاع ذهب إِلَى الْيمن ثمَّ لما رَجَعَ، بلغته وَفَاة النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم. وَعبد الله هُوَ أَبُو بكر وَاسم أَبِيه مُحَمَّد بن أبي شيبَة واسْمه إِبْرَاهِيم بن عُثْمَان الْحَافِظ الْعَبْسِي، بِفَتْح الْعين الْمُهْملَة وَسُكُون الْبَاء الْمُوَحدَة وَهُوَ شيخ مُسلم أَيْضا، يروي عَن عبد الله بن إِدْرِيس عَن إِسْمَاعِيل بن أبي خَالِد عَن قيس بن أبي حَازِم.
قَوْله: (ذَا كلاع) ، بِفَتْح الْكَاف وَتَخْفِيف اللَّام واسْمه: إسميفع، بِكَسْر الْهمزَة وَسُكُون السِّين الْمُهْملَة وَفتح الْمِيم وَسُكُون الْيَاء آخر الْحُرُوف وَفتح الْفَاء وَفِي آخِره عين مُهْملَة، وَيُقَال: إيفع بن باكوراء، وَيُقَال: ابْن حَوْشَب بن عمر، وَقَالَ أَبُو عَمْرو: وَأَظنهُ من حمير، وَيُقَال: إِنَّه اب عمر كَعْب الْأَحْبَار يكنى أَبَا شُرَحْبِيل، وَيُقَال: أَبُو شُرَحْبِيل كَانَ ريئسا فِي قومه مُطَاعًا متبوعاً اسْلَمْ وَكتب إِلَيْهِ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي التعاون على الْأسود ومسيلمة وطليحة وَكَانَ الرَّسُول إِلَيْهِ جرير بن عبد الله البَجلِيّ فَأسلم وَخرج مَعَ جرير إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَكَانَ ذُو الْكَلَام الْقَائِم بِأَمْر مُعَاوِيَة فِي حَرْب صفّين وَقتل قبل انْقِضَاء الْحَرْب، ففرح مُعَاوِيَة بِمَوْتِهِ، وَكَانَ مَوته فِي سنة سبع وَثَلَاثِينَ. قَالَ أَبُو عَمْرو. وَلَا أعلم لذِي الكلاع صُحْبَة أَكثر من إِسْلَامه واتباعه النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فِي حَيَاته، وَأَظنهُ أحد الْوُفُود عَلَيْهِ، وَالله أعلم، وَلَا أعلم لَهُ رِوَايَة إلاَّ عَن عَمْرو وعَوْف بن مَالك، وَقَالَ أَبُو عَمْرو: وَإنَّهُ أعتق عشرَة آلَاف أهل بَيت. وَقَالَ ابْن دُرَيْد: كَانَ ذُو الكلاع ادّعى الربوبية فِي الْجَاهِلِيَّة وَأَن إِسْلَامه إِنَّمَا كَانَ أَيَّام عمر رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، لِأَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كتب لَهُ مَعَ جرير وَجَرِير إِنَّمَا قدم بعد وَفَاة سيدنَا مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم. قَوْله: (وَذَا عَمْرو) ، كَانَ أحد مُلُوك الْيمن، وَقَالَ أَبُو عمر: ذُو عمر رجل من الْيمن أقبل مَعَ ذِي الكلاع إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، مُسلمين ومعهما جرير بن عبد الله البَجلِيّ، وَيُقَال: كَانَا عزما على التَّوَجُّه إِلَى الْمَدِينَة فَلَمَّا بلغهما وَفَاة النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم رجعا إِلَى الْيمن ثمَّ هاجرا فِي زمن عمر رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ. قَوْله: (أحدثهم) ، إِنَّمَا جمع الضَّمِير بِاعْتِبَار من كَانَ مَعَهُمَا. قَوْله: (من أَمر صَاحبك) أَرَادَ بالصاحب النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم. قَوْله: (لقد مر على أَجله مُنْذُ ثَلَاث) أَرَادَ إِنَّه مَاتَ مُنْذُ ثَلَاثَة أَيَّام، قَالَ الْكرْمَانِي: فَإِن قلت: أَيْن جَزَاء الشَّرْط؟ قلت: جَوَاب الْقسم جزاءاً للشّرط معنى. فَإِن قلت: الشَّرْط شَرطه أَن يكون سَببا للجزاء، وَهَهُنَا لَيْسَ كَذَلِك؟ قلت: هُوَ متأول بالإخبار، إِن تُخبرنِي بذلك أخْبرك بِهَذَا، فالإخبار سَبَب للإخبار، وَقَالَ أَيْضا: إِنَّمَا علم وَفَاته صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، إِمَّا بِسَمَاعِهِ من بعض القادمين من الْمَدِينَة سرا، وَإِمَّا أَنه كَانَ من المحدَّثين، وَإِمَّا أَنه كَانَ فِي الْجَاهِلِيَّة كَاهِنًا، إِنَّمَا أخبر بذلك عَن إطلاع من الْكتب الْقَدِيمَة لِأَن الْيمن كَانَ أَقَامَ بهَا جمَاعَة من الْيَهُود فَدخل كثير من أهل الْيمن فِي دينهم وتعلموا مِنْهُم. قَوْله: (وأقبلا معي) ، من كَلَام جرير، أَي: أقبل ذُو الكلاع وَذُو عَمْرو، يَعْنِي: متوجهين إِلَى الْمَدِينَة. قَوْله: (فَقَالَا) أَي: ذُو الكلاع وَذُو عَمْرو (أخبر صَاحبك) أَرَادَ بِهِ: أَبَا بكر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ. قَوْله: (بِحَدِيثِهِمْ) ، قد ذكرنَا أَن جمعه بِاعْتِبَار اتباعهم أَو بِاعْتِبَار أَن أقل الْجمع اثْنَان. قَوْله: (فَلَمَّا كَانَ بعد) ، بِضَم الدَّال على الْبناء أَي: بعد هَذَا الْأَمر. وَلَعَلَّه كَانَ ذَلِك بعد أَن هَاجر ذُو عَمْرو فِي خلَافَة عمر رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، وَذكر يَعْقُوب بن شبة بِإِسْنَاد لَهُ: أَن ذَا الكلاع كَا مَعَه اثْنَي عشر ألف بَيت من موَالِيه، فَسَأَلَهُ عمر بيعهم ليستعين بهم على حَرْب الْمُشْركين، فَقَالَ ذُو الكلاع: هم أَحْرَار فَأعْتقهُمْ فِي سَاعَة وَاحِدَة. قَوْله: (كَرَامَة) مَنْصُوب، قَوْله: (تآمرتم) ، بِمد الْهمزَة وَتَخْفِيف الْمِيم، أَي: تشاورتم، والائتمار الْمُشَاورَة ويروى: (تأمرتم) ، بِالْقصرِ وبتشديد الْمِيم أَي: اقمتم أَمِيرا مِنْكُم عَن رضى مِنْكُم أَو عهد من الأول. قَوْله: (فَإِذا كَانَت) ، أَي: الْإِمَارَة: (بِالسَّيْفِ) أَي: بالقهر وَالْغَلَبَة (كَانُوا ملوكاً) أَي: خلفاء، وَهَذَا الْكَلَام مِنْهُ يدل على أَن ذَا عمر وَله اطلَاع على الْأَخْبَار من الْكتب الْقَدِيمَة، لِأَنَّهُ يُطَابق حَدِيث سفينة: أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: (الْخلَافَة بعدِي ثَلَاثُونَ سنة ثمَّ تصير ملكا) ، رَوَاهُ أَحْمد وَأَصْحَاب السّنَن وَصَححهُ ابْن حبَان.

(18/14)


66 - (بابُ غزْوَةِ سِيفِ البَحْرِ)

أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان غَزْوَة سيف الْبَحْر، بِكَسْر السِّين الْمُهْملَة وَسُكُون الْيَاء آحر الْحُرُوف وَفِي آخِره فَاء، وَهُوَ السَّاحِل وَلَيْسَ فِي بعض النّسخ لفظ: بَاب.
وهُمْ يَتَلقَّوْنَ عِيراً لِقُرَيْشٍ وأمِيرُهُمْ أبُو عُبَيْدَةَ بنُ الجَرَّاحِ رَضِي الله عنهُ
لَا بُد من تَقْدِير شَيْء قبل هَذَا ليتنظم الْكَلَام، تَقْدِير: بعث النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، بعثاً قبل سَاحل الْبَحْر فَخَرجُوا وهم يتلقون عيرًا، أَي: يرصدون عيرًا، وَهَكَذَا وَقع فِي بعض الرِّوَايَات: وَالْعير، بِكَسْر الْعين: الْإِبِل الَّتِي تحمل الْميرَة، وأميرهم أَبُو عُبَيْدَة بن الْجراح واسْمه عَامر، وَقيل: عبد الله بن عَامر بن الْجراح بن هِلَال بن أهيب بن ضبة بن الْحَارِث بن فهر بن مَالك بن النَّضر بن كنَانَة الْقرشِي الفِهري، شهد بَدْرًا وَمَا بعْدهَا من الْمشَاهد، مَاتَ وَهُوَ ابْن ثَمَان وَخمسين سنة فِي طاعون عمواس سنة ثَمَان عشرَة بالأردن من الشَّام، وَبهَا قَبره، وَصلى عَلَيْهِ معَاذ بن جبل رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا.

4360 - ح دّثنا إسْماعيلُ قَالَ حدّثني مالِكٌ عنْ وهْبِ بنِ كَيْسانَ عنْ جابِرِ بنِ عبْدِ الله رَضِي الله عَنْهُمَا أنَّهُ قَالَ بَعَثَ رَسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بَعْثاً قِبَل السَّاحِلِ وأمَّرَ عَلَيْهِمْ أَبَا عُبَيْدَةَ بنَ الجَرَّاحِ وهُمْ ثَلاثُمائَةٍ فَخرَجْنا وكُنَّا بِبَعْضِ الطَّرِيقِ فَنِيَ الزَّادُ فأمَرَ أبُو عُبَيْدَةَ بأزْوَادِ الجَيْشِ فَجُمِعَ فَكانَ مِزْوَدَيْ تَمْرٍ فَكانَ يَقُوتُنا كلَّ يَوْمٍ قَلِيلٌ قَليل حَتَّى فَنِيَ فَلَمْ يَكُنْ يُصِيبُنا إلاَّ تَمْرَةٌ تَمْرَةٌ فَقُلْتُ مَا تُغْنِي عَنْكُمْ تَمْرَةٌ فَقَالَ لقَدْ وَجَدْنا فَقْدَها حِينَ فَنِيَتْ ثمَّ انْتَهَيْنَا إِلَى البَحْرِ فإذَا حُوتٌ مِثْلُ الظَّرِب فأكلَ مِنْها القَوْمُ ثَمَانَ عَشْرَةَ لَيْلَةً ثُمَّ أمَرَ أبُو عُبَيْدَةِ بِضِلَعَيْنِ مِنْ أضْلاَعِهِ فَنُصِبَا ثُمَّ أمَرَ بِرَاحِلَةٍ فَرُحِلَتْ ثُمَّ مَرَّتْ تَحْتَهُما فَلَمْ تُصبْهُما. .

مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. وَإِسْمَاعِيل بن أبي أويس ابْن أُخْت مَالك بن أنس. والْحَدِيث مر فِي الشّركَة فِي الطَّعَام فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ عَن عبد الله بن يُوسُف عَن مَالك إِلَى آخِره، وَمر الْكَلَام فِيهِ هُنَاكَ.
قَوْله: (قبل السَّاحِل) ، بِكَسْر الْقَاف وَفتح الباه الْمُوَحدَة، أَي: جِهَته، وَذكر ابْن سعد وَغَيره: أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، بَعثهمْ إِلَى حَيّ من جُهَيْنَة بالقبلية، بِفَتْح الْقَاف وَالْبَاء الْمُوَحدَة: مِمَّا يَلِي سَاحل الْبَحْر بَينهم وَبَين الْمَدِينَة خمس لَيَال، وَأَنَّهُمْ انصرفوا وَلم يلْقوا كيداً، وَأَن ذَلِك كَانَ فِي شهر رَجَب سنة ثَمَان، وَهَذَا لَا يُعَارض مَا فِي (الصَّحِيح) لِأَنَّهُ يُمكن الْجمع بَين كَونهم يتلقون عيرًا لقريش ويقصدون حَيا من جُهَيْنَة. قَوْله: (فخرجنا) ، الْتِفَات من الْغَيْبَة إِلَى التَّكَلُّم. قَوْله: (فَكَانَ مزودي تمر) ، المزود: بِكَسْر الْمِيم، مَا يَجْعَل فِيهِ الزَّاد. قَوْله: (يقوتنا) من قاته يقوته من الثلاثي الْمُجَرّد، ويروى: يقوتنا، بِضَم الْيَاء وَتَشْديد الْوَاو من: التقويت، والقوت مَا يقوم بِهِ بدن الْإِنْسَان. قَوْله: (قَلِيل قَلِيل) ، بِدُونِ الْألف على اللُّغَة الربيعية، وَالْمَشْهُور قَلِيلا قَلِيلا، بِالنّصب. قَوْله: (لقد وجدنَا فقدها) أَي: مؤثراً. قَوْله: (ثمَّ انتهينا إِلَى الْبَحْر) ، أَي: إِلَى سَاحل الْبَحْر. قَوْله: (فَإِذا حوت) كلمة: إِذا، للمفاجأة، والحوت، اسْم جنس لجَمِيع السّمك وَقيل هُوَ مَخْصُوص بِمَا عظم مِنْهَا. قَوْله: (مثل الظرب) ، بِفَتْح الظَّاء الْمُعْجَمَة وَكسر الرَّاء: وَهُوَ الْجَبَل الصَّغِير، وَوَقع فِي بعض النّسخ بالضاد الْمُعْجَمَة، حَكَاهُ ابْن التِّين، وَالْأول أصوب وَقَالَ الْفراء: هُوَ بِسُكُون الرَّاء إِذا كَانَ منبسطاً لَيْسَ بالعالي، وَفِي رِوَايَة أبي الزبير: فَوَقع لنا على سَاحل الْبَحْر كَهَيئَةِ الْكَثِيب الضخم فأتيناه فَإِذا هُوَ دَابَّة تدعى العنبر. قَوْله: (بضلعين) ، الضلع بِكَسْر الضَّاد وَفتح اللَّام.

4361 - ح دّثنا عَلِيُّ بنُ عَبْدِ الله حدّثنا سُفْيانُ قَالَ الَّذِي حَفِظْناهُ مِنْ عَمْرِو بن دِينار قَالَ سَمِعْتُ جابِرَ بنَ عَبْدِ الله يَقُولُ بَعَثَنَا رسُولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ثَلاثَمَائِةِ راكِبٍ أمِيرُنا أبُو عُبَيْدَةَ بنُ الجَرَّاحِ

(18/15)


نَرْصُدُ عِيرَ قُرَيْشٍ فأقَمْنا بالسَّاحِلِ نِصْفَ شَهْرٍ فأصابنَا جُوعٌ شَدِيدٌ حتَّى أكَلْنا الخَبَطَ فَسُمِّي ذالِكَ الجَيْشُ جَيْشَ الخَبَطِ فألْقَى لَنَا البَحْرُ دَابَّةً يُقالُ لهَا العَنْبَرُ فأكَلْنا مِنْهُ نِصْف شَهْرٍ وادَّهنَّا مِنْ ودَكِهِ حَتَّى ثابَتْ إلَيْنا أجْسامُنا فأخَذَ أبُو عُبَيْدَةَ ضَلعَاً مِنْ أضْلاَعِهِ فَنَصَبَهُ فعمَدَ إلَى أطْوَلِ رجُلٍ معَهُ قَالَ سُفْيانُ مرَّةً ضِلعاً منْ أضْلاَعِهِ فنَصَبَهُ وأخَذَ رَجُلاً وبَعِيراً فَمَرَّ تَحْتَهُ قَالَ جابرٌ وَكَانَ رجُلٌ مِنَ القَوْمِ نَحَرَ ثَلاَثَ جَزَائِرَ ثُمَّ نَحَرَ ثَلاَثَ جَزَائِرَ ثُمَّ نَحَرَ ثَلاثَ جَزَائِرَ ثُمَّ إنَّ أَبَا عُبَيْدَةَ نَهَاهُ وكانَ عَمْروٌ يقُولُ أخْبرَنا أَبُو صالِحٍ أنَّ قَيْسَ بنَ سَعْدٍ قَالَ لأِبِيهِ كُنْتُ فِي الجَيْشِ فَجاعُوا قَالَ انْحَرْ قَالَ نَحَرْتُ قَالَ ثُمَّ جاعُوا قَالَ انْحَرْ قَالَ نَحَرْتُ قَالَ ثُمَّ جاعُوا قَالَ انْحَرْ قَالَ نَحرْتُ ثُمَّ جاعُوا قَالَ انْحَرْ قَالَ نُهِيتُ. .

هَذَا طَرِيق آخر من حَدِيث جَابر. وسُفْيَان هُوَ ابْن عُيَيْنَة.
قَوْله: (ثَلَاثمِائَة رَاكب) ، بِالنّصب بدل من قَوْله: بعثنَا. قَوْله: (أميرنا أَبُو عُبَيْدَة) جملَة إسمية وَقعت حَالا بِدُونِ الْوَاو كَمَا فِي كَلمته: فوه إِلَى فِي. قَوْله: (الْخبط) ، بِفَتْح الْخَاء الْمُعْجَمَة وَالْبَاء الْمُوَحدَة، وَهُوَ ورق السّلم، يُقَال: خبطت الشَّجَرَة إِذا ضربتها بالعصا ليسقط من وَرقهَا، وَفِي رِوَايَة أبي الزبير: وَكُنَّا نضرب بعصينا الْخبط ثمَّ نبله بِالْمَاءِ فنأكله، وَهَذَا يدل على أَنه كَانَ يَابسا، وَيرد بِهَذَا مَا قَالَه الدَّاودِيّ: إِنَّه كَانَ رطبا. قَوْله: (نصف شهر) ، سَيَأْتِي: ثَمَان عشرَة لَيْلَة، وَفِي رِوَايَة أبي الزبير: فَأَقَمْنَا عَلَيْهَا شهرا، وَالْجمع بَين هَذِه الرِّوَايَات: أَن الَّذِي قَالَ: ثَمَان عشرَة، ضبط مَا لم يضبطه غَيره، وَأَن من قَالَ: نصف شهر، ألغى الْكسر الزَّائِد وَهُوَ ثَلَاثَة أَيَّام، وَمن قَالَ: شهرا، جبر الْكسر أَو ضم بَقِيَّة الْمدَّة الَّتِي قبل وجدانهم الْحُوت إِلَيْهَا، وَرجح النَّوَوِيّ رِوَايَة أبي الزبير لما فِيهَا من الزِّيَادَة، وَقَالَ ابْن التِّين: إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ فِي البُخَارِيّ وهم. قَوْله: (من ودكه) ، بِفَتْح الْوَاو وَالدَّال الْمُهْملَة: وَهُوَ من اللَّحْم والشحم مَا يتحلب مِنْهُ. قَوْله: (فَأخذ أَبُو عُبَيْدَة ضلعاً من أضلاعه) كَذَا فِي رِوَايَة الْأَكْثَرين. وَفِي رِوَايَة الْمُسْتَمْلِي: من أَعْضَائِهِ، وَالصَّوَاب هُوَ الأول لِأَن سُفْيَان قَالَ مرّة: ضلعاً من أَعْضَائِهِ، فَدلَّ على أَن الرِّوَايَة الأولى: من أضلاعه. قَوْله: (وثابت) ، بالثاء الْمُثَلَّثَة أَي: رجعت أجسامنا إِلَى مَا كَانَت عَلَيْهِ من الْقُوَّة وَالسمن. قَوْله: (وَكَانَ رجل من الْقَوْم نحر ثَلَاث جزائر) أَي: عِنْدَمَا جَاعُوا، والجزائر جمع جزور، وَهُوَ الْبَعِير ذكرا كَانَ أَو أُنْثَى إِلَّا أَن اللَّفْظَة مُؤَنّثَة تَقول: هِيَ الْجَزُور وَإِن أردْت ذكرا. قَوْله: (وَكَانَ عَمْرو) ، هُوَ ابْن دِينَار، (وَأَبُو صَالح) ذكْوَان السمان. قَوْله: (أَن قيس بن سعد) إِلَى آخِره، مُرْسل لِأَن عَمْرو بن دِينَار لم يدْرك زمَان تحديث قيس لِأَبِيهِ لكنه فِي (مُسْند الْحميدِي) مَوْصُول أخرجه أَبُو نعيم فِي (الْمُسْتَخْرج) من طَرِيقه وَلَفظه: عَن أبي صَالح عَن قيس بن سعد بن عبَادَة، قَالَ: قلت لأبي وَكنت فِي ذَلِك الْجَيْش جَيش الْخبط فَأصَاب النَّاس جوع، قَالَ لي: أنحر! قلت: نحرت. فَذكره. قَوْله: (نهيت) ، على صِيغَة الْمَجْهُول والناهي هُوَ أَبُو عُبَيْدَة.

4362 - ح دّثنا مُسَدَّدٌ حَدثنَا يَحْ يَى عنِ ابنِ جُرَيْجٍ قَالَ أخبْرَني عمْروٌ أنَّهُ سَمِعَ جابِراً رَضِي الله عَنهُ يقُولُ غزَوْنا جَيْشَ الخَبَطِ وأُمِّرَ أَبُو عُبَيْدَةَ فَجُعْنا جُوعاً شَدِيداً فألْقَى البَحْرُ حُوتاً مَيِّتاً لمْ نَرَ مِثْلَهُ يقالُ لهُ العَنْبَرُ فأكَلْنا مِنْهُ نِصْفَ شَهْرٍ فأخَذَ أبُو عُبَيْدَةَ عَظْماً مِنْ عِظامِهِ فَمَرَّ الرَّاكِبُ تَحْتهُ فأخْبَرَنِي أَبُو الزُّبَيْرِ أنَّهُ سَمِعَ جابِراً يقُولُ قَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ كُلُوا فَلَمَّا قَدِمْنا المَدينَةَ ذَكَرْنا ذَلِكَ للنبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ كُلُوا رِزْقاً أخْرَجَهُ الله أطْعِمُونا إنْ كانَ مَعَكُمْ فآتاهُ بَعْضُهُمْ فأكلَهُ. .

هَذَا طَرِيق آخر فِي حَدِيث جَابر أخرجه عَن مُسَدّد عَن يحيى الْقطَّان عَن عبد الْملك بن عبد الْعَزِيز بن جريج عَن عَمْرو بن دِينَار ... الخ.
قَوْله: (أَمر) ، بِضَم الْهمزَة وَتَشْديد الْمِيم الْمَكْسُورَة على صِيغَة الْمَجْهُول، وَفِي رِوَايَة ابْن عُيَيْنَة عِنْد

(18/16)


مُسلم: وأميرنا أَبُو عُبَيْدَة. قَوْله: (فَأَخْبرنِي أَبُو الزبير) ، الْقَائِل هُوَ ابْن جريج، وَهُوَ مَوْصُول بِالْإِسْنَادِ الْمَذْكُور، وَأَبُو الزبير مُحَمَّد بن مُسلم الْمَكِّيّ. قَوْله: (فَأَتَاهُ) ، بِالْمدِّ أَي: فَأعْطَاهُ، وَفِي رِوَايَة ابْن السكن: فآتاه بَعضهم بعضو مِنْهُ فَأَكله، قَالَ عِيَاض: هُوَ الْوَجْه، وَفِي رِوَايَة أَحْمد من طَرِيق ابْن جريج الَّذِي أخرجه البُخَارِيّ: فَكَانَ مَعنا فِي شَيْء فَأرْسل بِهِ إِلَيْهِ بعض الْقَوْم فَأكل مِنْهُ. فَإِن قلت: وَقع فِي رِوَايَة أبي حَمْزَة عَن جَابر عَن ابْن عَسَاكِر: فَلَمَّا قدمُوا ذكرُوا لرَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فَقَالَ: لَو نعلم أَنا ندركه لم يروح لأحببنا لَو كَانَ عندنَا مِنْهُ فَمَا الْوَجْه بَين هَذِه وَبَين رِوَايَة أبي الزبير؟ قلت: وَجه ذَلِك أَن رِوَايَة أبي حَمْزَة تحمل على أَنه قَالَ ذَلِك ازدياداً مِنْهُ بعد أَن أحضروا لَهُ مِنْهُ، وَكَانَ الَّذِي أحضروه مَعَهم لم يروح فَأكل مِنْهُ.
وَفِي الحَدِيث: أَن ميتَة الْحُوت تُؤْكَل. وَفِيه: مَشْرُوعِيَّة الْمُوَاسَاة بَين الْجَيْش عِنْد وُقُوع المجاعة. وَفِيه: أَن الِاجْتِمَاع على الطَّعَام يَسْتَدْعِي الْبركَة فِيهِ.

67 - (حَجُّ أبي بَكْرٍ بالنَّاس فِي سَنَةِ تسْعٍ)

أَي: هَذَا بَيَان حج أبي بكر الصّديق رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، بِالنَّاسِ. قَوْله: حج أبي بكر، مُضَاف ومضاف إِلَيْهِ مَرْفُوع بِالِابْتِدَاءِ، وَخَبره قَوْله: فِي سنة تسع، أَي: كَانَ، أَو: وَقع فِي سنة تسع من الْهِجْرَة، وَيجوز أَن يكون لفظ: حج فعلا مَاضِيا، فَيُقَال: حج أَبُو بكر، وَيكون: أَبُو بكر، فَاعله وَلم يخْتَلف فِي أَن حجه كَانَ فِي سنة تسع، وَلَكنهُمْ اخْتلفُوا فِي أَي شهر حج أَبُو بكر، فَذكر ابْن سعد وَغَيره بِإِسْنَاد صَحِيح عَن مُجَاهِد: أَن حجَّة أبي بكر وَقعت فِي ذِي الْقعدَة، وَمِنْهُم من قَالَ: إِن حجَّته كَانَت فِي ذِي الْحجَّة، وَمِنْهُم من لم يبين ذَلِك، وَقَالَ الْوَاقِدِيّ: إِنَّه خرج فِي تِلْكَ الْحجَّة مَعَ أبي بكر ثَلَاثمِائَة من الصَّحَابَة، وَبعث مَعَه رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عشْرين بَدَنَة. وَذهب جمَاعَة إِلَى أَن حج أبي بكر هَذَا لم يسْقط عَنهُ الْفَرْض بل كَانَ تَطَوّعا قبل فرض الْحَج.

4363 - ح دّثنا سُلَيْمَانُ بنُ داوُدَ أبُو الرَّبِيعِ حَدثنَا فُلَيْحٌ عنِ الزُّهْرِيِّ عنْ حُمَيْدِ بنِ عبْدِ الرَّحْمانِ عنْ أبي هُرَيْرَةَ أنَّ أَبَا بكْرٍ الصِّدِّيقَ رَضِي الله عنهُ بعثَهُ فِي الحَجَّةِ الَّتي أمَّرَهُ عَلَيْها النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَبْلَ حَجَّةِ الوَدَاعِ يَوْمَ النَّحْرِ فِي رَهْطٍ يُؤَذِّنُ فِي النَّاسِ لَا يَحُجُّ بعْدَ العامِ مُشْركٌ وَلَا يَطَوفُ بالبَيْتِ عُرْيانٌ.

مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة وَسليمَان بن دَاوُد أَبُو الرّبيع ضد الخريف الْعَتكِي الزهْرَانِي الْبَصْرِيّ، وفليح، بِضَم الْفَاء: ابْن سُلَيْمَان، وَكَانَ اسْمه: عبد الْملك وفليح لقبه فغلب على اسْمه والْحَدِيث مضى فِي الْحَج فِي: بَاب لَا يطوف بِالْبَيْتِ عُرْيَان، فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ عَن يحيى بن بكير عَن اللَّيْث عَن ابْن شهَاب وَهُوَ الزُّهْرِيّ عَن حميد بن عبد الرَّحْمَن ... الخ، وَقد مضى الْكَلَام فِيهِ هُنَاكَ.

4364 - ح دّثني عبْدُ الله بنُ رَجاءٍ حدّثنا إسْرَائِيلُ عنْ أبي إسْحاقَ عَن البَرَاءِ رَضِي الله عَنهُ قَالَ آخِرُ سُورَةٍ نَزَلَتْ كامِلَةً بَراءَة وآخِرُ سورَةٍ نزلَت خاتمَةُ سورَةِ النِّساءِ {يَسْتَفْتُونَكَ قُل الله يُفتيكُمْ فِي الْكلاَلَةِ} (النِّسَاء: 176) .

مطابقته للتَّرْجَمَة من حَيْثُ إِن بَرَاءَة نزلت وَقد بعث النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَبَا بكر رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، على الْحَج، فَقيل: لَو بعث بهَا إِلَى أبي بكر فَقَالَ: لَا يُؤَدِّي عني إلاَّ رجل من أهل بَيْتِي، ثمَّ دَعَا عليا، فَقَالَ: أخرج بصدر بَرَاءَة وأذّن فِي النَّاس يَوْم النَّحْر إِذا اجْتَمعُوا بمنى. . الحَدِيث رَوَاهُ ابْن إِسْحَاق. وَقَالَ الْكرْمَانِي: وَجه تعلقه بالترجمة مُنَاسبَة الْآيَة الَّتِي فِي بَرَاءَة وَهِي قَوْله تَعَالَى: {إِنَّمَا الْمُشْركُونَ نجس فَلَا يقربُوا الْمَسْجِد الْحَرَام بعد عَامهمْ هَذَا} (بَرَاءَة: 28) لما وَقع فِي حجَّته، وكل من الْوَجْهَيْنِ لَا يَخْلُو عَن تعسف مَعَ أَن الأول أقرب.
وَعبد الله بن رَجَاء ضد الْخَوْف ابْن الْمثنى الغداني الْبَصْرِيّ، وَرُبمَا يرْوى عَنهُ البُخَارِيّ بِوَاسِطَة، وَإِسْرَائِيل هُوَ ابْن يُونُس يروي عَن جده أبي إِسْحَاق عَمْرو بن عبد الله السبيعِي عَن الْبَراء بن عَازِب.
والْحَدِيث أخرجه البُخَارِيّ أَيْضا فِي الْفَرَائِض عَن عبيد

(18/17)


الله بن مُوسَى.
قَوْله: (كَامِلَة) قَالَ الدَّاودِيّ: لفظ: كَامِلَة، لَيْسَ بِشَيْء لِأَن بَرَاءَة نزلت شَيْئا بعد شَيْء. قلت: وَلِهَذَا لم يذكر لفظ: كَامِلَة، فِي هَذَا الحَدِيث فِي التَّفْسِير، وَلَفظه هُنَاكَ: آخر سُورَة نزلت بَرَاءَة، وَآخر آيَة نزلت يستفتونك وَذكر النّحاس عَن ابْن عَبَّاس: آخر سُورَة نزلت: {إِذا جَاءَ نصر الله وَالْفَتْح} (النَّصْر: 10) وَسَيَأْتِي فِي التَّفْسِير عَن ابْن عَبَّاس: أَن آخر آيَة نزلت آيَة الرِّبَا، وَآخر سُورَة نزلت ... الخ قَالَ الْكرْمَانِي: يستفتونك، لَيْسَ آخر سُورَة نزلت، بل آخر آيَة من السُّورَة كَمَا صرح بِهِ فِي التَّفْسِير، ثمَّ قَالَ: المُرَاد من السُّورَة فِيهِ الْقطعَة من الْقُرْآن أَو الْإِضَافَة فيهمَا بِمَعْنى من البيانية نَحْو شجر أَرَاك، أَي: آخر من سُورَة، أَو بِمَعْنى: من البيانية نَحْو شجر أَرَاك، أَي: آخر من سُورَة، أَو بِمَعْنى: من، التبعضية أَي: الآخر بعض السُّورَة. قلت: لفظ الحَدِيث فِي (الْأَطْرَاف) لِلْحَافِظِ الْمزي: وَآخر آيَة نزلت، وَهُوَ الصَّوَاب فَلَا يحْتَاج إِلَى هَذِه التعسفات.

68 - (وفْدُ بَني تَمِيمٍ)

أَي: هَذَا بَيَان وَفد بني تَمِيم. وَهُوَ ابْن مر بن اد بن طابخة بن الياس بن مُضر بن نزار، وَشرع البُخَارِيّ من هُنَا فِي بَيَان الْوُفُود، وَذكر ابْن إِسْحَاق أَن أَشْرَاف بَين تَمِيم قدمُوا على النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، مِنْهُم عُطَارِد بن حَاجِب الدَّارمِيّ، والأقرع وعيينة شَهدا الْفَتْح ثمَّ كَانَا مَعَ نَبِي تَمِيم. فَلَمَّا دخلُوا الْمَسْجِد نادوا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من وَرَاء حجرته، فيهم: {إِن الَّذين يُنَادُونَك من وَرَاء الحجرات} إِلَى قَوْله: {غَفُور رَحِيم} (الحجرات: 4 5) فأسلموا وجوزهم رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كل رجل اثْنَي عشرَة أُوقِيَّة وَنَشَأ وَأعْطى لعمر بن الْأَهْتَم خمس أَوَاقٍ لحداثة سنة، وَكَانَ هَذَا قبل الْفَتْح.

4365 - ح دّثنا أبُو نُعَيْمٍ حدّثنا سُفْيانُ عنْ أبي صَخْرَةَ عنْ صَفْوَانَ بنِ مُحْرِزٍ المازِنيِّ عنْ عِمْرَانَ بنِ حُصَيْنٍ رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ أتَى نَفَرٌ من بَني تَمِيمٍ النبيَّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ اقْبَلُوا البُشْرَى يَا بَنِي تَمِيمٍ قالُوا يَا رَسُول الله قَدْ بَشَّرْتَنا فأعْطِنا فَرِىءَ ذَلِكَ فِي وجهْهِ فَجَاءَ نَفَرٌ اليَمَنِ فَقَالَ اقْبَلُوا البُشْرَى إذْ لَمْ يَقْبَلْها بَنُو تَمِيمٍ قالُوا قَدْ قَبِلْنا يَا رسُولَ الله. .

مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. وَأَبُو نعيم، بِضَم النُّون: الْفضل بن دُكَيْن، وسُفْيَان هُوَ الثَّوْريّ، وَأَبُو صَخْرَة، بِفَتْح الصَّاد الْمُهْملَة وَسُكُون الْخَاء الْمُعْجَمَة: واسْمه جَامع بن شَدَّاد، بِفَتْح الشين الْمُعْجَمَة وَتَشْديد الدَّال: الْمحَاربي الْأَسدي الْكُوفِي، وَصَفوَان بن مُحرز على صِيغَة اسْم الْفَاعِل من الأحراز بِالْحَاء الْمُهْملَة وَالرَّاء وَالزَّاي. والْحَدِيث مر فِي أول كتاب بَدْء الْخلق بأتم مِنْهُ، وَمر الْكَلَام فِيهِ هُنَاكَ، فَافْهَم.

69 - (بابٌ)

أَي: هَذَا بَاب، وَلَا يعرب إلاَّ بِهَذَا التَّقْدِير: لِأَن الْإِعْرَاب لَا يكون إلاَّ بِالْعقدِ والتركيب، وَهَذَا كالفصل لما قبله.
قَالَ ابنُ إسْحاقَ غَزْوَةُ عُيَيْنَةَ بنِ حِصْنِ بنِ حُذيْفَةَ بنِ بَدْرٍ بَني العَنْبَرِي مِنْ بَنِي تَمِيمٍ بَعَثَهُ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إلَيْهمْ فأغارَ وأصابَ مِنْهُمْ نَاسا وسَبَى مِنْهُمْ نِساءً.
أَي: قَالَ مُحَمَّد بن إِسْحَاق صَاحب (الْمَغَازِي) . قَوْله: غَزْوَة، مصدر مُضَاف إِلَى فَاعله، ومفعوله هُوَ قَوْله: بني العنبر من بني تَمِيم، وَعَنْبَر هُوَ ابْن عَمْرو بن تَمِيم، وَقد مر أَن تَمِيم هُوَ ابْن مر بن أد بن طابخة بن إلْيَاس بن مُضر، وَذكر الْوَاقِدِيّ، رَحمَه الله: أَن سَبَب بعث عُيَيْنَة هُوَ أَن بني تَمِيم أَغَارُوا على نَاس من خُزَاعَة، فَبعث النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَيْهِم عُيَيْنَة بن حصن فِي خمسين لَيْسَ فيهم أَنْصَارِي وَلَا مُهَاجِرِي، فاسر مِنْهُم أحد عشر رجلا وَإِحْدَى عشرَة امْرَأَة، وَثَلَاثِينَ صَبيا، فَقدم رؤساؤهم بِسَبَب ذَلِك، قَالَ ابْن سعد: كَانَ ذَلِك فِي الْمحرم سنة تسع.
//

(18/18)


363 - (حَدثنِي زُهَيْر بن حَرْب حَدثنَا جرير عَن عمَارَة بن الْقَعْقَاع عَن أبي زرْعَة عَن أبي هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ قَالَ لَا أَزَال أحب بني تَمِيم بعد ثَلَاث سمعته من رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - يَقُولهَا فيهم هم أَشد أمتِي على الدَّجَّال وَكَانَت فيهم سبية عِنْد عَائِشَة فَقَالَ أعتقيها فَإِنَّهَا من ولد إِسْمَاعِيل وَجَاءَت صَدَقَاتهمْ فَقَالَ هَذِه صدقَات قوم أَو قومِي) مطابقته للتَّرْجَمَة الْمَذْكُورَة قبل لفظ الْبَاب الْمُجَرّد عَن التَّرْجَمَة من حَيْثُ أَن فِيهِ ذكر تَمِيم ومدحهم وَجَرِير بن عبد الحميد وَأَبُو زرْعَة هرم بن عَمْرو بن جرير البَجلِيّ الْكُوفِي والْحَدِيث مضى فِي كتاب الْعتْق فِي بَاب من ملك من الْعَرَب رَقِيقا بِعَين هَذَا الْإِسْنَاد وبإسناد آخر قَوْله " بعد ثَلَاث " أَي بعد ثَلَاثَة أَشْيَاء من الْخِصَال قَوْله " سمعته " صفة لقَوْله ثَلَاث قَوْله " يَقُولهَا " تَأْنِيث الضَّمِير فِيهِ بِاعْتِبَار معنى الثَّلَاث وَفِي سمعته بِاعْتِبَار اللَّفْظ قَوْله " هم أَشد أمتِي " أول الثَّلَاث قَوْله " وَكَانَت فيهم " ثَانِيهَا وَفِي رِوَايَة الْكشميهني مِنْهُم وحروف الْجَرّ يقوم بَعْضهَا مقَام بعض قَوْله " سبية " بِفَتْح السِّين الْمُهْملَة وَكسر الْبَاء الْمُوَحدَة وَتَشْديد الْيَاء آخر الْحُرُوف أَو بسكونها بِهَمْزَة مَفْتُوحَة أَي جَارِيَة سبيئة بِمَعْنى مسبوءة قَوْله " وَجَاءَت صَدَقَاتهمْ " ثَالِثهَا قَوْله " قوم " بِالْكَسْرِ بِلَا تَنْوِين لِأَنَّهُ قد حذف مِنْهُ يَاء الْمُتَكَلّم أَو قومِي شكّ من الرَّاوِي وَفِي رِوَايَة أبي يعلى عَن زُهَيْر بن حَرْب شيخ البُخَارِيّ فِيهِ صدقَات قومِي بِلَا تردد -
4367 - ح دّثني إبْرَاهِيمُ بنُ مُوسَى حدّثنا هِشامُ بنُ يُوسُفَ أنَّ ابنَ جُرَيْجٍ أخْبَرَهُمْ عَن ابْن أبي مُلَيْكَةَ أنَّ عَبْدَ الله بنَ الزبَيْرِ أخْبَرَهُمْ أنَّهُ قَدِمَ رَكْبٌ مِنْ بَني تَمِيمٍ عَلَى النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ أبُو بَكْرٍ أمِّرِ القَعْقاعَ بنَ مَعْبَدِ بنِ زُرَارَةَ قَالَ عُمَرُ بَلْ أمِّرِ الأقْرَعَ بنَ حابِسٍ قَالَ أبُو بَكْرٍ مَا أرَدْت إلاَّ خِلاَفِي قَالَ عُمَرُ مَا أرَدْتُ خِلافَكَ فَتَمارَ يَا حَتَّى ارْتَفَعْتْ أصْوَاتُهُما فَنَزَلَ فِي ذالكَ {يَا أيُّها الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَقَدِّموا بَيْنَ يَدَي الله ورَسُولِهِ} (الحجرات: 1) حَتَّى انْقَضَتْ. .

مطابقته لما قبله ظَاهِرَة. وَإِبْرَاهِيم بن مُوسَى بن يزِيد أَبُو إِسْحَاق الْفراء الرَّازِيّ. وَهِشَام بن يُوسُف الصَّنْعَانِيّ، وَابْن جريج هُوَ عبد الْملك بن عبد الْعَزِيز بن جريج الْمَكِّيّ، وَابْن أبي مليكَة هُوَ عبد الله بن عبيد الله بن أبي مليكَة، وَاسم أبي مليكَة زُهَيْر بن عبد الله التَّمِيمِي الْأَحول الْمَكِّيّ القَاضِي على عهد عبد الله بن الزبير.
والْحَدِيث أخرجه البُخَارِيّ أَيْضا فِي التَّفْسِير عَن الْحسن بن مُحَمَّد وَعَن بسرة بن صَفْوَان. وَأخرجه التِّرْمِذِيّ فِي التَّفْسِير عَن ابْن الْمثنى. وَأخرجه النَّسَفِيّ فِيهِ وَفِي الْقَضَاء عَن الْحسن بن مُحَمَّد الزَّعْفَرَانِي بِهِ.
قَوْله: (أَمر) بتَشْديد الْمِيم: أَمر من التأمير، و: (الْقَعْقَاع بن معبد) بِفَتْح الْمِيم وَالْبَاء الْمُوَحدَة: ابْن زُرَارَة ابْن عدس بن زيد بن عبد الله بن دارم بن مَالك بن حَنْظَلَة بن مَالك بن زيد مَنَاة بن تَمِيم التَّمِيمِي، أحد وَفد بني تَمِيم، وَإِنَّمَا أَشَارَ أَبُو بكر بتأمير الْقَعْقَاع لِأَنَّهُ كَانَ أرق من الْأَقْرَع، وَأَشَارَ عمر بالأقرع لِأَنَّهُ كَانَ أَحْرَى من الْقَعْقَاع، وكل أَرَادَ خيرا. قَوْله: (فتماريا) التماري هُوَ: المجادلة والمخاصمة. قَوْله: {يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا لَا تقدمُوا بَين يَدي الله وَرَسُوله، وَاتَّقوا الله إِن الله سميع عليم} (الحجرات: 1) وَمعنى: لَا تقدمُوا لَا تقطعوا أمرا إلاَّ بعد مَا يحكم الله وَرَسُوله ويأذنان فِيهِ فتكونوا إِمَّا عاملين بِالْوَحْي، وَإِمَّا مقتدين برَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَعَلِيهِ يَدُور تَفْسِير ابْن عَبَّاس: لَا تَقولُوا خلاف الْكتاب وَالسّنة. وَقَالَ عَطِيَّة: لَا تكلمُوا بَين يَدي كَلَامه، وَحذف الْمَفْعُول ليُفِيد شُمُوله لكل مَا يخْطر بالبال مِمَّا تقدم. قَوْله: (بَين يَدي الله وَرَسُوله) ، من بَاب التَّمْثِيل وَحَقِيقَته من قَوْلهم: جَلَست بَين يَدي فلَان، أَن تجْلِس بَين الْجِهَتَيْنِ المسامتتين ليمينه وشماله، فسميت الجهتان: يدين، لِكَوْنِهِمَا على سمت الْيَدَيْنِ مَعَ الْقرب مِنْهُمَا توسعاً كَمَا يُسمى الشَّيْء باسم غَيره إِذا جاوره وداناه قَوْله: (إِن الله سميع عليم) ، سميع بأقوالكم عليم بأفعالكم قَوْله: (حَتَّى انْقَضتْ) أَي: الْآيَة إِلَى قَوْله: {وَأَنْتُم لَا تشعرون} (الحجرات: 1) .

(18/19)