عمدة القاري شرح صحيح البخاري

70 - (بابُ وفْدِ عَبدِ القَيْسِ)

أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان وَفد عبد الْقَيْس، وَهِي قَبيلَة كَبِيرَة يسكنون الْبَحْرين وينسبون إِلَى عبد الْقَيْس بن أفصى، بِفَتْح الْهمزَة وَسُكُون الْفَاء وبالصاد الْمُهْملَة على وزن أعمى بن دعمي، بِضَم الدَّال الْمُهْملَة وَسُكُون الْعين الْمُهْملَة وَكسر الْمِيم وَسُكُون الْيَاء آخر الْحُرُوف: ابْن جديلة، بِفَتْح الْجِيم على وزن كَبِيرَة ابْن أَسد بن ربيعَة بن نزار، وَكَانَت قريتهم بِالْبَحْرَيْنِ أول قَرْيَة أُقِيمَت فِيهَا الْجُمُعَة بعد الْمَدِينَة تسمى جواثى، بِضَم الْجِيم وَتَخْفِيف الْوَاو والثاء الْمُثَلَّثَة، وَكَانَ عدد هَؤُلَاءِ الْوَفْد ثَلَاثَة عشر رجلا فِي سنة خمس أَو قبلهَا، وَقَالَ ابْن إِسْحَاق: وَكَانَ قدوم وَفد عبد الْقَيْس قبل الْفَتْح.

4368 - ح دّثني إسْحَاقُ أخبرَنا أبُو عامِرٍ العَقَدِيُّ حَدثنَا قُرَّةُ عنْ أبي جَمْرَةَ قُلْتُ ل ابْنِ عبَّاسٍ رَضِي الله عَنْهُمَا إنَّ لِي جرَّةً يُنْتَبَذُ لي فِيها نَبِيذٌ فأشْرَبُهُ حُلْواً فِي جَرٍّ إِن أكْثَرْتُ مِنْهُ فَجالَسْتُ القَوْمَ فأطلْتُ الجُلُوسَ خَشِيتُ أنْ أفْتَضِحَ فَقَالَ قَدِمَ وفْدُ عبْدِ القَيْسِ علَى رسولِ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ: مَرْحباً بالْقَوْمِ غيرَ خَزَايا وَلَا النَّدَامَى فقالُوا يَا رسُولَ الله إنَّ بَيْنَنَا وبَيْنَكَ المُشْرِكِينَ مِنْ مُضَرَ وإنّا لَا نَصِلُ إليْكَ إِلَّا فِي أشْهُرِ الحُرُمِ حَدِّثْنا بِجُمَلٍ مِنَ الأمْرِ إنْ عَمِلْنا بهِ دَخَلْنا الجَنَّةَ ونَدْعُو بهِ مَنْ وَرَاءَنا قَالَ آمُرُكُمْ بأرْبَعٍ وأنْهاكُمْ عنْ أرْبَعٍ الإيمانُ بِاللَّه هَلْ تَدْرُونَ مَا الإيمانُ الله شَهادَةُ أنْ لَا إلاهَ إلاَّ الله وإقامُ الصَّلاَةِ وإيتاءُ الزَّكاةِ وصَوْمُ رَمضان وأنْ تُعْطُوا مِنَ المَغانِمِ الخُمسَ وأنْهاكُمْ عنْ أرْبَعٍ مَا انْتُبِذَ فِي الدُّباءِ والنِّقيرِ والحَنْتَمِ والمُزَفَّتِ. .

مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. وَإِسْحَاق هُوَ ابْن إِبْرَاهِيم الْمَعْرُوف بِابْن رَاهَوَيْه، وَأَبُو عَامر عبد الْملك بن عمر والعقدي، وقرة، بِضَم الْقَاف وَتَشْديد الرَّاء هُوَ ابْن خَالِد السدُوسِي، وَأَبُو جَمْرَة، بِفَتْح الْجِيم وَالرَّاء: نصر بن عمرَان الضبعِي الْبَصْرِيّ.
والْحَدِيث مر فِي كتاب الْإِيمَان فِي: بَاب أَدَاء الْخمس من الْإِيمَان، بأتم مِنْهُ.
قَوْله: (إِن لي جرة) ، ويروى: إِن لي جَارِيَة، فَإِن صحت هَذِه الرِّوَايَة فَقَوله: تنتبذ، بتاء المضارعة للمؤنث، وعَلى الرِّوَايَة الْمَشْهُورَة تكون: ننتبذ، بنُون الْمُتَكَلّم. قَوْله: (فِي جر) ، يتَعَلَّق بِمَحْذُوف هُوَ صفة جرة الْمَذْكُورَة تَقْدِيره إِن لي جرة كَانَت فِي جملَة جرار، وَقَالَ الْجَوْهَرِي: الجرة من الخزف وَالْجمع جرر وجرار. قَوْله: (خشيت) جَوَاب: إِن، مَعْنَاهُ: إِن أكثرت من نَبِيذ الْجَرّ فجالست النَّاس وَطَالَ جلوسي خشيت أَن افتضح، لما أكاد تشتبه أفعالي وأقوالي بالسكارى، وَمعنى الْبَقِيَّة قد مر فِي الْبَاب الْمَذْكُور.

4369 - ح دّثنا سُلَيْمَانُ بنُ حَرْبٍ حدّثنا حَمَّادُ بنُ زَيْدٍ عنْ أبي جَمْرَةَ قَالَ سَمِعْتُ ابنَ عَبَّاسٍ يقُولُ قَدِمَ وَفْدُ عبْدِ القَيْسِ عَلى النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فقَالُوا يَا رسولَ الله إنَّا هَذا الحَيَّ مِنْ رَبِيعَةَ وقَدْ حالَتْ بَيْنَنَا وبيْنَكَ كُفّارُ مُضَرَ فَلَسْنا نَخْلُصُ إليْكَ إلاَّ فِي شَهْرٍ حَرَامٍ فمُرْنا بأشيْاءَ نأخُذُ بهَا ونَدْعُوا إلَيْهَا مَنْ وَرَاءَنا قَالَ آمُرُكُمْ بأرْبَعٍ وَأنْهَاكُمْ عنْ أرْبَعٍ الإيمَانِ بِاللَّه شَهَادَةِ أنْ لَا إلاهَ إلاَّ الله وعَقَدَ وَاحِدَةً وإقامِ الصَّلاَةِ وإيتاءِ الزَّكاةِ وأنْ تُؤْدُّوا لله خُمُسَ مَا غَنِمْتُمْ وأنْهاكُمْ عنِ الدُبَّاءِ والنَّقِيرِ والخنْتَمِ والمُزَفَّتِ. .

هَذَا طَرِيق آخر فِي حَدِيث ابْن عَبَّاس. قَوْله: (من ربيعَة) ، هُوَ ابْن نزار بن معد بن عدنان، قَالَ الرشاطي: ربيعَة هَذَا شعب وَاسع فَإِنَّهُ قبائل وعمائر وبطون وأفخاذ قَوْله: (إِنَّا هَذَا الْحَيّ) ، أَرَادَ بِهِ عبد الْقَيْس، وَأسْقط فِي هَذَا: صَوْم رَمَضَان، لِأَن الظَّاهِر أَن الْقِصَّة وَقعت مرَّتَيْنِ، فَفِي الْمرة الأولى ذكر مَا الْأَمر فِيهِ أهم بِالنِّسْبَةِ إِلَيْهِم أَو نَسيَه الرَّاوِي.

(18/20)


4370 - ح دّثنا يَحْيَى بنُ سُلَيْمانَ حدّثني ابنُ وهْبٍ أَخْبرنِي عمْروٌ وَقَالَ بَكْرُ بنُ مُضَر عنْ عَمْرِو بنِ الحارِثِ عنْ بُكَيْرٍ أنَّ كُرَيْباً مَوْلَى ابنِ عَبَّاسٍ حدَّثَهُ أنَّ ابنَ عَبَّاس وعبْدَ الرَّحْمانِ ابنَ أزْهَرَ والمِسْوَرَ بنَ مَخْرَمَةَ أرْسَلُوا إِلَى عائِشَةَ رَضِي الله عَنْهَا فقالُوا اقْرأ عَلَيْها السَّلامَ مِنَّا جَمِيعاً وسَلْها عنِ الرَّكْعَتَيْنِ بَعْدَ العَصْرِ وإنَّا أُخْبِرْنا أنَّكِ تُصَلِّيهما وقَدْ بَلَغَنا أنَّ النبيَّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم نَهى عَنْها قَالَ ابنُ عَبَّاسٍ وكُنْتُ أضْرِبُ مَعَ عُمَرَ النَّاسَ عنْهُما قَالَ كُرَيْبٌ فَدَخَلْتُ عَلَيْها وبلغْتُها مَا أرسَلُونِي فقالَتْ سَلْ أُمَّ سَلَمَةَ فأخْبَرْتُهُمْ فَرَدُّونِي إِلَى أُمِّ سَلَمَة بِمِثْلِ مَا أرْسَلونِي إِلَى عائِشَةَ فقالَتْ أُمُّ سَلَمَة سَمِعْتُ النبيَّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَنْهَى عَنْهما وإنَّهُ صَلَّى العَصْرَ ثُمَّ دَخَلَ عَليَّ وعِنْدِي نِسْوَةٌ مِنْ بَني حَرَامٍ مِنَ الأنْصارِ فصَلاَّهُما فأرْسَلْتُ إليْهِ الخَادِمَ فقُلْتُ قُومِي إِلَى جَنْبِهِ فقُولي تَقُولُ أُمُّ سَلَمَة يَا رَسُولَ الله ألَمْ أسْمَعْكَ تَنْهَى عنْ هاتَيْنِ الرَّكْعَتَيْنِ فأرَاكَ تُصَلِّيهِما فإنْ أشارَ بِيَدِهِ فاسْتأخِرِي فَفَعَلَتِ الجارِيَةُ فأشارَ بِيَدِهِ فاسْتأخَرَتْ عنْهُ فلَمّا انْصَرَفَ قَالَ يَا بنْتَ أبي أُمَيَّةَ سألْتِ عَنِ الرَّكَعَتَيْنِ بَعْدَ العَصْرِ إنَّهُ أَتَانِي أُناسٌ مِنْ عبْدِ القَيْسِ بالإسْلاَمِ مِنْ قَوْمِهِمْ فَشَغَلُونِي عَن الرَّكَعَتَيْنِ اللَّتَيْنِ بَعْدَ الظُّهْرِ فهُما هاتانِ. (انْظُر الحَدِيث 1233) .

مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (أَتَانِي أنَاس من عبد الْقَيْس) وَيحيى بن سُلَيْمَان أَبُو سعيد الْجعْفِيّ الْكُوفِي. سكن مصر، يروي عَن عبد الله بن وهب الْمصْرِيّ عَن عَمْرو بن الْحَارِث.
وَأخرج البُخَارِيّ هَذَا الحَدِيث فِي أَوَاخِر الصَّلَاة فِي: بَاب إِذا كَلمه وَهُوَ يُصَلِّي، عَن يحيى الْمَذْكُور، فَقَالَ: حَدثنَا يحيى بن سُلَيْمَان قَالَ: حَدثنِي بن وهب الْمصْرِيّ، قَالَ: أَخْبرنِي عَمْرو بن كريب: أَن ابْن عَبَّاس والمسور ابْن مخرمَة وَعبد الرَّحْمَن بن أَزْهَر أَرْسلُوهُ الحَدِيث. وَهنا أخرجه بِهَذَا الْإِسْنَاد أَيْضا. وَأخرجه أَيْضا مُعَلّقا بقوله: وَقَالَ بكر بن مُضر عَن عَمْرو بن الْحَارِث عَن بكير عَن كريب إِلَى آخِره، وَوصل الطَّحَاوِيّ هَذَا التَّعْلِيق من طَرِيق عبد الله بن صَالح عَن بكر بن مُضر إِلَى آخِره.
وَبكر، بِفَتْح الْبَاء الْمُوَحدَة: ابْن مُضر، بِضَم الْمِيم: ابْن مُحَمَّد الْقرشِي الْمصْرِيّ، وَبُكَيْر بن عبد الله بن الْأَشَج المَخْزُومِي.
قَوْله: (وَإِنَّا أخبرنَا) ، بِضَم الْهمزَة وَسُكُون الْخَاء على صِيغَة الْمَجْهُول. قَوْله: (سل أم سَلمَة) بِفَتْح اللَّام، وَاسْمهَا: هِنْد بنت أبي أُميَّة المخزومية. قَوْله: (من بني حرَام) ، بِفَتْح الْحَاء الْمُهْملَة: وَهُوَ ابْن كَعْب بن غنم بن كَعْب بن مسلمة بن سعد بن ساردة بن تزيد، بِالتَّاءِ الْمُثَنَّاة من فَوق. ابْن جشم بن الْخَزْرَج، وَبَقِيَّة الْكَلَام مرت فِي الْبَاب الْمَذْكُور.

4371 - ح دّثنا عبْدُ الله بنُ مُحَمَّدٍ الجُعْفِيُّ حدّثنا أبُو عامِرٍ عبْدُ المَلِكِ حدّثنا إبْرَاهِيمُ هُوَ ابنُ طهْمانَ عنْ أبي جَمْرَةَ عنِ ابْن عبّاسٍ رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ أوَّلُ جُمُعَةٍ جُمِّعَتْ بَعْدَ جُمُعَةٍ جُمِّعَتْ فِي مَسْجِدِ رسُولِ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي مَسْجِد عبْدِ القَيْسِ بِجُوَاثَي يَعْني قَرْيَةً مِنَ البَحْرَيْنِ. (انْظُر الحَدِيث 892) .
ذكر هَذَا هُنَا لأجل ذكر عبد الْقَيْس فِيهِ، وَفِيه فَضِيلَة لعبد الْقَيْس أَيْضا، وَأَبُو جَمْرَة بِالْجِيم مر عَن قريب، وجواثي، بِضَم الْجِيم وَتَخْفِيف الْوَاو وَفتح الثَّاء الْمُثَلَّثَة مَقْصُورا: حصن قريب من الْبَصْرَة، والبحرين مَوضِع بساحل بَحر عمان.

71 - (بابُ وَفْدِ بَني حَنِيفَةَ وحَديثِ ثُمامَةَ بنِ أُثالٍ)

أَي هَذَا بَاب فِي بَيَان وَفد بني حنيفَة، وحنيفة هُوَ ابْن لجيم بِالْجِيم ابْن صَعب بن عَليّ بن بكر بن وَائِل، وَهِي قَبيلَة كَبِيرَة مَشْهُورَة ينزلون الْيَمَامَة بَين مَكَّة واليمن، وثمامة، بِضَم الثَّاء الْمُثَلَّثَة وَتَخْفِيف الْمِيم: ابْن أَثَال، بِضَم الْهمزَة وَتَخْفِيف الثَّاء الْمُثَلَّثَة: ابْن النُّعْمَان بن

(18/21)


مسلمة الْحَنَفِيّ، وَهُوَ من فضلاء الصَّحَابَة، وَكَانَت قصَّته قبل وَفد بني حنيفَة بِزَمَان، فَإِنَّهَا كَانَت قبل فتح مَكَّة، فَلَا وَجه لذكرها هَا هَهُنَا فَقيل: ذكرهَا هَا هَهُنَا اسْتِطْرَادًا وَلَيْسَ بِشَيْء.

4372 - ح دّثنا عبْدُ الله بنُ يُوسُفَ حدّثنا اللَّيْثُ قَالَ حَدثنِي سَعِيدُ بنُ أبي سَعِيدٍ أنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ رَضِي الله عَنهُ قَالَ بَعَث النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم خَيْلاً قبَلَ نَجْدٍ فجاءَتْ بِرَجُلٍ مِنْ بَني حَنيفَةَ يُقالُ لهُ ثُمامَةُ بنُ أُثالٍ فَرَبَطُوهُ بِسارِيَةٍ مِنْ سَوَارِى المَسْجِدِ فَخَرَجَ إلَيْهِ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ ماذَا عِنْدَكَ يَا ثُمامَةُ فَقَالَ عِنْدِي خَيْرٌ يَا مُحَمَّدُ إنْ تَقْتُلْنِي تَقْتُلْ ذَا دَمٍ وإنْ تُنْعِمْ تُنعِمْ عَلى شَاكِرٍ وإنْ كُنْتَ تُرِيدُ المالَ فَسَلْ مِنْهُ مَا شِئْتَ فَتُرِكَ حَتى كانَ الغَدُ ثُمَّ قَالَ لهُ ماذَا عنْدَكَ يَا ثُمَامَةُ قَالَ مَا قُلْتُ لَكَ إنْ تُنْعِمْ تُنْعِمْ عَلَى شَاكِرٍ فَتَرَكَه حَتَّى كانَ بَعْدَ الْغَدِ فَقَالَ ماذَا عِنْدَكَ يَا ثُمامَةُ فَقَالَ عِنْدِي مَا قُلْتُ لَكَ فَقَالَ أطْلِقُوا ثُمامَةَ فانْطَلَقَ إِلَى نَخْلٍ قَرِيبٍ مِنَ المَسْجِدِ فاغْتَسَلَ ثُمَّ دَخَلَ المَسْجِدَ فَقَالَ أشْهَدُ أنْ لاَ إلاهَ إلاَّ الله وأشْهَدُ أنَّ مُحَمَّداً رسُولُ الله يَا مُحَمَّدُ وَالله مَا كانَ عَلَى الأرْض وجْهٌ أبْغَضَ إليَّ مِنْ وجْهِكَ فَقدْ أصْبَحَ وجْهُكَ أحَبَّ الوُجُوهِ إليَّ وَالله مَا كَانَ منْ دِينٍ ابْغَضَ إليَّ منْ دِينِكَ فأصْبَحَ دِينُكَ أحبَّ الدِّينَ إليَّ وَالله مَا كانَ منْ بَلَدٍ أبْغَض إليَّ مِنْ بَلَدِكَ فأصْبَحَ بَلَدُكَ أحَبَّ البِلاَدِ إلَيَّ وإنَّ خيْلَكَ أخَذَتْني وَأَنا أُرِيدُ العُمْرَةَ فَماذَا تَرَى فَبَشَّرَهُ رسُولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وأمرَهُ أنْ يَعْتَمِرَ فَلَمَّا قَدِمَ مَكَّةَ قَالَ لهُ قائِلٌ صَبَوْتَ قَالَ لَا وَالله ولَكِنْ أسْلَمْتُ مَعَ مُحَمَّدٍ رسُولِ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَلَا وَالله لَا يَأْتِيكُمْ مِنَ اليَمامَةِ حَبَّةُ حِنْطَةٍ حَتَّى يأذَنَ فِيها النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم. .

مطابقته للجزء الثَّانِي من التَّرْجَمَة ظَاهِرَة وَسَعِيد بن أبي سعيد المَقْبُري وَاسم أبي سعيد كيسَان الْمَدِينِيّ وَقد مر غير مرّة، والْحَدِيث مر مُخْتَصرا فِي: بَاب الصَّلَاة فِي: بَاب الِاغْتِسَال، إِذا أسلم وربط الْأَسير أَيْضا فِي الْمَسْجِد بِهَذَا الْإِسْنَاد بِعَيْنِه.
قَوْله: (بعث النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم خيلاً) أَي: فرسَان خيل، وَهَذَا من ألطف المجازات وأحسنها. قَوْله: (قبل نجد) ، بِكَسْر الْقَاف وَفتح الْبَاء الْمُوَحدَة أَي: جِهَتهَا قَوْله: (فَجَاءَت بِرَجُل) ، يَعْنِي: أسروه وجاؤوا بِهِ وَزعم سيف فِي (كتاب الرِّدَّة) إِن الَّذِي أسره الْعَبَّاس بن عبد الْمطلب، ورد عَلَيْهِ بِأَن الْعَبَّاس: إِنَّمَا قدم على النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي زمَان فتح مَكَّة، وقصة ثُمَامَة قبل ذَلِك. قَوْله: (مَاذَا عنْدك؟) أَي: أَي شَيْء عنْدك؟ وَقَالَ بَعضهم: يحْتَمل أَن تكون: مَا استفهامية، و: ذَا، مَوْصُولَة، وعندك، صلته أَي: مَا الَّذِي اسْتَقر فِي ظَنك أَن أَفعلهُ بك؟ انْتهى. قلت: هَذَا يَأْتِي على أوجه. الأول: أَن تكون: مَا استفهامية، وَذَا، إِشَارَة نَحْو: مَاذَا الْوُقُوف؟ الثَّانِي: أَن تكون مَا استفهامية، و: ذَا، مَوْصُولَة بِدَلِيل افتقاره للجملة بعده الثَّالِث: أَن تكون: مَاذَا، كُله استفهاماً على التَّرْكِيب كَقَوْلِك: لماذا جِئْت؟ الرَّابِع: أَن تكون: مَاذَا، كُله اسْم جنس بِمَعْنى: شَيْء، أَو مَوْصُولا بِمَعْنى: الَّذِي الْخَامِس: أَن تكون: مَاذَا زَائِدَة و: ذَا للْإِشَارَة. السَّادِس: أَن تكون: مَا، استفهاماً و: ذَا، زَائِدَة على خلاف فِيهِ. قَوْله: (عِنْدِي خير) ، يَعْنِي: لست أَنْت مِمَّن تظلم بل أَنْت تَعْفُو وتحسن. قَوْله: (ذَا دم) ، بِالدَّال الْمُهْملَة وَتَخْفِيف الْمِيم عِنْد الْأَكْثَرين، وَفِي رِوَايَة الْكشميهني بِالذَّالِ الْمُعْجَمَة وَتَشْديد الْمِيم، وَقَالَ النَّوَوِيّ: معنى الأول: إِن تقتل تقتل ذَا دم، أَي: صَاحب دم لأجل دَمه، وَمعنى الثَّانِي: ذَا ذمَّة، وَكَذَلِكَ وَقع فِي رِوَايَة أبي دَاوُد، ورده عِيَاض: لِأَنَّهُ يَنْقَلِب الْمَعْنى لِأَنَّهُ إِذا كَانَ ذَا ذمَّة يمْتَنع قَتله، فوجهه النَّوَوِيّ: بِأَن المُرَاد بِالذِّمةِ الْحُرْمَة فِي قومه. قَوْله: (حَتَّى كَانَ الْغَد) ، ويروى فَترك حَتَّى كَانَ الْغَد، وَإِنَّمَا ذكر فِي الْيَوْم الأول شَيْئَيْنِ، لِأَن أَحدهمَا: أشق الْأَمريْنِ. وَهُوَ الْقَتْل. وَالْآخر: أَشْقَى الْأَمريْنِ وَاقْتصر فِي الْيَوْم الثَّانِي على الشَّيْء الثَّانِي لأجل الاستعطاف، وَطلب الإنعام وَاقْتصر فِي الْيَوْم الثَّالِث على الْإِجْمَال تفويضاً

(18/22)


إِلَى جميل خلقه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم. قَوْله: (أطْلقُوا ثُمَامَة) ، وَفِي رِوَايَة قَالَ: قد عَفَوْت عَنْك يَا ثُمَامَة وأعتقك. قَوْله: (إِلَى نخل) ، بِالْخَاءِ الْمُعْجَمَة وَفِي كتاب الصَّلَاة: بِالْجِيم، وَهُوَ المَاء، قَالَه الْكرْمَانِي. قَوْله: (وبشره) ، أَي: بِخَير الدُّنْيَا وَالْآخِرَة. قَوْله: (صبوت) ، أَي: ملت إِلَى دين غير دينك. قَوْله: (قَالَ: لَا) ، أَي: لَا صبوت من الدّين، لِأَن عبَادَة الْأَوْثَان لَيست بدين حَتَّى إِذا تركتهَا أكون خَارِجا من دين بل دخلت فِي دين الْإِسْلَام و (أسلمت مَعَ مُحَمَّد) بِمَعْنى: وافقته على دين الْحق فصرنا متصاحبين فِي الْإِسْلَام، وَفِي رِوَايَة ابْن هِشَام: وَلَكِن تبِعت خير الدّين دين مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم. قَوْله: (حَتَّى يَأْذَن فِيهَا النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم) أَي: إِلَى أَن يَأْذَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بذلك، قَالَ ابْن هِشَام: ثمَّ خرج إِلَى الْيَمَامَة فَمَنعهُمْ أَن يحملوا إِلَى مَكَّة شَيْئا، فَكَتَبُوا إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم. إِنَّك تَأمر بصلَة الرَّحِم، فَكتب إِلَى ثُمَامَة: أَن تخلى بَينهم وَبَين الْحمل إِلَيْهِم.

4373 - ح دّثنا أبُو اليَمَانِ أخبَرنا شُعَيْبٌ عنْ عبْدِ الله بنِ أبي حُسَيْنٍ حدَّثنا نافِعُ بنُ جُبَيْر عَن ابْن عبَّاسٍ رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ قَدِمَ مُسَيْلِمَةُ الكَذَّابُ عَلى عَهْدِ رسولِ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فجَعَلَ يقُولُ إنْ جَعَلَ لي مُحَمَّدٌ الأمْرَ مِنْ بَعْدِهِ تَبِعْتُهُ وقَدِمِهَا فِي بَشَرٍ كثِيرٍ مِنْ قَوْمِهِ فأقْبَلَ إليْهِ رسُولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ومَعَهُ ثابِتُ بنُ قَيْس بنِ شَمَّاسِ وَفِي يَدِ رسُولِ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قطْعَةُ جَرِيدٍ حتَّى وقَفَ عَلَى مُسَيْلِمَةَ فِي أصحابهِ فَقال لوْ سألْتَني هَذِهِ القِطْعَةَ مَا أعْطيْتُكَها ولَنْ تَعْدُوَ أمْرَ الله فِيكَ ولَئِنْ أدْبَرْتَ ليَعْقِرَنَكَ الله وإنِّي لأرَاك الَّذِي أُرِيتُ فِيهِ مَا رَأيْتُ وهَذا ثابِتٌ يُجِيبُكَ عَنِّي ثُمَّ انْصَرَفَ عنْهُ. قالَ ابنُ عَبّاسٍ فَسألْتُ عنْ قَوْلِ رسُولِ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إنَّكَ ارَي الَّذِي أُرِيتُ فِيهِ مَا رَأيْتُ فأخبْرَني أبُو هُرَيْرَة أنَّ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ بَيْنَا أَنا نائِمٌ رأيْتُ فِي يَدَيَّ سِوَارَيْنِ مِنْ ذَهَبٍ فأهمَني شأنُهُما فَأُوحِيَ إليَّ فِي المَنامِ أنِ انْفُخْهُما فنَفَخْتُهُما فَطَارَا فأوَّلْتُهُما كَذَّابَيْنِ يَخْرُجانِ مِنْ بَعْدِي أحَدُهُما العَنْسِيُّ والآخَرُ مُسَيْلِمَةُ. .

مطابقته للجزء الأول للتَّرْجَمَة لِأَن مُسَيْلمَة قدم فِي وَفد نَبِي حنيفَة: وَأَبُو الْيَمَان الحكم بن نَافِع وَشُعَيْب بن أبي حَمْزَة، وَقد تكَرر ذكرهمَا، وَعبد الله بن أبي حُسَيْن هُوَ عبد الله بن عبد الرَّحْمَن بن أبي حُسَيْن بن الْحَارِث النَّوْفَلِي، تَابِعِيّ صَغِير مَشْهُور نسب هُنَا إِلَى جده، وَنَافِع بن جُبَير بن مطعم بن مهْدي بن نوف بن عبد منَاف الْقرشِي الْمدنِي، مَاتَ فِي خلَافَة سُلَيْمَان بن عبد الْملك.
والْحَدِيث مضى بِهَذَا الْإِسْنَاد فِي: بَاب عَلَامَات النُّبُوَّة وَمضى الْكَلَام فِيهِ هُنَاكَ، وَنَذْكُر بعض شَيْء وَإِن كَانَ فِي بعضه تكْرَار.
قَوْله: (قدم) إِلَى الْمَدِينَة (مُسَيْلمَة) تَصْغِير مسلمة ابْن ثُمَامَة بن بكير، بِالْبَاء الْمُوَحدَة: ابْن حبيب بن الْحَارِث من بني حنيفَة، قَالَ ابْن إِسْحَاق: ادّعى النُّبُوَّة سنة عشر وَقدم مَعَ قومه وَأَنَّهُمْ تَرَكُوهُ فِي رحالهم يحفظها لَهُم وذكروه لرَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأخذُوا مِنْهُ جائزته، وَأَنه قَالَ لَهُم: إِنَّه لَيْسَ بشرّكم، وَأَن مُسَيْلمَة لما ادّعى أَنه أشرك النُّبُوَّة مَعَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، احْتج بِهَذِهِ الْمقَالة. قيل: هَذَا شَاذ ضَعِيف السَّنَد لانقطاعه، فَكيف يُوَافق مَا فِي (الصَّحِيح) أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، اجْتمع بِهِ وخاطبه بِمَا ذكره فِي الحَدِيث؟ ثمَّ وفْق بَينهمَا بِأَن يكون لَهُ الْقدوم مرَّتَيْنِ: مرّة تَابعا، وَمرَّة متبوعاً، فَإِن قيل: الْقِصَّة وَاحِدَة، قيل لَهُ: كَانَت إِقَامَته فِي رحالهم بِاخْتِيَارِهِ أَنَفَة واستكباراً أَن يحضر مجْلِس النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وعامله النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، مُعَاملَة الْكَرم على عَادَته فِي الاستئلاف. وَمعنى قَوْله: (إِنَّه لَيْسَ بشركم) أَي: مَكَانا، لكَونه كَانَ يحفظ رحالهم، وَأَرَادَ استئلافه بِالْإِحْسَانِ بالْقَوْل وَالْفِعْل، فَلَمَّا لم يفد فِي مُسَيْلمَة توجه بِنَفسِهِ إِلَيْهِ ليقيم عَلَيْهِ الْحجَّة. قَوْله: (إِن جعل لي مُحَمَّد) ، أَي: الْخلَافَة، ويروى: (إِن جعل لي مُحَمَّد الْأَمر) ، وَهَذَا هُوَ الْأَشْهر. قَوْله: (وقدمها) ، أَي: الْمَدِينَة (فِي بشر كثير) وَقَالَ الْوَاقِدِيّ: كَانَ مَعَه من قومه سَبْعَة شعر نفسا. قَوْله: (وَلنْ تعدو) ، بِالنّصب فِي رِوَايَة الْأَكْثَرين، وروى

(18/23)


بَعضهم: (لن تعدو) ، بِالْجَزْمِ على لُغَة من يجْزم: بلن، وَالْمرَاد بِأَمْر الله: حكمه بِأَنَّهُ كَذَّاب مقتول جهنمي قَوْله: (وَلَئِن أَدْبَرت) أَي: خَالَفت الْحق (ليَعْقِرنك الله) أَي: ليهلنك. قَوْله: (أريت) ، على صِيغَة الْمَجْهُول من رُؤْيا الْمَنَام قَوْله: (وَهَذَا ثَابت يجيبك عني) لِأَنَّهُ كَانَ خطيب الْأَنْصَار قَوْله: (فَسَأَلت عَن قَول رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم) الْمَفْعُول مَحْذُوف يفسره قَوْله: (فَأَخْبرنِي أَبُو هُرَيْرَة) لِأَن هَذَا الحَدِيث، رَوَاهُ ابْن عَبَّاس عَن أبي هُرَيْرَة رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُم. قَوْله: (بَينا) ، قد مر غير مرّة أَن أَصله: بَين، فزيدت فِيهِ: الْألف وَالْمِيم، أَيْضا فِي بعض الْمَوَاضِع، ويضاف إِلَى الْجُمْلَة. قَوْله: (رَأَيْت) ، جَوَابه قَوْله: (من ذهب) كلمة: من، بَيَانِيَّة. قَوْله: (إِن أَنْفُخَهُمَا) ، بِالْخَاءِ الْمُعْجَمَة قَوْله: (الْعَنسِي) ، بِفَتْح الْعين الْمُهْملَة وَسُكُون النُّون وبالسين الْمُهْملَة: نِسْبَة إِلَى عنس وَهُوَ زيد بن مَالك بن أدد، وَمَالك هُوَ جماع مذْحج، وَقَالَ ابْن دُرَيْد: العنس النَّاقة الصلبة، وَأَرَادَ بالعنسي: الْأسود، ولقبه: عبهلة من قَوْلهم: عبهل الْأَمر أهمله، وَقَالَ ابْن إِسْحَاق: خرج بِصَنْعَاء وَعَلَيْهَا الْمُهَاجِرين أبي أُميَّة، وَكَانَ أول مَا ضل بِهِ عَدو الله أَنه مر بِهِ حمَار فَلَمَّا انْتهى إِلَيْهِ عثر لوجهه. فَقَالَ، لَعنه الله: سجد لي وَلم يقم الْحمار حَتَّى قَالَ لَهُ عَدو الله: شأ، فَقَامَ، وَقتل بعمدان وَحمل رَأسه وسلبه إِلَى سيدنَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم. قلت: شأ، بِفَتْح الشين الْمُعْجَمَة وَسُكُون الْهمزَة، وَهِي كلمة تسْتَعْمل عِنْد دُعَاء الْحمار، وَمِنْهُم من يَقُول: كَانَ ذَلِك فِي خلَافَة أبي بكر، وَالله أعلم. وَعَن فَيْرُوز: خرج الْأسود فِي عَامَّة حج بعد حجَّة الْوَدَاع وَكَانَ كَاهِنًا مشعبذاً يُرِيهم الْأَعَاجِيب، وَكَانَ يسبي قُلُوب من يسمع نطقه مَعَه شَيْطَان وتابع لَهُ، وَخرج على مَالك الْيمن فَقتله ونكح امْرَأَته وَملك بِلَاده وَلم يُكَاتب النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَلم يُرْسل إِلَيْهِ لِأَنَّهُ لم يكن مَعَه أحد يشاغبه وَصفا لَهُ ملك الْيمن، وَقَالَ عُرْوَة: أُصِيب الْأسود قبل وَفَاة سيدنَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِيَوْم أَو لَيْلَة، وَعَن ابْن عَبَّاس: جَاءَهُ خبر الْأسود من ليلته وجاءته الرُّسُل صَبِيحَة لَيْلَة قَبضه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَعَن ابْن عمر رَضِي الله عَنْهُمَا، أَتَاهُ الْخَبَر من السَّمَاء فِي لليلة الَّتِي قتل فِيهَا الْأسود فبشرنا بِهِ، وَقَالَ: قَتله البارحة رجل مبارك من أهل بَيت مباركين، قيل: وَمن هُوَ؟ قَالَ: فَيْرُوز، وَقَالَ: دخل عَلَيْهِ فَيْرُوز فَقَالَ لَهُ: مَا تَقول؟ فَإِن مُحَمَّدًا يزْعم أَنه لَيْسَ إلاَّ إِلَه وَاحِد؟ قَالَ الْأسود: بل هُوَ آلِهَة كَثِيرَة، فَقَالَ: ابْسُطْ يدك أُبَايِعك! فَلَمَّا بسط يَده مد فَيْرُوز يَده وَأخذ بعنقه فَقتله، وَقَالَ عبيد بن صَخْر: كَانَ بَين أول أمره وَآخره ثَلَاثَة أشهر.

4375 - ح دّثنا إسْحَاقُ بنُ نَصْرٍ حدَّثنا عَبْدُ الرَّزَّاقِ عنْ مَعْمَرٍ عنْ هَمَّامٍ أنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ رَضِي الله عنهُ يقُولُ قَالَ رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بَيْنا أَنا نائِمٌ أُتِيتُ بِخَزَائِنِ الأرْضِ فَوُضِعَ فِي كَفِّي سِوَارَانِ مِنْ ذَهَبٍ فَكبُرَا عَليَّ فَأُوحِيَ إليَّ أَن انْفُخْهُما فَنَفَخْتُهُما فَذهبَا فأوَّلْتُهُما الكَذَّابِيْنَ اللَّذَيْن أَنا بَينَهُما صاحِبَ صَنْعاءَ وصاحِبَ الْيَمَامَةِ. .

مطابقته للتَّرْجَمَة من حَيْثُ إِن فِيهِ ذكر مسلمة الْكذَّاب من حَيْثُ التضمن فِي قَوْله: (وَصَاحب الْيَمَامَة) . وَهَمَّام هُوَ ابْن مُنَبّه ابْن كَامِل الْيَمَانِيّ الْأَنْبَارِي.
والْحَدِيث أخرجه البُخَارِيّ أضاً تَعْبِير الرُّؤْيَا عَن إِسْحَاق بن إِبْرَاهِيم الْحَنْظَلِي. وَأخرجه مُسلم فِي الرُّؤْيَا عَن مُحَمَّد بن رَافع.
قَوْله: (كبر على) ، بِضَم الْبَاء الْمُوَحدَة على صِيغَة الْإِفْرَاد، أَي: عظم وَثقل، ويروى: (كبرا) ، بالتثنية. قَوْله: (صَاحب صنعاء) بِفَتْح الصَّاد الْمُهْملَة وَسُكُون النُّون وبالمد: قَاعِدَة الْيمن ومدينتها الْعُظْمَى وصاحبها الْأسود الْعَنسِي، واليمامة: مَدِينَة بِالْيمن على مرحلَتَيْنِ من الطَّائِف وصاحبها مُسَيْلمَة الْكذَّاب، لَعنه الله تَعَالَى.

4376 - ح دّثنا الصَّلْتُ بنُ مُحَمَّدٍ قَالَ سَمِعْتُ مَهْدِيَّ بنَ مَيْمُونٍ قَالَ سَمِعْتُ أَبَا رَجاءٍ العُطارِدِيَّ يقُولُ كنَّا نَعْبُدُ الحَجَرَ فَإِذا وجَدْنا حَجَراً هُوَ أخْيَرُ منْهُ ألْقَيْناهُ وأخَذْنا الآخَرَ فَإِذا لَمْ نَجِدْ حَجَراً جَمَعْنا جُثْوَةً منْ تُرابٍ ثُمَّ جِئْنا بالشَّاةِ فَحَلَبْناهُ عَلَيْهِ ثُمَّ طُفْنا بِهِ فإذَا دَخَلَ شَهْرُ رَجَبٍ قُلْنا نُنَصِّلُ الأسِنَّةِ فَلاَ نَدَعُ رُمْحاً فِيهِ حَدِيدَةٌ وَلَا سَهْماً فِيهِ حَدِيدَةٌ إلاَّ نَزَعْناهُ وألْقَيْناهُ شَهَرَ رَجَبٍ.

(18/24)


وسمعْتُ أَبَا رَجاءٍ يَقُولُ كُنْتُ يَوْمَ بُعِثَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم غُلاَماً أرْعَى الإبِلَ عَلَى أهْلِي فَلَمَّا سَمِعْنا بِخُرُوجِهِ فَرَرْنا إِلَى النَّارِ إلَى مُسَيْلِمَةَ الْكَذَّاب.

مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (مُسَيْلمَة الْكذَّاب) والصلت، بِفَتْح الصَّاد الْمُهْملَة وَسُكُون اللَّام وَفِي آخِره تَاء مثناة من فَوق ابْن مُحَمَّد بن عبد الرَّحْمَن الخاركي، بِالْخَاءِ الْمُعْجَمَة: الْبَصْرِيّ الثِّقَة، وَأَبُو رَجَاء ضد الْخَوْف عمرَان بن ملْحَان العطاردي، بِالضَّمِّ: نِسْبَة إِلَى عُطَارِد بطن من تَمِيم، أسلم زمن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَلم يره، وَهَذَا لَا يحْسب من الثلاثيات لِأَنَّهُ لم ير وحديثاً عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، بل حكى عَن حَاله فَقَط بِخُرُوجِهِ أَي: بظهوره على قومه من قُرَيْش بِفَتْح مَكَّة، وَلَيْسَ المُرَاد مِنْهُ مبدأ ظُهُوره، بِالنُّبُوَّةِ وَلَا خُرُوجه من مَكَّة إِلَى الْمَدِينَة.
قَوْله: (هُوَ أخير) ، بِمَعْنى: خير، وَلَيْسَ بِمَعْنى: أفعل التَّفْضِيل، وَفِي رِوَايَة الْكشميهني: أحسن. بدل: أخبر، وَالْمرَاد بالخيرية الحسية من كَونه أَشد بَيَاضًا أَو نعومة وَنَحْو ذَلِك من صفاة الْحِجَارَة المستحسنة. قَوْله: (جثوَة) ، بِضَم الْجِيم وَسُكُون الثَّاء الْمُثَلَّثَة: وَهِي الْقطعَة من التُّرَاب يجمع فَيصير كوماً وَيجمع على جثي. قَوْله: (فحلبنا عَلَيْهِ) ، أَي: على التُّرَاب، والحلب على التُّرَاب إِمَّا حَقِيقَة وَإِمَّا مجَاز عَن التَّقَرُّب إِلَيْهِ بِصَدقَة لَهُ. قَوْله: (ننصل الأسنة) بِضَم النُّون الأولى وَسُكُون الثَّانِيَة وَكسر الصَّاد الْمُهْملَة. يُقَال: أنصلت الرمْح: إِذا نزعت مِنْهُ سنانة، ونصلته إِذا جعلت لَهُ نصلاً، وَفِي رِوَايَة الْكشميهني بِضَم النُّون الأولى وَفتح الثَّانِيَة وَتَشْديد الصَّاد، وَكَانُوا ينزعون الْحَدِيد من السِّلَاح إِذا دخل شهر رَجَب لترك الْقِتَال فِيهِ لتعظيمه قَوْله: (فَلَا نَدع) إِلَى قَوْله: (وَسمعت) تَفْسِير لقَوْله: (ننصل الأسنة) وَهُوَ جمع سِنَان. قَوْله: (شهر رَجَب) ، أَي: فِي شهر رَجَب، ويروى: لشهر رَجَب.
قَوْله: (وَسمعت أَبَا رَجَاء)
الخ حَدِيث آخر مُتَّصِل بِالْإِسْنَادِ الْمَذْكُور، وفاعل: سَمِعت، مهْدي بن مَيْمُون الرَّاوِي قَوْله: (إِلَى مُسَيْلمَة الْكذَّاب) بدل من قَوْله: (إِلَى النَّار) بتكرير الْعَامِل. وَالله أعلم.

71 - (قِصةُ الأسْوَدِ العَنْسِيِّ)

أَي: هَذِه قصَّة الْأسود الْعَنسِي، وَقد مر الْكَلَام فِيهِ عَن قريب.

4378 - ح دّثنا سَعِيدُ بنُ مُحَمَّدٍ الجَرْمِيُّ حَدثنَا يَعْقُوبُ بنُ إبْرَاهِيم حَدثنَا أبي عنْ صالِحٍ عنِ ابنِ عُبَيْدَةَ بنِ نَشِيطٍ وكانَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ اسْمُهُ عبْدُ الله أنَّ عُبَيْدَ الله بنَ عَبْدِ الله بنِ عُتْبَةَ قَالَ بَلَغَنَا أنَّ مُسَيْلِمَةَ الْكَذَّابَ قَدِمَ المَدِينَةَ فَنَزَل فِي دَارِ بِنْتِ الحارِثِ وكانتْ تَحْتَهُ بِنْتُ الحارِثِ بنِ كُرَيْزٍ وهْيَ أُمُّ عبْدِ الله بنِ عامِرٍ فأتاهُ رسُولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ومَعَهُ ثابِتُ بنُ قَيْسِ بن شمَّاسِ وهُوَ الذِي يُقالُ لهُ خَطِيبُ رسُولِ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَفِي يَدِ رسُولِ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَضِيبٌ فَوَقَفَ عَلَيْهِ فَكَلَّمَهُ فَقَالَ لهُ مُسَيْلِمَةُ إنْ شِئحٍ خَلَّيْتَ بَيْنَنا وبَيْنَ الأمْرِ ثُمَّ جَعَلْتَهُ لَنَا بحدَكَ فَقَالَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لوْ سألْتَني هَذَا الْقَضِيبَ مَا أعْطيْتُكَهُ وإنِّي لَأُرَاكَ الَّذِي أُرِيتُ فيهِ مَا أُرِيتُ وهذَا ثابتُ بنُ قَيْسٍ وسَيُجِيبُكَ عَنِّي فانْصَرَفَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم. قَالَ عُبَيْدُ الله بنُ عَبْدِ الله سألْتُ عَبْدِ الله بنَ عبَّاسٍ عنْ رُؤْيا رسُولِ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الَّتِي ذَكَرَ فَقَالَ ابنُ عَبَّاسِ ذُكِرَ لِي أنَّ رسُولَ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ بَيْنا أَنا نائِمٌ أُرِيت أنهُ وُضعَ فِي يدَيَّ سِوَارَانِ مِنْ ذَهَبٍ فَفُظِعْتُهُما وكَرِهْتُهُما فَأُذِنَ لِي فَنَفَخْتُهُما فَطارَ فأوَّلْتُهُما

(18/25)


كَذَّابَيْن يَخْرُجان فَقَالَ عُبَيْدُ الله أحَدَهُما العَنْسِيُّ الَّذِي قَتَلَهُ فَيْرُوزُ باليَمَنِ والآخرُ مُسَيْلِمَةُ الكَذَّابُ. .

لَيست فِيهِ قصَّة الْعَنسِي، وَإِنَّمَا فِيهِ قصَّة مُسَيْلمَة بطرِيق الْإِرْسَال، وفيهَا ذكر الْعَنسِي وَسَعِيد بن مُحَمَّد أَبُو عبد الله الْجرْمِي، بِفَتْح الْجِيم وَسُكُون الرَّاء: نِسْبَة إِلَى جرم، وجرم فِي قبائل، فِي قضاعة: جرم بن زبان، وَفِي بجيلة: جرم بن عَلْقَمَة، وَفِي عَامله: جرم بن شعل، وَفِي طي: جرم وَهُوَ ثَعْلَبَة بن عَمْرو هُوَ شيخ مُسلم أَيْضا ثِقَة مكثر، وَيَعْقُوب بن إِبْرَاهِيم يروي عَن أَبِيه إِبْرَاهِيم بن سعد بن إِبْرَاهِيم بن عبد الرَّحْمَن بن عَوْف، وَصَالح هُوَ ابْن كيسَان، وَابْن عُبَيْدَة، بِضَم الْعين: ابْن نشيط، بِفَتْح النُّون وَكسر الشين الْمُعْجَمَة وبالطاء الْمُهْملَة: واسْمه عبد الله بن عُبَيْدَة، وَبَينه بقوله: وَفِي مَوضِع آخر اسْمه عبد الله، احْتِرَازًا عَن أَخِيه مُوسَى بن عُبَيْدَة، وَهُوَ ضَعِيف جدا وَأَخُوهُ عبد الله ثِقَة، وَكَانَ عبد الله أكبر من مُوسَى بِثَمَانِينَ سنة، وَعبيد الله، بِضَم الْعين: ابْن عبد الله، بِالْفَتْح ابْن عتبَة، بِضَم الْعين وَسُكُون التَّاء الْمُثَنَّاة من فَوق ابْن مَسْعُود الْهُذلِيّ أحد الْفُقَهَاء السَّبْعَة.
وَفِي هَذَا الْإِسْنَاد: ثَلَاثَة من التَّابِعين فِي نسق، وهم: صَالح وَابْن عُبَيْدَة وَعبد الله.
قَوْله: (فَنزل) إِلَى قَوْله: (فَأَتَاهُ كريز) . بِضَم الْكَاف وَفتح الرَّاء وَسُكُون الْيَاء آخر الْحُرُوف وَفِي آخِره زَاي: ابْن ربيعَة بن حبيب بن عبد شمس. وَفِيه: وَهِي أم عبد الله بن عَامر، وَقَالَ الدمياطي: الصَّوَاب أم أَوْلَاد عبد الله بن عَامر لِأَنَّهَا زَوجته لَا أمه، فَإِن أم ابْن عَامر أروى بنت كريز، وَهِي وَالِدَة عُثْمَان بن عَفَّان رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، وَقيل: لَعَلَّه كَانَ فِيهِ أم عبد الله بن عبد الله بن عَامر فَإِن لعبد الله بن عَامر ولدا اسْمه عبد الله كاسم أَبِيه، وَهُوَ من بنت الْحَارِث. وَاسْمهَا: كيسة، بتَشْديد الْيَاء آخر الْحُرُوف بعْدهَا سين مُهْملَة: وَهِي بنت عَم عبد الله بن عَامر بن كريز، وَلها مِنْهُ أَيْضا عبد الرَّحْمَن وَعبد الْملك. وَكَانَت كيسة قبل عبد الله بن عَامر بن كريز تَحت مسلمة الْكذَّاب، وَإِذا ثَبت ذَلِك ظهر وَجه نزُول مُسَيْلمَة عَلَيْهَا لكَونهَا كَانَت امْرَأَته. وَقَالَ الْكرْمَانِي: وَبنت الْحَارِث بِالْمُثَلثَةِ امْرَأَة من الْأَنْصَار من بني النجار. قلت: هَذَا من كَلَام ابْن إِسْحَاق، وَذكر غَيره أَن اسْمهَا: رَملَة بنت الْحَارِث بن نعَامَة بن الْحَارِث بن زيد، وَهِي من الْأَنْصَار من بني النجار، وَلها صُحْبَة وتكنى أم ثَابت وَكَانَت زوج معَاذ بن عفراء الصَّحَابِيّ الْمَشْهُور، وَقَالَ ابْن سعد: كَانَت دَار بنت الْحَارِث معدة لنزول الْوُفُود فَإِنَّهُ ذكر فِي وَفد بني محَارب وَبني كلاب وَبني تغلب وَغَيرهم لوافي دَار بنت الْحَارِث. انْتهى. قلت: إِذا كَانَ الْأَمر كَذَلِك فَلَا حَاجَة إِلَى ذكر وَجه نزُول مُسَيْلمَة فِي دَار بنت الْحَارِث، لِأَنَّهُ من جملَة الْوُفُود. قَوْله: (ثمَّ جعلته) أَي: الْأَمر. قَوْله: (بعْدك) ، يرد كَلَام ابْن إِسْحَاق أَنه ادّعى الشّركَة، وَلَكِن يحمل على أَنه ادّعى ذَلِك بعد أَن رَجَعَ. قَوْله: (ذكر) ، على صِيغَة الْمَجْهُول. والذاكر هُوَ أَبُو هُرَيْرَة، يظْهر ذَلِك من الحَدِيث الَّذِي قبله. قَوْله: (ففظعتهما) . من فظع بِالْفَاءِ والظاء الْمُعْجَمَة وَالْعين الْمُهْملَة يُقَال: فظع الْأَمر فَهُوَ فظيع إِذا جَاوز الْمِقْدَار، وَقَالَ الْكرْمَانِي: بِكَسْر الظَّاء. قلت: لَيْسَ بِصَحِيح، بل هُوَ بِضَم الظَّاء، وَقَالَ الْجَوْهَرِي: فظع الْأَمر بِالضَّمِّ فظاعة، وَذكره فِي (دستور اللُّغَة) من بَاب بصر يبصر، وَفِي (التَّوْضِيح) يُقَال: فظع الْأَمر، بِالضَّمِّ. فظاعة فَهُوَ فظيع أَي شَدِيد بشيع جَاوز الْمِقْدَار، وَكَذَلِكَ أفضع الْأَمر فَهُوَ مفظع، وأفظع الرجل على مَا لم يسم فَاعله أَي: نزل بِهِ أَمر عَظِيم، وَقَالَ ابْن الْأَثِير: الفظيع الْأَمر الشَّديد. وَجَاء هُنَا مُتَعَدِّيا وَالْمَعْرُوف: فظعت بِهِ وفظعت مِنْهُ، فَيحمل التَّعْدِيَة على الْمَعْنى، أَي: خفتهما أَو اشْتَدَّ أَمرهمَا على قَوْله: (الَّذِي قَتله فَيْرُوز بِالْيمن) وم قصَّته أَن الْأسود كَانَ لَهُ شيطانان يُقَال: لأَحَدهمَا: سحيق، بمهملتين وقاف مُصَغرًا وَالْآخر: شَقِيق، بِمُعْجَمَة وقافين مُصَغرًا، وَكَانَا يخبرانه بِكُل شَيْء يحدث من أُمُور النَّاس، وَكَانَ باذان عَامل النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، بِصَنْعَاء فَمَاتَ فجَاء شَيْطَان الْأسود فَأخْبرهُ فَخرج فِي قومه حَتَّى ملك صنعاء وَتزَوج المرزبانة زَوْجَة بازان، فواعدها رازوبة وفيروز وَغَيرهمَا حَتَّى دخلُوا على الْأسود وَقد سقته المرزبانة الْخمر صرفا حَتَّى سكر، وَكَانَ على بَابه ألف حارس، فَنقبَ فَيْرُوز من مَعَه الْجِدَار حَتَّى دخلُوا فَقتله فَيْرُوز وحز رَأسه وأخرجوا الْمَرْأَة وَمَا أَحبُّوا من مَتَاع الْبَيْت وَأَرْسلُوا الْخَبَر إِلَى الْمَدِينَة فَوَافى ذَلِك عِنْد وَفَاة النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَقد مر شَيْء من ذَلِك عَن قريب.

73 - (قِصَّةُ أهْلِ نَجْرَانَ)

أَي: هَذَا بَيَان قصَّة أهل نَجْرَان، بفت النُّون وَسُكُون الْجِيم: وَهُوَ بلد كَبِير على سبع مراحل من مَكَّة إِلَى جِهَة الْيمن، يشْتَمل على

(18/26)


ثَلَاث وَسبعين قَرْيَة مسيرَة يَوْم للراكب السَّرِيع، وَكَانَ نَجْرَان منزلا لِلنَّصَارَى، وَكَانَ أَهله أهل كتاب.

4380 - ح دّثني عَباسُ بنُ الحُسَيْنِ حدّثنا يَحْيى بنُ آدَمَ عنْ إسْرَائِيلَ عنْ أبي إسْحَاقَ عنْ صِلَة بنِ زُفَرَ عنْ حُذَيْفَةَ قَالَ جاءَ الْعَاقِبُ والسَّيِّدُ صاحِبا نَجْرَانَ إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يُرِيدَانِ أنْ يُلاَعِناهُ قَالَ فَقَالَ أحدَهُما لِصاحِبِهِ لاَ تَفْعَلْ فَوَالله لَئِنْ كانَ نَبِيًّا فَلاَعَنَّاهُ لَا نُفْلِحُ نَحْنُ وَلَا عَقِبُنا مِنْ بَعْدِنا قَالَا إنَّا نُعْطيكَ مَا سألْتَنَا وابْعَثْ مَعَنا رجُلاً أمِيناً ولاَ تَبْعَثْ مَعَنَا إلاَّ أمِيناً فَقَالَ لأبْعَثَنَّ مَعَكُمْ رجُلاً أمِيناً حَقَّ أمِينٍ فاسْتَشْرَفَ لهُ أصْحابُ رسُولِ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ قمْ يَا أَبَا عُبَيْدَةَ بنَ الجَرَّاحِ فَلمَّا قامَ قَالَ رسُولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم هَذا أمِينُ هَذِه الأمَّةِ. .

مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. وعباس، بِالْبَاء الْمُوَحدَة: ابْن الْحُسَيْن أَبُو الْفضل الْبَغْدَادِيّ، مَاتَ قَرِيبا من سنة أَرْبَعِينَ وَمِائَتَيْنِ وَلَيْسَ لَهُ فِي البُخَارِيّ سوى هَذَا الحَدِيث مُفردا وَآخر فِي التَّهَجُّد مَقْرُونا، وَيحيى بن آدم بن سُلَيْمَان الْقرشِي الْكُوفِي صَاحب الثَّوْريّ. وَقد أخرج الْحَاكِم فِي (الْمُسْتَدْرك) عَن يحيى هَذَا بِهَذَا الْإِسْنَاد عَن ابْن مَسْعُود بدل حُذَيْفَة، وَكَذَلِكَ أخرجه أَحْمد وَالنَّسَائِيّ وَابْن ماجة من طَرِيق آخر عَن إِسْرَائِيل. وَرجح الدَّارَقُطْنِيّ فِي (الْعِلَل) هَذِه الرِّوَايَة ورد التَّرْجِيح بِأَن أصل الحَدِيث رَوَاهُ شُعْبَة عَن أبي إِسْحَاق عَن صلَة عَن حُذَيْفَة مثل حَدِيث الْبَاب، وَقد مر فِي مَنَاقِب أبي عُبَيْدَة وَيحيى عَن قريب أَيْضا، فَالْبُخَارِي استظهر بِرِوَايَة شُعْبَة، وَالظَّاهِر من هَذَا أَن الطَّرِيقَيْنِ صَحِيحَانِ، وَالله أعلم. وَقَالَ الْمزي: وَحُذَيْفَة أصح، وَإِسْرَائِيل هُوَ ابْن يُونُس بن أبي إِسْحَاق يروي عَن جده أبي إِسْحَاق عَمْرو بن عبد الله السبيعِي، وصلَة بن زفر الْعَبْسِي الْكُوفِي، وَحُذَيْفَة بن الْيَمَان الْعَبْسِي.
والْحَدِيث أخرجه البُخَارِيّ فِي خبر الْوَاحِد أَيْضا. وَأخرجه بَقِيَّة الْجَمَاعَة غير أبي دَاوُد.
قَوْله: (جَاءَ العاقب) ، بِالْعينِ الْمُهْملَة وبالقاف الْمَكْسُورَة وبالباء الْمُوَحدَة: واسْمه عبد الْمَسِيح. قَوْله: (وَالسَّيِّد) ، بِفَتْح السِّين الْمُهْملَة وَتَشْديد الْيَاء آخر الْحُرُوف، واسْمه: الْأَيْهَم، بِفَتْح الْهمزَة وَسُكُون الْيَاء آخر الْحُرُوف، وَيُقَال: شُرَحْبِيل، وَذكر ابْن سعد أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، كتب إِلَى أهل نَجْرَان فَخرج إِلَيْهِ وفدهم أَرْبَعَة عشر رجلا من أَشْرَافهم فيهم العاقب وَهُوَ عبد الْمَسِيح رجل من كِنْدَة وَأَبُو الْحَارِث بن عَلْقَمَة رجل من ربيعَة وَأَخُوهُ كرز وَالسَّيِّد وَأَوْس ابْنا الْحَارِث وَزيد بن قيس وَشَيْبَة وخويلد وخَالِد وَعَمْرو وَعبد الله، وَفِيهِمْ ثَلَاثَة نفر يتولون أُمُورهم: العاقب أَمِيرهمْ وَصَاحب مشورتهم وَالَّذِي يصدرون عَن رَأْيه، وَأَبُو الْحَارِث أسقفهم وحبرهم وإمامهم وَصَاحب مدارسهم، وَالسَّيِّد وَهُوَ صَاحب رحالهم، فَدَخَلُوا الْمَسْجِد وَعَلَيْهِم ثِيَاب الْحبرَة وأردية مَكْفُوفَة بالحرير فَقَامُوا يصلونَ فِي الْمَسْجِد نَحْو الْمشرق، فَقَالَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: دعوهم، ثمَّ أَتَوا النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَأَعْرض عَنْهُم وَلم يكلمهم، فَقَالَ لَهُم عُثْمَان: ذَلِك من أجل زيكم فانصرفوا يومهم ثمَّ غدوا عَلَيْهِ بزِي الرهبان، فَسَلمُوا فَرد عَلَيْهِم ودعاهم إِلَى الْإِسْلَام فَأَبَوا وَكثر الْكَلَام واللجاج وتلا عَلَيْهِم الْقُرْآن، وَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: إِن أنكرتم مَا أَقُول لكم فَهَلُمَّ بأهلكم فانصرفوا على ذَلِك. قَوْله: (يُريدَان أَن يلاعناه) ، أَي: يباهلاه، من الْمُلَاعنَة: وَهِي المباهلة وَفِيه نزلت: {تَعَالَوْا نَدع أبناءنا وأبناءكم وَنِسَاءَنَا ونساءكم وأنفسنا وَأَنْفُسكُمْ ثمَّ نبتهل} (آل عمرَان: 61) والمباهلة أَن يجْتَمع قوم إِذا اخْتلفُوا فِي شَيْء فَيَقُولُونَ: لعنة الله على الظَّالِم. قَوْله: (فَيُقَال أَحدهمَا لصَاحبه) ذكر أَبُو نعيم فِي الصَّحَابَة أَنه السَّيِّد، وَقيل: هُوَ العاقب، وَقيل: شُرَحْبِيل قَوْله: (فلاعناه) ، بِفَتْح الْعين وَتَشْديد النُّون على صِيغَة الْمُتَكَلّم مَعَ الْغَيْر وَفِي رِوَايَة الْكشميهني: فلاعننا، بِفَتْح النونين على أَن: لَاعن، فعل مَاض فِيهِ الضَّمِير يرجع إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم و: نَا مَفْعُوله قَوْله: (من بَعدنَا) وَفِي رِوَايَة ابْن مَسْعُود وَلَا عقبنا من بَعدنَا أبدا. قَوْله: (قَالَا) ، أَي: العاقب وَالسَّيِّد: (إِنَّا نعطيك مَا سألتنا) وَذَلِكَ بعد أَن انصرفوا من عِنْد رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وهم ممتنعون عَن الْإِسْلَام، كَمَا ذكرنَا عَن قريب، وَجَاء السَّيِّد وَالْعَاقِب وَقَالا: إِنَّا نعطيك مَا سألتنا، وَفِي رِوَايَة ابْن سعد: فغدا عبد الْمَسِيح وَهُوَ العاقب ورجلان من ذَوي رَأْيهمْ فَقَالُوا: قد بدالنا أَن لَا نباهلك، فاحكم علينا بِمَا أَحْبَبْت ونصالحك، فَصَالحهُمْ على ألفي حلَّة فِي رَجَب وَألف فِي صفر أَو قيمَة ذَلِك من الأواق، وعَلى عَارِية ثَلَاثِينَ

(18/27)


درعاً وَثَلَاثِينَ رمحاً وَثَلَاثِينَ بَعِيرًا وَثَلَاثِينَ فرسا إِن كَانَ بِالْيمن كيد. ولنجران وحاشيتهم جوَار الله وَذمَّة مُحَمَّد النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم على أنفسهم وملتهم وأرضهم وَأَمْوَالهمْ غائبهم وشاهدهم وبيعهم، لَا يُغير أَسْقُف عَن سقيفاه وَلَا رَاهِب عَن رهبانيته وَلَا وَاقِف عَن وَقفا نِيَّته، وَأشْهد على ذَلِك شُهُودًا مِنْهُم أَبُو سيفيان والأقرع بن حَابِس والمغيرة بن شُعْبَة فَرَجَعُوا إِلَى بِلَادهمْ، فَلم يلبث السَّيِّد وَالْعَاقِب إلاَّ يَسِيرا حَتَّى رجعا إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَأَسْلمَا. انْتهى. قَوْله: (فاستشرف) ، من الاستشراف وَهُوَ الإطلاع، وَأَصله أَن تضع يدك على حاجبك وَتنظر، كَالَّذي يستظل من الشَّمْس، حَتَّى يستبين الشَّيْء، وَالْحَاصِل أَنهم ترقبوا لَهُ كل مِنْهُم يأمل أَن يكون هُوَ الْمَبْعُوث، إِلَيْهِم، فَإِن قلت: ذكر ابْن إِسْحَاق أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بعث عليا رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، إِلَى أهل نَجْرَان ليَأْتِيه بِصَدَقَاتِهِمْ وجزيتهم. قلت: قصَّة على غير قصَّة أبي عُبَيْدَة، فَإِن أَبَا عُبَيْدَة توجه مَعَهم فَقبض مَال الصُّلْح وَرجع، وَعلي أرْسلهُ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بعد ذَلِك فَقبض مِنْهُم مَا اسْتحق عَلَيْهِم من الْجِزْيَة، وَأخذ مِمَّن أسلم مِنْهُم مَا اسْتحق عَلَيْهِ من الصَّدَقَة.

4381 - حدّثنا محَمَّدُ بنُ بَشَّارٍ حَدثنَا مُحَمَّدُ بنُ جَعْفَرٍ حَدثنَا شُعْبَةُ قَالَ سَمِعْتُ أَبَا إسْحاقَ عنْ صِلَةَ بنِ زُفَرَ عنْ حُذَيْفَةَ رَضِي الله عَنهُ قَالَ جاءَ أهْلُ نَجْرَانَ إِلَى النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالُوا ابْعَثْ لَنا رَجُلاً أمِيناً فَقَالَ لأبعْثَنَّ إلَيكُمْ رجُلاً أَمينا حَقَّ أمِينٍ فاسْتَشْرَفَ لَهُ الناسُ فبَعَث أَبَا عُبَيْدَةَ بنَ الجَرَّاحِ. هَذَا طَرِيق آخر فِي الحَدِيث السَّابِق أخرجه مُخْتَصرا، وَأخرجه فِي مَنَاقِب أبي عُبَيْدَة عَن مُسلم بن إِبْرَاهِيم عَن شُعْبَة إِلَى آخِره.

4382 - ح دّثنا أبُو الوَليد حدَّثنا شُعْبَةُ عنْ خالِدٍ عنْ أبي قِلابَةَ عنْ أنَسٍ عنِ النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ لِكلِّ أمةٍ أمِينٌ وأمينُ هذِهِ الأمَّةِ أبُو عُبَيْدَةَ بنُ الجَرَّاحِ رضيَ الله عنهُ (انْظُر الحَدِيث 3744 وطرفه) .

مطابقته للتَّرْجَمَة من حَيْثُ إِنَّه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَه حِين بَعثه إِلَى نَجْرَان بِقَرِينَة الحَدِيث السَّابِق، وَأَبُو الْوَلِيد هِشَام بن عبد الْملك الطَّيَالِسِيّ، وخَالِد هُوَ ابْن مهْرَان الْحذاء الْبَصْرِيّ، وَأَبُو قلَابَة، بِكَسْر الْقَاف: عبد الله بن زيد الْجرْمِي. وَمضى الحَدِيث فِي مَنَاقِب أبي عُبَيْدَة فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ عَن عَمْرو بن عَليّ عَن عبد الْأَعْلَى عَن خَالِد عَن أبي قلَابَة رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُم، وَمضى الْكَلَام فِيهِ هُنَاكَ.

74 - (قِصَّةُ عُمَانَ والبَحْرَيْنِ)

أَي: هَذَا فِي بَيَان قصَّة عمان، بِضَم الْعين الْمُهْملَة وَتَخْفِيف الْمِيم. وَقَالَ عِيَاض: فرضة بِلَاد الْيمن وَلم يزدْ فِي تَعْرِيفهَا شَيْئا، وَقَالَ الرشاطي: عمان فِي الْيمن، سميت بعمان بن سبأ وَفِي بِلَاد الشَّام بَلْدَة يُقَال لَهَا: عمان، بِفَتْح الْعين وَتَشْديد الْمِيم وَلَيْسَت بمرادة هُنَا قطعا. والبحرين ثنية بحرفي الأَصْل مَوضِع بَين الْبَصْرَة وعمان، وَالنِّسْبَة إِلَيْهِ بحراني.

4383 - ح دّثنا قُتَيْبَةُ بنُ سعِيدٍ حدَّثنا سُفْيانُ سمِعَ ابنُ المُنْكَدِرَ جابِرَ بنَ عبْدِ الله رَضِي الله عَنْهُمَا يقُولُ قَالَ لي رسُولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لوْ قَدْ جاءَ مالُ البَحْرَيْنِ لقَدْ أعْطَيْتُكَ

(18/28)


هكَذا وهكَذَا ثَلاثاً فلَمْ يَقْدَمْ مالُ البَحْرَيْنِ حَتَّى قُبِضَ رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَلمَّا قدِم علَى أبي بَكْرٍ أمَرَ مُنادِياً فنَادى مَنْ كانَ لهُ عنْدَ النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ديْنٌ أوْ عدَةٌ فَلْيَأْتِنِي قَالَ جابِرٌ فَجئْتُ أَبَا بكْرٍ فأخْبَرْتُهُ أَن النبيَّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ لَوْ قَدْ جاءَ مالُ البَحْرَيْنِ أعْطَيْتُكَ هكذَا وهكَذَا ثَلاثاً قَالَ فأعْطاني قَالَ جابِرٌ فلَقِيتُ أَبَا بكْرٍ بعْدَ ذَاكَ فَسألْتُهُ فَلَمْ يُعْطِني ثُمَّ أتَيْتُهُ فَلَمْ يَعْطِني ثُمَّ أتَيْتُهُ الثَّالِثَةَ فَلَمْ يُعْطِني فَقُلْتُ لهُ قَدْ أتَيْتُكَ فَلَمْ تُعْطِني ثُمَّ أتَيْتُكَ فَلَمْ تُعْطِني ثُمَّ أتَيْتُكَ فَلَمْ تُعْطِني فإمَّا أنْ تُعْطِينَي وإمَّا أنْ تَبْخَلَ عَنِّي فَقَالَ أقُلْتَ تَبْخَلُ عَنِّي وأيُّ دَاءٍ أدْوَأُ مِنَ البُخْل قالَها ثَلاثاً مَا مَنَعْتُكَ مِنْ مَرَّةٍ إلاَّ إِنَّا أُرِيدُ أنْ أُعْطِيَكَ. .

لَيْسَ فِيهِ قصَّة عمان وَلَا قصَّة الْبَحْرين، وَلَكِن يُمكن أَن يكون قد أَشَارَ إِلَى ذَلِك بقوله: (لَو قد جَاءَ مَال الْبَحْرين) فَإِنَّهُ يدل على أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، بعث إِلَيْهِم على مَا رَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ من حَدِيث الْمسور بن مخرمَة، قَالَ: بعث رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، رسله إِلَى الْمُلُوك وَبعث عَمْرو بن الْعَاصِ إِلَى جَيْفَر وعياذ ابْني جلندي ملك عمان، وَفِيه: فَرَجَعُوا جَمِيعًا قبل وَفَاة رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَأَنه توفّي وَعَمْرو بِالْبَحْرَيْنِ. قلت: جَيْفَر، بِفَتْح الْجِيم وَسُكُون الْيَاء آخر الْحُرُوف وَفتح الْفَاء بعْدهَا الرَّاء، و: عياذ، بِكَسْر الْعين الْمُهْملَة وَتَشْديد الْيَاء آخر الْحُرُوف بعْدهَا ذال مُعْجمَة، و: الجلندي، بِضَم الْجِيم وَفتح اللَّام وَسُكُون النُّون وَفتح الدَّال مَقْصُورا، و: سُفْيَان هُوَ ابْن عُيَيْنَة. قَوْله: (سمع ابْن الْمُنْكَدر) ، أَي: مُحَمَّد جَابر بن عبد الله، فَابْن الْمُنْكَدر فَاعل سمع، وَجَابِر بن عبد الله بِالنّصب مَفْعُوله، وَفِي رِوَايَة الْحميدِي فِي (مُسْنده) : حَدثنَا سُفْيَان، قَالَ: سَمِعت ابْن الْمُنْكَدر، وَقَالَ: سَمِعت جَابِرا، والْحَدِيث مضى فِي كتاب الْهِبَة، فِي: بَاب إِذا وهب هبة أَو وعد، فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ عَن عَليّ بن عبد الله عَن سُفْيَان إِلَى آخِره، وَفِيه اخْتِصَار قَوْله: (قلت: تبخل عني؟) الْهمزَة فِيهِ للاستفهام على سَبِيل الْإِنْكَار أَي: اتنسب إِلَى الْبُخْل. قَوْله: (أدوأ) : ضَبطه الدمياطي بِخَطِّهِ بِالْهَمْزَةِ، وَقَالَ ابْن التِّين: إِنَّه غير مَهْمُوز، وَقَالَ ابْن الْأَثِير فِي بَاب الدَّال مَعَ الْوَاو: وَمِنْه الحَدِيث: وَأي دَاء أدوى من الْبُخْل، أَي: أَي عيب أقبح مِنْهُ، وَالصَّوَاب أدوأ بِالْهَمْزَةِ، وَالْبخل بِضَم الْيَاء وَسُكُون الْخَاء وَبِفَتْحِهَا، وَهُوَ أَن يمْنَع الْمَرْء مَا يجب عَلَيْهِ فَلَا يُؤَدِّيه.
وعنْ عَمْرٍ وعنْ مُحَمَّدِ بنِ علِيِّ سمِعْتُ جابِرَ بنَ عبْدِ الله يقُولُ جِئْتُهُ فَقَالَ لِي أبُو بكْرٍ عُدَّها فَعَدَدْتُها فَوَجَدْتُها خَمْسمِائَةٍ فَقَالَ خُذْ مِثْلَها مَرَّتَيْنِ.

هَذَا مَعْطُوف على الْإِسْنَاد الأول، وَعَمْرو هُوَ ابْن دِينَار، وَمُحَمّد بن عَليّ هُوَ ابْن الْحَنَفِيَّة رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، وَوَقع فِي رِوَايَة الْحميدِي: حَدثنَا سُفْيَان حَدثنَا عَمْرو بن دِينَار أَخْبرنِي مُحَمَّد بن عَليّ فَذكر إِلَى آخِره، وَهَذَا مضى فِي الْكفَالَة فِي: بَاب من تكفل عَن ميت دينا، فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ عَن عَليّ بن عبد الله عَن سُفْيَان عَن عَمْرو وَسمع مُحَمَّد بن عَليّ عَن جَابر بن عبد الله رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا، إِلَى آخِره، فَلْينْظر هُنَاكَ، وَصَاحب (التَّلْوِيح) قد ذهل عَنهُ فَقَالَ: أخرجه مُسلم فِي (صَحِيحه) عَن إِسْحَاق عَن سُفْيَان عَنهُ، وَقد مر الْكَلَام فِيهِ هُنَاكَ.

74 - (بابُ قُدُومِ الأشْعَرِيِّينَ وأهْلِ اليَمَنِ)

أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان قدوم الْأَشْعَرِيين، وَهُوَ جمع أشعري، نِسْبَة إِلَى الْأَشْعر، وَهُوَ نبت بن أدد بن زيد بن يشحب ابْن عريب بن زيد بن كهلان، وَإِنَّمَا قيل لَهُ: الْأَشْعر، لِأَنَّهُ وَلدته أمه أشعراً، وَالشعر على كل شَيْء مِنْهُ. وَقَالَ الْكرْمَانِي: قَوْله: الأشعرين، بِحَذْف إِحْدَى اليائين وَتَخْفِيف الْبَاقِي. قَوْله: (وَأهل الْيمن) ، من عطف الْعَام على الْخَاص، لِأَن الْأَشْعَرِيين من أهل الْيمن.
وَقَالَ أبُو موساى عَن النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم هُمْ مِنِّي وَأَنا مِنْهُمْ.
أَي: وَقَالَ أَبُو مُوسَى عبد الله بن قيس الْأَشْعَرِيّ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: هم أَي: الأشعريون مني، وَأَرَادَ بِهِ الْمُبَالغَة فِي اتصالهم فِي الطَّرِيق واتفاقهم على الطَّاعَة، وَكلمَة: من، هُنَا تسمى بِمن الاتصالية أَي: هم متصلون بِي فِيمَا ذَكرْنَاهُ، وَهُوَ

(18/29)


طرف حَدِيث قد وَصله البُخَارِيّ فِي الشّركَة فِي الطَّعَام: حَدثنَا مُحَمَّد بن الْعَلَاء حَدثنَا حَمَّاد بن أُسَامَة عَن بريد عَن أبي بُرَيْدَة عَن أبي مُوسَى، قَالَ: قَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: إِن الْأَشْعَرِيين إِذا أرملوا فِي الْغَزْو أَو قل طَعَام عِيَالهمْ بِالْمَدِينَةِ ... الحَدِيث، وَفِي آخِره: فهم مني وَأَنا مِنْهُم، وَمر الْكَلَام فِيهِ هُنَاكَ.

377 - (حَدثنِي عبد الله بن مُحَمَّد وَإِسْحَاق بن نصر قَالَا حَدثنَا يحيى بن آدم حَدثنَا ابْن أبي زَائِدَة عَن أَبِيه عَن أبي إِسْحَاق عَن الْأسود بن يزِيد عَن أبي مُوسَى رَضِي الله عَنهُ قَالَ قدمت أَنا وَأخي من الْيمن فَمَكثْنَا حينا مَا نرى ابْن مَسْعُود وَأمه إِلَّا من أهل الْبَيْت من كَثْرَة دخلوهم ولزومهم لَهُ) مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله قدمت أَنا وَأخي من الْيمن وَعبد الله بن مُحَمَّد الْمَعْرُوف بالمسندي وَإِسْحَاق بن نصر أَبُو إِبْرَاهِيم السَّعْدِيّ البُخَارِيّ وَيحيى بن آدم بن سُلَيْمَان الْكُوفِي وَسقط فِي رِوَايَة أبي زيد الْمروزِي ذكر شَيْخي البُخَارِيّ الْمَذْكُورين وَابْتِدَاء الْإِسْنَاد بِيَحْيَى بن آدم وَالصَّوَاب ثبوتهما لِأَن البُخَارِيّ لم يدْرك يحيى بن آدم وَابْن أبي زَائِدَة هُوَ يحيى بن زَكَرِيَّا بن أبي زَائِدَة واسْمه مَيْمُون وَيُقَال خَالِد الْهَمدَانِي الْكُوفِي يروي عَن أَبِيه زَكَرِيَّا الْأَعْمَى الْكُوفِي وَأَبُو إِسْحَاق عَمْرو بن عبد الله السبيعِي الْكُوفِي وَالْأسود بن يزِيد من الزِّيَادَة النَّخعِيّ الْكُوفِي والْحَدِيث مضى فِي فضل ابْن مَسْعُود أخرجه عَن مُحَمَّد بن الْعَلَاء عَن إِبْرَاهِيم بن يُوسُف بن أبي إِسْحَاق عَن أَبِيه عَن أبي إِسْحَاق عَن الْأسود بن يزِيد إِلَى آخِره قَوْله " أَنا وَأخي " وَاسم أَخِيه أَبُو رهم أَو أَبُو بردة قَوْله " مَا نرى " بِضَم النُّون أَي مَا نظن قَوْله " وَأمه " وَاسم أمه أم عبد الله بنت عبدود بن سَوَاء بن قريم وَأمّهَا هِنْد بنت عبد بن الْحَارِث بن زهرَة بن كلاب وَلها صُحْبَة قَوْله من أهل الْبَيْت أَي بَيت النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -
378 - (حَدثنَا أَبُو نعيم حَدثنَا عبد السَّلَام عَن أَيُّوب عَن أبي قلَابَة عَن زَهْدَم قَالَ لما قدم أَبُو مُوسَى أكْرم هَذَا الْحَيّ من جرم وَإِنَّا لجُلُوس عِنْده وَهُوَ يتغدى دجاجا وَفِي الْقَوْم رجل جَالس فَدَعَاهُ إِلَى الْغَدَاء فَقَالَ إِنِّي رَأَيْته يَأْكُل شَيْئا فقذرته فَقَالَ هَلُمَّ فَإِنِّي رَأَيْت النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - يَأْكُلهُ فَقَالَ إِنِّي حَلَفت لَا آكله فَقَالَ هَلُمَّ أخْبرك عَن يَمِينك إِنَّا أَتَيْنَا النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فِي نفر من الْأَشْعَرِيين فاستحملناه فَأبى أَن يحملنا فاستحملناه فَحلف أَن لَا يحملنا ثمَّ لم يلبث النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَن أُتِي بِنَهْب إبل فَأمر لنا بِخمْس ذود فَلَمَّا قبضناها قُلْنَا تغفلنا النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - يَمِينه لَا نفلح بعْدهَا أبدا فَأَتَيْته فَقلت يَا رَسُول الله إِنَّك حَلَفت أَن لَا تحملنا وَقد حملتنا قَالَ أجل وَلَكِن لَا أَحْلف على يَمِين فَأرى غَيرهَا خيرا مِنْهَا إِلَّا أتيت الَّذِي هُوَ خير مِنْهَا) مطابقته للتَّرْجَمَة تُؤْخَذ من قَوْله إِنَّا أَتَيْنَا النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فِي نفر من الْأَشْعَرِيين أَي فِي جمَاعَة مِنْهُم وَكَانَ طَلَبهمْ عِنْد إِرَادَة النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - غَزْوَة تَبُوك وَأَبُو نعيم الْفضل بن دُكَيْن وَعبد السَّلَام بن حَرْب سكن الْكُوفَة وَهُوَ من أَفْرَاده وَأَيوب هُوَ السّخْتِيَانِيّ وَأَبُو قلَابَة بِكَسْر الْقَاف عبد الله بن زيد الْجرْمِي وزهدم بِفَتْح الزَّاي وَسُكُون الْهَاء على وزن جَعْفَر بن مضرب بالضاد الْمُعْجَمَة وَكسر الرَّاء الْجرْمِي الْأَزْدِيّ الْبَصْرِيّ والْحَدِيث مضى فِي الْخمس أخرجه عَن عبد الله بن عبد الْوَهَّاب وَفِيه بعض زِيَادَة وَمضى الْكَلَام فِيهِ هُنَاكَ قَوْله لما قدم أَبُو مُوسَى قَالَ

(18/30)


الْكرْمَانِي حِين قدم الْيمن وَنسبه بَعضهم إِلَى الْوَهم فَقَالَ أَي لما قدم الْكُوفَة أَمِيرا عَلَيْهَا فِي زمن عُثْمَان رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ ثمَّ قَالَ لِأَن زهدما لم يكن من أهل الْيمن قَوْله من جرم وَهِي قَبيلَة مَشْهُورَة ينسبون إِلَى جرم بن ربان برَاء وباء مُوَحدَة مُشَدّدَة بن ثَعْلَبَة بن حلوان بن عمرَان بن الحاف بن قضاعة قَوْله " فقذرته " بِفَتْح الْقَاف وَكسر الذَّال الْمُعْجَمَة وَفتحهَا أَي استقذرته وكرهته قَوْله هَلُمَّ من أَسمَاء الْأَفْعَال وَمَعْنَاهُ تعال قَوْله " ذود " بِفَتْح الذَّال الْمُعْجَمَة وَهُوَ من الْإِبِل مَا بَين الثَّلَاث إِلَى الْعشْر قَوْله " تغفلنا النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - " أَي استغفلناه واغتنمناه غفلته
379 - (حَدثنِي عَمْرو بن عَليّ حَدثنَا أَبُو عَاصِم حَدثنَا سُفْيَان حَدثنَا أَبُو صَخْرَة جَامع بن شَدَّاد حَدثنَا صَفْوَان بن مُحرز الْمَازِني حَدثنَا عمرَان بن حُصَيْن قَالَ جَاءَت بَنو تَمِيم إِلَى رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فَقَالَ أَبْشِرُوا يَا بني تَمِيم قَالُوا أما إِذْ بشرتنا فَأَعْطِنَا فَتغير وَجه رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فجَاء نَاس من أهل الْيمن فَقَالَ النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - اقْبَلُوا الْبُشْرَى إِذْ لم يقبلهَا بَنو تَمِيم قَالُوا قد قبلنَا يَا رَسُول الله) مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله " فجَاء نَاس من أهل الْيمن " وَعَمْرو بن عَليّ بن بَحر أَبُو حَفْص الْبَاهِلِيّ الْبَصْرِيّ الصَّيْرَفِي وَأَبُو عَاصِم النَّبِيل الضَّحَّاك بن مخلد والْحَدِيث مضى فِي أول بَدْء الْخلق فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ عَن مُحَمَّد بن كثير عَن سُفْيَان عَن جَامع بن شَدَّاد عَن صَفْوَان بن مُحرز إِلَى آخِره فَإِن قلت قدوم وَفد بني تَمِيم كَانَ سنة تسع وقدوم الْأَشْعَرِيين كَانَ قبل ذَلِك عقيب فتح خَيْبَر سنة سبع قلت يحْتَمل أَن طَائِفَة من الْأَشْعَرِيين قدمُوا بعد ذَلِك
380 - (حَدثنِي عبد الله بن مُحَمَّد الْجعْفِيّ حَدثنَا وهب بن جرير حَدثنَا شُعْبَة عَن إِسْمَاعِيل ابْن أبي خَالِد عَن قيس بن أبي حَازِم عَن أبي مَسْعُود أَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ الْإِيمَان هَهُنَا وَأَشَارَ بِيَدِهِ إِلَى الْيمن أَو الْجفَاء وَغلظ الْقُلُوب فِي الْفَدادِين عِنْد أصُول أَذْنَاب الْإِبِل من حَيْثُ يطلع قرنا الشَّيْطَان ربيعَة وَمُضر) مطابقته للتَّرْجَمَة من حَيْثُ الاستطراد لأجل ذكر الْيمن فِيهَا وَأَبُو مَسْعُود عقبَة بن عَمْرو البدري الْأنْصَارِيّ والْحَدِيث مضى فِي أَوَاخِر كتاب بَدْء الْخلق فِي بَاب خير مَال الْمُسلم غنم فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ عَن مُسَدّد عَن يحيى عَن إِسْمَعِيل إِلَى آخِره قَوْله " إِلَى الْيمن " أَي إِلَى جِهَة الْيمن وَيُرَاد بِهِ أهل الْبَلَد لَا من ينتسب إِلَيْهِ من غَيره قَوْله " فِي الْفَدادِين " تَفْسِيره على وَجْهَيْن (أَحدهمَا) أَن يكون جمع الفداد بِالتَّشْدِيدِ وَهُوَ الشَّديد الصَّوْت وَذَلِكَ من دأب أَصْحَاب الْإِبِل (وَالْآخر) أَن يكون جمع الفداد بِالتَّخْفِيفِ وَهُوَ آلَة الْحَرْث وَإِنَّمَا ذمّ هَؤُلَاءِ لأَنهم يشتغلون عَن أُمُور الدّين ويلتهون عَن أُمُور الْآخِرَة قَوْله " من حَيْثُ يطلع " يَعْنِي من جِهَة الشرق وَعبر عَن الشرق بذلك لِأَن الشَّيْطَان ينْتَصب فِي محاذاة المطلع حَتَّى إِذا طلعت الشَّمْس كَانَت بَين جَانِبي رَأسه فَتَقَع السَّجْدَة لَهُ حِين تسْجد عَبدة الشَّمْس لَهَا قَوْله " ربيعَة وَمُضر " قبيلتان مشهورتان بِالْفَتْح فيهمَا لِأَنَّهُمَا بدل من الْفَدادِين وَغير المنصرف يكون مَفْتُوحًا فِي مَوضِع الْجَرّ وَيجوز أَن يَكُونَا مرفوعين على تقديرهم ربيعَة وَمُضر فَيكون الْمُبْتَدَأ فِيهِ محذوفا
4388 - ح دّثنا محَمَّدُ بنُ بَشَّارٍ حَدثنَا ابنُ أبي عَدِيٍّ عنْ شُعْبَةَ عَن سُلَيْمانَ عنْ ذَكْوَانَ عنْ أبي هُرَيْرَةَ رَضِي الله عنهُ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ أتاكُمْ أهْلُ اليَمَنِ هُمْ أرَقُّ أفْئِدَةً وألْيَنُ قُلُوباً الإيمانُ يَمانٍ والحِكْمَةُ يَمانِيَةٌ والفَخْرُ والخُيَلاءُ فِي أصْحاب الإبلِ والسَّكِينَةُ والوَقَارُ فِي أهْلِ الغَنَمِ. .

(18/31)


مطابقته للتَّرْجَمَة فِي أول الحَدِيث. وَأَيْضًا مثل مَا ذكرنَا فِي الحَدِيث السَّابِق، لِأَن التَّرْجَمَة فِي ذكر الْيمن، وَابْن أبي عدي هُوَ مُحَمَّد، وَاسم أبي عدي إِبْرَاهِيم، وَسليمَان هُوَ الْأَعْمَش، وذكوان، بِفَتْح الذَّال الْمُعْجَمَة أَبُو صَالح.
والْحَدِيث مر فِي: بَاب خير مَال الْمُسلم غنم، أخرجه عَن عبد الله بن يُوسُف عَن مَالك عَن أبي الزِّنَاد عَن الْأَعْرَج عَن أبي هُرَيْرَة، وَفِيهِمَا زِيَادَة ونقصان فليعتبر ذَلِك.
قَوْله: (أَتَاكُم) ، خطاب للصحابة وَفِيهِمْ الْأَنْصَار فليرد بِهَذَا قَول من يَقُول: المُرَاد بقوله: الْإِيمَان يمَان، الْأَنْصَار، لأَنهم يمانون فِي الأَصْل فَيتَعَيَّن بِمَا ذكرنَا أَن الَّذين أَتَاهُم غير هم. قَوْله: (أرق أَفْئِدَة) ، جمع فؤاد، قَالَ الْخطابِيّ: وصف الأفئدة بالرقة والقلوب باللين لِأَن الْفُؤَاد غشاء الْقلب إِذا رق نفذ القَوْل فِيهِ وخلص إِلَى مَا وَرَاءه، وَإِذا غلظ تعذر وُصُوله إِلَى دَاخله، فَإِذا صَادف الْقلب شَيْئا علق بِهِ، أَي: إِذا كَانَ لينًا، وَالْمَشْهُور أَن الْفُؤَاد هُوَ الْقلب، فعلى هَذَا تكْرَار لفظ الْقلب بلفظين أولى من تكرره بِلَفْظ وَاحِد، وَقيل: الْفُؤَاد غير الْقلب وَهُوَ عين الْقلب، وَقيل: بَاطِن الْقلب، وَقيل: غشاء الْقلب. قَوْله: (الْإِيمَان يمَان) ، أَصله: يماني، حذفت الْيَاء للتَّخْفِيف، وَإِنَّمَا أوقع الْيَمَان، خَبرا عَن الْإِيمَان لِأَن مبدأه من مَكَّة وَهِي يَمَانِية أَو المُرَاد مِنْهُ وصف أهل الْيمن بِكَمَال الْإِيمَان، وَقيل: المُرَاد مَكَّة وَالْمَدينَة، لِأَن هَذَا الْكَلَام صدر عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَهُوَ بتبوك، فَتكون الْمَدِينَة حينئذٍ بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْمحل الَّذِي هُوَ فِيهِ يَمَانِية. قَوْله: (وَالْحكمَة يَمَانِية) ، اضْطَرَبَتْ الْأَقْوَال فِي تَفْسِيرهَا، فَقَالَ النَّوَوِيّ: وَالَّذِي صفا لنا مِنْهَا أَن الْحِكْمَة عبارَة عَن الْعلم المتصف بِالْأَحْكَامِ الْمُشْتَمل على معرفَة الله تَعَالَى المصحوب بنفاذ البصيرة وتهذيب النَّفس وَتَحْقِيق الْحق وَالْعَمَل بِهِ والصد عَن ابْتَاعَ الْهوى وَالْبَاطِل، والحكيم من لَهُ ذَلِك، وَفِيه الثَّنَاء على أهل الْيمن لمبادرتهم إِلَى الدعْوَة وإسراعهم إِلَى قبُول الْإِيمَان. قَوْله: (وَالْفَخْر) هُوَ الافتخار وعد المآثر الْقَدِيمَة تَعْظِيمًا. قَوْله: (وَالْخُيَلَاء) ، بِالضَّمِّ وَالْكَسْر: الْكبر وَالْعجب، وَمِنْه: اختال فَهُوَ مختال. قَوْله: (والسكينة) أَي: المسكنة (وَالْوَقار) أَي: الخضوع.
وَقَالَ غنْدَرٌ عنْ شُعْبَةَ عنْ سُلَيْمانَ سَمِعْتُ ذَكْوَانَ عنْ أبي هُرَيْرَةَعنِ النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
غنْدر، بِضَم الْغَيْن الْمُعْجَمَة: مُحَمَّد بن جَعْفَر وَسليمَان هُوَ الْأَعْمَش، وَإِنَّمَا أورد هَذَا الْمُعَلق لوُقُوع التَّصْرِيح بقول سُلَيْمَان: سَمِعت ذكْوَان، وَوَصله أَحْمد عَن غنْدر بِهَذَا الْإِسْنَاد.
382 - (حَدثنَا إِسْمَاعِيل قَالَ حَدثنِي أخي عَن سُلَيْمَان عَن ثَوْر بن زيد عَن أبي الْغَيْث عَن أبي هُرَيْرَة أَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ الْإِيمَان يمَان والفتنة هَهُنَا هَهُنَا يطلع قرن الشَّيْطَان) هَذَا طَرِيق آخر فِي حَدِيث أبي هُرَيْرَة أخرجه عَن إِسْمَعِيل بن أبي أويس عَن أَخِيه عبد الحميد عَن سُلَيْمَان بن بِلَال عَن ثَوْر بِلَفْظ الْحَيَوَان الْمَشْهُور ابْن زيد الْمدنِي وَفِيهِمْ ثَوْر آخر لكنه ابْن يزِيد بِزِيَادَة الْيَاء آخر الْحُرُوف فِي أَوله الشَّامي وَأَبُو الْغَيْث بِفَتْح الْغَيْن الْمُعْجَمَة وَسُكُون الْيَاء آخر الْحُرُوف وَفِي آخِره ثاء مُثَلّثَة واسْمه سَالم مولى عبد الله بن مُطِيع بن الْأسود الْقرشِي الْعَدوي الْمدنِي قَوْله " والفتنة هَهُنَا " يَعْنِي نَحْو الْمشرق وَأَشَارَ إِلَيْهِ بقوله هَهُنَا يطلع قرن الشَّيْطَان وَقد مر عَن قريب أَنه ينْتَصب فِي محاذاة المطلع حِين تطلع الشَّمْس بَين قرنيه وَأما كَون الْفِتْنَة من الْمشرق فَلِأَن أعظم أَسبَاب الْكفْر منشؤه هُنَالك كخروج الدَّجَّال وَنَحْوه
383 - (حَدثنَا أَبُو الْيَمَان أخبرنَا شُعَيْب حَدثنَا أَبُو الزِّنَاد عَن الْأَعْرَج عَن أبي هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ أَتَاكُم أهل الْيمن أَضْعَف قلوبا وأرق أَفْئِدَة الْفِقْه يمَان وَالْحكمَة يَمَانِية) هَذَا طَرِيق آخر عَن أبي الْيَمَان الحكم بن نَافِع عَن شُعَيْب بن أبي حَمْزَة عَن أبي الزِّنَاد عبد الله بن ذكْوَان عَن عبد الرَّحْمَن بن هُرْمُز الْأَعْرَج عَن أبي هُرَيْرَة عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَوْله " أَضْعَف قلوبا " ذكر فِيمَا مضى أَلين قلوبا لِأَن الضعْف عبارَة عَن السَّلامَة من

(18/32)


الغلظ والشدة وَالْقَسْوَة الَّتِي وصفت بهَا قُلُوب الآخرين واللين عبارَة عَن الاستكانة وَسُرْعَة الْإِيجَاب والتأثر بقوارع التَّذْكِير قَوْله " الْفِقْه يمَان " المُرَاد بالفقه هُنَا الْفَهم فِي الدّين واصطلح بعد ذَلِك الْفُقَهَاء وَأَصْحَاب الْأُصُول على تَخْصِيص الْفِقْه بِإِدْرَاك الْأَحْكَام الشَّرْعِيَّة العملية بالاستدلال على أعيانها قَوْله " وَالْحكمَة يَمَانِية " قد مر تَفْسِير الْحِكْمَة عَن قريب واليمانية بتَخْفِيف الْيَاء لِأَن الْألف المزيدة فِيهِ عوض عَن يَاء النِّسْبَة الْمُشَدّدَة فَلَا يجمع بَينهمَا وَقيل سمع بِالتَّشْدِيدِ أَيْضا
4391 - ح دّثنا عَبْدَانُ عنْ أبي حَمْزَةَ عَن الأعْمَش عنْ إبْرَاهيمَ عنْ عَلْقَمَةَ قَالَ كُنَّا جُلُوساً معَ ابنِ مَسْعُودٍ فَجاءَ خبَّابٌ فَقَالَ يَا أَبَا عبْدِ الرَّحْمانِ أيَسْتَطِيعُ هاؤلاءِ الشَّبابُ أنْ يقْرَؤُا كمَا تَقْرَأُ قَالَ أمَا إنَّكَ لوْ شِئْتَ أمَرْتُ بَعْضَهُمْ فَيَقْرَأُ علَيْكَ قَالَ أجَلْ قَالَ اقْرَأ يَا عَلْقَمَةُ فَقَالَ زَيْدُ بنُ حُدَيْرٍ أخُو زِيادِ بنِ حُدَيْرٍ أتأمُرُ عَلْقَمَةَ أنْ يَقْرَأ ولَيْسَ بأقرَئنا قَالَ أمَا إنَّكَ إنْ شِئْتَ أخَبَرْتُكَ بِمَا قَالَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي قَوْمِكَ وقَوْمِهِ فَقَرأتُ خَمْسِينَ آيَةً مِنْ سُورَةِ مَرْيَمَ وَقَالَ عبْدُ الله كَيْفَ تَرَى قَالَ قَدْ أحْسَنَ قَالَ عبْدُ الله مَا أقْرَأُ شَيْئاً إلاَّ وهُوَ يَقْرَؤُهُ ثُمَّ الْتَفَتَ إلَى خَبَّاب وعلَيْهِ خاتَمٌ مِنْ ذَهَبٍ فَقال ألَمْ يَأن لِهَذا الخَاتَمِ أنْ يَلْقَى قَالَ أما إنَّك لَنْ تَرَاهُ عليَّ بعْدَ اليَوْمِ فألْقَاهُ.

مطابقته للتَّرْجَمَة تُؤْخَذ بالتعسف من ذكر عَلْقَمَة فِي الْإِسْنَاد فِي متن الحَدِيث أَيْضا لِأَنَّهُ نخعي، والنخع من الْيمن وَهِي قَبيلَة مَشْهُورَة ينسبون إِلَى النخع، واسْمه: حبيب بن عَمْرو بن عِلّة، بِضَم الْعين الْمُهْملَة وَتَخْفِيف اللَّام: ابْن مَالك بن أدبن زيد، وَإِنَّمَا قيل لَهُ: النخع، لِأَنَّهُ نخع عَن قومه أَي: بعد.
وعبدان هُوَ عبد الله بن عُثْمَان وَقد تكَرر ذكره، وَأَبُو حَمْزَة، بِالْحَاء وَالزَّاي: واسْمه مُحَمَّد بن مَيْمُون الْيَشْكُرِي، وَالْأَعْمَش سُلَيْمَان، وَإِبْرَاهِيم هُوَ النَّخعِيّ، وعلقمة هُوَ ابْن قيس النَّخعِيّ.
قَوْله: (جُلُوسًا) ، بِالضَّمِّ جمع جَالس. قَوْله: (خباب) هُوَ: ابْن الْأَرَت الصَّحَابِيّ الْمَشْهُور. قَوْله: (يَا أَبَا عبد الرَّحْمَن) ، وَهُوَ كنية عبد الله بن مَسْعُود. قَوْله: (أيستطيع؟) الْهمزَة فِيهِ للاستفهام على سَبِيل الاستخبار. قَوْله: (أمرت بَعضهم فَيقْرَأ عَلَيْك) ، وَفِي رِوَايَة الْكشميهني: (فَقَرَأَ) ، بِصِيغَة الْفِعْل الْمَاضِي. قَوْله: (أجل) أَي: نعم. قَوْله: (فَقَالَ زيد بن حدير) ، بِضَم الْحَاء الْمُهْملَة وَفتح الدَّار مُصَغرًا، وَهُوَ أَخُو زيد بن حدير، وَزِيَاد من كبار التَّابِعين أدْرك عمر رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، وَله رِوَايَة فِي (سنَن أبي دَاوُد) وَنزل الْكُوفَة وَولي إمرتها مرّة، وَهُوَ أسدي من بني أَسد ابْن خُزَيْمَة بن مدركة بن إلْيَاس بن مُضر. قَوْله: (أتأمر؟) الْهمزَة فِيهِ للاستفهام. قَوْله: (أما) ، بتَخْفِيف الْمِيم وَهُوَ حرف استفتاح بِمَنْزِلَة: أَلا، وَيكون بِمَعْنى: حَقًا، وَالْمعْنَى هُنَا على الأول، وَلِهَذَا كسرت: إِن، بعْدهَا وعَلى الْمَعْنى الثَّانِي تفتح: أَن، بعْدهَا. قَوْله: (فِي قَوْمك وَقَومه) ، يُشِير بِهَذَا إِلَى ثَنَاء النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم على النخع لِأَن عَلْقَمَة نخعي، وَإِلَى ذمّ بني أَسد وَزِيَاد بن حَدِيد أسدي، أما ثَنَاؤُهُ على النخع فقد أخرجه أَحْمد وَالْبَزَّار بِإِسْنَاد حسن عَن ابْن مَسْعُود، قَالَ: شهِدت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَدْعُو لهَذَا الْحَيّ من النخع ويثنى عَلَيْهِم حَتَّى تمنيت أَنِّي رجل مِنْهُم، وَأما ذمه لبني أَسد فَفِي حَدِيث أبي هُرَيْرَة: أَن جُهَيْنَة وَغَيرهَا خير من بني أَسد وغَطَفَان، وَقد تقدم فِي المناقب. قَوْله: (وَقَالَ عبد الله: كَيفَ ترى؟) مَوْصُول بِالْإِسْنَادِ الْمَذْكُور، وخاطب عبد الله بِهَذَا خباباً لِأَنَّهُ هُوَ الَّذِي سَأَلَهُ أَولا وَهُوَ الَّذِي قَالَ: قد أحسن، وَفِي رِوَايَة أَحْمد عَن يعلى عَن الْأَعْمَش: فَقَالَ خباب: أَحْسَنت. قَوْله: (وَقَالَ عبد الله) هُوَ مَوْصُول أَيْضا. قَوْله: (مَا أقرّ أشيئاً إلاَّ وَهُوَ يَقْرَؤُهُ) ، يَعْنِي: عَلْقَمَة، وَفِيه منقبة عَظِيمَة لعلقمة حَيْثُ شهد ابْن مَسْعُود رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، أَنه مثله فِي الْقِرَاءَة. قَوْله: (ألم يَأن؟) أَي: ألم يَجِيء وَقت إِلْقَاء هَذَا الْخَاتم؟ وَكلمَة: أَن، مَصْدَرِيَّة و: أَن يلقى، على صِيغَة الْمَجْهُول، وَفِيه تَحْرِيم لِبَاس الذَّهَب على الرِّجَال إِمَّا للتشبيه بِالنسَاء أَو للكبر والتيه، وَأما لبس خباب الْخَاتم من الذَّهَب فَيحمل على أَنه لم يبلغهُ التَّحْرِيم، لِأَن بعض الصَّحَابَة كَانَ يخفى عَلَيْهِ أَمر الشَّارِع. وَفِيه: الرِّفْق فِي الموعظة وَتَعْلِيم من لَا يعلم.

(18/33)


روَاه غُنْدَرٌ عنْ شُعْبَةَ
أَي: روى الحَدِيث الْمَذْكُور مُحَمَّد بن جَعْفَر الملقب بغندر عَن شُعْبَة عَن الْأَعْمَش بِالْإِسْنَادِ الْمَذْكُور، وَوَصله أَبُو نعيم فِي (الْمُسْتَخْرج) من طَرِيق أَحْمد بن حَنْبَل: حَدثنَا مُحَمَّد بن جَعْفَر وَهُوَ غنْدر بِإِسْنَادِهِ.

76 - (قِصَّةُ دَوْسٍ والطُّفَيْلِ بنِ عَمْرٍ والدَّوْسِيِّ)

أَي: هَذَا بَيَان قصَّة دوس، بِفَتْح الدَّال الْمُهْملَة وَسُكُون الْوَاو وَفِي آخِره سين مُهْملَة: ابْن عدثان بن عبد الله بن زهران بن كَعْب بن الْحَارِث بن كَعْب بن مَالك بن نصر بن الأزد، وَمعنى الدوس ظَاهر. قَوْله: (والطفيل بن عَمْرو) أَي: قصَّة الطُّفَيْل، بِضَم الطَّاء: ابْن عَمْرو بن طريف بن الْعَاصِ بن ثَعْلَبَة بن سليم بن فهم بن غنم بن دوس، وَله حِكَايَة عَجِيبَة غَرِيبَة طويت ذكرهَا مَخَافَة التَّطْوِيل. وَمِنْهَا أَنه: رأى رُؤْيا فَقَالَ لأَصْحَابه: عبروها قَالُوا: وَمَا رَأَيْت؟ قَالَ: رَأَيْت رَأْسِي حلق، وَأَنه خرج من فمي طَائِر، وَأَن امْرَأَة لقيتني فأدخلتني فِي فرجهَا، وَكَانَ أبي يطلبني طلبا حثيثاً، فحيل بيني وَبَينه. قَالُوا: خيرا. قَالَ: أَنا وَالله فقد أولتها: أما حلق الرَّأْس فَقَطعه، وَأما الطَّائِر فروحي، وَأما الْمَرْأَة الَّتِي أدخلتني فِي فرجهَا فالأرض تحفر لي فأدفن فِيهَا، فقد روعت أَن أقتل شَهِيدا، وَأما طلب أبي إيَّايَ فَلَا أرَاهُ إلاَّ سيعذر فِي طلب الشَّهَادَة، وَلَا أرَاهُ يلْحق فِي سفرنا هَذَا، فَقتل الطُّفَيْل شَهِيدا يَوْم الْيَمَامَة، وجرح أَبوهُ ثمَّ قتل يَوْم اليرموك بعد ذَلِك فِي زمن عمر بن الْخطاب شَهِيدا.

4392 - ح دّثنا أبُو نُعَيْمٍ حدّثنا سُفْيانُ عنِ ابنِ ذَكَوَانَ عنْ عبْدِ الرَّحْمانِ الأعْرَجِ عنْ أبي هُرَيْرَةَ رَضِي الله عَنهُ قَالَ جاءَ الطُّفَيْلُ بنُ عَمْروٍ إِلَى النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ إنَّ دَوْساً قدْ هلَكتْ عَصَتْ وأبَتْ فادعُ الله علَيْهِمْ فَقَالَ اللَّهُمَّ اهْدِ دَوْساً وأَتِ بِهِمْ. (انْظُر الحَدِيث 2937 وطرفه) .

مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. وَأَبُو نعيم الْفضل بن دُكَيْن، وسُفْيَان هُوَ ابْن عُيَيْنَة، وَابْن ذكْوَان هُوَ عبد الله بن ذكْوَان أَبُو الزِّنَاد، وَعبد الرَّحْمَن بن هُرْمُز الْأَعْرَج.
قَوْله: (قد هَلَكت) ادّعى الدَّاودِيّ أَن قَوْله: (هَلَكت) ، لَيْسَ بِمَحْفُوظ، وَإِنَّمَا قَالَ: عَصَتْ وأبت. قَوْله: (اللَّهُمَّ اهدِ دوساً وأئتِ بهم) ، دَعَا النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، لَهُم بالهداية فِي مُقَابلَة الْعِصْيَان، والإتيان بِهِ فِي مُقَابلَة الإباء. وَفِيه: حرص النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، على من يسلم على يَدَيْهِ.

4393 - ح دّثنا مُحمَّدُ بنُ العَلاءِ حدَّثنا أبُو أُسامَةَ حدَّثنا إسْماعِيلُ عنْ قَيْسٍ عنْ أبِي هُرَيْرَةَ قَالَ لمَّا قدِمْتُ عَلى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قُلتُ فِي الطَّرِيقِ.

(يَا لَيْلَةً مِنْ طُولِها وعَنائِهاعَلَى أنَّها مِنْ دارَةِ الكُفْرِ نَجَّتِ)

وأبَقَ غُلاَمٌ لِي فِي الطَّرِيقِ فَلَمَّا قَدِمْتُ عَلَى النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَبايَعْتُهُ فَبَيْنا أَنا عِنْدَهُ إذْ طَلَعَ الغُلاَمُ فَقَالَ لِي النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَا أَبَا هُرَيْرَةَ هاذَا غلامُكَ فَقُلْتُ هُوَ لِوَجْهِ الله فأعْتَقْتُهُ.
مطابقته للتَّرْجَمَة من حَيْثُ إِن أَبَا هُرَيْرَة دوسي لِأَنَّهُ من دوس بن عدثان بن عبد الله بن زهران بن كَعْب بن الْحَارِث بن كَعْب بن مَالك بن نصر بن الأزد، وَقد اخْتلف فِي اسْمه وَاسم أَبِيه اخْتِلَافا كثيرا، وَقَالَ خَليفَة بن خياط: أَبُو هُرَيْرَة هُوَ عُمَيْر بن عَامر بن عبد ذِي الشرس بن طريف بن عباب بن أبي صعبة بن مُنَبّه بن سعد بن ثَعْلَبَة بن سليم بن فهم بن غنم بن دوس، وَقَالَ أَبُو أَحْمد الْحَاكِم: أصح شَيْء عندنَا فِي اسْم أبي هُرَيْرَة: عبد الرَّحْمَن بن صَخْر، وَقد غلبت عَلَيْهِ كنيته فَهُوَ كمن لَا اسْم لَهُ غَيرهَا، أسلم أَبُو هُرَيْرَة عَام خَيْبَر وشهدها مَعَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، رَغْبَة فِي الْعلم، رُوِيَ لَهُ عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، خَمْسَة آلافٍ حَدِيث وثلاثمائة حَدِيث وَأَرْبَعَة وَسَبْعُونَ حَدِيثا، اتّفق البُخَارِيّ وَمُسلم على ثَلَاثمِائَة حَدِيث وَخَمْسَة وَعشْرين حَدِيثا، وَانْفَرَدَ البُخَارِيّ بِثَلَاثَة وَتِسْعين، وَمُسلم بِمِائَة وَتِسْعين، وَلَيْسَ فِي الصَّحَابَة أحد أَكثر حَدِيثا مِنْهُ. وَقَالَ البُخَارِيّ: روى عَنهُ

(18/34)


أَكثر من ثَمَانمِائَة رجل من بَين صَاحب وتابع، اسْتَعْملهُ عمر رَضِي تَعَالَى الله عَنهُ، على الْبَحْرين ثمَّ عَزله، ثمَّ أَرَادَهُ على الْعَمَل فَأبى عَلَيْهِ، وَلم يزل يسكن الْمَدِينَة حَتَّى مَاتَ فِيهَا سنة سبع وَخمسين، قَالَه خَليفَة بن خياط، وَقَالَ ابْن الْهَيْثَم بن عدي: توفّي سنة ثَمَان وَخمسين وَهُوَ ابْن ثَمَان وَسبعين، وَقيل: مَاتَ بالعقيق وَحمل إِلَى الْمَدِينَة وَصلى عَلَيْهِ الْوَلِيد بن عتبَة بن أبي سُفْيَان وَكَانَ أَمِيرا على الْمَدِينَة لمعاوية بن أبي سُفْيَان، وروى عَنهُ أَنه قَالَ: إِنَّمَا كنيت بِأبي هُرَيْرَة لِأَنِّي وجدت أَو لَا دهرة وحشية فحملتا فِي كمي، فَقيل: مَا هَذِه قلت: هرة، قيل: فَأَنت أَبُو هُرَيْرَة، وَقيل: رَآهُ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَفِي كمه هرة، فَقَالَ: يَا أَبَا هُرَيْرَة.
ثمَّ الحَدِيث رَوَاهُ البُخَارِيّ هُنَا عَن مُحَمَّد بن الْعَلَاء عَن أبي أُسَامَة حَمَّاد بن أُسَامَة عَن إِسْمَاعِيل بن أبي خَالِد عَن قيس بن أبي حَازِم عَن أبي هُرَيْرَة، وَأخرجه فِي كتاب الْعتْق فِي: بَاب إِذا قَالَ رجل لعَبْدِهِ: هُوَ لله، من ثَلَاث طرق، وَمضى الْكَلَام فِيهِ هُنَاكَ.
قَوْله: (لما قدمت) أَي: لما أردْت الْقدوم. قَوْله: (وعنائها) ، بِفَتْح الْعين الْمُهْملَة وَهُوَ التَّعَب وَالنّصب قَوْله: (من دارة الْكفْر) الدارة أخص من الدَّار. قَوْله: (وأبق غُلَام لي) ، ادّعى ابْن التِّين أَنه وهم، وَإِنَّمَا ضل كل وَاحِد مِنْهُمَا من صَاحبه، وَقيل: لَا دَلِيل لَهُ على ذَلِك. قلت: يجوز أَن يكون قَوْله فِي الرِّوَايَة الْمَاضِيَة فِي الْعتْق: فأضل أَحدهمَا صَاحبه، دَلِيلا على ذَلِك، وَقَالَ بَعضهم: لَا يلْتَفت إِلَى إِنْكَار ابْن التِّين أَنه أبق، لِأَن رِوَايَة: أبق، فسرت وَجه الإضلال. قلت: لَا إِبْهَام فِي الإضلال حَتَّى يفسره بِلَفْظ: أبق وَلَا يصلح أَيْضا أَن يكون: أبق، مُفَسرًا لَهُ من حَيْثُ اللُّغَة، وَلَا وَجه لذَلِك أصلا، لِأَن فِي الْإِبَاق معنى الْمُخَالفَة للْمولى والهرب عَنهُ، وَهُوَ أكبر الْعُيُوب فِي العَبْد، وَلَيْسَ فِي الإضلال هَذَا الْمَعْنى أصلا، فعلى هَذَا التَّوْفِيق بَين الرِّوَايَتَيْنِ بِأَن يُقَال: إِنَّه أطلق: أبق، على معنى: أضلّ، لِأَن فِي كل من هذَيْن اللَّفْظَيْنِ معنى الاستتار والاحتباس.

77 - (قِصَّةُ وفْدِ طَيِّىءٍ وحَدِيثِ عَدِيِّ بنِ حاتِمٍ)

أَي: هَذَا فِي بَيَان قصَّة وَفد طَيء، وَفِي بعض النّسخ: بَاب قصَّة وَفد طَيء، وَفِي بَعْضهَا، وَفد طَيء، وَحَدِيث عدي بن حَاتِم بِلَا لفظ: قصَّة، والطيء، بِفَتْح الطَّاء الْمُهْملَة وَتَشْديد الْيَاء آخر الْحُرُوف بعْدهَا همزَة: ابْن أدد بن زيد بن يشجب بن عريب بن زيد بن كهلان بن سبأ، وَقَالَ الرشاطي: كَانَ اسْمه جلهمة بن أدد، وَقَالَ ابْن دُرَيْد عَن الْخَلِيل: إِن أصل طَيء: طاوي، بِالْوَاو وَالْيَاء، فقلبوا الْوَاو يَاء فَصَارَت يَاء ثَقيلَة، قَالَ: وَكَانَ الأَصْل فِيهِ: طوى، وَقَالَ السيرافي: ذكر بعض النَّحْوِيين أَن: طيأ، من الطأة وَهُوَ الذّهاب فِي الأَرْض. وَقَالَ ابْن سعيد: لَيْسَ غير هَذَا القَوْل بِشَيْء لِأَن طوى طياً لَا أصل لَهُ فِي الْهمزَة، وطيء مَهْمُوز، وَحكى سِيبَوَيْهٍ فِي قَوْله: فِي طَيء، طائي أَنه على غير الْقيَاس، وَقَالَ فِي مَوضِع آخر: النِّسْبَة إِلَى طأي طائي، وَقَالَ ابْن الْكَلْبِيّ: سمي طياً لِأَنَّهُ أول من طوى المناهل قَوْله: (وَحَدِيث عدي) ، بِفَتْح الْعين الْمُهْملَة وَكسر الدَّار وَتَشْديد الْيَاء: ابْن حَاتِم، بِالْحَاء الْمُهْملَة وبالتاء الْمُثَنَّاة من فَوق الْمَكْسُورَة: ابْن عبد الله بن سعد بن الحشرج، بِالْحَاء الْمُهْملَة وَسُكُون الشين الْمُعْجَمَة وبالراء بعْدهَا جِيم على وزن جَعْفَر: ابْن امرىء الْقَيْس بن عدي بن ربيعَة بن جَرْوَل بن ثعل بن عَمْرو بن الْغَوْث بن طَيء بن أدد بن زيد بن كهلان، قدم عدي على النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي شعْبَان سنة تسع، قَالَه أَبُو عمر، وَقَالَ الْوَاقِدِيّ: قدم فِي شعْبَان سنة عشر ثمَّ قدم على أبي بكر الصّديق رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، بصدقات قومه فِي حِين الرِّدَّة، وَمنع قومه وَطَائِفَة مَعَه من الرِّدَّة بِثُبُوتِهِ على الْإِسْلَام وَحسن رَأْيه وَكَانَ سرياً شريفاً فِي قومه، خَطِيبًا ظَاهر الْجَواب، فَاضلا كَرِيمًا، وَنزل عدي بن حَاتِم الْكُوفَة وسكنها وَشهد مَعَ عَليّ رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، الْجمل وففئت عينه يومئذٍ ثمَّ شهد مَعَ عَليّ صفّين والنهروان، وَمَات بِالْكُوفَةِ سنة سبع وَسِتِّينَ فِي أَيَّام الْمُخْتَار، وَهُوَ ابْن مائَة وَعشْرين سنة.

4394 - ح دّثنا مُوسَى بنُ إسْماعِيلَ حدّثنا أبُو عَوَانَةَ حدّثنا عبْدُ الملِكِ عنْ عَمرو بنِ حُرَيْثٍ عنْ عَدِيِّ بنِ حاتِمٍ قَالَ أتَيْنا عُمَرَ فِي وَفدٍ فجَعَل يَدْعُو رجُلاً رجُلاً ويُسَمِّيهِمْ فَقُلْتُ أما تَعْرِفُنِي يَا أميرَ المُؤْمِنِينَ قَالَ بَلى أسْلَمْتَ إذْ كَفَرُوا وأقْبَلْتَ إِذْ أدْبَرُوا ووَفَيْتَ إذْ غَدَرُوا وعَرَفْتَ إذْ أنْكَرُوا فَقَالَ عَدِيٌّ فَلاَ أُبالِي إِذا.

(18/35)


مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. وَأَبُو عوَانَة الوضاح الْيَشْكُرِي، وَعبد الْملك هُوَ ابْن عُمَيْر، وَعَمْرو بن حُرَيْث المَخْزُومِي صَحَابِيّ صَغِير، قَالَ أَبُو عمر: عَمْرو بن حُرَيْث بن عَمْرو بن عُثْمَان بن عبد الله بن عمر بن مَخْزُوم الْقرشِي المَخْزُومِي، رأى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَسمع مِنْهُ وَمسح بِرَأْسِهِ ودعا لَهُ بِالْبركَةِ، وَقيل: قبض النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَهُوَ ابْن اثْنَتَيْ عشرَة سنة، نزل الْكُوفَة وَولي إِمَارَة الْكُوفَة وَمَات بهَا سنة خمس وَثَمَانِينَ.
والْحَدِيث أخرجه مُسلم من وَجه آخر قَالَ: أتيت عمر رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، فَقَالَ: إِن أول صَدَقَة بيضت وَجه النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ووجوه أَصْحَابه صَدَقَة طَيء، جِئْت بهَا إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَزَاد أَحْمد فِي أَوله: أتيت عمر فِي أنَاس من قومِي فَجعل يعرض عني، فاستقبلته فَقلت: أتعرفني؟ فَذكر نَحْو مَا رَوَاهُ البُخَارِيّ مُسلم. قَوْله: (أتيت عمر) ، أَي: فِي خِلَافَته. قَوْله: (فِي وَفد) ، بِفَتْح الْوَاو وَسُكُون الْفَاء وَفِي آخِره دَال مُهْملَة، وهم قوم يَجْتَمعُونَ ويردون الْبِلَاد، واحده وَافد، وَكَذَلِكَ الَّذين يقصدون الْأُمَرَاء لزِيَادَة واستر فادوا انتجاع وَغير ذَلِك، تَقول: وَفد يفد فَهُوَ وَافد، واوفدته على الشَّيْء فَهُوَ موفد إِذا أشرف. قَوْله: (ويسميهم) أَي: قبل أَن يَدعُوهُ. قَوْله: (يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ) ، أَصله: يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ. قَوْله: (إِذْ) ، بِمَعْنى: حِين، فِي الْأَرْبَعَة الْمَوَاضِع، وَقَوله: (إِذا) فِي الْأَخير بِالتَّنْوِينِ بِمَعْنى: حينئذٍ قَالَ الْكرْمَانِي: أَي: حِين عَرفتنِي بِهَذِهِ الْمرتبَة يَكْفِينِي سَعَادَة، وَقيل: مَعْنَاهُ إِذا كنت تعرف قدري فَلَا أُبَالِي إِذا قدمت على غَيْرِي.

78 - (بابُ حَجَّةِ الوَدَاعِ)

أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان حجَّة الْوَدَاع، يجوز فتح الْحَاء وَكسرهَا وَكَذَلِكَ كسر الْوَاو وَفتحهَا، وَإِنَّمَا سميت حجَّة الْوَدَاع لِأَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ودع النَّاس فِيهَا وَلم يحجّ بعْدهَا، وَسميت أَيْضا: حجَّة الْإِسْلَام لِأَنَّهُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لم يحجّ من الْمَدِينَة غَيرهَا وَلَكِن حج قبل الْهِجْرَة مَرَّات قبل النُّبُوَّة وَبعدهَا، وَقد قيل: إِن فَرِيضَة الْحَج نزت عامئذٍ، وَقيل: سنة تسع، وَقيل: قبل الْهِجْرَة، وَهُوَ غَرِيب وَسميت: حجَّة الْبَلَاغ، أَيْضا لِأَنَّهُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بلغ النَّاس فِيهَا شرع الله فِي الْحَج قولا وفعلاً وَلم يكن بَقِي من دعائم الْإِسْلَام وقواعده إِلَّا وَقد بلغه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَسميت أَيْضا: حجَّة التَّمام والكمال، وَحجَّة الْوَدَاع أشهر.

4395 - ح دّثنا إسْماعِيلُ بنُ عبْدِ الله حدَّثنا مالِكٌ عَن ابْن شِهاب عنْ عُرْوَةَ بنِ الزُّبَيْرِ عنْ عائشَةَ رضيَ الله عَنْهَا قالَتْ خرَجْنا معَ رسولِ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي حَجَّةِ الوَدَاعِ فأهْلَلْنا بِعُمْرَةٍ ثُمَّ قَالَ لَنا رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَنْ كانَ مَعَهُ هَدْيٌ فَلْيُهْلِلْ بالحَجِّ معَ العُمْرة ثُمَّ لَا يَحِلَّ حتَّى يَحِلَّ مِنْهُما جَمِيعاً فَقدِمتُ معَهُ مَكَّةَ وَأَنا حائِضٌ ولَمْ أطُفْ بالبَيْتِ وَلَا بَيْنَ الصفَّا والمَرْوَةِ فَشَكَوْتُ إِلَى رسولِ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ انْقُضى رَأسَكِ وامْتَشِطِي وأهَلِّي بالحَجِّ وَدَعِي العُمْرَةَ فَفَعَلْتُ فَلَمَّا قَضَيْنا الحجَّ أرْسَلَنِي رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم معَ عبْدِ الرَّحْمانِ بنِ أبي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ إِلَى التَّنْعِيم فاعْتَمَرْتُ فَقَالَ هَذِهِ مَكَان عُمرَتِكِ قالَتْ فَطافَ الَّذِينَ أهَلُّوا بالعُمْرَةِ بالبَيْتِ وبَيْنَ الصَّفا والمَرْوَةِ ثُمَّ حَلُّوا ثُمَّ طافُوا طَوَافاً آخرَ بعَدَ أنْ رَجَعُوا مِنْ منى وَأما الَّذِينَ جَمَعُوا الحَجَّ والعُمْرَةَ فإنَّما طافُوا طَوافاً واحِداً. .

مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: حجَّة الْوَدَاع. والْحَدِيث مر فِي الْحَج فِي: بَاب التَّمَتُّع والإقران، فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ عَن عبد الله بن يُوسُف عَن مَالك مُخْتَصرا، وَأخرجه عَن عَائِشَة مطولا، وَمضى الْكَلَام فِيهِ هُنَاكَ مُسْتَوفى.
قَوْله: (فأهللنا) أَي: أحرمنا. قَوْله: (هَذِه مَكَان) بِالرَّفْع وَالنّصب.

4396 - ح دّثني عَمْرُو بن عَلِيِّ حدَّثنا يَحْيَى بنُ سعِيدٍ حدَّثنا ابنُ جُرَيْجٍ قَالَ حدَّثَنَي عَطاءٌ عنِ ابْن عَبَّاسٍ إِذا طافَ بالبَيْت فَقَدْ حل فَقُلْتُ مِنْ أيْنَ قَالَ هذَا ابنُ عَبَّاسٍ قَالَ منْ قَوْل

(18/36)


الله تَعالى ثُمَّ مَحِلُّها إِلَى البيْتِ العَتِيقِ ومِنْ أمْرِ النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أصْحابَهُ أنْ يَحِلُّوا فِي حَجَّةِ الوَداعِ قُلْتُ إِنَّمَا كانَ ذَلِكَ بَعْدَ المُعَرَّفِ قَالَ كانَ ابنُ عَبَّاسٍ يَرَاهُ قبلُ وبَعْدُ.

مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة فِي قَوْله: (حجَّة الْوَدَاع) ، وَعَمْرو بن عَليّ بن بَحر أَبُو حَفْص الْبَاهِلِيّ الْبَصْرِيّ الصَّيْرَفِي، وَيحيى بن سعيد الْقطَّان، وَابْن جريج هُوَ عبد الْملك بن عبد الْعَزِيز بن جريج، وَعَطَاء هُوَ ابْن أبي رَبَاح.
والْحَدِيث أخرجه مُسلم فِي الْمَنَاسِك عَن إِسْحَاق بن إِبْرَاهِيم.
قَوْله: (فقد حل) ، أَي: قبل السَّعْي وَالْحلق. قَوْله: (فَقلت) ، الْقَائِل هُوَ ابْن جريج، وَالْمقول لَهُ عَطاء. قَوْله: (قَالَ) أَي: عَطاء. قَوْله: (بعد الْمُعَرّف) ، بِفَتْح الرَّاء: التَّعْرِيف أَي: الْوُقُوف بِعَرَفَة، يُقَال: عرف النَّاس إِذا شهدُوا عَرَفَة. قَوْله: (قبل وَبعد) ، أَي: قبل الْمُعَرّف وَبعده.

4397 - ح دّثني بَيانٌ حَدثنَا النَّضْرُ أخبرَنا شُعْبَةُ عنْ قَيْسٍ قَالَ سمِعْتُ طارِقاً عنْ أبي مُوسى الأشْعَرِيِّ رَضِي الله عنهُ قَالَ قَدِمْتُ على النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بالبَطْحاءِ فَقَالَ أحَجَجْتَ قُلْتُ نَعَمْ قَالَ كَيْفَ أهْلَلْتَ قُلْتُ لَبَّيْكَ بإهْلاَلٍ كإهْلاَلِ رسولِ لله قَالَ طُفْ بالبَيْتِ وبالصَّفا والمرْوةِ ثُمَّ حِلَّ فَطُفْتُ بالْبَيْتِ وبالصفَّا والمَرْوَةِ وأتَيْت امْرأةً مِنْ قَيْسٍ فَفَلَتْ رأسِي. .

مطابقته للتَّرْجَمَة تُؤْخَذ من قَوْله: (قدمت على النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم) لِأَن قدومه كَانَ وَالنَّبِيّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فِي حجَّة الْوَدَاع.
وَبَيَان، بِفَتْح الْمُوَحدَة وَتَخْفِيف الْيَاء آخر الْحُرُوف وَبعد الْألف نون: ابْن عَمْرو البُخَارِيّ، وَالنضْر، بالضاد الْمُعْجَمَة: هُوَ ابْن شُمَيْل، وَقيس هُوَ ابْن مُسلم، وطارق هُوَ ابْن شهَاب الأحمسي البَجلِيّ الْكُوفِي، أدْرك الْجَاهِلِيَّة وَله رُؤْيَة وغزوة مَعَ أبي بكر رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ.
قَوْله: (بالبطحاء) ، حَال أَي: قدمت على النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، حَال كَونه نازلاً بالبطحاء، وَهُوَ مسيل وَادي مَكَّة. قَوْله: (أحججت؟) الْهمزَة فِيهِ للاستفهام على سَبِيل الاستخبار أَي: آحرمت بِالْحَجِّ؟ هُوَ شَامِل لِلْحَجِّ الْأَكْبَر والأصغر الَّذِي هُوَ الْعمرَة. قَوْله: (ثمَّ حل) ، بِكَسْر الْحَاء وَتَشْديد اللَّام: أَمر من الْإِحْلَال. قَوْله: (فَقلت رَأْسِي) بِفَتْح اللَّام المخففة أَي: فتشت رَأْسِي وأخرجت الْقمل مِنْهُ من: فلي يفلي فلياً وَهُوَ أَخذ الْقمل من الشّعْر، ومضمون الحَدِيث من الْفِقْه قد مر فِي الْحَج فِي: بَاب من أهل فِي زمن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كإهلاله.

4398 - ح دّثني إبْرَاهِيمُ بنُ المُنْذِرِ أخبْرنا أنَسُ بنُ عِياضٍ حَدثنَا مُوسَى بنُ عُقْبَةَ عنْ نافِعٍ أنَّ ابنَ عُمَرَ أخْبَرَهُ أنَّ حَفصَةَ رَضِي الله عَنْهَا زَوْجَ النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أخبَرَتْهُ أنَّ النبيَّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أمَرَ أزْوَاجَهُ أنْ يَحْلِلْنَ عامَ حَجَّةِ الوَداعِ فقالَتْ حَفْصَةُ فَمَا يَمنَعُكَ فَقَالَ لَبَّدْتُ رأسِي وقَلَّدْتُ هَدْيي فَلَسْتُ أحِل حَتَّى أنْحَرَ هَدْيي. .

مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (عَام حجَّة الْوَدَاع) ، والْحَدِيث مضى فِي: بَاب التَّمَتُّع والإقران. أخرجه عَن إِسْمَاعِيل وَعبد الله بن يُوسُف كِلَاهُمَا عَن مَالك عَن نَافِع عَن ابْن عمر عَن حَفْصَة وَهِي بنت عمر بن الْخطاب وَأُخْت عبد الله بن عمر.
قَوْله: (فَمَا يمنعك أَنْت؟) تخاطب بِهِ حَفْصَة النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، بقولِهَا: فَمَا يمنعك أَنْت؟ أَي: فَمَا يمنعك عَن التَّحَلُّل يَا رَسُول الله؟ قَوْله: (لبدت رَأْسِي) من التلبيد وَهُوَ أَن يَجْعَل الْمحرم فِي رَأسه شَيْئا من صمغ ليصير شعره كاللبد لِئَلَّا يشعث فِي الْإِحْرَام، (وقلدت) من التَّقْلِيد، وتقليد الْهَدْي: أَن يعلق فِي عُنُقه شَيْء ليعلم أَنه هدي.

4399 - ح دّثنا أبُو اليَمانِ قَالَ حدّثني شُعَيْبٌ عنِ الزُّهْريِّ وَقَالَ مُحَمَّدُ بنُ يُوسُفَ حدَّثنا الأوْزاعيُّ قَالَ أَخْبرنِي ابنُ شهِابٍ عنْ سُلَيْمان بنِ يَسارٍ عنِ ابنِ عَبَّاسٍ رَضِي الله عَنْهُمَا أنَّ

(18/37)


امْرَأةً مِنْ خَثَعَمَ اسْتَفْتَتْ رسُولَ الله فِي حَجَّةِ الوَدَاعِ والفَضْلُ بنُ عَبَّاسٍ رَديفُ رسولِ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فقالَتْ يَا رسُولَ الله إنَّ فَرِيضَةَ الله عَلَى عِبَادِهِ أدْرَكَتْ أبي شَيْخاً كَبِيراً لاَ يَسْتَطِيعُ أنْ يَسْتَوِيَ عَلَى الرَّاحِلَةِ فَهَلْ يَقْضِي أنْ أحُجَّ عَنْهُ قَالَ: نَعَمْ. .

مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (حجَّة الْوَدَاع) . أخرجه من طَرِيقين أَحدهمَا: مَوْصُول وَهُوَ: عَن أبي الْيَمَان الحكم ابْن نَافِع عَن شُعَيْب بن أبي حَمْزَة عَن مُحَمَّد بن مُسلم الزُّهْرِيّ عَن سُلَيْمَان بن يسَار ضد الْيَمين عَن عبد الله بن عَبَّاس. وَالْآخر: غير مَوْصُول. وَهُوَ قَوْله: (وَقَالَ مُحَمَّد بن يُوسُف) هُوَ الْفرْيَابِيّ، وَهُوَ شيخ البُخَارِيّ، أَيْضا، وَكَأَنَّهُ لم يسمعهُ مِنْهُ فَلذَلِك علقه. وَهُوَ يروي عَن عبد الرَّحْمَن بن عَمْرو الْأَوْزَاعِيّ عَن بن شهَاب وَهُوَ الزُّهْرِيّ عَن سُلَيْمَان بن يسَار، وَهَذَا التَّعْلِيق وَصله أَبُو نعيم فِي (الْمُسْتَخْرج) من طَرِيقه. وَهَذَا الحَدِيث قد مضى فِي الْحَج فِي: بَاب الْحَج عَمَّن لَا يَسْتَطِيع الثُّبُوت على الرَّاحِلَة، وَمضى الْكَلَام فِيهِ هُنَاكَ مُسْتَوفى.

4400 - ح دّثني مُحَمَّدٌ حَدثنَا سُرَيْجُ بنُ النُّعْمانِ حَدثنَا فُلَيْحٌ عنْ نافِعٍ عنِ ابنِ عُمَرَ رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ أقْبَلَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عامَ الفَتْحِ وهْوَ مُرْدِفٌ أُسامَةَ عل القَصْوَاءِ وَمَعَهُ بِلاَلٌ وعُثْمانُ بنُ طَلْحَةَ حَتَّى أناخَ عِنْدَ البَيْتِ ثُمَّ قَالَ لِعُثْمانَ ائْتِنا بالمِفْتاحِ فَجاءَهُ بالمِفْتاحِ فَفَتَحَ لهُ البابَ فَدَخَلَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وأُسامَةُ وبِلاَلٌ وعُثمانُ ثُمَّ أغلقُوا عَلَيْهِمِ البابَ فَمَكَثَ نَهَارا طَوِيلاً ثُمَّ خَرَجَ وابْتَدَرَ النَّاسُ الدُّخُولَ فَسَبَقْتُهُمْ فَوَجَدْتُ بِلاَلاً قائِماً مِنْ وَرَاءِ البابِ فَقُلْتُ لهُ أيْنَ صَلَّى رسُولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ صَلَّى بَيْنَ ذَيْنِكَ العَمُودَيْنِ المُقَدَّمَيْنِ وكانَ البَيْتُ عَلى سِتَّةِ أعْمِدَةٍ سَطْرَيْنِ صَلَّى بَيْنَ العَمُودَيْنِ مِنَ السَّطْرِ المُقَدَّمِ وجَعَلَ بابَ البَيْتِ خَلْفَ ظَهْرِهِ واسْتَقْبَلَ بِوَجْهِهِ الَّذِي يَسْتَقْبِلُكَ حِين تَلِجُ البَيْتَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الجِدَارِ قَالَ ونَسِيتُ أنْ أسْأَلَهُ كَمْ صَلَّى وعِنْدَ المَكان الَّذِي صَلَّى فِيهِ مَرْمَرَةٌ حَمْرَاءٌ. .

مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (عَام الْفَتْح) ، لِأَن حجَّة الْإِسْلَام كَانَت فِيهِ، وَهِي حجَّة الْوَدَاع، وَمُحَمّد شيخ البُخَارِيّ ابْن رَافع بن أبي زيد الْقشيرِي النَّيْسَابُورِي. كَذَا قَالَه النَّسَائِيّ، وَقَالَ الْحَاكِم: هُوَ مُحَمَّد بن يحيى الذهلي، بِضَم الذَّال الْمُعْجَمَة، وسريج، بِضَم السِّين الْمُهْملَة وَفتح الزَّاي وَفِي آخِره جِيم، مصغر السرج: ابْن النُّعْمَان أَبُو الْحسن البغداي الْجَوْهَرِي، وَهُوَ شيخ البُخَارِيّ، تَارَة يرْوى عَنهُ بِوَاسِطَة كَمَا فِي هَذَا الْموضع، وَتارَة بِلَا وَاسِطَة، وفليح، بمض الْفَاء: هُوَ ابْن سُلَيْمَان.
قَوْله: (وَهُوَ مردف) ، الْوَاو فِيهِ للْحَال. قَوْله: (على الْقَصْوَاء) ، وَهُوَ اسْم نَاقَة النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَهِي الَّتِي ابتاعها أَبُو بكر رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، وَأُخْرَى مَعهَا من بني قشر بثمانمائة دِرْهَم، وَهِي الَّتِي هَاجر عَلَيْهَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَكَانَت إِذْ ذَاك ربَاعِية، وَكَانَ لَا يحملهُ غَيرهَا إِذا نزل عَلَيْهِ الْوَحْي. وَفِي (عُيُون الْأَثر) : كَانَت نَاقَته الَّتِي هَاجر عَلَيْهَا تسمى الْقَصْوَاء والجدعاء والعضباء، وَقيل: العضباء غير الْقَصْوَاء، والعضباء هِيَ الَّتِي سبقت، فشق ذَلِك على الْمُسلمين، والقصواء تَأْنِيث الْأَقْصَى، قَالَ ابْن الْأَثِير: الْقَصْوَاء النَّاقة الَّتِي قطع طرف أذنها من قصوته قصواً فَهُوَ مقصو، وناقة قصواء، وَلَا يُقَال: بعير أقْصَى، وَلم تكن نَاقَة النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قصواء، وَإِنَّمَا كَانَ هَذَا لقباً لَهَا، وَقيل: كَانَت مَقْطُوعَة الْأذن. قَوْله: (وَعُثْمَان بن طَلْحَة) بن أبي طَلْحَة، واسْمه عبد الله بن عبد الْعُزَّى بن عُثْمَان بن عبد الدَّار بن قصي الْقرشِي الْعَبدَرِي، قتل أَبوهُ طَلْحَة يَوْم أحد كَافِرًا، وَهَاجَر عُثْمَان إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَكَانَت هجرته فِي هدنة الْحُدَيْبِيَة مَعَ خَالِد بن الْوَلِيد، فلقيا عَمْرو بن الْعَاصِ مُقبلا من عِنْد النَّجَاشِيّ يُرِيد الْهِجْرَة، فاصطحبوا جَمِيعًا

(18/38)


حَتَّى قدمُوا على رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، بِالْمَدِينَةِ فأسلموا، وَشهد عُثْمَان فتح مَكَّة فَدفع رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، مِفْتَاح الْكَعْبَة إِلَيْهِ وَإِلَى شيبَة بن عُثْمَان، ثمَّ نزل عُثْمَان الْمَدِينَة فَأَقَامَ بهَا إِلَى أَن توفّي رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، ثمَّ انْتقل إِلَى مَكَّة فسكنها حَتَّى مَاتَ بهَا فِي أول خلَافَة مُعَاوِيَة سنة ثِنْتَيْنِ وَأَرْبَعين، وَقيل: إِنَّه قتل بأجنادين. قَوْله: (ثمَّ أغلقوا) ويرو: غلقوا، بتَشْديد اللَّام. قَوْله: (فَقلت لَهُ) ، أَي: لِبلَال رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ. قَوْله: (فَقَالَ: صلى) إِلَى آخر الحَدِيث، رِوَايَة عبد الله بن عمر عَن بِلَال: وَمضى فِي الصَّلَاة فِي: بَاب الصَّلَاة بَين السَّوَارِي. قَوْله: (سطرين) بِالسِّين الْمُهْملَة، وَفِي رِوَايَة بِالْمُعْجَمَةِ، وَأنْكرهُ عِيَاض. قَوْله: (حِين تلج) أَي: حِين تدخل، من الولوج. قَوْله: (وَبَينه) أَي: وَبَين الَّذِي يسْلك أَو بَين رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم. قَوْله: (مرمرة حَمْرَاء) ، قَالَ الْكسَائي: المرمرة الرخام. قلت: المرمرة غير الرخام، وَهِي مَعْرُوفَة وَيجمع على: مر مر، والأبحاث الْمُتَعَلّقَة بِهِ قد مرت فِي أَبْوَاب كَثِيرَة لِأَن البُخَارِيّ أخرج هَذَا الحَدِيث: فِي الصَّلَاة وَفِي الْجِهَاد وَفِي الْمَغَازِي وَفِي الْحَج، وَأخرجه مُسلم فِي الْحَج عَن جمَاعَة، وَأَبُو دَاوُد فِيهِ أَيْضا عَن جمَاعَة، وَالنَّسَائِيّ كَذَلِك عَن جمَاعَة، وَابْن ماجة كَذَلِك عَن دُحَيْم.

4401 - ح دّثنا أبُو اليَمانِ أخبْرَنا شُعَيْبٌ عنِ الزُّهْرِيِّ حدّثني عُرْوةُ بن الزُّبَيْرِ وأبُو سَلَمَة ابنُ عبْدِ الرَّحْمانِ أنَّ عائِشَةَ زَوْجَ النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أخْبَرَتْهُما أنَّ صَفِيَّةَ بِنْتَ حُيَىٍّ زَوْجَ النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حاضَتْ فِي حجَّةِ الوَدَاعِ فَقَالَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أحابِسَتُنا هِي فَقُلْتُ إنَّها قَدْ أفاضَتْ يَا رسُولَ الله وطافَتْ بالْبَيْتِ فَقَالَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَلْتَنْفِرْ. .

مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (فِي حجَّة الْوَدَاع) ، وَأَبُو الْيَمَان الحكم بن نَافِع والْحَدِيث مضى من طَرِيق آخر فِي الْحَج فِي: بَاب إِذا حَاضَت الْمَرْأَة بَعْدَمَا أفاضت، وَقد مر الْكَلَام فِيهِ هُنَاكَ.

4402 - ح دّثنا يَحْيَى بنُ سُلَيْمانَ قَالَ أَخْبرنِي ابنُ هْبٍ قَالَ حدّثني عمَرُ بنُ مِحَمَّدٍ أنَّ أباهُ حدَّثَهُ عنِ ابنِ عُمرَ رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ كُنَّا نَتَحَدَّثُ بِحَجَّةِ الوَدَاعِ والنبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بَيْنَ أظْهُرِنا ولاَ نَدْري مَا حَجَّةُ الوَداعِ فَحَمِدَ الله وأثْنَى عَلَيْهِ ثُمَّ ذَكَرَ المسِيحَ الدَّجَّالَ فأطْنَبَ فِي ذِكْرِهِ وَقَالَ مَا بَعَثَ الله منْ نَبِيٍّ إلاَّ أنْذَرَ أُمَّتَهُ أنْذَرَهُ نُوحٌ النبيِيُّونَ مِنْ بَعْدِهِ وإنَّهُ يَخْرُجُ فيكُمْ فَمَا خَفى عَلَيْكُمْ منْ شأنهِ فَلَيْسَ يَخْفَى عَلَيْكُمْ أنَّ رَبَّكُمْ لَيْسَ عَلَى مَا يَخْفَى عَلَيْكُمْ ثلاَثاً إنَّ رَبَّكُمْ لَيْسَ بأعْوَرَ وإنَّهُ أعْوَرُ عَيْنِ اليُمْنَى كأنَّ عَيْنَهُ عِنَبَةٌ طافِيَةٌ. ألاَ إنَّ الله حَرَّم عَلَيْكُمْ دِماءَكُمْ وأمْوَالَكُمْ كَحُرْمَة يَوْمِكُم هَذَا فِي بَلَدِكُمْ هَذَا فِي شَهْرِكُمْ هَذَا ألاَ هَلْ بَلَّغْتُ قالُوا نَعَمْ قَالَ اللَّهُمَّ اشْهَدُ ثَلَاثًا ويْلَكُمْ أوْ وَيْحَكُمْ انْظُرُوا لاَ تَرْجِعُوا بَعْدِي كُفَّاراً يَضْرِبُ بَعْضُكُمْ رقابَ بَعْضٍ. .

مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. وَيحيى بن سُلَيْمَان أَبُو سعيد الْجعْفِيّ البُخَارِيّ، سكن مصر وروى عَن عبد الله بن وهب الْمصْرِيّ، وَعمر بن مُحَمَّد بن زيد بن عبد الله بن الْخطاب، وَعمر هَذَا يروي عَن أَبِيه مُحَمَّد، وَمُحَمّد يروي عَن جده عبد الله بن عمر.
وَحَدِيث مُحَمَّد هَذَا أخرجه البُخَارِيّ فِي مَوَاضِع بطرق مُخْتَلفَة فِي الدِّيات عَن أبي الْوَلِيد وَفِي الْفِتَن عَن حجاج ابْن منهال وَفِي الْأَدَب عَن عبد الله بن عبد الْوَهَّاب وَفِي الْحُدُود عَن مُحَمَّد بن عبد الله وَفِي الْحَج عَن مُحَمَّد بن الْمثنى، وَأول حَدِيثه: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بمنى: أَتَدْرُونَ أَي يَوْم هَذَا؟ وَأخرجه مُسلم فِي الْإِيمَان عَن حَرْمَلَة وَغَيره.

(18/39)


وَأخرجه أَبُو دَاوُد فِي السّنة عَن أبي الْوَلِيد بِهِ. وَأخرجه النَّسَائِيّ فِي الْمُحَاربَة عَن أَحْمد بن عبد الله، وَأخرجه ابْن ماجة فِي الْفِتَن عَن دُحَيْم مُخْتَصرا.
قَوْله: (كُنَّا نتحدث بِحجَّة الْوَدَاع) . قَوْله: (وَالنَّبِيّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم) ، الْوَاو فِيهِ للْحَال. قَوْله: (وَلَا نَدْرِي مَا حجَّة الْوَدَاع) لِأَنَّهُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ ذكرهَا فتحدثوا بهَا، وَلَكنهُمْ مَا فَهموا المُرَاد من الْوَدَاع: هَل هُوَ وداع النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أم غَيره؟ حَتَّى توفّي النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَعَلمُوا عِنْد ذَلِك أَنه وادع النَّاس بالوصايا الَّتِي أوصاها لَهُم قرب أَيَّام مَوته مِنْهَا. قَوْله: (لَا ترجعوا بعدِي كفَّارًا) . قَوْله: (فَحَمدَ الله وَأثْنى عَلَيْهِ) فِيهِ حذف تَقْدِيره: ركب وَاجْتمعَ النَّاس إِلَيْهِ وخطب فَحَمدَ الله وَأثْنى عَلَيْهِ، وَفِي رِوَايَة أبي نعيم فِي (الْمُسْتَخْرج) : فَحَمدَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم. . الحَدِيث وَحده، وَأثْنى عَلَيْهِ الله، وَفِي قصَّة الدَّجَّال، وَفِيه: أَلا إِن الله حرم عَلَيْكُم دماءكم ... وَهَذِه الْخطْبَة كلهَا كَانَت فِي حجَّة الْوَدَاع. قَوْله: (فاطنب) ، أَي: طوّل. قَوْله: (أنذره نوح) إِنَّمَا عين نوحًا بتصريح اسْمه بعد أَن كَانَ دَاخِلا فِي قَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (مَا بعث الله من نَبِي إلاّ أنذر أمته) لِأَن نوحًا وَمن بعده خلق ثَان، لِأَن من قبله هَلَكُوا كلهم وَلم يبْق إلاَّ نوح وَأَوْلَاده الثَّلَاثَة: يافث وسام وَحَام، وَهُوَ أَب ثَان، وَالْأَب الأول هُوَ آدم، عَلَيْهِ السَّلَام. قَوْله: (وَإنَّهُ) ، أَي: وَإِن الدَّجَّال يخرج فِيكُم، أَرَادَ فِي أمته عِنْد قرب السَّاعَة. قَوْله: (فَمَا خَفِي عَلَيْكُم) ، كلمة: مَا، شَرْطِيَّة أَي: إِن خَفِي عَلَيْكُم بعض شَأْنه فَلَا يخفى عَلَيْكُم أَن ربكُم لَيْسَ بأعور، وَالثَّانِي بدل من الأول، أَي: لَا يخفى عَلَيْكُم أَنه لَيْسَ مِمَّا يخفى أَنه لَيْسَ أعوارً، واستئناف قَوْله: (وَإنَّهُ أَعور عين الْيُمْنَى) ، وَقد مر تَفْسِير هَذَا فِي: بَاب {وَاذْكُر فِي الْكتاب مَرْيَم} (مَرْيَم: 16) وَكَذَلِكَ تَفْسِير قَوْله: (كَأَن عينه عنبة طافية) ، وَقد ذكرنَا أَنه فِي رِوَايَة أُخْرَى: أَنه جاحظ الْعين كَأَنَّهَا كَوْكَب، وَفِي أُخْرَى: أَنَّهَا لَيست بناتية وَلَا حجراء، وَهَهُنَا: أَنه أَعور عين الْيُمْنَى، وَفِي حَدِيث حُذَيْفَة. أَنه مَمْسُوح الْعين عَلَيْهَا ظفرة غَلِيظَة، وَفِي حَدِيث آخر: أَنه أَعور عين الْيُسْرَى، وَوجه الْجمع بَين هَذِه الْأَوْصَاف المتنافرة أَن يقدر فِيهَا أَن إِحْدَى عَيْنَيْهِ ذَاهِبَة وَالْأُخْرَى مَعِيبَة، فَيصح أَن يُقَال لكل وحادة عوراء، إِذْ الأَصْل فِي العور الْعَيْب. قَوْله: (أَلا إِن الله) كلمة: أَلا للاستفتاح، وَفِيه معنى الْحَث على سَماع مَا يَأْتِي. قَوْله: (كَحُرْمَةِ يومكم هَذَا) ، قَالَ الطَّيِّبِيّ رَحمَه الله: هَذَا من تَشْبِيه مَا لم تجر بِهِ الْعَادة بِمَا جرت بِهِ الْعَادة، كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى: {وَإِذ نتقنا الْجَبَل فَوْقهم كَأَنَّهُ ظلة} (الْأَعْرَاف: 171) كَانُوا يستبيحون دِمَاءَهُمْ وَأَمْوَالهمْ فِي الْجَاهِلِيَّة فِي غير الْأَشْهر الْحرم ويحرمونها فِيهَا كَأَنَّهُ قيل: إِن دماءكم وَأَمْوَالكُمْ مُحرمَة عَلَيْكُم أبدا كَحُرْمَةِ يومكم وشهركم وبلدكم. قَوْله: (أَلا هَل بلغت؟) بتَشْديد اللَّام. قَوْله: (ثَلَاثًا) ، أَي: ثَلَاث مَرَّات، وانتصابه على أَنه صفة لمصدر مَحْذُوف أَي: قَالَه قولا ثَلَاثًا. قَوْله: (أَو وَيحكم) شكّ من الرَّاوِي، وَكلمَة: وَيحكم، كلمة ترحم وتوجع، وَقد يُقَال بِمَعْنى الْمَدْح والتعجب، وانتصابه على المصدرية وَيسْتَعْمل مُضَافا وَغير مُضَاف، وَالْوَيْل فِي الأَصْل الْحزن والهلاك، وَيسْتَعْمل عِنْد التوجع والتعجب، وَهَهُنَا هُوَ المُرَاد. قَوْله: (لَا ترجعوا بعدِي كفَّارًا) قَالَ الْكرْمَانِي: هُوَ تَشْبِيه أَو هُوَ من بَاب التَّغْلِيظ فَهُوَ مجَاز، أَو المُرَاد مَعْنَاهُ اللّغَوِيّ وَهُوَ التستر بالأسلحة، وَالْأولَى أَنه على ظَاهره وَهُوَ النَّهْي عَن الارتداد، وأوله الْخَوَارِج بالْكفْر الَّذِي هُوَ الْخُرُوج عَن الْملَّة: إِذْ كل كَبِيرَة عِنْدهم كفر، وَيُقَال: مَعْنَاهُ لَا تكن أفعالكم تشبه أَعمال الْكفَّار فِي ضرب رِقَاب الْمُسلمين، وَيُقَال: مَعْنَاهُ إِذا فَارَقت الدُّنْيَا فاثبتوا بعدِي على مَا أَنْتُم عَلَيْهِ من الْإِيمَان وَالتَّقوى وَلَا تظلموا أحدا وَلَا تَحَارَبُوا الْمُسلمين وَلَا تَأْخُذُوا أَمْوَالهم بِالْبَاطِلِ، فَإِن هَذِه الْأَفْعَال من الضَّلَالَة والعدول عَن الْحق إِلَى الْبَاطِل. قَوْله: (يضْرب بَعْضكُم رِقَاب بعض) ، جملَة مستأنفة مبينَة لقَوْله: (لَا ترجعوا بعدِي كفَّارًا) .

4404 - ح دّثنا عَمْرُو بنَ خالِدٍ حَدثنَا زُهَيْرٌ حَدثنَا أبُو إسحاقَ قَالَ حدّثني زَيْدُ بن أرْقَمَ أنَّ النبيَّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم غَزَا تِسْع عَشْرَةَ غَزْوَةً وأنَّهُ حَجَّ بَعْدما هاجَرَ حَجَّةً واحِدةً لَمْ يَحُجَّ بَعْدَها حَجَّةُ الوَدَاعِ قَالَ أَبُو إسْحاقَ وبِمَكَّةَ أخْرَي. (انْظُر 3949 وطرفه) .

مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (حجَّة الْوَدَاع) . وَعَمْرو بن خَالِد الْحَرَّانِي، وَزُهَيْر مصغر زهر بن مُعَاوِيَة وَأَبُو إِسْحَاق عَمْرو بن عبد الله السبيعِي. والْحَدِيث مضى فِي أول الْمَغَازِي من حَدِيث شُعْبَة عَن أبي إِسْحَاق.
قَوْله: (لم يحجّ بعْدهَا حجَّة الْوَدَاع) ، يَعْنِي

(18/40)


وَلَا حج قبلهَا إلاَّ أَن يُرِيد نفي الْحَج الْأَصْغَر وَهُوَ الْعمرَة فَلَا فَإِنَّهُ اعْتَمر قبلهَا قطعا. قَوْله: (حجَّة الْوَدَاع) مَرْفُوع على أَنه خبر مُبْتَدأ مَحْذُوف يَعْنِي: هِيَ حجَّة الْوَدَاع، حَاصله أَنه بعد الْهِجْرَة لم يحجّ إلاَّ حجَّة الْوَدَاع. قَوْله: (قَالَ أَبُو إِسْحَاق) ، هُوَ الرَّاوِي وَهُوَ مَوْصُول بِالْإِسْنَادِ الْمَذْكُور. قَوْله: (وبمكة أُخْرَى) يَعْنِي: حج حجَّة أُخْرَى بِمَكَّة قبل أَن يهاجروا، وَهَذَا يُوهم أَنه لم يحجّ قبل الْهِجْرَة إلاَّ حجَّة وَاحِدَة، وَلَيْسَ كَذَلِك، بل حج قبل الْهِجْرَة مرَارًا عديدة، وَقد مر الْكَلَام فِيهِ عَن قريب.

4405 - ح دّثنا حَفْصُ بنُ عُمَرَ حَدثنَا شُعْبَةُ عنْ عَلِيِّ بنِ مُدركٍ عنْ أبي زُرْعَةَ بنِ عَمْرِو بنِ جرِيرٍ عنْ جَرِيرٍ أنَّ النبيَّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ فِي حَجَّةِ الوَدَاعِ لِجَرِيرٍ اسْتنْصِتِ النَّاسَ فَقَالَ لاَ تَرْجِعُوا بَعْدِي كُفَّاراً يَضْرِبُ بَعْضُكُمْ رِقَابَ بَعْضٍ. .

مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. وَعلي بن مدرك، بِضَم الْمِيم وَسُكُون الدَّار وَكسر الرَّاء: النَّخعِيّ الْكُوفِي من ثقاة التَّابِعين وَمَاله فِي البُخَارِيّ إلاَّ هَذَا الحَدِيث، لكنه أوردهُ فِي مَوَاضِع فِي الْفِتَن وَفِي الدِّيات، وَأَبُو زرْعَة بِضَم الزَّاي وَسُكُون الرَّاء وبالعين الْمُهْملَة: اسْمه هرم بن عَمْرو بن جرير بن عبد الله بن جَابر البَجلِيّ، وَأَبُو زرْعَة يروي عَن جده جرير.
وَأخرجه مُسلم فِي الْإِيمَان عَن أبي بكرَة وَآخَرين. وَأخرجه النَّسَائِيّ فِي الْعلم عَن مُحَمَّد بن عُثْمَان وَغَيره. وَأخرجه ابْن ماجة فِي الْفِتَن عَن بنْدَار.
قَوْله: (استنصت النَّاس) ، أَي: أسكتهم، وَفِيه دَلِيل على وهم من زعم أَن إِسْلَام جرير كَانَ قبل موت النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِأَرْبَعِينَ يَوْمًا، لِأَن حجَّة الْوَدَاع كَانَت قبل مَوته صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِأَكْثَرَ من ثَمَانِينَ يَوْمًا، لِأَن جَرِيرًا قد ذكر أَنه حج مَعَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حجَّة الْوَدَاع.

4406 - ح دّثني مُحَمَّدُ بنُ المُثَنَّى حدَّثنا عَبْدُ الوَهَّابِ حَدثنَا أيُّوبُ عنْ مُحَمَّدٍ عنِ ابنِ أبي بكْرَةَ عنْ أبي بَكرَةَ عنِ النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ الزَّمانُ قَدِ اسْتَدَارَ كَهَيْئَةِ يَوْمَ خَلَقَ الله السَّماوَاتِ والأرْضَ السَّنَةُ اثْنَا عَشَرَ شَهْراً مِنْها أرْبَعَةٌ حُرُمٌ ثَلاَثَةٌ مُتَوَالِيَاتٌ ذُو القَعْدَةِ وذُو الحَجةِ والمُحَرَّمُ ورَجَبُ مُضَرَ الذِي بَيْنَ جُمَادَى وشَعْبانَ أيُّ شَهْرٍ هَذَا قُلْنا الله ورَسُولُهُ أعْلَمُ فَسَكَتَ حَتى ظَنَنَّا أنَّهُ سَيُسَمِّيهِ بِغَيْرِ اسْمهِ قَالَ ألَيْسَ ذُو الحِجَّةِ قُلْنا بَلى قَالَ فأيُّ بَلَدٍ هاذَا قُلْنا الله ورسُولُهُ أعْلَمُ فَسَكَتَ حَتَّى ظَنَنَّا أنَّهُ سَيُسَمِّيهِ بِغَيْرِ اسْمِهِ قَالَ ألَيْسَ البَلْدَةَ قُلْنا بَلى قَالَ فأيُّ يَوْمٍ هاذَا قُلْنا الله ورسُولُهُ أعْلَمُ فسَكَتَ حَتَّى ظَنَنَّا أنَّهُ سَيُسَمِّيهِ بِغَيْرِ اسْمِهِ قَالَ ألَيْسَ يَوْمَ النَّحْرِ قُلْنا بَلى قَالَ فإنَّ دِماءَكُمْ وأمْوالَكُمْ قَالَ مُحَمَّد وأحْسِبُهُ قَالَ وأعْرَاضَكُمْ عَلَيْكُمْ حَرَامٌ كَحُرْمَةِ يَوْمِكُمْ هاذَا فِي بلَدِكُمْ هَذَا فِي شَهْرِكُمْ هذَا وسَتَلْقَوْنَ رَبَّكُمْ فَسَيَسْألُكُم عنْ أعْمالِكُمْ ألاَ فَلا تَرْجِعُوا بَعْدِي ضُلاَّلاً يَضْرِبُ بَعْضُكُمْ رقابَ بعْضٍ ألاَ لِيُبَلِّغِ الشَّاهِدُ الغائِبَ فَلَعَلَّ بَعْضَ مَنْ يُبَلَّغُهُ أنْ يَكُونَ أوْعى لَهُ مِنْ بَعْضِ مَنْ سَمِعَهُ فَكانَ مِحَمَّدٌ إذَا ذَكَرَهُ يَقُولُ صَدَقَ مِحمَّدٌ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ثُمَّ قَالَ ألاَ هَلْ بَلَّغْتُ مَرَّتَيْنِ. .

مطابقته للتَّرْجَمَة من حَيْثُ إِن مَا رَوَاهُ أَبُو بكرَة من كَلَام النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الَّذِي هُوَ خطبَته كَانَ فِي حجَّة الْوَدَاع. وَعبد الهاب هُوَ ابْن عبد الْمجِيد الثَّقَفِيّ، وَأَيوب هُوَ السّخْتِيَانِيّ، وَمُحَمّد هُوَ ابْن سِيرِين، وَابْن أبي بكرَة هُوَ عبد الرَّحْمَن، وَاسم أَبِيه أبي بكرَة: نفيع، بِضَم النُّون وَفتح الْفَاء وَسُكُون الْيَاء آخر الْحُرُوف وَفِي آخِره عين مُهْملَة: ابْن الْحَارِث، وَقد تقدم غير مرّة.
والْحَدِيث تقدم فِي كتاب الْعلم فِي موضِعين الأول: فِي: بَاب قَول النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: رب مبلغ أوعى من سامع، أخرجه عَن مُسَدّد، الثَّانِي: فِي: بَاب ليبلغ الْعلم الشَّاهِد الْغَائِب، أخرجه عَن عبد الله بن عبد الْوَهَّاب، وَأخرجه أَيْضا فِي مَوَاضِع أخر ذَكرنَاهَا فِي

(18/41)


: بَاب قَول النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: رب مبلغ أوعى من سامع، وَذكرنَا أَيْضا هُنَاكَ جَمِيع مَا يتَعَلَّق بِالْحَدِيثِ.
قَوْله: (عَن ابْن أبي بكرَة عَن أبي بكرَة) وَذكر فِي: بَاب رب مبلغ، عَن مُحَمَّد بن سِيرِين عَن عبد الرَّحْمَن بن أبي بكرَة عَن أَبِيه فَذكر الابْن أَعنِي: عبد الرَّحْمَن وَلم يذكرهُ فِي: بَاب ليبلغ الْعلم، حَيْثُ قَالَ: عَن مُحَمَّد عَن أبي بكرَة، وَقد بسطنا الْكَلَام فِيهِ هُنَاكَ، وَذكرنَا أَيْضا مَا يتَعَلَّق بشرح الحَدِيث، فلنذكر بعض شَيْء.
فَقَوله: (الزَّمَان) اسْم لقَلِيل الْوَقْت وَكَثِيره، وَأَرَادَ بِهِ هَهُنَا السّنة. قَوْله: (حرم) ، بِضَمَّتَيْنِ جمع: حرَام. قَوْله: (ثَلَاث مُتَوَالِيَات) ، وَقَالَ ابْن التِّين: الصَّوَاب: ثَلَاثَة مُتَوَالِيَة، قيل: لَعَلَّه أعَاد على الْمَعْنى: ثَلَاث مدد مُتَوَالِيَات، فَكَأَنَّهُ عبر عَن الشَّهْر بالمذكر. قَوْله: (ذُو الْقعدَة) ، قَالَ ابْن التِّين: الْأَشْهر فتح الْقَاف. قَوْله: (رَجَب مُضر) ، إِنَّمَا أضيف رَجَب إِلَى هَذِه الْقَبِيلَة لأَنهم كَانُوا يُحَافِظُونَ على تَحْرِيمه أَشد من سَائِر الْعَرَب، وَإِنَّمَا قَالَ: (بَين جُمَادَى وَشَعْبَان) تَأْكِيدًا وإزاحة للريب الْحَادِث فِيهِ بِسَبَب النسيء، وَكَانُوا يحلونَ الشَّهْر الْحَرَام ويحرمون مَكَانَهُ شهرا آخر لغَرَض من الْأَغْرَاض، والنسيء تَأْخِير حُرْمَة شهر إِلَى شهر آخر، وَقد أبطل الشَّارِع هَذَا وَأعَاد الْأَشْهر الْحرم على مَا كَانَت عَلَيْهِ. قَوْله: (الْبَلدة) أَرَادَ بهامكة، وَالْألف وَاللَّام فِيهِ للْعهد، وَقيل: هِيَ اسْم من أسمائها. قَوْله: (قَالَ مُحَمَّد) هُوَ ابْن سِيرِين. قَوْله: (ضلالا) بِضَم الضَّاد وَتَشْديد اللَّام: جمع ضال، وَقد تقدم بعض الشَّرْح أَيْضا فِي الْحَج.

4407 - ح دّثنا مُحَمَّدُ بنُ يُوسُفَ حدَّثنا سُفْيانُ الثَّوْرِيُّ عنْ قَيْسِ بنِ مُسْلِمٍ عنْ طارِقِ بنِ شِهابٍ
أنَّ أُنَاسًا مِنَ اليَهُودِ قالُوا لوْ نَزَلَتْ هاذِهِ الآيةُ فِينا لاتَّخَذْنا ذالِكَ اليَوْمَ عِيداً فَقَالَ عُمَرُ أيَّةُ آيَةٍ فقالُوا: {اليوْمَ أكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وأتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتي ورَضِيتُ لَكُمُ الأَسْلاَمَ دِيناً} (الْمَائِدَة: 3) فَقَالَ عمَرُ إنِّي لأَعْلَمُ أيَّ مَكانٍ أُنْزِلَتْ أُنْزِلَتْ ورسُولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم واقفٌ بعَرَفَةَ.
مطابقته للتَّرْجَمَة تُؤْخَذ من قَوْله: (وَرَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَاقِف بِعَرَفَة) ، لِأَنَّهُ فِي حجَّة الْوَدَاع.
والْحَدِيث قد مضى فِي الْإِيمَان فِي: بَاب زِيَادَة الْإِيمَان ونقصانه، فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ عَن الْحسن بن الصَّباح عَن جَعْفَر بن عون عَن أبي العميس عَن قيس بن مُسلم عَن عمر بن الْخطاب رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ: أَن رجلا من الْيَهُود قَالَ لَهُ: يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ! آيَة فِي كتابكُمْ تقرؤنها إِلَى آخِره، وَقد ذكرُوا أَن المُرَاد من قَوْله: أَن رجلا من الْيَهُود هُوَ كَعْب الْأَحْبَار، وَقد اسْتشْكل من جِهَة أَنه كَانَ قد أسلم، وَأجِيب: بِأَنَّهُ قد قيل: إِنَّه كَانَ قد أسلم وَهُوَ بِالْيَمِينِ فِي حَيَاة النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم على يَد عَليّ رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، فَإِن ثَبت هَذَا يحْتَمل أَن يكون الَّذين سَأَلُوا جمَاعَة من الْيَهُود اجْتَمعُوا مَعَ كَعْب على السُّؤَال، وَتَوَلَّى هُوَ السُّؤَال عَن ذَلِك. قلت: فِيهِ نظر، لِأَن كَعْب الْأَحْبَار أسلم فِي زمن عمر رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، قَالَه الذَّهَبِيّ وَغَيره، وَتقدم شرح الحَدِيث هُنَاكَ.

400 - (حَدثنَا عبد الله بن مسلمة عَن مَالك عَن أبي الْأسود مُحَمَّد بن عبد الرَّحْمَن بن نَوْفَل عَن عُرْوَة عَن عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا قَالَت خرجنَا مَعَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فمنا من أهل بِعُمْرَة وَمنا من أهل بِحجَّة وَمنا من أهل بِحَجّ وَعمرَة وَأهل رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - بِالْحَجِّ فَأَما من أهل بِالْحَجِّ أَو جمع الْحَج وَالْعمْرَة فَلم يحلوا حَتَّى يَوْم النَّحْر) مطابقته للتَّرْجَمَة من حَيْثُ أَنه كَانَ فِي حجَّة الْوَدَاع لِأَنَّهُ صرح بذلك فِي هَذَا الحَدِيث الَّذِي قد مضى فِي كتاب الْحَج فِي بَاب التَّمَتُّع والأقران أخرجه عَن عبد الله بن يُوسُف عَن مَالك الخ وَتقدم أَيْضا فِي أول الْبَاب من طَرِيق آخر عَن عَائِشَة بأتم مِنْهُ وَمضى الْكَلَام فِيهِ هُنَاكَ
(حَدثنَا عبد الله بن يُوسُف أخبرنَا مَالك وَقَالَ مَعَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فِي حجَّة الْوَدَاع) هَذَا الطَّرِيق قد مضى فِي الْحَج الَّذِي ذَكرْنَاهُ الْآن وَصرح بِأَنَّهُ كَانَ فِي حجَّة الْوَدَاع وَهِي حجَّة الْإِسْلَام وَحجَّة الْبَلَاغ

(18/42)


(حَدثنَا إِسْمَاعِيل حَدثنَا مَالك مثله) هَذَا طَرِيق آخر عَن إِسْمَاعِيل بن أبي أويس واسْمه عبد الله بن أُخْت مَالك يروي عَن خَاله مَالك مثل الحَدِيث الْمَذْكُور -
4409 - ح دّثنا أحْمَدُ بنُ يونُسَ حَدثنَا إبْراهيمُ هُوَ ابنُ سَعْدٍ حَدثنَا ابنُ شِهابٍ عنْ عامِرِ بنِ سَعْدٍ عنْ أبيهِ قَالَ عادَني النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي حَجةِ الوَدَاعِ مِنْ وجَعٍ أشْفَيْتُ مِنْهُ عَلَى المَوْتِ فقُلْتُ يَا رسولَ الله بَلَغَ بِي مِنَ الوَجَعِ مَا تَرَى وَأَنا ذُو مالٍ وَلَا يَرِثُني إلاَّ ابْنَةٌ لِي واحِدَةٌ أفأتَصَدَّقُ بثُلُثَيْ مالِي قَالَ لَا قُلْتُ أفأتَصَدَّقُ بشَطْرِهِ قَالَ لَا قُلْتُ فالثُلُثِ قَالَ الثُّلُثُ والثُّلُثُ كَثِيرٌ إنَّكَ أنْ نذَرَ ورَثَتَكَ أغْنِياءَ خَيْرٌ مِنْ أنْ تذَرَهُمْ عالَةً يَتكَفَفُونَ الناسَ ولَسْتَ تُنْفِقُ نَفَقَةً تَبْتَغي بِها وَجْهَ الله إلاَّ أُجِرْتَ بِها حتَّى اللَّقْمَةَ تَجْعَلُها فِي امْرَأتِكَ قُلْتُ يَا رسُولَ الله آاخَلَّفُ بَعْدَ أصْحابي قَالَ إنَّكَ لنْ تُخَلَّفَ فتَعْمَلَ عمَلاً تَبْتَغِي بهِ وجْهَ الله إِلَّا ازْدَدْتَ بهِ دَرَجَةً ورِفْعَةً ولَعَلَّكَ تُخَلَّفُ حتَّى يَنْتَفِعَ بكَ أقْوَامٌ وَيُضرَّ بِكَ آخَرُونَ اللَّهُمَّ أمْضِ لأِصْحابي هِجْرَتَهُمْ وَلَا تَرُدَّهُمْ عَلَى أعْقابِهِمْ لكِنِ البائِسُ سَعْد بنُ خَوْلَةَ رَثَي لهُ رسُولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أنْ تُوُفِّيَ بمَكَّةَ. .

مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. وَأحمد بن يُونُس هُوَ أَحْمد بن عبد الله بن يُونُس أَبُو عبد الله التَّمِيمِي الْيَرْبُوعي الْكُوفِي، وَهُوَ شيخ مُسلم أَيْضا، وَإِبْرَاهِيم بن سعد بن إِبْرَاهِيم بن عبد الرَّحْمَن بن عَوْف الزُّهْرِيّ الْقرشِي، كَانَ على قَضَاء بَغْدَاد، وَابْن شهَاب هُوَ مُحَمَّد بن مُسلم الزُّهْرِيّ، وعامر بن سعد بن أبي وَقاص رَضِي الله عَنهُ، يروي عَن أَبِيه سعد بن أبي وَقاص، وَاسم أبي وَقاص مَالك.
والْحَدِيث مر فِي الْجَنَائِز فِي: بَاب رثاء النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم سعد بن خَوْلَة. فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ عَن عبد الله بن يُوسُف عَن مَالك عَن ابْن شهَاب عَن عَامر بن سعد. . الخ، وَمضى أَيْضا فِي الْوَصَايَا فِي: بَاب أَن تتْرك وَرثتك أَغْنِيَاء، فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ عَن أبي نعيم عَن سُفْيَان عَن سعد بن إِبْرَاهِيم عَن عَامر بن سعد. . الخ، وَمضى الْكَلَام فِيهِ هُنَاكَ مُسْتَوفى.
قَوْله: (أشفيت) أَي: أشرفت. قَوْله: (أَن تذر) ، أَي: تتْرك. قَوْله: (عَالَة) ، جمع عائل وَهُوَ الْفَقِير. قَوْله: (يَتَكَفَّفُونَ) ، أَي: يمدون أكفهم للسؤال. قَوْله: (البائس) ، هُوَ شَدِيد الْحَاجة وَهِي كلمة ترحم وَكَانَ سعدمها جَريا بَدْرًا مَاتَ بِمَكَّة فِي حجَّة الْوَدَاع، وَكَانَ يكره أَن يَمُوت بِمَكَّة ويتمنى أَن يَمُوت بغَيْرهَا، فَلم يُعْط لاما يتَمَنَّى فترحم عَلَيْهِ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم. قَوْله: (رثي لَهُ)
الخ من كَلَام الزُّهْرِيّ أحد رُوَاة الحَدِيث، أَي: رق ورحم.

4410 - ح دّثني إبْرَاهِيمُ بنُ المُنْذِرِ حدَّثنا أبُو ضَمْرَةَ حَدثنَا مُوساى بنُ عُقْبَةَ عنْ نافِعٍ أنَّ ابنَ عُمرَ رَضِي الله عَنْهُمَا أخْبَرَهُمْ أنَّ رسُولَ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حَلَقَ رأسَهُ فِي حَجَّةِ الوَدَاعِ. (انْظُر الحَدِيث 1726 وطرفه) .

مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. وأوب ضَمرَة، بِفَتْح الضَّاد الْمُعْجَمَة وَسُكُون الْمِيم وبالراء: واسْمه أنس بن عِيَاض من أهل الْمَدِينَة. والْحَدِيث أخرجه مُسلم وَأَبُو دَاوُد فِي الْحَج كِلَاهُمَا عَن قُتَيْبَة.

4411 - ح دّثنا عُبَيْدُ الله بنُ سَعِيدٍ حدّثنا مُحَمَّدُ بنُ بَكْرٍ حَدثنَا ابنُ جُرَيْجٍ أخْبَرَنِي مُوساى بنُ عُقْبَةَ عنْ نافِعٍ أخْبَرَهُ ابنُ عُمَرَ أنَّ النبيَّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حَلَقَ رَأسَهُ فِي حَجَّةٍ الوَدَاعِ وأناسٌ مِنْ أصْحابِهِ وقَصَّرَ بَعْضُهُمْ. (انْظُر الحَدِيث 1726 وطرفه) .

هَذَا طَرِيق آخر من طَرِيق ابْن عمر أخرجه عَن عبيد الله بن سعيد بن يحيى السَّرخسِيّ وَهُوَ شيخ مُسلم أَيْضا عَن مُحَمَّد بن

(18/43)


بكر بن عُثْمَان البرْسَانِي عَن عبد الْملك بن عبد الْعَزِيز بن جريج. قَوْله: (وأناس) أَي: وَحلق أَيْضا أنَاس من أَصْحَاب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَقصر بعض الْأَصْحَاب.

4412 - ح دّثنا يَحْيَى بنُ قَزعَةَ حَدثنَا مالِكٌ عنِ ابنِ شِهابٍ. وَقَالَ اللَّيْثُ حدّثني يُونُسُ عنِ ابنِ شِهابٍ حدّثني عُبَيْدُ الله بنُ عبدِ الله أنَّ عبْد الله بنَ عَبَّاسٍ رَضِي الله عَنْهُمَا أخْبَرَهُ أنَّهُ أقْبَلَ يَسِيرُ عَلى حِمارٍ ورسُولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قائِمٌ بِمِنًى فِي حَجَّةِ الوَدَاعِ يُصَلِّي بالنَّاسِ فَسارَ الحِمارُ بَيْنَ يَدَيْ بَعْضِ الصَّفِّ ثُمَّ نَزَلَ عَنْهُ فَصَفَّ مَعَ النَّاسِ. .

مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. وَأخرج الحَدِيث من طَرِيقين: أَحدهمَا: مُتَّصِل عَن يحيى بن قزعة عَن مَالك بن أنس عَن مُحَمَّد بن مُسلم بن شهَاب الزُّهْرِيّ عَن عبد الله. . الخ. وَالْآخر: مُعَلّق عَن اللَّيْث بن سعد عَن يُونُس بن يزِيد عَن ابْن شهَاب ... الخ. وَمضى الحَدِيث فِي الصَّلَاة عَن عبد الله بن يُوسُف عَن مَالك الحَدِيث، وَفِي: بَاب ستْرَة الإما ستْرَة لمن خَلفه. قَوْله: (نزل عَنهُ) أَي: ثمَّ نزل ابْن عَبَّاس عَن الْحمار.

4413 - ح دّثنا مُسَدَّدٌ حدَّثنا يَحْ يَى عنْ هِشامٍ قَالَ حدّثني أبي قَالَ سُئِلَ أسامَةُ وَأَنا شاهِدٌ عنْ سَيْرِ النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي حَجَّتِهِ فَقَالَ العَنَقَ فإذَا وجَدَ فَجْوَةَ نَصَّ. (انْظُر الحَدِيث 1666 وطرفه) .

مطابقته للتَّرْجَمَة تُؤْخَذ من قَوْله: (عَن سير النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي حجَّته) ، فَإِن المُرَاد مِنْهَا حجَّة الْوَدَاع. وَيحيى هُوَ ابْن سعيد الْقطَّان، وَهِشَام هُوَ ابْن عُرْوَة يروي عَن أَبِيه عُرْوَة بن الزبير، وَأُسَامَة هُوَ ابْن زيد.
والْحَدِيث قد مضى فِي الْحَج فِي: بَاب السّير إِذا دفع من عَرَفَة، وَأَنه أخرج هُنَاكَ عَن عبد الله بن يُوسُف عَن مَالك عَن هِشَام بن عُرْوَة عَن أَبِيه ... الحَدِيث.
قَوْله: (الْعُنُق) ، بِفَتْح الْعين الْمُهْملَة وَالنُّون وبالقاف: وَهُوَ ضرب من السّير متوسط، والفجوة: الفرجة والمتسع. قَوْله: (نَص) ، بِفَتْح النُّون وَتَشْديد الصَّاد الْمُهْملَة أَي: سَار سيراً شَدِيدا.

4414 - ح دّثنا عبْدُ الله بنُ مَسْلَمَةَ عنْ مالِكٍ عنْ يَحْيَى بنِ سَعِيدٍ عنْ عَدِيِّ بنِ ثابِتٍ عنْ عبْدِ الله بن يَزِيدَ الخَطْمِيِّ أنَّ أَبَا أيُّوبَ أخْبَرَهُ أنَّهُ صَلَّى مَعَ رسُولِ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي حَجَّةِ الوَدَاعِ المَغْرِبَ والْعِشَاءَ جَميعاً. (انْظُر الحَدِيث 1674) .

مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة، وَيحيى بن سعيد الْأنْصَارِيّ، وَعبد الله بن يزِيد الخطمي، بِفَتْح الْخَاء الْمُعْجَمَة وَسُكُون الطَّاء الْمُهْملَة: نِسْبَة إِلَى خطمة، وهم قوم من الْأَوْس، واسْمه عبد الله بن جشم بن مَالك بن الْأَوْس بن حَارِثَة من الْأَنْصَار، وَعبد الله هَذَا لَهُ صُحْبَة، وَأَبُو أَيُّوب اسْمه خَالِد بن زيد الْأنْصَارِيّ.
والْحَدِيث مضى فِي الْحَج فِي: بَاب من جمع بَينهمَا وَلم يتَطَوَّع، فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ عَن خَالِد بن مخلد عَن سُلَيْمَان بن بِلَال عَن يحيى بن سعيد ... الخ.
قَوْله: (جَمِيعًا) أَي: بِالْجمعِ بَينهمَا فِي وَقت وَاحِد.

79 - (بابُ غزْوَةِ تَبُوكَ)

أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان غَزْوَة تَبُوك، بتفح التَّاء الْمُثَنَّاة من فَوق وَضم الْبَاء الْمُوَحدَة وَسُكُون الْوَاو وَفِي آخِره كَاف، وَقيل: سميت تَبُوك بِالْعينِ الَّتِي أَمر النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، النَّاس أَن لَا يحسوا من مَائِهَا شَيْئا، فَسبق إِلَيْهَا رجلَانِ وَهِي تبض بِشَيْء من مَاء، فَجعلَا يدخلَانِ فِيهَا سَهْمَيْنِ ليكْثر مَاؤُهَا، فسبهما رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَقَالَ لَهما فِيمَا ذكر القتبي: مَا زلتما تبوكانها مُنْذُ الْيَوْم، قَالَ القتبي: فبذلك سميت الْعين تَبُوك، والتبوك كالنقش والحفر فِي الشَّيْء، وَيرد هَذَا مَا رَوَاهُ مُسلم: أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، قَالَ: إِنَّكُم ستأتون غَدا إِن شَاءَ الله عين تَبُوك، وَإِنَّكُمْ

(18/44)


لَا تأتوها حَتَّى يضحى النَّهَار، فَمن جاءها فَلَا يمس من مَائِهَا شَيْئا حَتَّى آتِي، فَهَذَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم سَمَّاهَا تَبُوك قبل أَن يَأْتِيهَا. وَفِي رِوَايَة ابْن إِسْحَاق؛ فَقَالَ، يَعْنِي النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من سبق إِلَيْهَا؟ قَالُوا: يَا رَسُول الله {فلَان وَفُلَان وَفُلَان، وَفِي رِوَايَة الْوَاقِدِيّ: سبقه إِلَيْهَا أَرْبَعَة من الْمُنَافِقين: معتب بن قُشَيْر والْحَارث بن يزِيد الطَّائِي ووديعة بن ثَابت وَيزِيد بن لصيت، وَبَينهَا وَبَين الْمَدِينَة نَحْو أَربع عشرَة مرحلة، وَبَينهَا وَبَين دمشق إِحْدَى عشرَة مرحلة، وَقَالَ الْكرْمَانِي: تَبُوك مَوضِع بِالشَّام. قلت: فِيهِ نظر، لِأَن أهل تَقْوِيم الْبلدَانِ قَالُوا: تَبُوك بُلَيدة بَين الْحجر وَالشَّام وَبِه عين ونخيل، وَقيل: كَانَ أَصْحَاب الأيكة بهَا، وَالْمَشْهُور ترك الصّرْف للتأنيث والعلمية، وَجَاء فِي البُخَارِيّ: حَتَّى بلغ تَبُوكا، تَغْلِيبًا للموضع، وغزوة تَبُوك هِيَ آخر غَزْوَة غَزَاهَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِنَفسِهِ، وَقَالَ ابْن سعد: خرج إِلَيْهَا رَسُول الله فِي رَجَب سنة تسع يَوْم الْخَمِيس، قَالُوا: بلغه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَن الرّوم قد جمعت جموعاً كَثِيرَة بِالشَّام، وَأَن هِرقل قد رزق أَصْحَابه لسنة وأجلبت مَعَه لخم وجذام وعاملة وغسان وَقدمُوا مقدمائهم إِلَى البلقاء، فندب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم النَّاس إِلَى الْخُرُوج، وأعلمهم بِالْمَكَانِ الَّذِي بريد لِيَتَأَهَّبُوا لذَلِك، وَذَلِكَ فِي حر شَدِيد، واستخلف على الْمَدِينَة مُحَمَّد بن مسلمة، وَهُوَ أثبت عندنَا. وَقَالَ أَبُو عمر: أَلا ثَبت عندنَا عَليّ بن أبي طَالب رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، وَقَالَ ابْن سعد: فَلَمَّا سَار تخلف ابْن أبي وَمن كَانَ مَعَه فَقدم صلى الله عَلَيْهِ وَسلم تَبُوك فِي ثَلَاثِينَ ألفا من النَّاس كَانَت الْخَيل عشرَة آلَاف، وَأقَام بهَا عشْرين يَوْمًا يقصر الصَّلَاة ولحقه بهَا أَبُو ذَر وَأَبُو خَيْثَمَة ثمَّ انْصَرف رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَلم يلق كيداً، وَقدم فِي شهر رَمَضَان سنة تسع، وَقَالَ ابْن الْأَثِير فِي (كتاب الصَّحَابَة) : عَن أبي زرْعَة الرَّازِيّ: شهد مَعَه تَبُوك أَرْبَعُونَ ألفا، وَفِي كتاب الْحَاكِم: عَن أبي زرْعَة: سَبْعُونَ ألفا، وَيجوز أَن يكون عد مرّة الْمَتْبُوع وَمرَّة التَّابِع، وَقَالَ الْبَيْهَقِيّ: وَقد رُوِيَ فِي سَبَب خُرُوجه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَى تَبُوك وَسبب رُجُوعه خبر إِن صَحَّ، ثمَّ ذكر من حَدِيث شهر بن حَوْشَب عَن عبد الرَّحْمَن بن غنم: أَن الْيَهُود أَتَوا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالُوا: يَا أَبَا الْقَاسِم} إِن كنت صَادِقا أَنْت نَبِي فَالْحق بِالشَّام فَإِنَّهَا أَرض الْمَحْشَر، وَأَرْض الْأَنْبِيَاء، عَلَيْهِم السَّلَام، فَصدق مَا قَالُوا، فغزا غَزْوَة تَبُوك لَا يُرِيد إلاَّ الشَّام، فَلَمَّا بلغ تَبُوك أنزل الله عَلَيْهِ آيَات من سُورَة بني إِسْرَائِيل: {وَإِن كَادُوا ليستفزونك من الأَرْض ليخرجوك مِنْهَا} إِلَى قَوْله: {تحويلاً} (الْإِسْرَاء: 76) ، وَأمره تَعَالَى بِالرُّجُوعِ إِلَى الْمَدِينَة، وَقَالَ: فِيهَا محياك وفيهَا مماتك وَمِنْهَا تبْعَث ... الحَدِيث، وَهُوَ مُرْسل بِإِسْنَاد حسن.
وهْيَ غَزْوَةُ العُسْرَةِ
أَي: غَزْوَة تَبُوك غَزْوَة الْعسرَة، بِضَم الْعين وَسُكُون السِّين الْمُهْمَلَتَيْنِ، مَأْخُوذ من قَوْله تَعَالَى: {الَّذين اتَّبعُوهُ فِي سَاعَة الْعسرَة} (التَّوْبَة: 117) وروى ابْن خُزَيْمَة من حَدِيث ابْن عَبَّاس، قيل لعمر رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ: حَدثنَا عَن بَيَان سَاعَة الْعسرَة؟ قَالَ: خرجنَا إِلَى تَبُوك فِي قيظ شَدِيد فأصابنا عَطش ... الحَدِيث، وَفِي تَفْسِير عبد الرَّزَّاق عَن معمر عَن أبي عقيل، قَالَ: خَرجُوا فِي قلَّة من الظّهْر وَفِي حر شَدِيد حَتَّى كَانُوا ينحرون الْبَعِير فيشربون مَا فِي كرشه من المَاء، فَكَانَ ذَلِك عسرة فِي المَاء وَفِي الظّهْر وَفِي النَّفَقَة، فسميت: غَزْوَة الْعسرَة.

4415 - ح دّثني مُحَمَّدُ بنُ العَلاءِ حَدثنَا أبُو أُسامَةَ عنْ بُرَيْدِ بنِ عبْدِ الله بن أبي بُرْدَةَ عنْ أبي بُرْدَة عنْ أبي مُوساى رَضِي الله عنهُ قَالَ أرْسَلني أصْحابي إِلَى رسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أسألُهُ الحُمْلاَنَ لهُمْ إذْ هُمْ معَهُ فِي جَيْشِ العُسْرَةِ وهْيَ غزْوَةُ تَبُوكَ فقُلْتُ يَا نَبيَّ الله إنَّ أصْحابي أرسَلُونِي إليْك لِتَحْمِلَهُمْ فَقال وَالله لَا أحْمِلُكُمْ عَلى شَيْءٍ وَوافَقْتُهُ وهْوَ غَضْبانُ وَلَا أشْعرُ ورَجَعْتُ حَزِيناً مِنْ مَنْع النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ومِنْ مَخافَةٍ أنْ يكُونَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وجَدَ فِي نَفْسِهِ عَلَيَّ فَرَجَعْتُ إِلَى أصْحابي فأخْبَرْتُهُمُ الَّذِي قَالَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فلَمْ ألْبَثْ إلاَّ سُوَيْعَةً إذْ سَمِعْتُ بلاَلاً يُنادِي أيْ عبْدَ الله بنَ

(18/45)


قَيْسٍ فأجَبْتُهُ فَقَالَ أجبْ رسُولَ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَدْعُوكَ فَلَمَّا أتَيْتُهُ قَالَ خُذْ هاذَيْن القَرِينَتْينِ وهَذَيْنِ القَرِينَيْنِ لِسِتَّةِ أبْعِرَةٍ ابْتاعَهُنَّ حِينئٍ ذٍ مِنْ سَعْدٍ فانْطَلِقْ بِهِنَّ إلَى أصْحابِك فقُلْ إنَّ الله أوْ قَالَ إنَّ رسُولَ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَحْمِلُكُمْ عَلَى هاؤُلاَءِ فارْكَبُوهُنَّ فانْطَلَقْتُ إلَيْهِمْ بِهِنَّ فقُلْتُ إنَّ النبيَّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَحْمِلُكُمْ عَلَى هاؤُلاَءِ وَلكنِّي وَالله لَا أدَعُكُمْ حَتَّى يَنْطَلِقَ مَعِي بَعْضُكُمْ إِلَيّ مَنْ سَمِعَ مَقَالَةَ رسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَا تظُنُّوا أنِّي حدِّثْتُكُمْ شَيْئاً لمْ يَقُلْهُ رسُولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فقالُوا لي إنَّكَ عِنْدَنا لَمُصَدَّقٌ وَلَنَفْعَلَنَّ مَا أحْبَبْتَ فانْطَلَقَ أبُو مُوساى بِنَفَرٍ مِنْهُمْ حَتّى أتَوُا الَّذِينَ سَمِعُوا قَوْلَ رسولِ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَنْعَهُ إيَّاهُمْ ثُمَّ إعْطَاءَهُمْ بَعْدُ فَحَدَّثُوهُمْ بِمِثْلِ مَا حَدَّثَهُمْ بهِ أبُو مُوسى رَضِي الله عَنهُ. .

مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (إِذْ هم مَعَه فِي جَيش الْعسرَة وَهِي غَزْوَة تَبُوك) وَأَبُو أُسَامَة حَمَّاد بن أُسَامَة، وبريد، بِضَم الْبَاء الْمُوَحدَة وَفتح الرَّاء: ابْن عبد الله بن أبي بردة، بِضَم الْبَاء أَيْضا. واسْمه عَامر بن أبي مُوسَى عبد الله بن قيس الْأَشْعَرِيّ، وبريد هَذَا يروي هَذَا الحَدِيث عَن جده أبي بردة بن أبي مُوسَى.
والْحَدِيث أخرجه البُخَارِيّ أَيْضا فِي النّذر. وَأخرجه مُسلم فِي الْأَيْمَان وَالنُّذُور بِإِسْنَاد البُخَارِيّ.
قَوْله: (أسأله الحملان) ، بِضَم الْحَاء الْمُهْملَة، أَي: الشَّيْء الَّذِي يركبون عَلَيْهِ ويحملهم، وَقَالَ الْكرْمَانِي: الحملان، بِالضَّمِّ: الْحَمد. قَوْله: (ووافقته) أَي: صادقته، وَالْوَاو فِي: (وَهُوَ غَضْبَان) للْحَال. قَوْله: (وَلَا أشعر) أَي: وَالْحَال لَا أعلم أبي: لم يكن لي علم بغضبه. قَوْله: (حَزينًا) ، نصب على الْحَال. قَوْله: (وَمن مَخَافَة) ، بِفَتْح الْمِيم مصدر ميمي أَي: وَمن خوف أَن يكون وَكلمَة: أَن، مَصْدَرِيَّة. قَوْله: (وجد فِي نَفسه) من: وجد عَلَيْهِ يجد وجدا وموجدة أَي: غضب. قَوْله: (سويعة) تَصْغِير سَاعَة وَهِي فِي الأَصْل جُزْء من الزَّمَان، وَقد تطلق على جُزْء من أَرْبَعَة وَعشْرين جُزْء الَّتِي هِيَ مَجْمُوع الْيَوْم وَاللَّيْلَة. قَوْله: (أَي عبد الله) ، يَعْنِي: يَا عبد الله، هُوَ أَبُو مُوسَى الْأَشْعَرِيّ. قَوْله: (فأجب) ، بِفَتْح الْهمزَة وَكسر الْجِيم: أَمر من الْإِجَابَة. قَوْله: (هذَيْن القرينين) وَهُوَ تَثْنِيَة: قرين، وَهُوَ الْبَعِير المقرون بآخر، يُقَال: قرنت البعيرين إِذا جمعتهما فِي حَبل وَاحِد، وَفِي رِوَايَة أبي ذَر عَن غير الْمُسْتَمْلِي: هَاتين القرينتين، أَي: الناقتين، وَقد تقدم فِي قدوم الْأَشْعَرِيين أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، أَمر لَهُم بِخمْس ذود، وَهنا بِسِتَّة أَبْعِرَة فَأَما تعدّدت القضة أَو زادهم على الْخمس وَاحِدًا. فَإِن قلت: قَوْله: (هذَيْن القرينين) ، يَقْتَضِي أَرْبَعَة، فَكيف قَالَ: سِتَّة أَبْعِرَة. وَكَانَ يَنْبَغِي أَن يذكر لفظ: القرينين، ثَلَاث مَرَّات لتَكون سِتَّة؟ قلت: يحْتَمل أَن يكون اختصاراً من الرَّاوِي، أَو كَانَت الأولى اثْنَتَيْنِ وَالثَّانيَِة أَرْبَعَة، لِأَن القرين يصدق على الْوَاحِد وعَلى الْأَكْثَر، وَاللَّام فِي قَوْله: (لسِتَّة أَبْعِرَة) ، يتَعَلَّق بقوله: (قَالَ: خُذ) . قَوْله: (أبتاعهن) ، فِي رِوَايَة الْكشميهني: ابتاعهم، وَكَذَا فِي رِوَايَة: فَانْطَلق بهم وَهُوَ تَحْرِيف، وَالصَّوَاب رِوَايَة الْجَمَاعَة، وَقَالَ الْكرْمَانِي: هَذَا من تَشْبِيه الأبعرة بذكور الْعُقَلَاء. قَوْله: (لَا أدعكم) أَي: لَا أترككم.

4416 - ح دّثنا مُسَدَّدٌ حَدثنَا يَحْيَى عنْ شُعْبَةَ عنِ الحَكَمِ عَنْ مُصْعَبِ بنِ سَعْدٍ عنْ أبِيهِ أنَّ رسولَ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم خَرَجَ إِلَى تَبُوكَ واسْتَخْلَفَ علِيًّا فَقَالَ أتُخَلِّفُنِي فِي الصِّبْيانِ والنِّساءِ قَالَ أَلا تَرْضاى أنْ تَكُونَ منِّي بمنْزِلةِ هارُونَ مِنْ مُوسَى إلاَّ أنَّهُ لَيْسَ نَبيٌّ بَعْدِي. (انْظُر الحَدِيث 3706) .

مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. وَيحيى هُوَ ابْن سعيد الْقطَّان، وَالْحكم، بِفتْحَتَيْنِ هُوَ ابْن عتيبة تَصْغِير عتبَة الْبَاب وَمصْعَب بن سعد ابْن أبي وَقاص يروي عَن أَبِيه سعد.
والْحَدِيث أخرجه مُسلم فِي الْفَضَائِل عَن أبي بكر بن أبي شيبَة وَغَيره. وَأخرجه النَّسَائِيّ فِي المناقب عَن ابْن الْمثنى وَابْن بشار بِهِ.
قَوْله: (واستخلف عليا) يَعْنِي: الْمَدِينَة قَوْله: (أَلا ترْضى)
الخ: مَعْنَاهُ أَن تكون خَليفَة عني فِي سَفَرِي هَذَا بِمَنْزِلَة اسْتِخْلَاف مُوسَى أَخَاهُ هَارُون عَلَيْهِ السَّلَام، على بني إِسْرَائِيل حِين توجه إِلَى الطّور؟ قَوْله:

(18/46)


(إلاَّ) ، وَجه هَذَا الِاسْتِثْنَاء الدّلَالَة على أَن الْخلَافَة لَيست فِي النُّبُوَّة، لِأَنَّهُ لَا نَبِي بعده.
وَقَالَ أبُو دَاوُدَ حَدثنَا شُعْبَة عَن الحَكَمِ سَمِعْتُ مُصْعَباً.

أَي: قَالَ أَبُو دَاوُد سُلَيْمَان بن دَاوُد الطَّيَالِسِيّ من أَفْرَاد مُسلم، أَرَادَ بذلك بَيَان التَّصْرِيح بِالسَّمَاعِ فِي رِوَايَة الحكم عَن مُصعب، وَأخرج التَّعْلِيق الْبَيْهَقِيّ فِي (دلائله) من حَدِيث يُونُس بن حبيب: حَدثنَا أَبُو الْوَلِيد الطَّيَالِسِيّ حَدثنَا شُعْبَة ... فَذكره.

4417 - ح دّثنا عُبَيْدُ الله بنُ سعِيدٍ حدَّثنا مُحَمَّدُ بنُ بَكْرٍ أخبرنَا ابنُ جُرَيْجٍ قَالَ سَمِعْتُ عَطاء يُخْبرُ قَالَ أخبرَنِي صَفْوَانُ بنُ يَعْلَى بنِ أُمَيَّةَ عنْ أبِيهِ قَالَ غَزَوْتُ معَ النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم العُسْرَةَ قَالَ كَانَ يَعْلَى يَقُولُ تِلْك الغَزْوَةُ أوثَقُ أعْمالِي عِنْدي قَالَ عَطاءٌ فَقَالَ صَفْوَانُ قَالَ يَعْلَى فكانَ لِي أجِيرٌ فَقاتَلَ إنْساناً فعَضَّ أحَدُهُما يَدَ الآخَرِ قَالَ عَطاءٌ فلَقَدْ أخبرَني صَفْوَانُ أيُّهُما عَضَّ الآخَرَ فَنِسيتُهُ قَالَ فانْتَزَعَ المَعْضُوضُ يَدَهُ مِنْ فِي العاضِّ فانْتَزَعَ إحْدَى ثَنِيَّتَيْهِ فأتَيا النبيَّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فأهْدَرَ ثَنِيَّتَهُ قَالَ عَطاءٌ وحسِبْتُ أنَّهُ قَالَ قَالَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أفَيَدَعُ يَدَهُ فِي فِيكَ تَقْضَمُها كأنَّها فِي فحْلٍ يَقْضَمُها. .

مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (غزوت مَعَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الْعسرَة) ، لِأَن الْعسرَة هِيَ غَزْوَة تَبُوك كَمَا مر فِيمَا مضى، وَعبيد الله بن سعيد بن يحيى أَبُو قدامَة الْيَشْكُرِي، وَمُحَمّد بن بكر بن عُثْمَان البرْسَانِي، وَابْن جريج عبد الْملك بن عبد الْعَزِيز بن جريج، وَعَطَاء بن أبي رَبَاح.
والْحَدِيث قد مضى فِي الْجِهَاد فِي: بَاب الْأَجِير، فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ عَن عبد الله بن مُحَمَّد عَن سُفْيَان عَن ابْن جريج ... إِلَى آخِره، وَمضى الْكَلَام فِيهِ هُنَاكَ.
قَوْله: (الْعسرَة) كَذَا فِي رِوَايَة الْأَكْثَرين، وَفِي رِوَايَة السَّرخسِيّ: العسيرة، بِالتَّصْغِيرِ، وَهِي غَزْوَة تَبُوك. قَوْله: (أوثق أعمالي عِنْدِي) ، وَقد تقدم فِي الْإِجَارَة: أوثق أحمالي، وبالعين الْمُهْملَة أصح. قَوْله: (فعض) من الغض بالأسنان وَأَصله عضض، من بَاب علم يعلم، وَقيل: من بَاب ضرب يضْرب، وَالْأول أصح لقَوْله تَعَالَى: {وَيَوْم يعَض الظَّالِم على يَدَيْهِ} (الْفرْقَان: 27) قَوْله: (إِحْدَى ثنيتيه) ، وَهِي تَثْنِيَة ثنية، وَهِي مقدم الْأَسْنَان وَهن أَرْبَعَة: ثِنْتَانِ من الْأَعْلَى وثنتان من الْأَسْفَل. قَوْله: (أفيدع؟) أَي: أفيترك؟ الْهمزَة فِيهِ للاستفهام على وَجه الْإِنْكَار. قَوْله: (تقضمها) أَي: تمضغها، بِفَتْح الضَّاد، يُقَال: قضمت الدَّابَّة شعيرها تقضمه أَي: تَأْكُله. قَوْله: (كَأَنَّهَا فِي فِي فَحل) أَي: فِي فَم فَحل.

80 - (فِي حديثِ كَعْبِ بنِ مالِكٍ)

أَي: هَذَا فِي بَيَان حَدِيث كَعْب بن مَالك بن أبي كَعْب، واسْمه عَمْرو بن الْقَيْن بن كَعْب بن سَواد بن غنم بن كَعْب بن سَلمَة بن سعد بن عدي بن أَسد بن ساردة بن يزِيد بن جشم بن الْخَزْرَج الْأنْصَارِيّ السّلمِيّ، يكنى أَبَا عبد الله، شهد الْعقبَة الثَّانِيَة وَاخْتلف فِي شُهُوده بَدْرًا، وَشهد أحدا والمشاهد كلهَا حاشا تَبُوك، فَإِنَّهُ تخلف عَنْهَا، وَكَانَ أحد الشُّعَرَاء فِي الْجَاهِلِيَّة، وَتُوفِّي فِي خلَافَة مُعَاوِيَة سنة خمسين، وَقيل: ثَلَاث وَخمسين، وَهُوَ ابْن سبع وَسبعين، وَكَانَ قد عمي فِي آخر عمره، ويعد فِي الْمَدَنِيين، وروى عَنهُ جمَاعَة من التَّابِعين.
وقَوْلِ الله عَزَّ وجَلَّ: {وعَلى الثَّلاَثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا} (التَّوْبَة: 118) .
أَي: وَفِي بَيَان قَول الله عز وَجل: {وعَلى الثَّلَاثَة الَّذين خلفوا} (التَّوْبَة: 118) وَالثَّلَاثَة هم: كَعْب بن مَالك الْمَذْكُور، وهلال بن أُميَّة، ومرارة بن الرّبيع، تخلفوا عَن غَزْوَة تَبُوك فَتَابَ الله عَلَيْهِم وَعذرهمْ، وَأنزل فِي حَقهم {وعَلى الثَّلَاثَة خلفوا} أَي: عَن غَزْوَة تَبُوك، أَي: وَتَابَ الله على الثَّلَاثَة، وَهُوَ عطف على مَا قبله، وَهُوَ قَوْله: (لقد تَابَ الله على النَّبِي والمهاجرين وَالْأَنْصَار) إِلَى قَوْله: {رؤوف

(18/47)


رَحِيم} (التَّوْبَة: 117) ثمَّ عطف عَلَيْهِ قَوْله: (وعَلى الثَّلَاثَة) ، قَالَ مُجَاهِد قَوْله: {لقد تَابَ الله} (التَّوْبَة: 117) الْآيَة نزلت فِي غَزْوَة تَبُوك، وَاخْتلف فِي معنى التَّوْبَة على النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقيل: هُوَ مِفْتَاح كَلَام، لِأَنَّهُ لما كَانَ سَبَب تَوْبَة التائبين ذكر مَعَهم كَقَوْلِه: {فَإِن لله خَمْسَة وَلِلرَّسُولِ} (الْأَنْفَال: 41) وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيّ: تَابَ الله على النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، كَقَوْلِه: {ليغفر لَك الله مَا تقدم من ذَنْبك وَمَا تَأَخّر} (الْفَتْح: 2) وَمثل قَوْله: {واستغفر لذنبك} (غَافِر: 55، مُحَمَّد: 19) وَقيل: مَعْنَاهُ تَابَ الله عَلَيْهِ من إِذْنه لِلْمُنَافِقين فِي التَّخَلُّف عَنهُ، كَقَوْلِه: عَفا الله عَنْك.

4418 - ح دّثنا يَحْيَى بنُ بُكَيْرٍ قَالَ حَدثنَا اللَّيْثُ عنْ عُقيْلٍ عنِ ابنِ شِهابٍ عنْ عبْدِ الرَّحْمان بنِ عبْدِ الله بنِ كَعبِ بنِ مالِكٍ أنَّ عبْدَ الله بنَ كَعْب بنِ مالِكٍ وكانَ قائِدَ كَعْبٍ منْ بنِيهِ حِين عَمِيَ قَالَ سَمِعْتُ كَعْبَ بنَ مالِكٍ يُحَدِّثُ حِينَ تَخَلَّفَ عَنْ قِصَّةِ تَبُوكَ قَالَ كَعْبٌ لَمْ أتَخَلَّفْ عَنْ رسُولِ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي غَزْوَةٍ غَزَاها إلاَّ فِي غَزْوَةِ تَبُوكَ غيْرَ أنِّي كُنْتُ تَخَلَّفْتُ فِي غَزْوَةِ بَدْرٍ ولَمْ يِعاتِبْ أحَداً تَخَلَّفَ عَنْها إنَّما خَرَجَ رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يُرِيدُ عِيرَ قُرَيْشٍ حتَّى جَمَعَ الله بَيْنَهُمْ وبَيْنَ عَدُوِّهِمْ عَلَى غَيْرِ مِيعادٍ ولَقَدْ شَهِدْتُ مَعَ رسولِ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَيْلَةَ العَقَبَةِ حِينَ توَاثَقْنا عَلَى الإسْلاَمِ وَمَا أُحِبُّ أنَّ لِي بِها مَشْهَدَ بَدْر وإنْ كانَتْ بدْرٌ أذْكَرَ فِي النَّاسِ مِنْها كانَ مِنْ خَبَرِي أَنِّي لَمْ أكُنْ قَطُّ أقْوَي ولاَ أيْسَرَ حِينَ تَخَلَّفْتُ عنْهُ فِي تِلْكَ الغَزَاةِ وَالله مَا اجْتَمَعَتْ عِنْدِي قبْلَهُ رَاحِلَتَانِ قَطُّ حتّى جَمَعْتُهُما فِي تِلْكَ الغَزْوَةِ ولَمْ يَكُنْ رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يُرِيدُ غَزْوَةً إلاَّ ورَّى بِغَيْرِها حَتَّى كانَتْ تِلْكَ الغزْوَةُ غزَاها رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي حَرٍّ شَدِيدٍ واسْتَقْبَلَ سَفَراً بَعِيداً ومَفازاً وعَدُوًّا كَثِيراً فَجَلَّى لِلْمُسْلِمِينَ أمْرَهُمْ لِيتَأهَّبُوا أُهْبَةَ غَزْوِهمْ فأخْبَرَهُمْ بِوَجْهِهِ الَّذِي يُرِيدُ والمُسْلِمُونَ مَعَ رسُولِ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كثِيرٌ ولاَ يَجْمَعُهُمْ كِتابٌ حافِظٌ يُرِيدُ الدِّيوَانَ وإنَ قَالَ كَعْبٌ فَما رجُلٌ يُرِيدُ أنْ يَتَغَيَّبَ إلاَّ ظَنَّ أنْ سَيَخْفَى لهُ مَا لَمْ يَنْزِلْ فِيهِ وحْيُ الله وغَزَا رسُولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم تِلْكَ الْغَزْوَة حِينَ طابَتِ الثِّمارُ والظِّلاَلُ وتَجَهَّزَ رَسُولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم والمُسْلِمُونَ مَعَهُ فَطَفِقْتُ أغْدُو لِكَيْ أتَجَهَّزَ مَعَهُمْ فأرْجِعُ ولَمْ أقْضِ شَيْئاً فأقُولُ فِي نَفْسِي أَنا قادِرٌ عَلَيْهِ فَلَمْ يَزَلْ يَتَمَادَي بِي حَتَّى اشْتَدَّ بالنَّاسِ الجِدُّ فأصْبَحَ رسَولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم والمُسْلِمُونَ مَعَهُ ولَمْ أقْضِ مِنْ جَهَازِي شَيْئاً فَقُلْتُ أتَجَهَّزُ بَعْدَهُ بِيَوْمٍ أوْ يَوْمَيْنِ ثُمَّ ألْحَقُهُمْ فَغَدَوْتُ بَعْدَ أنْ فَصَلُوا لأِتَجَهَّزَ فَرَجَعْتُ ولَمْ أقْضِ شَيْئاً ثُمَّ غَدَوْتُ ثُمَّ رَجَعْتُ ولَمْ أقْضِ شَيْئاً فَلَمْ يَزَلْ بِي حتَّى أسْرَعُوا وتَفارَطَ الغَزْوُ وهَمَمْتُ أنْ أرْتَحلَ فأدْرِكُهُمْ ولَيْتَنِي فَعَلْتُ فَلَمْ يُقَدَّرْ لِي ذلِكَ فَكُنْتُ إذَا خَرَجْتُ فِي النَّاسِ بَعْدَ خُرُوجِ رسُولِ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَطُفْتُ فِيهِمْ أحْزَنَنِي أنِّي لَا أرَى إلاَّ رَجُلاً مَغْمُوصاً عَلَيْهِ النِّفاقُ أوْ رَجلاً مِمَّنْ عَذَرَ الله مِنَ الضُّعَفاءُ ولَمْ يَذْكُرْنِي رسُولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حَتَّى بَلَغَ تبُوكَ فَقَالَ وهُوَ جالِسٌ فِي القَوْمِ بِتَبُوكَ مَا فَعَلَ كَعْبٌ فَقَالَ رجلٌ مِنْ بني سَلَمَة يَا رسُولَ الله حَبسَهُ بُرْدَاهُ

(18/48)


ونَظَرُهُ فِي عِطْفَيْهِ فَقَالَ مُعاذُ بنُ جَبَلٍ بِئْسَ مَا قُلْتَ وَالله يَا رسُولَ الله مَا عَلمْنا عَلَيْهِ إِلَّا خَيْرَاً فَسَكَتَ رسُولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ كعْبُ بنُ مالِكٍ فَلمَّا بَلَغَنِي أنَّهُ تَوَجَهَ قافِلاً حَضَرَنِي هَمِّي وَطفِقْتُ أتَذَكَّرُ الْكَذِبَ وأقُولُ بماذَا أخْرُجُ مِنْ سَخَطِهِ غَداً واسْتَعَنْتُ عَلى ذَلِكَ بِكُلِّ ذِي رَأْي مِنْ أهْلِي فَلَمَّا قِيلَ إِن رسُولَ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَدْ أظَلَّ قادِماً زَاحَ عَنِّي الباطِلُ وعَرَفْتُ أنِّي لَنْ أخْرُجَ مِنْهُ أبَدَاً بَشْيءٍ فِيهِ كَذِبٌ فأجْمَعْتُ صِدْقَةُ وأصْبَحَ رسُولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قادِماً وَكَانَ إذَا قَدِمَ منْ سَفَرٍ بَدَأ بالمَسْجِدِ فَيَرْكَعُ فِيهِ رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ جَلَسَ للنَّاسِ فَلَمَّا فَعَلَ ذَلِكَ جاءَهُ المُخَلَّفُونَ فَطَفقُوا يَعْتَذِرُونَ إلَيْهِ ويَحْلِفُونَ لهُ وكانُوا بِضْعَةً وثَمانِينَ رجُلاً فَقِبلَ مِنْهُمْ رسُولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَلاَنِيَتَهُمْ وبايَعَهُمْ واسْتَغْفَرَ لَهُمْ وَوكَلَ سَرَائِرِهمْ إِلَى الله فَجِئْتُهُ فَلَمَّا سَلَّمْتُ عَلَيْهِ تَبَسَّمَ تَبَسُّمَ المُغْضَبِ ثُمَّ قَالَ تَعالَ فَجِئْتُ أمْشي حَتَّى جَلَسْتُ بَيْنَ يَدَيْهِ فَقَالَ لِي مَا خَلَّفَكَ ألْم تَكُنْ قَدِ ابْتَعْتَ ظَهْرُكَ فقُلْتُ بَلى إنِّي وَالله لوْ جَلَسْتُ عنْدَ غيْرِكَ مِنْ أهْلِ الدُّنْيا لرَأيْتُ أنْ سأخْرُجُ مِنْ سَخَطٍ بِعُذْرٍ ولَقَدْ أُعْطِيتُ جَدَلاً ولَكِنِّي وَالله لَقَدْ عَلِمْتُ لَئِنْ حدَّثْتُكَ اليَوْمَ حدِيثَ كَذِبٍ تَرْضَي بهِ عَنِّي ليُوشِكَنَّ الله أنْ يُسْخِطَكَ عَلَيَّ ولَئِنْ حَدَّثْتُكَ حدِيثَ صِدْقٍ تَجِدُ عَليَّ فِيهِ إنِّي لأرْجُو فِيهِ عَفْوَ الله لَا وَالله مَا كانَ لِي مِنْ عُذْرٍ وَالله مَا كُنْتُ قَطُّ أقْوَى وَلَا أيْسَرَ مِنِّي حِينَ تَخَلَّفْتُ عنْكَ فَقَالَ رسُولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أمَّا هَذا فَقَدْ صَدَقَ فَقُمْ حتَّى يَقْضِيَ الله فِيكَ فَقُمْتُ وثارَ رِجالٌ مِنْ بَني سَلِمَةَ فاتَّبَعُونِي فَقالُوا لِي وَالله مَا عَلمْناكَ كُنْتَ أذْنَبْتَ ذَنْباً قَبْلَ هَذا ولَقَدْ عَجَزْتَ أنْ لَا تَكُونَ اعْتَذَرْتَ إِلَى رسُولِ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِمَا اعْتَذَرَ إليْهِ المتَخَلِّفُونَ قَدْ كانَ كافِيَكَ ذَنْبَكَ اسْتِغْفارُ رسُولِ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَكَ فَوَالله مَا زَالوا يُؤَنِّبُونَنِي حَتى أرَدْتُ أنْ أرْجِعَ فأُكَذِّبَ نَفْسِي ثُمَّ قُلْتُ لَهُمْ هَلْ لَقِيَ هَذَا مَعِي أحَدٌ قَالُوا نَعَمْ رجُلاَنِ قالاَ مِثْلَ مَا قُلْتَ فَقيلَ لَهُما مِثْلُ مَا قِيلَ لَكَ فَقُلْتُ مَنْ هُما قالُوا مُرَارَةُ بنُ الرَّبِيعِ العَمْريُّ وهِلاَلُ بنُ أُمَيَّةَ الْوَاقِفِيُّ فَذَكَرُوا لِي رَجُلَيْنِ صالِحَيْنِ قَدْ شَهِدَا بَدْراً فِيهِما أُسْوَةٌ فَمَضَيْتُ حِينَ ذَكَرُوهُما لِي ونَهَى رسُولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم المُسْلِمِينَ عنْ كَلاَمِنا أيُّها الثَّلاَثَةُ مِنْ بَيْنِ منْ تَخَلَّفَ عنْهُ فاجْتَنَبَنا النَّاسُ وتَغَيَّرُوا لَنا حَتى تَنَكَّرَتْ فِي نفْسِي الأرْضُ فَما هِيَ الَّتِي أعْرِفُ فلبِثْنا عَلَى ذَلِكَ خَمْسِينَ لَيْلَةً فأمَّا صِاحبايَ فاسْتَكانا وقَعَدَا فِي بُيُوتِهِما يَبْكِيانِ وأمَّا أَنا فكُنْتُ أشبَّ القَوْمِ وأجْلَدَهُمْ فكُنْتُ أخْرُجُ فأشْهَدُ الصَّلاَةَ مَعَ المُسْلِمِينَ وأطُوفُ فِي الأسْوَاقِ وَلاَ يُكَلِّمُنِي أحَدٌ وآتِي رسُولَ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فأُسَلِّمُ عَلَيْهِ وهْوَ فِي مَجْلِسِهِ بَعْدَ الصَّلاَة فأقُولُ فِي نَفْسِي هَلْ حَرَّكَ شَفتَيْهِ بِرَدِّ السَّلاَمِ عَلَيَّ أمْ لاَ ثُمَّ أُصَلِّي قَرِيباً مِنْهُ فأسارِقُهُ النَّظَرَ فإذَا أقْبلْتُ عَلَى صلاَتي أقْبَلَ إلَيَّ وإذَا التَفَتُّ نَحْوَهُ أعْرَضَ عَنِّي حَتَّى إِذا طَال عَليَّ ذلِكَ مِنْ جَفْوَةِ النَّاسِ

(18/49)


مَشَيْتُ حَتى تَسَوَّرْتُ جِدَارَ حائِطِ أبي قتادَةَ وهْوَ ابنُ عَمِّي وأحَبُّ النَّاسِ إليَّ فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ فَوَالله مَا رَدَّ عَليَّ السَّلاَمَ فَقُلْتُ يَا أَبَا قَتادَةَ أنْشُدُكَ بِاللَّه هَلْ تَعْلَمُني أُحِبُّ الله ورسُولَهُ فَسَكَتَ فَعُدْتُ لهُ فَنَشَدْتُهُ فَسَكَتَ فَعُدْتُ لَهُ فَنَشَدْتُهُ فَقَالَ الله ورسولُهُ أعْلَمُ ففاضَتْ عَيْنَايَ وَتَوَلَّيْتُ حَتَّى تَسَوَّرْتُ الجدَارَ قَالَ فَبَيْنَا أَنا أمْشِي بِسُوق المَدِينَةِ إِذا نَبَطِي مِنْ أنْباطِ أهْلِ الشَّامِ مِمَّنْ قَدِمَ بالطَّعامِ يَبِيعُهُ بالمَدِينَةِ يَقُولُ منْ يَدُلُّ علَى كَعْبِ بنِ مالِكٍ فَطَفِقَ النَّاسُ يُشِيرُونَ لهُ حَتَّى إذَا جاءَنِي دَفَعَ إلَيَّ كِتاباً مِنْ مَلِكِ غَسَّانَ فإذَا فِيهِ أمَّا بَعْدُ فإنَّهُ قَدْ بَلَغَنِي أنَّ صاحِبَكَ قَدْ جَفاكَ ولَمْ يَجْعَلْكَ الله بِدَارِ هَوَانٍ ولاَ مَضْيَعَةٍ فالحَقْ بِنَا نُوَاسِكَ فَقُلْتُ لمَّا قَرَأتُها وهَذَا أيْضاً مِنَ البَلاَءِ فَتَيَمَّمْتُ بِها التَّنُّورَ فَسَجَرْتُهُ بِها حَتَّى إذَا مَضَتْ أرْبَعُونَ لَيْلَةً مِنَ الخَمْسِينَ إذَا رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَأْتِيني فَقَالَ إنَّ رسولَ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يأمُرُكَ أنْ تَعْتَزِلَ امْرَأتكَ فَقُلْتُ أُطَلِّقُها أمْ ماذَا أفْعَلُ قَالَ لاَ بَلِ اعْتَزِلْها وَلَا تَقْرَبْها وأرْسَلَ إلَى صاحِبَيَّ مِثْلَ ذَلِكَ فقُلْتُ لامْرَأتِي الحقِي بأهْلِكِ فَتَكُونِي عِنْدَهُمْ حتَّى يَقْضِيَ الله فِي هاذَا الأمْرِ قَالَ كَعْبٌ فَجَاءَتِ امْرَأةُ هِلاَلِ بنِ أُمَيةَ رسُولَ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فقالَتْ يَا رسُولَ الله إنَّ هِلالَ بنَ أُمَيَّةَ شَيْخٌ ضائِعٌ لَيْسَ لهُ خادِمٌ فَهَلْ تَكْرَهُ أنْ أخْدْمَهُ قَالَ لاَ ولاكِنْ لَا يَقْرَبْكِ قالَتْ إنَّهُ وَالله مَا بهِ حَرَكَةٌ إِلَى شَيْءٍ وَالله مَا زَالَ يَبْكِي مُنْذُ كانَ مِنْ أمْرِهِ مَا كانَ إِلَى يوْمِهِ هَذا فَقَالَ لِي بَعْضُ أهْلِي لَو اسْتَأْذَنْتَ رسولَ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي امْرَأتِكَ كَما أذِنَ لامْرَأةِ هِلال بنِ أُمَيَّةَ أنْ تَخْدُمَهُ فَقُلْتُ وَالله لَا استَأْذِنُ فِيها رسُولَ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَمَا يُدْرِينِي مَا يَقُولُ رسُولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِذا اسْتأْذَنْتَه فِيها وَأَنا رجُلٌ شابٌّ فلبِثْت بَعْدَ ذَلِكَ عشْرَ لَيال حتَّى كَمَلَتْ لَنا خَمسُونَ لَيْلَةً مِنْ حِينَ نَهَى رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عنْ كَلاَمِنا فَلمَّا صَلَّيْتُ صَلاةَ الفَجْرِ صُبْحَ خَمْسِينَ لَيْلَةً وَأَنا على ظَهْرِ بَيْتٍ مِنْ بُيُوتِنا فبَيْنا أَنا جالِسٌ على الحَالِ التَّي ذَكَرَ الله قدْ ضاقَتْ عَلَيَّ نَفْسِي وضاقَتْ عَليَّ الأرْضُ بِمَا رَحُبَتْ سَمِعْتُ صَوْتَ صارِخٍ أوْفَى على جَبَلِ سَلْعٍ بأعْلَى صَوْتِهِ يَا كَعْبُ بنَ مالِكٍ أبْشرْ قَالَ فخَرَرْتُ سَاجِدا وعَرَفْتُ أنْ قدْ جاءَ فَرَجٌ وآذَنَ رسُولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِتَوبَةِ الله علَيْنا حِينَ صَلى صلاَةَ الفَجْرِ فَذَهَبَ النَّاسُ يُبَشِّرُونَنَا وذَهَبَ قِبَلَ صاحِبَيَّ مبَشِّرُونَ ورَكَضَ إلَيَّ رجُلٌ فَرَساً وسَعَى ساعٍ مِنْ أسْلَمَ فأوْفَى عَلَى الجَبل وكانَ الصَّوْتُ أسْرَعَ مِنَ الفَرَسِ فلمَّا جاءَنِي الَّذِي سَمِعْتُ صوْتهُ يُبَشِّرُني نَزَعْتُ لهُ ثَوْبَيِّ فكَسَوْتُهُ إيَّاهُما ببُشْراهُ وَالله مَا أمْلِكُ غَيْرَهُما يوْمَئِذٍ واسْتَعرْتُ ثَوْبَيْنِ فَلَبِسْتُهُما وانْطَلقْتُ إِلَى رسولِ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فيَتَلَقَّاني النَّاسُ فَوْجاً فَوْجاً يُهَنُّوني بالتَّوبْةِ يَقُولُونَ لِتَهْنِكَ تَوْبَة الله عَلَيْكَ قَالَ كَعْبٌ حتَّى دَخَلْتُ المَسْجدَ فإذَا رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم جالِسٌ حَوْلَهُ النَّاسُ فَقَامَ إليَّ طَلْحَةُ بنُ عُبَيْدِ الله يُهَرْوِلُ حتَّى صافَحَني وهَنَّاني

(18/50)


وَالله مَا قامَ إليَّ رَجُلٌ مِنَ المُهاجِرِينَ غَيْرُهُ ولاَ أنْساها لِطَلْحَةَ قَالَ كَعْبٌ فَلَمَّا سَلَّمْتُ عَلى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وهُوَ يَبْرُقُ وَجْهُهُ مِنَ السُّرُور أبْشِرْ بخَيْرِ يَوْمٍ مَرَّ عَليْكَ مُنْذُ وَلَدَتَكَ أُمُّكَ قَالَ قُلْتُ أمِنْ عندِكَ يَا رسولُ الله أم منْ عِنْدِ الله قَالَ لاَ بَلْ مِنْ عِنْدِ الله وكانَ رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إذَا سُرَّ اسْتَنارَ وَجْهُهُ حَتَّى كأنَّهُ قِطْعَةُ قَمَرٍ وكُنَّا نَعْرِفُ ذالِكَ مِنْهُ فَلَمَّا جَلَسْتُ بَيْن يَدَيْهِ قُلْتُ يَا رسُولَ الله إنَّ مِنْ تَوْبَتي أنْ أنخَلِعَ مِنْ مَالِي صَدَقَةً إِلَى الله وَإِلَى رسولِ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ رسُولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أمْسِكْ عَلَيْكَ بَعْض مالِكَ فَهْوَ خَيْرٌ لَكَ قُلْتُ فإنِّي أُمْسِكُ سَهْمِي الَّذِي بِخَيْبَرَ فَقُلْتُ يَا رسُولَ الله إنَّ الله إنَّما نَجَّاني بالصِّدْق وإنَّ مِنْ تَوْبَتي أنْ لاَ أُحَدِّثَ إلاَّ صِدْقاً مَا بَقِيتُ فوَاللَّه مَا أعْلَمُ أحَداً مِنَ المُسْلِمِينَ أبْلاَهُ الله فِي صِدْقِ الحَدِيثِ مُنْذُ ذَكَرْتُ ذَلِكَ لِرَسُولِ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أحْسَنَ مِمَّا أبْلاَنِي مَا تَعَمَّدْتُ مُنْذُ ذَكَرْتُ ذالِكَ لرَسُولِ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَيّ يَوْمِي هاذَا كَذِباً وإنِّي لأرْجُو أنْ يَحْفظَنِي الله فِيما بَقِيتُ وأنْزَلَ الله تَعالى على رسولِهِ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَقَدْ تابَ الله عَلى النبيِّ والمُهاجِرِينَ والأنْصارِ إِلَى قَوْلِهِ وكانُوا مَعَ الصَّادِقِينَ فَوَالله مَا أنْعَمَ الله عَلَيَّ مِنْ نِعْمَةٍ قَطُّ بَعْدَ أنْ هَدَانِي لِلإسْلاَمِ أعْظَمَ فِي نَفْسِي مِنْ صِدْقِي لِرَسُولِ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أنْ لاَ أكُونَ كَذَبْتُهُ فأهْلِكَ كمَا هَلَكَ الَّذِينَ كَذَبُوا فإنَّ الله تَعالى قَالَ للَّذِينَ كَذَبُوا حِينَ أنْزَلَ الوَحْيَ شَرَّ مَا قَالَ لأحدٍ فَقَالَ تبارَكَ وَتَعَالَى سَيَحْلِفُونَ بِاللَّه لَكُمْ إِذا انْقَلَبْتُمْ إِلَى قَوْلِهِ فإنَّ الله لاَ يَرْضَي عنِ القَوْمِ الفاسقِينَ قَالَ كَعْبٌ وكُنَّ تَخَلَّفْنا أيُّها الثَّلاثَةُ عنْ أمْر أُولائِكَ الَّذِينَ قَبِلَ مِنْهُمْ رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حِينَ حَلَفُوا لهُ فبايَعَهُمْ واسْتَغْفَرَ لهُمْ وأرْجأ رسُولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أمْرَنا حَتَّى قَضَى الله فِيهِ فَبِذَلِكَ قَالَ الله وعَلى الثَّلاثَةِ الَّذِينَ خَلِّفُوا ولَيْسَ الَّذِي ذَكَرَ الله مِمَّا خُلِّفْنا عنِ الغَزْوِ وإنَّما تَخْلِيفُهُ إيَّانا وإرْجاؤهُ أمْرَنَا عَمنْ حَلَفَ لهُ واعْتَذَرَ إلَيْهِ فَقَبِلَ مِنْهُ. .

مطابقته للتَّرْجَمَة أظهر مَا يكون وَقد أخرج البُخَارِيّ غَزْوَة تَبُوك وتوبة الله على كَعْب بن مَالك فِي عشرَة مَوَاضِع مطولا ومختصراً: فِي الْوَصَايَا وَفِي الْجِهَاد وَفِي صفة النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَفِي وُفُود الْأَنْصَار وَفِي موضِعين من الْمَغَازِي وَفِي موضِعين من التَّفْسِير وَفِي الاسْتِئْذَان وَفِي وَالْأَحْكَام. وَأخرجه مُسلم فِي التَّوْبَة عَن أبي الطَّاهِر بِطُولِهِ وَعَن مُحَمَّد بن رَافع. وَأخرجه أَبُو دَاوُد فِي الطَّلَاق عَن أبي الطَّاهِر وَسليمَان بن دَاوُد. وَأخرجه النَّسَائِيّ فِيهِ عَن سُلَيْمَان وَغَيره.
قَوْله: (عَن عبد الرَّحْمَن بن عبد الله بن كَعْب بن مَالك أَن عبد الله بن كَعْب) ، كَذَا وَقع عِنْد الْأَكْثَرين، وَوَقع عِنْد الزُّهْرِيّ فِي بعض هَذَا الحَدِيث رِوَايَة: عَن عبد الرَّحْمَن بن كَعْب بن مَالك، وَهُوَ عَم عبد الرَّحْمَن بن عبد الله الَّذِي حدث بِهِ عَنهُ هُنَا، وَفِي رِوَايَة: عَن عبد الله بن كَعْب، نَفسه. قَالَ أَحْمد بن صَالح فِيمَا أخرجه ابْن مرْدَوَيْه: كَانَ الزُّهْرِيّ سمع هَذَا الْقدر من عبد الله بن كَعْب نَفسه، وَسمع الحَدِيث بِطُولِهِ من وَلَده عبد الرَّحْمَن بن عبد الله بن كَعْب، وَعنهُ أَيْضا فِي رِوَايَة: عَن عبد الرَّحْمَن بن عبد الله بن كَعْب عَن عَمه عبيد الله بِالتَّصْغِيرِ وَوَقع عِنْد ابْن جرير من طَرِيق يُونُس عَن الزُّهْرِيّ فِي أول الحَدِيث بِغَيْر إِسْنَاد قَالَ الزُّهْرِيّ: غزا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم غَزْوَة تَبُوك الحَدِيث. قَوْله: (وَكَانَ قَائِد كَعْب من بنيه) ، بِفَتْح الْبَاء الْمُوَحدَة وَكسر النُّون بعْدهَا يَاء آخر الْحُرُوف سَاكِنة، وَوَقع فِي رِوَايَة الْقَابِسِيّ وَكَذَا لِابْنِ السكن فِي الْجِهَاد: من بَيته، بِفَتْح الْبَاء الْمُوَحدَة وَسُكُون الْيَاء آخر الْحُرُوف بعْدهَا تَاء مثناة

(18/51)


من فَوق. قَوْله: (حِين تخلف) ، مفعول بِهِ لَا مفعول فِيهِ. قَوْله: (عَن قصَّة) يتَعَلَّق بقوله: يحدث قَوْله: (يُعَاتب أحدا) أَي: لم يُعَاتب الله أحدا، ويروى: لم يُعَاتب، على صِيغَة الْمَجْهُول، وَأحد بِالرَّفْع. قَوْله: (تخلف عَنْهَا) أَي: عَن غَزْوَة بدر. قَوْله: (عير قُرَيْش) ، بِكَسْر الْعين الْمُهْملَة وَسُكُون الْيَاء آخر الْحُرُوف: وَهِي الْإِبِل الَّتِي تحمل الْميرَة. قَوْله: (لَيْلَة الْعقبَة) وَهِي: الَّتِي بَايع رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِيهَا الْأَنْصَار على الْإِسْلَام والإيواء والنصر، وَذَلِكَ قبل الْهِجْرَة، والعقبة هِيَ الَّتِي فِي طرف منى الَّتِي تُضَاف إِلَيْهَا جَمْرَة الْعقبَة، وَكَانَت بيعَة الْعقبَة مرَّتَيْنِ كَانُوا فِي السّنة الأولى اثْنَي عشر، وَفِي الثَّانِيَة سبعين كلهم من الْأَنْصَار. قَوْله: (حِين تواثقنا) أَي: تعاهدنا وتعاقدنا. قَوْله: (وَمَا أحب إِن لي بهَا مشْهد بدر) أَي: أزلي بدلهَا. قَوْله: (وَإِن كَانَت بدر) ، أَي: غَزْوَة بدر (أذكر) أَي: أعظم ذكرا فِي (فِي النَّاس) أَي: بَين النَّاس، وَفِي رِوَايَة مُسلم عَن يُونُس بن عَن شهَاب: وَإِن كَانَت بدر أَكثر ذكرا فِي النَّاس مِنْهَا، وَلَفظ: أذكر، على وزن أفعل التَّفْضِيل. قَوْله: (وَأقوى وَلَا أيسر) ، وَزَاد مُسلم لَفْظَة: مني. قَوْله: (إلاَّ ورى) ، بِفَتْح الْوَاو وَتَشْديد الرَّاء أَي: أوهم (بغَيْرهَا) وَهُوَ من التورية، وَهِي: أَن يذكر لفظ يحْتَمل مَعْنيين أَحدهمَا: أقرب من الآخر فيوهم إِرَادَة الْقَرِيب وَهُوَ يُرِيد الْبعيد. قَوْله: (فَجلى) ، بِفَتْح الْجِيم وَتَشْديد اللَّام، أَي: كشف وأوضح، وَيجوز بتَخْفِيف اللَّام أَيْضا. قَوْله: (أهبة) الأهبة، بِضَم الْهمزَة تجهيزها مَا يَحْتَاجُونَ إِلَيْهِ. قَوْله: (غزوهم) ، ويروى: عدوهم. قَوْله: (والمسلمون مَعَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كثير) ، وَقد ذكرنَا عَن قريب أَنه كَانَ مَعَه أَرْبَعُونَ ألفا وَقيل: سَبْعُونَ ألفا. قَوْله: (وَلَا يجمعهُمْ كتاب حَافظ) بِالتَّنْوِينِ فيهمَا، وَفِي رِوَايَة مُسلم بِالْإِضَافَة، وَزَاد فِي رِوَايَة مُغفل: يزِيدُونَ على عشرَة آلَاف وَلَا يجمعهُمْ ديوَان حَافظ. قَوْله: (يُرِيد الدِّيوَان) ، من كَلَام الزُّهْرِيّ، وَأَرَادَ بِهِ: أَن المُرَاد من قَوْله: (كتاب حَافظ) هُوَ الدِّيوَان، وَهُوَ الْكتاب الَّذِي يجمع فِيهِ الْحساب، وَهُوَ يكسر الدَّال وَقيل بِفَتْحِهَا أَيْضا، وَهُوَ مُعرب، وَقيل: عَرَبِيّ. قَوْله: (قَالَ كَعْب) ، وَهُوَ مَوْصُول بِالْإِسْنَادِ الْمَذْكُور. قَوْله: (فَمَا رجل) ، وَفِي رِوَايَة مُسلم: قل رجل، قَوْله: (إلاَّ ظن أَنه سيخفى) ، وَفِي رِوَايَة الْكشميهني: إِن سيخفى، بتَخْفِيف نون: أَن، بِلَا هَاء، وَفِي رِوَايَة مُسلم: أَن ذَلِك سيخفى لَهُ. قَوْله: (فطفقت أعدو) ، بِالطَّاءِ وبالفاء وَالْقَاف، وَهُوَ من أَفعَال المقاربة مَعْنَاهُ: أخذت فِي الْفِعْل قَوْله: (حَتَّى اشْتَدَّ بِالنَّاسِ الْجد) ، بِكَسْر الْجِيم، وَهُوَ: الْجهد فِي الشَّيْء وَالْمُبَالغَة فِيهِ، وَقَالَ ابْن التِّين: وَضبط فِي بعض الْكتب بِرَفْع: النَّاس، على أَنه فَاعل، وَيكون: الْجد، مَنْصُوبًا بِإِسْقَاط الْخَافِض، أَو هُوَ نعت لمصدر مَحْذُوف أبي: اشْتَدَّ النَّاس الاشتداد الْجد، وَعند ابْن السكن: اشْتَدَّ بِالنَّاسِ الْجد، بِرَفْع: الْجد، وَزِيَادَة: الْبَاء الْمُوَحدَة فِي النَّاس، وَهُوَ رِوَايَة أَحْمد وَمُسلم، وَفِي رِوَايَة ابْن مرْدَوَيْه: حَتَّى شمر النَّاس الْجد. قَوْله: (من جهازي) ، بِفَتْح الْجِيم وَكسرهَا وَهُوَ: الأهبة. قَوْله: (حَتَّى أَسْرعُوا) ، من الْإِسْرَاع، وَفِي رِوَايَة الْكشميهني: حَتَّى شرعوا، بالشين الْمُعْجَمَة من الشُّرُوع، قيل: هُوَ تَصْحِيف. قَوْله: (وتفارط الْغَزْو) أَي: فَاتَ وَسبق من الفرط وَهُوَ السَّبق، وَفِي رِوَايَة ابْن أبي شيبَة: حَتَّى أمعن الْقَوْم وأسرعوا. قَوْله: (وليتني فعلت) ، فِيهِ تمني مَا فَاتَ فعله. قَوْله: (مغموصاً) ، بالغين الْمُعْجَمَة وَالصَّاد الْمُهْملَة، أَي: مطعوناً عَلَيْهِ فِي دينه مُتَّهمًا بالنفاق، وَقيل: مَعْنَاهُ مستحقراً، تَقول: غمصت فلَانا إِذا استحقرته، وَكَذَلِكَ: اغمصته. قَوْله: (حَتَّى بلغ تَبُوك) ، بِغَيْر صرف للعلمية والتأنيث، كَذَا هُوَ فِي رِوَايَة الْأَكْثَرين. ويروي: تَبُوكا، بِالصرْفِ على إِرَادَة الْمَكَان أَو الْموضع. قَوْله: (من بني سَلمَة) ، بِكَسْر اللَّام، وَفِي رِوَايَة معمر: من قومِي، وَهُوَ عبد الله بن أنيس، كَذَا قَالَه الْوَاقِدِيّ قَوْله: (حَبسه برْدَاهُ) تَثْنِيَة، برد. قَوْله: (وَالنَّظَر) ، أَي وحبسه النّظر (فِي عطفيه) بِكَسْر الْعين الْمُهْملَة أَي: جانبيه، وَهُوَ إِشَارَة إِلَى إعجابه بِنَفسِهِ ولباسه، وَقيل: كنى بذلك عَن حسنه وبهجته، وَالْعرب تصف الرِّدَاء بِصفة الْحسن وتسميه عطفا لوُقُوعه على عطفي الرجل قَوْله: (فَلَمَّا بَلغنِي أَنه) أَي: أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَكَذَا فِي رِوَايَة مُسلم. قَوْله: (قَافِلًا) أَي: رَاجعا من سَفَره إِلَى الْمَدِينَة، وَقَالَ ابْن سعد: كَانَ قدومه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الْمَدِينَة فِي رَمَضَان. قَوْله: (حضرني همي) ، هَكَذَا رِوَايَة الْكشميهني، وَفِي رِوَايَة غَيره: حضرني هم قَوْله: (قد أظل قادماً) أَي: قددنا قدومه إِلَى الْمَدِينَة. قَوْله: (زاح) ، بالزاي وَبِالْحَاءِ الْمُهْملَة أَي: زَالَ. قَوْله: (فأجمعت صدقه) أَي: جزمت بذلك وعقدت عَلَيْهِ قصدي، وَفِي رِوَايَة ابْن أبي شيبَة: وعزمت أَنه لَا ينجيني إِلَّا الصدْق. قَوْله: (الْمُخَلفُونَ) ، أَي: الَّذين تَأَخَّرُوا عَن الذّهاب مَعَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم. قَوْله: (فطفقوا) أَي: أخذُوا (يَعْتَذِرُونَ) أَي: يظهرون الْعذر. قَوْله: (وَكَانُوا بضعَة وَثَمَانِينَ) ، وَقد مر غير مرّة أَن: الْبضْعَة فِي الْعدَد، مَا بَين الثَّلَاثَة إِلَى

(18/52)


التِّسْعَة، وَقيل: مَا بَين الْوَاحِد إِلَى الْعشْرَة، وَهُوَ بِكَسْر الْبَاء، وَحكي الْفَتْح أَيْضا، وَذكر الْوَاقِدِيّ أَن هَذَا الْعدَد كَانَ من منافقي الْأَنْصَار وَأَن المعذرين من الْأَعْرَاب كَانُوا أَيْضا اثْنَيْنِ وَثَمَانِينَ رجلا من بني غفار وَغَيرهم، وَأَن عبد الله بن أبي وَمن أطاعه من قومه كَانُوا من غير هَؤُلَاءِ، وَكَانُوا عددا كثيرا. قَوْله: (علانيتهم) ، أَي: ظَاهِرهمْ. قَوْله: (تَبَسم الْمُغْضب) ، أَي: كتبسم الْمُغْضب، بِفَتْح الضَّاد، وَفِي (مغازي ابْن عَائِذ) : فَأَعْرض عَنهُ، فَقَالَ: يَا نَبِي الله! لِمَ تعرض عني؟ فوَاللَّه مَا نافقت وَلَا ارتبت وَلَا بدلت. قَالَ: فَمَا خَلفك؟ . قَوْله: (ابتعت ظهرك) ، أَي: اشْتريت راحلتك. قَوْله: (أَعْطَيْت) على صِيغَة الْمَجْهُول. قَوْله: (جدلاً) ، أَي: فصاحة وَقُوَّة كَلَام بِحَيْثُ أخرج من عُهْدَة مَا ينتسب إِلَيّ مِمَّا يقبل وَلَا يرد قَوْله: (ليوشكن الله) أَي: ليعجلن الله على بسخط مِنْك. قَوْله: (تَجِد) ، بِكَسْر الْجِيم، أَي: تغْضب. قَوْله: (وثار رجال) أَي: وَثبُوا. قَوْله: (قد كَانَ كافيك ذَنْبك) ، أَي: من ذَنْبك وحذفت كلمة: من، قَوْله: (اسْتِغْفَار) ، بِالرَّفْع لِأَنَّهُ مَرْفُوع بقوله: (كافيك) لِأَن اسْم الْفَاعِل يعْمل عمل فعله. قَوْله: (يؤنبوني) ، ويروى: يؤنبونني، من التأنيب وَهُوَ اللوم العنيف. قَوْله: (مرَارَة) ، بِضَم الْمِيم وَتَخْفِيف الراءين: ابْن الرّبيع، وَيُقَال: ابْن ربيعَة الْعمريّ نِسْبَة إِلَى بني عَمْرو بن عَوْف بن مَالك بن الْأَوْس، وَقَالَ الْكرْمَانِي: وَفِي بعض الرِّوَايَات العامري، أنكرهُ الْعلمَاء وَقَالُوا: صَوَابه الْعمريّ. قلت: لِأَنَّهُ كَانَ من بني عَمْرو بن عَوْف شهد بَدْرًا. قَوْله: (وهلال بن أُميَّة) الْأنْصَارِيّ (الوَاقِفِي) من بني وَاقِف ابْن امرىء الْقَيْس بن مَالك بن الْأَوْس شهد بَدْرًا. قَوْله: (إسوة) ، بِكَسْر الْهمزَة وَضمّهَا، وَقَالَ ابْن التِّين: التأسي بالنظير ينفع فِي الدُّنْيَا بِخِلَاف الْآخِرَة، قَالَ الله تَعَالَى: {وَلنْ ينفعكم الْيَوْم إِذْ ظلمتم} (الزخرف: 39)
الْآيَة. قَوْله: (أَيهَا الثَّلَاثَة) ، بِالرَّفْع وَهُوَ فِي مَوضِع نصب على الِاخْتِصَاص، أَي: متخصصين بذلك دون بَقِيَّة النَّاس. قَوْله: (فَاجْتَنَبَنَا النَّاس) بِفَتْح الْبَاء الْمُوَحدَة بعْدهَا نون الْمُتَكَلّم، وَهِي جملَة من الْفِعْل وَالْمَفْعُول. وَقَوله: (النَّاس) ، بِالرَّفْع فَاعله. قَوْله: (تنكرت) ، أَي: تَغَيَّرت. قَوْله: (فَمَا هِيَ الَّتِي أعرف) ، أَي: تغير كل شَيْء عَليّ حَتَّى الأَرْض فَإِنَّهَا توحشت وَصَارَت كَأَنَّهَا أَرض لم أعرفهَا لتوحشها عَليّ. قَوْله: (وأطوف) أَي: أدور. قَوْله: (فأسارقه النّظر) ، وبالقاف أَي: أنظر إِلَيْهِ فِي خُفْيَة. قَوْله: (من جفوة النَّاس) ، بِفَتْح الْجِيم وَسُكُون الْفَاء أَي: من جفائهم وإعراضهم. قَوْله: (حَتَّى تسورت) ، أَي: صعدت على سور الدَّار. قَوْله: (حَائِط أبي قَتَادَة) ، الْحَائِط: الْبُسْتَان، وَأَبُو قَتَادَة، بِفَتْح الْقَاف: اسْمه الْحَارِث بن ربعي، بِكَسْر الرَّاء وَسُكُون الْبَاء الْمُوَحدَة وبالعين الْمُهْملَة: ابْن بلذمة الْأنْصَارِيّ السّلمِيّ الخزرجي من بني غنم بن كَعْب بن سَلمَة بن تزيد بن جشم بن الْخَزْرَج، هَكَذَا يَقُول ابْن شهَاب وَجَمَاعَة أهل الحَدِيث أَن اسْم أبي قَتَادَة الْحَارِث بن ربعي، قَالَ ابْن إِسْحَاق: وَأَهله يَقُولُونَ اسْمه النُّعْمَان بن عَمْرو بن بلذمة، قَالَ أَبُو عمر: يَقُولُونَ بلذمة، بِالْفَتْح، وبلذمة باضم، وبلذمة بِالذَّالِ المنقوطة وَالضَّم أَيْضا، توفّي بِالْكُوفَةِ فِي خلَافَة عَليّ رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، وَصلى هُوَ عَلَيْهِ. قَوْله: (مَا رد على السَّلَام) ، لعُمُوم النَّهْي عَن كَلَامهم. قَوْله: (وَهُوَ ابْن عمي) قيل: إِنَّمَا قَالَ: إِنَّه ابْن عمي، لِكَوْنِهِمَا مَعًا من بني سَلمَة وَلَيْسَ هُوَ ابْن عَمه أخي أَبِيه، وَقَالَ الْكرْمَانِي، وَلَيْسَ هُوَ ابْن عَمه بل ابْن عَم جد جده. قَوْله: (أنْشدك) ، بِفَتْح الْهمزَة وَضم الشين الْمُعْجَمَة، أَي: أَسأَلك بِاللَّه. قَوْله: (الله وَرَسُوله أعلم) وَلَيْسَ تكليماً لكعب. قَوْله: (حَتَّى تسورت الْجِدَار) ، أَي: لِلْخُرُوجِ من الْحَائِط، وَفِي رِوَايَة معمر: فَلم أملك نَفسِي أَن بَكَيْت ثمَّ اقتحمت الْحَائِط خَارِجا. قَوْله: (إِذا نبطي) كلمة: إِذا للمفاجأة، و: النبطي، بِفَتْح النُّون وَالْبَاء الْمُوَحدَة: الْفَلاح، سمي بالنبطي لِأَن اشتقاقه من استنباط المَاء واستخراجه، والأنباط كَانُوا فِي ذَلِك الْوَقْت أهل الفلاحة، وَهَذَا النبطي كَانَ نَصْرَانِيّا شامياً، وَقيل: النبطي مَنْسُوب إِلَى نبيط بن هانب بن أميم بن لاوذ بن سَام بن نوح عَلَيْهِ السَّلَام. قَوْله: (من ملك غَسَّان) ، بِفَتْح الْغَيْن الْمُعْجَمَة وَتَشْديد السِّين الْمُهْملَة، وَهُوَ من جملَة مُلُوك الْيمن، سكنوا الشَّام. قيل: هُوَ جبلة بن الْأَيْهَم، نَص عَلَيْهِ ابْن عَائِذ، وَعَن الْوَاقِدِيّ: إِنَّه الْحَارِث بن أبي بشر، وَقيل: جند بن الْأَيْهَم، وَفِي رِوَايَة ابْن مرْدَوَيْه: فَكتب إِلَى كتابا فِي سَرقَة من حَرِير. قَوْله: (هوان) ، أَي: ذل وصغار. قَوْله: (وَلَا مضيعة) ، بِفَتْح الْمِيم وَسُكُون الضَّاد الْمُعْجَمَة وَكسرهَا أَيْضا لُغَتَانِ، أَي: حَيْثُ يضيع حَقك. قَوْله: (نواسك) ، بِضَم النُّون وَكسر السِّين الْمُهْملَة من: الْمُوَاسَاة. قَوْله: (فَتَيَمَّمت بهَا التَّنور) أَي: قصدت بهَا. أَي: بِالْكتاب الَّذِي أرْسلهُ ملك غَسَّان، وَإِنَّمَا أَنْت الضَّمِير بِاعْتِبَار الصَّحِيفَة، والتنور مَعْرُوف وَهُوَ مَا يخبز فِيهِ. قَوْله: (فسجرته)

(18/53)


أَي: فسجرت التَّنور أَي: أوقدته، بهَا أَي: بِالْكتاب الَّذِي هُوَ الصَّحِيفَة، وَهَذَا الصَّنِيع من كَعْب يدل على قُوَّة إيمَانه ومحبته لله وَرَسُوله. قَوْله: (إِذا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم) ، كلمة: إِذا للمفاجأة، وَعَن الْوَاقِدِيّ: إِن هَذَا الرَّسُول هُوَ خُزَيْمَة بن ثَابت. قَوْله: (أَن تَعْتَزِل امْرَأَتك) اسْمهَا: عميرَة بنت جُبَير بن صَخْر بن أُميَّة الْأَنْصَارِيَّة، أم أَوْلَاده الثَّلَاثَة: عبد الله وَعبيد الله ومعبد، وَيُقَال: اسْم امْرَأَته الَّتِي كَانَت عِنْده يومئذٍ: خيرة، بِالْخَاءِ الْمُعْجَمَة الْمَفْتُوحَة وَسُكُون الْيَاء آخر الْحُرُوف، وَقَالَ الذَّهَبِيّ: عميرَة بنت جبيرصلَّت الْقبْلَتَيْنِ وَهِي زَوْجَة كَعْب بن مَالك، وَقَالَ أَيْضا: خيرة امْرَأَة كَعْب بن مَالك لَهَا حَدِيث غَرِيب فِي (كتاب الوجدان) لِابْنِ أبي عَاصِم، وَقَالَ أَبُو عمر: خيرة امْرَأَة كَعْب بن مَالك الشَّاعِر، وَيُقَال: حيرة، بِالْحَاء الْمُهْملَة، حَدِيثهَا عِنْد اللَّيْث بن سعد من رِوَايَة ابْن وهب وَغَيره بِإِسْنَاد ضَعِيف لَا يقوم بِهِ حجَّة: أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، قَالَ: لَا يجوز لامْرَأَة فِي مَالهَا أَمر إلاَّ بِإِذن زَوجهَا. قَوْله: (ألحقي بأهلك) ، هَذَا اللَّفْظ من الْكِنَايَات، ومحلها فِي الْفُرُوع قَوْله: (فَجَاءَت امْرَأَة هِلَال بن أُميَّة) هِيَ: خَوْلَة بنت عَاصِم، وَقَالَ الذَّهَبِيّ: هِيَ الَّتِي لاعنها هِلَال فَفرق رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، بَينهمَا. قَوْله: (فَقَالَ لي بعض أَهلِي) اسْتشْكل هَذَا مَعَ نهي النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن كَلَام الثَّلَاثَة. وَأجِيب: بِأَنَّهُ يحْتَمل أَن يكون عبر عَن الْإِشَارَة بالْقَوْل، وَقيل: لَعَلَّه من النِّسَاء، لِأَن النَّهْي لم يَقع عَن كَلَام النِّسَاء اللَّاتِي فِي بُيُوتهم، وَقيل: كَانَ الَّذِي كَلمه منافقاً، وَقيل: كَانَ مِمَّن يَخْدمه وَلم يدْخل فِي النَّهْي. قَوْله: (حَتَّى كملت) ، بِضَم الْمِيم وَفتحهَا وَكسرهَا. قَوْله: (على الْحَالة الَّتِي ذكر الله تَعَالَى) ، وَهُوَ فِي قَوْله تَعَالَى: {وعَلى الثَّلَاثَة الَّذين خلفوا حَتَّى إِذا ضَاقَتْ عَلَيْهِم الأَرْض بِمَا رَحبَتْ} (التَّوْبَة: 118)
الْآيَة قَوْله: (على جبل سلع) ، بِفَتْح السِّين الْمُهْملَة وَسُكُون اللَّام: وَهُوَ جبل مَعْرُوف بِالْمَدِينَةِ، وَفِي رِوَايَة معمر: من ذرْوَة سلع، أَي: أَعْلَاهُ. قَالَ الْوَاقِدِيّ: الَّذِي أوفى على سلع أَبُو بكر الصّديق. قَوْله: (يَا كَعْب بن مَالك! أبشر) ، من الْبشَارَة وَفِي رِوَايَة عمر بن كثير عِنْد أَحْمد عَن كَعْب: إِذْ سَمِعت رجلا على الثَّنية يَقُول: كَعْب كَعْب، حَتَّى دنا مني، فَقَالَ: بشروا كَعْبًا. قَوْله: (فَخَرَرْت) ، أَي: أسقطت نَفسِي على الأَرْض حَال كوني سَاجِدا، وَفِيه مَشْرُوعِيَّة سَجْدَة الشُّكْر، وكرهها أَبُو حنيفَة وَمَالك. قَوْله: (وآذن) ، أَي: أعلم. قَوْله: (وَذهب قبل صَاحِبي) ، بِكَسْر الْقَاف وَفتح الْبَاء الْمُوَحدَة أَي: جِهَة صَاحِبي، بِفَتْح الْبَاء الْمُوَحدَة وَتَشْديد الْيَاء، تَثْنِيَة: صَاحب وهما: هِلَال ومرارة. قَوْله: (مبشرون) ، فَاعل ذهب، جمع: مُبشر قَوْله: (وركض إِلَى رجل فرسا) وَهُوَ الزبير بن الْعَوام، وَقيل: حَمْزَة ابْن عَمْرو، وَوَاللَّه أعلم. قَوْله: (وسعى ساع) ، هُوَ حَمْزَة بن عمر، وَرَوَاهُ الْوَاقِدِيّ، وَقَالَ: أَبُو عمر حَمْزَة بن عمر والأسلمي من ولد أسلم ابْن أفصى بن حَارِثَة بن عَمْرو بن عَامر، يكنى أَبَا حَاتِم، ويعد فِي أهل الْحجاز، مَاتَ سنة إِحْدَى وَسِتِّينَ وَهُوَ ابْن ثَمَانِينَ سنة، روى عَنهُ أهل الْمَدِينَة وَكَانَ يسْرد الصَّوْم، وَعند ابْن عَائِذ: إِن اللَّذين سعيا أَبُو بكر وَعمر رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا، لكنه صَدره بقوله: زَعَمُوا قَوْله: (فأوفى على الْجَبَل) ، أَي: ارْتَفع وأشرف، وَقَالَ الواقد: الَّذِي بشر هِلَال بن أُميَّة بتوبته سعيد بن زيد، وَكَانَ الَّذِي بشر مرَارَة بتوبته سلكان بن سَلامَة أَو سَلمَة بن سَلامَة بن وقش. قَوْله: (قَلما جَاءَنِي الَّذِي سَمِعت صَوته) هُوَ حَمْزَة بن عَمْرو الْأَسْلَمِيّ. قَوْله: (وَالله مَا أملك غَيرهمَا يومئذٍ) ، يَعْنِي: من جنس الثِّيَاب. قَوْله: (فوجاً فوجاً) أَي: جمَاعَة جمَاعَة. قَوْله: (واستعرت ثَوْبَيْنِ) ، استعارهما من أبي قَتَادَة. قَالَه الواقي. قَوْله: (لتهنك) ، بِكَسْر النُّون، وَزعم ابْن التِّين أَنه بِفَتْحِهَا، قَالَ: لِأَنَّهُ من: يهنأ، بِالْفَتْح. قَوْله: (وَلَا أَنْسَاهَا لطلْحَة) ، وَهُوَ طَلْحَة بن عبيد الله الْمَذْكُور، وَهُوَ أحد الْعشْرَة المبشرة. قَوْله: (أبشر بِخَير يَوْم مر عَلَيْك) فَإِن قلت: يَوْم إِسْلَامه خير أَيَّامه؟ قلت: قَالَ الْكرْمَانِي: المُرَاد بِهِ سوى يَوْم إِسْلَامه ولظهوره تَركه، وَقيل: يَوْم إِسْلَامه بداية سعادته وَيَوْم تَوْبَته مكمل لَهَا، فَهُوَ خير من جَمِيع أَيَّامه فَيوم تَوْبَته الْمُضَاف إِلَى إِسْلَامه خير من يَوْم إِسْلَامه الْمُجَرّد عَنْهَا. قَوْله: (قَالَ: لَا) أَي: لَيْسَ من عِنْدِي بل من عِنْد الله. قَوْله: (إِذا سر) ، على صِيغَة الْمَجْهُول أَي: إِذا حصل لَهُ السرُور (استنار وَجهه) أَي: تنور. قَوْله: (حَتَّى كَأَنَّهُ قِطْعَة قمر) فَإِن قلت: لِمَ لم يقل: كَأَنَّهُ قمر؟ فَمَا الْحِكْمَة فِي تَقْيِيده بالقطعة؟ قلت: قيل: للِاحْتِرَاز من قِطْعَة السوَاد الَّتِي فِي الْقَمَر. قَوْله: (وَكُنَّا نَعْرِف ذَلِك مِنْهُ) وَفِي رِوَايَة الْكشميهني: فِيهِ، وَذَلِكَ إِشَارَة إِلَى مَا كَانَ يحصل لَهُ من اسْتِنَارَة وَجهه عِنْد السرُور قَوْله: (أَن أَنْخَلِع) ، أَي: أَن أخرج من مَالِي بِالْكُلِّيَّةِ. قَوْله: (صَدَقَة) ، بِالنّصب أَي:

(18/54)


لأجل التَّصَدُّق، وَيجوز أَن يكون حَالا بِمَعْنى: متصدقاً. قَوْله: (إِلَى الله) كلمة: إِلَى بِمَعْنى اللَّام، أَي: صَدَقَة خَالِصَة لله تَعَالَى وَلِرَسُولِهِ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم. قَوْله: (أمسك عَلَيْك بعض مَالك) ، إِنَّمَا أمره بذلك خوفًا من تضرره بالفقر وَعدم صبره على الْفَاقَة، وَلَا يُخَالف هَذَا صَدَقَة أبي بكر رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، بِجَمِيعِ مَاله لِأَنَّهُ كَانَ صَابِرًا رَاضِيا. قَوْله: (أبلاه الله) ، أَي: أنعم عَلَيْهِ. قَوْله: (أَن لَا أكون) ، بدل من قَوْله: (من صدقي) أَي: مَا أنعم أعظم من عدم كذبي ثمَّ عدم هلاكي. قَالَ النَّوَوِيّ رَحمَه الله: قَالُوا لَفْظَة: لَا، زَائِدَة وَمَعْنَاهُ: أَن أكون كَذبته نَحْو مَا مَنعك أَن لَا تسْجد. قَوْله: (فَأهْلك) بِالنّصب أَي: فَإِن لَك، بِكَسْر اللَّام وَفتحهَا. قَوْله: (كَمَا هلك الَّذين) أَي: كهلاك الَّذين، (كذبُوا) قَوْله: للَّذين أَي: لأجل الَّذين كذبُوا. قَوْله: (شَرّ مَا قَالَ لأحد) أَي: قَالَ قولا سر مَا قَالَ، بِالْإِضَافَة أَي: شَرّ القَوْل الْكَائِن لأحد من النَّاس، ثمَّ بَين ذَلِك بقوله، فَقَالَ تبَارك وَتَعَالَى: {سيحلفون بِاللَّه لكم إِذا انقلبتم إِلَيْهِم لتعرضوا عَنْهُم فاعرضوا عَنْهُم وَلَا تؤنبوهم إِنَّهُم رِجْس وماواهم جَهَنَّم جَزَاء بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ يحلفُونَ لكم لترضوا عَنْهُم فَإِن ترضوا عَنْهُم فَإِن الله لَا يرضى عَن الْقَوْم الْفَاسِقين} (التَّوْبَة: 95 96) وَقد أخبر الله تَعَالَى عَن الْمُنَافِقين الَّذين تخلفوا بقوله: إِنَّهُم سيحلفون معتذرين لتعرضوا عَنْهُم وَلَا تؤنبوهم فأعرضوا عَنْهُم إِنَّهُم رِجْس أَي: خبثاه نجس بواطنهم واعتقاداتهم ومأواهم فِي آخرتهم جَهَنَّم جَزَاء أَي لأجل الْجَزَاء بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ من الآثام والخطايا، ثمَّ أخبر عَنْهُم بِأَنَّهُم يحلفُونَ لكم لترضوا عَنْهُم فَإِن ترضوا عَنْهُم فَإِن الله لَا يرضى عَن الْقَوْم الْفَاسِقين، أَي: الخارجين عَن طَاعَة الله وَطَاعَة رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَالْفِسْق هُوَ الْخُرُوج وَمِنْه سميت الْفَأْرَة: فَهُوَ فويسقة، لخروجها من جحرها، وَيُقَال: فسقت الرّطبَة إِذا خرجت من أكمامها. قَوْله: (وَكُنَّا تخلفنا) ، وَفِي مُسلم: خلفنا. قَوْله: (وأرجأ) أَي: أخر، من الإرجاء بِالْهَمْزَةِ فِي آخِره، وَحَاصِل معنى قَول كَعْب أَنه فسر قَوْله تَعَالَى: {وعَلى الثَّلَاثَة الَّذين خلفوا} (التَّوْبَة: 118) أَي: أخروا حَتَّى تَابَ الله عَلَيْهِم، وَلَيْسَ المُرَاد أَنهم خلفوا عَن الْغَزْو، وَفِي (تَفْسِير عبد الرَّزَّاق) : عَن معمر عَمَّن سمع عِكْرِمَة فِي قَوْله: {وعَلى الثَّلَاثَة الَّذين خلفوا} (التَّوْبَة: 118) قَالَ: خلفوا عَن التَّوْبَة. قَوْله: (مِمَّا خلفنا) ، على صِيغَة الْمَجْهُول. قَوْله: (عَن الْغَزْو) أَي: غَزْوَة تَبُوك. قَوْله: (وَإِنَّمَا هُوَ تخليفه) ، أَي: تخليف الله إينا أَي: تَأْخِيره إيانا أَي: تَأْخِيره أمرنَا عَن أَمر من حلف لَهُ وَاعْتذر إِلَيْهِ فَقبل مِنْهُ اعتذاره وحلفه فغفر لَهُ.
فَوَائِد الحَدِيث الْمَذْكُور أَكثر من خمسين فَائِدَة: فِيهِ: جَوَاز طلب أَمْوَال الْكفَّار دون الْحَرْب. وَفِيه: جَوَاز الْغَزْو فِي الشَّهْر الْحَرَام، وَالتَّصْرِيح بِجِهَة الْغَزْو وَإِذا لم تَقْتَضِي الْمصلحَة ستره، وَأَن الإِمَام إِذا اسْتنْفرَ الْجَيْش عُمُوما لَزِمَهُم النفير. فَإِن قلت: إِن كَانَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم استنفرهم عُمُوما لغزوة تَبُوك فغضبه على من تخلف ظَاهره، وَإِن لم يستنفرهم عُمُوما فالجهاد فرض كِفَايَة، فَمَا وَجه غَضَبه على الْمُخلفين؟ قلت: كَانَ الْجِهَاد فرض عين فِي حق الْأَنْصَار لأَنهم بَايعُوهُ على ذَلِك، فغضبه على المتخلفين كَانَ فِي مَحَله. وَفِيه: إِبَاحَة الْغَنِيمَة لهَذِهِ الْأمة إِذْ قَالَ: يُرِيدُونَ عير قُرَيْش. وَفِيه: فَضِيلَة أهل بدر والعقبة والمتابعة مَعَ الإِمَام وَجَوَاز الْحلف من غير استحلاف والتأسف على مَا فَاتَهُ من الْخَبَر وهجران أهل الْبِدْعَة، وَأَن للْإِمَام أَن يُؤَدب بعض أَصْحَابه بإمساك الْكَلَام عَنهُ وَترك قرْبَان الزَّوْجَة واستحباب صَلَاة القادم ودخوله الْمَسْجِد أَولا، وَتوجه النَّاس إِلَيْهِ عِنْد قدومه وَالْحكم بِالظَّاهِرِ وَقبُول المعاذير واستحباب الْبكاء على نَفسه، ومسارقة النّظر فِي الصَّلَاة لَا تبطلها، وفضيلة الصدْق وَأَن السَّلَام ورده كَلَام، وَجَوَاز دُخُوله فِي بُسْتَان صديقه بِلَا إِذْنه، وَأَن الْكِنَايَة لَا يَقع بهَا الطَّلَاق مَا لم يُنَوّه، وإيثار طَاعَة الله وَرَسُوله على مَوَدَّة الْقَرِيب، وخدمة الْمَرْأَة لزَوجهَا، وَالِاحْتِيَاط بمجانبته مَا يخَاف مِنْهُ الْوُقُوع فِي مَنْهِيّ عَنهُ إِذْ لم يسْتَأْذن فِي خدمَة امْرَأَته لذَلِك، وَجَوَاز إحراق ورقة فِيهَا ذكر الله إِذا كَانَ لمصْلحَة، واستحباب التبشير عِنْد تجدّد النِّعْمَة واندفاع الْكُرْبَة واجتماع النَّاس عِنْد الإِمَام فِي الْأُمُور المهمة وسروره بِمَا يسر أَصْحَابه، وَالتَّصَدُّق بِشَيْء عِنْد ارْتِفَاع الْحزن، وَالنَّهْي عَن التَّصَدُّق بِكُل مَاله عِنْد عدم الصَّبْر، وإجازة البشير بخلعه وَتَخْصِيص الْيَمين بِالنِّيَّةِ، وَجَوَاز الْعَارِية ومصافحة القادم وَالْقِيَام لَهُ والتزام مداومة الْخَيْر الَّذِي ينْتَفع بِهِ واستحباب سَجْدَة السكر. وَفِيه: عظم أَمر الْمعْصِيَة وَعَن الْحسن الْبَصْرِيّ أَنه قَالَ: يَا سُبْحَانَ الله: مَا أكل هَؤُلَاءِ الثَّلَاثَة مَالا حَرَامًا وَلَا سَفَكُوا دَمًا حَرَامًا وَلَا أفسدوا فِي الأَرْض وأصابهم مَا سَمِعْتُمْ، وَضَاقَتْ عَلَيْهِم الأَرْض بِمَا رَحبَتْ، فَكيف بِمن يواقع الْفَوَاحِش والكبائر؟ رَوَاهُ ابْن أبي حَاتِم. وَفِيه: أَن الْقوي يُؤَاخذ أَشد مِمَّا يُؤَاخذ الضَّعِيف فِي الدّين. وَفِيه: جَوَاز إِخْبَار الْمَرْء عَن تَقْصِيره وتفريطه. وَفِيه: جَوَاز مدح الرجل بِمَا فِيهِ من الْخَيْر إِذا أَمن

(18/55)


الْفِتْنَة، وتسلية نَفسه عَمَّا لم يحصل لَهُ بِمَا وَقع لنظيره. وَفِيه: جَوَاز ترك السَّلَام على من أذْنب، وَجَوَاز هِجْرَة ثَلَاثَة أَيَّام. وَفِيه: تبريد حر الْمعْصِيَة بالتأسي بالنظير. وَفِيه: جَوَاز ترك رد السَّلَام على المهجور عَمَّن سلم عَلَيْهِ، إِذْ لَو كَانَ وَاجِبا لم يقل كَعْب: هَل حرك شَفَتَيْه برد السَّلَام؟ وَفِيه: أَن قَول الْمَرْء: الله وَرَسُوله أعلم، لَيْسَ لَيْسَ بخطاب وَلَا كَلَام، فَلَا يَحْنَث بِهِ من حلف أَن لَا يكلم فلَانا إِذا لم بَنو بِهِ مكالمته. وَفِيه: مَشْرُوعِيَّة الْعَارِية.

81 - (بابُ نُزُول النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الحِجْرَ)

أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان نزُول النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، الْحجر، بِكَسْر الْحَاء الْمُهْملَة وَسُكُون الْجِيم وَفِي آخِره رَاء: وَهِي منَازِل ثَمُود قوم صَالح عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام، بَين الْمَدِينَة وَالشَّام عِنْد وَادي الْقرى، وَلَيْسَ فِي بعض النّسخ لَفْظَة: بَاب.

4419 - ح دَّثنا عَبْدُ الله بنُ مُحَمَّدٍ الجُعْفِيُّ حدّثنا عبْدُ الرَّزَّاقِ أخْبَرَنا مَعْمَرٌ عَن الزُّهْرِيِّ عنْ سالِمٍ عنِ ابنِ عُمَرَ رضيَ الله عَنْهُمَا قَالَ لمَّا مرَّ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بالحِجْرِ قَالَ لاَ تَدْخُلُوا مَساكِنَ الَّذِينَ ظَلَمُوا أنْفُسَهُمْ أنْ يُصِيبَكُمْ مَا أصابَهُمْ إلاَّ أنْ تَكُونُوا باكِينَ ثُمَّ قَنَعَ رَأْسَهُ وأسْرَعَ السَّيْرَ حَتَّى أجازَ الوَادِيَ. .

مطابقته للتَّرْجَمَة تُؤْخَذ من قَوْله: (حَتَّى أجَاز الْوَادي) لِأَن فِيهِ معنى النُّزُول إِلَى الْوَادي والصعود مِنْهُ. وَلَو قَالَ فِي التَّرْجَمَة: بَاب مُرُور النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، بِالْحجرِ لكأن أصوب وَأقرب. والْحَدِيث مر فِي أَحَادِيث الْأَنْبِيَاء فِي: بَاب قَول الله تَعَالَى {وَإِلَى ثَمُود أَخَاهُم صَالحا} (الْأَعْرَاف: 73) وَمر أَيْضا فِي كتاب الصَّلَاة فِي: بَاب الصَّلَاة فِي مَوَاضِع الْخَسْف.
قَوْله: (أَن يُصِيبكُم) ، بِفَتْح الْهمزَة مفعول لَهُ، أَي: كَرَاهَة الْإِصَابَة. قَوْله: (وقنَّع) ، أَي: ستر رَأسه بالقناع. قَوْله: (حَتَّى أجَاز) . أَي: حَتَّى سلك الْوَادي أَو حَتَّى قطعه.

4420 - ح دَّثنا يَحْيَى بنُ بُكَيْرٍ حدَّثنا مالِكٌ عنْ عَبْدِ الله بنِ دِينار عنِ ابنِ عُمَرَ رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ: قَالَ رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لأصْحابِ الحجْرِ لاَ تَدْخُلُوا عَلَى هاؤُلاَءِ المُعَذَّبِينَ إلاَّ أنْ تَكُونُوا باكِينَ أنْ يُصِيبَكُمْ مثْلُ مَا أصابهُمْ. .

هَذَا طَرِيق آخر فِي حَدِيث ابْن عمر. قَوْله: (لأَصْحَاب الْحجر) قَالَ الْكرْمَانِي: أَي الصَّحَابَة الَّذين مَعَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي ذَلِك الْموضع فاضيفوا الى الْحجر بملابسة عبودهم عَلَيْهِ وَقَالَ بَعضهم وَقد تكلّف الْكرْمَانِي فِي ذَلِك وتعسف وَلَيْسَ كَمَا قَالَ بل اللَّام فِي قَوْله: (لأَصْحَاب الْحجر) بِمَعْنى: عَن، وَحذف الْمَقُول لَهُم ليعم كل سامع، وَالتَّقْدِير: قَالَ لأمته عَن أَصْحَاب الْحجر وهم ثَمُود: (لَا تدْخلُوا على هَؤُلَاءِ الْمُعَذَّبين) أَي: ثَمُود. انْتهى. قلت: هُوَ أَيْضا تكلّف أَكثر مِنْهُ، وَالْمعْنَى الْوَاضِح الَّذِي لَا غُبَار عَلَيْهِ أَن: اللَّام، فِي (لأَصْحَاب الْحجر) بِمَعْنى: عِنْد. كَمَا فِي قَوْلهم: كتبته لخمس خلون، أَي: قَالَ عِنْد أَصْحَاب الْحجر، وهم المعذبون هُنَاكَ: لَا تدْخلُوا عَلَيْهِم. قَوْله: (أَن يُصِيبكُم) أَي: خشيَة أَن يُصِيبكُم.

82 - (بابٌ)

أَي: هَذَا بَاب: وَقع كَذَا بِلَا تَرْجَمَة وَهُوَ كالفصل لما تقدم، لِأَن أَحَادِيثه تتَعَلَّق بِبَقِيَّة قصَّة تَبُوك، وَالْبَاب الَّذِي قبله أَيْضا يتَعَلَّق بتبوك، فَافْهَم.

413 - (حَدثنَا يحيى بن بكير عَن اللَّيْث عَن عبد الْعَزِيز بن أبي سَلمَة عَن سعد بن إِبْرَاهِيم عَن نَافِع بن جُبَير عَن عُرْوَة بن الْمُغيرَة عَن أَبِيه الْمُغيرَة بن شُعْبَة قَالَ ذهب

(18/56)


النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - لبَعض حاجاته فَقُمْت أسكب عَلَيْهِ المَاء لَا أعلمهُ إِلَّا قَالَ فِي غَزْوَة تَبُوك فَغسل وَجهه وَذهب يغسل ذِرَاعَيْهِ فَضَاقَ عَلَيْهِ كم الْجُبَّة فأخرجهما من تَحت جبته فغسلهما ثمَّ مسح على خفيه) مطابقته للتَّرْجَمَة الْمُتَقَدّمَة فِي قَوْله لَا أعلمهُ إِلَّا قَالَ فِي غَزْوَة تَبُوك والْحَدِيث قد مضى فِي كتاب الْوضُوء فِي بَاب الرجل يوضىء صَاحبه فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ عَن عَمْرو بن عَليّ عَن عبد الْوَهَّاب عَن يحيى بن سعيد عَن سعد بن إِبْرَاهِيم عَن نَافِع بن جُبَير بن مطعم عَن عُرْوَة بن الْمُغيرَة عَن أَبِيه الْمُغيرَة بن شُعْبَة أَنه كَانَ مَعَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فِي سفر الحَدِيث وَلم يذكر غَزْوَة تَبُوك وَكَذَلِكَ أخرجه فِي بَاب الْمسْح على الْخُفَّيْنِ عَن عَمْرو بن خَالِد الْحَرَّانِي عَن اللَّيْث عَن يحيى بن سعيد عَن سعد بن إِبْرَاهِيم عَن نَافِع بن جُبَير الخ وَلم يذكر فِيهِ إِلَّا أَنه خرج لِحَاجَتِهِ فَاتبعهُ الْمُغيرَة بأداوة فِيهَا مَاء الحَدِيث وَعلم مِنْهُ أَن اللَّيْث لَهُ شَيْخَانِ أَحدهمَا فِي حَدِيث الْبَاب عبد الْعَزِيز بن أبي سَلمَة الْمَاجشون وَالْآخر يحيى بن سعيد فِي الْبَاب الْمَذْكُور قَوْله " لبَعض حاجاته " بِالْجمعِ قَوْله " كم الْجُبَّة " ويروى كمي الْجُبَّة بالتثنية
4422 - ح دَّثنا خالِدُ بنُ مَخْلَدٍ حدّثنا سُلَيْمانُ قَالَ حدّثني عَمْرُو بنُ يَحْيَى عنْ عَبَّاسِ ابْن سَهْلِ بنِ سَعْدٍ عنْ أبي حُمَيْدٍ قَالَ أقْبَلْنا مَعَ النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مِنْ غَزْوَةِ تَبُوكَ حَتَّى إذَا أشْرَفْنا عَلَى المَدِينَةِ قَالَ هاذِهِ طابَةُ وهاذَا أُحُدٌ جَبَلٌ يُحِبُّنا ونُحِبُّهُ. .

مطابقته للتَّرْجَمَة الْمُتَقَدّمَة ظَاهِرَة. وخَالِد بن مخلد، بِفَتْح الْمِيم وَاللَّام، وَسليمَان هُوَ ابْن بِلَال، وَعَمْرو بن يحيى الْمَازِني، وَأَبُو حميد، بِضَم الْحَاء: اسْمه عبد الرَّحْمَن، وَقيل غير ذَلِك السَّاعِدِيّ. والْحَدِيث مضى فِي مَوَاضِع فِي الْحَج وَفِي الْمَغَازِي وَفِي فضل الْأَنْصَار وَفِي الزَّكَاة وَمضى الْكَلَام فِيهِ مفرقاً.
قَوْله: (طابة) ، بِفَتْح الْبَاء الْمُوَحدَة المخففة، وَهُوَ إسم من أَسمَاء مَدِينَة النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، قَوْله: (عطف بَيَان.

4423 - ح دَّثنا أحْمَدُ بنُ مُحَمَّدٍ أخبرنَا عبْدُ الله أخْبَرَنا حُمَيْدٌ الطَّوِيلُ عنْ أنَسِ بنِ مالِكٍ رَضِي الله عَنهُ أنَّ رسُولَ الله عَلَيْهِ وَسلم رجَعَ غَزْوَةِ تَبُوكَ فَدَنا مِنَ المَدِينَةِ فَقَالَ إنَّ بِالمَدِينةِ أقْوَاماً مَا سِرْتُمْ مسِيراً ولاَ قَطَعْتُمْ وَادِياً إلاَّ كانُوا مَعَكُمْ قَالُوا يَا رَسُولَ الله وهُمْ بِالمَدِينَةِ قَالَ وهُمْ بالمَدِينَةِ حَبَسَهُمُ الْعُذْرُ. (انْظُر الحَدِيث 2838 وطرفه) .

مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. وَأحمد بن مُحَمَّد بن مُوسَى يُقَال لَهُ مرْدَوَيْه السمسار الْمروزِي، يروي عَن عبد الله بن الْمُبَارك الْمروزِي.
قَوْله: (إلاَّ كَانُوا مَعكُمْ) ، أَي: فِي حكم النِّيَّة وَالثَّوَاب. قَوْله: (وهم بِالْمَدِينَةِ) ، الْوَاو فِيهِ للْحَال. والْحَدِيث مضى فِي الْجِهَاد فِي: بَاب من حَبسه الْعذر عَن الْغَزْو.

83 - (بابُ كِتابه النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَى كِسْرَى وقَيْصَرَ)

أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان كتاب النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَى كسْرَى، بِكَسْر الْكَاف وَفتحهَا، وَهُوَ لقب كل من ملك الْفرس، وَمَعْنَاهُ بِالْعَرَبِيَّةِ: المظفر، وكسرى هَذَا الَّذِي أرسل إِلَيْهِ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، الْكتاب هُوَ كسْرَى أبرويز بن هُرْمُز بن أنو شرْوَان، وَهُوَ كسْرَى الْكَبِير الْمَشْهُور، وَقيل: كسْرَى هَذَا أنو شرْوَان، وَلَيْسَ كَذَلِك، لِأَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، أخبر بِأَنَّهُ يقْتله ابْنه، وَالَّذِي قَتله ابْنه هُوَ كسْرَى أبرويز. قَوْله: (وَقَيْصَر) ، هُوَ لقب كل من ملك الرّوم، وَالْمرَاد مِنْهُ: هِرقل، وَقد ترجمناه فِي أول الْكتاب.

(18/57)


4424 - ح دَّثنا إسْحاقُ حدّثنا يَعْقُوبُ بنُ إبْرَاهِيمَ حدَّثنا أبي عنْ صالِحٍ عَن ابنِ شِهابٍ قَالَ أخْبَرَني عُبَيْدُ الله بنُ عَبْدِ الله أنَّ ابنَ عَبَّاسٍ أخْبَرَهُ أنَّ رسُولَ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بَعَثَ بِكِتابِهِ إِلَى كِسْرَى مَعَ عَبْدِ الله بنِ حُذَافَةَ السَّهْمِيِّ فأمَرَهُ أنْ يَدْفَعَهُ إِلَى عَظِيمِ الْبَحْرَيْنِ فَدَفَعَهُ عَظِيمُ البَحْرَيْنِ إِلَى كِسْرَى فَلَمَّا قَرَأهُ مَزَّقَهُ فَحَسِبْتُ أنَّ ابنَ المُسَيَّبِ قَالَ فَدَعا عَلَيْهِمْ رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أنْ يُمَزَّقُوا كلَّ مُمَزَّقٍ. .

مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. وَإِسْحَاق هُوَ ابْن رَاهَوَيْه، وَيَعْقُوب بن إِبْرَاهِيم يروي عَن أَبِيه بن سعد بن إِبْرَاهِيم بن عبد الرَّحْمَن بن عَوْف، وَإِبْرَاهِيم بن سعد يروي عَن صَالح بن كيسَان عَن مُحَمَّد بن مُسلم بن شهَاب الزُّهْرِيّ عَن عبيد الله، بِضَم الْعين، عَن عبد الله، بِفَتْحِهَا ابْن عتبَة بن مَسْعُود أحد الْفُقَهَاء السَّبْعَة عَن عبد الله بن عَبَّاس.
والْحَدِيث مضى فِي كتاب الْعلم فِي: بَاب مَا يذكر فِي الناولة، فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ عَن إِسْمَاعِيل بن عبد الله عَن إِبْرَاهِيم بن سعد. الخ، وَلَيْسَ فِيهِ إسم: عبد الله بن حذافة، وَإِنَّمَا فِيهِ: أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بعث بكتابه رجلا وَأمره أَن يَدْفَعهُ إِلَى عَظِيم الْبَحْرين الحَدِيث، وَعبد الله بن حذافة، بِضَم الْحَاء الْمُهْملَة وبالذال الْمُعْجَمَة المخففة وَبعد الْألف فَاء: ابْن قيس بن عدي بن سعد بن سهم الْقرشِي السَّهْمِي، يكنى أَبَا حذافة، كناه الزُّهْرِيّ، أسلم قَدِيما وَكَانَ من الْمُهَاجِرين الْأَوَّلين، وَيُقَال: إِنَّه شهد بَدْرًا وَلم يذكرهُ ابْن إِسْحَاق فِي الْبَدْرِيِّينَ، وَكَانَت فِيهِ دعابة، وَقَالَ خَليفَة: أسرت الرّوم عبد الله فِي سنة تسع عشرَة، وَقَالَ ابْن لَهِيعَة: توفّي عبد الله بن حذافة بِمصْر وَدفن بمقبرتها.
قَوْله: (بعث بكتابه إِلَى كسْرَى) ، ذكره ابْن إِسْحَاق فِي السّنة السَّادِسَة، قَالَ: وفيهَا، أَي: وَفِي سنة سِتّ بعث رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم سِتَّة نفر مصطحبين حَاطِب بن أبي بلتعة إِلَى الْمُقَوْقس صَاحب الْإسْكَنْدَريَّة، وشجاع بن وهب إِلَى الْحَارِث بن أبي شمر الغساني ملك غَسَّان، عرب النَّصَارَى بِالشَّام، ودحية الْكَلْبِيّ إِلَى قَيْصر وَهُوَ هِرقل ملك الرّوم، وسليط بن عَمْرو إِلَى هَوْذَة ابْن عَمْرو والحنفي، وَعَمْرو بن أُميَّة إِلَى النَّجَاشِيّ، وَعبد الله بن حذافة إِلَى كسْرَى ملك الْفرس، وَقَالَ الْوَاقِدِيّ: كَانَ ذَلِك فِي آخر سنة سِتّ بعد عمْرَة الْحُدَيْبِيَة، أرسلهم فِي يَوْم وَاحِد، وَقيل: فِي الْمحرم فِي سنة سِتّ، وَقَالَ الْبَيْهَقِيّ: فِي سنة ثَمَان بعد غَزْوَة مُؤْتَة، وترتيب البُخَارِيّ يدل على أَنه كَانَ فِي سنة تسع، فَإِنَّهُ ذكره بعد غَزْوَة تَبُوك، وَأَنه ذكر فِي آخر الْبَاب حَدِيث السَّائِب بن يزِيد: أَنه تلقى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَى ثنية الْوَدَاع مُقَدّمَة من غَزْوَة تَبُوك. قَالَ ابْن إِسْحَاق: كتب مَعَه:

من مُحَمَّد رَسُول الله إِلَى كسْرَى عَظِيم فَارس، سَلام على من اتبع الْهدى وآمن بِاللَّه وَرَسُوله وَشهد أَن لَا إِلَه إِلَّا الله، وَأَن مُحَمَّدًا عَبده وَرَسُوله، وأدعوك بِدِعَايَةِ الله، فَإِنِّي أَنا رَسُول الله إِلَى النَّاس كَافَّة لينذر من كَانَ حَيا ويحق القَوْل على الْكَافرين، أسلم تسلم، فَإِن أَبيت فَعَلَيْك إِثْم الْمَجُوس.
قَالَ وَلما قَرَأَهُ شقَّه، قَالَ: وَكَانَ يكْتب إِلَيّ بِهَذَا وَهُوَ عبد؟ وَذكر الْقِصَّة مُطَوَّلَة، وفيهَا: وأتى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الْخَبَر من السَّمَاء بِأَن الله قد سلط على كسْرَى ابْنه شيرويه فَقتله فِي شهر كَذَا وَكَذَا فِي لَيْلَة كَذَا وَكَذَا. قَالَ الْوَاقِدِيّ: وَكَانَ قَتله لَيْلَة الثُّلَاثَاء لعشر لَيَال مضين من جُمَادَى الْآخِرَة فِي سنة تسع من الْهِجْرَة لست سَاعَات مَضَت فِيهَا. قَوْله: (إِلَى عَظِيم الْبَحْرين) ، هُوَ نَائِب كسْرَى على الْبَحْرين واسْمه الْمُنْذر بن ساوي الْعَبْدي. قَوْله: (فَدفعهُ عَظِيم الْبَحْرين) ، هُوَ نَائِب كسْرَى على الْبَحْرين واسْمه الْمُنْذر بن ساوي الْعَبْدي. قَوْله: (فَدفعهُ عَظِيم الْبَحْرين) ، فِيهِ حذف تَقْدِيره: فَتوجه إِلَيْهِ أعطَاهُ الْكتاب فَتوجه فَدفعهُ إِلَى كسْرَى. قَوْله: (فَلَمَّا قَرَأَهُ) ، بالضمير الْمَنْصُوب رِوَايَة الْكشميهني، وَفِي رِوَايَة غَيره: فَلَمَّا قَرَأَ، بِدُونِ الضَّمِير، قَالَ بَعضهم: فِيهِ مجَاز فَإِنَّهُ ل يقرأه بِنَفسِهِ، وَإِنَّمَا قرىء عَلَيْهِ. قلت: الْكَلَام يدل على أَنه هُوَ الَّذِي قَرَأَهُ. والمصير إِلَى الْمجَاز يحْتَاج إِلَى دَلِيل لِأَنَّهُ لَا مَانع عقلا وَلَا عَادَة من أَنه كَانَ يعرف الْقِرَاءَة. قَوْله: (فَدَعَا عَلَيْهِم) ، أَي: على كسْرَى وَجُنُوده. قَوْله: (أَن يمزقوا) ، أَي: بِأَن يمزقوا أَي التمزيق كل ممزق بِحَيْثُ لَا يبْقى مِنْهُم أحد، وَهَكَذَا جرى وَلم تقم لَهُم بعد ذَلِك قَائِمَة وَلَا أَمر نَافِذ، وَأدبر عَنْهُم الإقبال حَتَّى انقرضوا بِالْكُلِّيَّةِ فِي خلَافَة عمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ.

4425 - ح دَّثنا عُثْمانُ بنُ الهَيْثَمِ حَدثنَا عَوْفٌ عنِ الحَسَنِ عنْ أبي بَكْرَةَ قَالَ لَقَدْ نَفَعَني

(18/58)


الله بِكَلِمَةٍ سَمِعْتُها مِنْ رسُولِ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أيَّامَ الجَمَلِ بَعْدَما كِدْتُ أنْ ألْحَقَ بأصْحابِ الجَمَلِ فأُقاتلَ مَعَهُمْ قَالَ لمَّا بَلَغَ رسُولَ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أنَّ أهْلَ فارِسَ قَدْ مَلَّكُوا عَلَيْهِمْ بِنْتَ كِسْرَى قَالَ لَنْ يَفْلِحَ قَوْمٌ وَلَّوْا أمْرَهُمُ امْرَأةَ.

مطابقته للتَّرْجَمَة من حَيْثُ إِن تَوْلِيَة بنت كسْرَى لم تكن إِلَّا بعد كسْرَى الَّذِي كتب إِلَيْهِ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَذَلِكَ أَن كسْرَى هَذَا لما قَتله ابْنه شيرويه لم يَعش بعده إلاَّ سِتَّة أشهر، فَلَمَّا مَاتَ لم يخلف أَخا لِأَنَّهُ كَانَ قتل إخْوَته حرصاً على الْملك، وَلم يخلف ذكرا وكرهوا خُرُوج الْملك عَن بنت كسْرَى فملكوا عَلَيْهِم بنت كسْرَى وَاسْمهَا: بوران، بِضَم الْبَاء الْمُوَحدَة وَفِي آخِره نون.
وَعُثْمَان بن الْهَيْثَم، بِفَتْح الْهَاء وَسُكُون الْيَاء آخر الْحُرُوف وَفتح الثَّاء الْمُثَلَّثَة: ابْن الجهم أَبُو عَمْرو والمؤذن الْبَصْرِيّ، وعَوْف، بِفَتْح الْعين الْمُهْملَة وبالفاء ابْن أبي جميلَة، يعرف بالأعرابي، وَالْحسن هُوَ الْبَصْرِيّ، وَأَبُو بكرَة نفيع بن الْحَارِث.
والْحَدِيث أخرجه البُخَارِيّ أَيْضا فِي الْفِتَن. وَأخرجه التِّرْمِذِيّ فِي الْفِتَن عَن مُحَمَّد بن الْمثنى. وَأخرجه النَّسَائِيّ فِي الْفَضَائِل عَن مُحَمَّد ابْن الْمثنى.
قَوْله: (أَيَّام الْجمل) ، يتَعَلَّق بقوله: (نَفَعَنِي) لِأَن الْمَعْنى لَا يَسْتَقِيم إلاَّ بَان يُقَال: نَفَعَنِي الله أَيَّام الْجمل بِكَلِمَة سَمعتهَا من النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قبل ذَلِك، وَالْمرَاد بالجمل: الْجمل الَّذِي تَحت عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا، حِين تَوَجَّهت إِلَى نَاحيَة الْبَصْرَة وَمَعَهَا طَلْحَة وَالزُّبَيْر لطلب دم عُثْمَان، وَأَصْحَاب الْجمل هم عَسْكَر عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا، وَبِه سميت وقْعَة الْجمل، وقصتها مَشْهُورَة. قَوْله: (بنت كسْرَى) ، هِيَ بوران كَمَا ذَكرنَاهَا الْآن، وَذكر الطَّبَرِيّ: أَن أُخْتهَا أَو زيمدخت ملكت أَيْضا، قَالَ الْخطابِيّ: فِي الحَدِيث أَن الْمَرْأَة لَا تلِي الْإِمَارَة وَلَا الْقَضَاء.

4426 - ح دَّثنا عَلِيُّ بنُ عَبْدِ الله حدّثنا سُفْيانُ قَالَ سَمِعْتُ الزُّهْرِيَّ عنِ السَّائِبِ بن يَزِيدَ يَقُولُ أذْكُرُ أنِّي خَرَجْتُ مَعَ الْغِلْمانِ إِلَى ثَنِيَّةِ الوَدَاعِ نَتَلَقَّى رسُولَ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَقَالَ سُفيانُ مَرَّةً مَعَ الصِّبْيَانِ. (انْظُر الحَدِيث 3083 وطرفه) .

وَجه ذكر هَذَا الحَدِيث هُنَا من حَيْثُ أَن تلقيهم رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، كَانَ عِنْد مقدمه من غَزْوَة تَبُوك، كَمَا صرح بِهِ فِي الحَدِيث الَّذِي يَلِيهِ، وَأَن كتاب النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، إِلَى الْمُلُوك كَانَ فِي غَزْوَة تَبُوك، فَمن هَذِه الْحَيْثِيَّة يكون مُتَعَلقا بِقصَّة كسْرَى.
وَعلي بن عبد الله المعروب بِابْن الْمَدِينِيّ، وسُفْيَان هُوَ ابْن عُيَيْنَة، والسائب بن يزِيد بن سعيد بن ثُمَامَة بن الْأسود ابْن أُخْت النمر، فيل: إِنَّه كناني، وَقيل: ليثي، وَقيل هذلي، وَقيل: أزدي، ولد فِي السّنة الثَّانِيَة من الْهِجْرَة، وَقَالَ السَّائِب: حج بِي أبي مَعَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَأَنا ابْن سبع سِنِين، مَاتَ فِي سنة ثَمَانِينَ، وَقيل: فِي سنة سِتّ وَثَمَانِينَ، وَقيل: سنة إِحْدَى وَتِسْعين، وَهُوَ ابْن أَربع وَتِسْعين.
والْحَدِيث قد مر فِي الْجِهَاد فِي: بَاب اسْتِقْبَال الْغُزَاة، فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ عَن مَالك بن إِسْمَاعِيل عَن سُفْيَان بن عُيَيْنَة. الحَدِيث.
قَوْله: (سَمِعت الزُّهْرِيّ عَن السَّائِب) ، ويروى: سَمِعت الزُّهْرِيّ يَقُول: سَمِعت السَّائِب. قَوْله: (إِلَى ثنية الْوَدَاع) ، الثَّنية: طَرِيق الْعقبَة، وَكَانَ ثمَّة يودع أهل الْمَدِينَة الْمُسَافِرين. قَوْله: (وَقَالَ سُفْيَان) ، هُوَ ابْن عُيَيْنَة الرَّاوِي، وَهُوَ مَوْصُول وَلَكِن الرَّاوِي عَنهُ بيّن أَنه قَالَ تَارَة: مَعَ الغلمان، وَتارَة: مَعَ الصّبيان.

(18/59)


84 - (بَاب مَرَضِ النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ووَفاتِهِ)

أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان مرض النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَبَيَان وَقت وَفَاته، وَلَا خلاف أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم توفّي يَوْم الْإِثْنَيْنِ، وروى الإِمَام أَحْمد من حَدِيث عَائِشَة، قَالَت: توفّي رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَوْم الْإِثْنَيْنِ وَدفن لَيْلَة الْأَرْبَعَاء، وَتفرد بِهِ، وَعَن عُرْوَة: توفّي يَوْم الْإِثْنَيْنِ حِين زاغت الشَّمْس لهِلَال ربيع الأول، وَعَن الْأَوْزَاعِيّ: توفّي يَوْم الْإِثْنَيْنِ قبل أَن ينشب النَّهَار، وَفِي حَدِيث أبي يعلى بِإِسْنَادِهِ عَن أنس أَنه توفّي آخر يَوْم الْإِثْنَيْنِ، وروى الْبَيْهَقِيّ بِإِسْنَادِهِ عَن سُلَيْمَان بن طرخان التَّيْمِيّ فِي كتاب الْمَغَازِي، قَالَ: مرض النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لإثنين وَعشْرين لَيْلَة من صفر، وبدىء وَجَعه عِنْد وليدة لَهُ يُقَال لَهَا: رَيْحَانَة، كَانَت من سبي الْيَهُود، وَكَانَ أول يَوْم مرض يَوْم السبت، وَكَانَت وَفَاته يَوْم الْإِثْنَيْنِ لليلتين خلتا من شهر ربيع الأول لتَمام عشر سِنِين من مقدمه الْمَدِينَة. وَقَالَ الْوَاقِدِيّ: حَدثنَا أَبُو معشر عَن مُحَمَّد بن قيس، قَالَ: اشْتَكَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَوْم الْأَرْبَعَاء لإحدى عشرَة لَيْلَة بقيت من صفر سنة إِحْدَى عشرَة فِي بَيت زَيْنَب بنت جحش شكوى شَدِيدَة، فاجتمعت عِنْده نساؤه كُلهنَّ، فاشتكى ثَلَاثَة عشر يَوْمًا، وَتُوفِّي يَوْم الْإِثْنَيْنِ لليلتين خلتا من ربيع الأول سنة إِحْدَى عشرَة. وَقَالَ الْوَاقِدِيّ: قَالُوا: بديء برَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَوْم الْأَرْبَعَاء لليلتين بَقِيَتَا من سفر، وَتُوفِّي يَوْم الْإِثْنَيْنِ لِاثْنَتَيْ عشرَة لَيْلَة من ربيع الأول، وَبِه جزم مُحَمَّد بن سعد كَاتبه، وَزَاد: وَدفن يَوْم الْأَرْبَعَاء. وَعَن الْوَاقِدِيّ من حَدِيث أم سَلمَة: أَنه بدىء بِهِ فِي بَيت مَيْمُونَة، وَقَالَ ابْن إِسْحَاق: توفّي لِاثْنَتَيْ عشرَة لَيْلَة خلت من ربيع الأول فِي الْيَوْم الَّذِي قدم فِيهِ الْمَدِينَة مُهَاجرا، وَعَن يَعْقُوب بن سُفْيَان عَن ابْن بكير عَن اللَّيْث، أَنه قَالَ: توفّي رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَوْم الْإِثْنَيْنِ لليلة خلت من ربيع الأول، وَقَالَ سعد بن إِبْرَاهِيم الزُّهْرِيّ: توفّي يَوْم الْإِثْنَيْنِ لليلتين خلتا من ربيع الأول، وَقَالَ أَبُو نعيم الْفضل بن دُكَيْن: توفّي يَوْم الْإِثْنَيْنِ مستهل ربيع الأول، وروى سيف بن عمر بِإِسْنَادِهِ عَن ابْن عَبَّاس، قَالَ: لما قضى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حجَّة الْوَدَاع ارتحل فَأتى الْمَدِينَة وَأقَام بهَا ذَا الْحجَّة ومحرم وصفر، وَمَات يَوْم الْإِثْنَيْنِ لثاني عشر خلون من ربيع الأول من سنة إِحْدَى عشرَة. وَقَالَ السُّهيْلي فِي (الرَّوْض) لَا يتَصَوَّر وُقُوع وَفَاته صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَوْم الِاثْنَيْنِ ثَانِي عشر ربيع الأول من سنة إِحْدَى عشرَة، وَذَلِكَ لِأَنَّهُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وقف فِي حجَّة الْوَدَاع سنة عشر يَوْم الْجُمُعَة، وَكَانَ أول ذِي الْحجَّة يَوْم الْخَمِيس، فعلى تَقْدِير أَن تحسب الشُّهُور تَامَّة أَو نَاقِصَة أَو بَعْضهَا تَامّ وَبَعضهَا نَاقص لَا يتَصَوَّر أَن يكون يَوْم الْإِثْنَيْنِ ثَانِي عشر ربيع الأول. وَأجِيب: باخْتلَاف الْمطَالع بِأَن يكون أهل مَكَّة رَأَوْا هِلَال ذِي الْحجَّة لَيْلَة الْخمس، وَأما أهل الْمَدِينَة فَلم يروه إِلَّا لَيْلَة الْجُمُعَة.
وقَوْل الله تَعَالَى: {إنَّك مَيِّتٌ وإنَّهُمْ مَيِّتُونَ ثُمَّ إنَّكُمْ يَوْمَ القِيَامَةِ عِنْدَ رَبِّكُمْ تَخْتَصِمُونَ} (الزمر: 31)
وَقَول الله تَعَالَى، بِالْجَرِّ عطف على قَوْله: مرض النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَالتَّقْدِير: وَفِي بَيَان قَول الله تَعَالَى: إِنَّك ميت: إِلَى آخِره، وَجه ذكر هَذِه الْآيَة جُزْءا من التَّرْجَمَة لأجل صِحَة الْجُزْء الثَّانِي من التَّرْجَمَة الَّتِي هِيَ قَوْله: بَاب مرض النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ووفاته، حَتَّى لَا يُنكر إِطْلَاق الْمَوْت على النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَكَيف يُنكر وَقد خَاطب الله تَعَالَى نبيه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بقوله: {إِنَّك ميت وَإِنَّهُم ميتون} ؟ فَأخْبر الله تَعَالَى بِأَن الْمَوْت يعمهم، وَكَانَ مشركو قُرَيْش يتربصون برَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَوته، فَأخْبر الله تَعَالَى أَن لَا معنى للتربص وَأنزل: {إِنَّك ميت وَإِنَّهُم ميتون} وَقَالَ قَتَادَة: نعيت إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، نَفسه ونعيت إِلَيْكُم أَنفسكُم. قَوْله: {ثمَّ إِنَّكُم} أَي: إِنَّك وإياهم، فغلب ضمير الْمُخَاطب على ضمير الْغَائِب: {يَوْم الْقِيَامَة عِنْد ربكُم تختصمون} فتحتج عَلَيْهِم بأنك بلغت، ويعتذرون بمالاً طائل تَحْتَهُ، يَقُول الأتباع: أَطعْنَا سادتنا وكبراءنا، وَتقول السادات: أغوتنا الشَّيَاطِين وآباؤنا الأقدمون.

4428 - وَقَالَ يُونُسُ عنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ عُرْوَةُ قالتْ عائِشَةُ رَضِي الله عَنْهَا كَانَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُولُ فِي مَرَضِهِ الَّذِي ماتَ فِيهِ يَا عائِشَةُ مَا أزَالُ أجدُ ألَمَ الطعامِ الَّذِي أكَلْت بخيْبَرَ فهَذَا أوَانُ وجَدْتُ انْقِطاعَ أبْهَرِي مِنْ ذالِكَ السُّمِّ.

(18/60)


مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. وَيُونُس هُوَ ابْن يزِيد الْأَيْلِي، وَالزهْرِيّ هُوَ مُحَمَّد بن مُسلم، وَعُرْوَة هُوَ ابْن الزبير بن الْعَوام.
وَهَذَا مُعَلّق وَصله الْبَزَّار وَالْحَاكِم والإسماعيلي من طَرِيق عَنْبَسَة بن خَالِد عَن يُونُس بِهَذَا الْإِسْنَاد.
وَقَوله: (مَا أزل أجد ألم الطَّعَام) أَي: أحس الْأَلَم فِي جوفي بِسَبَب الطَّعَام، وَقَالَ الدَّاودِيّ: المُرَاد أَنه نقص من لَذَّة ذوقه، وَقَالَ ابْن التِّين: هَذَا لَيْسَ بِشَيْء، لِأَن نقص الذَّوْق لَيْسَ بألم. قَوْله: (فَهَذَا أَوَان) مُبْتَدأ وَخبر، وَقيل: أَوَان، بِالْفَتْح على الظَّرْفِيَّة وبنيت على الْفَتْح لإضافتها إِلَى مبْنى وَهُوَ الْمَاضِي، لِأَن الْمُضَاف والمضاف إِلَيْهِ كالشيء الْوَاحِد. قَوْله: (أَبْهَري) ، بِفَتْح الْهمزَة وَسُكُون الْبَاء الْمُوَحدَة وَفتح الْهَاء، وَهُوَ عرق مستبطن الْقلب، قيل: وَهُوَ النياط الَّذِي علق بِهِ الْقلب، فَإِذا انْقَطع مَاتَ، وَقيل: هما أبهران يخرجَانِ من الْقلب ثمَّ يتشعب مِنْهُمَا سَائِر الشرايين، وَقيل: هُوَ عرق فِي الصلب مُتَّصِل بِالْقَلْبِ. قَوْله: (من ذَلِك السم) ، بِفَتْح السِّين وَضمّهَا، الَّذِي سمته تِلْكَ الْمَرْأَة فِي غَزْوَة خَيْبَر، وَاسْمهَا زَيْنَب بنت الْحَارِث، وَقيل: أُخْت مرحب من شجعان أهل خَيْبَر، وَقد مر بَيَانه فِي الْبَاب الَّذِي ذكرت فِي غَزْوَة خَيْبَر حِكَايَة الشَّاة المسمومة.

4429 - ح دَّثنا يَحْيَى بنُ بُكَيْرٍ حدَّثنا اللَّيْثُ عنْ عُقَيْلٍ عنِ ابنِ شهابٍ عَنْ عُبَيْدِ الله ابْن عَبْدِ الله عنْ عبْدِ الله بن عبَّاسٍ رَضِي الله عَنْهُمَا عنْ أُمِّ الفَضْلِ بِنْتِ الحَارِثِ قالتْ سَمِعْتُ النبيَّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقْرَأُ فِي المَغْرِبِ بالمُرْسَلاَتِ عُرْفاً ثُمَّ مَا صَلَّى لَنا بَعْدَها حَتَّى قَبَضَهُ الله. .

مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (حَتَّى قَبضه الله) . وَهَؤُلَاء الروَاة قد تكَرر ذكرهم. وَأم الْفضل هِيَ وَالِدَة ابْن عَبَّاس، وَهِي بنت الْحَارِث ابْن حزن الْهِلَالِيَّة أُخْت مَيْمُونَة زوج النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَاسْمهَا لبَابَة، يُقَال: إِنَّهَا أول امْرَأَة أسلمت بعد خَدِيجَة، وَكَانَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يزورها ويقيل عِنْدهَا، وروت عَنهُ أَحَادِيث كَثِيرَة. والْحَدِيث قد مر فِي الصَّلَاة فِي: بَاب الْقِرَاءَة فِي الْمغرب.
421 - (حَدثنَا مُحَمَّد بن عرْعرة حَدثنَا شُعْبَة عَن أبي بشر عَن سعيد بن جُبَير عَن ابْن عَبَّاس قَالَ كَانَ عمر بن الْخطاب رَضِي الله عَنهُ يدني ابْن عَبَّاس فَقَالَ لَهُ عبد الرَّحْمَن بن عَوْف إِن لنا أَبنَاء مثله فَقَالَ إِنَّه من حَيْثُ تعلم فَسَأَلَ عمر ابْن عَبَّاس عَن هَذِه الْآيَة {إِذا جَاءَ نصر الله وَالْفَتْح} فَقَالَ أجل رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أعلمهُ إِيَّاه فَقَالَ مَا أعلم مِنْهَا إِلَّا مَا تعلم) مطابقته للتَّرْجَمَة تُؤْخَذ من قَوْله فَقَالَ أجل رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَأَبُو بشر بِكَسْر الْبَاء الْمُوَحدَة وَسُكُون الشين الْمُعْجَمَة واسْمه جَعْفَر بن أبي وحشية واسْمه إِيَاس الوَاسِطِيّ والْحَدِيث قد مر فِي غَزْوَة الْفَتْح فِي بَاب مُجَرّد عَن التَّرْجَمَة بأتم مِنْهُ وأطول قَوْله " يدني ابْن عَبَّاس " أَي يقربهُ من نَفسه وَقَوله ابْن عَبَّاس من إِقَامَة الظَّاهِر مقَام الْمُضمر وَمُقْتَضى الْكَلَام أَن يُقَال يُدْنِيه على مَا لَا يخفى
422 - (حَدثنَا قُتَيْبَة حَدثنَا سُفْيَان عَن سُلَيْمَان الْأَحول عَن سعيد بن جُبَير قَالَ قَالَ ابْن عَبَّاس يَوْم الْخَمِيس وَمَا يَوْم الْخَمِيس اشْتَدَّ برَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَجَعه فَقَالَ ائْتُونِي أكتب لكم كتابا لن تضلوا بعده أبدا فتنازعوا وَلَا يَنْبَغِي عِنْد نَبِي تنَازع فَقَالُوا مَا شَأْنه أَهجر استفهموه فَذَهَبُوا يردون عَلَيْهِ فَقَالَ دَعونِي فَالَّذِي أَنا فِيهِ خير مِمَّا تَدعُونِي إِلَيْهِ وأوصاهم بِثَلَاث قَالَ أخرجُوا الْمُشْركين من جَزِيرَة الْعَرَب وأجيزوا الْوَفْد بِنَحْوِ مَا كنت أجيزهم وَسكت عَن الثَّالِثَة أَو قَالَ فنسيتها) مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله اشْتَدَّ برَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَجَعه وسُفْيَان بن عُيَيْنَة وَفِي بعض النّسخ هَكَذَا

(18/61)


والْحَدِيث مضى فِي كتاب الْعلم فِي بَاب كِتَابَة الْعلم من غير هَذَا الْوَجْه وَمضى أَيْضا فِي الْجِهَاد فِي بَاب جوائز الْوَفْد فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ عَن قبيصَة عَن ابْن عُيَيْنَة إِلَى آخِره وَمضى الْكَلَام فِيهِ هُنَاكَ ولنذكر بعض شَيْء قَوْله " يَوْم الْخَمِيس " مَرْفُوع على أَنه خبر للمبتدأ الْمَحْذُوف أَي هَذَا يَوْم الْخَمِيس وَيجوز الْعَكْس قَوْله " وَمَا يَوْم الْخَمِيس " مثل هَذَا يسْتَعْمل عِنْد إِرَادَة تفخيم الْأَمر فِي الشدَّة والتعجب مِنْهُ وَزَاد فِي الْجِهَاد من هَذَا الْوَجْه ثمَّ بَكَى حَتَّى خضب دمعه الْحَصَى قَوْله " اشْتَدَّ برَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَجَعه " زَاد فِي الْجِهَاد يَوْم الْخَمِيس فَهَذَا يدل على تقدم مَرضه عَلَيْهِ قَوْله " ائْتُونِي " أَي بِكِتَاب وَكَذَا هُوَ فِي كتاب الْعلم قَوْله " وَلَا يَنْبَغِي عِنْد نَبِي " قيل هَذَا مدرج من قَول ابْن عَبَّاس وَالصَّوَاب أَنه من الحَدِيث الْمَرْفُوع وَيُؤَيِّدهُ مَا فِي كتاب الْعلم وَلَا يَنْبَغِي عِنْدِي التَّنَازُع قَوْله " أَهجر " بِهَمْزَة الِاسْتِفْهَام الإنكاري عِنْد جَمِيع رُوَاة البُخَارِيّ وَفِي رِوَايَة الْجِهَاد هجر بِدُونِ الْهمزَة وَفِي رِوَايَة الْكشميهني هُنَاكَ هجر هجر رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - بتكرار لفظ هجر وَقَالَ عِيَاض معنى هجر أفحش وَيُقَال هجر الرجل إِذا هذى وأهجر إِذا أفحش قلت نِسْبَة مثل هَذَا إِلَى النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - لَا يجوز لِأَن وُقُوع مثل هَذَا الْفِعْل عَنهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - مُسْتَحِيل لِأَنَّهُ مَعْصُوم فِي كل حَالَة فِي صِحَّته ومرضه لقَوْله تَعَالَى {وَمَا ينْطق عَن الْهوى} وَلقَوْله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - " إِنِّي لَا أَقُول فِي الْغَضَب وَالرِّضَا إِلَّا حَقًا " وَقد تكلمُوا فِي هَذَا الْموضع كثيرا وَأَكْثَره لَا يجدي وَالَّذِي يَنْبَغِي أَن يُقَال إِن الَّذين قَالُوا مَا شَأْنه أَهجر أَو هجر بِالْهَمْزَةِ وبدونها هم الَّذين كَانُوا قريبي الْعَهْد بِالْإِسْلَامِ وَلم يَكُونُوا عَالمين بِأَن هَذَا القَوْل لَا يَلِيق أَن يُقَال فِي حَقه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - لأَنهم ظنُّوا أَنه مثل غَيره من حَيْثُ الطبيعة البشرية إِذا اشْتَدَّ الوجع على وَاحِد مِنْهُم تكلم من غير تحر فِي كَلَامه وَلِهَذَا قَالُوا استفهموه لأَنهم لم يفهموا مُرَاده وَمن أجل ذَلِك وَقع بَينهم التَّنَازُع حَتَّى أنكر عَلَيْهِم النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - بقوله وَلَا يَنْبَغِي عِنْد نَبِي التَّنَازُع وَفِي الرِّوَايَة الْمَاضِيَة وَلَا يَنْبَغِي عِنْدِي تنَازع وَمن جملَة تنازعهم ردهم عَلَيْهِ وَهُوَ معنى قَوْله " فَذَهَبُوا يردون عَلَيْهِ " ويروى يردون عَنهُ أَي عَمَّا قَالَه فَلهَذَا قَالَ دَعونِي أَي اتركوني وَالَّذِي أَنا فِيهِ من المراقبة وَالتَّأَهُّب للقاء الله عز وَجل فَإِنَّهُ أفضل من الَّذِي تدعونني إِلَيْهِ من ترك الْكِتَابَة وَلِهَذَا قَالَ ابْن عَبَّاس أَن الرزية كل الرزية مَا حَال بَين رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَبَين أَن يكْتب لَهُم ذَلِك الْكتاب وَقَالَ ابْن التِّين قَوْله " فَذَهَبُوا يردوا عَلَيْهِ " كَذَا فِي الْأُصُول يَعْنِي بِحَذْف النُّون ثمَّ قَالَ وَصَوَابه يردون يَعْنِي بنُون الْجمع لعدم الْجَازِم والناصب وَلَكِن ترك النُّون بدونهما لُغَة بعض الْعَرَب قَوْله " وأوصاهم " أَي فِي تِلْكَ الْحَالة بِثَلَاث أَي بِثَلَاث خِصَال (الأولى) قَوْله " أخرجُوا الْمُشْركين من جَزِيرَة الْعَرَب " وَهِي من العدن إِلَى الْعرَاق طولا وَمن جدة إِلَى الشَّام عرضا قَوْله " وأجيزوا " هِيَ (الثَّانِيَة) من الثَّلَاث الْمَذْكُورَة وَهُوَ بِالْجِيم وَالزَّاي مَعْنَاهُ أعْطوا الْجَائِزَة وَهِي الْعَطِيَّة وَيُقَال أَن أصل هَذَا أَن نَاسا وفدوا على بعض الْمُلُوك وَهُوَ قَائِم على قنطرة فَقَالَ أجيزوهم فصاروا يُعْطون الرجل ويطلقونه فَيجوز على القنطرة مُتَوَجها فسميت عَطِيَّة من يفد على الْكَبِير جَائِزَة وَيسْتَعْمل أَيْضا فِي إِعْطَاء الشَّاعِر على مدحه وَنَحْو ذَلِك قَوْله بِنَحْوِ مَا كنت أجيزهم أَي بِمثلِهِ وَكَانَت جَائِزَة الْوَاحِد على عهد النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أُوقِيَّة من فضَّة وَهِي أَرْبَعُونَ درهما وَالضَّمِير الْمَنْصُوب فِي أجيزهم يعود إِلَى الْوَفْد الْمَذْكُور تَقْديرا وَهُوَ مفعول قَوْله أجيزوا أَي أجيزوا الْوَفْد وَقد حذف لدلَالَة أجيزوا عَلَيْهِ من حَيْثُ اللَّفْظ وَالْمعْنَى قَوْله " وَسكت عَن الثَّالِثَة " أَي عَن الْخصْلَة الثَّالِثَة قيل الْقَائِل ذَلِك هُوَ سعيد بن جُبَير وَقد صرح الإسمعيلي فِي رِوَايَته بِأَنَّهُ هُوَ سُفْيَان بن عُيَيْنَة وَفِي مُسْند الْحميدِي من طَرِيقه وروى أَبُو نعيم فِي الْمُسْتَخْرج قَالَ سُفْيَان قَالَ سُلَيْمَان بن أبي مُسلم لَا أَدْرِي أذكر سعيد بن جُبَير الثَّالِثَة فنسيتها أَو سكت عَنْهَا وَهَذَا هُوَ الْأَظْهر الْأَقْرَب وَاخْتلفُوا فِي الثَّالِثَة مَا هِيَ فَقَالَ الدَّاودِيّ الْوَصِيَّة بِالْقُرْآنِ وَبِه قَالَ ابْن التِّين وَقَالَ الْمُهلب تجهيز جَيش أُسَامَة وَبِه قَالَ ابْن بطال وَرجحه وَقَالَ عِيَاض هِيَ قَوْله لَا تَتَّخِذُوا قَبْرِي وثنا يعبد فَإِنَّهَا ثبتَتْ فِي الْمُوَطَّأ مقرونة بِالْأَمر بِإِخْرَاج الْيَهُود وَقيل يحْتَمل أَن يكون مَا وَقع فِي حَدِيث أنس أَنَّهَا قَوْله الصَّلَاة وَمَا ملكت أَيْمَانكُم قَوْله " أَو قَالَ فنسيتها " شكّ من الرَّاوِي -

(18/62)


4432 - حدّثنا عليُّ بنُ عَبْدِ الله حَدثنَا عبْدُ الرَّزَّاقِ أخبرنَا مَعْمَرٌ عنِ الزُّهْرِيِّ عنْ عُبَيْدِ الله بن عبْدِ الله بنِ عُتْبَةَ عنِ ابنِ عَبَّاسٍ رضيَ الله عَنْهُمَا قَالَ لمَّا حُضِرَ رَسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَفِي البَيْتِ رجالٌ فَقَالَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم هَلُمُّوا أكْتُبْ لَكُمْ كِتاباً لَا تَضِلُّوا بَعْدَهُ فَقال بَعْضُهُمُ إنَّ رَسُولِ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَدْ غَلَبَهُ الوَجَعُ وعِنْدَكُمُ القُرْآنُ حَسْبُنا كِتابُ الله فاخْتَلَفَ أهْلُ البَيْتِ واخْتَصَمُوا فَمِنْهُمْ مَنْ يَقُول قَرِّبُوا يَكْتُبْ لَكُمْ كِتاباً لاَ تضِلُّوا بَعْدَهُ ومِنْهُمْ مَن يَقُولُ غَيْرَ ذالِكَ فَلَمَّا أكْثَرُوا اللَّغْوَ وَالإخْتِلاَف قَالَ رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قُومُوا قَالَ عُبَيْدُ الله فكانَ يَقُولُ ابنُ عبَّاسٍ إنَّ الرَّزِيَّةَ كُلَّ الرَّزِيَّةِ مَا حالَ بَيْنَ رسولِ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وبَيْنَ أنْ يَكْتُبَ لَهُمْ ذالِكَ الكِتابَ لاخْتِلاَفِهِمْ ولَغَطهِمْ. .

هَذَا طَرِيق آخر فِي حَدِيث ابْن عَبَّاس الْمَذْكُور.
قَوْله: (لما حضر) ، بِضَم الْحَاء الْمُهْملَة وَكسر الضَّاد الْمُعْجَمَة، على صِيغَة الْمَجْهُول يُقَال: حضر فلَان واحتضر إِذا دنا مَوته، وَقَالَ ابْن الْأَثِير: وَرُوِيَ بِالْخَاءِ الْمُعْجَمَة، وَقيل: هُوَ تَصْحِيف. قَوْله: (وَفِي الْبَيْت رجال) ، أَي: وَالْحَال أَن فِي بَيت النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم رجال من الصَّحَابَة، وَلم يرد أهل بَيت النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم. قَوْله: (لَا تضلوا) ، ويروى: لَا تضلون بنُون الْجمع على اخْتِلَاف كلمة: لَا فَإِن كَانَت: لَا، الناهية فَتتْرك النُّون، وَإِن كَانَت: لَا، للنَّفْي فبالنون. قَوْله: (قومُوا) ، أَي: قومُوا عني، وَهَكَذَا هُوَ فِي رِوَايَة ابْن سعد. قَوْله: (إِن الرزية) ، بِفَتْح الرَّاء وَكسر الزَّاي وَتَشْديد الْيَاء: الْمُصِيبَة. قَوْله: (ولغطهم) اللَّغط بِفَتْح الْغَيْن الْمُعْجَمَة وبالطاء الْمُهْملَة: الصَّوْت والصياح.

424 - (حَدثنَا يسرة بن صَفْوَان بن جميل اللَّخْمِيّ حَدثنَا إِبْرَاهِيم بن سعد عَن أَبِيه عَن عُرْوَة عَن عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا قَالَت دَعَا النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فَاطِمَة عَلَيْهَا السَّلَام فِي شكواه الَّذِي قبض فِيهِ فسارها بِشَيْء فَبَكَتْ ثمَّ دَعَاهَا فسارها بِشَيْء فَضَحكت فَسَأَلْنَاهُ عَن ذَلِك فَقَالَت سَارَّنِي النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَنه يقبض فِي وَجَعه الَّذِي توفّي فِيهِ فَبَكَيْت ثمَّ سَارَّنِي فَأَخْبرنِي أَنِّي أول أَهله يتبعهُ فَضَحكت) مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله " فِي شكواه الَّذِي قبض فِيهِ " ويسرة بِالْيَاءِ آخر الْحُرُوف وَالسِّين الْمُهْملَة وَالرَّاء المفتوحات ابْن صَفْوَان بن جميل بِفَتْح الْجِيم اللَّخْمِيّ بِفَتْح اللَّام وَسُكُون الْخَاء الْمُعْجَمَة نِسْبَة إِلَى لخم وَهُوَ مَالك بن عدي بن الْحَارِث سمي لخما لِأَنَّهُ لخم أَي لطم من اللخمة وَهِي اللَّطْمَة وَقَالَ ابْن السَّمْعَانِيّ لخم وجذام قبيلتان من الْيمن ينْسب إِلَى لخم خلق كثير وَهُوَ من أَفْرَاده مَاتَ سنة خمس عشرَة أَو سِتّ عشرَة وَمِائَتَيْنِ وَقد مر فِي غَزْوَة أحد وَإِبْرَاهِيم بن سعد يروي عَن أَبِيه سعد بن إِبْرَاهِيم بن عبد الرَّحْمَن بن عَوْف عَن عُرْوَة بن الزبير عَن عَائِشَة رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا والْحَدِيث مضى فِي عَلَامَات النُّبُوَّة عَن يحيى بن قزعة عَن إِبْرَاهِيم الخ قَوْله " فِي شكواه " أَي فِي مَرضه وَكَذَلِكَ الشكوى والشكاة والشكاية بِمَعْنى الْمَرَض قَوْله " فسارها " من المساررة قَوْله " فسألنا عَن ذَلِك " ويروي فسألناها عَن ذَلِك أَي سَأَلنَا فَاطِمَة عَن ذَلِك يَعْنِي عَن الْبكاء أَولا وَعَن الضحك ثَانِيًا وَفِي رِوَايَة يحيى بن قزعة قَالَت عَائِشَة فسألتها عَن ذَلِك وَاخْتلف فِيمَا سَارهَا بِهِ ثَانِيًا فَضَحكت فَفِي رِوَايَة عُرْوَة إخْبَاره إِيَّاهَا بِأَنَّهَا أول أَهله لُحُوقا بِهِ وَفِي رِوَايَة مَسْرُوق إخْبَاره إِيَّاهَا بِأَنَّهَا سيدة نسَاء أهل الْجنَّة وروى الطَّبَرَانِيّ من حَدِيث عَائِشَة أَنه قَالَ لفاطمة أَن جِبْرَائِيل عَلَيْهِ السَّلَام أَخْبرنِي أَنه لَيْسَ امْرَأَة من نسَاء الْمُسلمين أعظم ذُرِّيَّة مِنْك فَلَا تَكُونِي أدنى امْرَأَة مِنْهُنَّ صبرا قَوْله " فَقَالَت سَارَّنِي " الخ جَوَاب فَاطِمَة عَن سُؤال عَائِشَة عَن ذَلِك وَلكنهَا مَا أخْبرت بذلك إِلَّا بعد وَفَاة النَّبِي

(18/63)


- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَفِي حَدِيث مَسْرُوق فسألتها عَن ذَلِك فَقَالَت مَا كنت لأفشي سر رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - حَتَّى توفّي النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فسألتها فَقَالَت الحَدِيث قَوْله " أول أَهله " ويروى أهل بَيته قَوْله " يتبعهُ " حَال وَقد وَقع مثل مَا قَالَ فَإِنَّهَا كَانَت أول من مَاتَت من أهل بَيت النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - بعده حَتَّى من أَزوَاجه -
4435 - ح دَّثني مُحَمَّدُ بنُ بَشَّار حَدثنَا غُنْدَرٌ حَدثنَا شُعْبَةُ عنْ سعْدٍ عنْ عُرْوَةَ عنْ عائِشَة قالَتْ كُنْتُ أسْمَعُ أنَّهُ لَا يمُوتُ نبيٌّ حَتَّى يُخَيَّرَ بَيْنَ الدُّنْيا والآخِرَةِ فَسَمِعْتُ النبيَّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يقُولُ فِي مَرَضِهِ الذِي ماتَ فِيهِ وأخذَتْهُ بُحَّةٌ يَقُولُ معَ الَّذِينَ أنْعَمَ الله عَلَيْهمْ الْآيَة فَظَنَنْتُ أنهُ خُيِّرَ. .

مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (فِي مَرضه الَّذِي مَاتَ فِيهِ) . وغندر لقب مُحَمَّد بن جَعْفَر، وَسعد هُوَ ابْن إِبْرَاهِيم الْمَذْكُور آنِفا فِي الحَدِيث السَّابِق، يروي عَن عُرْوَة بن الزبير.
والْحَدِيث أخرجه أَيْضا فِي التَّفْسِير عَن مُحَمَّد بن عبد الله بن حَوْشَب.
قَوْله: (حَتَّى يُخَيّر) ، بِضَم الْيَاء على صِيغَة الْمَجْهُول، وَلم تبين عَائِشَة فِيهِ من الَّذِي كَانَت تسمع مِنْهُ أَنه: لَا يَمُوت نَبِي حَتَّى يُخَيّر بَين الدُّنْيَا وَالْآخِرَة، وبنيت ذَلِك فِي الحَدِيث الَّذِي يَلِيهِ على مَا يَأْتِي. قَوْله: (بحة) ، بِضَم الْبَاء الْمُوَحدَة وَتَشْديد الْحَاء الْمُهْملَة، وَهِي شَيْء يعْتَرض فِي مجاري النَّفس فيتغير بِهِ الصَّوْت فيغلظ، يُقَال: بححت، بِالْكَسْرِ بحاً، وَرجل أبح إِذا كَانَ ذَلِك فِيهِ خلقَة، وَقيل: يُقَال رجل بح وابح، وَلَا يُقَال: باح، وَامْرَأَة بحاء. قَوْله: (فَظَنَنْت أَنه خير) ، على صِيغَة الْمَجْهُول، أَي: خير بَين الدُّنْيَا وَالْآخِرَة فَاخْتَارَ الْآخِرَة، وروى أَحْمد من حديت أبي مويهبة، قَالَ: قَالَ لي رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِنِّي أُوتيت مَفَاتِيح خَزَائِن الأَرْض والخلد ثمَّ الْجنَّة، فخيرت بَين ذَلِك وَبَين لقاى رَبِّي وَالْجنَّة، فاخترت لِقَاء رَبِّي وَالْجنَّة، وَعند عبد الرَّزَّاق من مُرْسل طَاوس رَفعه: خيرت بَين أَن أبقى حَتَّى أرى مَا يفتح على أمتِي وَبَين التَّعْجِيل، فاخترت التَّعْجِيل.

426 - (حَدثنَا مُسلم حَدثنَا شُعْبَة عَن سعد عَن عُرْوَة عَن عَائِشَة قَالَت لما مرض النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - الْمَرَض الَّذِي مَاتَ فِيهِ جعل يَقُول فِي الرفيق الْأَعْلَى) هَذَا طَرِيق آخر فِي حَدِيث عَائِشَة عَن مُسلم بن إِبْرَاهِيم الْأَزْدِيّ القصاب الْبَصْرِيّ قَوْله فِي الرفيق الْأَعْلَى قَالَ الْجَوْهَرِي الرفيق الْأَعْلَى الْجنَّة وَكَذَا رُوِيَ عَن ابْن إِسْحَاق وَقيل الرفيق اسْم جنس يَشْمَل الْوَاحِد وَمَا فَوْقه وَالْمرَاد بِهِ الْأَنْبِيَاء عَلَيْهِم السَّلَام وَمن ذكر فِي الْآيَة وَقَالَ الْخطابِيّ الرفيق الْأَعْلَى هُوَ الصاحب الْمرَافِق وَهُوَ هَهُنَا بِمَعْنى الرفقاء يَعْنِي الْمَلَائِكَة وَقَالَ الْكرْمَانِي الظَّاهِر أَنه مَعْهُود من قَوْله تَعَالَى {وَحسن أُولَئِكَ رَفِيقًا} أَي أدخلني فِي جملَة أهل الْجنَّة من النَّبِيين وَالصديقين وَالشُّهَدَاء وَالصَّالِحِينَ والْحَدِيث الْمُتَقَدّم يشْهد بذلك وَقيل المُرَاد بالرفيق الْأَعْلَى الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى لِأَنَّهُ رَفِيق بعباده وَغلط الْأَزْهَرِي قَائِل ذَلِك وَقيل أَرَادَ رفق الرفيق وَقيل أَرَادَ مرتفق الْجنَّة وَقَالَ الدَّاودِيّ هُوَ اسْم لكل مَا سما وَقَالَ الْأَعْلَى لِأَن الْجنَّة فَوق ذَلِك وَفِي التَّلْوِيح والمفسرون يُنكرُونَ قَوْله وَيَقُولُونَ إِنَّه صحف الرقيع بِالْقَافِ والرقيع من أَسمَاء السَّمَاء ورد على هَذَا بِمَا رُوِيَ من الْأَحَادِيث الَّتِي فِيهَا الرفيق مِنْهَا حَدِيث رَوَاهُ أَحْمد من رِوَايَة الْمطلب عَن عَائِشَة مَعَ الرفيق الْأَعْلَى مَعَ الَّذين أنعم الله عَلَيْهِم إِلَى قَوْله رَفِيقًا وَمِنْهَا حَدِيث رَوَاهُ النَّسَائِيّ من رِوَايَة أبي بردة بن أبي مُوسَى عَن أَبِيه وَفِيه فَقَالَ أسأَل الله الرفيق الأسعد مَعَ جِبْرِيل وَمِيكَائِيل وإسرافيل وَمِنْهَا رِوَايَة الزُّهْرِيّ فِي الرفيق الْأَعْلَى وَرِوَايَة عباد عَن عَائِشَة اللَّهُمَّ اغْفِر لي وارحمني وألحقني بالرفيق الْأَعْلَى وَفِي رِوَايَة عَن ذكْوَان عَن عَائِشَة فَجعل يَقُول فِي الرفيق الْأَعْلَى حَتَّى قبض وَرِوَايَة ابْن أبي مليكَة عَن عَائِشَة وَقَالَ فِي الرفيق الْأَعْلَى وَعَن الْوَاقِدِيّ إِن أول كلمة تكلم بهَا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَهُوَ مسترضع عِنْد حليمة الله أكبر وَآخر كلمة تكلم بهَا كَمَا فِي حَدِيث عَائِشَة فِي الرفيق الْأَعْلَى وروى الْحَاكِم من حَدِيث أنس أَن آخر مَا تكلم بِهِ جلال رَبِّي الرفيع
427 - (حَدثنَا أَبُو الْيَمَان أخبرنَا شُعَيْب عَن الزُّهْرِيّ قَالَ عُرْوَة بن الزبير إِن عَائِشَة قَالَت

(18/64)


كَانَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَهُوَ صَحِيح يَقُول إِنَّه لم يقبض نَبِي قطّ حَتَّى يرى مَقْعَده من الْجنَّة ثمَّ يحيا أَو يُخَيّر فَلَمَّا اشْتَكَى وحضره الْقَبْض وَرَأسه على فَخذ عَائِشَة غشي عَلَيْهِ فَلَمَّا أَفَاق شخص بَصَره نَحْو سقف الْبَيْت ثمَّ قَالَ اللَّهُمَّ فِي الرفيق الْأَعْلَى فَقلت إِذا لَا يجاورنا فَعرفت أَنه حَدِيثه الَّذِي كَانَ يحدثنا وَهُوَ صَحِيح) هَذَا حَدِيث آخر عَن عَائِشَة بِوَجْه آخر عَن أبي الْيَمَان الحكم بن نَافِع عَن شُعَيْب بن أبي حَمْزَة إِلَى آخِره قَوْله " ثمَّ يحيا أَو يُخَيّر " شكّ من الرَّاوِي ويحيا بِضَم الْيَاء آخر الْحُرُوف وَفتح الْحَاء الْمُهْملَة وَتَشْديد الْيَاء الْأَخِيرَة أَي ثمَّ يسلم إِلَيْهِ الْأَمر أَو يملك فِي أمره أَو يسلم عَلَيْهِ تَسْلِيم الْوَدَاع قَوْله شخص بَصَره بِفَتْح الْخَاء الْمُعْجَمَة أَي ارْتَفع وَيُقَال شخص بَصَره إِذا فتح عينه وَجعل لَا يطرف قَوْله " إِذا لَا يجاورنا " من الْمُجَاورَة وَرُوِيَ إِذا لَا يختارنا من الِاخْتِيَار وَفِي التَّوْضِيح إِذا لَا يجاورنا بِفَتْح الرَّاء لاعتماد الْفِعْل على إِذا وَإِن اعْتمد على مَا قبلهَا سقط عَملهَا كَمَا فِي قَوْلك أَنا إِذا أزورك فيرفع لاعتماد الْفِعْل على أَنا -
4438 - ح دَّثنا مُحَمَّدٌ حدَّثنا عَفَّانُ عنْ صَخْرِ بنِ جُوَيْرِيَةَ عنْ عَبْدِ الرَّحْمانِ بنِ القَاسِمِ عنْ أبِيهِ عنْ عائِشَةَ رَضِي الله عَنْهَا دَخَلَ عَبْدُ الرَّحْمانِ بنُ أبي بَكْرٍ عَلَى النبيِّ بن وَأَنا مُسْنِدَتُهُ إِلَى صَدْري ومَعَ عَبْدِ الرَّحْمانِ سِوَاكٌ رَطْبٌ يَسْتَنُّ فأبَدَّهُ رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بَصَرَهُ فأخَذْتُ السِّوَاكَ فَقَضِمْتُهُ ونفَضْتُهُ وطَيَّبْتُهُ ثُمَّ دَفَعْتُهُ إِلَى النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فاسْتَنَّ بِهِ فَما رَأيْتُ رَسُولَ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم اسْتنَّ اسْتِناناً قَطُّ أحْسَنَ مِنْهُ فَما عَدَا أنْ فَرَغَ رَسُولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم رَفَعَ يَدَهُ أوْ إِصْبَعَهُ ثُمَّ قَالَ فِي الرَّفِيقِ الأعْلَى ثَلَاثًا ثُمَّ قَضَى وكَانَتْ تَقُولُ مَاتَ ورأسُهُ بَيْنَ حاقِنَتِي وذَاقِنَتِي. .

مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (ثمَّ قضى وَكَانَت تَقول: مَاتَ) وَمُحَمّد شيخ البُخَارِيّ مُبْهَم، لَكِن الْكرْمَانِي قَالَ: قَوْله: (مُحَمَّد) ، هُوَ ابْن يحيى الذهلي، وَفِي (كتاب رجال الصَّحِيحَيْنِ) مُحَمَّد بن يحيى بن عبد الله بن خَالِد بن فَارس بن ذُؤَيْب أَبُو عبد الله الذهلي النَّيْسَابُورِي روى عَنهُ البُخَارِيّ فِي غير مَوضِع فِي قريب من ثَلَاثِينَ موضعا، وَلم يقل: حَدثنَا مُحَمَّد بن يحيى الذهلي مُصَرحًا، وَيَقُول: حَدثنَا مُحَمَّد، وَلَا يزِيد عَلَيْهِ، وَيَقُول: مُحَمَّد بن عبد الله، فينسبه إِلَى جده، وَيَقُول: مُحَمَّد بن خَالِد، فينسبه إِلَى جد أَبِيه، وَالسَّبَب فِي ذَلِك أَن البُخَارِيّ لما دخل نيسابور شغب عَلَيْهِ مُحَمَّد بن يحيى الذهلي فِي مَسْأَلَة خلق اللَّفْظ، وَكَانَ قد سمع مِنْهُ، فَلم يتْرك الرِّوَايَة عَنهُ وَلم يُصَرح باسمه، مَاتَ بعد البُخَارِيّ بِيَسِير سنة سبع وَخمسين وَمِائَتَيْنِ. وَعَفَّان، بِفَتْح الْعين الْمُهْملَة وَتَشْديد الْفَاء: ابْن مُسلم الصفار، وصخر، بِفَتْح الصَّاد الْمُهْملَة وَسُكُون الْخَاء الْمُعْجَمَة: ابْن جوَيْرِية مصغر الْجَارِيَة بِالْجِيم: النميري، يعد فِي الْبَصرِيين، وَعبد الرَّحْمَن بن الْقَاسِم يروي عَن أَبِيه الْقَاسِم بن مُحَمَّد بن أبي بكر الصّديق.
قَوْله: (يستن بِهِ) أَي: يستاك، وَقَالَ الْخطابِيّ: أَصله من السن، وَمِنْه: المسن الَّذِي يسن عَلَيْهِ الْحَدِيد. قَوْله: (فأبده) ، بِالْبَاء الْمُوَحدَة الْمَفْتُوحَة وَتَشْديد الدَّال أَي: مد نظره إِلَيْهِ، يُقَال: أبددت فلَانا النّظر، إِذا طولته إِلَيْهِ، وَفِي رِوَايَة الْكشميهني: فأمده، بِالْمِيم مَوضِع الْبَاء. قَوْله: (فقضمته) ، بِفَتْح الْقَاف وَكسر الضَّاد الْمُعْجَمَة أَي: مضغته، والقضم الْأَخْذ بأطراف الْأَسْنَان، يُقَال: قضمت الدَّابَّة بِكَسْر الضَّاد شعيرها، تقضمه بِالْفَتْح إِذا مضغته، وَحكى عِيَاض أَن الْأَكْثَر رَوَاهُ بالصَّاد الْمُهْملَة، أَي: كَسرته وقطعته، والقصامة من السِّوَاك مَا يكسر مِنْهُ، وَحكى ابْن التِّين رِوَايَة بِالْفَاءِ وَالصَّاد الْمُهْملَة، وَقيل: إِذا كَانَ بالضاد الْمُعْجَمَة فَيكون قَوْلهَا: فطيبته تَكْرَارا، وَإِن كَانَ بِالْمُهْمَلَةِ فَلَا، لِأَنَّهُ يصير الْمَعْنى: كَسرته لطوله أَو لِأَنَّهُ آلَة الْمَكَان الَّذِي تسوك بِهِ عبد الرَّحْمَن ثمَّ لينته ثمَّ طيبته أَي: بِالْمَاءِ، وَيحْتَمل أَنِّي كَون قَوْله: (طيبته) ، تَأْكِيدًا لقَوْله: لينته. قَوْله: (ونفضته) ، بِالْفَاءِ وَالضَّاد الْمُعْجَمَة، قَوْله: (فَمَا عدا أَن فرغ) أَي: مَا عدا الْفَرَاغ من السِّوَاك. قَوْله: (رفع يَده أَو

(18/65)


إصبعه) شكّ من الرَّاوِي. قَوْله: (حاقنتي) ، بِالْحَاء الْمُهْملَة وَكسر الْقَاف، وَهِي النقرة بَين الترقوة وحبل العاتق، وَقيل: المطمئن من الترقوة وَالْحلق، وَقيل: مَا دون الترقوة من الصَّدْر، وَقيل: هُوَ تَحت السُّرَّة، وَقَالَ ابْن فَارس: مَا سفل من الْبَطن. قَوْله: (وذاقنتي) بِالذَّالِ الْمُعْجَمَة وبالقاف، وَهِي طرف الْحُلْقُوم، وَقيل: مَا يَنَالهُ الذقن من الصَّدْر، وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَة: والذاقنة جمع ذقن وَهُوَ مجمع أَطْرَاف اللحيين، وَالْحَاصِل أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، مَاتَ وَرَأسه بَين حنكها وصدرها فَإِن قلت تَعَالَى: يُعَارضهُ مَا رَوَاهُ الْحَاكِم وَابْن سعد من طَرِيقه: أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، مَاتَ وَرَأسه فِي حجر عَليّ رَضِي الله عَنهُ. قلت: لَا يُعَارضهُ وَلَا يدانيه، لِأَن فِي كل طَرِيق من طرقه شيعي فَلَا يلْتَفت إِلَيْهِم، وَلَئِن سلمنَا فَنَقُول: إِنَّه يحْتَمل أَن يكون على آخِرهم عهدا بِهِ، وَأَنه لم يُفَارِقهُ إِلَى أَن مَاتَ فأسندته عَائِشَة بعده إِلَى صدرها فَقبض.

4439 - ح دَّثني حِبَّانُ أخبرَنا عبْدُ الله أخْبَرَنا يُونُسُ عنِ ابنِ شِهابٍ قَالَ أخْبَرَني عُرْوَةُ أنَّ عائِشَةَ رَضِي الله عَنْهَا أخْبَرَتْهُ أنَّ رسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كانَ إذَا اشْتَكَى نَفَثَ عَلَى نَفْسِهِ بالمُعَوِّذَاتِ ومسَحَ عَنْهُ بِيَدِهِ فَلَمَّا اشْتَكَى وجعَهُ الَّذِي تُوُفِّيَ فِيهِ طَفِقْتُ أنْفِثُ عَلَى نَفْسِهِ بِالمُعَوِّذَاتِ الَّتِي كانَ يَنْفِثُ وأمْسَحُ بِيَدِ النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَنْهُ.

مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (وَجَعه الَّذِي مَاتَ فِيهِ) . وحبان، بِكَسْر الْحَاء الْمُهْملَة وَتَشْديد الْبَاء الْمُوَحدَة: ابْن مُوسَى الْمروزِي، وَعبد الله هُوَ ابْن الْمُبَارك.
والْحَدِيث أخرجه البُخَارِيّ أَيْضا فِي الطِّبّ عَن عبد الْعَزِيز بن عبد الله. وَأخرجه مُسلم فِيهِ أَيْضا عَن أبي الطَّاهِر بن السَّرْح، وحرملة بن يحيى.
قَوْله: (إِذا اشْتَكَى) ، أَي: إِذا مرض قَوْله: (نفث) ، أَي: تفل بِغَيْر ريق أَو مَعَ ريق خَفِيف. قَوْله: (بالمعوذات) ، أَي: بِسُورَة: {قل أعوذ بِرَبّ الفلق} و {قل أعوذ بِرَبّ النَّاس} وَجمع بِاعْتِبَار أَن أقل الْجمع إثنان، أَو أرادهما مَعَ سُورَة الْإِخْلَاص فَهُوَ من بَاب التغليب، وَقيل: المُرَاد بهَا الْكَلِمَات المعوذة بِاللَّه من الشَّيْطَان والأمراض والآفات وَنَحْوهَا. قَوْله: (طفقت) قد ذكرنَا غير مرّة أَنه من أَفعَال المقاربة بِمَعْنى: أخذت أَو شرعت، ويروى: فطفقت، بِالْفَاءِ فِي أَوله. قَوْله: (أنفث) ، جملَة حَالية. قَوْله: (وأمسح بيد النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَنهُ) ، وَفِي رِوَايَة معمر: وأمسح بيد نَفسه لبركتها، وَهَذَا الحَدِيث وَقع فِي بعض النّسخ رَابِعا بعد قَوْله: وَقَالَ يُونُس.

4440 - ح دَّثنا مُعَلَّى بنُ أسَدٍ حَدثنَا عبْدُ الْعَزِيزِ بنُ مُخْتارٍ حدَّثنا هِشامُ بنُ عُرْوَةَ عنْ عَبَّادِ بنِ عَبْدِ الله بن الزُّبَيْرِ أنَّ عائِشَةَ أخْبَرَتْهُ أنَّها سَمِعَتِ النبيَّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وأصْغَتْ إلَيْهِ قَبْلَ أنْ يَمُوتَ وهْوَ مُسْنِدٌ إليَّ ظَهْرَهُ يَقُولُ اللَّهُمَّ أغْفِرْ لِي وارْحَمْنِي وألْحِقْنِي بالرَّفِيقِ.

مطابقته للتَّرْجَمَة تُؤْخَذ من قَوْله: (قبل أَن يَمُوت) . وَعباد بِفَتْح الْعين الْمُهْملَة وَتَشْديد الْبَاء الْمُوَحدَة.
والْحَدِيث أخرجه البُخَارِيّ أَيْضا فِي الطِّبّ عَن عبد الله بن أبي شيبَة. وَأخرجه مُسلم فِي فَضَائِل النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن قُتَيْبَة وَغَيره، وَأخرجه التِّرْمِذِيّ فِي الدَّعْوَات عَن هَارُون بن إِسْحَاق وَأخرجه النَّسَائِيّ فِي الْوَفَاة فِي الْيَوْم وَاللَّيْلَة عَن إِسْحَاق بن إِبْرَاهِيم.
قَوْله: (وأصغت إِلَيْهِ) ، من الإصغاء يُقَال: أصغيت إِلَيْهِ إِذا أملت سَمعك نَحوه. قَوْله: (بالرفيق) قد مر تَفْسِيره، ويروى: بالرفيق الْأَعْلَى.

4441 - ح دَّثنا الصَّلْتُ بنُ مُحَمَّدٍ حدّثنا أبُو عَوَانَةَ عنْ هِلاَلٍ الوَزَّانِ عنْ عُرْوَةَ بنِ الزُّبَيْرِ عنْ عائِشَةَ رَضِي الله عَنْهَا قالَتْ قَالَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي مَرَضِهِ الَّذِي لَمْ يَقُمْ مِنْهُ لَعَنَ الله اليَهُودَ اتَّخَذُوا قُبُورَ أنْبِيائِهِمْ مَساجِدَ قالَتْ عائِشَةُ لَوْلاَ ذالِكَ لأُبَرِزَ قَبْرُهُ خَشِيَ أنْ يُتَّخَذَ مَسْجِداً. .

(18/66)


مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (فِي مَرضه الَّذِي لم يقم مِنْهُ) وَأَبُو عوَانَة، بِفَتْح الْعين الْمُهْملَة: الوضاح الْيَشْكُرِي. والْحَدِيث مر فِي كتاب الْجَنَائِز فِي: بَاب مَا يكره من اتِّخَاذ الْمَسَاجِد على الْقُبُور، فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ عَن عبيد الله بن مُوسَى عَن شَيبَان عَن هِلَال إِلَى آخِره، وَمضى الْكَلَام فِيهِ هُنَاكَ. قَوْله: (خشِي) أَي: قَالَت عَائِشَة: خشِي رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَن يتَّخذ قَبره مَسْجِدا.

4442 - ح دَّثنا سَعِيدُ بنُ عُفَيْرٍ قَالَ حدّثني اللَّيْثُ قَالَ حدّثني عُقَيْلٌ عَنِ ابنِ شِهابٍ قَالَ أخْبَرَنِي عُبَيْدُ الله بنُ عبْدِ الله بنِ عُتْبَةَ بنِ مَسْعُودٍ أَن عائِشَةَ زَوْجَ النَّبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قالَتْ لمَّا ثَقُلَ رسُولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم واشْتَدَّ بِهِ وجعُهُ اسْتَأْذَنَ أزْواجَهُ أنْ يُمَرَّضَ فِي بَيْتِي فأذِنَّ لهُ فَخَرَجَ وهْوَ بَيْنَ الرَّجُلَيْنِ تَخُطُّ رِجْلاَهُ فِي الأرْضِ بَيْنَ عَبَّاسِ بنِ عَبْدِ المُطَّلِبِ وبَيْنَ رَجُلٍ آخَرَ قَالَ عُبَيْدُ الله فأخْبَرْتُ عَبْدَ الله بالَّذِي قالَتْ عائِشَةُ فَقَالَ لِي عَبْدُ الله بنُ عَبَّاسٍ هَلْ تَدْرِي مَنِ الرَّجُلُ الآخَرُ الَّذِي لَمْ تُسَمِّ عائِشَةُ قَالَ قُلْتُ لاَ قَالَ ابنُ عَبَّاسٍ هُوَ عَلِيٌّ وكانَتْ عائِشَةُ زَوْجُ النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم تُحَدِّثُ أنَّ رسولَ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لمَّا دَخَلَ بَيْتِي واشْتَدَّ بِهِ وَجَعهُ قَالَ هَرِيقُوا عَلَيَّ مِنْ سَبْعِ قِرَبٍ لَمْ تُحْلَلْ أوْ كِيَتُهُنَّ لَعَلِّي أعْهَدُ إِلَى النَّاسِ فأجْلَسْنَاهُ فِي مِخْضَبٍ لِحَفْصَةَ زَوْجِ النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ثُمَّ طفِقْنا نَصُبُّ عليْهِ مِنْ تِلْكَ القِرَبِ حَتَّى طَفِقَ يُشِيرُ إلَيْنَا بِيَدِهِ أنْ قَدْ فَعَلْتُنَّ قالتْ ثُمَّ خَرَجَ إِلَى النَّاسِ فَصَلَّى لَهُمْ وخَطَبَهُمْ. .
وَأَخْبرنِي عبيد الله بن عبد الله بن عتبَة أَن عاشة وَعبد الله بن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُم قَالَا لما نزل برَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - طفق يطْرَح خميصة لَهُ على وَجهه فَإِذا اغتم كشفها عَن وَجهه وَهُوَ كَذَلِك يَقُول لعنة الله على الْيَهُود وَالنَّصَارَى اتَّخذُوا قُبُور أَنْبِيَائهمْ مَسَاجِد يحذر مَا صَنَعُوا أَخْبرنِي عبيد الله أَن عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا قَالَت لقد راجعت رَسُول الله فِي ذَلِك وَمَا حَملَنِي على كَثْرَة مُرَاجعَته إِلَّا أَنه لم يَقع فِي قلبِي أَن يحب النَّاس بعده رجلا قَامَ مقَامه أبدا وَلَا كنت أرى أَنه لن يقوم أحد مقَامه إِلَّا تشاءم النَّاس بِهِ فَأَرَدْت أَن يعدل ذَلِك رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - عَن أبي بكر رَوَاهُ ابْن عمر وَأَبُو مُوسَى وَابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُم عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -) مطابقته للتَّرْجَمَة تُؤْخَذ من قَوْله وَاشْتَدَّ بِهِ وَجَعه والْحَدِيث مضى فِي الطَّهَارَة فِي بَاب الْوضُوء وَالْغسْل فِي المخضب والقدح فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ عَن أبي الْيَمَان عَن شُعَيْب عَن الزُّهْرِيّ عَن عبيد الله إِلَى قَوْله " أَن قد فعلتن " وَفِي الْهِبَة فِي بَاب هبة الرجل لامْرَأَته مضى من قَوْله قَالَت عَائِشَة لما ثقل النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - إِلَى قَوْله قَالَ هُوَ عَليّ بن أبي طَالب وَفِي الْخمس فِي بَاب مَا جَاءَ فِي بيُوت أَزوَاج النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - مضى من قَوْله لما ثقل النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - اسْتَأْذن أَزوَاجه أَن يمرض فِي بَيْتِي فَأذن لَهُ ذكر هَذَا الْمِقْدَار وَقد مضى الْكَلَام فِيهِ فِي هَذِه الْأَبْوَاب ولنذكر مَا لم يذكر فِيهَا قَوْله " لما ثقل " أَي فِي وَجَعه قَوْله " أَن يمرض " على صِيغَة الْمَجْهُول من التمريض وَهُوَ تعاهد الْمَرِيض وَالنَّظَر فِي حَاله وَالْقِيَام بخدمته قَوْله " فَأذن " بتَشْديد النُّون فعل جمَاعَة النِّسَاء من الْمَاضِي من الْإِذْن قَوْله " هُوَ عَليّ " أَي ابْن أبي طَالب الَّذِي لم تسمه عَائِشَة قَالَ الْكرْمَانِي فَإِن قلت لم قَالَت رجل آخر وَمَا سمعته قلت لِأَن الْعَبَّاس كَانَ دَائِما يلازم أحد جانبيه وَأما الْجَانِب الآخر فَتَارَة كَانَ عَليّ فِيهِ وَتارَة أُسَامَة فلعدم ملازمته لذَلِك لم تذكره لَا لعداوة وَلَا لنحوها حاشاها من ذَلِك انْتهى قلت فِيهِ نظر لِأَن عليا كَانَ ألزم لرَسُول الله

(18/67)


- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فِي كل حَاله من غَيره قَوْله " وَكَانَت عَائِشَة تحدث " هُوَ مَوْصُول بِالْإِسْنَادِ الْمَذْكُور قَوْله " هريقوا " أَي أريقوا من الإراقة وَالْهَاء مبدلة من الْهمزَة ويروى أهريقوا بِالْهَمْزَةِ فِي أَوله أَي صبوا قَوْله " أوكيتهن " جمع وكاء بِكَسْر الْوَاو وَهُوَ رِبَاط الْقرْبَة قَوْله " مخضب " بِكَسْر الْمِيم وَسُكُون الْخَاء وَفتح الضَّاد المعجمتين وَفِي آخِره بَاء مُوَحدَة وَهِي الاجانة قَوْله " طفقنا " من أَفعَال المقاربة وَقد ذَكرْنَاهُ عَن قريب قَوْله " أَن قد فعلتن " أَن هَذِه مفسرة نَحْو وأوحينا إِلَيْهِ أَن اصْنَع الْفلك وَيحْتَمل المصدرية قَوْله " لعَلي أَعهد " أَي أوصِي قَوْله " فصلى لَهُم " ويروى فصلى بهم قَوْله " وَأَخْبرنِي عبيد الله " هُوَ مقول الزُّهْرِيّ وَهُوَ مَوْصُول أَيْضا قَوْله " لما نزل برَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - " على صِيغَة الْمَجْهُول أَي لما نزل الْمَرَض بِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَوْله " خميصة " بِفَتْح الْخَاء الْمُعْجَمَة وَهِي ثوب خَز أَو صوف معلم وَقيل لَا تسمى خميصة إِلَّا أَن تكون سَوْدَاء معلمة وَالْجمع خمائص قَوْله " فَإِذا اغتم " يُقَال اغتم إِذا كَانَ يَأْخُذهُ النَّفس من شدَّة الْحر قَوْله " يحذر " على صِيغَة الْمَعْلُوم أَي يحذر النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَهِي جملَة حَالية قَوْله " أَخْبرنِي عبيد الله " أَي قَالَ الزُّهْرِيّ أَخْبرنِي عبيد الله الْمَذْكُور فِي الْإِسْنَاد قَوْله " فِي ذَلِك " أَي فِي أمره - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَبَا بكر بإمامة الصَّلَاة قَوْله " بعده " أَي بعد النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَوْله " مقَامه " أَي مقَام النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَوْله " وَلَا كنت " عطف على قَوْله إِلَّا أَنه لم يَقع قَوْله " أرى " أَي أَظن وَحَاصِل الْمَعْنى وَمَا حَملَنِي عَلَيْهِ إِلَّا ظَنِّي بِعَدَمِ محبَّة النَّاس للقائم مقَامه وظني بتشاؤمهم مِنْهُ قَوْله " رَوَاهُ ابْن عمر " أَي روى الَّذِي يتَعَلَّق بِصَلَاة أبي بكر عبد الله بن عمر وَوصل هَذَا البُخَارِيّ فِي أَبْوَاب الْإِمَامَة فِي بَاب أهل الْعلم وَالْفضل أَحَق بِالْإِمَامَةِ رَوَاهُ عَن يحيى بن سُلَيْمَان عَن ابْن وهب عَن يُونُس عَن ابْن شهَاب عَن حَمْزَة بن عبد الله عَن أَبِيه وَهُوَ عبد الله بن عمر قَالَ " لما اشْتَدَّ برَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَجَعه قيل لَهُ فِي الصَّلَاة قَالَ مروا أَبَا بكر " إِلَى آخِره قَوْله " وَأَبُو مُوسَى " أَي رَوَاهُ أَبُو مُوسَى عبد الله بن قيس الْأَشْعَرِيّ وَوَصله البُخَارِيّ فِي هَذَا الْبَاب رَوَاهُ عَن إِسْحَاق بن نصر عَن حُسَيْن عَن زَائِدَة عَن عبد الْملك بن عُمَيْر عَن أبي بردة عَن أبي مُوسَى قَالَ " مرض النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - " الحَدِيث إِلَى آخِره وَوَصله أَيْضا فِي أَحَادِيث الْأَنْبِيَاء فِي تَرْجَمَة يُوسُف عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام رَوَاهُ عَن الرّبيع بن يحيى عَن زَائِدَة عَن عبد الْملك بن عُمَيْر عَن أبي بردة بن أبي مُوسَى عَن أَبِيه الحَدِيث قَوْله " وَابْن عَبَّاس " أَي رَوَاهُ عبد الله بن عَبَّاس وَرَوَاهُ فِي بَاب إِنَّمَا جعل الإِمَام ليؤتم بِهِ مَعَ حَدِيث عَائِشَة عَن أَحْمد بن يُونُس عَن زَائِدَة عَن مُوسَى بن أبي عَائِشَة عَن عبيد الله بن عبد الله قَالَ " دخلت على عَائِشَة " الحَدِيث بِطُولِهِ -
4446 - ح دَّثنا عَبْدُ الله بنُ يُوسُفَ حَدثنَا اللَّيْثُ قَالَ حدّثني ابنُ الهادِ عنْ عبْدِ الرَّحْمانِ ابنِ القاسِمِ عنْ أبيهِ عنْ عائِشَةَ قَالَتْ ماتَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وإنَّهُ لَبَيْنَ حاقِنَتِي وذَاقِنَتِي فَلاَ أكْرَهُ شِدَّةَ المَوْتِ لأحَدٍ أبَداً بَعْدَ النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم. .

مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (مَاتَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم) وَابْن الْهَاد هُوَ يزِيد بن عبد الله بن الْهَاد، مَاتَ سنة تسع وَثَلَاثِينَ وَمِائَة.
قَوْله: (وَإنَّهُ) ، أَي: وَالْحَال أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَقد مر تَفْسِير الحاقنة والذاقنة عَن قريب. قَوْله: (فَلَا أكره شدَّة الْمَوْت) . قد بنيت عَائِشَة فِي حَدِيثهَا الآخر، كماس يَأْتِي، شدَّة الْمَوْت بقولِهَا وَبَين يَدَيْهِ ركوة أَو علبة فِيهَا مَاء، فَجعل يدْخل يَدَيْهِ فِي المَاء فيمسح بهها وَجهه، يَقُول: (لَا إل هـ إلاَّ الله إِن للْمَوْت سَكَرَات) ، وروى أَحْمد وَالتِّرْمِذِيّ من طَرِيق الْقَاسِم عَن عَائِشَة: رَأَيْته وَعِنْده قدح فِيهِ مَاء وَهُوَ يَمُوت، فَيدْخل يَده فِي الْقدح ثمَّ يمسح وَجهه بِالْمَاءِ ثمَّ يَقُول: (اللَّهُمَّ أَعنِي على سَكَرَات الْمَوْت) .

4447 - ح دَّثني إسْحاقُ أخْبرَنا بِشْرُ بنُ شُعَيْبِ بنِ أبي حَمْزَةَ قَالَ حدّثني أبي عنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ أَخْبرنِي عبْدُالله بنُ كَعْبِ بنِ مالِكٍ الأنصارِيُّ وكانَ كَعْبُ بنُ مالِكٍ أحَدَ الثَّلاَثَةِ الذِينَ تِيبَ

(18/68)


عَلَيْهِمْ أنَّ عَبْدَ الله بنَ عَبَّاسٍ أخْبَرَهُ أنَّ عَلِيَّ بنَ أبي طالِبٍ رَضِي الله عَنهُ خَرَج مِنْ عِنْدِ رسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي وجَعِهِ الَّذِي تُوُفِّيَ فيهِ فَقَالَ الناسُ يَا أَبَا الْحَسَنِ كَيْفَ أصْبَحَ رَسُولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فقالَ أصْبَحَ بِحَمْدِ الله بارِئاً فأخَذَ بِيَدِهِ عَبَّاسُ بنُ عبْدِ المُطَّلِبِ فَقَالَ لهُ أنتَ وَالله بَعْدَ ثَلاَثٍ عَبْدُ العَصا وإنِّي لاَرَى رسُولَ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم سَوْفَ يُتَوَفَّى مِنْ وجَعِهِ هَذَا إنِّي لأعْرفُ وجُوهَ بَنِى عَبْدِ المُطَّلِبِ عِنْدَ المَوْتِ أذْهَبْ بِنا إِلَى رسُولِ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَلْنَسْألْهُ فِيمَنْ هاذَا الأمْرُ إنْ كانَ فِينا عَلِمْنا ذالِكَ وإنْ كانَ فِي غَيْرِنا عَلِمْناهُ فأوْصَي بِنا فَقَالَ علِيٌّ إنَّا وَالله لِئنْ سألْناها رسُولَ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَمَنَعناها لاَ يُعْطِيناها النَّاسُ بَعْدَهُ وإنِّي وَالله لاَ أسْألُها رسولَ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم.
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (فِي وَجَعه الَّذِي توفّي فِيهِ) وَإِسْحَاق هُوَ ابْن رَاهَوَيْه، قَالَه أَبُو نعيم، وَقَالَ الغساني: قَالَ ابْن السكن: هُوَ إِسْحَاق بن مَنْصُور، وَبشر، بِكَسْر الْبَاء الْمُوَحدَة وَسُكُون الشين الْمُعْجَمَة: أَبُو شُعَيْب بن أبي حَمْزَة الْحِمصِي، يروي عَن أَبِيه شُعَيْب عَن مُحَمَّد بن مُسلم الزُّهْرِيّ.
وَفِي هَذَا الْإِسْنَاد يروي تَابِعِيّ عَن تَابِعِيّ وهما: الزُّهْرِيّ وَعبد الله بن كَعْب، ويروي صَحَابِيّ عَن صَحَابِيّ، وهما: كَعْب بن مَالك وَابْن عَبَّاس.
والْحَدِيث أخرجه البُخَارِيّ أَيْضا فِي الاسْتِئْذَان.
قَوْله: (أَخْبرنِي عبد الله بن كَعْب) ، قَالَ الدمياطي: فِي سَماع عبد الله بن كَعْب من عبد الله بن عَبَّاس نظر، ورد عَلَيْهِ بِأَن الْإِسْنَاد صَحِيح وَسَمَاع الزُّهْرِيّ من عبد الله بن كَعْب ثَابت لم ينْفَرد بِهِ شُعَيْب، وَقد أخرجه الْإِسْمَاعِيلِيّ من طَرِيق صَالح عَن ابْن شهَاب فَصرحَ أَيْضا بِهِ، قَوْله: (وَكَانَ كَعْب أحد الثَّلَاثَة) ، وهم الَّذين قَالَ الله تَعَالَى فيهم: {وعَلى الثَّلَاثَة الَّذين خلفوا} (التَّوْبَة: 118) وهم: كَعْب هَذَا، وهلال بن أُميَّة، ومرارة بن الرّبيع، وَقد مر فِيمَا مضى. قَوْله: (فَقَالَ النَّاس: يَا أَبَا الْحسن) ، هُوَ كنية عَليّ بن أبي طَالب. قَوْله: (بارئاً) ، إسم فَاعل من: برأَ، بِالْهَمْزَةِ بِمَعْنى: أَفَاق من الْمَرَض. قَوْله: (بعد ثَلَاث عبد الْعَصَا) ، هُوَ كِنَايَة عَن أَن يصير تَابعا لغيره. وَالْمعْنَى: أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَمُوت بعد ثَلَاثَة أَيَّام وَتصير أَنْت مَأْمُورا عَلَيْك بِلَا عز وَلَا حُرْمَة بَين النَّاس، هَذَا من قُوَّة فراسة الْعَبَّاس رَضِي الله عَنهُ. قَوْله: (لأرى) ، بِفَتْح الْهمزَة بِمَعْنى: اعْتقد، وَبِضَمِّهَا بِمَعْنى: أَظن، قَوْله: (سَوف يُتوفى) ، أَي: رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَهَذَا قَالَه عَبَّاس مُسْتَندا إِلَى التجربة لِأَنَّهُ جرب ذَلِك فِي وُجُوه الَّذين مَاتُوا من بني عبد الْمطلب. قَوْله: (فِيمَن هَذَا الْأَمر؟) أَي: الْخلَافَة. قَوْله: (فأوصى بِنَا) ، وَفِي مُرْسل الشّعبِيّ: وإلاَّ وصَّى بِنَا فحفظنا من بعده، وَله من طَرِيق أُخْرَى. فَقَالَ عَليّ رَضِي الله عَنهُ: وَهل يطْمع فِي هَذَا الْأَمر غَيرنَا؟ قَالَ: أَظن وَالله، سَيكون. قَوْله: (فمنعناها) ، بِفَتْح النُّون جملَة من الْفِعْل وَالْفَاعِل وَالْمَفْعُول. قَوْله: (فَلَا يعطيناها النَّاس بعده) ، أَي: بعد النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَكَذَا كَانَ، لأَنهم احْتَجُّوا بِمَنْع رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إيَّاهُم. قَوْله: (لَا أسألها) ، أَي: الْخلَافَة، أَي: لَا أطلبها مِنْهُ، وَزَاد ابْن سعد فِي (مُرْسل الشّعبِيّ) فِي آخِره: فَلَمَّا قبض النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، قَالَ الْعَبَّاس لعَلي: إبسط يدك أُبَايِعك النَّاس، وَلم يفعل.

4448 - ح دَّثنا سَعِيدُ بنُ عُفَيْرٍ قَالَ حدّثني اللَّيْثُ قَالَ حدّثني عُقَيْلٌ عنِ ابنِ شِهابٍ قَالَ حدّثني أنسُ بنُ مالِكٍ رَضِي الله عنهُ أنَّ المُسْلِمِينَ بيْنا هُمْ فِي صَلاَةِ الفجْرِ مِنْ يَوْمِ الإثْنَيْنِ وأبُو بَكْرٍ يُصَلِّي لَهُمْ لَمْ يَفْجَأْهُمْ إلاَّ رسُولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَدْ كَشَفَ سِتْرَ حُجْرَةِ عائِشَةَ فَنَظَرَ إلَيْهِمْ وهُمْ فِي صُفُوفِ الصَّلاَةِ ثُمَّ تَبَسَّمَ يَضْحَكُ فَنَكَصَ أبُو بَكْرٍ عَلَى عَقِبَيْهِ لِيَصِلَ الصَّفَّ وظَنَّ أنَّ رسُولَ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يُرِيدُ أنْ يَخْرُجَ إِلَى الصَّلاَةِ فَقَالَ أنَسٌ وهَمَّ المُسْلِمُونَ

(18/69)


أنْ يَفْتَتِنُوا فِي صلاَتِهِمْ فَرَحاً بِرَسُولِ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فأشارَ إلَيْهِمْ بِيَدِهِ رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أنْ أتِمُّوا صَلاَتَكُمْ ثُمَّ دَخَلَ الحُجْرَةَ وأرْخَى السِّتْرَ. .

مطابقته للتَّرْجَمَة تُؤْخَذ من تَتِمَّة هَذَا الحَدِيث من رِوَايَة أبي الْيَمَان عَن شُعَيْب، وَتُوفِّي من يَوْمه ذَلِك. والْحَدِيث مضى فِي كتاب الصَّلَاة فِي: بَاب أهل الْعلم وَالْفضل أَحَق بِالْإِمَامَةِ، فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ عَن أبي الْيَمَان عَن شُعَيْب عَن الزُّهْرِيّ عَن أنس بأتم مِنْهُ، وَمضى الْكَلَام فِيهِ هُنَاكَ.
قَوْله: (بينماهم) ، ويروى: بيناهم، بِدُونِ الْمِيم، وَقد مر الْكَلَام فِيهِ غير مرّة. قَوْله: (يفجؤهم) ، جَوَاب: بَيْنَمَا قَوْله: (فنكص) أَي: تَأَخّر إِلَى وَرَائه. قَوْله: (وهمَّ الْمُسلمُونَ) ، أَي: قصدُوا إبِْطَال الصَّلَاة بِإِظْهَار السرُور قولا أَو فعلا. قَوْله: (وأرخى السّتْر) أَي: الستارة، وَزَاد أَبُو الْيَمَان عَن شُعَيْب: وَتُوفِّي من يَوْمه ذَلِك، كَمَا ذكرنَا أَنه مُطَابق للتَّرْجَمَة.

4449 - ح دَّثني مُحَمَّدُ بنُ عُبَيْدٍ حدَّثنا عِيسَى بن يُونسَ عنْ عُمَرَ بنِ سعِيدٍ قَالَ أَخْبرنِي ابنُ أبي مُلَيْكَةَ أنَّ أَبَا عَمْروٍ وذَكْوَانَ مَوْلَى عائِشَةَ أخبرهُ أنَّ عائِشَةَ كانَتْ تَقُولُ إنَّ مِنْ نِعَمِ الله عَلَيَّ أَنَّ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم تُوُفِّيَ فِي بَيْتِي وَفِي يَوْمِي وبَيْنَ سَحْرِي ونَحْرِي وأنَّ الله جَمَعَ بَيْنَ رِيقي ورِيقِهِ عِنْدَ مَوْتِهِ دَخَلَ عَلَيَّ عَبْدُ الرَّحْمانِ وبِيَدِهِ السِّواكُ وَأَنا مُسْنِدَةٌ رسولَ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَرَأيْتُهُ يَنْظُرُ إلَيْهِ وعَرَفْتُ أنَّهُ يحبُّ السِّوَاكَ فَقُلْتُ آخُذُهُ لَكَ فأشارَ بِرَأسِهِ أنْ نَعَمْ فَتَنَاوَلْتُهُ فاشْتَدَّ عَلَيْهِ وقُلْتُ أُلَيِّنُهُ لَكَ فأشارَ بِرَأْسِهِ أنْ نَعَمْ فَلَيَّنْتُهُ وبَيْنَ يَدَيْهِ رَكْوَةٌ أوْ عُلْبَةٌ يَشُكُّ عُمَرُ فِيها فَجَعَلَ يُدْخِلُ يَدَيْهِ فِي المَاءِ فَيَمْسَحُ بِهِما وجْهَهُ يقُولُ لَا إلاهَ إلاَّ الله إنَّ لِلمَوْتِ سَكَرَاتٍ ثُمَّ نَصَبَ يَدَهُ فَجَعَلَ يَقُول فِي الرَّفِيق الأعْلَى حَتَّى قُبِضَ ومالَتْ يَدُهُ. .

مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. وَمُحَمّد بن عبيد الله، بِضَم الْعين مصغر العَبْد: ابْن مَيْمُون وَهُوَ الْمَشْهُور بِمُحَمد بن عباد، وَقد مر فِي الصَّلَاة، وَعِيسَى بن يُونُس بن أبي إِسْحَاق الْهَمدَانِي الْكُوفِي، وَعمر بن سعيد بن أبي حُسَيْن النَّوْفَلِي الْقرشِي الْمَكِّيّ يروي عَن عبد الله بن أبي مليكَة، وذكوان بِفَتْح الذَّال الْمُعْجَمَة وَسُكُون الْكَاف وبالواو وَالنُّون دَبرته عَائِشَة، وَكَانَ من أفْصح الْقُرَّاء، مَاتَ فِي زمن الْحرَّة.
قَوْله: (إِن من نعم الله) ، بِكَسْر النُّون وَفتح الْعين جمع: نعْمَة. قَوْله: (عَليّ) ، بتَشْديد الْيَاء. قَوْله: (سحرِي) ، بِفَتْح السِّين وَسُكُون الْحَاء الْمُهْمَلَتَيْنِ، ويحكى ضم السِّين: الرئة، والنحر مَوضِع القلادة من الصَّدْر، وَقَالَ الدَّاودِيّ: السحر مَا بَين الثديين. قَوْله: (ركوة أَو علبة) ، شكّ من الرَّاوِي، والعلبة، بِضَم الْعين الْمُهْملَة وَسُكُون اللَّام وَفتح الْبَاء الْمُوَحدَة: المحلب من الْجلد. قَوْله: (يشك عمر) ، هُوَ عمر بن سعيد الرَّاوِي. قَوْله: (فَجعل يدْخل) ، بِضَم الْيَاء من الإدخال. قَوْله: (سَكَرَات) ، جمع سكرة وَهِي: الشدَّة.

4450 - ح دَّثنا إسْماعِيلُ قَالَ حدّثني سُلَيْمانُ بنُ بِلاَلٍ حدَّثنا هِشَامُ بنُ عُرْوَةَ أَخْبرنِي أبي عنْ عائِشَةَ رَضِي الله عَنْهَا أنَّ رسولَ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كانَ يَسألُ فِي مَرَضِهِ الذِي ماتَ فِيهِ يقُولُ أيْنَ أَنا غَداً يُرِيدُ يَوْمَ عائِشَةَ فأذِنَّ لهُ أزْوَاجُهُ يَكونُ حَيْثُ شاءَ فكانَ فِي بَيْتِ عائِشَةَ حَتَّى مَاتَ عِنْدَها قالَتْ عائِشَةُ فَماتَ فِي اليَوْمِ الَّذي كانَ يَدُورُ عَلَيَّ فِيهِ فِي بَيْتِي فَقَبَضَهُ الله وإنَّ رَأسَهُ لَبَيْنَ نَحْرِي وسَحْرِي وخالَطَ ريقُهُ رِيقِي ثُمَّ قَالَتْ دَخَلَ عبْدُ الرَّحْمانِ بنُ أبي بَكْرٍ

(18/70)


وَمَعَه سِواكٌ يَسْتَنُّ بِهِ فَنَظَرَ إلَيْهِ رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقُلْتُ لَهُ أعْطِني هاذَا السِّوَاكَ يَا عَبْدَ الرَّحْمانِ فأعْطانِيهِ فَقَصِمْتُهُ ثُمَّ مَضَغْتُهُ فأعْطَيْتُهُ رسولَ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فاسْتَنَّ بِهِ وهْوَ مُسْتَنِدٌ إِلَى صَدْرِي. .

مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. وَإِسْمَاعِيل هُوَ ابْن أبي أويس الْمدنِي. وَهَذَا طَرِيق آخر بِوَجْه آخر فِي حَدِيث عَائِشَة.
قَوْله: (فَأذن) ، بتَشْديد النُّون بِصِيغَة الْجمع الْمُؤَنَّث من الْمَاضِي. وَقَوله: (أَزوَاجه) فَاعله وَهُوَ من قبيل: أكلوني البراغيث. قَوْله: (وخالط رِيقه ريقي) ، أَي: بِسَبَب السِّوَاك. قَوْله: (وَهُوَ مُسْند إِلَى صَدْرِي) ، وَفِي الرِّوَايَة الْمَاضِيَة: وَأَنا مُسندَة رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَفِي رِوَايَة ابْن سعد من حَدِيث جَابر عَن عَليّ رَضِي الله عَنهُ: قبض رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَإنَّهُ لمستند إِلَى صَدْرِي، وَعَن الشّعبِيّ عَن عَليّ بن حُسَيْن: قبض رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَرَأسه فِي حجر عَليّ، وَعَن ابْن عَبَّاس: وَالله لِتوفي رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَإنَّهُ لمستند إِلَى صدر عَليّ رَضِي الله عَنهُ، وَهُوَ الَّذِي غسله وَأخي الْفضل وأبى أبي أَن يحضر فَقَالَ: إِنَّه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ يستحي أَن أرَاهُ حاسراً. وَفِي (الإكليل) للْحَاكِم بِإِسْنَادِهِ إِلَى عَليّ رَضِي الله عَنهُ، قَالَ: أسندت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَى صَدْرِي فسالت نَفسه، وَمن حَدِيث أم سَلمَة رَضِي الله عَنْهَا، قَالَت: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: كَانَ عَليّ آخِرهم عهدا بِهِ جعل، يسَاره وفوه على فِيهِ ثمَّ قبض، وَعَن عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا، قَالَت: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، لما حَضَره الْمَوْت: أَدْعُو لي حَبِيبِي، فَقلت: أدعوا عَليّ بن أبي طَالب، فوَاللَّه مايريد ريد غَيره، فَلَمَّا رَآهُ نزع الثَّوْب الَّذِي كَانَ عَلَيْهِ وَأدْخلهُ فِيهِ، وَلم يزل يحضنه حَتَّى قبض وَيَده عَلَيْهِ.

4451 - ح دَّثنا سُلَيْمانُ بنُ حَرْبٍ حَدثنَا حَمَّادُ بنُ زيْدٍ عنْ أيُّوبَ عنِ ابنِ أبي مُلَيْكَةَ عَن عائِشَةَ رَضِي الله عَنْهَا قالتْ تُوُفِّيَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي بَيْتِي وَفِي يَوْمِي وبَيْنَ سحْرِي ونَحْرِي وكانَتْ إحْدَانا تُعَوِّذُهُ بدُعاءٍ إذَا مرِضَ فذَهَبْتُ أُعَوِّذُهُ فَرَفَعَ رَأسَهُ إِلَى السَّماءِ وَقَالَ فِي الرَّفِيقِ الأعْلَى فِي الرَّفِيق الأعْلَى: ومَرَّ عَبْدُ الرَّحْمانِ بنُ أبي بَكْرٍ وَفِي يَدِهِ جرِيدَةٌ رَطْبَةٌ فَنَظَرَ إِلَيْهِ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَظَنَنتُ أنَّ لهُ بهَا حاجَةً فأخَذْتها فَمَضَغْتُ رَأْسَها ونفَضْتُها فدَفَعْتُها إلَيْهِ فاسْتَنَّ بِها كأحْسَن مَا كَانَ مُسْتَنًّا ثُمَّ ناوَلَنِيها فَسَقَطَتْ يَدُهُ أوْ سَقَطَتْ مِنْ يَدِهِ فَجَمَعَ الله بَيْنَ رِيقِي ورِيقِهِ فِي آخِر يَوْمٍ مِنَ الدُّنْيا وأوَّلِ يَوْمٍ مِنَ الآخِرَةِ. .

هَذَا طَرِيق آخر بِوَجْه آخر، وَأَيوب هُوَ السّخْتِيَانِيّ وَابْن أبي مليكَة هُوَ عبد الله وَقد مر غير مرّة.
قَوْله: (وَفِي يومي) أَي: فِي نوبتي بِحَسب الدّور الْمَعْهُود. قَوْله: (مستنا) ، هُوَ صِيغَة يَسْتَوِي فِيهِ إسم الْفَاعِل وَاسم الْمَفْعُول وَعند فك الْإِدْغَام يفرق بَينهمَا لِأَن فِي الْفَاعِل تكون النُّون الأولى مَكْسُورَة، وَفِي الْمَفْعُول مَفْتُوحَة. قَوْله: (فِي آخر يَوْم) أَي: من أَيَّام النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم.

4453 - ح دَّثنا يَحْيَى بنُ بُكَيْرٍ حَدثنَا اللَّيْثُ عنْ عُقَيْلٍ عَن ابنِ شِهابٍ قَالَ أخبرَني أبُو سلَمَة أنَّ عائِشَةَ أخْبَرَتْهُ أنَّ أَبَا بَكْرٍ رَضِي الله عَنهُ أقْبلَ عَلَى فَرَسٍ مِنْ مَسْكَنِهِ بالسُّنْحِ حَتَى نزَلَ فَدَخَلَ المَسْجِدَ فَلَمْ يُكَلِّمِ النَّاسَ حَتَّى دَخَلَ عَلَى عائِشَةَ فَتَيَمَّمَ رَسُولَ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وهْوَ مُغشَى بِثَوْبِ حِبرَةٍ فَكَشَفَ عنْ وَجْهِهِ ثُمَّ أكَبَّ عَلَيْهِ فَقَبَّلَهُ وَبَكَى ثُمَّ قَالَ بِأبي أنْتَ وأُمِّي وَالله

(18/71)


لَا يجْمَعُ الله عَلَيْكَ مَوْتَتَيْنِ أمَّا المَوْتَةُ الَّتي كُتِبَتْ عَلَيْكَ فَقَدْ مُتَّها. قَالَ الزُّهْرِيُّ وحدَّثني أبُو سَلَمَةَ عنْ عَبْدِ الله بن عبَّاس أَن أَبَا بكْرٍ خَرَجَ وعُمَرُ بنُ الخَطابِ يُكلِّمُ النَّاسَ فَقَالَ اجْلِسْ يَا عُمَرُ فَأبى عُمَرُ أنْ يَجْلِسَ فأقْبَلَ الناسُ إلَيْهِ وتَرَكُوا عُمَرَ فَقَالَ أبُو بَكْرٍ أمَّا بَعْدُ مَنْ كانَ مِنْكُمْ يَعْبُدُ مُحَمَّداً صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فإِنَّ مُحَمَّداً قدْ مَاتَ ومَنْ كانَ مِنْكُمْ يَعْبُدُ الله فَإِنَّ الله حَيٌّ لَا يَمُوتُ قَالَ الله تَعالى: {وَمَا مُحَمَّدٌ إلاَّ رسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ} إِلَى قَوْلِهِ: {الشَّاكِرِينَ} (آل عمرَان: 144) وَقَالَ وَالله لَكأنَّ النَّاسَ لمْ يَعْلَمُوا أنَّ الله أنْزَلَ هاذِهِ الآيَةَ حَتَّى تَلاَها أبُو بَكْرٍ فَتَلَقَّاها مِنْهُ النَّاسُ كُلَّهُم فَما أسْمَعُ بَشَراً مِنَ الناسِ إلاَّ يَتْلُوها فأخْبَرَنِي سَهيدُ بنُ المُسَيَّبِ أنَّ عُمَرَ قَالَ وَالله مَا هُوَ إلاَّ أنْ سمِعْتُ أَبَا بَكْرٍ تَلاها فَعُقِرْتُ حَتَّى مَا تُقِلُّنِي رِجْلاَيَ وَحَتَّى أهوَيْتُ إِلَى الأرْضِ حِينَ سَمِعْتُهُ تَلاَها أنَّ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قدْ ماتَ. .

مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. وَأَبُو سَلمَة بن عبد الرَّحْمَن بن عَوْف رَضِي الله عَنهُ. والْحَدِيث فِي كتاب الْجَنَائِز فِي: بَاب الدُّخُول على الْمَيِّت، وَمر الْكَلَام فِيهِ هُنَاكَ.
قَوْله: (بالسنح) ، بِضَم السِّين الْمُهْملَة وَسُكُون النُّون وَبِضَمِّهَا أَيْضا وَبِالْحَاءِ الْمُهْملَة: وَهُوَ مَوضِع فِي عوالي الْمَدِينَة كَانَ للصديق مسكن ثمَّة، وَيُقَال: هُوَ من منَازِل بني الْحَارِث بن الْخَزْرَج بعوالي الْمَدِينَة، وَقيل: كَانَ مسكن زَوجته. قَوْله: (فَتَيَمم) ، قصد. قَوْله: (وَهُوَ مغشى) ، أَي: مغطى (بِثَوْب حبرَة) ، بِكَسْر الْحَاء الْمُهْملَة وَفتح الْبَاء الْمُوَحدَة: وَهُوَ ثوب يماني، وَيُقَال: ثوب حبرَة، بِالْإِضَافَة وبالصفة. قَوْله: (موتتين) ، إِنَّمَا قَالَ ذَلِك أَبُو بكر حِين قَالَ عمر حِين مَاتَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: إِن الله سيبعث نبيه فَيقطع أَيدي رجال قَالُوا إِنَّه مَاتَ ثمَّ يَمُوت آخر الزَّمَان، فَأَرَادَ أَبُو بكر رد كَلَامه، أَي: لَا يكون ذَلِك فِي الدُّنْيَا إلاَّ موتَة وَاحِدَة. وَقَالَ الدَّاودِيّ: أَي لَا يَمُوت فِي قَبره موتَة أُخْرَى، كَمَا قيل فِي الْكَافِر وَالْمُنَافِق بعد أَن ترد إِلَيْهِ روحه ثمَّ تقبض، وَقيل: لَا يجمع الله عَلَيْك كرب هَذَا الْمَوْت، قد عصمك من عَذَابه وَمن أهوال يَوْم الْقِيَامَة، وَقيل: أَرَادَ بالموتة الْأُخْرَى موت الشَّرِيعَة، أَي: لَا يجمع الله عَلَيْك موتك وَمَوْت شريعتك.
قَوْله: (قَالَ الزُّهْرِيّ وحَدثني أَبُو سَلمَة) ، وَفِي بعض النّسخ: قَالَ: وحَدثني، بِدُونِ ذكر الزُّهْرِيّ. قَوْله: (وَعمر يكلم النَّاس) ، أَي: يَقُول لَهُم: مَا مَاتَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَعَن أَحْمد بِإِسْنَادِهِ عَن عَائِشَة، فَقَالَ عمر: لَا يَمُوت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، حَتَّى يَنْفِي الْمُنَافِقين. قَوْله: (فَأَخْبرنِي سعيد بن الْمسيب) من كَلَام الزُّهْرِيّ أَي: قَالَ الزُّهْرِيّ: فَأَخْبرنِي سعيد بن الْمسيب، وَقَالَ الْخطابِيّ: مَا أَدْرِي من يَقُول ذَلِك أَبُو سَلمَة وَالزهْرِيّ؟ قيل: صرح عبد الرَّزَّاق عَن معمر بِأَنَّهُ الزُّهْرِيّ. قَوْله: (فعقرت) ، بِضَم الْعين وَكسر الْقَاف، أَي: هَلَكت، ويروى بِفَتْح الْعين، أَي: دهشت وتحيرت، وَقيل: سَقَطت، وَرَوَاهُ يَعْقُوب بن السّكيت بِالْفَاءِ من العفر وَهُوَ التُّرَاب، وَفِي رِوَايَة الْكشميهني: فقعرت، بِتَقْدِيم الْقَاف على الْعين، قيل: هُوَ خطأ وَالصَّوَاب الأول. قَوْله: (مَا تُقِلني) بِضَم أَوله وَكسر الْقَاف وَتَشْديد اللَّام: أَي مَا تحملنِي، وَمِنْه قَوْله تَعَالَى: {حَتَّى إِذا أقلت سحاباً ثقالاً} (الْأَعْرَاف: 57) . قَوْله: (أهويت) ، وَفِي رِوَايَة الْكشميهني: هويت، قَالَ بَعضهم: هويت، بِفَتْح أَوله وَكسر الْوَاو: أَي سَقَطت. قلت: لَيْسَ كَذَلِك، بل هُوَ بِفَتْح الْهَاء وَالْوَاو مَعًا لِأَنَّهُ من: هوى يهوي هوياً من بَاب ضرب يضْرب، وَمِنْه قَوْله تَعَالَى: {والنجم إِذا هوى} (النَّجْم: 1) وَأما: هوي، بِكَسْر الْوَاو يهوي بِمَعْنى أحب، فَمن بَاب علم يعلم. قَوْله: (حِين سمعته تَلَاهَا، أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، قد مَاتَ) هَكَذَا رِوَايَة الْأَكْثَرين ويروى: حِين سمعته تَلَاهَا علمت أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قد مَاتَ، قَالَ الْكرْمَانِي: فَإِن قلت: كَيفَ قَالَ: تَلَاهَا إِن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، قد مَاتَ، وَلَيْسَ فِي الْقُرْآن ذَلِك؟ قلت: تَقْدِيره: تَلَاهَا رجل أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قد مَاتَ، ولتقرير ذَلِك. وَقَالَ بَعضهم: قَوْله: (أَن النَّبِي) بدل من: الْهَاء، فِي قَوْله: (تَلَاهَا) ، أَي: تَلا الْآيَة، مَعْنَاهَا: أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم

(18/72)


قد مَاتَ، وَهِي قَوْله: {إِنَّك ميت وَإِنَّهُم ميتون} (الزمر: 30) قلت: الَّذِي قَالَه الْكرْمَانِي أوضح وَأحسن.

4457 - ح دَّثني عَبْدُ الله بنُ أبي شَيْبَةَ حَدثنَا يَحْيَى بن سَعِيدٍ عنْ سُفْيَانَ عنْ مُوسَى بن أبي عائِشَةَ عنْ عُبَيْدِ الله بن عبْدِ الله بنِ عُتْبَةَ عنْ عائِشَة وَابْن عبَّاسٍ رَضِي الله عَنْهُم أنَّ أَبَا بَكْرٍ رَضِي الله عنهُ قَبَّلَ النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بَعْدَ مَوْتِهِ. .

مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (بعد مَوته) وَيحيى بن سعيد هُوَ الْقطَّان، وسُفْيَان هُوَ الثَّوْريّ، والْحَدِيث أخرجه البُخَارِيّ أَيْضا عَن عَليّ بن عبد الله على مَا يَأْتِي، وَأخرجه التِّرْمِذِيّ فِي الشَّمَائِل عَن بنْدَار وَغَيره. وَأخرجه النَّسَائِيّ فِي الْجَنَائِز عَن مُحَمَّد بن الْمثنى وَفِيه وَفِي الْوَفَاة عَن يَعْقُوب الدَّوْرَقِي. وَأخرجه ابْن مَاجَه فِي الْجَنَائِز عَن أَحْمد بن سِنَان وَغَيره، وَفِيه: لَا بَأْس بتقبيل الْمَيِّت.

4458 - حدَّثنا عَليٌّ حدَّثنا يَحيَى وزَادَ قالَتْ عائِشَةُ لَدَدْناهُ فِي مَرَضِهِ فَجَعَلَ يُشِيرُ إِلَيْنَا أنْ لاَ تَلُدُّوني فَقُلْنا كَرَاهيةُ المَريضِ لِلدَّوَاءِ فَلَمَّا أفاقَ قَالَ ألَمْ أنْهَكُمْ أنْ تَلُدُّوني قُلْنا كَرَاهِيَّةُ المَرِيضِ لِلدَّوَاءِ فَقَالَ لاَ يَبْقَى أحَدٌ فِي البَيْت إلاَّ لُدَّو أَنا أنْظُرُ إلاَّ العَباسَ فَإنَّهُ لَمْ يَشْهَدْكُمْ.
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (فِي مَرضه) ، وعَلى هُوَ ابْن الْمَدِينِيّ وَيحيى هُوَ ابْن سعيد الْقطَّان.
قَوْله: (وَزَاد) ، أَي: وَزَاد يحيى، أَشَارَ بِهَذَا إِلَى أَن عَليّ بن الْمَدِينِيّ وَافق عبد الله بن أبي شيبَة فِي رِوَايَته عَن يحيى بن سعيد الحَدِيث الَّذِي قبله، وَزَاد عَلَيْهِ قصَّة اللد. قَوْله: (لددناه) ، أَي: جعلنَا فِي جَانب فَمه دَوَاء بِغَيْر اخْتِيَاره، فَهَذَا هُوَ اللد، وَالَّذِي يصب فِي الْحلق يُسمى: الوجور، وَالَّذِي يصب فِي الْأنف يُسمى: السعوط. قَوْله: (كَرَاهِيَة الْمَرِيض) ، قَالَ عِيَاض: ضبطناه بِالرَّفْع أَي: هَذَا مِنْهُ كَرَاهِيَة الْمَرِيض، وَقَالَ أَبُو الْبَقَاء: هُوَ خبر مُبْتَدأ مَحْذُوف، أَي: هَذَا الِامْتِنَاع كَرَاهِيَة. قلت: لَيْسَ فِيهِ زِيَادَة فَائِدَة لِأَن مَا قَالَه مثل مَا قَالَه عِيَاض، وَيجوز النصب على أَنه مفعول، أَي: لأجل كَرَاهِيَة الْمَرِيض، وَيجوز انتصابه على المصدرية أَي: كرهه كَرَاهِيَة الْمَرِيض الدَّوَاء. قَوْله: (وَأَنا أنظر) جملَة حَالية. أَي: لَا يبْقى أحد إلاّ لد فِي حضوري، وَحَال نَظَرِي إِلَيْهِم قصاصا لفعلهم وعقوبة لَهُم لتركهم امْتِثَال نَهْيه عَن ذَلِك، أما من بَاشرهُ فَظَاهر، وَأما من لم يباشره فلكونهم تركُوا نهيهم عَمَّا نَهَاهُم هُوَ عَنهُ. قَوْله: (فَإِنَّهُ لم يشهدكم) ، أَي: لم يحضركم حَالَة اللد، ومَيْمُونَة أم الْمُؤمنِينَ كَانَت مَعَهم فلدت أَيْضا وَإِنَّهَا الصائمة لقسم رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، قيل: قَالَ ابْن إِسْحَاق فِي (الْمَغَازِي) إِن الْعَبَّاس هُوَ الْآمِر باللد، وَقَالَ: وَالله لألدَّنه، وَلما أَفَاق قَالَ: من صنع هَذَا بِي؟ قَالُوا: يَا رَسُول الله عمك. وَأجِيب: بِأَنَّهُ يُمكن التلفيق بَينهمَا بِأَن يُقَال: لَا مُنَافَاة بَين الْأَمر وَعدم الْحُضُور وَقت اللد.
رَوَاهُ ابنُ أبي الزِّنادِ عنْ هشامٍ عنْ أبِيهِ عنْ عائِشَةَ عنِ النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
أَي: روى الحَدِيث الْمَذْكُور عبد الرَّحْمَن بن أبي الزِّنَاد عَن هِشَام عَن أَبِيه عُرْوَة بن الزبير، وَوصل هَذَا التَّعْلِيق مُحَمَّد بن سعد عَن مُحَمَّد بن الصَّباح عَن عبد الرَّحْمَن بن أبي الزِّنَاد بِهَذَا السَّنَد وَكَانَ لَفظه: كَانَت تَأْخُذ رَسُول الله الخاصرة فاشتدت بِهِ فَأُغْمِيَ عَلَيْهِ فلددناه، فَلَمَّا أَفَاق قَالَ: كُنْتُم ترَوْنَ أَن الله يُسَلط عَليّ ذَات الْجنب؟ مَا كَانَ الله ليجعل لَهَا عَليّ سُلْطَانا، وَالله لَا يبْقى أحد فِي الْبَيْت إلاَّ لد، ولددنا مَيْمُونَة وَهِي صَائِمَة.

4459 - ح دَّثنا عَبْدُ الله بنُ مُحَمَّدٍ أخْبرنا أزْهَرُ أخْبرنا ابنُ عَوْنٍ عنْ إبْرَاهيمَ عنِ الأسْوَدِ قَالَ ذُكرَ عِنْدَ عائِشَةَ أنَّ النبيَّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أوْصَي إِلَيّ عَلِيّ فقالَتْ مَنْ قالهُ لَقَدْ رأيْتُ النبيَّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وإنِّي لَمُسْنِدَتُهُ إِلَى صَدْرِي فَدَعا بالطَّسْتِ فانْخَنَثَ فَماتَ فَما شعَرْتُ فَكَيْفَ أوصَى إلَى عَلِيّ. (انْظُر الحَدِيث 2741) .

(18/73)


مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (فَمَاتَ) وَعبد الله بن مُحَمَّد الْمَعْرُوف بالمسندي، وأزهر هُوَ ابْن سعد السمان الْبَصْرِيّ، وَابْن عون هُوَ عبد الله بن عون بن أرطبان الْبَصْرِيّ. وَإِبْرَاهِيم هُوَ النَّخعِيّ، وَالْأسود هُوَ ابْن يزِيد النَّخعِيّ خَال إِبْرَاهِيم والْحَدِيث مضى فِي أول الوصابا فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ عَن عَمْرو بن زُرَارَة عَن إِسْمَاعِيل عَن عون الخ وَمضى الْكَلَام فِيهِ.
قَوْله: (ذكر) ، على صِيغَة الْمَجْهُول. قَوْله: (فَدَعَا بالطست) ، يَعْنِي: ليتفل فِيهِ. قَوْله: (فانخنث) ، بِالْخَاءِ الْمُعْجَمَة وَفِي آخِره ثاء مُثَلّثَة أَي: استرخى وَمَال إِلَى أحد شقيه، من الانخناث، وَهُوَ الْميل والاسترخاء.

4460 - ح دَّثنا أبُو نُعَيْمٍ حدَّثنا مالِكُ بنُ مِغْوَلٍ عنْ طَلْحَةَ قَالَ سألْتُ عَبْدَ الله بنَ أبي أوْفَى رَضِي الله عَنْهُمَا آوْصَى النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ لَا فَقُلْتُ كَيْفَ عَلَى النَّاسِ الوَصِيَّةُ أوْ إُمروا بِها قَالَ أوْصَى بِكِتابِ الله. (انْظُر الحَدِيث 2740 وطرفه) .

مطابقته للتَّرْجَمَة من حَيْثُ إِنَّه مُطَابق للْحَدِيث السَّابِق، والمطابق للمطابق بِشَيْء مُطَابق لذَلِك الشَّيْء. وَأَبُو نعيم، بِضَم النُّون: الْفضل بن دُكَيْن، وَمَالك بن مغول، بِكَسْر الْمِيم وَسُكُون الْغَيْن الْمُعْجَمَة وَفتح الْوَاو وَفِي آخِره لَام، وَطَلْحَة هُوَ ابْن مصرف بِلَفْظ إسم الْفَاعِل أَو الْمَفْعُول من التصريف.
والْحَدِيث مضى فِي الْوَصَايَا فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ عَن خَلاد بن يحيى عَن مَالك بن مغول ... الخ.
(فَقَالَ: لَا) ، يَعْنِي: مَا أوصى فَإِن قلت: كَيفَ نفى هُنَا الْوَصِيَّة ثمَّ أثبتها بقوله: (أوصى بِكِتَاب الله) ؟ قلت: قَالَ الْكرْمَانِي: الْبَاء زَائِدَة، يَعْنِي أوصى كتاب الله أَي: أَمر بذلك، وَإِطْلَاق لفظ الْوَصِيَّة على سَبِيل المشاكلة فَلَا مُنَافَاة بَينهمَا أَو الْمَنْفِيّ الْوَصِيَّة بِالْمَالِ أَو بِالْإِمَامَةِ، والمثبت الْوَصِيَّة بِكِتَاب الله تَعَالَى. قَالَ: فَإِن قلت: كَيفَ طابق السُّؤَال الْجَواب؟ قلت: مَعْنَاهُ أوصى بِمَا فِي كتاب للها، وَمِنْه الْأَمر بِالْوَصِيَّةِ.

4462 - حدَّثنا سُلَيْمَانُ بنُ حَرْبٍ حَدثنَا حَمَّادٌ عنْ ثابِتٍ عنْ أنسٍ قَالَ لمّا ثَقُلَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم جَعَلَ يَتَغَشَّاهُ فقالتْ فاطِمَةُ عَلَيْهَا السلاَمُ واكَرْبَ أباهْ فَقَالَ لهَا لَيْسَ عَلَى أبِيكِ كَرْبٌ بَعْدَ اليَوْمِ فَلَمَّا مَاتَ قالَتْ يَا أبَتاهْ أجابَ رَبًّا دعاهْ يَا أبَتاهْ مَنْ جَنَّةُ الفِرْدُوْسِ مأْوَاهْ يَا أبتاهْ إلَى جِبْرِيلَ نَنْعاه فَلَمَّا دُفِنَ قالَتْ فاطِمَةُ عَلَيْهَا السَّلاَمُ يَا أنَسُ أطَابَتْ أنْفُسَكُمْ أنْ تَحْثُوا عَلَى رسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الترَابَ.
مطابقته للتَّرْجَمَة تُؤْخَذ من قَوْله: (فَلَمَّا دفن) ، وَحَمَّاد هُوَ ابْن زيد وثابت بن أسلم الْبنانِيّ.
والْحَدِيث أخرجه ابْن مَاجَه فِي الْجَنَائِز عَن عَليّ بن مُحَمَّد الطنافسي.
قَوْله: (لما ثقل) ، أَي: لما اشْتَدَّ بِهِ الْمَرَض. قَوْله: (جعل يتغشاه) ، فَاعل: جعل، الثّقل الَّذِي يدل عَلَيْهِ لفظ: ثقل، وَالضَّمِير الْمَرْفُوع فِي: يتغشاه، يرجع إِلَى الثّقل الْمُقدر، وَالضَّمِير الْمَنْصُوب يرجع إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَالْمرَاد بالثقل: الكرب الَّذِي هُوَ الْغم الَّذِي يَأْخُذ بِالنَّفسِ والشدة، وَلَا يُقَال: إِنَّه نوع من النِّيَاحَة لِأَن هَذَا ندبة

(18/74)


مُبَاحَة لَيْسَ فِيهَا مَا يشبه نوح الْجَاهِلِيَّة من الْكَذِب وَنَحْوه. قَوْله: (واكرب أَبَاهُ) ، مَنْدُوب، وَالْألف ألف الندبة، وَالْهَاء هَاء السكت لأجل الْوَقْف، قَوْله: (لَيْسَ على أَبِيك كرب بعد الْيَوْم) ، يَعْنِي: لَا يُصِيبهُ بعد الْيَوْم نصب وَلَا يجد لَهُ كرباً إِذا ذَهَبْنَا إِلَى دَار الْكَرَامَة، قَوْله: (يَا أبتاه) أَصله: يَا أبي، وَالتَّاء الْمُثَنَّاة من فَوق الَّتِي فِيهِ مبدلة من يَاء أبي، وَالْألف للندبة لمد الصَّوْت، وَالْهَاء للسكت. قَوْله: (من جنَّة الفردوس) ، وَمِيم كلمة: من، مَفْتُوحَة وَهِي مَوْصُولَة، و: جنَّة الفردوس، خَبره مقدما، أَي: مَأْوَاه خَبره أَي منزله وَقيل كلمة من بِكَسْر الْمِيم حرف جر فعلى هَذَا قَوْله (مَأْوَاه) مُبْتَدأ وَمن جنَّة الفردوس خَبره مقدما أَي كَائِن من جنَّة الفردوس، وَقَالَ بَعضهم: هَذَا أولى قلت: الأول أولى على مَا لَا يخفي على من يدقق نظره. قَوْله: (ننعاه) مضارع: نعى الْمَيِّت ينعاه نعياً ونعيّا بتَشْديد الْيَاء: إِذا ذاع مَوته وَأخْبر بِهِ وَإِذا نَدبه. وَقيل: الصَّوَاب نعاه يَعْنِي بِصِيغَة الْمَاضِي وَقَالَ بَعضهم: الأول موجه فَلَا معنى لتغليط الروَاة بِالظَّنِّ قلت: من نَص على أَن الروَاة رَوَوْهُ بِصِيغَة الْمُضَارع فَلم لَا يجوز أَن يكون ذَلِك من النساخ؟ قَوْله: (فَلَمَّا دفن قَالَت فَاطِمَة) ، هَذَا من رِوَايَة أنس عَن فَاطِمَة حَيْثُ قَالَت: (أطابت أَنفسكُم) الخ مَعْنَاهُ: كَيفَ طابت أَنفسكُم على حثو التُّرَاب عَلَيْهِ مَعَ شدَّة محبتكم لَهُ؟ وَسكت أنس عَن الْجَواب لَهَا رِعَايَة وتأدباً، وَلكنه أجَاب بِلِسَان الْحَال: قُلُوبنَا لم تطب بذلك وَلَكنَّا قهرنا على فعله امتثالاً لأَمره، وَالله أعلم.