عمدة القاري شرح صحيح البخاري

17 - (بَابُ قَوْلِهِ: {إنَّ فِي خَلْقِ السَّماواتِ وَالأَرْضِ} (آل عمرَان: 190) الآيَةَ)

أَي: هَذَا بَاب فِي قَوْله تَعَالَى: {إِن فِي خلق السَّمَوَات وَالْأَرْض وَاخْتِلَاف اللَّيْل وَالنَّهَار لآيَات لأولي الْأَلْبَاب} (آل عمرَان: 190) ويروى: بَاب قَوْله تَعَالَى: {إِن فِي خلق السَّمَوَات وَالْأَرْض} وسَاق إِلَى (الْأَلْبَاب) وَقَالَ الطَّبَرَانِيّ بِإِسْنَادِهِ إِلَى سعيد بن جُبَير عَن ابْن عَبَّاس. قَالَ: أَتَت قُرَيْش الْيَهُود فَقَالُوا: بِمَا جَاءَكُم مُوسَى، عَلَيْهِ السَّلَام؟ قَالُوا: عَصَاهُ وَيَده الْبَيْضَاء للناظرين، وَأتوا النَّصَارَى فَقَالُوا: كَيفَ كَانَ عِيسَى، عَلَيْهِ السَّلَام؟ قَالُوا: كَانَ يبرىء الأكمه والأبرص ويحيي الْمَوْتَى، فَأتوا النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالُوا: ادْع لنا أَن يَجْعَل لنا الصَّفَا ذَهَبا. فَدَعَا بِهِ فَنزلت هَذِه الْآيَة: {إِن فِي خلق السَّمَاوَات وَالْأَرْض} الْآيَة. فليتفكروا فِيهَا انْتهى قلت: هَذَا مُشكل لِأَن هَذِه الْآيَة مَدَنِيَّة وسؤالهم أَن يكون الصَّفَا ذَهَبا كَانَ بِمَكَّة، وَالله أعلم. قَوْله: (أَن فِي خلق السَّمَوَات) ، أَي: فِي ارتفاعها واتساعها وَالْأَرْض فِي انخفاضها وكثافتها واتضاعها وَمَا فِيهَا من الْآيَات الْعَظِيمَة الْمُشَاهدَة من كواكب سيارات وثوابت وبحار وجبال وقفار وأشجار ونبات وزروع وثمار وحيوان ومعادن وَمَنَافع مُخْتَلفَة الألوان والطعوم والروائح والخواص، (وَاخْتِلَاف اللَّيْل وَالنَّهَار) أَي: تعاقبهما وتعارضهما بالطول وَالْقصر (لآيَات) أَي: لأدلة وَاضِحَة على الصَّانِع وَعظم قدرته وباهر حكمته وعَلى وحدانيته (لأولي الْأَلْبَاب) أَي: لأَصْحَاب الْعُقُول التَّامَّة الذكية الَّتِي تدْرك الْأَشْيَاء بحقائقها على مَا هِيَ عَلَيْهِ.

4569 - ح دَّثنا سَعِيدُ بنُ أبِي مَرْيَمَ أخبرنَا مُحَمَّدُ بنُ جَعْفَرٍ قَالَ أخْبَرَنِي شَرِيكُ بنُ عَبْدِ الله بنِ أبِي نَمِرٍ عَنْ كُرَيْبٍ عنِ ابنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ الله عَنْهُمَا قَالَ بِتُّ عِنْدَ خَالَتِي مَيْمُونَةً فَتَحَدَّثَ رَسُولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَعَ أهْلِهِ سَاعَةٌ ثُمَّ رَقَدَ فَلَمَّا كَانَ ثُلُثُ اللَّيْلِ الآخِرُ قَعَدَ فَنَظَرَ إلَى السَّمَاءِ فَقَالَ {إنَّ فِي خَلْقِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لآيَاتٍ لأُوَلِي الألْبَابِ} ثُمَّ قَامَ فَتَوَضَأَ وَاسْتَنَّ فَصَلَى إحْدَى عَشَرَةَ رَكْعَةً ثُمَّ أذَّنَ بِلالٌ فَصَلَّى رِكْعَتَيْنِ ثُمَّ خَرَجَ فَصَلَّى الصُّبْحَ.

مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة، وَمُحَمّد بن جَعْفَر هُوَ ابْن أبي كثير. والْحَدِيث قد مضى فِي كتاب الْوتر فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ بأتم مِنْهُ عَن عبد الله بن سَلمَة عَن مَالك عَن مخرمَة بن سُلَيْمَان عَن كريب عَن ابْن عَبَّاس إِلَى آخِره، وَمضى الْكَلَام فِيهِ هُنَاكَ، وَفِيه مِمَّا لم يذكر هُنَاكَ مَا ذكره الصيدلاني من رِوَايَة المخلص عَنهُ عَن عبد الله أردْت أَن أعرف صَلَاة رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، من اللَّيْل، فَسَأَلت عَن ليلته فَقيل لزوجته مَيْمُونَة، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا، فأتيتها فَقلت: إِنِّي تنحيت عَن السخ، ففرشت لَهُ فِي

(18/159)


جَانب الْحُجْرَة، فَلَمَّا صلى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، بِأَصْحَابِهِ دخل إِلَى بَيته فحس بِي. فَقَالَ: من هَذَا؟ فَقَالَت مَيْمُونَة: ابْن عمك، وَذكر فِيهِ، فَلَمَّا كَانَ فِي جَوف اللَّيْل خرج إِلَى الْحُجْرَة فَقلب وَجهه إِلَى السَّمَاء ثمَّ عَاد إِلَى مضجعه فَلَمَّا كَانَ ثلث اللَّيْل الآخر خرج إِلَى الْحُجْرَة فَقلب وَجهه فِي أفق السَّمَاء ثمَّ عمد إِلَى قربَة الحَدِيث. وَذكر أَبُو الشَّيْخ ابْن حبَان عَن ابْن عَبَّاس، قَالَ: تضيفت لَيْلَة خَالَتِي مَيْمُونَة، وَهِي حِينَئِذٍ لَا تصلي. انْتهى. وَهَذَا يمْنَع تخرص من قَالَ: لَعَلَّهَا كَانَت حَائِضًا ليلتئذ. قَوْله: (الآخر) مَرْفُوع لِأَنَّهُ صفة للثلث فِي قَوْله: (فَلَمَّا كَانَ ثلث اللَّيْل) فَإِن قلت: جَاءَ فِي لفظ نَام حَتَّى انتصف اللَّيْل أَو بعده، بِقَلِيل أَو قبله: بِقَلِيل، وَفِي لفظ: فَقَامَ من آخر اللَّيْل. قلت: طَرِيق الْجمع أَنه قَامَ قومتين وَتَوَضَّأ.

18 - (بَابُ: {الَّذِينَ يَذْكُرُونَ الله قِياما وَقُعُودا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّماواتِ وَالأَرْضِ} (آل عمرَان: 191)

أَي: هَذَا بَاب فِي قَوْله تَعَالَى: {الَّذين يذكرُونَ الله} إِلَى آخِره. قَوْله: {الَّذين يذكرُونَ الله} مدح لأولي الْأَلْبَاب وقياما جمع قَائِم أَي: حَال كَونهم قَائِمين وَحَال كَونهم قَاعِدين وعَلى جنُوبهم حَال أَيْضا عطفا على مَا قبله، كَأَنَّهُ قَالَ: قيَاما وقعودا مضطجعين.

4570 - ح دَّثنا عَلِيُّ بنُ عَبْدِ الله حدَّثنا عَبْدِ الرَّحْمانِ بنُ مَهْدِيّ عنْ مَالِكِ بنِ أنَسٍ عنْ مَخْرَمَةَ بن سُلَيْمَانَ عنْ كُرَيْبٍ عنْ ابنِ عَبَّاسٍ رَضِي الله عَنْهُمَا قَال بِتُّ عِنْدَ خَالَتِي مَيْمُونَةَ فَقُلْتُ لأَنْظُرَنَّ إلَى صَلاةَ رَسُولِ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَطُرِحَتْ لِرَسُولِ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وسَادَة فَنَامَ رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي طُولِها فَجَعَلَ يَمْسَحُ النَّوْمَ عَنْ وَجْهِهِ ثُمَّ قَرَأَ الآيَاتِ العَشْرَ الأوَاخِرَ مِنْ آلِ عِمْرَانَ حَتَّى خَتَمَ ثُمَّ أتَى شِنّا مُعَلَّقا فَأَخَذَهُ فَتَوَضَأَ ثُمَّ قَامَ يُصَلِّي فَقُمْتُ فَصَنَعْتُ مِثْلَ مَا صَنَعَ ثُمَّ جِئْتُ فَقُمْتُ إلَى جَنْبِهِ فَوَضَعَ يَدَهُ عَلَى رَأْسِي ثُمَّ أخَذَ بِأُذُنِي فَجَعَلَ يُقْتِلُها ثُمَّ صَلَّى رِكْعَتَيْنِ ثُمَّ صَلَّى رِكْعَتَيْنِ ثُمَّ صَلَّى رِكْعَتَيْنِ ثُمَّ صَلَّى رِكْعَتَيْنِ ثُمَّ صَلَّى رِكْعَتَيْنِ ثُمَّ صَلَّى رِكْعَتَيْنِ ثُمَّ أوْتَرَ.

مطابقته للتَّرْجَمَة تُؤْخَذ من قَوْله: (ثمَّ قَرَأَ الْآيَات الْعشْر الْأَوَاخِر من آل عمرَان) ، وَهَذَا الحَدِيث قد مر فِي أَبْوَاب الْوتر كَمَا ذكرنَا فِي الْبَاب الَّذِي قبله. قَوْله: (شنا) ، بِفَتْح الشين الْمُعْجَمَة وَتَشْديد النُّون: وَهُوَ الْقرْبَة الَّتِي يَبِسَتْ وعتقت من الِاسْتِعْمَال. قَوْله: (ثمَّ أوتر) أَي: بالركعة الْأَخِيرَة فَصَارَت هِيَ وَمَا قبلهَا رَكْعَتَانِ وترا.

19 - (بابٌ: {رَبَّنَا إنَّكَ تُدْخِلِ النَّارَ فَقَدْ أخْزَيْتَهُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أنْصَارٍ} (آل عمرَان: 192)

أَي: هَذَا بَاب يذكر فِيهِ قَوْله تَعَالَى: {رَبنَا إِنَّك من تدخل النَّار} إِلَى آخِره، وَلَيْسَ فِي بعض النّسخ لفظ: بَاب. قَوْله: (رَبنَا) ، أَي: يَقُولُونَ رَبنَا يَعْنِي: يتفكرون حَال كَونهم قائلين {رَبنَا إِنَّك من تدخل النَّار فقد أخزيته} أَي: أذللته وأهنته وَالْأَنْصَار جمع نَاصِر كالأصحاب جمع صَاحب.

4571 - ح دَّثنا عَلِيُّ بنُ عَبْدِ الله حدَّثنا مَعْنُ بنُ عِيساى حدَّثنا مَالك عنْ مَخْرَمَةَ بنِ سُلَيْمَانَ عنْ كُرَيْبٍ مَوْلَى عَبْدِ الله بنِ عَبَّاسٍ أنَّ عَبْدَ الله بنَ عَبَّاسٍ أخْبَرَهُ أنّهُ باتَ عِنْدَ مَيْمُونَةَ زَوْجِ النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَهِيَ خَالَتُهُ قَالَ فَاضْطَجَعْتُ فِي عَرْضِ الوسادَةِ وَاضْطَجَعَ رَسُولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأهْلُهُ فِي طُولِها فَنَامَ رَسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حَتَّى انْتَصَفَ

(18/160)


اللَّيْلُ أوْ قَبْلَهُ بِقَلِيلٍ أوْ بَعْدَهُ بِقَلِيلٍ ثُمَّ اسْتَيْقَظَ رَسُولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَجَعَلَ يَمْسَحُ النَّوْمَ عَنْ وَجِهِهِ بِيَدَيْهِ ثُمَّ قَرَأَ العَشْرَ الآيَاتِ الخَوَّاتِمَ مِنْ سُورَةِ آلِ عِمْرَانِ ثُمَّ قَامَ إلَى شَنِّ مُعَلَّقَةِ فَتَوَضَأَ مِنْهَا فَأَحْسَنَ وُضُوءَهُ ثُمَّ قَامَ يُصَلِّي فَصَنَعْتُ مِثْلَ مَا صَنَعَ ثُمَّ ذَهَبْتُ فَقُمْت إلَى جَنْبِهِ فَوَضَعَ رَسُولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَدَهُ اليُمْنَى عَلَى رَأْسِي وَأخَذَ بِأذُنِي بِيَدِهِ يَقْتِلُها فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ أَوْتَرَ ثُمَّ اضْطَجَعَ حَتَّى جَاءَهُ المُؤَذِّنُ فَقَامَ فَصَلَّى رِكْعَتَيْنِ خَفِيفَتَيْنِ ثُمَّ خَرَجَ فَصَلَّى الصُّبْحَ.

هَذَا الحَدِيث مثل الحَدِيث الَّذِي فِي الْبَاب السَّابِق، وَشَيْخه فيهمَا وَاحِد، وَهُوَ: عَليّ بن عبد الله الْمَعْرُوف بِابْن الْمَدِينِيّ، غير أَن شَيْخه هُنَاكَ عبد الرَّحْمَن بن مهْدي عَن مَالك، وَهنا عَن معن بن عِيسَى، بِفَتْح الْمِيم وَسُكُون الْعين الْمُهْملَة وَفِي آخِره نون ابْن يحيى الفزار الْمَدِينِيّ عَن مَالك، وَفِي ألفاظهما بعض اخْتِلَاف بِالزِّيَادَةِ وَالنُّقْصَان يظْهر بِالتَّأَمُّلِ وَالنَّظَر.
قَوْله: (الْخَوَاتِم) ، جمع خَاتِمَة، وَفِي الحَدِيث السَّابِق، ومعناهما فِي الْحَقِيقَة وَاحِد. قَوْله: (شن معلقَة) ، وَفِي الحَدِيث السَّابِق شنا مُعَلّقا بالتذكير فالتذكير بِالنّظرِ إِلَى اللَّفْظ والتأنيث بِالنّظرِ إِلَى معنى الْقرْبَة. قَوْله: (مَوضِع رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، يَده الْيُمْنَى على رَأْسِي وَأخذ بأذني) ، وَوَقع فِي رِوَايَة الْأصيلِيّ: وَأخذ بيَدي الْيُمْنَى، وَهُوَ وهم، وَالصَّوَاب: بأذني. كَمَا فِي سَائِر الرِّوَايَات. قَوْله: (يَقْتُلهَا) ، جملَة حَالية من الْأَحْوَال الْمقدرَة.

20 - (بابٌ: {ربَّنَا إنَّنا مُناديا يُنادي للْإيمَان} الْآيَة (آل عمرَان: 193)

أَي: هَذَا بَاب فِي قَوْله تَعَالَى: {رَبنَا أننا سمعنَا مناديا} إِلَى آخر الْآيَة. قَوْله: (مناديا) ، المُرَاد بِهِ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم. كَمَا فِي قَوْله: {ادْع إِلَى سَبِيل رَبك} قَوْله: (أَن آمنُوا) ، أَي: بِأَن آمنُوا.

(18/161)


4 - ( {سُورَةُ النِّساء} )

أَي: هَذَا تَفْسِير سُورَة النِّسَاء، قَالَ الْعَوْفِيّ عَن ابْن عَبَّاس: نزلت سُورَة النِّسَاء بِالْمَدِينَةِ وَكَذَا روى ابْن مرْدَوَيْه عَن عبد الله بن الزبير وَزيد بن ثَابت، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُم، وَقَالَ ابْن النَّقِيب: جُمْهُور الْعلمَاء على أَنَّهَا مَدَنِيَّة وفيهَا آيَة وَاحِدَة نزلت بِمَكَّة عَام الْفَتْح فِي عُثْمَان بن أبي طَلْحَة وَهِي: {إِن الله يَأْمُركُمْ أَن تُؤَدُّوا الْأَمَانَات إِلَى أَهلهَا} (النِّسَاء: 58) وَعدد حروفها سِتَّة عشر ألف حرف وَثَلَاثُونَ حرفا، وَثَلَاث آلَاف وَسَبْعمائة وَخمْس وَأَرْبَعُونَ كلمة، وَمِائَة وست وَسَبْعُونَ آيَة.
{بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم}
الْبَسْمَلَة لم تثبت إلاَّ فِي رِوَايَة أبي ذَر.
قَالَ ابنُ عَبَّاسٍ يَسْتَنْكِفُ يَسْتَكْبِرُ
لم يَقع هَذَا إلاَّ فِي رِوَايَة الْكشميهني وَالْمُسْتَمْلِي، وَأَشَارَ بِهِ إِلَى قَوْله تَعَالَى: {وَمن يستنكف عَن عِبَادَته} (النِّسَاء: 172) وَهَذَا التَّعْلِيق وَصله ابْن أبي حَاتِم بِإِسْنَاد صَحِيح من طَرِيق ابْن جريج عَن عَطاء عَن ابْن عَبَّاس، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا فِي قَوْله تَعَالَى: {وَمن يستنكف عَن عِبَادَته} قَالَ: يستكبر. فَإِن قلت: مَا وَجه ذَلِك وَقد عطف يستكبر على يستنكف فِي الْآيَة حَيْثُ قَالَ: {وَمن يستنكف عَن عِبَادَته ويستكبر} والمعطوف غير الْمَعْطُوف عَلَيْهِ؟ قلت: يجوز أَن يكون عطفا تفسيريا. وَقد تعجب بَعضهم من صُدُور هَذَا عَن ابْن عَبَّاس بطرِيق الاستبعاد. ثمَّ قَالَ: وَيُمكن أَن يحمل على التوكيد. قلت: الصَّوَاب مَا قلته، وَمثل هَذَا لَا يُسمى توكيدا يفهمهُ من لَهُ إِلْمَام بِالْعَرَبِيَّةِ. وَقَالَ الطَّبَرِيّ: يَعْنِي يستنكف يأنف، وَقَالَ الزّجاج: هُوَ استنكاف من النكف، وَهُوَ الأنفة.
قِواما قوامُكُمْ مِنْ مَعَايِشِكُمْ
أَشَارَ بِهَذَا إِلَى قِرَاءَة ابْن عمر فِي قَوْله تَعَالَى: {وَلَا تُؤْتوا السُّفَهَاء أَمْوَالكُم الَّتِي جعل الله لكم قيَاما} حَيْثُ قَرَأَ: قواما ثمَّ فسره بقوله: قوامكم معايشكم، يَعْنِي الْقيام مَعًا يُقيم بِهِ النَّاس مَعَايشهمْ، وَكَذَلِكَ القوام، وَهَذَا التَّعْلِيق وَصله ابْن أبي حَاتِم عَن أَبِيه حَدثنَا أَبُو صَالح حَدثنِي مُعَاوِيَة بن صَالح عَن عَليّ بن أبي طَلْحَة عَن ابْن عَبَّاس.
لَهُنَّ سَبِيلاً يَعْنِي الرَّجْمَ لِلثَّيِّب وَالجَلْدَ لِلْبكْرِ
أَشَارَ بِهِ إِلَى قَوْله تَعَالَى: {فَإِن شهدُوا فأمسكوهن فِي الْبيُوت حَتَّى يتوفيهن الْمَوْت أَو يَجْعَل الله لَهُنَّ سَبِيلا} (النِّسَاء: 15) كَانَ الحكم فِي ابْتِدَاء الْإِسْلَام أَن الْمَرْأَة إِذا زنت فَثَبت زنَاهَا بِالْبَيِّنَةِ العادلة حبست فِي بَيت فَلَا تمكن من الْخُرُوج إِلَى أَن تَمُوت. وَقَوله: {أَو يَجْعَل الله لَهُنَّ سَبِيلا} نسخ ذَلِك، وَاسْتقر الْأَمر على الرَّجْم للثيب وَالْجَلد للبكر، وَقد روى الطَّبَرَانِيّ من حَدِيث ابْن عَبَّاس قَالَ لما نزلت سُورَة النِّسَاء قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: لَا حبس بعد سُورَة النِّسَاء. قَوْله: {لَهُنَّ سَبِيلا} يَعْنِي: (الرَّجْم للثيب وَالْجَلد بالبكر) لم يثبت إلاَّ فِي رِوَايَة الْكشميهني وَالْمُسْتَمْلِي. وَفسّر قَوْله: {لَهُنَّ سَبِيلا} بقوله: (يَعْنِي الرَّجْم للثيب وَالْجَلد للبكر) يَعْنِي: أَن المُرَاد بقوله سَبِيلا هُوَ الرَّجْم وَالْجَلد وَهُوَ قد نسخ الْحَبْس إِلَى الْمَوْت، وروى مُسلم وَأَصْحَاب السّنَن الْأَرْبَعَة من حَدِيث عبَادَة بن الصَّامِت. رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، قَالَ: خُذُوا عني قد جعل الله لَهُنَّ سَبِيلا الْبكر بالبكر جلد مائَة وتغريب عَام، وَالثَّيِّب بِالثَّيِّبِ جلد مائَة وَالرَّجم.
وَقَالَ غَيْرُهُ مَثْنَى وَثُلاثَ وَرُبَاع يَعْنِي اثْنَتَيْنِ وَثَلاثا وَأرْبَعا وَلا تُجَاوِزُ العَرَبُ رُباعَ.
أَي: قَالَ: غير ابْن عَبَّاس، وَوَقع هَكَذَا فِي رِوَايَة أبي ذَر، وَالصَّوَاب وُقُوعه لِأَن على رِوَايَة أبي ذَر يُوهم أَن قَوْله: مثنى إِلَى آخِره روى عَن ابْن عَبَّاس وَلَيْسَ كَذَلِك، فَإِنَّهُ لم يرو عَن ابْن عَبَّاس، وَإِنَّمَا هُوَ قَول أبي عُبَيْدَة وَتَفْسِيره قَوْله: يَعْنِي اثْنَتَيْنِ يرجع إِلَى قَوْله: مثنى، وَقَوله: وَثَلَاثًا يرجع إِلَى قَوْله: وَثَلَاث، وَقَوله: وأربعا، يرجع إِلَى قَوْله: ورباعا، وَلَيْسَ الْمَعْنى على مَا ذكره، بل مَعْنَاهُ المكرر نَحْو اثْنَتَيْنِ اثْنَتَيْنِ، وَالظَّاهِر أَنه تَركه اعْتِمَادًا على الشُّهْرَة أَو عِنْده لَيْسَ بِمَعْنى التّكْرَار، وَلَيْسَ فِيهَا الِانْصِرَاف للعدل وَالْوَصْف. وَقَالَ

(18/162)


الزَّمَخْشَرِيّ لما فِيهَا من العدلين عدلها عَن صيغتها، وعدلها عَن تكررها. قَوْله: وَلَا تجَاوز الْعَرَب رباع إِشَارَة إِلَى أَن هَذَا اخْتِيَاره، وَفِيه خلاف لِأَنَّهُ ابْن الْحَاجِب هَل يُقَال: خماس ومخمس إِلَى عشار ومعشر، قَالَ فِيهِ خلاف وَالأَصَح أَنه لم يثبت، وَذكر الطَّبَرِيّ أَن الْعشْرَة يُقَال فِيهَا إعشار، وَلم يسمع فِي غير بَيت للكميت، وَهُوَ قَوْله.
(فَلم يستر بثوبك حَتَّى رميت. فَوق الرِّجَال خِصَالًا عشارا) .
يُرِيد عشرا، وَذكر النُّحَاة أَن خلفا الْأَحْمَر أنْشد أبياتا غَرِيبَة فِيهَا من خماس إِلَى عشار.

1 - (بابٌ: {إنْ خِفْتُمْ أنْ لَا تُقْسِطُوا فِي اليَتَامَى} (النِّسَاء: 3)

أَي: هَذَا بَاب فِيهِ قَوْله تَعَالَى: {وَإِن خِفْتُمْ} الْآيَة. وَلم تثبت هَذِه التَّرْجَمَة إلاَّ فِي رِوَايَة أبي ذَر قَوْله: (إِن خِفْتُمْ) أَي: فزعتم وفرقتم، وَهُوَ ضد الْأَمْن، ثمَّ قد يكون الْمخوف مِنْهُ مَعْلُوم الْوُقُوع وَقد يكون مظنونا فَلذَلِك اخْتلف الْعلمَاء فِي تَفْسِير هَذَا الْخَوْف، هَل هُوَ بِمَعْنى الْعلم أَو بِمَعْنى الظَّن؟ قَوْله: (أَن لَا تقسطوا) أَي: أَن لَا تعدلوا. يُقَال: قسط إِذا جَار، وأقسط إِذا عدل، وَقيل: الْهمزَة فِيهِ للسلب، أَي: أَزَال الْقسْط، وَرجحه ابْن التِّين لقَوْله تَعَالَى: {ذَلِكُم أقسط عِنْد الله} (الْبَقَرَة: 282) لِأَن أفعل فِي أبنية الْمُبَالغَة لَا يكون فِي الْمَشْهُور إلاَّ من الثلاثي، وَقيل: قسط من الأضداد، وَحَاصِل معنى الْآيَة، إِذا كَانَت تَحت حجر أحدكُم يتيمة وَخَافَ أَن لَا يُعْطِيهَا مهر مثلهَا فليعدل إِلَى مَا سواهَا من النِّسَاء فَإِنَّهُنَّ كثير، وَلم يضيق الله عَلَيْهِ.

4573 - حدَّثنا إبْرَاهِيمُ بنُ مُوسى أخبرنَا هِشَامٌ عنِ ابنِ جُرَيْجٍ قَالَ أخْبَرَنِي هِشَامُ بنُ عُرْوَةَ عنْ أبِيهِ عنْ عَائِشَةَ رَضِيَ الله عَنها أنَّ رَجُلاً كَانَتْ لَهُ يَتِيمَة فَنَكَحَهَا وَكَانَ لَهَا عَذْقٌ وَكَانَ يُمْسِكُها عَلَيْهِ وَلَمْ يَكُنْ لَهَا مِنْ نَفْسِهِ شَيْءٌ فَنَزَلَتْ فِيهِ {وَإنْ خِفْتُمْ أنْ لَا تُقْسِطُوا فِي اليَتَامَى} أحْسبُهُ قَالَ كَانَتْ شَرِيكَتَهُ فِي ذَلِكَ العَذْقِ وَفِي مَالِهِ.

مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة، وَهِشَام هُوَ ابْن يُوسُف الصَّنْعَانِيّ، يروي عَن عبد الْملك عبد الْعَزِيز بن جريج عَن هِشَام بن عُرْوَة، يروي عَن أَبِيه عُرْوَة بن الزبير بن الْعَوام عَن عَائِشَة الصديقية.
وَمن لطائف هَذَا الْإِسْنَاد أَن ابْن جريج وَقع بَين هشامين. والْحَدِيث من أَفْرَاده.
قَوْله: (أَن رجلا كَانَت لَهُ يتيمة) أَي: كَانَت عِنْده، وَاللَّام تَأتي بِمَعْنى عِنْد. كَقَوْلِهِم: كتبته لخمس خلون ثمَّ إِن رِوَايَة هِشَام عَن أَبِيه عَن عَائِشَة هُنَا توهم أَن هَذِه الْآيَة نزلت فِي شخص معِين، وَالْمَعْرُوف عَن هِشَام الرِّوَايَة من غير تعْيين كَمَا رَوَاهُ الْإِسْمَاعِيلِيّ من طَرِيق حجاج عَن ابْن جريج، أَخْبرنِي هِشَام عَن عُرْوَة عَن عَائِشَة قَالَت: (وَإِن خِفْتُمْ أَن لَا تقسطوا فِي الْيَتَامَى) نزلت فِي الرجل يكون عِنْده الْيَتِيمَة. وَهِي ذَات مَال، فَلَعَلَّهُ ينْكِحهَا على مَالهَا وَهُوَ لَا يُعجبهُ شَيْء من أمورها ثمَّ يضْربهَا ويسيء صحبتهَا، فوعظ فِي ذَلِك وروى الطَّبَرِيّ من حَدِيث عِكْرِمَة، كَانَ الرجل من قُرَيْش تكون عِنْده النسْوَة وَيكون عِنْده الْأَيْتَام، فَيذْهب مَاله فيميل على مَال الْأَيْتَام. فَنزلت: {وَإِن خِفْتُمْ أَن لَا تقسطوا الْيَتَامَى} وروى من حَدِيث ابْن عَبَّاس. قَالَ: كَانَ الرجل يتَزَوَّج بِمَال الْيَتِيم مَا شَاءَ فَنهى الله عز وَجل عَن ذَلِك. وَعَن سعيد بن جُبَير. قَالَ: كَانَ النَّاس على جاهليتهم إلاَّ أَن يؤمروا بِشَيْء وينهوا عَنهُ. قَالَ: فَذكرُوا الْيَتَامَى فَنزلت هَذِه الْآيَة. قَالَ: فَكَمَا خِفْتُمْ أَن لَا تقسطوا فِي الْيَتَامَى فَكَذَلِك خَافُوا أَن لَا تقسطوا فِي النِّسَاء. قَوْله: (عذق) بِفَتْح الْعين الْمُهْملَة وَسُكُون الذَّال الْمُعْجَمَة وَفِي آخِره قَاف وَهِي النَّخْلَة، وبكسر الْعين الكباسة، والقنو وَهُوَ من النّخل كالعنقود من الْعِنَب. قَوْله: (وَكَانَ يمْسِكهَا عَلَيْهِ) أَي: وَكَانَ الرجل يمسك تِلْكَ الْيَتِيمَة عَلَيْهِ أَي: على العذق، أَي: لأَجله وَكلمَة على، تَأتي للتَّعْلِيل كَمَا فِي قَوْله: (ولتكبروا الله على مَا هدَاكُمْ) أَي: لأجل هدايته إيَّاكُمْ. قَوْله: (احسبه. قَالَ) أَي: قَالَ هِشَام، قَالَ بَعضهم: هُوَ شكّ من هِشَام بن يُوسُف. قلت: يحْتَمل أَن يكون الشَّك من هِشَام بن عُرْوَة. أَي: أَظن عُرْوَة أَنه قَالَ قَوْله: (كَانَت شريكته) أَي: كَانَت تِلْكَ الْيَتِيمَة شريكة الرجل.

4573 - حدَّثنا إبْرَاهِيمُ بنُ مُوسى أخبرنَا هِشَامٌ عنِ ابنِ جُرَيْجٍ قَالَ أخْبَرَنِي هِشَامُ بنُ عُرْوَةَ عنْ أبِيهِ عنْ عَائِشَةَ رَضِيَ الله عَنها أنَّ رَجُلاً كَانَتْ لَهُ يَتِيمَة فَنَكَحَهَا وَكَانَ لَهَا عَذْقٌ وَكَانَ يُمْسِكُها عَلَيْهِ وَلَمْ يَكُنْ لَهَا مِنْ نَفْسِهِ شَيْءٌ فَنَزَلَتْ فِيهِ {وَإنْ خِفْتُمْ أنْ لَا تُقْسِطُوا فِي اليَتَامَى} أحْسبُهُ قَالَ كَانَتْ شَرِيكَتَهُ فِي ذَلِكَ العَذْقِ وَفِي مَالِهِ.

مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة، وَهِشَام هُوَ ابْن يُوسُف الصَّنْعَانِيّ، يروي عَن عبد الْملك عبد الْعَزِيز بن جريج عَن هِشَام بن عُرْوَة، يروي عَن أَبِيه عُرْوَة بن الزبير بن الْعَوام عَن عَائِشَة الصديقية.
وَمن لطائف هَذَا الْإِسْنَاد أَن ابْن جريج وَقع بَين هشامين. والْحَدِيث من أَفْرَاده.
قَوْله: (أَن رجلا كَانَت لَهُ يتيمة) أَي: كَانَت عِنْده، وَاللَّام تَأتي بِمَعْنى عِنْد. كَقَوْلِهِم: كتبته لخمس خلون ثمَّ إِن رِوَايَة هِشَام عَن أَبِيه عَن عَائِشَة هُنَا توهم أَن هَذِه الْآيَة نزلت فِي شخص معِين، وَالْمَعْرُوف عَن هِشَام الرِّوَايَة من غير تعْيين كَمَا رَوَاهُ الْإِسْمَاعِيلِيّ من طَرِيق حجاج عَن ابْن جريج، أَخْبرنِي هِشَام عَن عُرْوَة عَن عَائِشَة قَالَت: (وَإِن خِفْتُمْ أَن لَا تقسطوا فِي الْيَتَامَى) نزلت فِي الرجل يكون عِنْده الْيَتِيمَة. وَهِي ذَات مَال، فَلَعَلَّهُ ينْكِحهَا على مَالهَا وَهُوَ لَا يُعجبهُ شَيْء من أمورها ثمَّ يضْربهَا ويسيء صحبتهَا، فوعظ فِي ذَلِك وروى الطَّبَرِيّ من حَدِيث عِكْرِمَة، كَانَ الرجل من قُرَيْش تكون عِنْده النسْوَة وَيكون عِنْده الْأَيْتَام، فَيذْهب مَاله فيميل على مَال الْأَيْتَام. فَنزلت: {وَإِن خِفْتُمْ أَن لَا تقسطوا الْيَتَامَى} وروى من حَدِيث ابْن عَبَّاس. قَالَ: كَانَ الرجل يتَزَوَّج بِمَال الْيَتِيم مَا شَاءَ فَنهى الله عز وَجل عَن ذَلِك. وَعَن سعيد بن جُبَير. قَالَ: كَانَ النَّاس على جاهليتهم إلاَّ أَن يؤمروا بِشَيْء وينهوا عَنهُ. قَالَ: فَذكرُوا الْيَتَامَى فَنزلت هَذِه الْآيَة. قَالَ: فَكَمَا خِفْتُمْ أَن لَا تقسطوا فِي الْيَتَامَى فَكَذَلِك خَافُوا أَن لَا تقسطوا فِي النِّسَاء. قَوْله: (عذق) بِفَتْح الْعين الْمُهْملَة وَسُكُون الذَّال الْمُعْجَمَة وَفِي آخِره قَاف وَهِي النَّخْلَة، وبكسر الْعين الكباسة، والقنو وَهُوَ من النّخل كالعنقود من الْعِنَب. قَوْله: (وَكَانَ يمْسِكهَا عَلَيْهِ) أَي: وَكَانَ الرجل يمسك تِلْكَ الْيَتِيمَة عَلَيْهِ أَي: على العذق، أَي: لأَجله وَكلمَة على، تَأتي للتَّعْلِيل كَمَا فِي قَوْله: (ولتكبروا الله على مَا هدَاكُمْ) أَي: لأجل هدايته إيَّاكُمْ. قَوْله: (احسبه. قَالَ) أَي: قَالَ هِشَام، قَالَ بَعضهم: هُوَ شكّ من هِشَام بن يُوسُف. قلت: يحْتَمل أَن يكون الشَّك من هِشَام بن عُرْوَة. أَي: أَظن عُرْوَة أَنه قَالَ قَوْله: (كَانَت شريكته) أَي: كَانَت تِلْكَ الْيَتِيمَة شريكة الرجل.

4574 - ح دَّثنا عَبْدُ العَزِيزُ بنُ عَبْدِ الله حدَّثنا إبْرَاهِيمُ بنُ سَعْدٍ عنْ صَالح بن كَيْسَانَ عَن ابنِ شهابٍ قَالَ أخْبَرَنِي عُرْوَةُ بنُ الزُّبَيْرِ أنَّهُ سَألَ عَائِشَةَ عَنْ قَوْلِ الله تَعَالَى {وَإنْ خِفْتُمْ أنْ لَا تُقْسِطُوا

(18/163)


فِي اليَتَامى} (النِّسَاء: 3) فَقَالَتْ يَا ابنَ أخْتِي هَذِهِ اليَتِيمَةُ تَكُونُ فِي حجْرِ وَلِيَّها تُشْرِكُهُ فِي مَالِهِ وَيُعْجِبُهُ مَالُها وَجَمَالُها فَيُزِيدِ وَلِيُّها أنْ يَتَزَوَّجَها بِغَيْرِ أنْ يُقْسِطَ فِي صَدَاقَها فَيُعْطِيهَا مِثْلَ مَا يُعْطِيهَا غَيْرُهُ فَنُهُوا عنْ أنْ يَنْكِحُوهُنَّ إلاَّ أنْ يُقْسِطُوا لَهُنَّ وَيَبْلُغُوا لَهُنَّ أعْلَى سُنتِهنَّ فِي الصِّداقِ فَأُمِرُوا أنْ يَنْكِحُوا مَا طَابَ لَهُمْ مِنَ النِّساءِ سِواهُنَّ قَالَ عُرْوَةُ قَالَتْ عَائِشَةُ وَإنَّ النَّاسَ اسْتَفْتَوْا رَسُولَ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بَعْدَ هاذِهِ الآيَةَ فَأُنْزِلَ الله: {وَيَسْتَفْتُونَكَ فِي النِّسَاءِ} قَالَتْ عَائِشَةُ وَقَوْلُ الله تَعَالَى فِي آيَةٍ أُخْرَى {وَترْغَبُونَ أنْ تَنْكِحُوهُنَّ} رَغْبَةُ أحَدِكُمْ عَنْ يَتِيمَتِهِ حِينَ تَكُونُ قَلِيلَةَ المَالِ وَالجَمَالِ قَالَتْ فَنُهُوا أنْ يَنْكِحُوا عَمَّنْ رَغِبُوا فِي مَالِهِ وَجَمَالِهِ فِي يَتَامَى النِّسَاءِ إلاَّ بِالقِسْطِ مِنْ أجْلِ رَغْبَتِهِمْ عَنْهُنَّ إِذا كُنَّ قَلِيلاتِ المالِ وَالجَمَالِ.

مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. وَعبد الْعَزِيز بن عبد الله بن يحيى أَبُو الْقَاسِم الأويسي الْمدنِي، وَإِبْرَاهِيم بن سعد بن إِبْرَاهِيم بن عبد الرَّحْمَن بن عَوْف. والْحَدِيث قد مضى فِي كتاب الشّركَة فِي: بَاب شركَة الْيَتِيم وَأهل الْمِيرَاث فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ عَن عبد الْعَزِيز الْمَذْكُور. وَمضى الْكَلَام فِيهِ هُنَاكَ.
قَوْله: (تكون فِي حجر وَليهَا) ، أَي: الَّذِي يَلِي مَالهَا. قَوْله: (بِغَيْر أَن يقسط) ، أَي: بِغَيْر أَن يجْبر عَلَيْهَا فِي صَدَاقهَا. وَقد مر أَن معنى: أقسط أعدل، وقسط جَار. قَوْله: (فيعطيها) بِالنّصب لِأَنَّهُ عطف على قَوْله: (أَن يقسط) قَوْله: (مثل مَا يُعْطِيهَا غَيره) أَي: مِمَّن يرغب فِي نِكَاحهَا سواهُ. قَوْله: (مثل مَا يُعْطِيهَا غَيره) أَي: مِمَّن يرغب فِي نِكَاحهَا سواهُ. قَوْله: (عَن ذَلِك) أَي: عَن ترك الإقساط. قَوْله: (ويبلغوا لَهُنَّ) ويروى: (ويبلغوا بِهن) ، بِالْبَاء الْمُوَحدَة. قَوْله: (أَعلَى سنتهن) أَي: أَعلَى طريقتهن فِي الصَدَاق وعادتهن فِي ذَلِك. قَوْله: (مَا طَابَ لَهُم) أَي: مَا حل لكم. من قبيل قَوْله تَعَالَى: {انفقوا من طَيّبَات مَا كسبتم} (الْبَقَرَة: 267) وَقيل: طَابَ بِمَعْنى الْمحبَّة والاشتهاء أَي: مَا كُنْتُم تحبون وتشتهون، وَكلمَة مَا فِي الأَصْل لما لَا يعقل، وَقد يُطلق على من يعقل كَمَا فِي هَذِه الْآيَة الْكَرِيمَة. قَوْله: (سواهن) أَي: سوى الْيَتَامَى من النِّسَاء. قَوْله: (قَالَ عُرْوَة. قَالَت عَائِشَة) ، هَذَا مُتَّصِل بِالْإِسْنَادِ الْمَذْكُور وَترك حرف الْعَطف فِيهِ قَوْله: (بعد هَذِه الْآيَة) أَي: بعد نزُول هَذِه الْآيَة بِهَذِهِ الْقِصَّة، وَأَرَادَ بِهَذِهِ الْآيَة قَوْله تَعَالَى: {وَإِن خِفْتُمْ أَن لَا تقسطوا} فَأنْزل الله تَعَالَى {ويستفتونك فِي النِّسَاء قل الله يفتيكم فِيهِنَّ وَمَا يُتْلَى عَلَيْكُم فِي الْكتاب فِي يتامى النِّسَاء} الْآيَة. قَالَت عَائِشَة: وَالَّتِي ذكر الله أَنه يُتْلَى عَلَيْهِم فِي الْكتاب الْآيَة الأولى الَّتِي هِيَ: {وَأَن خِفْتُمْ أَن لَا تقسطوا} الْآيَة. قَوْله: (وَقَول الله تَعَالَى فِي آيَة أُخْرَى: وترغبون) . هَكَذَا وَقع فِي رِوَايَة صَالح بن كيسَان الْمَذْكُورَة فِي آيَة أُخْرَى، وَهُوَ خطأ. لِأَن قَوْله تَعَالَى: {وترغبون أَن تنكحوهن} الْآيَة فِي نفس الْآيَة الَّتِي هِيَ: {ويستفتونك فِي النِّسَاء} . قَوْله: (رَغْبَة أحدكُم عَن يتيمته) أَي: كرغبة أحدكُم، وَمعنى الرَّغْبَة هُنَا عدم الْإِرَادَة لِأَن لفظ رغب يسْتَعْمل بصلتين يُقَال: رغب عَنهُ إِذا لم يُرِدْهُ وَرغب فِيهِ إِذا أَرَادَهُ. قَوْله: (حِين تكون) أَي: الْيَتِيمَة قَليلَة المَال وَحَاصِل الْمَعْنى أَن الْيَتِيمَة اذا كَانَت فقيرة وذميمة يعرضون عَن نِكَاحهَا قَالَت عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا فنهوا أَي: نهوا عَن نِكَاح المرغوب فِيهَا لمالها وجمالها لأجل زهدهم فِيهَا إِذا كَانَت قَليلَة المَال وَالْجمال فَيَنْبَغِي أَن يكون نِكَاح الغنية الجميلة وَنِكَاح الفقيرة الذميمة، على السوَاء فِي الْعدْل، وَكَانَ الرجل فِي الْجَاهِلِيَّة تكون عِنْده الْيَتِيمَة فيلقي عَلَيْهَا ثَوْبه فَإِذا فعل ذَلِك لم يقدر أحد أَن يَتَزَوَّجهَا أبدا فَإِن كَانَت جميلَة وهواها تزَوجهَا وَأكل مَالهَا، وَإِن كَانَت ذميمة منعهَا الرِّجَال حَتَّى تَمُوت فَإِذا مَاتَت ورثهَا فَحرم الله ذَلِك وَنهى عَنهُ. وَفِي الحَدِيث اعْتِبَار مهر الْمثل فِي المحجورات وَأَن غَيْرهنَّ يجوز نِكَاحهَا بِدُونِ ذَلِك. وَفِيه أَن للْوَلِيّ أَن يتَزَوَّج من هِيَ تَحت حجره. لَكِن يكون الْعَاقِد غَيره، وَفِيه خلاف مَذْكُور فِي الْفُرُوع: وَفِيه جَوَاز تَزْوِيج الْيَتَامَى قبل الْبلُوغ، لِأَن بعد الْبلُوغ لَا يتم على الْحَقِيقَة.

2 - (بابٌ: {وَمَنْ كَانَ فَقِيرا فَلْيَأْكُلُ بِالمَعْرُوفِ فَإذَا دَفَعْتُمْ إلَيْهِمْ أمْوَالِهِمْ فَأَشْهَدُوا عَلَيْهِمْ} (النِّسَاء: 6)

(18/164)


لَيْسَ فِي كثير من النّسخ لفظ بَاب وَقبل قَوْله: {وَمن كَانَ فَقِيرا وَمن كَانَ غَنِيا فليستعفف وَمن كَانَ فَقِيرا فَليَأْكُل بِالْمَعْرُوفِ فَإِذا دفعتم إِلَيْهِم أَمْوَالهم فَاشْهَدُوا عَلَيْهِم وَكفى بِاللَّه حسيبا} (النِّسَاء: 6) . وَفِي بعض النّسخ سَاقهَا بِتَمَامِهَا، وَفِي بَعْضهَا اقْتصر على قَوْله الْآيَة يجوز فِيهَا الرّفْع على تَقْدِير: الْآيَة بِتَمَامِهَا، وَيجوز النصب على تَقْدِير: اقْرَأ الْآيَة بِتَمَامِهَا. قَوْله: (وَمن كَانَ غَنِيا) أَي: وَمن كَانَ فِي غنية عَن مَال الْيَتِيم فليستعفف عَنهُ وَلَا يَأْكُل مِنْهُ شَيْئا. قَالَ الشّعبِيّ: هُوَ عَلَيْهِ كالميتة وَالدَّم، وَمن كَانَ فَقِيرا فَليَأْكُل بِالْمَعْرُوفِ، يَعْنِي: بِقدر قِيَامه عَلَيْهِ، وَقَالَ أَبُو جَعْفَر النّحاس، منع جمَاعَة من أهل الْعلم الْوَصِيّ من أَخذ شَيْء من مَال الْيَتِيم، قَالَ أَبُو يُوسُف القَاضِي، لَا أَدْرِي: لَعَلَّ هَذِه الْآيَة مَنْسُوخَة. بقوله عز وَجل: {يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالكُم بَيْنكُم بِالْبَاطِلِ} (النِّسَاء: 29) فَلَا يحل لأحد أَن يَأْخُذ من مَال الْيَتِيم شَيْئا إِذا كَانَ مَعَه مُقيما فِي الْمصر، فَإِن احْتَاجَ أَن يُسَافر من أَجله فَلهُ أَن يَأْخُذ مَا يحْتَاج إِلَيْهِ وَلَا يقتني شَيْئا، وَهُوَ قَول أبي حنيفَة، وَمُحَمّد، وَقَالَ ابْن عَبَّاس: (وَمن كَانَ غَنِيا فليستعفف وَمن كَانَ فَقِيرا فَليَأْكُل بِالْمَعْرُوفِ) قَالَ: نسخ الظُّلم والاعتداء، ونسخهما. (إِن الَّذين يَأْكُلُون أَمْوَال الْيَتَامَى ظلما) . ثمَّ افترق الَّذين قَالُوا بِأَن الْآيَة محكمَة فرقا، فَقَالَ بَعضهم: إِن احْتَاجَ الْوَصِيّ فَلهُ أَن يقترض من مَال الْيَتِيم، فَإِن أيسر قَضَاهُ، وَهَذَا قَول عمر بن الْخطاب وَعبيدَة وَأبي الْعَالِيَة وَسَعِيد بن جُبَير، قَالَ أَبُو جَعْفَر: وَهُوَ قَول جمَاعَة من التَّابِعين وَغَيرهم، وفقهاء الْكُوفِيّين عَلَيْهِ أَيْضا. وَقَالَ أَبُو قلَابَة: (فَليَأْكُل بِالْمَعْرُوفِ) مِمَّا يجبي من الْغلَّة، فَأَما المَال الناض فَلَيْسَ لَهُ أَن يَأْخُذ مِنْهُ شَيْئا قرضا وَلَا غَيره، وَذهب قوم إِلَى ظَاهر الْآيَة، مِنْهُم: الْحسن الْبَصْرِيّ، فَقَالُوا: لَهُ أَن يَأْكُل مِنْهُ مِقْدَار قوته. وَقَالَ الْحسن: إِذا احْتَاجَ ولي الْيَتِيم أكل بِالْمَعْرُوفِ، وَلَيْسَ عَلَيْهِ إِذا أيسر قَضَاؤُهُ، وَالْمَعْرُوف قوته، وَهُوَ قَول النَّخعِيّ وَقَتَادَة. قَوْله: {فَإِذا دفعتم إِلَيْهِم أَمْوَالهم فَاشْهَدُوا عَلَيْهِم} اخْتلف الْعلمَاء فِي هَذَا الْأَمر. فَقَالَ قوم: هُوَ ندب، فَإِن القَوْل قَول الْوَصِيّ لِأَنَّهُ أَمِين. وَقَالَ آخَرُونَ: وَفرض على ظَاهر الْآيَة لِأَنَّهُ أَمِين الْأَب فَلَا يقبل قَوْله على غَيره أَلا يرى أَن الْوَكِيل إِذا ادّعى أَنه دفع إِلَى زيد مَا أَمر بِهِ لم يقبل قَوْله: إِلَّا بِبَيِّنَة فَكَذَلِك الْوَصِيّ. وَقَالَ عمر بن الْخطاب وَسَعِيد بن جُبَير: هَذَا الْإِشْهَاد إِنَّمَا هُوَ على دفع الْوَصِيّ مَا استقرضه من مَال الْيَتِيم حَال فقره.
وَفِي الْإِشْهَاد مصَالح مِنْهَا: السَّلامَة من الضَّمَان وَالْغُرْم على تَقْدِير إِنْكَار الْيَتِيم. (وَمِنْهَا) : حسم مَادَّة تطرق سوء الظَّن بالولي. (وَمِنْهَا) : امْتِثَال أوَامِر الله عز وَجل فِي الْأَمر بِالْإِشْهَادِ. (وَمِنْهَا) : طيب قلب الْيَتِيم بِزَوَال مَا كَانَ يخشاه من فَوَات مَاله ودوامه تَحت الْحجر.
وَبِدَارا مُبَادَرَةً
أَشَارَ بِهِ إِلَى مَا فِيهِ أول الْآيَة المترجم بهَا. وَهُوَ قَوْله: {وَلَا تَأْكُلُوهَا إسرافا بدارا أَن يكبروا} وَفسّر: بدارا بقوله مبادرة، يَعْنِي: لَا تَأْكُلُوا أَمْوَال الْيَتَامَى من غير حَاجَة إسرافا ومبادرة قبل بلوغهم، وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيّ: إسرافا وبدارا مسرفين ومبادرين كبرهم.
أعْتَدْنَا أعْدَدنا أفْعَلْنَا مِنَ العَتادِ
هَذَا مَحَله فِيمَا سَيَأْتِي قبل قَوْله: {لَا يحل لكم أَن ترثوا النِّسَاء كرها} (النِّسَاء: 19) وَقَالَ بَعضهم: وَقعت هَذِه الْكَلِمَة فِي هَذَا الْموضع سَهوا من بعض نساخ الْكتاب. (قلت) : فِيهِ بعد لَا يخفى، وَالظَّاهِر أَنه وَقع من المُصَنّف وَأَشَارَ بقوله: (أَعْتَدْنَا) إِلَى قَوْله تَعَالَى: {أُولَئِكَ أَعْتَدْنَا لَهُم عذَابا أَلِيمًا} وَفَسرهُ بقوله: أعددنا، وَأَرَادَ أَن مَعْنَاهُمَا وَاحِد، وَكَذَا فسره أَبُو عُبَيْدَة فِي كِتَابه (الْمجَاز) (قلت) : اعتدنا من بَاب الافتعال، وأعددنا من بَاب الْأَفْعَال، وَلِهَذَا قَالَ: فعلنَا من العتاد، بِفَتْح الْعين، وَهُوَ مَا يصلح لكل مَا يَقع من الْأُمُور وَهَذَا الْمَذْكُور هُوَ رِوَايَة الْأَكْثَرين، وَفِي رِوَايَة أبي ذَر عَن الْكشميهني: اعتددنا افتعلنا، وَقَالَ بعهم: الأول هُوَ الصَّوَاب. (قلت) : يفهم مِنْهُ أَن رِوَايَة أبي ذَر غير صَوَاب، وَلَيْسَ كَذَلِك، بل الصَّوَاب رِوَايَة أبي ذَر، يعرفهُ من لَهُ يَد فِي علم الصّرْف.

97 - ح دَّثني إسْحَاقُ أخْبَرَنَا عَبْدُ الله بنُ نُمَيْرٍ حدَّثنا هِشَامٌ عَنْ أبِيهِ عنْ عَائِشَةَ رَضِيَ الله تَعَالَى عَنْها فِي قَوْلِهِ تَعَالَى وَمَنْ كَانَ غَنِيّا فَلْيَسْتَعْفِفْ وَمَنْ كَانَ فَقِيرا فَلْيَأْكُلْ بِالمَعْرُوفِ أنَّهَا نَزَلَتْ فِي مَالِ

(18/165)


اليَتيمِ إذَا كَانَ فَقِيرا أنَّهُ يَأْكُلُ مِنْهُ مَكَان قِيامِهِ عَلَيْهِ بِمَعْرُوفٍ.

مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة وَإِسْحَاق هُوَ ابْن مَنْصُور، وَصرح بِهِ خلف وَأَبُو نعيم، وَقيل: هُوَ ابْن رَاهَوَيْه، وَهِشَام هُوَ ابْن عُرْوَة يروي عَن أَبِيه عُرْوَة بن الزبير، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ.
والْحَدِيث مر فِي الْبيُوع، وَقَالَ الْحَافِظ الْمزي: حَدِيث وَمن كَانَ غَنِيا فِي الْبيُوع، وَفِي التَّفْسِير عَن إِسْحَاق بن مَنْصُور نسبه فِي التَّفْسِير وَلم ينْسبهُ فِي الْبيُوع عَن عبد الله بن نمير بِهِ.
قَوْله: (فِي مَال الْيَتِيم) ، وَفِي رِوَايَة الْكشميهني، فِي وَالِي الْيَتِيم وَالْمرَاد بوالي الْيَتِيم الْمُتَصَرف فِي مَاله بِالْوَصِيَّةِ وَنَحْوهَا، وَالضَّمِير فِي كَانَ على رِوَايَة الْكشميهني يرجع إِلَى الْوَالِي ظَاهرا وعَلى رِوَايَة الْأَكْثَرين بِالْقَرِينَةِ اللفظية. وَهِي قَوْله: (يَأْكُل مِنْهُ) إِلَى آخِره وَالله أعلم.

3 - (بابٌ: {وَإذَا حَضَرَ القِسْمَةَ أُولُوا القُرْبَى وَاليَتَامَى وَالمَسَاكِينَ} (النِّسَاء: 8) الآيَةَ)

أَي: هَذَا بَاب فِيهِ قَوْله تَعَالَى: {وَإِذا حضر الْقِسْمَة} . الْآيَة وَلَيْسَ لغير أبي ذَر لفظ. بَاب، وَتَمام الْآيَة {فارزقوهم مِنْهُ وَقُولُوا لَهُم قولا مَعْرُوفا} . قَوْله: (وَإِذا حضر الْقِسْمَة أولو الْقُرْبَى) ، أَي: وَإِذا حضر قسْمَة مَال الْمَيِّت أولو قربَة الْمَيِّت. (فارزقوهم مِنْهُ) أَي: من مَال الْمَيِّت. وَحَاصِل الْمَعْنى، إِذا حضر هَؤُلَاءِ الْفُقَرَاء من الْقَرَابَة الَّذين لَا يَرِثُونَ واليتامى وَالْمَسَاكِين قسْمَة مَال جزيل فَإِن أنفسهم تتشوق إِلَى شَيْء مِنْهُ إِذا رَأَوْا هَذَا يَأْخُذ وَهَذَا يَأْخُذ وهم آيسون لَا شَيْء يُعْطون، فَأمر الله تَعَالَى، وَهُوَ الرؤوف الرَّحِيم أَن يرْضخ لَهُم شَيْء من الْوسط يكون برا بهم وَصدقَة عَلَيْهِم وإحسانهم إِلَيْهِم وجبرا لكسرهم. قَوْله: (وَقُولُوا لَهُم قولا مَعْرُوفا) ، القَوْل الْمَعْرُوف الْعدة الْحَسَنَة من الْبر والصلة. وَقيل: الرَّد الْجَمِيل، وَقيل: الدُّعَاء، كَقَوْلِك: عافاك الله وَبَارك الله فِيك. وَقيل: علموهم مَعَ إطعامهم وكسوتهم أَمر دينهم.

4576 - ح دَّثنا أحْمَدُ بنُ حُمَيْدٍ أخبرنَا عُبَيْدُ الله الأشْجَعِيُّ عَنْ سُفْيَانَ عَنِ الشَّيْبَانِيِّ عَنْ عِكْرَمَةَ عنِ ابنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ الله عَنْهُمَا {وَإذَا حَضَرَ القِسْمَةَ أُولُوا القُرْبَى وَاليَتَامَى وَالمسَاكِينَ} قَالَ هِيَ مُحْكَمَةٌ وَلَيْسَتْ بِمَنْسُوخَةٍ.

مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. وَأحمد بن حميد أَبُو الْحسن الْقرشِي الْكُوفِي ختن عبيد الله بن مُوسَى. يُقَال: لَهُ دَار أم سَلمَة لقب بذلك لجمعه حَدِيث أم سَلمَة وتتبعه لذَلِك. وَقَالَ ابْن عدي: كَانَ لَهُ اتِّصَال بِأم سَلمَة يَعْنِي: زوج السفاح الْخَلِيفَة. فلقب بذلك، وَقيل: وهم الْحَاكِم فَقَالَ: يلقب جَار أم سَلمَة وَثَّقَهُ مطين، وَقَالَ: كَانَ يعد فِي حفاظ أهل الْكُوفَة وَمَات سنة عشْرين وَمِائَتَيْنِ وَلَيْسَ لَهُ فِي البُخَارِيّ إلاَّ هَذَا الحَدِيث الْوَاحِد، وَعبيد الله هُوَ ابْن عبد الرَّحْمَن الْكُوفِي وَأَبوهُ فَرد فِي الْأَسْمَاء، وسُفْيَان هُوَ الثَّوْريّ، والشيباني، بِفَتْح الشين الْمُعْجَمَة، هُوَ أَبُو إِسْحَاق سُلَيْمَان بن أبي سُلَيْمَان فَيْرُوز الْكُوفِي، والْحَدِيث من أَفْرَاده.
قَوْله: (هِيَ محكمَة) ، يَعْنِي: الْآيَة الْمَذْكُورَة محكمَة. قَوْله: (وَلَيْسَت بمنسوخة) ، تَفْسِير للمحكمة، وعَلى هَذَا الْأَمر فِي قَوْله: (وارزقوهم) للنَّدْب أَو الْوُجُوب، وَقيل: هِيَ مَنْسُوخَة بِآيَة الْمَوَارِيث، وَهُوَ قَول سعيد بن الْمسيب وَالقَاسِم بن مُحَمَّد وَآخَرين. وَهُوَ قَول الْأَئِمَّة وأصحابهم.
تَابَعَهُ سَعِيدٌ عنِ ابنِ عَبَّاسٍ
أَي: تَابع عِكْرِمَة سعيد بن جُبَير فِي رِوَايَته هَذَا الحَدِيث عَن ابْن عَبَّاس، وَوصل البُخَارِيّ هَذِه التابعة فِي كتاب الْوَصَايَا فِي: بَاب قَوْله الله تَعَالَى: {وَإِذا حضر الْقِسْمَة أولُوا الْقُرْبَى} فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ عَن مُحَمَّد بن الْفضل عَن أبي عوَانَة عَن أبي بشر عَن سعيد بن جُبَير عَن ابْن عَبَّاس إِلَى آخِره، وَمر الْكَلَام فِيهِ هُنَاكَ.

4 - (بابٌ: {يُوصِيكُمُ الله فِي أوْلادِكُمْ} (النِّسَاء: 11)

سقط لفظ بَاب وَقَوله: {فِي أَوْلَادكُم} لغير أبي ذَر، وَالْمرَاد بِالْوَصِيَّةِ هُنَا بَيَان قسْمَة الْمِيرَاث.

(18/166)


4577 - ح دَّثنا إبْرَاهِيمُ بنُ مُوسَى حدَّثنا هِشامٌ أنَّ ابنَ جُرَيْجٍ أخْبَرَهُمْ قَالَ أخْبَرَنِي ابنُ مُنْكَدِر عَنْ جَابِرٍ رَضِي الله عَنه قَالَ عَادَنِي النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأبُو بَكْرٍ فِي بَنِي سَلَمَةَ مَاشِيَيْنِ فَوَجَدَنِي النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَا أعْقِلُ فَدَعا بِمَاءٍ فَتَوَضَأَ مِنْهُ ثُمَّ رَشَّ عَلَيَّ فَأفَقْتُ فَقُلْتُ مَا تَأْمُرُنِي أنْ أصْنَعَ فِي مَالِي يَا رَسُولَ الله فَنَزَلَتْ {يُوصِيكُمْ الله فِي أوْدلاِكُمْ} (النِّسَاء: 11) .

عين التَّرْجَمَة فِي حَدِيث الْبَاب. وَهِشَام هُوَ ابْن يُوسُف، وَابْن جريج عبد الْملك بن عبد الْعَزِيز بن جريج، وَابْن الْمُنْكَدر هُوَ مُحَمَّد.
والْحَدِيث مضى فِي كتاب الطَّهَارَة فِي: بَاب صب النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وضوءه على الْمغمى عَلَيْهِ، فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ عَن أبي الْوَلِيد عَن شُعْبَة عَن مُحَمَّد بن الْمُنْكَدر إِلَى آخِره، وَمر الْكَلَام فِيهِ هُنَاكَ.
قَوْله: (فِي بني سَلمَة) ، بِفَتْح السِّين وَكسر اللَّام، وهم قوم جَابر وهم بطن من الْخَزْرَج. قَوْله: (لَا أَعقل) ، زَاد الْكشميهني شَيْئا. قَوْله: (ثمَّ رش عَليّ) ، أَي: من نفس المَاء الَّذِي تَوَضَّأ بِهِ وَصرح بِهِ فِي الِاعْتِصَام. قَوْله: (فَنزلت {يُوصِيكُم الله} ) ، هَكَذَا وَقع فِي رِوَايَة بن جُبَير، قيل: إِنَّه وهم فِي ذَلِك، وَالصَّوَاب أَن الْآيَة الَّتِي نزلت فِي قصَّة جَابر الْآيَة الَّتِي فِي آخر النِّسَاء. وَهِي: {يستفتونك قل الله يفتيكم فِي الْكَلَالَة} (النِّسَاء: 176) لِأَن جَابِرا يَوْمئِذٍ لم يكن لَهُ ولد وَلَا وَالِد، والكلالة من لَا ولد لَهُ وَلَا وَالِد، وَقد أخرجه مُسلم عَن عَمْرو النَّاقِد وَالنَّسَائِيّ عَن مُحَمَّد بن مَنْصُور كِلَاهُمَا عَن ابْن عُيَيْنَة عَن ابْن الْمُنْكَدر فِي هَذَا الحَدِيث، حَتَّى نزلت عَلَيْهِ آيَة الْمِيرَاث: {يستفتونك قل يفتيكم فِي الْكَلَالَة} ، وروى التِّرْمِذِيّ من حَدِيث جَابر بن عبد الله. قَالَ: جَاءَت امْرَأَة سعد بن الرّبيع بابنتيها من سعد إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فَقَالَت: يَا رَسُول الله، هَاتَانِ ابنتا سعد، قتل أَبوهُمَا مَعَك يَوْم أحد شَهِيدا وَإِن عَمهمَا أَخذ مَالهمَا فَلم يدع لَهما مَالا وَلَا ينكحان إلاَّ وَلَهُمَا مَال. قَالَ: يقْضِي الله فِي ذَلِك، فنلزت آيَة الْمَوَارِيث، فَبعث رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَى عَمهمَا فَقَالَ: اعط ابْنَتي سعد الثُّلثَيْنِ وَأعْطِ أمهما الثّمن، وَمَا بَقِي فَهُوَ لَك.