عمدة القاري شرح صحيح البخاري

8 - (بابٌ: {إذْ هَمَّتْ طَائِفَتانِ مِنْكُمْ أنْ تَفْشَلا} (آل عمرَان: 122)

أَي: هَذَا بَاب فِي قَوْله تَعَالَى: {إِذْ هَمت طَائِفَتَانِ مِنْكُم أَن تَفْشَلَا} قَوْله: (إِذْ هَمت) بدل من قَوْله: إِذْ غَدَوْت. وَالْعَامِل فِيهِ. قَوْله: (وَالله سميع عليم) والطائفتان حَيَّان من الْأَنْصَار بَنو سَلمَة من الْخَزْرَج وَبَنُو حَارِثَة من الْأَوْس وهما الجناحان، خرج رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي غَزْوَة أحد فِي ألف، وَقيل: فِي تِسْعمائَة وَخمسين، وَالْمُشْرِكُونَ فِي ثَلَاثَة آلَاف وَوَعدهمْ الْفَتْح إِن صَبَرُوا فانخذل عبد الله بن أبي بِثلث النَّاس، وَقَالَ: يَا قوم علام نقْتل أَنْفُسنَا وَأَوْلَادنَا؟ فَتَبِعهُمْ عَمْرو بن حزم الْأنْصَارِيّ. فَقَالَ: أنْشدكُمْ الله فِي نَبِيكُم وَأَنْفُسكُمْ. فَقَالَ عبد الله: لَو نعلم قتالاً لَاتَّبَعْنَاكُمْ، فهمَّ الْحَيَّانِ بِاتِّبَاع عبد الله فَعَصَمَهُمْ الله فَمَضَوْا مَعَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم. قَوْله: (أَن تَفْشَلَا) ، كلمة أَن مَصْدَرِيَّة، والفشل الْجُبْن والخور.

4558 - ح دَّثنا عَلِيُّ بنُ عَبْدِ الله حدَّثنا سُفْيَانُ قَالَ قَالَ عَمْرٌ وسَمِعْتُ جَابِرَ بنَ عَبْدِ الله رَضِي الله عَنْهُمَا يَقُولُ فِينَا نَزَلتْ {إذْ هَمَّتْ طَائِفَتَانِ مِنْكُمْ أنْ تَفْشَلا وَالله وَلِيُّهُما} : قَالَ نَحْنُ الطَّائِفَتَانِ بنُو حَارِثَةَ وَبَنُو سَلِمَة وَمَا نُحب: وَقَالَ سُفْيَانَّ مَرَّةً وَمَا يَسُرُّنِي أنَّها لَمْ تُنْزَلْ لِقَوْلِ الله وَالله وَلِيَّهُما.

مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. وَعلي بن عبد الله هُوَ الْمَعْرُوف بِابْن الْمَدِينِيّ، وسُفْيَان هُوَ ابْن عُيَيْنَة، وَعَمْرو هُوَ ابْن دِينَار. والْحَدِيث مضى بِعَيْنِه متْنا وإسنادا فِي الْمَغَازِي فِي: بَاب: {إِذْ هَمت طَائِفَتَانِ مِنْكُم أَن تَفْشَلَا} مضى الْكَلَام فِيهِ هُنَاكَ. قَوْله: (وَالله وليهما) ، قَرَأَ ابْن مَسْعُود رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ. وَالله وليهم.

9 - (بابٌ: {لَيْسَ لَكَ مِنَ الأمْرِ شَيْءٌ} (آل عمرَان: 128)

أَي: هَذَا بَاب فِي قَوْله تَعَالَى: {لَيْسَ لَك من الْأَمر شَيْء} وَلم يذكر لفظ: بَاب هُنَا إلاّ فِي رِوَايَة أبي ذَر. وَقَالَ ابْن إِسْحَاق. أَي: لَيْسَ لَك من الحكم شَيْء فِي عبَادي إلاَّ مَا أَمرتك بِهِ فيهم، وَيُقَال: لَيْسَ لَك من الْأَمر شَيْء بل الْأَمر كُله إليّ كَمَا قَالَ: فإنماعليك الْبَلَاغ وعلينا الْحساب.

4559 - ح دَّثنا حِبَّانُ بنُ مُوسَى أخْبَرَنا عَبْدُ الله أخبرَنا مَعْمَرٌ عَن الزُّهْرِيَّ قَالَ حدَّثَنَي سَالِمٌ عنْ أبِيهِ أنّهُ سَمِعَ رَسُولَ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إذَا رَفَعَ رَأسَهُ مِنَ الرُّكُوعِ فِي الرَّكْعَةِ الآخِرَةِ مِنَ الفَجْرِ يَقُولُ اللَّهُمَّ الْعَنْ فُلانا وَفُلانا بَعْدَ مَا يَقُولُ سَمِعَ الله لِمَنْ حَمْدَهُ رَبَّنا وَلَكَ الحَمْدُ فَأنْزَلَ الله لَيْسَ لَكَ مِنَ الأمْرِ شَيْءٌ إلَى قَوْلِهِ فَإنَّهُمْ ظَالِمُونَ.

مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة وحبان، بِكَسْر الْحَاء الْمُهْملَة وَتَشْديد الْبَاء: ابْن مُوسَى أَبُو مُحَمَّد السّلمِيّ الْمروزِي، روى عَنهُ مُسلم أَيْضا وَعبد الله هُوَ ابْن الْمُبَارك الْمروزِي: والْحَدِيث قد مر بترجمته فِي غَزْوَة أحد فِي: بَاب (لَيْسَ لَك من الْأَمر شَيْء أَو يَتُوب عَلَيْهِم) فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ عَن يحيى بن عبد الله السّلمِيّ عَن عبد الله عَن معمر عَن الزُّهْرِيّ إِلَى آخِره وَمضى الْكَلَام فِيهِ هُنَاكَ.
رَوَاهُ إسْحَاقُ بنُ رَاشِدٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ
أَي: روى الحَدِيث الْمَذْكُور إِسْحَاق بن رَاشد الْحَرَّانِي عَن مُحَمَّد بن مُسلم الزُّهْرِيّ بِالْإِسْنَادِ الْمَذْكُور، وَوَصله الطَّبَرَانِيّ فِي (المعجم الْكَبِير) من طَرِيق إِسْحَاق.

81 - (حَدثنَا مُوسَى بن إِسْمَاعِيل حَدثنَا إِبْرَاهِيم بن سعد حَدثنَا ابْن شهَاب عَن سعيد بن الْمسيب وَأبي سَلمَة بن عبد الرَّحْمَن عَن أبي هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ أَن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -

(18/149)


كَانَ إِذا أَرَادَ أَن يَدْعُو على أحد أَو يَدْعُو لأحد قنت بعد الرُّكُوع فَرُبمَا قَالَ إِذا قَالَ سمع الله لمن حَمده اللَّهُمَّ رَبنَا لَك الْحَمد اللَّهُمَّ أَنْج الْوَلِيد بن الْوَلِيد وَسَلَمَة بن هِشَام وَعَيَّاش بن أبي ربيعَة اللَّهُمَّ اشْدُد وطأتك على مُضر وَاجْعَلْهَا سِنِين كَسِنِي يُوسُف يجْهر بذلك وَكَانَ يَقُول فِي بعض صلَاته فِي صَلَاة الْفجْر اللَّهُمَّ الْعَن فلَانا وَفُلَانًا لأحياء من الْعَرَب حَتَّى أنزل الله لَيْسَ لَك من الْأَمر شَيْء الْآيَة) مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة ومُوسَى بن إِسْمَاعِيل الْمنْقري الْبَصْرِيّ الْمَعْرُوف بالتبوذكي وَإِبْرَاهِيم بن سعد بن إِبْرَاهِيم بن سعد بن عبد الرَّحْمَن بن عَوْف وَابْن شهَاب هُوَ مُحَمَّد بن مُسلم الزُّهْرِيّ والْحَدِيث من أَفْرَاده وَزَاد ابْن حبَان " وَأصْبح ذَات يَوْم فَلم يدع لَهُم " وروى النَّسَائِيّ من حَدِيث عبد الله بن الْمُبَارك وَعبد الرَّزَّاق بإسنادهما عَن معمر مثل الحَدِيث السَّابِق قَوْله " كَانَ إِذا أَرَادَ أَن يَدْعُو على أحد أَو يَدْعُو لأحد " أَي فِي الصَّلَاة قَوْله " الْوَلِيد بن الْوَلِيد " أَي ابْن الْمُغيرَة وَهُوَ أَخُو خَالِد بن الْوَلِيد رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ وَكَانَ مِمَّن شهد بَدْرًا مَعَ الْمُشْركين وَأسر وأفدى نَفسه ثمَّ أسلم فحبس بِمَكَّة ثمَّ تواعد هُوَ وَسَلَمَة وَعَيَّاش المذكورون وهربوا من الْمُشْركين فَعلم النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - بمخرجهم فَدَعَا لَهُم أخرجه عبد الرَّزَّاق بِسَنَد مُرْسل وَمَات الْوَلِيد فِي حَيَاة النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَوْله " وَسَلَمَة بن هِشَام " أَي ابْن الْمُغيرَة وَهُوَ ابْن عَم الَّذِي قبله وَهُوَ أَخُو أبي جهل وَكَانَ من السَّابِقين إِلَى الْإِسْلَام وَاسْتشْهدَ فِي خلَافَة أبي بكر رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ بِالشَّام سنة أَربع عشرَة قَوْله " وَعَيَّاش " بِالْيَاءِ آخر الْحُرُوف الْمُشَدّدَة بالشين الْمُعْجَمَة وَأَبوهُ أَبُو ربيعَة اسْمه عَمْرو بن الْمُغيرَة وَهُوَ ابْن عَم الَّذِي قبله وَكَانَ من السَّابِقين إِلَى الْإِسْلَام أَيْضا ثمَّ خدعه أَبُو جهل فَرجع إِلَى مَكَّة فحبس بهَا ثمَّ فر مَعَ رفيقيه الْمَذْكُورين وعاش إِلَى خلَافَة عمر رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ فَمَاتَ سنة خمس عشرَة وَقيل قبل ذَلِك قَوْله " وطأتك " الْوَطْأَة كالضغطة لفظا وَمعنى وَقيل هِيَ الأخذة والبأس وَقيل مَعْنَاهُ خذهم أخذا شَدِيدا قَوْله " كَسِنِي يُوسُف " بنُون وَاحِدَة وَهُوَ الْأَصَح وروى " كسنين " بنونين وَهِي لُغَة قلية أَرَادَ سبعا شدادا ذَات قحط وَغَلَاء قَوْله " الْآيَة " بِالنّصب أَي اقْرَأ الْآيَة وَيجوز الرّفْع على تَقْدِير الْآيَة بِتَمَامِهَا وَيجوز النصب أَي خُذ الْآيَة أَو كملها -
10 - (بابٌ: {وَالرَّسُولُ يَدْعُوكُمْ فِي أُخْرَاكُمْ} (آل عمرَان: 153)

أَي: هَذَا بَاب فِي قَوْله تَعَالَى: {وَالرَّسُول يدعوكم} وَفِي بعض النّسخ بَاب قَوْله: {وَالرَّسُول يدعوكم} وَأول الْآيَة. (إِذْ تصعدون وَلَا تلوون على أحد وَالرَّسُول يدعوكم فِي أخراكم فأثابكم غما بغم لكيلا تحزنوا على مَا فاتكم وَلَا مَا أَصَابَكُم وَالله خَبِير بِمَا تَعْمَلُونَ) قَوْله: (إِذْ تصعدون) يَعْنِي: أذكر يَا مُحَمَّد حِين تصعدون من الإصعاد، وَهُوَ الذّهاب فِي الأَرْض، وَقَرَأَ الْحسن: تصعدون بِفَتْح التَّاء يَعْنِي فِي الْجَبَل. قَوْله: (وَلَا تلوون على أحد) . أَي: وَالْحَال أَنكُمْ لَا تلوون على أحد من الدهش وَالْخَوْف والرعب، وَقَرَأَ الْحسن: وَلَا تلؤون أَي: لَا تعطفون وَلما نبذ الْمُشْركُونَ على الْمُسلمين يَوْم أحد فهزموهم دخل بَعضهم الْمَدِينَة وَانْطَلق بَعضهم فَوق الْجَبَل إِلَى الصَّخْرَة فَقَامُوا عَلَيْهَا، وَجعل رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَدْعُو النَّاس (إِلَى عباد الله إِلَى عباد الله) ، وَهُوَ معنى قَوْله: (الرَّسُول يدعوكم فِي أخراكم) يَعْنِي: فِي ساقتكم وجماعتكم الْأُخْرَى وَهِي الْمُتَأَخِّرَة. قَوْله: (فأثابكم) أَي: فجازاكم (غما بغم) أَي: بِسَبَب غم اذقتموه رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَيُقَال غما على غم، قَالَ ابْن عَبَّاس: الْغم (الأول) : بِسَبَب الْهَزِيمَة، وَحين قيل: قتل مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم. (وَالثَّانِي) : حِين علاهم الْمُشْركُونَ فَوق الْجَبَل، وَعَن عبد الرَّحْمَن بن عَوْف الْغم (الأول) : بِسَبَب الْهَزِيمَة. (وَالثَّانِي) : حِين قيل: قتل مُحَمَّد، عَلَيْهِ السَّلَام، وَكَانَ ذَلِك عِنْدهم أعظم من الْهَزِيمَة. رَوَاهُمَا ابْن مرْدَوَيْه، وروى عمر بن الْخطاب، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ نَحْو ذَلِك، وروى ابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة ذَلِك أَيْضا. وَقَالَ السّديّ: الْغم (الأول) : بِسَبَب مَا فاتهم من الْغَنِيمَة وَالْفَتْح. (وَالثَّانِي) : إشراف الْعَدو عَلَيْهِم، وَقَالَ مُجَاهِد وَقَتَادَة: الْغم. (الأول) : سماعهم قتل مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم. (وَالثَّانِي) : مَا أَصَابَهُم من الْقَتْل وَالْجرْح. قَوْله:

(18/150)


(لكيلا تحزنوا على مَا فاتكم) أَي: من الْغَنِيمَة وَالظفر بعدوكم. قَوْله: (وَلَا مَا أَصَابَكُم) من الْقَتْل وَالْجرْح. قَالَه ابْن عَبَّاس وَعبد الرَّحْمَن بن عَوْف. وَالْحسن وَقَتَادَة وَالسُّديّ.
وَهُوَ تأنيثُ آخرِكُمْ
أَي: (أُخْراكم) الَّذِي فِي الْآيَة، وَهُوَ: {وَالرَّسُول يدعوكم} (آل عمرَان: 153) فِي اخراكم تَأْنِيث آخركم بِكَسْر الرَّاء وَلَيْسَ كَذَلِك، وَإِنَّمَا آخركم بِالْكَسْرِ ضد الأول، وَأما الْأُخْرَى فَهُوَ تَأْنِيث الآخر، بِفَتْح الْخَاء لَا بِكَسْرِهَا، وَالْبُخَارِيّ تبع فِي هَذَا أَبَا عُبَيْدَة فَإِنَّهُ قَالَ أخراكم آخركم، وَذهل فِيهِ، وَقد حكى الْفراء أَن من الْعَرَب من يَقُول: فِي أخراتكم، بِزِيَادَة التَّاء الْمُثَنَّاة من فَوق.
وَقَالَ ابنُ عَبَّاسٍ: إحْدَى الحُسْنَيَيْنِ فَتْحا أوْ شَهَادَةً
لَيْسَ لذكر هَذَا هُنَا وَجه، وَمحله فِي سُورَة بَرَاءَة، وَقَالَ بَعضهم، وَلَعَلَّه أوردهُ هُنَا للْإِشَارَة إِلَى أَن إِحْدَى الحسنيين وَقعت فِي أحد. (قلت) : هَذَا اعتذار فِيهِ بعد لَا يخفى، وَأما هَذَا التَّعْلِيق فقد وَصله ابْن أبي حَاتِم من طَرِيق عَليّ بن أبي طَلْحَة عَن ابْن عَبَّاس.

4561 - ح دَّثنا عَمْرُو بنُ خَالِدٍ حدَّثنا زُهَيْرٌ حَدَّثنا أبُو إسْحَاقَ قَال سَمِعْتُ البَرَاءَ بن عَازِبٍ رَضِي الله عَنْهُمَا قَال جَعَلَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَلَى الرَّجَّالَةِ يَوْمَ أُحُدٍ عَبْدَ الله بنَ جُبَيْرٍ وَأقْبَلُوا مُنْهَزِمِينَ فَذَاكَ إذْ يَدْعُوكُمْ الرَّسُولُ فِي أُخْرَاكُمْ وَلَمْ يَبْقَ مَعَ النَّبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم غَيْرُ اثنَيْ عَشَرَ رَجُلاً.

مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. وَعَمْرو، بِفَتْح الْعين ابْن خَالِد بن فروخ الْحَرَّانِي الْجَزرِي سكن مصر، وَزُهَيْر بن مُعَاوِيَة وَأَبُو إِسْحَاق عَمْرو بن عبد الله السبيعِي. والْحَدِيث قد مضى فِي غَزْوَة أُحد فِي: بَاب (إِذْ تصعدون وَلَا تلوون) بِعَين هَذَا الْإِسْنَاد والمتن غير أَن هُنَا بعض زِيَادَة وَهِي قَوْله: (وَلم يبْق مَعَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم) إِلَى آخِره.

11 - (بابُ قَوْلِهِ: {أمَنَةً نُعاسا} (آل عمرَان: 154)

أَي: هَذَا بَاب وسَاق الْآيَة إِلَى آخرهَا، وَذكرنَا هُنَاكَ مَا فِيهَا من التَّفْسِير.

12 - (بابُ قَوْلِهِ: {الَّذِينَ اسْتَجَابُوا لله وَالرَّسُولِ مِنْ بَعْدِ مَا أصَابُهُمْ القَرْحُ لِلَّذِينَ أحْسَنُوا مِنْهُمْ وَاتَّقَوْا أجْرٌ عَظِيمٌ} (آل عمرَان: 172)

(18/151)


أَي: هَذَا بَاب فِي قَوْله تَعَالَى: {الَّذين اسْتَجَابُوا لله وَالرَّسُول} الْآيَة. قَوْله: (الَّذين اسْتَجَابُوا) مُبْتَدأ وَخَبره قَوْله: (للَّذين أَحْسنُوا مِنْهُم) واستجابوا بِمَعْنى أجابوا، كَمَا فِي قَول الشَّاعِر:
(وداع دعايا من يُجيب إِلَى الندافل يستجبه عِنْد ذَاك مُجيب)

وَتقول الْعَرَب: استجبتك، بِمَعْنى: أَجَبْتُك، فَإِن قلت: مَا فَائِدَة هَذِه السِّين هُنَا؟ قلت: فائدتها أَنَّهَا تدل على أَن الْفِعْل الَّذِي تدخل عَلَيْهِ هَذِه السِّين وَاقع لَا محَالة، وَسَوَاء كَانَ فِي فعل مَحْبُوب أَو مَكْرُوه، وَسبب نزُول هَذِه الْآيَة الْكَرِيمَة مَا رَوَاهُ أبي حَاتِم: حَدثنَا مُحَمَّد بن عبد الله بن يزِيد حَدثنَا سُفْيَان بن عُيَيْنَة عَن عَمْرو عَن عِكْرِمَة. قَالَ: لما رَجَعَ الْمُشْركُونَ من أُحد قَالُوا: لَا مُحَمَّدًا قتلتم وَلَا الكواعب أردفتم بئس مَا صَنَعْتُم ارْجعُوا فَسمع رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، بذلك فندب الْمُسلمين فانتدبوا حَتَّى بلغ حَمْرَاء الْأسد أَو بِئْر أبي عتبَة الشَّك من سُفْيَان، فَقَالَ الْمُشْركُونَ: نرْجِع من قَلِيل، فَرجع رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم. فَكَانَت تعد غَزْوَة، وَأنزل الله عز وَجل: {الَّذين اسْتَجَابُوا لله وَالرَّسُول} الْآيَة. وَرَوَاهُ ابْن مرْدَوَيْه أَيْضا من حَدِيث مُحَمَّد بن مَنْصُور عَن سُفْيَان بن عُيَيْنَة عَن عَمْرو عَن عِكْرِمَة عَن ابْن عَبَّاس، فَذكره وَقَالَ: مُحَمَّد بن إِسْحَاق، حَدثنِي عبد الله بن خَارِجَة ابْن زيد بن ثَابت عَن أبي السَّائِب مولى عَائِشَة بنت عُثْمَان أَن رجلا من أَصْحَاب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، من بني عبد الْأَشْهَل كَانَ شهد أحدا قَالَ: شهِدت أحدا مَعَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، أَنا وَأَخ لي فرجعنا جريحين، فَلَمَّا أذن مُؤذن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، بِالْخرُوجِ فِي طلب الْعَدو. قلت لأخي وَقَالَ لي: أتفوتنا غَزْوَة مَعَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم؟ وَالله مَا لنا من دَابَّة نركبها وَمَا منا إلاَّ جريح ثقيل، فخرجنا مَعَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَكنت أيسر جرحات، فَكَانَ إِذا غلب حَملته عقبَة حَتَّى انتهينا إِلَى مَا انْتهى إِلَيْهِ الْمُسلمُونَ (فَإِن قلت) : لم لم يسْبق فِي هَذَا الْبَاب حَدِيثا؟ قلت: كَأَنَّهُ لم يظفر بِحَدِيث يطابقه فبيض لَهُ ثمَّ لم يدْرك تسويده، وَالَّذِي ذَكرْنَاهُ الْآن عَن ابْن أبي حَاتِم مُطَابق للباب لِأَن رِجَاله رجال الصَّحِيح، وَلكنه مُرْسل عَن عِكْرِمَة. فَإِن قلت: فِيهِ عَن ابْن عَبَّاس فِي رِوَايَة كَمَا فِي رِوَايَة ابْن مرْدَوَيْه. قلت: الْمَحْفُوظ عَن عِكْرِمَة لَيْسَ فِيهِ ابْن عَبَّاس، كَذَا قيل: وَفِيه مَوضِع التَّأَمُّل.
القَرْحُ الجِرَاحُ. اسْتَجَابُوا أجابُوا يَسْتَجيبُ يجَيبُ
أَشَارَ بقوله: الْقرح إِلَى مَا فِي قَوْله تَعَالَى: {أَن يمسسكم قرح فقد مس الْقَوْم قرح مثله} قَالَ الزَّمَخْشَرِيّ: الْقرح، بِفَتْح الْقَاف وَضمّهَا لُغَتَانِ كالضغف والضعف، وَقيل هُوَ بِالْفَتْح: الْجراح وبالضم المها وروى سعيد بن مَنْصُور بِإِسْنَاد جيد عَن ابْن مَسْعُود أَنه قَرَأَ الْقرح، بِالضَّمِّ وَهِي قِرَاءَة أهل الْكُوفَة، وَذكر أَبُو عبيد عَن عَائِشَة أَنَّهَا قَالَت: اقرؤها بِالْفَتْح لَا بِالضَّمِّ، وَقَرَأَ أَبُو السمال: قرح، بِفتْحَتَيْنِ وَالْمعْنَى: إِن نالوا مِنْكُم يَوْم أحد فقد نلتم مثله يَوْم بدر. قَوْله: (اسْتَجَابُوا أجابوا) أَشَارَ بِهَذَا إِلَى أَن الاستفعال بِمَعْنى الْأَفْعَال، وَقد ذكرنَا الْآن فَائِدَة السِّين. قَوْله: (يستجيب: يُجيب) ، أَرَادَ أَن يستجيب الَّذِي فِي قَوْله تَعَالَى: {ويستجيب الَّذين آمنُوا وَعمِلُوا الصَّالِحَات} (الشورى: 26) أَي: يُجيب الَّذين آمنُوا، وَإِنَّمَا ذكر هَذَا هُنَا وَهُوَ فِي سُورَة الشورى استشهاد لِلْآيَةِ الْمُتَقَدّمَة.

13 - (بابٌ: {إنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ} (آل عمرَان: 173) الآيَةَ)

أَي: هَذَا بَاب فِي قَوْله تَعَالَى: {إِن النَّاس قد جمعُوا لكم وأوله وَالَّذين قَالَ لَهُم النَّاس إِن النَّاس قد جمعُوا لكم فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُم إِيمَانًا وَقَالُوا حَسبنَا الله وَنعم الْوَكِيل} وَفِي رِوَايَة أبي ذَر: بَاب: {إِن النَّاس قد جمعُوا لكم فَاخْشَوْهُمْ} وَزَاد غَيره لفظ: الْآيَة، وَالْمرَاد بِالنَّاسِ الأول نعيم بن مَسْعُود الْأَشْجَعِيّ، وَقيل: المُنَافِقُونَ وَالْمرَاد بِالنَّاسِ الثَّانِي: أَبُو سُفْيَان وَأَصْحَابه، وَأَبُو نعيم أسلم بعد ذَلِك. فَإِن قلت: مَا وَجه إِطْلَاق الْجمع على الْوَاحِد فِي قَول من قَالَ إِن المُرَاد بِالنَّاسِ الأول هُوَ أَبُو نعيم؟ قلت: قَالَ الزَّمَخْشَرِيّ: لِأَنَّهُ من جنس النَّاس كَمَا يُقَال: فلَان يركب الْخَيل ويلبس البرود وَمَاله إلاَّ فرس وَاحِد وَبرد وَاحِد. قَوْله: (فَزَادَهُم) الْفَاعِل فِيهِ هُوَ الضَّمِير الَّذِي يرجع إِلَى مَا دلّ عَلَيْهِ قَوْله: (فَاخْشَوْهُمْ) أَي: ذَلِك التخويف زادهم إِيمَانًا أَي: تَصْدِيقًا وثبوتا

(18/152)


وَإِقَامَة على نصْرَة نَبِيّهم. قَوْله: (حَسبنَا الله) أَي: كافينا قَوْله: (وَنعم الْوَكِيل) أَي: نعم الموكول إِلَيْهِ.

4563 - ح دَّثنا أحْمَدُ بنُ يُونُسَ أُرَاهُ قَالَ حدَّثَنا أبُو بَكْرٍ عَنْ أبِي حَصينٍ عَنْ أبِي الضُّحَى عنِ ابنِ عَبَّاس حَسْبُنا الله وَنِعْمَ الوَكِيلُ قَالَها إبْرَاهِيمُ عَلَيْهِ السَّلامُ أُلْقِيَ فِي النَّارِ وَقَالَها مُحَمَّدٌ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حِينَ قَالُوا: {إنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنا الله وَنِعْمَ الوَكِيلُ} .

مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة، وَأحمد بن يُونُس هُوَ: أَحْمد بن عبد الله بن يُونُس التَّمِيمِي الْيَرْبُوعي الْكُوفِي، وَأَبُو بكر هُوَ ابْن عَيَّاش، بتَشْديد الْيَاء آخر الْحُرُوف. وبالشين الْمُعْجَمَة المقرىء الْمُحدث، قيل: اسْمه شُعْبَة وَأَبُو حُصَيْن، بِفَتْح الْحَاء الْمُهْملَة واسْمه عُثْمَان بن عَاصِم، وَأَبُو الضُّحَى اسْمه مُسلم بن صبيح.
والْحَدِيث أخرجه النَّسَائِيّ فِي التَّفْسِير أَيْضا عَن مُحَمَّد بن إِسْمَاعِيل، وَفِيه وَفِي الْيَوْم وَاللَّيْلَة عَن هَارُون بن عبد الله.
قَوْله: (أرَاهُ) بِضَم الْهمزَة. أَي: أَظُنهُ، وَالْقَائِل بِهَذِهِ اللَّفْظَة البُخَارِيّ فَكَأَنَّهُ شكّ فِي شيخ شَيْخه وَفِي كَون مثل هَذِه الرِّوَايَة حجَّة خلاف. قَوْله: (وَقَالَهَا مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم) ذكر القَاضِي إِسْحَاق البستي فِي (تَفْسِيره) عَن قُتَيْبَة: حَدثنَا حجاج عَن ابْن جريج عَن مُجَاهِد فِي قَوْله: (الَّذين قَالَ لَهُم النَّاس) قَالَ أَبُو سُفْيَان: يَوْم أحد مَوْعدكُمْ بدر حَيْثُ قتلتم أَصْحَابنَا فَانْطَلق النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، لموعده حَتَّى نزل بَدْرًا وَزعم بَعضهم، أَنه قَالَ ذَلِك فِي غَزْوَة حَمْرَاء الْأسد، وَفِي (تَفْسِير الطَّبَرِيّ) ، مر بِأبي سُفْيَان ركب من عبد الْقَيْس، فَقَالَ: إِذا جئْتُمْ مُحَمَّدًا فأخبروه. أَنا قد أجمعنا السّير إِلَيْهِ، فَلَمَّا أخبر النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، قَالَ: حَسبنَا الله وَنعم الْوَكِيل، ذكره عَن ابْن إِسْحَاق وَعَن ابْن عَبَّاس وَمُجاهد وَقَتَادَة وَعِكْرِمَة نَحْو.

4564 - ح دَّثنا مَالِك بنُ إسْماعِيل حدَّثنا إسْرَائِيل عَنْ أبي حَصِينٍ عنْ أبِي الضُّحَى عنِ ابنِ عبَّاسٍ قَال كَانَ آخِرَ قَوْلِ إبْرَاهِيمَ حِينَ أُلْقِيَ حِينَ أُلْقِيَ فِي النَّارِ {حَسْبِيَ الله وَنِعْمَ الوَكِيلُ} .

هَذَا طَرِيق آخر فِي الحَدِيث الْمَذْكُور أخرجه عَن مَالك بن إِسْمَاعِيل بن زِيَاد، أَبُو غَسَّان النَّهْدِيّ الْكُوفِي، وَإِسْرَائِيل هُوَ ابْن يُونُس بن أبي إِسْحَاق السبيعِي الْكُوفِي، وروى النَّسَائِيّ كَمَا فِي رِوَايَة البُخَارِيّ. كَانَ آخر قَول إِبْرَاهِيم، عَلَيْهِ السَّلَام، وَوَقع عِنْد أبي نعيم فِي (الْمُسْتَخْرج) من طَرِيق عبيد الله بن مُوسَى عَن إِسْرَائِيل بِهَذَا الْإِسْنَاد أَنَّهَا أول مَا قَالَ، والتوفيق بَينهمَا أَنه يحمل على أَنه يكون أول شَيْء قَالَ، وَآخر شَيْء قَالَ.

14 - (بابٌ: {وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِمَا آتَاهُمُ الله مِنْ فَضْلِهِ} (آل عمرَان: 180) الآيَةَ)

أَي: هَذَا بَاب فِي قَوْله تَعَالَى: {وَلَا تحسبن الَّذين يَبْخلُونَ بِمَا آتَاهُم الله من فَضله} الْآيَة هَكَذَا وَقع فِي رِوَايَة أبي ذَر، وَفِي رِوَايَة غَيره سيقت الْآيَة إِلَى آخرهَا قَالَ الواحدي: أجمع الْمُفَسِّرُونَ على أَنَّهَا نزلت فِي مانعي الزَّكَاة، وروى عَطِيَّة الْعَوْفِيّ عَن ابْن عَبَّاس أَنَّهَا نزلت فِي أَحْبَار الْيَهُود الَّذين كتموا صفة مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، ونبوته وَأَرَادَ بالبخل كتمان الْعلم الَّذِي آتَاهُم الله عز وَجل، وَذكره الزّجاج أَيْضا عَن ابْن جريج وَاخْتَارَهُ، وَفِي (تَفْسِير أبي عبد الله بن النَّقِيب) أَن هَذِه الْآيَة الْكَرِيمَة نزلت فِي الْبَخِيل بِنَفَقَة الْجِهَاد حَيْثُ كَانَت النَّفَقَة فِيهِ وَاجِبَة. وَقيل: نزلت فِي النَّفَقَة على الْعِيَال وَذَوي الْأَرْحَام إِذا كَانُوا مُحْتَاجين. قَالَ الزَّمَخْشَرِيّ، وَلَا تحسبن من قَرَأَ بِالتَّاءِ قدر مُضَافا محذوفا أَي: وَلَا تحسبن بخل الَّذين يَبْخلُونَ هُوَ خيرا لَهُم، وَكَذَلِكَ من قَرَأَ بِالْيَاءِ وَجعل فَاعل: يَحسبن، ضمير رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، أَو ضمير أحد، وَمن جعل فَاعله الَّذين يَبْخلُونَ كَانَ الْمَفْعُول الأول عِنْده محذوفا، تَقْدِيره، وَلَا تحسبن الَّذين يَبْخلُونَ بخلهم هُوَ خيرا لَهُم، وَالَّذِي سوغ حذفه دلَالَة، يَبْخلُونَ، عَلَيْهِ قَوْله: (هُوَ خيرا لَهُم) كلمة هُوَ فصل وَقَرَأَ الْأَعْمَش بِغَيْر هُوَ. قَوْله: (سيطوقون) تَفْسِير لقَوْله: (بل هُوَ شَرّ لَهُم) أَي: سيلزمون وبال مَا يَخْلُو بِهِ إِلْزَام الطوق، وروى عبد الرَّزَّاق وَسَعِيد بن مَنْصُور من طَرِيق إِبْرَاهِيم النَّخعِيّ بِإِسْنَاد جيد فِي هَذِه الْآيَة سيطوقون، قَالَ: بطوق من النَّار.

(18/153)


سَيُطَوَّقُونَ كَقَوْلِكَ طَوَّقْتُهُ بِطَوْقٍ
أَرَادَ بِهَذَا تَفْسِير قَوْله: {سيطوقون مَا بخلوا بِهِ} حَاصِل الْمَعْنى: أَن مَا بخلوا بِهِ فِي الدُّنْيَا يَجْعَل أطواقا يَوْم الْقِيَامَة فيطوقون بهَا فَعَن ابْن عَبَّاس، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا سيحملون يَوْم الْقِيَامَة مَا بخلوا بِهِ، وَعَن مُجَاهِد: يكلفون أَن يَأْتُوا بِمَا بخلوا بِهِ، وَعَن أبي مَالك الْعَبْدي: يخرج لَهُم مَا بخلوا بِهِ شجاعا أَقرع من النَّار فيطوقونه، وَعَن ابْن مَسْعُود ثعبانا يلتوي بِهِ رَأس أحدهم. قَوْله: (كَقَوْلِك: طوقته) ، يَعْنِي الَّذِي بخلوا بِهِ يصير أطواقا فِي أَعْنَاقهم فيصيرون مطوقين. كَمَا فِي قَوْلك إِذا قلت: طوقت فلَانا، يَعْنِي: جعلت فِي عُنُقه طوقا حَتَّى صَار مطوقا.

4565 - ح دَّثني عَبْدُ الله بنُ مُنِيرٍ سَمِع أبَا النَّضْرِ حدَّثنا عَبْدُ الرَّحمانِ هُوَ ابنُ عَبْدِ الله بنِ دِينارٍ عنْ أبِيهِ عنْ أبِي صَالِحٍ عنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ الله عَنهُ قَالَ قَالَ رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَنْ آتَاهُ الله مَالا فَلَمْ يُؤَدِّ زَكَاتَهُ مُثْلَ لَهُ مَالُهُ شُجاعا أقْرَعَ لهُ زَبيبتَانِ يُطَوِّقُهُ يَوْمَ القِيَامَةِ يَأْخُذُ بِلِهْزِمَتَيْهِ يَعْنِي بِشِدْقَيْهِ يَقُولُ أنَا مَالِكَ أنَا كَنْزُكَ ثُمَّ تَلا هاذِهِ الآيَةَ {وَلا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِمَا آتَاهُمْ الله مِنْ فَضْلِهِ} إلَى آخِرِ الآيَةَ.

مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة وَعبد الله بن مُنِير، بِضَم الْمِيم وَكسر النُّون على وزن اسْم فَاعل من الإنارة، أَبُو عبد الرَّحْمَن الْمروزِي الزَّاهِد، وَأَبُو النَّضر، بِفَتْح النُّون وَسُكُون الضَّاد الْمُعْجَمَة، هَاشم بن الْقَاسِم ولقبه قَيْصر التَّمِيمِي، وَيُقَال: الْكِنَانِي الْحَافِظ الْخُرَاسَانِي، سكن بَغْدَاد، وَأَبُو صَالح السمان واسْمه ذكْوَان. والْحَدِيث مضى فِي كتاب الزَّكَاة فِي: بَاب إِثْم مَانع الزَّكَاة، فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ عَن عَليّ بن عبد الله عَن هَاشم بن الْقَاسِم عَن عبد الرَّحْمَن بن دِينَار إِلَى آخِره نَحوه: وَمضى الْكَلَام فِيهِ هُنَاكَ.
قَوْله: (مثل) على صِيغَة الْمَجْهُول أَي: صور لَهُ مَاله (شجاعا) أَي: حَيَّة (أَقرع) أَي: منحسر شعر الرَّأْس لِكَثْرَة سمه. والزبيبة، بِفَتْح الزَّاي وَكسر الْبَاء الْمُوَحدَة الأولى: النقطة السَّوْدَاء فَوق الْعين، واللهزمة: بِكَسْر اللَّام وَسُكُون الْهَاء وبالزاي: وَهِي الشدق.

15 - (بابٌ: {وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا أَذَى كَثِيرا} (آل عمرَان: 186)

أَي: هَذَا بَاب فِي قَوْله تَعَالَى: {ولتسمعن من الَّذين أُوتُوا الْكتاب} الْآيَة. قَالَ الواحدي؟ عَن كَعْب بن مَالك: إِن سَبَب نزلوها هُوَ أَن كَعْب بن الْأَشْرَف كَانَ يهجو سيدنَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ويحرض عَلَيْهِ كفار قُرَيْش، فَلَمَّا قدم رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، الْمَدِينَة وَبهَا، أخلاط مِنْهُم الْمُسلمُونَ وَمِنْهُم الْمُشْركُونَ وَمِنْهُم الْيَهُود أَرَادَ أَن يستصلحهم، فَكَانَ الْمُشْركُونَ وَالْيَهُود يؤذونه ويؤذون أَصْحَابه أَشد الإذاء فَأمر الله عز وجلّ نبيه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، بِالصبرِ على ذَلِك، وَقَالَ عِكْرِمَة: نزلت فِي سيدنَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، إِذْ بعث أَبَا بكر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، إِلَى فنحَاص بن عازورا يستمده، فَقَالَ فنحَاص: قد احْتَاجَ ربكُم أَن نمده وَأول الْآيَة. {لتبلون فِي أَمْوَالكُم وَأَنْفُسكُمْ ولتسمعن من الَّذين أُوتُوا الْكتاب} يَعْنِي: الْيَهُود فِي قَوْلهم: إِن الله فَقير وَنحن أَغْنِيَاء، وَقَوْلهمْ: يَد الله مغلولة، وَمَا أشبه ذَلِك من افترائهم على الله. قَوْله: (وَمن الَّذين أشركوا) ، يَعْنِي: النَّصَارَى فِي قَوْلهم: الْمَسِيح ابْن الله، وَمَا أشبهه. قَوْله: (أَذَى كثيرا) ، قَالَ الزّجاج: مَقْصُور يكْتب بِالْيَاءِ يُقَال: قد أَذَى فلَان يأذى، إِذا سمع مَا يسوؤه، وَقَالَ الْجَوْهَرِي: أَذَاهُ يُؤْذِيه أذاءة وأذية.

87 - (حَدثنَا أَبُو الْيَمَان أخبرنَا شُعَيْب عَن الزُّهْرِيّ قَالَ أَخْبرنِي عُرْوَة بن الزبير أَن أُسَامَة بن زيد رَضِي الله عَنْهُمَا أخبرهُ أَن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - ركب على حمَار على قطيفة فَدَكِيَّة وَأَرْدَفَ أُسَامَة بن زيد وَرَاءه يعود سعد بن عبَادَة فِي بني الْحَارِث بن الْخَزْرَج قبل وقْعَة بدر قَالَ حَتَّى مر بِمَجْلِس فِيهِ عبد الله بن أبي بن سلول وَذَلِكَ قبل أَن يسلم عبد الله بن أبي فَإِذا فِي الْمجْلس أخلاط من الْمُسلمين وَالْمُشْرِكين عَبدة الْأَوْثَان وَالْيَهُود وَالْمُسْلِمين وَفِي الْمجْلس

(18/154)


عبد الله بن رَوَاحَة فَلَمَّا غشيت الْمجْلس عجاجة الدَّابَّة خمر عبد الله بن أبي أَنفه بردائه ثمَّ قَالَ لَا تغبروا علينا فَسلم رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - عَلَيْهِم ثمَّ وقف فَنزل فَدَعَاهُمْ إِلَى الله وَقَرَأَ عَلَيْهِم الْقُرْآن فَقَالَ عبد الله بن أبي ابْن سلول أَيهَا الْمَرْء إِنَّه لَا أحسن مِمَّا تَقول إِن كَانَ حَقًا فَلَا تؤذينا بِهِ فِي مَجْلِسنَا ارْجع إِلَى رحلك فَمن جَاءَك فاقصص عَلَيْهِ فَقَالَ عبد الله بن رَوَاحَة بلَى يَا رَسُول الله فاغشنا بِهِ فِي مجالسنا فَإنَّا نحب ذَلِك فاستب الْمُسلمُونَ وَالْمُشْرِكُونَ وَالْيَهُود حَتَّى كَادُوا يتثاورون فَلم يزل النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - يخفضهم حَتَّى سكنوا ثمَّ ركب النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - دَابَّته فَسَار حَتَّى دخل على سعد بن عبَادَة فَقَالَ لَهُ النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - يَا سعد ألم تسمع مَا قَالَ أَبُو حباب يُرِيد عبد الله بن أبي قَالَ كَذَا وَكَذَا قَالَ سعد بن عبَادَة يَا رَسُول الله اعْفُ عَنهُ وَاصْفَحْ عَنهُ فو الَّذِي أنزل عَلَيْك الْكتاب لقد جَاءَ الله بِالْحَقِّ الَّذِي أنزل عَلَيْك وَلَقَد اصْطلحَ أهل هَذِه الْبحيرَة على أَن يُتَوِّجُوهُ فيعصبوه بِالْعِصَابَةِ فَلَمَّا أَبى الله ذَلِك بِالْحَقِّ الَّذِي أَعْطَاك الله شَرق بذلك فَذَلِك فعل بِهِ مَا رَأَيْت فَعَفَا عَنهُ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَكَانَ النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَأَصْحَابه يعفون عَن الْمُشْركين وَأهل الْكتاب كَمَا أَمرهم الله ويصبرون على الْأَذَى قَالَ الله عز وَجل {ولتسمعن من الَّذين أُوتُوا الْكتاب من قبلكُمْ وَمن الَّذين أشركوا أَذَى كثيرا} الْآيَة وَقَالَ الله {ود كثير من أهل الْكتاب لَو يردونكم من بعد إيمَانكُمْ كفَّارًا حسدا من عِنْد أنفسهم} إِلَى آخر الْآيَة وَكَانَ النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - يتَأَوَّل الْعَفو مَا أمره الله بِهِ حَتَّى أذن الله فيهم فَلَمَّا غزا رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - بَدْرًا فَقتل الله بِهِ صَنَادِيد كفار قُرَيْش قَالَ ابْن أبي ابْن سلول وَمن مَعَه من الْمُشْركين وَعَبدَة الْأَوْثَان هَذَا أَمر قد توجه فَبَايعُوا الرَّسُول - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - على الْإِسْلَام فأسلموا) مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة وَأَبُو الْيَمَان الحكم بن نَافِع الْحِمصِي وَشُعَيْب بن أبي حَمْزَة الْحِمصِي وَأخرج هَذَا الحَدِيث هُنَا بأتم الطّرق وأكملها وَأخرجه فِي الْجِهَاد مُخْتَصرا جدا مُقْتَصرا على أرداف أُسَامَة من حَدِيث الزُّهْرِيّ عَن عُرْوَة عَن أُسَامَة وَأخرجه أَيْضا فِي اللبَاس عَن قُتَيْبَة وَفِي الْأَدَب عَن أبي الْيَمَان أَيْضا وَعَن إِسْمَاعِيل وَفِي الطِّبّ عَن يحيى بن بكير وَفِي الاسْتِئْذَان عَن إِبْرَاهِيم بن مُوسَى وَأخرجه مُسلم فِي الْمَغَازِي وَالنَّسَائِيّ فِي الطِّبّ قَوْله " على قطيفة " بِفَتْح الْقَاف وَكسر الطَّاء الْمُهْملَة وَهِي كسَاء غليظ قَوْله " فَدَكِيَّة " صفتهَا أَي منسوبة إِلَى فدك بِفَتْح الْفَاء وَالدَّال وَهِي بَلْدَة مَشْهُورَة على مرحلَتَيْنِ أَو ثَلَاث من الْمَدِينَة قَوْله " يعود " جملَة حَالية قَوْله " فِي بني الْحَارِث " أَي فِي منَازِل بني الْحَارِث وهم قوم سعد بن عبَادَة وَفِيه أَحْكَام (جَوَاز الأرداف) وعيادة الْكَبِير الصَّغِير وَعدم امْتنَاع الْكَبِير عَن ركُوب الْحمير وَإِظْهَار التَّوَاضُع وَجَوَاز العيادة رَاكِبًا وَقَالَ الْمُهلب فِي هَذَا أَنْوَاع من التَّوَاضُع وَقد ذكر ابْن مَنْدَه أَسمَاء الأرداف فَبلغ نيفا وَثَلَاثِينَ شخصا قَوْله " ابْن سلول " بِرَفْع ابْن لِأَنَّهُ صفة عبد الله لَا صفة أبي لِأَن سلول اسْم أم عبد الله بن أبي وَهُوَ بِالْفَتْح لِأَنَّهُ لَا ينْصَرف قَوْله " وَذَلِكَ قبل أَن يسلم عبد الله بن أبي " أَي قبل أَن يظْهر الْإِسْلَام وَإِلَّا فَهُوَ لم يسلم قطّ قَوْله " فَإِذا فِي الْمجْلس " كلمة إِذا للمفاجأة قَوْله " أخلاط " بِفَتْح الْهمزَة جمع خلط بِالْكَسْرِ وَأُرِيد بِهِ الْأَنْوَاع قَوْله " عَبدة الْأَوْثَان " بِالْجَرِّ بدل من الْمُشْركين وَيجوز

(18/155)


أَن يكون عطف بَيَان قَوْله " وَالْيَهُود " بِالْجَرِّ عطف على عَبدة الْأَوْثَان وَقَالَ بَعضهم يجوز أَن يكون الْيَهُود عطفا على الْبَدَل أَو الْمُبدل مِنْهُ وَهُوَ الْأَظْهر (قلت) الْأَظْهر أَن يكون عطفا على الْبَدَل لِأَن الْمُبدل مِنْهُ فِي حكم السُّقُوط قَوْله " وَالْمُسْلِمين " مُكَرر فَلَا مَحل لَهُ هَهُنَا لِأَنَّهُ ذكر أَولا فَلَا فَائِدَة لذكره ثَانِيًا قَالَ الْكرْمَانِي لَعَلَّ فِي بعض النّسخ كَانَ أَولا وَفِي بَعْضهَا آخرا فَجمع الْكَاتِب بَينهمَا وَالله أعلم وَقَالَ بَعضهم الأولى حذف أَحدهمَا وَلم يبين أَيهمَا أولى بالحذف فَجعل الثَّانِي أولى على مَا لَا يخفى قَوْله " فَلَمَّا غشيت الْمجْلس " فعل ومفعول وعجاجة الدَّابَّة بِالرَّفْع فَاعله والعجاجة بِفَتْح الْعين الْمُهْملَة وَتَخْفِيف الجيمين الْغُبَار قَوْله " خمر " بِفَتْح الْخَاء الْمُعْجَمَة وَتَشْديد الْمِيم أَي غطى قَوْله " فَسلم رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - عَلَيْهِم " قَالَ صَاحب التَّوْضِيح لَعَلَّه نوى بِهِ الْمُسلمين فَلَا بَأْس بِهِ إِذا (قلت) إِذا كَانَ فِي مجْلِس مُسلمُونَ وكفار يجوز السَّلَام عَلَيْهِم وَيَنْوِي بِهِ الْمُسلمين قَوْله " ثمَّ وقف فَنزل " فِيهِ جَوَاز اسْتِمْرَار الْوُقُوف الْيَسِير على الدَّابَّة فَإِن طَال نزل كَفِعْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَقيل لبَعض التَّابِعين أَنه نهى عَن الْوُقُوف على متن الدَّابَّة قَالَ أَرَأَيْت لَو صيرتها سانية أما كَانَ يجوز لي ذَلِك قيل لَهُ نعم قَالَ فَأَي فرق بَينهمَا أَرَادَ لَا فرق بَينهمَا قَوْله " لَا أحسن مِمَّا تَقول " بِفَتْح الْهمزَة على وزن أفعل التَّفْضِيل وَهُوَ اسْم لَا وخبرها مَحْذُوف أَي لَا أحسن كَائِن مِمَّا تَقول قيل وَيجوز رفع أحسن على أَنه خبر لَا وَالِاسْم مَحْذُوف أَي لَا شَيْء أحسن مِمَّا تَقول وَفِي رِوَايَة الْكشميهني بِضَم أَوله وَكسر السِّين وَضم النُّون من أحسن يحسن وَفِي رِوَايَة أُخْرَى وَلَا حسن بِحَذْف الْألف وَفتح السِّين وَضم النُّون قَالَ بَعضهم على أَنَّهَا لَام الْقسم كَأَنَّهُ قَالَ لَا حسن من هَذَا أَن تقعد فِي بَيْتك وَلَا تَأْتِينَا (قلت) هَذَا غلط صَرِيح وَاللَّام فِيهِ لَام الِابْتِدَاء دخلت على أحسن الَّذِي هُوَ أفعل التَّفْضِيل وَلَيْسَ للام الْقسم فِيهِ مجَال وَلم يكتف هَذَا الغالط بِهَذَا الْغَلَط الْفَاحِش حَتَّى نسبه إِلَى عِيَاض وَحكى ابْن الْجَوْزِيّ ضم الْهمزَة وَتَشْديد السِّين بِغَيْر نون من الْحس يَعْنِي لَا أعلم شَيْئا قَوْله " إِن كَانَ حَقًا " شَرط وجزاؤه مقدما قَوْله " لَا أحسن مِمَّا تَقول " قَوْله " فَلَا تؤذينا " ويروى " فَلَا تؤذنا " على الأَصْل قَوْله " رحلك " أَي مَنْزِلك قَوْله " وَالْيَهُود " عطف على الْمُشْركين وَإِنَّمَا اختصوا بِالذكر وَإِن كَانُوا داخلين فِي الْمُشْركين تَنْبِيها على زِيَادَة شرهم قَوْله " كَادُوا يتثاورون " أَي قربوا أَن يتثاوروا بِقِتَال وَهُوَ من ثار بالثاء الْمُثَلَّثَة يثور إِذا قَامَ بِسُرْعَة وإزعاج وَعبارَة ابْن التِّين يتبادرون قَوْله " يخفضهم " أَي يسكنهم قَوْله حَتَّى سكنوا بالنُّون من السّكُون هَكَذَا هُوَ فِي رِوَايَة الْأَكْثَرين وَفِي رِوَايَة الْكشميهني حَتَّى سكتوا بِالتَّاءِ الْمُثَنَّاة من فَوق من السُّكُوت قَوْله " مَا قَالَ أَبُو حباب " بِضَم الْحَاء الْمُهْملَة وَتَخْفِيف الْبَاء الْمُوَحدَة وَبعد الْألف بَاء مُوَحدَة أُخْرَى وَهِي كنية عبد الله بن أبي وَلَيْسَت الكنية للتكرمة مُطلقًا بل قد تكون للشهرة وَغَيرهَا قَوْله " وَلَقَد اصْطلحَ " بِالْوَاو ويروى بِغَيْر الْوَاو وَوَجهه أَن يكون بَدَلا أَو عطف بَيَان وتوضيح أَو تكون الْوَاو محذوفة قَوْله " الْبحيرَة " بِضَم الْبَاء الْمُوَحدَة وَفتح الْحَاء الْمُهْملَة مصغرة وَقَالَ عِيَاض فِي غير صَحِيح مُسلم بِفَتْح الْبَاء وَكسر الْحَاء مكبرة وَكِلَاهُمَا بِمَعْنى وَاحِد يُرِيد أهل الْمَدِينَة والبحرة بِفَتْح الْبَاء الْمُوَحدَة وَسُكُون الْحَاء الأَرْض والبلد والبحار والقرى قَالَ بعض الْمُفَسّرين المُرَاد بقوله (ظهر الْفساد فِي الْبر وَالْبَحْر) الْقرى والأمصار وَقَالَ الطَّبَرِيّ كل قَرْيَة لَهَا نهر جَار فالعرب تسميها بحرة وَقَالَ ياقوت بحرة على لفظ تَأْنِيث الْبَحْر من أَسمَاء مَدِينَة سيدنَا رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وبالبحرين قَرْيَة لعبد الْقَيْس يُقَال لَهَا بحرة وبحرة مَوضِع لية من الطَّائِف وَقَالَ الْبكْرِيّ لية بِكَسْر أَوله وَتَشْديد الْيَاء آخر الْحُرُوف وَهِي أَرض من الطَّائِف على أَمْيَال يسيرَة وَهِي على لَيْلَة من قرن وَلما سَار رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - بعد حنين إِلَى الطَّائِف سلك على نَخْلَة الْيَمَامَة ثمَّ على قرن ثمَّ على الْمليح ثمَّ على بحرة الرعاء من لية فابتنى فِي بحرة مَسْجِدا وَصلى فِيهِ وَقَالَ ياقوت الْبحيرَة تَصْغِير بحرة يُرَاد بِهِ كل مجمع مَاء مستنقع لَا اتِّصَال لَهُ بالبحر الْأَعْظَم غَالِبا ثمَّ ذكر بحيرات عديدة ثمَّ قَالَ فِي آخرهَا والبحيرة كورة بِمصْر قرب اسكندرية قَوْله على أَن يُتَوِّجُوهُ أَي على أَن يَجْعَلُوهُ ملكا وَكَانَ من عَادَتهم إِذا ملكوا إنْسَانا توجوه أَي جعلُوا على رَأسه تاجا قَوْله فيعصبوه بِالْعِصَابَةِ أَي فيعمموه بعمامة الْمُلُوك وَوَقع فِي أَكثر نسخ البُخَارِيّ يعصبوه بِدُونِ الْفَاء وَوَجهه أَن يكون بَدَلا من قَوْله " على أَن يُتَوِّجُوهُ " ويروى فَيعصبُونَهُ بِالْفَاءِ وبالنون على تَقْدِير فهم يعصبونه قَالَ الْكرْمَانِي أَي يَجْعَلُوهُ رَئِيسا لَهُم ويسودوه عَلَيْهِم وَكَانَ الرئيس معصبا لما يعصب بِرَأْيهِ من الْأَمر وَقيل بل كَانَ الرؤساء يعصبون رُؤْسهمْ بعصابة يعْرفُونَ بهَا قَوْله شرف بِفَتْح الشين الْمُعْجَمَة

(18/156)


وَكسر الرَّاء وبالقاف يَعْنِي غص لِأَنَّهُ حسد رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فَكَانَ سَبَب نفَاقه يُقَال غص الرجل بِالطَّعَامِ وشرق بِالْمَاءِ وشجي بالعظم إِذا اعْترض شَيْء فِي الْحلق فَمنع الإساغة قَوْله " بذلك " أَي بِمَا أَتَى بِهِ النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَوْله " فَذَلِك فعل بِهِ مَا رَأَيْت " أَي الَّذِي أَتَى الله بِهِ من الْحق فعل بِهِ مَا رَأَيْت مِنْهُ من قَوْله وَفعله القبيحين وَمَا رَأَيْت فِي مَحل النصب لِأَنَّهُ مفعول فعل وَمَا مَوْصُولَة وصلتها محذوفة وَالتَّقْدِير الَّذِي رَأَيْته قَوْله " فَعَفَا عَنهُ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - " وَكَانَ الْعَفو مِنْهُ قبل أَن يُؤذن لَهُ فِي الْقِتَال كَمَا يذكرهُ فِي الحَدِيث قَوْله قَالَ الله تَعَالَى {ولتسمعن} الْآيَة ولتسمعن خطاب للْمُؤْمِنين خوطبوا بذلك ليوطنوا أنفسهم على احْتِمَال مَا سيلقون من الْأَذَى والشدائد وَالصَّبْر عَلَيْهَا وَقَالَ ابْن كثير يَقُول الله تَعَالَى للْمُؤْمِنين عِنْد مقدمهم الْمَدِينَة قبل وقْعَة بدر مسليا لَهُم عَمَّا ينالهم من الْأَذَى من أهل الْكتاب وَالْمُشْرِكين وَأمرهمْ بِالصبرِ والصفح حَتَّى يفرج الله تَعَالَى عَنْهُم قَوْله {فَإِن ذَلِك} أَي فَإِن الصَّبْر وَالتَّقوى قَوْله {من عزم الْأُمُور} أَي مِمَّا عزم الله أَن يكون ذَلِك عَزمَة من عَزمَات الله لَا بُد لكم أَن تصبروا وتتقوا قَوْله " حَتَّى أذن الله فيهم " أَي فِي قِتَالهمْ وَترك الْعَفو عَنْهُم وَلَيْسَ المُرَاد أَنه ترك الْعَفو أصلا بل بِالنِّسْبَةِ إِلَى ترك الْقِتَال وَلَا ووقوعه أخيرا وَإِلَّا فعفوه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - عَن كثير من الْمُشْركين وَالْيَهُود بالمن وَالْفِدَاء وصفحه عَن الْمُنَافِقين مَشْهُور فِي الْأَحَادِيث وَالسير قَوْله " صَنَادِيد " جمع صنديد وَهُوَ السَّيِّد الْكَبِير فِي الْقَوْم قَوْله " وَعَبدَة الْأَوْثَان " من عطف الْخَاص على الْعَام وَفَائِدَته الإيذان بِأَن إِيمَانهم كَانَ أبعد وضلالهم أَشد قَوْله " قد توجه " أَي ظهر وَجهه قَوْله " فَبَايعُوا " بِصُورَة الْجُمْلَة الْمَاضِيَة وَيحْتَمل أَن يكون بِصِيغَة الْأَمر -
16 - (بابٌ: {لَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِمَا أَتَوْا} (آل عمرَان: 188)

أَي: هَذَا بَاب يذكر فِيهِ قَوْله: {لَا يَحسبن الَّذين يفرحون بِمَا أَتَوا} وَلَفظ بَاب مَا ذكره إلاّ فِي رِوَايَة أبي ذَر. قَوْله: (لَا يَحسبن) بِالْيَاءِ وبالباء الْمُوَحدَة الْمَفْتُوحَة. وَقَوله: (الَّذين يفرحون) فَاعله، وقرىء بِالتَّاءِ الْمُثَنَّاة من فَوق خطاب لرَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وقرىء بِضَم الْبَاء الْمُوَحدَة على أَنه خطاب للْمُؤْمِنين. قَوْله: (بِمَا أَتَوا) أَي: بِمَا فعلوا وَلَفظ: أُتِي وَجَاء، يجيئان بِمَعْنى: فعل. قَالَ الله عز وَجل: {أَنه كَانَ وعده مأتيا} (مَرْيَم: 61) {لقد جِئْت شَيْئا فريا} (مَرْيَم: 27) .

4567 - ح دَّثنا سَعِيدُ بنُ أبِي مَرْيَمَ أخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بُن جَعْفَرٍ قَالَ حدَّثني زَيْدُ بنُ أسْلَ عنْ عَطَاءِ ابنِ يَسَارٍ عَنْ أبِي سَعِيد الخُدْرِيِّ رَضِي الله عَنهُ أنَّ رِجالاً مِنَ المُنَافِقِينَ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ إذَا خَرَجَ رَسُولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إلَى الغَزْوِ تَخَلَّفُوا عَنْهُ وَفَرِحُوا بِمَقْعَدِهِمْ خلافَ رَسُولِ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَإذَا قَدِمَ رَسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم اعْتَذَرُوا إلَيْهِ وَحَلَفُوا وَأَحَبُّوا أنْ يَفْعَلُوا فَنَزَلَتْ {لَا تَحْسَبن الَّذِينَ يَفْرَحُونَ} الآيَةَ.

مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة وَهِي: أَيْضا فِي بَيَان سَبَب نزُول الْآيَة الْمَذْكُورَة وَمُحَمّد بن جَعْفَر بن أبي كثير الْمدنِي، وَعَطَاء ابْن يسَار ضد الْيَمين.
والْحَدِيث أخرجه مُسلم فِي التَّوْبَة عَن الْحسن بن عَليّ الْحلْوانِي وَمُحَمّد بن سهل، كِلَاهُمَا عَن سعيد بن أبي مَرْيَم.
قَوْله: (بِمَقْعَدِهِمْ) ، أَي: بقعودهم، وَهُوَ مصدر ميمي. قَوْله: (فَنزلت) ، يَعْنِي هَذِه الْآيَة. وَهِي: {أَلا تحسبن الَّذين يفرحون} الْآيَة. هَكَذَا ذكر أَبُو سعيد الْخُدْرِيّ أَن سَبَب نزُول هَذِه الْآيَة هُوَ مَا ذكره، وَذكر أَحْمد عَن ابْن عَبَّاس أَنه قَالَ: إِنَّمَا نزلت فِي أهل الْكتاب على مَا يَجِيء الْآن، وَقَالَ الْقُرْطُبِيّ: نزلت فِي الْفَرِيقَيْنِ جَمِيعًا. وَذكر الْفراء أَنَّهَا نزلت فِي قَول الْيَهُود: نَحن أهل الْكتاب الأول وَالصَّلَاة وَالطَّاعَة، وَمَعَ ذَلِك لَا يقرونَ بِمُحَمد، فَنزلت: {وَيُحِبُّونَ أَن يحْمَدُوا بِمَا لم يَفْعَلُوا} وَعُمُوم اللَّفْظ يتَنَاوَل كل من أَتَى بحسنة ففرح بهَا فَرح إعجاب واحب أَن يحمده النَّاس ويثنوا عَلَيْهِ بِمَا لَيْسَ فِيهِ.

4568 - حدَّثني إبْرَاهِيمُ بنُ مُوسَى أخْبَرنا هِشامٌ أنَّ ابنُ جُرَيْجٍ أخبَرهُمْ عنِ ابنِ أبِي مُلَيْكَةَ أنَّ عَلْقَمَةَ بنَ وَقَّاصٍ أخْبَرَهُ أنَّ مَرْوَانَ قَالَ لِبَوَّابِهِ اذْهَبْ يَا رَافِعُ إلَى ابنِ عَبَّاسٍ فَقُلْ لَئِنْ كَانَ كلُّ امْرِىءٍ فَرِحَ بِمَا أُوْتِيَ وَأَحَبَّ أنْ يُحْمَدَ بِمَا لَمْ يَفْعَلْ مُعَذّبا لَنُعَذِّبَنَّ أجْمَعُونَ فَقَالَ ابنُ

(18/157)


عَبَّاسٍ وَمَا لَكُمْ وَلِهاذِهِ إنِما دَعا النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَهُودَ فَسَأَلَهُمْ عَنْ شَيْءٍ فَكَتَمُوهُ إياهُ وَأخْبَرُوهُ بِغَيْرِهِ فَأرَوُهُ قَدِ اسْتَحْمَدُوا إلَيْهِ بِمَا أخْبَرُوهُ عَنْهُ فِيما سَأَلَهُمْ وَفَرِحُوا بِما أُوتُوا مِنْ كِتْمَانِهِمْ ثُمَّ قَرَأَ ابنُ عَبَّاسٍ {وَإذْ أَخَذَ الله مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الكِتابَ} (آل عمرَان: 187) كَذَلِكَ حَتَّى قَوْلِهِ: {يفرحون بِمَا أُوْتُوا وَيُحِبُّونَ أنْ يَحْمَدُوا بِمَا لَمْ يَفْعَلُوا} (آل عمرَان: 188) .

أَشَارَ بِهَذَا إِلَى وَجه آخر فِي سَبَب نزُول الْآيَة الْمَذْكُورَة أخرجه عَن إِبْرَاهِيم بن مُوسَى أبي إِسْحَاق الْفراء الرَّازِيّ عَن هِشَام بن يُوسُف الصَّنْعَانِيّ عَن عبد الْملك بن عبد الْعَزِيز بن جريج عَن عبد الله بن أبي مليكَة عَن عَلْقَمَة بن وَقاص اللَّيْثِيّ من كبار التَّابِعين، وَقيل: لَهُ صُحْبَة.
والْحَدِيث أخرجه مُسلم أَيْضا من حَدِيث حجاج عَن ابْن جريج بِهِ.
قَوْله: (أَن مَرْوَان) هُوَ ابْن الحكم بن أبي الْعَاصِ، ولي الْخلَافَة وَكَانَ يَوْمئِذٍ أَمِير الْمَدِينَة من جِهَة مُعَاوِيَة. قَوْله: (يَا رَافع) هُوَ بواب مَرْوَان بن الحكم وَهُوَ مَجْهُول فَلذَلِك توقف جمَاعَة عَن القَوْل بِصِحَّة الحَدِيث حَتَّى إِن الْإِسْمَاعِيلِيّ قَالَ: يرحم الله البُخَارِيّ أخرج هَذَا الحَدِيث فِي (الصَّحِيح) مَعَ الِاخْتِلَاف على ابْن جريج ومرجع الحَدِيث إِلَى بواب مَرْوَان عَن ابْن عَبَّاس ومروان وبوابه بِمَنْزِلَة وَاحِدَة وَلم يذكر حَدِيث عُرْوَة عَن مَرْوَان وَحرب عَن يسرة فِي مس الذّكر وَذكر هَذَا وَلَا فرق بَينهمَا إلاَّ أَن البواب مسمّى ثمَّ لَا يعرف إلاَّ هَكَذَا والحرسي غير مُسَمّى وَالله يغْفر لنا وَله. قلت: إِنْكَار الْإِسْمَاعِيلِيّ على البُخَارِيّ فِي هَذَا من وُجُوه: الأول: الِاخْتِلَاف على ابْن جريج فَإِنَّهُ أخرجه من حَدِيث حجاج عَن ابْن أبي مليكَة عَن حميد، وَأخرجه أَيْضا من حَدِيث هِشَام عَن ابْن جريج عَن ابْن أبي مليكَة عَن عَلْقَمَة الحَدِيث بِعَيْنِه. وَقد اخْتلفَا (وَالثَّانِي) : أَن بواب مَرْوَان الَّذِي اسْمه رَافع مَجْهُول الْحَال وَلم يذكر إلاَّ فِي هَذَا الحَدِيث (فَإِن قلت) : إِن مَرْوَان لَو لم يعْتَمد عَلَيْهِ لم يقنع برسالته. قلت: قد سَمِعت أَن الْإِسْمَاعِيلِيّ قَالَ: مَرْوَان وبوابه بِمَنْزِلَة وَاحِدَة، وَقد انْفَرد بروايته البُخَارِيّ دون مُسلم. (وَالثَّالِث) : أَن البُخَارِيّ لم يُورد فِي (صَحِيحه) حَدِيث يسرة بنت صَفْوَان الصحابية فِي مس الذّكر وَلَا فرق بَينه وَبَين حَدِيث الْبَاب لما ذكرنَا. وَقد ساعد بَعضهم البُخَارِيّ فِيهِ بقوله: وَيحْتَمل أَن يكون عَلْقَمَة بن وَقاص كَانَ حَاضرا عِنْد ابْن عَبَّاس لما أجَاب. (قلت) : لَو كَانَ حَاضرا عِنْد ابْن عَبَّاس عِنْد جَوَابه لَكَانَ أخبر ابْن أبي مليكَة أَنه سمع ابْن عَبَّاس أَنه أجَاب لرافع بواب مَرْوَان بِالَّذِي سَمعه، ومقام عَلْقَمَة أجل من أَن يخبر عَن رجل مَجْهُول الْحَال بِخَبَر قد سَمعه عَن ابْن عَبَّاس وَترك ابْن عَبَّاس وَأخْبرهُ عَن غَيره بذلك. قَوْله: (فَقل) أَمر لرافع الْمَذْكُور. قَوْله: (بِمَا أُوتِيَ) يروي: (فَقل لَئِن كَانَ كل امرىء منا فَرح بدنيا وَأحب أَن يحمد) بِضَم الْبَاء على صِيغَة الْمَجْهُول. قَوْله: (معذبا) مَنْصُوب لِأَنَّهُ خبر: كَانَ. قَوْله: (لَنُعَذَّبَنَّ) جَوَاب قَوْله: (لَئِن) وَهُوَ على صِيغَة الْمَجْهُول. قَوْله: (أَجْمَعُونَ) وَفِي رِوَايَة حجاج بن مُحَمَّد (أَجْمَعِينَ) على الأَصْل. قَوْله: (وَمَا لكم ولهذه) إِنْكَار من ابْن عَبَّاس على السُّؤَال بِهَذِهِ الْمَسْأَلَة على الْوَجْه الْمَذْكُور وَأَن أصل هَذَا أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم دَعَا يهود إِلَى آخِره وَفِي رِوَايَة حجاج بن مُحَمَّد انما نزلت هَذِه الْآيَة فِي أهل الْكتاب. قَوْله: (فَسَأَلَهُمْ عَن شَيْء) ، قَالَ الْكرْمَانِي: قيل: هَذَا الشَّيْء هُوَ نعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم. قَوْله: (فَكَتَمُوهُ إِيَّاه) ، أَي: كُنْتُم يهود الشَّيْء الَّذِي سَأَلَهُمْ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَنهُ وَأَخْبرُوهُ بِغَيْر ذَلِك. قَوْله: (فأروه) أَي: فأرو النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِأَنَّهُم قد استحمدوا إِلَيْهِ، وَاسْتحْمدُوا على صِيغَة الْمَجْهُول من استحمد فلَان عِنْد فلَان أَي: صَار مَحْمُودًا عِنْده، وَالسِّين فِيهِ للصيرورة. قَوْله: (بِمَا أُوتُوا) ، كَذَا هُوَ فِي رِوَايَة الْحَمَوِيّ: بِضَم الْهمزَة بعْدهَا وَاو أَي: أعْطوا من الْعلم الَّذِي كتموه، وَفِي رِوَايَة الْأَكْثَرين (بِمَا أُوتُوا) بِدُونِ الْوَاو بعد الْهمزَة أَي: بِمَا جاؤوا قَوْله: (أَخذ الله مِيثَاق الَّذين أُوتُوا الْكتاب لتبيننه للنَّاس وَلَا تكتمونه) يَعْنِي: اذكر وَقت أَخذ الله مِيثَاق الْكتاب. قَوْله: (كَذَلِك) إِشَارَة إِلَى أَن الَّذين أخبر الله عَنْهُم فِي الْآيَة المسؤول عَنْهَا وهم المذكورون فِي قَوْله تَعَالَى: {وَلَا تحسبن الَّذين يفرحون بِمَا أُوتُوا وَيُحِبُّونَ أَن يحْمَدُوا بِمَا لم يَفْعَلُوا} كَمَا فِي الْآيَة الَّتِي قبلهَا أَي: قبل هَذِه الْآيَة وَهِي قَوْله تَعَالَى: (وَإِذ أَخذ الله مِيثَاق الَّذين أُوتُوا الْكتاب) الْآيَة.
تَابَعَهُ عَبْدُ الرَّزَاقِ عنِ ابنِ جُرَيْجٍ

(18/158)


أَي: تَابع هِشَام بن يُوسُف عبد الرَّزَّاق على رِوَايَته عَن ابْن جريج، وَوصل الْإِسْمَاعِيلِيّ هَذِه الْمُتَابَعَة فَقَالَ: حَدثنَا ابْن زَنْجوَيْه وَأَبُو سُفْيَان قَالَا: حَدثنَا عبد الرَّزَّاق أَنبأَنَا ابْن جريج عَن ابْن أبي مليكَة عَن عَلْقَمَة، فَذكره.

16 - ح دَّثنا ابنُ مُقَاتِلِ أخْبَرَنَا الحَجاجُ عنِ ابنِ جُرَيْجٌ أخْبَرَنِي بنُ أبِي مُلَيْكَةَ عنْ حُمَيْدٍ بنِ عَبْدِ الرَّحْمانِ بنِ عَوْفٍ أنَّهُ أخْبَرَهُ أنَّ مَرْوَانَ بِهَذَا.
هَذَا طَرِيق آخر فِي الحَدِيث الْمَذْكُور. أخرجه عَن مُحَمَّد بن مقَاتل الْمروزِي عَن حجاج الْأَعْوَر المصِّيصِي عَن ابْن جريج إِلَى آخِره، وَفِي الطَّرِيق الآخر السَّابِق أخرجه عَن هِشَام عَن ابْن جريج، وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيّ فِي (كتاب التتبع) أخرج مُحَمَّد. يَعْنِي: البُخَارِيّ حَدِيث ابْن جريج يَعْنِي هَذَا من حَدِيث حجاج عَنهُ عَن أبي مليكَة عَن حميد، وَأخرجه أَيْضا من حَدِيث هِشَام عَن ابْن جريج عَن ابْن أبي مليكَة عَن عَلْقَمَة الحَدِيث بِعَيْنِه، وَقد اخْتلفَا فَينْظر من يُتَابع أَحدهمَا. انْتهى (قلت) : أخرج مُسلم حَدِيث حجاج دون حَدِيث هِشَام، وَأخرج البُخَارِيّ مُتَابعَة هِشَام عبد الرَّزَّاق كَمَا ذكر الْآن، وَأخرجه ابْن أبي حَاتِم من طَرِيق مُحَمَّد بن ثَوْر عَن ابْن جريج كَمَا قَالَ عبد الرَّزَّاق.
قَوْله: (أَن مَرْوَان بِهَذَا) ، أَي: حَدثنَا بِهَذَا، وَلم يسق البُخَارِيّ الْمَتْن لهَذَا، وَسَاقه مُسلم والإسماعيلي من هَذَا الْوَجْه بِلَفْظ أَن مَرْوَان قَالَ لِبَوَّابِهِ: اذْهَبْ يَا رَافع إِلَى ابْن عَبَّاس فَقَالَ لَهُ فَذكر نَحْو حَدِيث هِشَام عَن ابْن حريج الْمَذْكُور أَولا.