عمدة القاري شرح صحيح البخاري

1 - (بابٌ: {أَلا إنَّهُمْ يَثْنُونَ صُدُورَهُمْ لِيَسْتَخْفُوا مِنْهُ إلاَّ حِينَ يَسْتَغْشونَ ثِيَابَهُمْ يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ إنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ} (هود: 5)

وَفِي بعض النّسخ: بَاب: {إِلَّا إِنَّهُم يثنون} وَقد ذكرنَا عَن قريب أَنه من الثني وَمَا قَالُوا فِيهِ.

4681 - ح دَّثنا الحَسَنُ بنُ مُحَمَّدٍ بنِ صَبَّاحٍ حدَّثنا حَجَّاجٌ قَالَ قَالَ ابنُ جُرَيْجٍ أخْبَرَنِي مُحَمَّدُ بنُ عَبَّادِ بنِ جَعْفَرٍ أنَّهُ سَمِعَ ابنَ عَبَّاسٍ يَقْرَأُ أَلا إنَّهُمْ يَثْنَوْنِي صُدُورُهُمْ قَالَ سَأَلْتُهُ عَنْها فَقَلَ أُناسٌ كَانُوا يَسْتَحْيُونَ أنْ يَتَخَلَّوْا فَيُفْضُوا إلَى السَّمَاءِ وَأنْ يُجامِعُوا نِساءَهُمْ فَيُفْضُوا إلَى السَّماءِ فَنَزَلَ ذالِكَ فِيهِمْ.

مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. وَالْحسن بن مُحَمَّد بن صباح: تَشْدِيد الْبَاء الْمُوَحدَة، أَبُو عَليّ الزَّعْفَرَانِي، مَاتَ يَوْم الِاثْنَيْنِ لثمان بَقينَ من رَمَضَان سنة سِتِّينَ وَمِائَتَيْنِ، وحجاج هُوَ ابْن مُحَمَّد الْأَعْوَر ترمذي سكن المصيصة، وَابْن جريح هُوَ عبد الْملك بن عبد الْعَزِيز بن جريج، وَمُحَمّد بن عباد، بتَشْديد الْبَاء الْمُوَحدَة ابْن جَعْفَر المَخْزُومِي.
قَوْله: (أَلا إِنَّهُم) ، كلمة تَنْبِيه تدل على تحقق مَا بعْدهَا. قَوْله: (يثنوني) ، بِفَتْح الْيَاء آخر الْحُرُوف وَسُكُون الثَّاء الْمُثَلَّثَة وَفتح النُّون وَسُكُون الْوَاو وَكسر النُّون الْأَخِيرَة، هُوَ مضارع على وزن يفعوعل وماضيه أئتوني. عَليّ وزن افعوعل من الثني على طَرِيق الْمُبَالغَة. كَمَا تَقول: أحلولي، للْمُبَالَغَة من الْحَلَاوَة، وَقَالَ بَعضهم: هَذَا بِنَاء مُبَالغَة، كاعشوشب. قلت: كَانَ يَنْبَغِي أَن يَقُول: كيعشوشب، فأحد الشَّيْئَيْنِ وَالْوَاو زائدتان لِأَنَّهُ من عشب، وقرىء بِالتَّاءِ الْمُثَنَّاة فِي أَوله مَوضِع الْيَاء آخر الْحُرُوف. وعَلى الْوَجْهَيْنِ لفظ: (صُدُورهمْ) مَرْفُوع بِهِ وَالْقِرَاءَة الْمَشْهُورَة يثنون بِلَفْظ الْجمع الْمُذكر الْمُضَارع، وَالضَّمِير فِيهِ رَاجع إِلَى الْمُنَافِقين، وصدورهم مَنْصُوب بِهِ، وقرىء: لتئتوني، بِزِيَادَة اللَّام فِي أَوله: وتثنون أَصله تثنوين، من الثن بِكَسْر الثَّاء الْمُثَلَّثَة وَتَشْديد النُّون، وَهُوَ ماهش وَضعف من الْكَلَام يُرِيد مطاوعة صُدُورهمْ لِلتَّمَنِّي كَمَا يثنى النَّبَات من هشه، وَأَرَادَ ضعف إِيمَانهم وَمرض قُلُوبهم: قرىء: تثنثن من اثْنَان على وزن افعال مِنْهُ، وَلكنه همز كَمَا قيل: أبيأضت من ابياضت، وقرىء: يثنوي. على وزن يرعوي. قَوْله: (كَانُوا يستحيون) ، من الْحيَاء، ويروى: يستخفون، من الاستخفاء، وَقَالَ ابْن عَبَّاس: كَانُوا يستحيون أَن يتخلوا فيفضوا إِلَى السَّمَاء وَأَن يجامعوا نِسَاءَهُمْ فيفضوا إِلَى السَّمَاء. قَوْله: (أَن يتخلوا) ، أَي: أَن يقضوا الْحَاجة فِي الْخَلَاء وهم عُرَاة، وَحكى ابْن التِّين بِفَتْح الْحَاء الْمُهْملَة، ثمَّ حكى عَن الشَّيْخ أبي الْحسن الْقَابِسِيّ أَنه أحسن، أَي: يرقدون على حلاوة قفاهم. قَوْله: (فيفضوا) ، من أفْضى الرجل إِلَى امْرَأَته إِذا بَاشَرَهَا، وَفِي رِوَايَة أبي أُسَامَة: كَانُوا لَا يأْتونَ النِّسَاء وَلَا الْغَائِط إلاَّ وَقد تغشوا بثيابهم كَرَاهَة أَن يفضوا بفروجهم إِلَى السَّمَاء. (فَنزل ذَلِك) أَي: قَوْله عز وَجل: {أَلا إِنَّهُم يثنون} الْآيَة.

4682 - ح دَّثني إبْرَاهِيمُ بنُ مُوسَى أخْبَرَنَا هِشَامٌ عنِ ابنِ جُرَيْجٍ وَأخْبَرَنِي مُحَمَّدُ بنُ عَبَّادِ بنِ

(18/289)


جَعْفَرٍ أنَّ ابنَ عَبَّاسٍ قَرَأَ أَلا إنهُمْ تَثْنَوْنِي صُدُورُهُمْ قُلْتُ يَا أَبَا العَبَّاسِ مَا تَثْنُونِي صُدُورُهُمْ قَالَ كَانَ الرَّجُلُ يُجَامِعُ امْرَأَتَهُ فَيَسْتَحِي أوْ يَتَخَلَّى فَيَسْتَحِي فَنَزَلَتْ: {أَلا إنَّهُمْ يَثْنُونَ صُدُورَهُمْ} .

هَذَا طَرِيق آخر فِي الحَدِيث الْمَذْكُور أخرجه عَن إِبْرَاهِيم بن مُوسَى الْفراء أبي إِسْحَاق الرَّازِيّ الْمَعْرُوف بالصغير عَن هِشَام بن يُوسُف الصَّنْعَانِيّ الْيَمَانِيّ قاضيها عَن عبد الْملك بن عبد الْعَزِيز بن جريج.
قَوْله: (وَأَخْبرنِي) ، ويروى عَن ابْن جريج. قَالَ: وَأَخْبرنِي، فَكَأَن هَذِه الْعبارَة تدل على أَن ابْن جريج روى هَذَا عَن غير مُحَمَّد بن عباد، وَفِي رِوَايَة الطَّبَرِيّ عَن ابْن جريج عَن ابْن أبي مليكَة عَن ابْن عَبَّاس. قَوْله: (تثنوني) ، على وزن، تفعوعل، كَمَا ذَكرْنَاهُ عَن قريب، (وصدورهم) مَرْفُوع بِهِ قلت: قَائِله مُحَمَّد بن جَعْفَر، وَأَبُو الْعَبَّاس كنية عبد الله بن عَبَّاس.

203 - (حَدثنَا الْحميدِي حَدثنَا سُفْيَان حَدثنَا عَمْرو قَالَ قَرَأَ ابْن عَبَّاس أَلا إِنَّهُم يثنون صُدُورهمْ ليستخفوا مِنْهُ أَلا حِين يستغشون ثِيَابهمْ وَقَالَ غَيره عَن ابْن عَبَّاس يستغشون يغطون رُؤْسهمْ) هَذَا طَرِيق آخر أخرجه عَن عبد الله بن الزبير بن عِيسَى الْحميدِي عَن سُفْيَان بن عُيَيْنَة عَن عَمْرو بن دِينَار قَوْله " يثنون " بِفَتْح الْيَاء وَسُكُون الثَّاء الْمُثَلَّثَة وَضم النُّون وَهِي الْقِرَاءَة الْمَشْهُورَة وَلَفظ صُدُورهمْ مَنْصُوب بِهِ قَوْله " ليستخفوا مِنْهُ " قد مر تَفْسِيره عَن قريب قَوْله " وَقَالَ غَيره " أَي غير عَمْرو بن دِينَار روى عَن ابْن عَبَّاس
(سيء بهم سَاءَ ظَنّه بقَوْمه وضاق بهم بأضيافه) أَشَارَ بِهِ إِلَى قَوْله تَعَالَى وَلما جَاءَت رسلنَا لوطا سيء بهم وضاق بهم ذرعا وَالَّذِي فسره البُخَارِيّ مَرْوِيّ عَن عَليّ بن أبي طَلْحَة عَن ابْن عَبَّاس أخرجه الطَّبَرِيّ وَالضَّمِير فِي بهم يرجع إِلَى قوم لوط وَفِي الَّذِي ضَاقَ بهم يرجع إِلَى الأضياف وهم الْمَلَائِكَة الَّذين أَتَوا لوطا فِي صُورَة غلْمَان جرد فَلَمَّا نظر إِلَى حسن وُجُوههم وَطيب روائحهم أشْفق عَلَيْهِم من قومه وضاق صَدره وَعظم الْمَكْرُوه عَلَيْهِ قَوْله " وضاق بهم ذرعا " قَالَ الزّجاج يُقَال ضَاقَ زيد بأَمْره ذرعا إِذا لم يجد من الْمَكْرُوه الَّذِي أَصَابَهُ مخلصا
(بِقطع من اللَّيْل بسواد) أَشَارَ بِهِ إِلَى قَوْله تَعَالَى فَأسر بأهلك بِقطع من اللَّيْل وَلَا يلْتَفت مِنْكُم أحد الْآيَة وَفسّر الْقطع بسواد وَهُوَ مَرْوِيّ هَكَذَا عَن ابْن عَبَّاس أخرجه ابْن أبي حَاتِم من طَرِيق عَليّ بن أبي طَلْحَة عَنهُ وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَة مَعْنَاهُ بِبَعْض من اللَّيْل وروى عبد الرَّزَّاق عَن معمر عَن قَتَادَة بطَائفَة من اللَّيْل
(وَقَالَ مُجَاهِد أنيب أرجع) أَشَارَ بِهِ إِلَى قَوْله تَعَالَى وَمَا توفيقي إِلَّا بِاللَّه عَلَيْهِ توكلت وَإِلَيْهِ أنيب وَفسّر أنيب من الْإِنَابَة بقوله أرجع وَقد وَصله عبد بن حميد من طَرِيق ابْن أبي نجيح عَن مُجَاهِد بِهَذَا وَلم تقع نِسْبَة هَذَا إِلَى مُجَاهِد فِي رِوَايَة أبي ذَر وَرُبمَا يُوهم ذَلِك أَنه عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا وَلَيْسَ كَذَلِك وَهنا تَفْسِير أَلْفَاظ وَقعت فِي بعض النّسخ قبل بَاب وَكَانَ عرضه على المَاء
(سجيل الشَّديد الْكَبِير: سجيل وسجين وَاللَّام وَالنُّون أختَان وَقَالَ تَمِيم بن مقبل
(ورجلة يضْربُونَ الْبيض ضاحية ... ضربا توَاصى بِهِ الْأَبْطَال سجينا)
أَشَارَ بِهِ إِلَى قَوْله تَعَالَى {وأمطرنا عَلَيْهَا حِجَارَة من سجيل منضود} وَفَسرهُ بقوله الشَّديد الْكَبِير بِالْبَاء وبالثاء الْمُثَلَّثَة أَيْضا وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَة هُوَ الشَّديد من الْحِجَارَة الصلب وَاعْترض ابْن التِّين بِأَنَّهُ لَو كَانَ معنى السجيل الشَّديد الْكَبِير لما دخلت

(18/290)


عَلَيْهِ من وَكَانَ يَقُول حِجَارَة سجيلا لِأَنَّهُ لَا يُقَال حِجَارَة من شَدِيد (قلت) يُمكن أَن يكون فِيهِ حذف تَقْدِيره وَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِم حِجَارَة كائنة من شَدِيد كَبِير يَعْنِي من حجر قوي شَدِيد صلب قَوْله " سجيل وسجين " أَرَادَ بِهِ أَنَّهُمَا لُغَتَانِ بِاللَّامِ وَالنُّون بِمَعْنى وَاحِد قَوْله " وَاللَّام وَالنُّون أختَان " إِشَارَة إِلَى أَنَّهُمَا من حُرُوف الزَّوَائِد وَأَن كلا مِنْهُمَا يقلب عَن الآخر وَاسْتشْهدَ على ذَلِك بقول تَمِيم بن مقبل بن حبيب بن عَوْف بن قُتَيْبَة بن العجلان بن كَعْب بن عَامر بن صعصعة العامري الْعجْلَاني شَاعِر مخضرم أدْرك الْجَاهِلِيَّة وَالْإِسْلَام وَكَانَ أَعْرَابِيًا جَافيا أحد الْغَوْر من الشُّعَرَاء المجيدين وَالْبَيْت الْمَذْكُور من جملَة قصيدته الَّتِي ذكر فِيهَا ليلى زوج أَبِيه وَكَانَ خلف عَلَيْهَا فَلَا فرق الْإِسْلَام بَينهمَا قَالَ
(طَاف الخيال بِنَا ركبا يَمَانِيا ... وَدون ليلى عواد لَو تعدينا)

(مِنْهُنَّ مَعْرُوف آيَات الْكتاب وَإِن ... نعتل تكذب ليلى بِمَا تمنينا)
إِلَى أَن قَالَ
(وعاقد التَّاج أوسام لَهُ شرف ... من سوقة النَّاس عَادَته عوادينا)

(فَإِن فِينَا صَبُوحًا إِن أريت بِهِ ... ركبا بهيا وآلاف تمانينا)

(ورجلة يضْربُونَ الْبيض ضاحية ... ضربا توَاصى بِهِ الْأَبْطَال سجينا)
وَهِي من الْبَسِيط والاستشهاد فِي قَوْله سجينا لِأَنَّهُ بِمَعْنى شَدِيدا كثيرا قَوْله " ورجلة " قَالَ الْكرْمَانِي الرجلة بِمَعْنى الرجالة ضد الفرسان (قلت) هُوَ بِفَتْح الرَّاء وَسُكُون الْجِيم وَلَيْسَ بِمَعْنى الرجالة بل بِمَعْنى الرجل بِدُونِ التَّاء وَفِي الأَصْل الرجل جمع راجل خلاف الْفَارِس مثل صحب جمع صَاحب وَالظَّاهِر أَنه بِضَم الرَّاء وَالتَّقْدِير وَذَوي رجلة أَي رجولية وَيُقَال راجل جيد الرجلة بِالضَّمِّ يَعْنِي كَامِل فِي الرجولية وَقَالَ الْكرْمَانِي وَهُوَ بِالْجَرِّ وَقيل بِالنّصب مَعْطُوفًا على مَا قبله وَهُوَ قَوْله فَإِن فِينَا صَبُوحًا (قلت) وَلم يبين وَجه الْجَرّ وَالظَّاهِر أَن الْوَاو فِيهِ وَاو رب أَي رب ذَوي رجلة وَحكى ابْن التِّين بِالْحَاء الْمُهْملَة وَلم يبين وَجهه فَإِن صَحَّ ذَلِك فوجهه أَن يُقَال تَقْدِيره وَذَوي رحْلَة بِالضَّمِّ أَي قُوَّة وَشدَّة يُقَال نَاقَة ذَات رحْلَة أَي ذَات شدَّة وَقُوَّة على السّير وَحكى هَذَا عَن أبي عَمْرو قَوْله " الْبيض " بِكَسْر الْبَاء جمع أَبيض وَهُوَ السَّيْف وَيجوز بِفَتْح الْبَاء جمع بَيْضَة الْحَدِيد قَوْله " ضاحية " أَي فِي وَقت الضحوة أَو ظَاهِرَة قَوْله " توَاصى " أَصله تتواصى فحذفت إِحْدَى التَّاءَيْنِ ويروى تواصت بِالتَّاءِ فِي آخِره قَوْله " الْأَبْطَال " جمع بَطل وَهُوَ الشجاع قَوْله " سجينا " بِكَسْر السِّين الْمُهْملَة وَتَشْديد الْجِيم وَقَالَ الْحسن بن المظفر النَّيْسَابُورِي كَأَنَّهُ هُوَ فعيل من السجْن يثبت من وَقع فِيهِ فَلَا يبرح مَكَانَهُ وَقَالَ المؤرخ سجيل وسجين أَي دَائِم وَرَوَاهُ ابْن الْأَعرَابِي سخينا بِالْخَاءِ الْمُعْجَمَة أَي سخينا حارا يَعْنِي الضَّرْب وَقَالَ ابْن قُتَيْبَة السجيل بِالْفَارِسِيَّةِ سنك كل أَي حِجَارَة وطين (قلت) سنك بِفَتْح السِّين الْمُهْملَة وَسُكُون النُّون وبالكاف الصماء وَهُوَ الْحجر بِالْفَارِسِيَّةِ وكل بِكَسْر الْكَاف الصماء وَسُكُون اللَّام الطين فَلَمَّا عرب كسرت السِّين لِأَن الْعَرَب إِذا اسْتعْملت لفظا أعجميا يتصرفون فِيهِ بتغيير الحركات وقلب بعض الْحُرُوف بِبَعْض وَذكروا أقوالا فِي لفظ سجيل الْمَذْكُور فِي الْآيَة الْكَرِيمَة وأمطرنا عَلَيْهِم حِجَارَة من سجيل فَفِي التَّلْوِيح وَاخْتلف فِي لفظ سجيل فَقيل هُوَ دخيل وَقيل هُوَ عَرَبِيّ وَقيل هُوَ الْحِجَارَة كالمدر وَقيل حِجَارَة من سجيل طبخت بِنَار جَهَنَّم مَكْتُوب عَلَيْهَا أَسمَاء الْقَوْم وَقَالَ الْحسن أَصله طين شوى وَقَالَ الضَّحَّاك يَعْنِي الْآجر وَقَالَ ابْن زيد طبخ حَتَّى صَار كالآجر وَقيل اسْم للسماء الدُّنْيَا وَقَالَ عِكْرِمَة سجيل بَحر مُعَلّق فِي الْهَوَاء بَين السَّمَاء وَالْأَرْض مِنْهُ نزلت الْحِجَارَة وَقيل هِيَ جبال فِي السَّمَاء وَهِي الَّتِي أَشَارَ الله عز وَجل إِلَيْهَا بقوله {وَينزل من السَّمَاء من جبال فِيهَا من برد} وَقَالَ الثَّعْلَبِيّ قيل هُوَ فعيل من قَول الْعَرَب أسجلته إِذا أَرْسلتهُ فَكَأَنَّهَا مُرْسلَة عَلَيْهِم وَقيل هُوَ من سجلت لَهُ سجلا إِذا أَعْطيته كَأَنَّهُمْ أعْطوا ذَلِك الْبلَاء وَالْعَذَاب وَقَالَ الْقَزاز سجيل عَال
(استعمركم جعلكُمْ عمارا أعمرته الدَّار فَهِيَ عمرى جَعلتهَا لَهُ) أَشَارَ إِلَى قَوْله تَعَالَى {هُوَ أنشأكم من الأَرْض واستعمركم فِيهَا فاستغفروه} الْآيَة وَفَسرهُ بقوله جعلكُمْ عمارا وَهَكَذَا

(18/291)


روى عَن مُجَاهِد قَوْله " أعمرته الدَّار " إِلَى آخِره مر فِي كتاب الْهِبَة قَوْله " جَعلتهَا لَهُ " أَي هبة وَهَذَا لم يثبت إِلَّا فِي رِوَايَة أبي ذَر (نكرهم وأنكرهم واستنكرهم وَاحِد) أَشَارَ بِهِ إِلَى قَوْله تَعَالَى {فَلَمَّا رأى أَيْديهم لَا تصل إِلَيْهِ نكرهم وأوجس مِنْهُم خيفة} الْآيَة أَي فَلَمَّا رأى أَيدي الْمَلَائِكَة لَا تصل إِلَى عجل حنيذ الَّذِي قدمه إِلَيْهِم حِين جَاءَ خَافَ فَقَالُوا {لَا تخف إِنَّا أرسلنَا إِلَى قوم لوط} وَأَشَارَ بِأَن معنى نكرهم الثلاثي الْمُجَرّد وأنكرهم الثلاثي الْمَزِيد فِيهِ واستنكرهم من بَاب الاستفعال كلهَا بِمَعْنى وَاحِد من الْإِنْكَار وَقَالَ الْجَوْهَرِي نكرت الرجل بِالْكَسْرِ نكرا ونكورا وأنكرته كُله بِمَعْنى
(حميد مجيد كَأَنَّهُ فعيل من ماجد. مَحْمُود من حمد) أَشَارَ بِهِ إِلَى قَوْله عز وَجل {رَحْمَة الله وَبَرَكَاته عَلَيْكُم أهل الْبَيْت إِنَّه حميد مجيد} أَي أَن الله هُوَ الَّذِي يسْتَحق الْحَمد وَالْمجد وَالْمجد الشّرف يُقَال رجل ماجد إِذا كَانَ سخيا وَاسع الْعَطاء قَوْله " كَأَنَّهُ فعيل " لَيْسَ هَذَا مَحل الشَّك حَتَّى قَالَ كَأَنَّهُ فعيل أَي كَانَ وَزنه فعيل بل هُوَ على وزن فعيل من صِيغَة ماجد وَحميد بِمَعْنى مَحْمُود قَوْله " من حمد " أَي أَخذ حميد من حمد على صِيغَة الْمَجْهُول وَقَالَ الطَّيِّبِيّ الْمجِيد مُبَالغَة الْمَاجِد من الْمجد وَهُوَ سَعَة الْكَرم من قَوْلهم مجدت الْمَاشِيَة إِذا صادفت رَوْضَة انفا وأمجدها الرَّاعِي وَقيل الْمجِيد بِمَعْنى الْعَظِيم الرفيع الْقدر
(إجرامي هُوَ مصدر من أجرمت وَبَعْضهمْ يَقُول جرمت) أَشَارَ بِهِ إِلَى قَوْله عز وَجل {قل إِن افتريته فعلي إجرامي وَأَنا برىء مِمَّا تجرمون} قَالَ الزَّمَخْشَرِيّ وإجرامي بِلَفْظ الْمصدر وَالْجمع كَقَوْلِه {وَالله يعلم إسرارهم} وينصر الْجمع أَن فسروه بآثامي وَالْمعْنَى إِن صَحَّ وَثَبت أَنِّي افتريته فعلي عُقُوبَة إجرامي أَي افترائي وَيُقَال الإجرام اكْتِسَاب السَّيئَة يُقَال أجرم فَهُوَ مجرم قَوْله " وَبَعْضهمْ " يَقُول جرمت يَعْنِي من صِيغَة الثلاثي الْمُجَرّد وَهُوَ قَول أبي عُبَيْدَة وجرمت بِمَعْنى كسبت
(الْفلك والفلك وَاحِد وَهِي السَّفِينَة والسفن) أَشَارَ بِهِ إِلَى قَوْله تَعَالَى {واصنع الْفلك بأعيننا} وَأَشَارَ بِأَن الْفلك يُطلق على الْوَاحِد وعَلى الْجمع بِلَفْظ وَاحِد فَلذَلِك قَالَ وَهِي السَّفِينَة والسفن أَي الْفلك إِذا أطلق على الْوَاحِد يكون الْمَعْنى السَّفِينَة وَإِذا أطلق على الْجمع يكون الْمَعْنى السفن الَّتِي هِيَ جمع سفينة وَالْفَاء فيهمَا مَضْمُومَة فضمة الْمُفْرد مثل ضمة قفل وضمة الْجمع مثل ضمة أَسد جمع أَسد
(مجْراهَا مدفعها وَهُوَ مصدر أجريت وأرسيت حبست وَيقْرَأ مرْسَاها من رست هِيَ ومجراها من جرت هِيَ ومجريها ومرسيها من فعل بهَا) أَشَارَ بِهِ إِلَى قَوْله تَعَالَى {وَقَالَ اركبوا فِيهَا بِسم الله مجْراهَا وَمرْسَاهَا} وَفسّر مجْراهَا بِضَم الْمِيم الَّذِي هُوَ قِرَاءَة الْجُمْهُور بقوله مدفعها وَأَرَادَ بِهِ مسيرها وَعَن ابْن عَبَّاس مجْراهَا حَيْثُ تجْرِي وَمرْسَاهَا حَيْثُ ترسي قَوْله " وَهُوَ مصدر أجريت " أَرَادَ بِهِ الْمصدر الميمي والمصدر على بَابه من أجريت إِجْرَاء قَوْله " وأرسيت حبست " أَي معنى أرسيت حبست قَوْله وَيقْرَأ مرْسَاها يَعْنِي بِفَتْح الْمِيم وَهِي قِرَاءَة الْكُوفِيّين حَمْزَة وَالْكسَائِيّ وَحَفْص عَن عَاصِم قَوْله " من رست " أَي أَن مرْسَاها بِفَتْح الْمِيم مَأْخُوذ من رست أَي السَّفِينَة إِذا ركدت واستقرت وَكَذَلِكَ مجْراهَا بِفَتْح الْمِيم من جرت هِيَ أَي من جرت تجْرِي جَريا قَوْله " ومجريها ومرسيها " يَعْنِي تقْرَأ بِضَم الْمِيم فيهمَا وَهِي قِرَاءَة يحيى بن وثاب وَالْمعْنَى الله مجريها ومرسيها (فَالْأول) من الإجراء (وَالثَّانِي) من الإرساء قَوْله من فعل بهَا بِصِيغَة الْمَعْلُوم والمجهول يرجع إِلَى الْقِرَاءَتَيْن فَفِي قِرَاءَة بِفَتْح الْمِيم بِصِيغَة الْمَعْلُوم وَفِي قِرَاءَة بِلَفْظ الْفَاعِل بِصِيغَة الْمَجْهُول

(18/292)


(الراسيات ثابتات) ذكر هَذَا اسْتِطْرَادًا لذكر مرْسَاها لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي سُورَة هود وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَة فِي قَوْله تَعَالَى {وقدور راسيات} أَي ثابتات عِظَام
(عنيد وعنود وعاند وَاحِد هُوَ تَأْكِيد التجبر) أَشَارَ بِهِ إِلَى قَوْله تَعَالَى {وَاتبعُوا كل جَبَّار عنيد} وَأَشَارَ بِأَن هَذِه الْأَلْفَاظ الثَّلَاثَة مَعْنَاهَا وَاحِد وَهُوَ تَأْكِيد التجبر وَقَالَ ابْن قُتَيْبَة معنى عنيد الْمعَارض الْمُخَالف
(وَيَقُول الأشهاد هَؤُلَاءِ الَّذين كذبُوا على رَبهم أَلا لعنة الله على الظَّالِمين وَاحِد الأشهاد شَاهد مثل صَاحب وَأَصْحَاب) أَشَارَ بِهِ إِلَى قَوْله تَعَالَى وَيَقُول الأشهاد هَؤُلَاءِ الَّذين كذبُوا الْآيَة وَأَشَارَ إِلَى أَن الأشهاد جمع واحده شَاهد مثل أَصْحَاب واحده صَاحب وَقَالَ زيد بن أسلم الأشهاد أَرْبَعَة الْأَنْبِيَاء وَالْمَلَائِكَة عَلَيْهِم السَّلَام والمؤمنون والأجناد وَقَالَ الضَّحَّاك الْأَنْبِيَاء وَالرسل عَلَيْهِم السَّلَام وَعَن مُجَاهِد الْمَلَائِكَة وَعَن قَتَادَة الْخَلَائق رَوَاهُ ابْن أبي حَاتِم -
2 - (بابُ قَوْلِهِ: {وكانَ عَرْشُهُ عَلَى الماءِ} (هود: 7)

أَي: هَذَا بَاب فِي قَوْله تَعَالَى: {وَكَانَ عَرْشه على المَاء} أَي: كَانَ عَرْشه على المَاء قبل أَن يخلق السَّمَوَات وَالْأَرْض، وَقيل لِابْنِ عَبَّاس: على أَي شَيْء كَانَ المَاء؟ قَالَ: على متن الرّيح، وَفِي وقُوف الْعَرْش على المَاء وَالْمَاء على غير تُرَاب أعظم الِاعْتِبَار لأهل الأفكار، وَقَالَ كَعْب: خلق الله ياقوتة حَمْرَاء ثمَّ نظر إِلَيْهَا بالهيبة فَصَارَت مَاء يرتعد، ثمَّ خلق الرّيح فَجعل المَاء على متنها، ثمَّ وضع الْعَرْش على المَاء.
204 - (حَدثنَا أَبُو الْيَمَان أخبرنَا شُعَيْب حَدثنَا أَبُو الزِّنَاد عَن الْأَعْرَج عَن أبي هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ أَن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ قَالَ الله عز وَجل أنْفق أنْفق عَلَيْك وَقَالَ يَد الله ملآى لَا تغيضها نَفَقَة سحاء اللَّيْل وَالنَّهَار وَقَالَ أَرَأَيْتُم مَا أنْفق مُنْذُ خلق السَّمَاء وَالْأَرْض فَإِنَّهُ لم يغض مَا فِي يَده وَكَانَ عَرْشه على المَاء وَبِيَدِهِ الْمِيزَان يخْفض وَيرْفَع) مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة وَأَبُو الْيَمَان الحكم بن نَافِع وَشُعَيْب بن أبي حَمْزَة وَأَبُو الزِّنَاد بِكَسْر الزَّاي وبالنون عبد الله بن ذكْوَان والأعرج عبد الرَّحْمَن بن هُرْمُز والْحَدِيث أخرجه فِي التَّوْحِيد أَيْضا وَأخرجه النَّسَائِيّ فِي التَّفْسِير بِبَعْضِه قَوْله أنْفق عَلَيْك مجزوم لِأَنَّهُ جَوَاب الْأَمر وَفِيه مشاكلة لِأَن إِنْفَاق الله تَعَالَى لَا ينقص من خزائنه شَيْئا قَوْله يَد الله ملأى كِنَايَة عَن خزائنه الَّتِي لَا تنفد بالعطاء قَوْله لَا يغيضها بالغين وَالضَّاد المعجمتين أَي لَا ينقصها وَهُوَ لَازم ومتعد يُقَال غاض المَاء يغيض وغضته أَنا أغيضه وغاض المَاء إِذا غَار قَوْله سحاء أَي دائمة الصب والهطل بالعطاء يُقَال سح يسح فَهُوَ ساح والمؤنث سحاء وَهِي فعلاء لَا أفعل لَهَا كهطلاء وروى سَحا بِالتَّنْوِينِ على الْمصدر فَكَأَنَّهَا لشدَّة امتلائها تفيض أبدا قَوْله اللَّيْل وَالنَّهَار منصوبان على الظَّرْفِيَّة قَوْله أَرَأَيْتُم أَي أخبروني قَوْله مَا أنْفق أَي الَّذِي أنْفق من يَوْم خلق السَّمَاء وَالْأَرْض قَوْله فَإِنَّهُ أَي فَإِن الَّذِي أنْفق قَوْله لم يغض أَي لم ينقص مَا فِي يَده وَحكم هَذَا حكم المتشابهات تَأْوِيلا قَوْله " الْمِيزَان " أَي الْعدْل قَالَ الْخطابِيّ الْمِيزَان هُنَا مثل وَإِنَّمَا هُوَ قسمته بِالْعَدْلِ بَين الْخلق قَوْله " يخْفض وَيرْفَع " أَي يُوسع الرزق على من يَشَاء ويقتر كَمَا يصنعه الْوزان عِنْد الْوَزْن يرفع مرّة ويخفض أُخْرَى وأئمة السّنة على وجوب الْإِيمَان بِهَذَا وأشباهه من غير تَفْسِير بل يجْرِي على ظَاهره وَلَا يُقَال كَيفَ

(18/293)


(اعتراك افتعلك من عروته أَي أصبته وَمِنْه يعروه واعتراني) أَشَارَ بِهِ إِلَى قَوْله تَعَالَى أَن نقُول إِلَّا اعتراك بعض آلِهَتنَا بِسوء وَلم يثبت هَذَا هُنَا إِلَّا فِي رِوَايَة الْكشميهني وَحده قَوْله " اعتراك افتعلك " أَرَادَ بِهِ أَنه من بَاب الافتعال وَلَكِن قَوْله اعتراك افتعلك بكاف الْخطاب لَيْسَ باصطلاح أحد من أهل الْعُلُوم الآلية وَقَالَ بَعضهم وَإِنَّمَا يُقَال اعتراك افتعلت بتاء مثناة من فَوق وَهُوَ كَذَلِك عِنْد أبي عُبَيْدَة قلت كَذَا وَقع فِي بعض النّسخ وَالصَّوَاب أَن يُقَال اعترى افتعل فَلَا يحْتَاج إِلَى ذكر كَاف الْخطاب فِي الْوَزْن قَوْله " من عروته " إِشَارَة إِلَى أَن أَصله من عرا يعرو عروا وَفِي الصِّحَاح عروت الرجل أعروه عروا إِذا أَلممْت بِهِ وأتيته طَالبا فَهُوَ معرو وَفُلَان تعروه الأضياف وتعتريه أَي تغشاه قَوْله وَمِنْه يعروه واعتراني أَي وَمن هَذَا الأَصْل قَوْلهم فلَان يعروه أَي يُصِيبهُ وَقَالَ الْجَوْهَرِي أعراني هَذَا الْأَمر واعتراني تغشاني وَفِيه معنى الْإِصَابَة
(آخذ بناصيتها أَي فِي ملكه وسلطانه) أَشَارَ بِهِ إِلَى قَوْله تَعَالَى {مَا من دَابَّة إِلَّا هُوَ آخذ بناصيتها إِن رَبِّي على صِرَاط مُسْتَقِيم} وَتَفْسِيره بقوله أَي فِي ملكه وسلطانه تَفْسِير بِالْمَعْنَى الغائي لِأَن من أَخذ بناصيته يكون تَحت قهر الْآخِذ وَحكمه وَهَذَا التَّفْسِير بمفسره لم يثبت إِلَّا فِي رِوَايَة الْكشميهني وَحده
(وَإِلَى مَدين أَخَاهُم شعيبا) أَي أرسلنَا إِلَى أهل مَدين أَخَاهُم أَي من أنفسهم قَوْله " شعيبا " بدل من أَخَاهُم الَّذِي هُوَ مَنْصُوب بأرسلنا الْمُقدر وَشُعَيْب منصرف لِأَنَّهُ علم عَرَبِيّ وَلَيْسَ فِيهِ عِلّة أُخْرَى وَفِي صَحِيح ابْن حبَان أَرْبَعَة من الْعَرَب هود وَصَالح وَشُعَيْب وَنَبِيك يَا أَبَا ذَر وَكَانَ لِسَانه الْعَرَبيَّة أرْسلهُ الله إِلَى مَدين بعد إِبْرَاهِيم عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام وَفِي اسْم أَبِيه أَقْوَال وَالْمَشْهُور شُعَيْب بن بويب بن مَدين بن إِبْرَاهِيم ومدين لَا ينْصَرف للعلمية والعجمة ثمَّ صَار اسْما للقبيلة ثمَّ أَن مَدين لما بنى بَلْدَة قريبَة من أَرض معَان من أَطْرَاف الشَّام مِمَّا يَلِي نَاحيَة الْحجاز سَمَّاهَا باسمه مَدين قَوْله " إِلَى مَدين " أَي إِلَى أهل مَدين لِأَن مَدين اسْم بلد فَلَا يُمكن الْإِرْسَال إِلَيْهِ وَلَا يكون الْإِرْسَال إِلَّا إِلَى أَهله فَلذَلِك قدر الْمُضَاف مثل واسأل الْقرْيَة أَي اسْأَل أهل الْقرْيَة لِأَن السُّؤَال عَن الْقرْيَة لَا يتَصَوَّر وَكَذَلِكَ قَوْله واسأل العير تَقْدِيره واسأل أَصْحَاب العير بِكَسْر الْعين الْإِبِل بأحمالها من عَار يعير إِذا سَار وَقيل هِيَ قافلة الْحمير فكثرت حَتَّى سمى بهَا كل قافلة
(وراءكم ظهريا يَقُول لم تلتفتوا إِلَيْهِ وَيُقَال إِذا لم يقْض الرجل حَاجته ظَهرت بحاجتي وجعلتني ظهريا والظهري هَهُنَا أَن تَأْخُذ مَعَك دَابَّة أَو وعَاء تستظهر بِهِ) أَشَارَ بِهِ إِلَى قَوْله تَعَالَى واتخذتموه وراءكم ظهريا وَهَذَا أَيْضا لم يثبت إِلَّا للكشميهني وَحده وَفَسرهُ بقوله لم تلتفتوا إِلَيْهِ وَهُوَ تَفْسِير بِالْمَعْنَى الغائي لِأَن معنى قَوْله واتخذتموه وراءكم ظهريا جعلتموه وَرَاء ظهوركم وَجعل الشَّيْء وَرَاء الظّهْر كِنَايَة عَن عدم الِالْتِفَات إِلَيْهِ والظهري مَنْسُوب إِلَى الظّهْر وكسرة الظَّاء من تغييرات النّسَب قَوْله وَيُقَال إِذا لم يقْض الرجل حَاجته أَي حَاجَة فلَان مثلا يُقَال لَهُ ظَهرت بهَا كَأَنَّهُ استخف بهَا وَجعلهَا بظهره أَي كَأَنَّهُ أزالها وَلم يلْتَفت إِلَيْهَا وَجعلهَا ظهريا أَي خلف ظَهره قَوْله والظهري هَهُنَا إِلَى آخِره أَن أَرَادَ بقوله هَهُنَا تَفْسِير الظهري الَّذِي فِي الْقُرْآن فَلَا يَصح ذَلِك لِأَن تَفْسِير الظهري هُوَ الَّذِي ذكره أَولا وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيّ معنى قَوْله تَعَالَى واتخذتموه وراءكم ظهريا نسيتموه وجعلتموه كالشيء مَنْبُوذًا وَرَاء الظّهْر لَا يعبأ بِهِ وَعَن ابْن عَبَّاس رصي الله تَعَالَى عَنْهُمَا يُرِيد ألقيتموه خلف ظهوركم وامتنعتم من قَتْلِي مَخَافَة قومِي وَالله أكبر وأعز من جَمِيع خلقه وَقَوله والظهري هَهُنَا إِلَى آخِره غير الْمَعْنى الَّذِي ذكره الْمُفَسِّرُونَ فِي الْآيَة الْكَرِيمَة نعم جَاءَ الظهري أَيْضا بِهَذَا الْمَعْنى وَقد قَالَ الْجَوْهَرِي الظهري بِالْكَسْرِ الْعدة للْحَاجة إِن احْتِيجَ إِلَيْهِ وَهَذَا يُؤَكد الْمَعْنى الَّذِي قَالَه

(18/294)


وَمِنْه يُقَال بعير ظهير بَين الظهارة إِذا كَانَ قَوِيا وناقة ظهيرة قَالَه الْأَصْمَعِي قَوْله يستظهر بِهِ أَي يَسْتَعِين بِهِ أَي بالظهري وَيُقَال فلَان ظهرني على فلَان وَأَنا ظهرتك على هَذَا الْأَمر أَي عونك
(أراذلنا سقاطنا) أَشَارَ بِهِ إِلَى قَوْله تَعَالَى وَمَا نرَاك اتبعك إِلَّا الَّذين هم أراذلنا بَادِي الرَّأْي وَفسّر أراذلنا بقوله سقاطنا بِضَم السِّين الْمُهْملَة وَتَشْديد الْقَاف جمع سقط بِفتْحَتَيْنِ وَهُوَ الردي الدني الخسيس وسقاطنا أَي أخساؤنا والأراذل جمع أرذل وَهُوَ الردي من كل شَيْء وَقيل جمع أرذل بِضَم الذَّال وَهُوَ جمع رذل مثل كلب وأكلب وأكالب وَالْآيَة فِي قصَّة نوح عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام -
4 - (بابُ قَوْلِهِ: {ويَقُولُ الأشْهادُ هاؤُلاءِ الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى رَبِّهِمْ أَلا لَعْنَةُ الله عَلَى الظّالِمِينَ} (هود: 18)

4685 - ح دَّثنا مُسَدَّدُ حَدثنَا يَزِيدُ بنُ زُرَيْعٍ حَدثنَا سعِيدٌ وهِشَامٌ قَالَا حَدثنَا قَتادَةُ عنْ صَفْوَانَ بنِ مُحْرِزٍ قَالَ بَيْنا ابنُ عمَرَ يَطُوفُ إذْ عَرَضَ رجُلٌ فَقَالَ يَا أَبَا عبْدِ الرَّحْمانِ أوْ قَالَ يَا ابْنَ عُمَرَ هَلْ سَمِعْتَ النبيَّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي النَّجْوَى فَقَالَ سَمِعْتُ النبيَّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُولُ يُدْني المُؤْمِنُ مِنْ رَبِّهِ. وَقَالَ هِشَامٌ يَدْنُوا المُؤْمِنُ حَتَّى يَضَعَ عَلَيْهِ كَنَفَهُ فيُقَرِّرُهُ بذُنُوبِهِ تَعْرِفُ ذَنْبَ كَذَا يَقُولُ أعْرِفُ يَقُولُ رَبِّ أعْرِفُ مَرَّتَيْنِ فيَقُولُ سَتَرْتُها فِي الدُّنْيا وأغْفِرُها لَكَ اليَوْمَ ثُمَّ تُطْوَي صَحِيفَةُ حَسَناتِهِ وأمّا الآخَرُونَ أوِ الكُفَّارُ فَيُنادَي عَلَى رُؤُوسِ الأشْهادِ هاؤلاَءِ الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى رَبِّهِمْ وَقَالَ شَيْبانُ عنْ قَتادَةَ حدَّثنا صَفْوَانُ.
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. وَيزِيد من الزِّيَادَة ابْن زُرَيْع مصغر زرع وَسَعِيد هُوَ ابْن عرُوبَة، وَهِشَام ابْن عبد الله الدستوَائي، وَصَفوَان بن مُحرز، بِضَم الْمِيم وَسُكُون الْحَاء الْمُهْملَة وَكسر الرَّاء وبالزاي: الْمَازِني.
والْحَدِيث مضى فِي كتاب الْمَظَالِم فِي: بَاب قَول الله تَعَالَى: {أَلا لعنة الله على الظَّالِمين} وَمضى الْكَلَام فَهِيَ هُنَاكَ.
قَوْله: (فِي النَّجْوَى) أَي: الْمُنَاجَاة الَّتِي بَين الله تَعَالَى وَبَين الْمُؤمنِينَ، وَإِنَّمَا أطلق النَّجْوَى لمخاطبة الْكفَّار على رُؤُوس الأشهاد. قَوْله: (يدني الْمُؤمن) على صِيغَة الْمَجْهُول من الدنو، وَهُوَ الْقرب. قَوْله: (كنفه) بِفَتْح النُّون وَهُوَ الْجَانِب والناحية، وَهَذَا تَمْثِيل لجعله تَحت ظلّ رَحمته يَوْم الْقِيَامَة، وَقَالَ ابْن الْأَثِير: حَتَّى يضع عَلَيْهِ كنفه أَي يستره، وَقيل: يرحمه ويلطف بِهِ، والكنف والدنو كِلَاهُمَا مجازان لِاسْتِحَالَة حقيقتهما على الله تَعَالَى، والْحَدِيث من المتشابهات. قَوْله: (ثمَّ تطوى) ويروى: ثمَّ يعْطى، قَوْله: (وَأما الْآخرُونَ) بِالْمدِّ وَفتح الْخَاء وَكسرهَا، ويروى بِالْقصرِ وَالْكَسْر: فهم المدبرون الْمُتَأَخّرُونَ عَن الْخَيْر. قَوْله: (أَو الْكفَّار) شكّ من الرَّاوِي. قَوْله: (وَقَالَ شَيبَان) هُوَ ابْن عبد الرَّحْمَن النَّحْوِيّ، وَقد أخرج البُخَارِيّ هَذَا الحَدِيث أَيْضا فِي كتاب التَّوْحِيد عَن مُسَدّد عَن أبي عوَانَة عَن قَتَادَة عَن صَفْوَان إِلَى آخِره، ثمَّ قَالَ: وَقَالَ آدم: حَدثنَا شَيبَان حَدثنَا قَتَادَة حَدثنَا صَفْوَان عَن ابْن عمر: سَمِعت النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَوَصله ابْن مرْدَوَيْه من طَرِيق شَيبَان.

5 - (بابُ قَوْلِهِ: {وكَذَلِكَ أخْذُ رَبِّكَ إذَا أخَذَ القرَى وهْيَ ظَالِمَةٌ إنَّ أخْذَهُ ألِيمٌ شَدِيدٌ} (هود: 102)

أَي: هَذَا بَاب فِي قَوْله تَعَالَى: {وَكَذَلِكَ} الْآيَة، وَلَيْسَ فِي بعض النّسخ لفظ: بَاب قَوْله: (وَكَذَلِكَ) ، أَي: ذكر من إهلاك الْأُمَم وَأَخذهم بِالْعَذَابِ. قَوْله: (إِذا أَخذ الْقرى) أَي: أَهلهَا، وقرى إِذا أَخذ قَوْله: (وَهِي ظالمة) حَال من الْقرى. قَوْله: (إِن أَخذه) أَي: أَخذ الله (أَلِيم) ، أَي: وجيع شَدِيد، وَهَذَا تحذير من وخامة الذَّنب لكل أهل قَرْيَة.

(18/295)


الرِّفْدُ المَرْفُودُ العَوْنُ المُعِينُ رَفَدْتُهُ أعَنْتُهُ
أَشَارَ بِهِ إِلَى قَوْله تَعَالَى: {وأتبعوا فِي هَذِه لعنة وَيَوْم الْقِيَامَة بئس الرفد المرفود} (هود: 99) وَفسّر الرفد المرفود بقوله: العون الْمعِين، أَي: بئس العون المعان، كَذَا فسره الزَّمَخْشَرِيّ، وَكَذَا وَقع فِي بعض النّسخ، وَالْمَشْهُور بِلَفْظ الْمعِين على لفظ إسم الْفَاعِل، وَوَجهه أَن يُقَال: الْفَاعِل بِمَعْنى الْمَفْعُول، أَو يُقَال: مَعْنَاهُ بِذِي عون. قَوْله: (رفدته أعنته) أَشَارَ بِهِ إِلَى أَن معنى الرفد العون، يُقَال: رفدت فلَانا، أَي: أعنته، وَقَالَ مُجَاهِد: رفدوا يَوْم الْقِيَامَة بلعنة أُخْرَى.
تَرْكَنُوا تَمِيلُوا
أَشَارَ بِهِ إِلَى قَوْله عز وَجل: {وَلَا تركنوا إِلَى الَّذين ظلمُوا} مَعْنَاهُ: وَلَا تميلوا، وَعَن ابْن عَبَّاس: لَا تركنوا إِلَى الَّذين ظلمُوا فِي الْمحبَّة ولين الْكَلَام والعودة، وَعَن مُجَاهِد: لَا تدهنوا الظلمَة، وَعَن ابْن الْعَالِيَة: لَا ترضوا بأعمالهم، وَكَذَا رَوَاهُ عبد بن حميد من طَرِيق الرّبيع بن أنس.
فَلَوْلاَ كانَ فَهَلاَّ كانَ
أَشَارَ بِهِ إِلَى قَوْله تَعَالَى: {فلولا كَانَ من الْقُرُون من قبلكُمْ} (هود: 116) ثمَّ قَالَ: مَعْنَاهُ: فَهَلا كَانَ، وَهَكَذَا فسره الزَّمَخْشَرِيّ، ثمَّ قَالَ: وحكوا عَن الْخَلِيل، كل لَوْلَا فِي الْقُرْآن فمعناها: هلا إلاَّ الَّتِي فِي الصافات، وَمَا صحت هَذِه الْحِكَايَة، فَفِي غير الصافات: {لَوْلَا أَن تَدَارُكه نعْمَة من ربه لنبذ بالعراء} (الْقَلَم: 49) {وَلَوْلَا رجال مُؤمنُونَ} (الْفَتْح: 251) {وَلَوْلَا أَن ثَبَّتْنَاك لقد كدت تركن إِلَيْهِم} (الْإِسْرَاء: 74) وروى عبد الرَّزَّاق عَن معمر عَن قَتَادَة فِي قَوْله: (فلولا) قَالَ: فِي حرف ابْن مَسْعُود: فَهَلا، وَكلمَة: هلا، للتحضيض.
أُتْرِفُوا هلِكُوا
أَشَارَ بِهِ إِلَى قَوْله: {وَاتبع الَّذين ظلمُوا مَا أترفوا فِيهِ وَكَانُوا مجرمين} (هود: 116) وَفسّر أترفوا بقوله: أهلكوا، على صِيغَة الْمَجْهُول، وَمعنى الإتراف التَّنْعِيم، فَلَعَلَّهُ أَرَادَ بِهِ أَنهم أهلكوا بِسَبَب هَذَا الإتراف الَّذِي أطغاهم.
وَقَالَ ابْن عَبَّاسٍ زفَيْرٌ وشَهِيقٌ صَوْتٌ شَدِيدٌ وصَوْتٌ ضَعِيفٌ
أَشَارَ بِهِ إِلَى قَوْله تَعَالَى: {لَهُم فِيهَا زفير وشهيق} (هود: 106) أَي: اللَّذين شَقوا فِي النَّار زفير وشهيق، وَقَالَ ابْن عَبَّاس: الزَّفِير صَوت شَدِيد، والشهيق صَوت ضَعِيف، وَفِي التَّفْسِير: الزَّفِير والشهيق من أصوات المكروبين المحزونين، وَحكي عَن أهل اللُّغَة أَن الزَّفِير بِمَنْزِلَة ابْتِدَاء صَوت الْحمار بالنهيق، والشهيق بِمَنْزِلَة آخر صَوته. وَقَالَ بَعضهم: الزَّفِير زفير الْحمار، والشهيق شهيق البغال. وَقيل: الزَّفِير ضد الشهيق، لِأَن الشهيق رد النَّفس والزفير إِخْرَاج النَّفس، وأصل الزَّفِير الْحمل على الظّهْر، والشهيق من قَوْلهم: جبل شَاهِق، وَقَالَ أَبُو الْعَالِيَة: الزَّفِير فِي الْحلق والشهيق فِي الصَّدْر.

4686 - ح دَّثنا صَدَقَةُ بنُ الفَضْلِ أخبرَنا أبُو مُعاوِيةَ حَدثنَا برَيْدُ بنُ أبي بُرْدَةَ عنْ أبي بُرْدَةَ عنْ أبي مُوسَى رَضِي الله عَنهُ قَالَ قَالَ رسُولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إنَّ الله لَيُمْلِي لِلظّالِمِ حَتَّى إذَا أخَذَهُ لَمْ يُفْلِتْهُ قَالَ ثُمَّ قَرَأَ: {وكَذَلِكَ أخْذُ رَبِّكَ إذَا أخَذَ القُرَى وهْيَ ظالِمَةُ إنَّ أخْذَهُ ألِيمٌ شَدِيدٌ} (هود: 102) .

مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. وَأَبُو مُعَاوِيَة مُحَمَّد بن خازم، بِالْخَاءِ الْمُعْجَمَة وَالزَّاي: الضَّرِير، وبريد، بِضَم الْبَاء الْمُوَحدَة وَفتح الرَّاء: ابْن عبد الله بن أبي بردة، بِضَم الْبَاء الْمُوَحدَة: واسْمه عَامر بن أبي مُوسَى عبد الله بن قيس الْأَشْعَرِيّ، وبريد هَذَا يروي عَن جده أبي بردة، وَحذف البُخَارِيّ عبد الله تَخْفِيفًا وَنسبه إِلَى جده لروايته عَنهُ، وَفِي رِوَايَة أبي ذَر: أَبَا بريد بن أبي بردة عَن أَبِيه، وَالصَّوَاب مَا ذكره هُنَا.
والْحَدِيث أخرجه مُسلم فِي الْأَدَب عَن مُحَمَّد بن عبد الله بن نمير، وَأخرجه فِي التَّفْسِير عَن أبي كريب. وَأخرجه النَّسَائِيّ فِيهِ عَن أبي بكر بن عَليّ. وَأخرجه ابْن مَاجَه فِي الْفِتَن عَن ابْن نمير.
قَوْله: (ليملي) أَي: ليمهل، من الْإِمْلَاء وَهُوَ

(18/296)


الامهال، وَفِي رِوَايَة التِّرْمِذِيّ: ليمهل، وَاللَّام فِيهِ للتَّأْكِيد (وَلم يفلته) بِضَم الْيَاء أَي: لم يخلصه أبدا بِوَجْه لِكَثْرَة مظالمه حَتَّى الشّرك، أَو لم يخلصه مُدَّة طَوِيلَة إِن كَانَ مُؤمنا، وَقَالَ صَاحب (التَّوْضِيح) : لم يفلته من أفلت رباعي أَي، لم يُؤَخِّرهُ. قلت: لَا يُسمى هَذَا رباعياً فِي الِاصْطِلَاح وَإِنَّمَا هُوَ ثلاثي مزِيد فِيهِ.

6 - (بابُ قَوْلِهِ: {وأقِمِ الصَّلاَةَ طَرَفَي النَّهارِ وزُلَفاً مِنَ اللّيْل إنَّ الحَسَناتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئاتِ ذالِكَ ذِكْرَي لِلذّاكِرِينَ} (هود: 114)

أَي: هَذَا بَاب فِي قَوْله تَعَالَى: {وأقم الصَّلَاة} الْآيَة خطاب للرسول عَلَيْهِ السَّلَام، وَالْمرَاد من طرفِي النَّهَار الْفجْر وَالْمغْرب، وَقيل: الظّهْر وَالْعصر، وَقيل: الْفجْر وَالظّهْر، وانتصابهما على الظَّرْفِيَّة، وَالْمعْنَى: أتم ركوعها وسجودها، وخصص الصَّلَاة بِالذكر لِأَنَّهَا تالية الْإِيمَان وإليها يفزع من النوائب، وَسبب نزُول الْآيَة مَا فِي حَدِيث الْبَاب على مَا يَأْتِي عَن قريب. قَوْله: (وَزلفًا من اللَّيْل) ، عطف على الصَّلَاة، أَي: أقِم زلفاً من اللَّيْل، أَي: سَاعَات من اللَّيْل وَهِي السَّاعَات الْقَرِيبَة من آخر النَّهَار، من أزلفه إِذا قربه، وأزلف إِلَيْهِ، وَصَلَاة الزلف الْمغرب. وَالْعشَاء، قَالَه مَالك، وقرىء: زلفاً، بِضَمَّتَيْنِ، وَزلفًا، بِسُكُون اللَّام، وزلفى، بِوَزْن: قربى. قَوْله: (إِن الْحَسَنَات) الصَّلَوَات الْخمس. وَقيل: سُبْحَانَ الله وَالْحَمْد لله وَلَا إِلَه إِلَّا الله وَالله أكبر، وَقَالَ عَطاء: هن الْبَاقِيَات الصَّالِحَات، وَالْمرَاد بالسيئات: الصَّغَائِر من الذُّنُوب. قَوْله: (ذَلِك) أَي: إِن الْمَذْكُور من الصَّلَوَات، وَقيل: الْقُرْآن، وَقيل: جَمِيع الْمَذْكُور من الاسْتقَامَة وَالنَّهْي عَن الطغيان وَترك الْميل إِلَى الظَّالِمين، وَالْقِيَام بالصلوات وَمعنى الذكرى التَّوْبَة، وَقيل: العظة وخصصها بالذاكرين لأَنهم هم المنتفعون.
وزُلَفاً ساعاتٍ بَعْدَ ساعاتٍ ومِنْهُ سُمِّيَتِ المُزْدَلِفَةُ الزُّلَفُ مَنْزِلَةٌ بَعْدَ مَنْزِلَةٍ وأمَّا زُلْفَى فَمَصْدَرٌ مِنَ القُرْبَى ازْدَلَفُوا اجْتَمَعُوا أزْلَفْنا جَمَعْنا
فسر قَوْله: (وَزلفًا من اللَّيْل) بقوله: (سَاعَات بعد سَاعَات) وَهُوَ جمع زلفة كظلم جمع ظلمَة. قَوْله: (وَمِنْه سميت الْمزْدَلِفَة) أَي: من معنى الزلف سميت الْمزْدَلِفَة لمجيء النَّاس إِلَيْهَا فِي سَاعَات من اللَّيْل، وَقيل: لازدلافهم إِلَيْهَا أَي: لاقترابهم إِلَى الله وَحُصُول الْمنزلَة لَهُم عِنْده فِيهَا، وَقيل: لِاجْتِمَاع النَّاس بهَا، وَقيل: لِأَنَّهَا منَازِل. قَوْله: (الزلف منزلَة بعد منزلَة) أَشَارَ بِهِ إِلَى أَن الزلف يَأْتِي بِمَعْنى الْمنَازل، قَالَ أَبُو عُبَيْدَة: زلف اللَّيْل سَاعَات، واحدتها زلفة أَي: سَاعَة ومنزلة وقربة. قَوْله: (وَأما زلفى فمصدر) بِمَعْنى: الزلفة، مثل: الْقُرْبَى فَإِنَّهُ مصدر بِمَعْنى الْقرْبَة، قَالَ الله تَعَالَى: {وَإِن لَهُ عندنَا لزلفى وَحسن مآب} (ص: 25 و 40) وَقَالَ الْجَوْهَرِي: الزلفة والزلفى الْقرْبَة، والمنزلة. قَوْله: ازدلفوا (اجْتَمعُوا) شَاربه إِلَى أَن الازدلاف يَأْتِي بِمَعْنى الِاجْتِمَاع، وَيَأْتِي أَيْضا بِمَعْنى التَّقَدُّم، يُقَال: قوم ازدلفوا إِلَى الْحَرْب، أَي: تقدمُوا إِلَيْهَا. قَوْله: (ازلفنا) ، جَمعنَا، يَعْنِي: معنى أزلفنا جَمعنَا، قَالَ الله تَعَالَى: {وأزلفنا ثمَّ الآخرين} (الشُّعَرَاء: 64) أَي: جَمعنَا.

4687 - ح دَّثنا مُسَدَّدٌ حَدثنَا يَزِيدُ هُوَ ابنُ زُرَيْعٍ حَدثنَا سُلَيْمانُ التَّيْمِيُّ عنْ أبي عُثْمانَ عَن ابنِ مَسْعُودٍ رَضِي الله عَنهُ أنَّ رجُلاً أصابَ مِنَ امْرَأةٍ قُبْلَةً فأتَى رسولَ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَذَكَرَ ذالِكَ لهُ فَأُنْزِلَتْ عَلَيْهِ: {وأقِمِ الصّلاَةَ طَرَقَي النّهارِ وزُلَفاً مِنَ اللّيْلِ إنَّ الحَسَناتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئاتِ ذالِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ} قَالَ الرَّجُلُ ألِيَ هاذِهِ قَالَ لِمَنْ عَمِلَ بِها مِنْ أُمّتي. (انْظُر الحَدِيث 526) .

مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. وَأَبُو عُثْمَان عبد الرَّحْمَن بن مل النَّهْدِيّ، بالنُّون وبالدال الْمُهْملَة. والْحَدِيث مضى فِي الصَّلَاة فِي الْمَوَاقِيت فِي: بَاب الصَّلَاة كَفَّارَة، فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ عَن قُتَيْبَة عَن يزِيد بن زُرَيْع إِلَى آخِره، وَمضى الْكَلَام فِيهِ هُنَاكَ.
قَوْله: (أَن رجلا) اسه كَعْب بن عَمْرو ويكنى بِأبي الْيُسْر، بِفَتْح الْيَاء آخر الْحُرُوف وَالسِّين الْمُهْملَة. والْحَدِيث أخرجه ابْن أبي خَيْثَمَة، لَكِن قَالَ: إِن رجلا من الْأَنْصَار يُقَال لَهُ معتب، وَقيل: اسْمه بنهان التمار، وَقيل: عَمْرو بن غزيَّة، وَقيل: عَامر بن قيس

(18/297)


وَقيل: عباد بن عَمْرو بن دَاوُد بن غنم بن كَعْب الْأنْصَارِيّ السّلمِيّ، وَأمه نسيبة بنت الْأَزْهَر بن مري بن كَعْب بن غنم، شهد بَدْرًا بعد الْعقبَة فَهُوَ عُقبى بَدْرِي، شهد بَدْرًا وَهُوَ ابْن عشْرين سنة. وَهُوَ الَّذِي أسر الْعَبَّاس بن عبد الْمطلب يَوْم بدر، وَكَانَ رجلا قَصِيرا دحداحة ذَا بطن، وَالْعَبَّاس رجل طَوِيل ضخم، فَقَالَ لَهُ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: لقد أعانك عَلَيْهِ ملك كريم، وَهُوَ الَّذِي انتزع راية الْمُشْركين. وَكَانَت بيد أبي عَزِيز بن عُمَيْر يَوْم بدر، وَشهد صفّين مَعَ عَليّ تَعَالَى رَضِي الله عَنهُ، يعد فِي أهل الْمَدِينَة، وَكَانَت وَفَاته سنة خمس وَخمسين. وَحَدِيث نَبهَان التمار أخرجه الثَّعْلَبِيّ وَغَيره من طَرِيق مقَاتل عَن الضَّحَّاك عَن ابْن عَبَّاس: أَن نَبهَان التمار أَتَتْهُ امْرَأَة حسناء جميلَة تبْتَاع مِنْهُ تَمرا، فَضرب على عجيزتها ثمَّ نَدم، فَأتى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ: إياك أَن تكون امْرَأَة غازٍ فِي سَبِيل الله، فَذهب يبكي ويصوم وَيقوم فَأنْزل الله: {وَالَّذين إِذا فعلوا فَاحِشَة أَو ظلمُوا أنفسهم ذكرُوا وَالله} (آل عمرَان: 135) فَأخْبرهُ فَحَمدَ الله، وَقَالَ: يَا رَسُول الله هَذِه تَوْبَتِي قبلت، فَكيف لي بِأَن يتَقَبَّل شكري؟ فَنزلت: {أقِم الصَّلَاة طرفِي النَّهَار} (هود: 114) الْآيَة. قيل: إِن ثَبت هَذَا حمل على وَاقعَة أُخْرَى لما بَين السياقين من الْمُغَايرَة. قلت: قَالَ الذَّهَبِيّ فِي (تَجْرِيد الصَّحَابَة) نَبهَان التمار أَبُو مقبل لَهُ ذكر فِي رِوَايَة مقَاتل عَن الضَّحَّاك، ولسنا بِيَقِين، وَحَدِيث عَمْرو بن غزيَّة أخرجه ابْن مَنْدَه من طَرِيق الْكَلْبِيّ عَن أبي صَالح عَن ابْن عَبَّاس، فِي قَوْله: {أقِم الصَّلَاة طرفِي النَّهَار} قَالَ: نزلت فِي عَمْرو بن غزيَّة، وَكَانَ يَبِيع التَّمْر فَأَتَتْهُ امْرَأَة تبْتَاع تَمرا فَأَعْجَبتهُ ... الحَدِيث، قَالَ أَبُو عمر: عَمْرو بن غزيَّة بن عَمْرو بن ثَعْلَبَة بن خنساء بن مبذول بن عَمْرو بن غنم بن مَازِن بن النجار الْأنْصَارِيّ الْمَازِني: شهد الْعقبَة ثمَّ شهد بَدْرًا، وَهُوَ وَالِد الْحجَّاج بن عَمْرو، وَاخْتلف فِي صُحْبَة الْحجَّاج. قَوْله: (أَلِي هَذِه؟) يَعْنِي: أهذه الْآيَة مُخْتَصَّة بِي بِأَن صَلَاتي مذهبَة لمعصيتي أَو عَامَّة لكل الْأمة؟ والهمزة فِي: أَلِي، مَفْتُوحَة لِأَنَّهَا للاستفهام، وَقَوله: (هَذِه) مُبْتَدأ أَو خَبره مقدما. قَوْله: (أَلِي؟) وَفِي رِوَايَة أَحْمد وَالطَّبَرَانِيّ من حَدِيث ابْن عَبَّاس: فَقَالَ: يَا رَسُول الله! أَلِي خَاصَّة أم للنَّاس عَامَّة؟ فَضرب عمر رَضِي الله عَنهُ، صَدره وَقَالَ: لَا وَلَا نعْمَة عين، بل للنَّاس عَامَّة، فَقَالَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: صدق عمر، وَهَذَا يُوضح أَن السَّائِل فِي الحَدِيث هُوَ صَاحب الْقِصَّة فَإِن قلت: فِي حَدِيث أبي الْيُسْر، فَقَالَ إِنْسَان: يَا رَسُول الله أَلَهُ وَحده أم للنَّاس كَافَّة؟ وَفِي رِوَايَة الدَّارَقُطْنِيّ مثله من حَدِيث معَاذ نَفسه، قلت: يحمل ذَلِك على تعدد السَّائِلين.

12 - (سُورَةُ يُوسُفَ عَلَيْهِ السَّلاَم)

أَي: هَذَا فِي بَيَان بعض تَفْسِير سُورَة يُوسُف عَلَيْهِ السَّلَام، قَالَ أَبُو الْعَبَّاس فِي: (مقامات التَّنْزِيل) : سُورَة يُوسُف مَكِّيَّة كلهَا وَمَا بلغنَا فِيهَا اخْتِلَاف، وَفِي: (تَفْسِير ابْن النَّقِيب) : عَن ابْن عَبَّاس وَقَتَادَة: نزلت بِمَكَّة إلاَّ أَربع آيَات فَإِنَّهُنَّ نَزَلْنَ بِالْمَدِينَةِ، ثَلَاث آيَات من أَولهَا وَالرَّابِعَة: {لقد كَانَ فِي يُوسُف وَإِخْوَته آيَات للسائلين} (يُوسُف: 7) وَسبب نُزُولهَا سُؤال الْيَهُود عَن أَمر يَعْقُوب ويوسف عَلَيْهِ السَّلَام، وَهِي مائَة وَإِحْدَى عشر آيَة، وَألف وَسَبْعمائة وست وَسَبْعُونَ كلمة، وَسَبْعَة آلَاف وَمِائَة وست وَسِتُّونَ حرفا.
بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم
لم تثبت الْبَسْمَلَة إلاَّ فِي رِوَايَة أبي ذَر.
بابٌ
أَي: هَذَا بَاب فِي كَذَا وَكَذَا، وَلم يثبت لفظ: بَاب فِي مُعظم النّسخ.
وَقَالَ فُضَيْلٌ عنْ حُصَيْنٍ عنْ مُجاهِدٍ مُتَّكَأً الأُتْرُجُ قَالَ فُضَيْلٌ الأتْرُجُّ بالحَبَشِيَّةِ مُتْكاً وَقَالَ ابنُ عُيَيْنَةَ عنْ رجُلٍ عنْ مُجاهِدٍ مُتْكاً كلُّ شَيْءٍ قُطِعَ بالسِّكِّينِ
فُضَيْل مصغر فضل وَهُوَ ابْن عِيَاض بن مُوسَى أَبُو عَليّ، ولد بسمرقند نَشأ بأبيورد، وَكتب الحَدِيث بكوفة وتحول إِلَى مَكَّة وَأقَام بهَا إِلَى أَن مَاتَ فِي سنة سبع وَثَمَانِينَ وَمِائَة، وقبره بِمَكَّة يزار، وحصين، بِضَم الْحَاء الْمُهْملَة: ابْن عبد الرَّحْمَن السّلمِيّ. قَوْله

(18/298)


: (متكأ) بِضَم الْمِيم وَتَشْديد التَّاء وَفتح الْكَاف وبالهمزة المنونة، وَفَسرهُ مُجَاهِد بِأَنَّهُ الأترج، بِضَم الْهمزَة وَسُكُون التَّاء وَضم الرَّاء وَتَشْديد الْجِيم، وروى هَذَا التَّعْلِيق ابْن الْمُنْذر عَن يحيى بن مُحَمَّد بن يحيى: حَدثنَا مُسَدّد حَدثنَا يحي بن سعيد عَن فُضَيْل بن عِيَاض عَن حُصَيْن بِهِ، وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيّ: متكأ مَا يتكأ عَلَيْهِ من نمارق، وَقيل: متكأ مجْلِس الطَّعَام لأَنهم كَانُوا يتكئون للطعام وَالشرَاب والْحَدِيث كعادة المترفين، وَلِهَذَا نهى أَن يَأْكُل الرجل مُتكئا، وَعَن مُجَاهِد: متكأ طَعَاما يحز حزاً، كَأَن الْمَعْنى: يعْتَمد بالسكين لِأَن الْقَاطِع يتكىء على الْمَقْطُوع بالسكين، وَيُقَال فِي الأترج: الاترنج، بالنُّون الساكنة بعد الرَّاء ويدغم النُّون فِي الْجِيم أَيْضا، وَكَانَت زليخا أَهْدَت ليوسف أترجة على نَاقَة وَكَأَنَّهَا الأترجة الَّتِي ذكرهَا أَبُو دَاوُد فِي: (سنَنه) أَنَّهَا شقَّتْ بنصفين وحملا كالعدلين على جمل. قَوْله: (قَالَ فُضَيْل الأترج بالحبشية متكأ) أَي: بِلِسَان الْحَبَشَة، أَو باللغة الحبشية. قَوْله: متكاً بِضَم الْمِيم وَسُكُون التَّاء وبتنوين الْكَاف، وَهَذَا التَّعْلِيق رَوَاهُ أَبُو مُحَمَّد عَن أَبِيه عَن إِسْمَاعِيل بن عُثْمَان: حَدثنَا يحيى بن يمَان عَنهُ، وَقَرَأَ: متكاً، بِضَم الْمِيم وَتَشْديد التَّاء وتنوين الْكَاف بِغَيْر همزَة، وَعَن الْحسن: متكأً، بِالْمدِّ كَأَنَّهُ مفتعال وَذَلِكَ لإشباع فَتْحة الْكَاف لقَوْله: بمنتزاح، بِمَعْنى منتزح. قَوْله: (وَقَالَ ابْن عُيَيْنَة) وَهُوَ سُفْيَان بن عُيَيْنَة (عَن رجل) هُوَ مَجْهُول (عَن مُجَاهِد متكأً) بِضَم الْمِيم وَسُكُون التَّاء وتنوين الْكَاف، وَهُوَ (كل شَيْء قطع بالسكين) وَقيل: من متك الشَّيْء بِمَعْنى: بتكه إِذا قطعه، وَقَرَأَ الْأَعْرَج: متكأ على وزن مفعل من تكأ يتكأ إِذا اتكا.
وَقَالَ قَتادَة لَذُو عِلْمٍ عامِلٌ بِمَا عَلِمَ
أَشَارَ بِهِ إِلَى قَوْله تَعَالَى: {وَإنَّهُ لذُو علم لما علمناه} (يُوسُف: 68) . . الْآيَة، وَفسّر قَتَادَة قَوْله: لذُو علم، بقوله: عَامل بِمَا علم. وَرَوَاهُ ابْن أبي حَاتِم عَن أَبِيه: حَدثنَا أَبُو معمر عَن إِسْمَاعِيل بن إِبْرَاهِيم الْقطيعِي حَدثنَا سُفْيَان بن عُيَيْنَة عَن أبي عرُوبَة عَن قَتَادَة، وَالضَّمِير فِي: أَنه، يرجع إِلَى يَعْقُوب عَلَيْهِ السَّلَام، وَهَذَا لَا يَتَّضِح إلاَّ إِذا وقف الشَّخْص على الْقَضِيَّة من قَوْله تَعَالَى: {وَقَالَ يَا بني لَا تدْخلُوا من بَاب وَاحِد} (يُوسُف: 67) إِلَى قَوْله: {وَلَكِن أَكثر النَّاس لَا يعلمُونَ} (يُوسُف: 72) .
وَقَالَ ابنُ جُبَيْرٍ صُوَاعٌ مَكُّوكُ الْفارِسِيِّ الَّذِي يلْتقِي طَرَفاهُ كانَتْ تَشْرَبُ بِهِ الأعاجِمُ
أَي: قَالَ سعيد بن جُبَير فِي قَوْله تَعَالَى: {قَالُوا انفقد صواع الْملك} . . الْآيَة، وَهَذَا التَّعْلِيق رَوَاهُ أَبُو مُحَمَّد عَن أَبِيه: حَدثنَا مُسَدّد حَدثنَا أَبُو عوَانَة عَن أبي بشر عَن سعيد بن جُبَير، وَرَوَاهُ ابْن مَنْدَه فِي: (غرائب شُعْبَة) ، وَابْن مرْدَوَيْه من طَرِيق عَمْرو بن مَرْزُوق عَن شُعْبَة عَن أبي بشر عَن سعيد بن جُبَير عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله: (صواع الْملك) قَالَ: كَانَ كَهَيئَةِ المكوك من فضَّة يشربون فِيهِ، وَقد كَانَ للْعَبَّاس مثله فِي الْجَاهِلِيَّة، وَقَالَ زيد بن زيد: كَانَ كأساً من ذهب، وَقَالَ ابْن إِسْحَاق: كَانَ من فضَّة مرصعة بالجواهر جعلهَا يُوسُف عَلَيْهِ السَّلَام، مكيالاً لَا يُكَال بغَيْرهَا وَكَانَ يشرب فِيهَا. وَعَن ابْن عَبَّاس: كَانَ قدحاً من زبرجد، والمكوك، بِفَتْح الْمِيم وَتَشْديد الْكَاف المضمومة وَسُكُون الْوَاو وَفِي آخِره كَاف أُخْرَى: وَهُوَ مكيال مَعْرُوف لأهل الْعرَاق فِيهِ ثَلَاث كيلجات، وَقَالَ ابْن الْأَثِير: المكوك إسم للمكيال وَيخْتَلف فِي مِقْدَاره باخْتلَاف اصْطِلَاح النَّاس عَلَيْهِ فِي الْبِلَاد، وَفِي حَدِيث أنس رَضِي الله عَنهُ: (أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، كَانَ يتَوَضَّأ بالمكوك الْمَدّ) . وَقيل: الصَّاع، وَيجمع على: مكاكي، على إِبْدَال الْيَاء من الْكَاف الْأَخِيرَة، وَقَرَأَ الْجُمْهُور: صواع، وَعَن أبي هُرَيْرَة، أَنه قَرَأَ: أصاع الْملك، وَعَن أبي رَجَاء: صوع، بِسُكُون الْوَاو، وَعَن يحيى بن يعمر مثله. لَكِن بغين مُعْجمَة، حَكَاهَا الطَّبَرِيّ.
وَقَالَ ابنُ عبّاسٍ تُفَنِّدُونِ تُجَهِّلُونِ
أَشَارَ بِهِ إِلَى قَوْله تَعَالَى: {إِنِّي لأجد ريح يُوسُف لَوْلَا أَن تفندون} (يُوسُف: 94) وَفَسرهُ بقوله: (تجهلون) وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَة: مَعْنَاهُ: لَوْلَا أَن تسفهوني، وَقَالَ مُجَاهِد: لَوْلَا أَن تَقولُوا ذهب عقلك، وَوجد ريح يُوسُف من مسيرَة ثَلَاثَة أَيَّام، وتفندون من الفند بِفَتْح النُّون وَهُوَ: الْهَرم.

(18/299)


وَقَالَ غَيْرُهُ غيابَةُ الحبِّ كُلُّ شَيْءٍ غَيَّبَ عَنْكَ شَيْئا فَهُوَ غَيابَةٌ
أَشَارَ بِهِ إِلَى قَوْله تَعَالَى: {والقوه فِي غيابة الْحبّ يلتقطه بعض السيارة} (يُوسُف: 10) ظَاهر الْكَلَام أَن قَوْله: (وَقَالَ غَيره) غير ابْن عَبَّاس لِأَنَّهُ عطف عَلَيْهِ، وَقَالَ بَعضهم: لَيْسَ من كَلَام ابْن عَبَّاس وَإِنَّمَا هُوَ كَلَام أبي عُبَيْدَة. قلت: لَا مَانع أَن يكون قَول أبي عُبَيْدَة من قَول ابْن عَبَّاس. قَوْله: (كل شَيْء) ، مُبْتَدأ وَقَوله: (غيب عَنْك) فِي مَحل الْجَرّ لِأَنَّهُ صفة لشَيْء (وشيأ) مفعول غيب. قَوْله: (فَهُوَ غيابة) جملَة إسمية وَقعت خبر الْمُبْتَدَأ. أَو الْمُبْتَدَأ إِذا تضمن معنى الشَّرْط تدخل الْفَاء فِي خَبره. قَوْله: (غيابة الْجب) ، قَالَ الثَّعْلَبِيّ: أَي: قَعْر الْجب وظلمته حَيْثُ يغيب خَبره، وَقَالَ قَتَادَة: أَسْفَله وَأَصله من الغيبوبة.
وَالجُبُّ الرَّكِيَةُ الَّتِي لَمْ تُطْوَ
أَي: الْجب الْمَذْكُور فِي قَوْله: (غيابة الْجب) هُوَ الْبِئْر الَّتِي لم تطو، وَكَذَلِكَ القليب، قَالَ الْجَوْهَرِي: القليب الْبِئْر قبل أَن تطوى، وَسميت جبا من أجل أَنَّهَا قطعت قطعا وَلم يحدث فِيهَا غير الْقطع من الطي وَمَا أشبهه.
بِمُؤْمِنٍ لَنَا بِمُصدِّق
أَشَارَ بِهِ إِلَى قَوْله تَعَالَى، حِكَايَة عَن قَول إخْوَة يُوسُف: {وَتَركنَا يُوسُف عِنْد متاعنا فَأَكله الذِّئْب وَمَا أَنْت بِمُؤْمِن لنا وَلَو كُنَّا صَادِقين} (يُوسُف: 17) وَالْمعْنَى: وَمَا أَنْت بمصدق فِي كلامنا، وَفِي التَّفْسِير: وَمَا أَنْت بمصدق لنا لسوء ظَنك بِنَا وتهمتك لنا، وَهَذَا قَمِيصه ملطخ بِالدَّمِ.
يُقالُ بَلَغَ أشُدَّهُ قَبْلَ أنْ يَأْخُذ فِي النُّقْصانِ وَقَالُوا بَلَغَ أشُدَّهُ وَبَلَغُوا أشُدَّهُمْ وَقَالَ بَعْضُهُمْ وَاحِدُها شَدٌّ
أَشَارَ بِهِ إِلَى قَوْله تَعَالَى: {وَلما بلغ أشده آتيناه حكما وعلما} وَفسّر قَوْله: أشده، بقوله: قبل أَن يَأْخُذ فِي النُّقْصَان، وَأَرَادَ بِهِ عز مُنْتَهى شبابه وقوته وشدته، وَاخْتلف فِيهِ، فَذكر ابْن الْمُنْذر عَن الشّعبِيّ وَرَبِيعَة وَزيد بن أسلم وَمَالك: أَنه الْحلم، وَعَن سعيد ابْن جُبَير ثَمَانِيَة عشرَة سنة، وَقيل: عشرُون، وَقيل: خمس وَعِشْرُونَ، وَقيل: ثَلَاثُونَ، وَقيل: ثَلَاث وَثَلَاثُونَ قَالَه مُجَاهِد: وَقيل: أَرْبَعُونَ. وَقيل: سبع عشرَة سنة، وَقيل: خمس وَثَلَاثُونَ سنة، وَقيل: ثَمَانِيَة وَأَرْبَعُونَ سنة، وَعَن ابْن عَبَّاس: مَا بَين ثَمَان عشرَة إِلَى ثَلَاثِينَ سنة، وَقيل: سِتُّونَ سنة، وَقَالَ ابْن التِّين: الْأَظْهر أَنه أَرْبَعُونَ لقَوْله تَعَالَى: {وَلما بلغ أشده واستوى آتيناه حكما وعلما} وَذَلِكَ أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَا يتنبى إلاَّ بعد أَرْبَعِينَ سنة. قَالَ بَعضهم: وَتعقب بِأَن عِيسَى عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام، وَيحيى أَيْضا تنبأ لدوّنَ الْأَرْبَعين لقَوْله تَعَالَى: {وَآتَيْنَاهُ الحكم صَبيا} (مَرْيَم: 12) قلت لَهُ أَن يَقُول: هما مخصوصان بذلك من دون سَائِر الْأَنْبِيَاء، عَلَيْهِم السَّلَام. قَوْله: (يُقَال بلغ أشده وبلغوا أَشَّدهم) ، أَشَارَ بِهَذَا إِلَى أَنه يُضَاف إِلَى الْمُفْرد وَالْجمع بِلَفْظ وَاحِد. قَوْله: (وَقَالَ بَعضهم: وَاحِدهَا:) أَي: وَاحِد الأشد وَهُوَ قَول سِيبَوَيْهٍ وَالْكسَائِيّ، وَزعم أَبُو عُبَيْدَة أَنه لَيْسَ لَهُ وَاحِد من لَفظه.
وَالمُتَّكَأُ مَا اتَّكَأَتَ عَلَيْهِ لِشَرَابٍ أوْ لِحَدِيثٍ أوْ لِطعامٍ وَأبْطَلَ الَّذِي قَالَ الأُتْرُجُّ وَلَيْسَ فِي كَلامِ العَرَبِ الأُتْرُجُّ فَلَمَّا احْتَجَّ عَلَيْهِمْ بأنّهُ المُتَّكَأُ مِنْ نَمَارِقَ فَرُّوا إلَى شَرٍّ مِنْهُ فَقَالُوا إنَّما هُوَ المُتْكُ سَاكِنَةَ التّاءِ وَإنّما المُتْكُ طَرَفُ البَظرِ وَمِنْ ذالِكَ قِيلَ لَهَا مَتْكاءُ وَابنُ المَتْكاءِ فَإنْ كَانَ ثمَّ أُترُجٌّ فَإنّهُ بَعْدَ المُتَّكَإِ.
لما ذكر فِيمَا مضى عَن قريب عَن مُجَاهِد أَن المتكأ الأترج، أنكر ذَلِك، فَقَالَ: المتكأ مَا اتكأت عَلَيْهِ لأجل شرب شراب أَو لأجل حَدِيث أَو لأجل طَعَام. قَوْله: وأبطل قَول الَّذِي قَالَ: المتكأ الأترج، ثمَّ ادّعى أَنه لَيْسَ فِي كَلَام الْعَرَب الأترج، يَعْنِي: لَيْسَ فِي كَلَام الْعَرَب تَفْسِير المتكأ بالأترج، وَفِيه نظر، حَتَّى قَالَ صَاحب (التَّوْضِيح) هَذِه الدَّعْوَى من الْأَعَاجِيب فقد قَالَ فِي (الْمُحكم) المتكأ الأترج، وَعَن الْأَخْفَش كَذَلِك، وَفِي (الْجَامِع) المتكأ الأترج، وأنشدوا:

(18/300)


(فنشرب الْإِثْم بالصواع جهارا ... ونرى المتك بَيْننَا مستعارا)

وَأَبُو حنيفَة الدينَوَرِي زعم أَن المتكا بِالضَّمِّ الأترج، وَالَّذِي بِفَتْح الْمِيم السوسن، وبنحوه ذكره أَبُو عَليّ القالي وَابْن فَارس فِي (الْمُجْمل) وَغَيرهمَا. قَوْله: (فَلَمَّا احْتج عَلَيْهِم) ، بِصِيغَة الْمَجْهُول. (يان المتكأ من نمارق) إِلَى آخِره ظَاهر. قَوْله: (وَإِنَّمَا المتك) ، بِعني: بِالضَّمِّ، طرف البظر، بِفَتْح الْبَاء الْمُوَحدَة وَسُكُون الظَّاء الْمُعْجَمَة وَفِي آخِره رَاء، وَهُوَ مَا تبقيه الخاتنة بعد الْخِتَان من الْمَرْأَة. قَوْله: (وَمن ذَلِك) أَي: وَمن هَذَا اللَّفْظ: (قيل لَهَا) أَي: للْمَرْأَة. (متكاء) بِفَتْح الْمِيم وَسُكُون التَّاء وبالمد، وَهِي الَّتِي لم تختن، وَيُقَال لَهَا: البظراء أَيْضا ويعير الرجل بذلك، فَيُقَال لَهُ: ابْن المتكاء. قَوْله: (فَإِن كَانَ ثمَّ أترج) بِفَتْح الْفَاء الْمُثَلَّثَة وَتَشْديد الْمِيم، أَي: فَإِن كَانَ هُنَاكَ أترج فَإِنَّهُ كَانَ بعد المتكاء، وَقَالَ بَعضهم: إِنَّمَا قَالَ البُخَارِيّ مَا قَالَه من ذَلِك تبعا لأبي عُبَيْدَة فَإِنَّهُ قَالَ: زعم قوم أَنه الأترج، وَهَذَا أبطل بَاطِل فِي الأَرْض، وَلَكِن عَسى أَن يكون مَعَ المتكاه أترج يَأْكُلُونَهُ. قلت: كَأَنَّهُ لم يفحص عَن ذَلِك كَمَا يَنْبَغِي. وقلد أَبَا عُبَيْدَة، والأفة من التَّقْلِيد، وَكَيف يَصح مَا قَالَه من ذَلِك وَقد روى عبد بن حميد من طَرِيق عَوْف الْأَعرَابِي عَن ابْن عَبَّاس، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا إِنَّه كَانَ يقْرؤهَا: متكاء، مُخَفّفَة وَيَقُول: هُوَ الأترج، وَأَيْضًا قد روى مثله عَمَّن ذَكَرْنَاهُمْ الْآن.
شَغَفَها يُقَالُ بَلَغَ إلَى شِغافَها وَهُوَ غِلافُ قَلْبِها وَأمّا شَعَفَها فَمِنَ المَشْعُوفِ
أَشَارَ بِهِ إِلَى قَوْله تَعَالَى: {امْرَأَة الْعَزِيز تراود فناها عَن نَفسه قد شغفها حبا إِنَّا لنراها فِي ضلال مُبين} (يُوسُف: 30) قَوْله: (قد شغفها) ، أَي: قد شغف يُوسُف زليخا، يَعْنِي: بلغ حبه إِلَى شغافها، بِكَسْر الشين الْمُعْجَمَة فِي ضبط الْمُحدثين، وَعند أهل اللُّغَة بِالْفَتْح، وَهُوَ غلاف قَلبهَا، وَقيل: الشغاف حَبَّة الْقلب، وَقيل: هُوَ علقَة سَوْدَاء فِي صميمه. قَوْله: (وَأما شعفها) ، يَعْنِي: بِالْعينِ الْمُهْملَة فَمن المشعوف، يُقَال: فلَان مشعوف بفلان إِذا بلغ بِهِ الْحبّ أقْصَى الْمذَاهب، وَيُقَال: فلَان شعفه الْحبّ، أَي أحرق قلبه.
أصْبُ أمِيلُ
أَشَارَ بِهِ إِلَى قَوْله عز وَجل حِكَايَة عَن قَول يُوسُف، عَلَيْهِ السَّلَام: {وإلاَّ تصرف عني كيدهن أَصْبُ إلَيْهِنَّ وأكن من الْجَاهِلين} (يُوسُف: 33) وَفسّر: أصبُ، بقوله: أميل، يُقَال: صبا إِلَى اللَّهْو، يصبو صبوا إِذا مَال إِلَيْهِ، وَمِنْه سمي الصَّبِي لِأَنَّهُ يمِيل إِلَى كل شَيْء.
أضْغَاثُ أحْلامٍ مَا لَا تَأْوِيلَ لَهُ
أَشَارَ بِهِ إِلَى قَوْله تَعَالَى: {قَالُوا أضغاث أَحْلَام وَمَا نَحن بِتَأْوِيل الأحلام بعالمين} (يُوسُف: 44) والأضغاث جمع ضغث، وَهُوَ ملْء الْيَد من حشيش، وَفسّر قَوْله: أضغاث أَحْلَام، بقوله: مَا لَا تَأْوِيل لَهُ لِأَنَّهُ من الأخلاط والرؤيا الكاذبة الَّتِي لَا أصل لَهَا. وَقَوله: (أضغاث أَحْلَام) فِي مَحل الرّفْع على الِابْتِدَاء. قَوْله: (مَا لَا تَأْوِيل لَهُ) ، خَبره وَكلمَة مَا مَوْصُولَة.
وَالضِّغْثُ مِلْءُ اليَدِ مِنْ حَشِيشٍ وَمَا أشْبَهَهُ وَمِنْهُ وَخُذْ بِيَدِكَ ضِغْثا لَا مِنْ قَوْلِهِ أضْغاثُ أحْلامٍ وَاحِدُها ضِغْثٌ
أَشَارَ بقوله: {والضغث} إِلَى شَيْئَيْنِ: أَحدهمَا: أَن الضغث وَاحِد. الأضغاث وَالْآخر: أَن تَفْسِيره بملء الْيَد من حشيش وَمَا أشبهه، وَأَرَادَ أَن الضغث الَّذِي هُوَ ملْء الْكَفّ من أَنْوَاع الْحَشِيش هُوَ المُرَاد من قَوْله تَعَالَى: {وَخذ بِيَدِك ضغثا فَاضْرب بِهِ} (ص: 44) وَذَلِكَ فِي قصَّة أَيُّوب، عَلَيْهِ السَّلَام، وَلَيْسَ المُرَاد هُنَا هَذَا الْمَعْنى، وَلَكِن المُرَاد من الأضغاث هُنَا هُوَ الَّذِي واحده ضغث الَّذِي هُوَ بِمَعْنى مَا لَا تَأْوِيل لَهُ، وروى عبد الرَّزَّاق عَن معمر عَن قَتَادَة فِي قَوْله تَعَالَى: {أضغاث أَحْلَام} مَا حَاصله أَن الضغث فِي قَوْله: (وَخذ بِيَدِك ضغثا) بِمَعْنى: ملْء الْكَفّ من الْحَشِيش، لَا بِمَعْنى: مَا لَا تَأْوِيل لَهُ، وروى عبد الرَّزَّاق عَن معمر عَن قَتَادَة فِي قَوْله تَعَالَى: {أضغاث أَحْلَام} قَالَ: أخلاط أَحْلَام، وروى أَبُو يعلى بِإِسْنَادِهِ عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله: {أضغاث أَحْلَام} قَالَ: هِيَ الأحلام الكاذبة.

(18/301)


نَمِيرُ مِنَ المِيرَةِ
أَشَارَ بِهِ إِلَى قَوْله تَعَالَى: {هَذِه بضاعتنا ردَّتْ إِلَيْنَا ونمير أهلنا} (يُوسُف: 6) الْميرَة بِكَسْر الْمِيم الطَّعَام، وَالْمعْنَى: نجلب إِلَى أهلنا الطَّعَام يُقَال: مار أَهله يميرهم إِذا أَتَاهُم بِطَعَام.
وَنزْدَادُ كَيْلَ بَعِيرٍ مَا يَحْمِلُ بَعِيرٌ
أَي نزداد على أحمالنا حمل بعير يُكَال لَهُ مَا حمل بعيره، وروى الْفرْيَابِيّ من طَرِيق ابْن أبي نجيح عَن مُجَاهِد: كيل بعير أَي: كيل حمَار. وَذكر الثَّعْلَبِيّ أَنه لُغَة يُقَال للحمار بعير. وَيُؤَيّد ذَلِك أَن إخْوَة يُوسُف كَانُوا من أَرض كتمان وَلَيْسَ بهَا إبل.
آوِي إلَيْهِ ضَمَّ إلَيْهُ
أَشَارَ بِهِ إِلَى قَوْله تَعَالَى: {وَلما دخلُوا على يُوسُف آوي إِلَيْهِ أَخَاهُ} (يُوسُف: 69) الْآيَة. أَي: فَلَمَّا دخلت إخْوَة يُوسُف عَلَيْهِ ضم يُوسُف إِلَى نَفسه أَخَاهُ بنيامين من آوى يؤوى إيواء.
السَّقايَةُ مِكْيَالٌ
أَشَارَ بِهِ إِلَى قَوْله تَعَالَى: {فَلَمَّا جهزهم بجهازهم جعل السِّقَايَة فِي رَحل أَخِيه} (يُوسُف: 70) وَفسّر السِّقَايَة وَله مكيال، وَهُوَ الْإِنَاء الَّذِي كَانَ يُوسُف يشرب بِهِ فَجعله ميكالاً لِئَلَّا يكتالوا بِغَيْرِهِ فيظلموا وَيُقَال: السِّقَايَة هِيَ الصواع كَانَ الْملك يسْقِي بهَا ثمَّ جعلت صَاعا يُكَال بِهِ، وَقد مر الْكَلَام فِيهِ عَن قريب.
تَفْتَأُ لَا تَزَالُ
أَشَارَ بِهِ إِلَى قَوْله: {تالله تفتأ تذكر يُوسُف} (يُوسُف: 85) أَي: لَا تفتأ فَحذف حرف النَّفْي، وَالْمعْنَى: أَن أخوة يُوسُف قَالُوا ليعقوب أَبِيهِم: وَالله لَا تزَال تذكر يُوسُف وَلَا تفتر من حبه {حَتَّى تكون حرضا} الْآيَة. يُقَال: مَا فتئت أذكر ذَلِك وَمَا فتأت أفتأ وافتو فتاء وفتوءا. وَقَالَ أَبُو زيد: مَا افتأت أذكرهُ وَمَا فتئت أذكرهُ أَي: مَا زلت أذكرهُ لَا يتَكَلَّم بِهِ إلاّ مَعَ الْجحْد. وَقَوله: {تالله تفتأ تذكر يُوسُف} أَي: مَا تفتأ قلت الصَّوَاب لَا تفتأ.
حَرَضا مُحْرَضا يُذِيبُكَ الْهَمُّ
أَشَارَ بِهِ إِلَى قَوْله تَعَالَى: {حَتَّى تكون حرضا أَو تكون من الهالكين} وَذكر أَن حرضا بِمَعْنى، محرض، على صِيغَة اسْم الْمَفْعُول وَفَسرهُ بقوله: يذيبك الْهم من الإذابة. وَقيل: مَعْنَاهُ تكون دنفا وَقيل: قَرِيبا من الْمَوْت، وَقَالَ الْفراء الحرض هُوَ الْفَاسِد فِي جِسْمه، وعقله وَيَسْتَوِي فِيهِ الْوَاحِد والمثنى وَالْجمع والمذكر والمؤنث لِأَنَّهُ مصدر وضع مَوضِع الْأَلَم، وَمن الْعَرَب من يؤنث مَعَ الْمُؤَنَّث. وَقَرَأَ أنس بِضَم الْحَاء، وَعَن قَتَادَة: حرضا هرما. وَعَن الضَّحَّاك بَالِيًا ذَا بلَاء، وَعَن الرّبيع ابْن أنس، يَابِس الْجلد على الْعظم، وَعَن الْحسن: كالشيء المدقوق المكسور، وَعَن القتبي: سَاقِطا. قَوْله: {أَو تكون من الهالكين} أَي: الميتين.
تَحَسَّسوا تَحَبرُوا
أَشَارَ بِهِ إِلَى قَوْله تَعَالَى: {يَا بني اذْهَبُوا فتحسسوا من يُوسُف وأخيه} (يُوسُف: 87) الْآيَة. وَفسّر: تحسسوا بقوله: تخبروا. أَي: اطْلُبُوا الْخَبَر وتحسسوا تَفعلُوا من الْحس، يَعْنِي: تتبعوا. وَعَن ابْن عَبَّاس: التمسوا. وَسُئِلَ ابْن عَبَّاس عَن الْفرق بَين التحسس، بِالْحَاء الْمُهْملَة، والتجسس، بِالْجِيم؟ فَقَالَ: لَا يعدو أَحدهمَا عَن الآخر إلاَّ أَن التحسس فِي الْخَيْر والتجسس فِي الشَّرّ، وَقيل: بِالْحَاء لنَفسِهِ وبالجيم لغيره، وَمِنْه الجاسوس.
مُزْجاةٌ قَلِيلَةٌ
أَشَارَ بِهِ إِلَى قَوْله تَعَالَى: {وَجِئْنَا ببضاعة مزجاة} وفسرها بقوله قَليلَة. وَقيل: ردية، وَقيل: فَاسِدَة. وَعَن قَتَادَة: يسيرَة، وَكَانَت البضاعة من صوف وَنَحْوه. وَقيل: دَرَاهِم لَا تزوج، وَرُوِيَ عَن عِكْرِمَة وَابْن عَبَّاس: كَانَت دَرَاهِم زُيُوفًا لَا تنْفق إلاَّ بوضيعة. وَعَن

(18/302)


ابْن عَبَّاس أَيْضا خلق الغرارة وَالْحَبل وَرَثَة الْمَتَاع.
غَاشِيَةٌ مِنْ عَذابِ الله عَامَّةٌ مُجَلِّلَةٌ
أَشَارَ بِهِ إِلَى قَوْله تَعَالَى: {أفأمنوا أَن تأتيهم غاشية من عَذَاب الله أَو تأتيهم السَّاعَة بَغْتَة وهم لَا يَشْعُرُونَ} (يُوسُف: 107) وَفسّر غاشية بقوله: (عِمَامَة) أَي: نقمة عَامَّة. قَوْله: (مُجَللَة) ، بِالْجِيم من جلل الشَّيْء تجليلاً أَي: عَمه، وَهُوَ صفة غاشية لِأَن ابْن عَبَّاس فسر الغاشية بقوله: مُجَللَة، وَيرد بِهَذَا قَول بَعضهم: أَن مُجَللَة تَأْكِيد عَامَّة. وَقَالَ قَتَادَة: غاشية وقيعة، وَقَالَ الضَّحَّاك: الصَّوَاعِق والقوارع.

(بابٌ)
أَي: هَذَا بَاب، وَلَيْسَ فِي مُعظم النّسخ لفظ بَاب.
اسَتَيْأَسُوا يَئِسُوا لَا تَيْأَسُوا مِنْ رَوْحِ الله مَعْناهُ الرَّجاءُ
لم يثبت هَذَا أَلا لأبي ذَر عَن الْمُسْتَمْلِي والكشميهني، وَأَشَارَ بقوله: {استيأسوا} إِلَى قَوْله تَعَالَى: {فَلَمَّا استيأسوا مِنْهُ خلصوا نجيا} (يُوسُف: 80) وَفَسرهُ بقوله: (يئسوا) أَي: فَلَمَّا أيس أخوة يُوسُف من يُوسُف أَن يُجِيبهُمْ إِلَى مَا سَأَلُوهُ خلصوا نجيا. أَي: خلا بَعضهم بِبَعْض يتناجون ويتشاورون لَا يخالطهم غَيرهم، والآن يَأْتِي مزِيد الْكَلَام فِيهِ إِن شَاءَ الله تَعَالَى قَوْله: {لَا تيأسوا من روح الله} أَشَارَ بِهِ إِلَى قَوْله تَعَالَى: {وَلَا تيأسوا من روح الله إِنَّه لَا ييأس من روح الله إِلَّا الْقَوْم الْكَافِرُونَ} (يُوسُف: 87) وَمعنى من روح الله من رَحمته، قَالَ قَتَادَة وَالضَّحَّاك: من فضل الله، وَقَالَ ابْن زيد: من فرج الله، وَهَذَا حِكَايَة عَن كَلَام يَعْقُوب، عَلَيْهِ السَّلَام، لأولاده قَوْله: (مَعْنَاهُ الرَّجَاء) أَي: معنى عدم الْيَأْس الرَّجَاء أَو معنى التَّرْكِيب الرَّجَاء، أَو لَا روح بِهِ حَقِيقَة.
خَصَلُوا نَجِيّا اعْتَزَلُوا نَجِيّا وَالجِسْمِ أنْجِيَةٌ يَتَنَاجَوْنَ الوَاحِدُ نَجِيٌّ وَالاثْنَانِ وَالجَمِيعُ نَجِيٌّ وَأنْجِيَةٌ.
أَشَارَ بِهِ إِلَى قَوْله تَعَالَى: {فَلَمَّا استيأسوا مِنْهُ خلصوا نجيا} وَلم يثبت هَذَا إلاَّ لأبي ذَر عَن الْمُسْتَمْلِي والكشميهني وَقَوله: (خلصوا) جَوَاب لما وَفسّر خلصوا بقوله: (اعتزلوا) وَوَقع فِي رِوَايَة الْمُسْتَمْلِي: اعْتَرَفُوا وَالْأول هُوَ الصَّوَاب، والنجي هُوَ الَّذِي يُنَاجِي، وَيَسْتَوِي فِيهِ الْوَاحِد والاثنان وَالْجمع الْمُذكر والمؤنث لِأَنَّهُ مصدر فِي الأَصْل جعل نعتا كالعدل والزور وَنَحْوهمَا وَجَاء جمعه أنجية وَقد نبه عَلَيْهِ بقوله: وأنجبة وانتصاب: نجيا، على الْحَال أَي: حَال كَونهم متناجين فِيمَا يعْملُونَ فِي ذهابهم إِلَى أَبِيهِم من غير أخيهم.

12 - (سُورَةُ يُوسُفَ عَلَيْهِ السَّلاَم)

أَي: هَذَا فِي بَيَان بعض تَفْسِير سُورَة يُوسُف عَلَيْهِ السَّلَام، قَالَ أَبُو الْعَبَّاس فِي: (مقامات التَّنْزِيل) : سُورَة يُوسُف مَكِّيَّة كلهَا وَمَا بلغنَا فِيهَا اخْتِلَاف، وَفِي: (تَفْسِير ابْن النَّقِيب) : عَن ابْن عَبَّاس وَقَتَادَة: نزلت بِمَكَّة إلاَّ أَربع آيَات فَإِنَّهُنَّ نَزَلْنَ بِالْمَدِينَةِ، ثَلَاث آيَات من أَولهَا وَالرَّابِعَة: {لقد كَانَ فِي يُوسُف وَإِخْوَته آيَات للسائلين} (يُوسُف: 7) وَسبب نُزُولهَا سُؤال الْيَهُود عَن أَمر يَعْقُوب ويوسف عَلَيْهِ السَّلَام، وَهِي مائَة وَإِحْدَى عشر آيَة، وَألف وَسَبْعمائة وست وَسَبْعُونَ كلمة، وَسَبْعَة آلَاف وَمِائَة وست وَسِتُّونَ حرفا.
بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم
لم تثبت الْبَسْمَلَة إلاَّ فِي رِوَايَة أبي ذَر.
بابٌ
أَي: هَذَا بَاب فِي كَذَا وَكَذَا، وَلم يثبت لفظ: بَاب فِي مُعظم النّسخ.
وَقَالَ فُضَيْلٌ عنْ حُصَيْنٍ عنْ مُجاهِدٍ مُتَّكَأً الأُتْرُجُ قَالَ فُضَيْلٌ الأتْرُجُّ بالحَبَشِيَّةِ مُتْكاً وَقَالَ ابنُ عُيَيْنَةَ عنْ رجُلٍ عنْ مُجاهِدٍ مُتْكاً كلُّ شَيْءٍ قُطِعَ بالسِّكِّينِ
فُضَيْل مصغر فضل وَهُوَ ابْن عِيَاض بن مُوسَى أَبُو عَليّ، ولد بسمرقند نَشأ بأبيورد، وَكتب الحَدِيث بكوفة وتحول إِلَى مَكَّة وَأقَام بهَا إِلَى أَن مَاتَ فِي سنة سبع وَثَمَانِينَ وَمِائَة، وقبره بِمَكَّة يزار، وحصين، بِضَم الْحَاء الْمُهْملَة: ابْن عبد الرَّحْمَن السّلمِيّ. قَوْله: (متكأ) بِضَم الْمِيم وَتَشْديد التَّاء وَفتح الْكَاف وبالهمزة المنونة، وَفَسرهُ مُجَاهِد بِأَنَّهُ الأترج، بِضَم الْهمزَة وَسُكُون التَّاء وَضم الرَّاء وَتَشْديد الْجِيم، وروى هَذَا التَّعْلِيق ابْن الْمُنْذر عَن يحيى بن مُحَمَّد بن يحيى: حَدثنَا مُسَدّد حَدثنَا يحي بن سعيد عَن فُضَيْل بن عِيَاض عَن حُصَيْن بِهِ، وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيّ: متكأ مَا يتكأ عَلَيْهِ من نمارق، وَقيل: متكأ مجْلِس الطَّعَام لأَنهم كَانُوا يتكئون للطعام وَالشرَاب والْحَدِيث كعادة المترفين، وَلِهَذَا نهى أَن يَأْكُل الرجل مُتكئا، وَعَن مُجَاهِد: متكأ طَعَاما يحز حزاً، كَأَن الْمَعْنى: يعْتَمد بالسكين لِأَن الْقَاطِع يتكىء على الْمَقْطُوع بالسكين، وَيُقَال فِي الأترج: الاترنج، بالنُّون الساكنة بعد الرَّاء ويدغم النُّون فِي الْجِيم أَيْضا، وَكَانَت زليخا أَهْدَت ليوسف أترجة على نَاقَة وَكَأَنَّهَا الأترجة الَّتِي ذكرهَا أَبُو دَاوُد فِي: (سنَنه) أَنَّهَا شقَّتْ بنصفين وحملا كالعدلين على جمل. قَوْله: (قَالَ فُضَيْل الأترج بالحبشية متكأ) أَي: بِلِسَان الْحَبَشَة، أَو باللغة الحبشية. قَوْله: متكاً بِضَم الْمِيم وَسُكُون التَّاء وبتنوين الْكَاف، وَهَذَا التَّعْلِيق رَوَاهُ أَبُو مُحَمَّد عَن أَبِيه عَن إِسْمَاعِيل بن عُثْمَان: حَدثنَا يحيى بن يمَان عَنهُ، وَقَرَأَ: متكاً، بِضَم الْمِيم وَتَشْديد التَّاء وتنوين الْكَاف بِغَيْر همزَة، وَعَن الْحسن: متكأً، بِالْمدِّ كَأَنَّهُ مفتعال وَذَلِكَ لإشباع فَتْحة الْكَاف لقَوْله: بمنتزاح، بِمَعْنى منتزح. قَوْله: (وَقَالَ ابْن عُيَيْنَة) وَهُوَ سُفْيَان بن عُيَيْنَة (عَن رجل) هُوَ مَجْهُول (عَن مُجَاهِد متكأً) بِضَم الْمِيم وَسُكُون التَّاء وتنوين الْكَاف، وَهُوَ (كل شَيْء قطع بالسكين) وَقيل: من متك الشَّيْء بِمَعْنى: بتكه إِذا قطعه، وَقَرَأَ الْأَعْرَج: متكأ على وزن مفعل من تكأ يتكأ إِذا اتكا.
وَقَالَ قَتادَة لَذُو عِلْمٍ عامِلٌ بِمَا عَلِمَ
أَشَارَ بِهِ إِلَى قَوْله تَعَالَى: {وَإنَّهُ لذُو علم لما علمناه} (يُوسُف: 68) . . الْآيَة، وَفسّر قَتَادَة قَوْله: لذُو علم، بقوله: عَامل بِمَا علم. وَرَوَاهُ ابْن أبي حَاتِم عَن أَبِيه: حَدثنَا أَبُو معمر عَن إِسْمَاعِيل بن إِبْرَاهِيم الْقطيعِي حَدثنَا سُفْيَان بن عُيَيْنَة عَن أبي عرُوبَة عَن قَتَادَة، وَالضَّمِير فِي: أَنه، يرجع إِلَى يَعْقُوب عَلَيْهِ السَّلَام، وَهَذَا لَا يَتَّضِح إلاَّ إِذا وقف الشَّخْص على الْقَضِيَّة من قَوْله تَعَالَى: {وَقَالَ يَا بني لَا تدْخلُوا من بَاب وَاحِد} (يُوسُف: 67) إِلَى قَوْله: {وَلَكِن أَكثر النَّاس لَا يعلمُونَ} (يُوسُف: 72) .
وَقَالَ ابنُ جُبَيْرٍ صُوَاعٌ مَكُّوكُ الْفارِسِيِّ الَّذِي يلْتقِي طَرَفاهُ كانَتْ تَشْرَبُ بِهِ الأعاجِمُ
أَي: قَالَ سعيد بن جُبَير فِي قَوْله تَعَالَى: {قَالُوا انفقد صواع الْملك} . . الْآيَة، وَهَذَا التَّعْلِيق رَوَاهُ أَبُو مُحَمَّد عَن أَبِيه: حَدثنَا مُسَدّد حَدثنَا أَبُو عوَانَة عَن أبي بشر عَن سعيد بن جُبَير، وَرَوَاهُ ابْن مَنْدَه فِي: (غرائب شُعْبَة) ، وَابْن مرْدَوَيْه من طَرِيق عَمْرو بن مَرْزُوق عَن شُعْبَة عَن أبي بشر عَن سعيد بن جُبَير عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله: (صواع الْملك) قَالَ: كَانَ كَهَيئَةِ المكوك من فضَّة يشربون فِيهِ، وَقد كَانَ للْعَبَّاس مثله فِي الْجَاهِلِيَّة، وَقَالَ زيد بن زيد: كَانَ كأساً من ذهب، وَقَالَ ابْن إِسْحَاق: كَانَ من فضَّة مرصعة بالجواهر جعلهَا يُوسُف عَلَيْهِ السَّلَام، مكيالاً لَا يُكَال بغَيْرهَا وَكَانَ يشرب فِيهَا. وَعَن ابْن عَبَّاس: كَانَ قدحاً من زبرجد، والمكوك، بِفَتْح الْمِيم وَتَشْديد الْكَاف المضمومة وَسُكُون الْوَاو وَفِي آخِره كَاف أُخْرَى: وَهُوَ مكيال مَعْرُوف لأهل الْعرَاق فِيهِ ثَلَاث كيلجات، وَقَالَ ابْن الْأَثِير: المكوك إسم للمكيال وَيخْتَلف فِي مِقْدَاره باخْتلَاف اصْطِلَاح النَّاس عَلَيْهِ فِي الْبِلَاد، وَفِي حَدِيث أنس رَضِي الله عَنهُ: (أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، كَانَ يتَوَضَّأ بالمكوك الْمَدّ) . وَقيل: الصَّاع، وَيجمع على: مكاكي، على إِبْدَال الْيَاء من الْكَاف الْأَخِيرَة، وَقَرَأَ الْجُمْهُور: صواع، وَعَن أبي هُرَيْرَة، أَنه قَرَأَ: أصاع الْملك، وَعَن أبي رَجَاء: صوع، بِسُكُون الْوَاو، وَعَن يحيى بن يعمر مثله. لَكِن بغين مُعْجمَة، حَكَاهَا الطَّبَرِيّ.
وَقَالَ ابنُ عبّاسٍ تُفَنِّدُونِ تُجَهِّلُونِ
أَشَارَ بِهِ إِلَى قَوْله تَعَالَى: {إِنِّي لأجد ريح يُوسُف لَوْلَا أَن تفندون} (يُوسُف: 94) وَفَسرهُ بقوله: (تجهلون) وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَة: مَعْنَاهُ: لَوْلَا أَن تسفهوني، وَقَالَ مُجَاهِد: لَوْلَا أَن تَقولُوا ذهب عقلك، وَوجد ريح يُوسُف من مسيرَة ثَلَاثَة أَيَّام، وتفندون من الفند بِفَتْح النُّون وَهُوَ: الْهَرم.
وَقَالَ غَيْرُهُ غيابَةُ الحبِّ كُلُّ شَيْءٍ غَيَّبَ عَنْكَ شَيْئا فَهُوَ غَيابَةٌ
أَشَارَ بِهِ إِلَى قَوْله تَعَالَى: {والقوه فِي غيابة الْحبّ يلتقطه بعض السيارة} (يُوسُف: 10) ظَاهر الْكَلَام أَن قَوْله: (وَقَالَ غَيره) غير ابْن عَبَّاس لِأَنَّهُ عطف عَلَيْهِ، وَقَالَ بَعضهم: لَيْسَ من كَلَام ابْن عَبَّاس وَإِنَّمَا هُوَ كَلَام أبي عُبَيْدَة. قلت: لَا مَانع أَن يكون قَول أبي عُبَيْدَة من قَول ابْن عَبَّاس. قَوْله: (كل شَيْء) ، مُبْتَدأ وَقَوله: (غيب عَنْك) فِي مَحل الْجَرّ لِأَنَّهُ صفة لشَيْء (وشيأ) مفعول غيب. قَوْله: (فَهُوَ غيابة) جملَة إسمية وَقعت خبر الْمُبْتَدَأ. أَو الْمُبْتَدَأ إِذا تضمن معنى الشَّرْط تدخل الْفَاء فِي خَبره. قَوْله: (غيابة الْجب) ، قَالَ الثَّعْلَبِيّ: أَي: قَعْر الْجب وظلمته حَيْثُ يغيب خَبره، وَقَالَ قَتَادَة: أَسْفَله وَأَصله من الغيبوبة.
وَالجُبُّ الرَّكِيَةُ الَّتِي لَمْ تُطْوَ
أَي: الْجب الْمَذْكُور فِي قَوْله: (غيابة الْجب) هُوَ الْبِئْر الَّتِي لم تطو، وَكَذَلِكَ القليب، قَالَ الْجَوْهَرِي: القليب الْبِئْر قبل أَن تطوى، وَسميت جبا من أجل أَنَّهَا قطعت قطعا وَلم يحدث فِيهَا غير الْقطع من الطي وَمَا أشبهه.
بِمُؤْمِنٍ لَنَا بِمُصدِّق
أَشَارَ بِهِ إِلَى قَوْله تَعَالَى، حِكَايَة عَن قَول إخْوَة يُوسُف: {وَتَركنَا يُوسُف عِنْد متاعنا فَأَكله الذِّئْب وَمَا أَنْت بِمُؤْمِن لنا وَلَو كُنَّا صَادِقين} (يُوسُف: 17) وَالْمعْنَى: وَمَا أَنْت بمصدق فِي كلامنا، وَفِي التَّفْسِير: وَمَا أَنْت بمصدق لنا لسوء ظَنك بِنَا وتهمتك لنا، وَهَذَا قَمِيصه ملطخ بِالدَّمِ.
يُقالُ بَلَغَ أشُدَّهُ قَبْلَ أنْ يَأْخُذ فِي النُّقْصانِ وَقَالُوا بَلَغَ أشُدَّهُ وَبَلَغُوا أشُدَّهُمْ وَقَالَ بَعْضُهُمْ وَاحِدُها شَدٌّ
أَشَارَ بِهِ إِلَى قَوْله تَعَالَى: {وَلما بلغ أشده آتيناه حكما وعلما} وَفسّر قَوْله: أشده، بقوله: قبل أَن يَأْخُذ فِي النُّقْصَان، وَأَرَادَ بِهِ عز مُنْتَهى شبابه وقوته وشدته، وَاخْتلف فِيهِ، فَذكر ابْن الْمُنْذر عَن الشّعبِيّ وَرَبِيعَة وَزيد بن أسلم وَمَالك: أَنه الْحلم، وَعَن سعيد ابْن جُبَير ثَمَانِيَة عشرَة سنة، وَقيل: عشرُون، وَقيل: خمس وَعِشْرُونَ، وَقيل: ثَلَاثُونَ، وَقيل: ثَلَاث وَثَلَاثُونَ قَالَه مُجَاهِد: وَقيل: أَرْبَعُونَ. وَقيل: سبع عشرَة سنة، وَقيل: خمس وَثَلَاثُونَ سنة، وَقيل: ثَمَانِيَة وَأَرْبَعُونَ سنة، وَعَن ابْن عَبَّاس: مَا بَين ثَمَان عشرَة إِلَى ثَلَاثِينَ سنة، وَقيل: سِتُّونَ سنة، وَقَالَ ابْن التِّين: الْأَظْهر أَنه أَرْبَعُونَ لقَوْله تَعَالَى: {وَلما بلغ أشده واستوى آتيناه حكما وعلما} وَذَلِكَ أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَا يتنبى إلاَّ بعد أَرْبَعِينَ سنة. قَالَ بَعضهم: وَتعقب بِأَن عِيسَى عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام، وَيحيى أَيْضا تنبأ لدوّنَ الْأَرْبَعين لقَوْله تَعَالَى: {وَآتَيْنَاهُ الحكم صَبيا} (مَرْيَم: 12) قلت لَهُ أَن يَقُول: هما مخصوصان بذلك من دون سَائِر الْأَنْبِيَاء، عَلَيْهِم السَّلَام. قَوْله: (يُقَال بلغ أشده وبلغوا أَشَّدهم) ، أَشَارَ بِهَذَا إِلَى أَنه يُضَاف إِلَى الْمُفْرد وَالْجمع بِلَفْظ وَاحِد. قَوْله: (وَقَالَ بَعضهم: وَاحِدهَا:) أَي: وَاحِد الأشد وَهُوَ قَول سِيبَوَيْهٍ وَالْكسَائِيّ، وَزعم أَبُو عُبَيْدَة أَنه لَيْسَ لَهُ وَاحِد من لَفظه.
وَالمُتَّكَأُ مَا اتَّكَأَتَ عَلَيْهِ لِشَرَابٍ أوْ لِحَدِيثٍ أوْ لِطعامٍ وَأبْطَلَ الَّذِي قَالَ الأُتْرُجُّ وَلَيْسَ فِي كَلامِ العَرَبِ الأُتْرُجُّ فَلَمَّا احْتَجَّ عَلَيْهِمْ بأنّهُ المُتَّكَأُ مِنْ نَمَارِقَ فَرُّوا إلَى شَرٍّ مِنْهُ فَقَالُوا إنَّما هُوَ المُتْكُ سَاكِنَةَ التّاءِ وَإنّما المُتْكُ طَرَفُ البَظرِ وَمِنْ ذالِكَ قِيلَ لَهَا مَتْكاءُ وَابنُ المَتْكاءِ فَإنْ كَانَ ثمَّ أُترُجٌّ فَإنّهُ بَعْدَ المُتَّكَإِ.
لما ذكر فِيمَا مضى عَن قريب عَن مُجَاهِد أَن المتكأ الأترج، أنكر ذَلِك، فَقَالَ: المتكأ مَا اتكأت عَلَيْهِ لأجل شرب شراب أَو لأجل حَدِيث أَو لأجل طَعَام. قَوْله: وأبطل قَول الَّذِي قَالَ: المتكأ الأترج، ثمَّ ادّعى أَنه لَيْسَ فِي كَلَام الْعَرَب الأترج، يَعْنِي: لَيْسَ فِي كَلَام الْعَرَب تَفْسِير المتكأ بالأترج، وَفِيه نظر، حَتَّى قَالَ صَاحب (التَّوْضِيح) هَذِه الدَّعْوَى من الْأَعَاجِيب فقد قَالَ فِي (الْمُحكم) المتكأ الأترج، وَعَن الْأَخْفَش كَذَلِك، وَفِي (الْجَامِع) المتكأ الأترج، وأنشدوا:
(فنشرب الْإِثْم بالصواع جهارا ... ونرى المتك بَيْننَا مستعارا)

وَأَبُو حنيفَة الدينَوَرِي زعم أَن المتكا بِالضَّمِّ الأترج، وَالَّذِي بِفَتْح الْمِيم السوسن، وبنحوه ذكره أَبُو عَليّ القالي وَابْن فَارس فِي (الْمُجْمل) وَغَيرهمَا. قَوْله: (فَلَمَّا احْتج عَلَيْهِم) ، بِصِيغَة الْمَجْهُول. (يان المتكأ من نمارق) إِلَى آخِره ظَاهر. قَوْله: (وَإِنَّمَا المتك) ، بِعني: بِالضَّمِّ، طرف البظر، بِفَتْح الْبَاء الْمُوَحدَة وَسُكُون الظَّاء الْمُعْجَمَة وَفِي آخِره رَاء، وَهُوَ مَا تبقيه الخاتنة بعد الْخِتَان من الْمَرْأَة. قَوْله: (وَمن ذَلِك) أَي: وَمن هَذَا اللَّفْظ: (قيل لَهَا) أَي: للْمَرْأَة. (متكاء) بِفَتْح الْمِيم وَسُكُون التَّاء وبالمد، وَهِي الَّتِي لم تختن، وَيُقَال لَهَا: البظراء أَيْضا ويعير الرجل بذلك، فَيُقَال لَهُ: ابْن المتكاء. قَوْله: (فَإِن كَانَ ثمَّ أترج) بِفَتْح الْفَاء الْمُثَلَّثَة وَتَشْديد الْمِيم، أَي: فَإِن كَانَ هُنَاكَ أترج فَإِنَّهُ كَانَ بعد المتكاء، وَقَالَ بَعضهم: إِنَّمَا قَالَ البُخَارِيّ مَا قَالَه من ذَلِك تبعا لأبي عُبَيْدَة فَإِنَّهُ قَالَ: زعم قوم أَنه الأترج، وَهَذَا أبطل بَاطِل فِي الأَرْض، وَلَكِن عَسى أَن يكون مَعَ المتكاه أترج يَأْكُلُونَهُ. قلت: كَأَنَّهُ لم يفحص عَن ذَلِك كَمَا يَنْبَغِي. وقلد أَبَا عُبَيْدَة، والأفة من التَّقْلِيد، وَكَيف يَصح مَا قَالَه من ذَلِك وَقد روى عبد بن حميد من طَرِيق عَوْف الْأَعرَابِي عَن ابْن عَبَّاس، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا إِنَّه كَانَ يقْرؤهَا: متكاء، مُخَفّفَة وَيَقُول: هُوَ الأترج، وَأَيْضًا قد روى مثله عَمَّن ذَكَرْنَاهُمْ الْآن.
شَغَفَها يُقَالُ بَلَغَ إلَى شِغافَها وَهُوَ غِلافُ قَلْبِها وَأمّا شَعَفَها فَمِنَ المَشْعُوفِ
أَشَارَ بِهِ إِلَى قَوْله تَعَالَى: {امْرَأَة الْعَزِيز تراود فناها عَن نَفسه قد شغفها حبا إِنَّا لنراها فِي ضلال مُبين} (يُوسُف: 30) قَوْله: (قد شغفها) ، أَي: قد شغف يُوسُف زليخا، يَعْنِي: بلغ حبه إِلَى شغافها، بِكَسْر الشين الْمُعْجَمَة فِي ضبط الْمُحدثين، وَعند أهل اللُّغَة بِالْفَتْح، وَهُوَ غلاف قَلبهَا، وَقيل: الشغاف حَبَّة الْقلب، وَقيل: هُوَ علقَة سَوْدَاء فِي صميمه. قَوْله: (وَأما شعفها) ، يَعْنِي: بِالْعينِ الْمُهْملَة فَمن المشعوف، يُقَال: فلَان مشعوف بفلان إِذا بلغ بِهِ الْحبّ أقْصَى الْمذَاهب، وَيُقَال: فلَان شعفه الْحبّ، أَي أحرق قلبه.
أصْبُ أمِيلُ
أَشَارَ بِهِ إِلَى قَوْله عز وَجل حِكَايَة عَن قَول يُوسُف، عَلَيْهِ السَّلَام: {وإلاَّ تصرف عني كيدهن أَصْبُ إلَيْهِنَّ وأكن من الْجَاهِلين} (يُوسُف: 33) وَفسّر: أصبُ، بقوله: أميل، يُقَال: صبا إِلَى اللَّهْو، يصبو صبوا إِذا مَال إِلَيْهِ، وَمِنْه سمي الصَّبِي لِأَنَّهُ يمِيل إِلَى كل شَيْء.
أضْغَاثُ أحْلامٍ مَا لَا تَأْوِيلَ لَهُ
أَشَارَ بِهِ إِلَى قَوْله تَعَالَى: {قَالُوا أضغاث أَحْلَام وَمَا نَحن بِتَأْوِيل الأحلام بعالمين} (يُوسُف: 44) والأضغاث جمع ضغث، وَهُوَ ملْء الْيَد من حشيش، وَفسّر قَوْله: أضغاث أَحْلَام، بقوله: مَا لَا تَأْوِيل لَهُ لِأَنَّهُ من الأخلاط والرؤيا الكاذبة الَّتِي لَا أصل لَهَا. وَقَوله: (أضغاث أَحْلَام) فِي مَحل الرّفْع على الِابْتِدَاء. قَوْله: (مَا لَا تَأْوِيل لَهُ) ، خَبره وَكلمَة مَا مَوْصُولَة.
وَالضِّغْثُ مِلْءُ اليَدِ مِنْ حَشِيشٍ وَمَا أشْبَهَهُ وَمِنْهُ وَخُذْ بِيَدِكَ ضِغْثا لَا مِنْ قَوْلِهِ أضْغاثُ أحْلامٍ وَاحِدُها ضِغْثٌ
أَشَارَ بقوله: {والضغث} إِلَى شَيْئَيْنِ: أَحدهمَا: أَن الضغث وَاحِد. الأضغاث وَالْآخر: أَن تَفْسِيره بملء الْيَد من حشيش وَمَا أشبهه، وَأَرَادَ أَن الضغث الَّذِي هُوَ ملْء الْكَفّ من أَنْوَاع الْحَشِيش هُوَ المُرَاد من قَوْله تَعَالَى: {وَخذ بِيَدِك ضغثا فَاضْرب بِهِ} (ص: 44) وَذَلِكَ فِي قصَّة أَيُّوب، عَلَيْهِ السَّلَام، وَلَيْسَ المُرَاد هُنَا هَذَا الْمَعْنى، وَلَكِن المُرَاد من الأضغاث هُنَا هُوَ الَّذِي واحده ضغث الَّذِي هُوَ بِمَعْنى مَا لَا تَأْوِيل لَهُ، وروى عبد الرَّزَّاق عَن معمر عَن قَتَادَة فِي قَوْله تَعَالَى: {أضغاث أَحْلَام} مَا حَاصله أَن الضغث فِي قَوْله: (وَخذ بِيَدِك ضغثا) بِمَعْنى: ملْء الْكَفّ من الْحَشِيش، لَا بِمَعْنى: مَا لَا تَأْوِيل لَهُ، وروى عبد الرَّزَّاق عَن معمر عَن قَتَادَة فِي قَوْله تَعَالَى: {أضغاث أَحْلَام} قَالَ: أخلاط أَحْلَام، وروى أَبُو يعلى بِإِسْنَادِهِ عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله: {أضغاث أَحْلَام} قَالَ: هِيَ الأحلام الكاذبة.
نَمِيرُ مِنَ المِيرَةِ
أَشَارَ بِهِ إِلَى قَوْله تَعَالَى: {هَذِه بضاعتنا ردَّتْ إِلَيْنَا ونمير أهلنا} (يُوسُف: 6) الْميرَة بِكَسْر الْمِيم الطَّعَام، وَالْمعْنَى: نجلب إِلَى أهلنا الطَّعَام يُقَال: مار أَهله يميرهم إِذا أَتَاهُم بِطَعَام.
وَنزْدَادُ كَيْلَ بَعِيرٍ مَا يَحْمِلُ بَعِيرٌ
أَي نزداد على أحمالنا حمل بعير يُكَال لَهُ مَا حمل بعيره، وروى الْفرْيَابِيّ من طَرِيق ابْن أبي نجيح عَن مُجَاهِد: كيل بعير أَي: كيل حمَار. وَذكر الثَّعْلَبِيّ أَنه لُغَة يُقَال للحمار بعير. وَيُؤَيّد ذَلِك أَن إخْوَة يُوسُف كَانُوا من أَرض كتمان وَلَيْسَ بهَا إبل.
آوِي إلَيْهِ ضَمَّ إلَيْهُ
أَشَارَ بِهِ إِلَى قَوْله تَعَالَى: {وَلما دخلُوا على يُوسُف آوي إِلَيْهِ أَخَاهُ} (يُوسُف: 69) الْآيَة. أَي: فَلَمَّا دخلت إخْوَة يُوسُف عَلَيْهِ ضم يُوسُف إِلَى نَفسه أَخَاهُ بنيامين من آوى يؤوى إيواء.
السَّقايَةُ مِكْيَالٌ
أَشَارَ بِهِ إِلَى قَوْله تَعَالَى: {فَلَمَّا جهزهم بجهازهم جعل السِّقَايَة فِي رَحل أَخِيه} (يُوسُف: 70) وَفسّر السِّقَايَة وَله مكيال، وَهُوَ الْإِنَاء الَّذِي كَانَ يُوسُف يشرب بِهِ فَجعله ميكالاً لِئَلَّا يكتالوا بِغَيْرِهِ فيظلموا وَيُقَال: السِّقَايَة هِيَ الصواع كَانَ الْملك يسْقِي بهَا ثمَّ جعلت صَاعا يُكَال بِهِ، وَقد مر الْكَلَام فِيهِ عَن قريب.
تَفْتَأُ لَا تَزَالُ
أَشَارَ بِهِ إِلَى قَوْله: {تالله تفتأ تذكر يُوسُف} (يُوسُف: 85) أَي: لَا تفتأ فَحذف حرف النَّفْي، وَالْمعْنَى: أَن أخوة يُوسُف قَالُوا ليعقوب أَبِيهِم: وَالله لَا تزَال تذكر يُوسُف وَلَا تفتر من حبه {حَتَّى تكون حرضا} الْآيَة. يُقَال: مَا فتئت أذكر ذَلِك وَمَا فتأت أفتأ وافتو فتاء وفتوءا. وَقَالَ أَبُو زيد: مَا افتأت أذكرهُ وَمَا فتئت أذكرهُ أَي: مَا زلت أذكرهُ لَا يتَكَلَّم بِهِ إلاّ مَعَ الْجحْد. وَقَوله: {تالله تفتأ تذكر يُوسُف} أَي: مَا تفتأ قلت الصَّوَاب لَا تفتأ.
حَرَضا مُحْرَضا يُذِيبُكَ الْهَمُّ
أَشَارَ بِهِ إِلَى قَوْله تَعَالَى: {حَتَّى تكون حرضا أَو تكون من الهالكين} وَذكر أَن حرضا بِمَعْنى، محرض، على صِيغَة اسْم الْمَفْعُول وَفَسرهُ بقوله: يذيبك الْهم من الإذابة. وَقيل: مَعْنَاهُ تكون دنفا وَقيل: قَرِيبا من الْمَوْت، وَقَالَ الْفراء الحرض هُوَ الْفَاسِد فِي جِسْمه، وعقله وَيَسْتَوِي فِيهِ الْوَاحِد والمثنى وَالْجمع والمذكر والمؤنث لِأَنَّهُ مصدر وضع مَوضِع الْأَلَم، وَمن الْعَرَب من يؤنث مَعَ الْمُؤَنَّث. وَقَرَأَ أنس بِضَم الْحَاء، وَعَن قَتَادَة: حرضا هرما. وَعَن الضَّحَّاك بَالِيًا ذَا بلَاء، وَعَن الرّبيع ابْن أنس، يَابِس الْجلد على الْعظم، وَعَن الْحسن: كالشيء المدقوق المكسور، وَعَن القتبي: سَاقِطا. قَوْله: {أَو تكون من الهالكين} أَي: الميتين.
تَحَسَّسوا تَحَبرُوا
أَشَارَ بِهِ إِلَى قَوْله تَعَالَى: {يَا بني اذْهَبُوا فتحسسوا من يُوسُف وأخيه} (يُوسُف: 87) الْآيَة. وَفسّر: تحسسوا بقوله: تخبروا. أَي: اطْلُبُوا الْخَبَر وتحسسوا تَفعلُوا من الْحس، يَعْنِي: تتبعوا. وَعَن ابْن عَبَّاس: التمسوا. وَسُئِلَ ابْن عَبَّاس عَن الْفرق بَين التحسس، بِالْحَاء الْمُهْملَة، والتجسس، بِالْجِيم؟ فَقَالَ: لَا يعدو أَحدهمَا عَن الآخر إلاَّ أَن التحسس فِي الْخَيْر والتجسس فِي الشَّرّ، وَقيل: بِالْحَاء لنَفسِهِ وبالجيم لغيره، وَمِنْه الجاسوس.
مُزْجاةٌ قَلِيلَةٌ
أَشَارَ بِهِ إِلَى قَوْله تَعَالَى: {وَجِئْنَا ببضاعة مزجاة} وفسرها بقوله قَليلَة. وَقيل: ردية، وَقيل: فَاسِدَة. وَعَن قَتَادَة: يسيرَة، وَكَانَت البضاعة من صوف وَنَحْوه. وَقيل: دَرَاهِم لَا تزوج، وَرُوِيَ عَن عِكْرِمَة وَابْن عَبَّاس: كَانَت دَرَاهِم زُيُوفًا لَا تنْفق إلاَّ بوضيعة. وَعَن ابْن عَبَّاس أَيْضا خلق الغرارة وَالْحَبل وَرَثَة الْمَتَاع.
غَاشِيَةٌ مِنْ عَذابِ الله عَامَّةٌ مُجَلِّلَةٌ
أَشَارَ بِهِ إِلَى قَوْله تَعَالَى: {أفأمنوا أَن تأتيهم غاشية من عَذَاب الله أَو تأتيهم السَّاعَة بَغْتَة وهم لَا يَشْعُرُونَ} (يُوسُف: 107) وَفسّر غاشية بقوله: (عِمَامَة) أَي: نقمة عَامَّة. قَوْله: (مُجَللَة) ، بِالْجِيم من جلل الشَّيْء تجليلاً أَي: عَمه، وَهُوَ صفة غاشية لِأَن ابْن عَبَّاس فسر الغاشية بقوله: مُجَللَة، وَيرد بِهَذَا قَول بَعضهم: أَن مُجَللَة تَأْكِيد عَامَّة. وَقَالَ قَتَادَة: غاشية وقيعة، وَقَالَ الضَّحَّاك: الصَّوَاعِق والقوارع.
(بابٌ)
أَي: هَذَا بَاب، وَلَيْسَ فِي مُعظم النّسخ لفظ بَاب.
اسَتَيْأَسُوا يَئِسُوا لَا تَيْأَسُوا مِنْ رَوْحِ الله مَعْناهُ الرَّجاءُ
لم يثبت هَذَا أَلا لأبي ذَر عَن الْمُسْتَمْلِي والكشميهني، وَأَشَارَ بقوله: {استيأسوا} إِلَى قَوْله تَعَالَى: {فَلَمَّا استيأسوا مِنْهُ خلصوا نجيا} (يُوسُف: 80) وَفَسرهُ بقوله: (يئسوا) أَي: فَلَمَّا أيس أخوة يُوسُف من يُوسُف أَن يُجِيبهُمْ إِلَى مَا سَأَلُوهُ خلصوا نجيا. أَي: خلا بَعضهم بِبَعْض يتناجون ويتشاورون لَا يخالطهم غَيرهم، والآن يَأْتِي مزِيد الْكَلَام فِيهِ إِن شَاءَ الله تَعَالَى قَوْله: {لَا تيأسوا من روح الله} أَشَارَ بِهِ إِلَى قَوْله تَعَالَى: {وَلَا تيأسوا من روح الله إِنَّه لَا ييأس من روح الله إِلَّا الْقَوْم الْكَافِرُونَ} (يُوسُف: 87) وَمعنى من روح الله من رَحمته، قَالَ قَتَادَة وَالضَّحَّاك: من فضل الله، وَقَالَ ابْن زيد: من فرج الله، وَهَذَا حِكَايَة عَن كَلَام يَعْقُوب، عَلَيْهِ السَّلَام، لأولاده قَوْله: (مَعْنَاهُ الرَّجَاء) أَي: معنى عدم الْيَأْس الرَّجَاء أَو معنى التَّرْكِيب الرَّجَاء، أَو لَا روح بِهِ حَقِيقَة.
خَصَلُوا نَجِيّا اعْتَزَلُوا نَجِيّا وَالجِسْمِ أنْجِيَةٌ يَتَنَاجَوْنَ الوَاحِدُ نَجِيٌّ وَالاثْنَانِ وَالجَمِيعُ نَجِيٌّ وَأنْجِيَةٌ.
أَشَارَ بِهِ إِلَى قَوْله تَعَالَى: {فَلَمَّا استيأسوا مِنْهُ خلصوا نجيا} وَلم يثبت هَذَا إلاَّ لأبي ذَر عَن الْمُسْتَمْلِي والكشميهني وَقَوله: (خلصوا) جَوَاب لما وَفسّر خلصوا بقوله: (اعتزلوا) وَوَقع فِي رِوَايَة الْمُسْتَمْلِي: اعْتَرَفُوا وَالْأول هُوَ الصَّوَاب، والنجي هُوَ الَّذِي يُنَاجِي، وَيَسْتَوِي فِيهِ الْوَاحِد والاثنان وَالْجمع الْمُذكر والمؤنث لِأَنَّهُ مصدر فِي الأَصْل جعل نعتا كالعدل والزور وَنَحْوهمَا وَجَاء جمعه أنجية وَقد نبه عَلَيْهِ بقوله: وأنجبة وانتصاب: نجيا، على الْحَال أَي: حَال كَونهم متناجين فِيمَا يعْملُونَ فِي ذهابهم إِلَى أَبِيهِم من غير أخيهم.

1 - (بابُ قَوْلِهِ: {وَيُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَعَلَى آلِ يَعْقُوبَ كَمَا أتَمَّها عَلَى أبَوَيْكَ مِنْ قَبْلُ إبْرَاهِيمَ وَإسْحَاقَ} (يُوسُف: 6)

أَي: هَذَا بَاب فِي قَوْله تَعَالَى: {وَيتم نعْمَته عَلَيْك} الْآيَة. وَلَيْسَ فِي بعض النّسخ لفظ: بَاب قَوْله: (وَيتم نعْمَته) أَي: وَيتم الله نعْمَته عَلَيْك، وَالْخطاب ليوسف، عَلَيْهِ السَّلَام، وإتمام النِّعْمَة بِالنُّبُوَّةِ، وَقيل: بإعلاء الْكَلِمَة، وَقيل: بِأَن أحْوج إِلَيْك إخْوَتك قَوْله: (وعَلى آل يَعْقُوب) هم وَلَده، وَقيل: هُوَ وَامْرَأَته وَأَوْلَاده الْأَحَد عشر، وإتمام النِّعْمَة: الْجمع بَين نعْمَة الدُّنْيَا وَهِي الْملك ونعمة الْآخِرَة. قَوْله: (كَمَا أتمهَا) أَي: النِّعْمَة فنعمته على إِبْرَاهِيم أَن أَنْجَاهُ من النَّار، وعَلى إِسْحَاق أَن أَنْجَاهُ من الذّبْح.

4688 - ح دَّثني عَبْدُ الله بنُ مُحَمَّدٍ حدَّثنا عَبْدُ الصَّمَّدِ عنْ عَبْدِ الرَّحْمانِ بنِ عَبْدِ الله بنِ دِينارٍ عَنْ أبِيهِ عَنْ عَبدِ الله بنِ عُمَرَ رَضِيَ الله عَنْهُمَا عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ الكَرِيمُ ابنُ الكَرِيمِ ابنِ الكَرِيمِ ابنِ الكَرِيمِ يُوسُفُ بنُ يَعْقُوبَ بنِ إسْحَاقَ بنِ إبْرَاهِيمَ.

مطابقته للتَّرْجَمَة من حَيْثُ أَن الْمَذْكُور فيهمَا هَؤُلَاءِ الْأَنْبِيَاء الْأَرْبَعَة عَلَيْهِم السَّلَام. قَوْله: (حَدثنِي) ، ويروى: حَدثنَا بنُون

(18/303)


الْجمع، وَوَقع فِي أَطْرَاف خلف. قَالَ عبد الله بن مُحَمَّد. وبالتحديث أَكثر، وَعبد الله بن مُحَمَّد هُوَ الْجعْفِيّ البُخَارِيّ الْمَعْرُوف بالمسندي، وَعبد الصَّمد بن عبد الْوَارِث، وَالْحَدَث مضى فِي كتاب الْأَنْبِيَاء فِي بَاب قَوْله الله عز وَجل: {لقد كَانَ فِي يُوسُف وَإِخْوَته آيَات للسائلين} (يُوسُف: 7) .

2 - (بابُ قَوْلِهِ: {لَقَدْ كَانَ فِي يُوسُفَ وَإخْوَتِهِ آيَاتٌ للسَّائِلِينَ} (يُوسُف: 7)

أَي: هَذَا بَاب فِي قَوْله عز وَجل: {لقد كَانَ فِي يُوسُف} الْآيَة. وَهَذَا مُكَرر لِأَن هَذِه التَّرْجَمَة بِعَينهَا مَعَ الحَدِيث الَّذِي لَهَا قد مضيا فِي كتاب الْأَنْبِيَاء، وَفِي حَال الْإِسْنَاد وَبَعض الْمَتْن تغاير على مَا يَأْتِي.

4689 - ح دَّثني مُحَمَّدٌ أخْبَرنَا عَبْدَةُ عَنْ عُبَيْدِ الله عَنْ سَعِيدٍ بنِ أبِي سَعِيدٍ عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ الله عنهُ قَالَ سُئِلَ رَسُولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أيُّ النَّاسِ أكْرَمُ قَالَ أكْرَمُهُمْ عِنْدَ الله أتْقاهُمْ قَالُوا لَيْسَ عَنْ هَذا نَسْألُكَ قَالَ فَأكْرَمُ النّاس يُوسُفُ نَبيُّ الله ابنُ نَبِيِّ الله ابنِ نَبِيِّ الله ابنِ خَلِيلِ الله قَالُوا لَيْسَ عَنْ هاذا نَسْألُكَ قَالَ فَعَنْ مَعَادِنِ العَرَبِ تَسْألُونَي قَالُوا نَعَمْ قَالَ فَخَيَارُكُمْ فِي الجَاهِلِيَةِ خِيَارُكُمْ فِى الإسْلامِ إذَا فَقُهُوا.

مطابقته للتَّرْجَمَة تُؤْخَذ مَعَ بعض التعسف من حَيْثُ أَن فِي الْآيَة سؤالاً عَن يُوسُف الَّذِي هُوَ أكْرم النَّاس من حَيْثُ النّسَب، وَفِي الحَدِيث أخبر، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، عَن صفته تِلْكَ. وَإِنَّمَا قُلْنَا إِنَّه أكْرم النَّاس من حَيْثُ النّسَب لِأَنَّهُ نَبِي ابْن نَبِي ابْن نَبِي ابْن نَبِي، وَلم يتَّفق هَذَا لأحد غَيره، وَمُحَمّد هُوَ ابْن سَلام، وَعَبدَة ضد الْحرَّة ابْن سُلَيْمَان، وَعبيد الله هُوَ الْمَعْرُوف بالعمري، وَسَعِيد بن أبي سعيد المَقْبُري وَاسم أَبِيه كيسَان؟ قَوْله: (عَن معادن الْعَرَب) أَي: أصولهم الَّتِي يلبسُونَ إِلَيْهَا ويتفاخرون بهَا وشبهوا بالمعادن لما فِيهِ من الاستعدادات المتفاوتة. قَوْله: (فقهوا) بِضَم الْقَاف وَكسرهَا.
تَابَعَهُ أبُو أُسَامَةَ عَنْ عُبَيْدِ الله
يَعْنِي: تَابع عَبدة أَبُو أُسَامَة حَمَّاد بن أُسَامَة عَن عبيد الله الْعمريّ، وَقد وصل البُخَارِيّ هَذِه الْمُتَابَعَة فِي كتاب الْأَنْبِيَاء عَلَيْهِم السَّلَام.

3 - (بابُ قَوْلِهِ: {قَالَ بَلْ سوَّلَتْ لَكُمْ أنْفُسُكُمْ أمْرا فَصَبْرٌ جَمِيلٌ} (يُوسُف: 18، 83)

أَي: هَذَا بَاب فِي قَول الله عز وَجل: {بل سَوَّلت لكم أَنفسكُم أمرا فَصَبر جميل وَالله الْمُسْتَعَان على مَا تصفون} إِنَّمَا قَالَ هَذَا يَعْقُوب لِبَنِيهِ لما جاؤوا إِلَيْهِ بقميص يُوسُف ملطخ بِالدَّمِ. قَوْله: (سَوَّلت) يَأْتِي مَعْنَاهُ الْآن. قَوْله: (فَصَبر جميل) أَي: فصبري صَبر جميل وَهُوَ الصَّبْر الَّذِي لَا جزع فِيهِ وَلَا شكوى.
سَوَّلَتْ زَيَّنَتْ
أَشَارَ بِأَن معنى سَوَّلت فِي الْآيَة الْمَذْكُورَة زينت. روى هَذَا عَن قَتَادَة، وَرَوَاهُ أَبُو مُحَمَّد عَن عَليّ بن الْحسن حَدثنَا أَبُو الْجمَاهِر أخبرنَا سعيد بن بشير عَنهُ.

4690 - ح دَّثنا عَبْدُ الْعَزِيزِ بنُ عَبْدِ الله حدَّثنا إبْرَاهِيمُ بنُ سَعْدٍ عَنْ صَالِحٍ عَنِ ابنِ شِهابٍ قَالَ وَحَدَّثنا الحَجّاجُ حدَّثنا عَبْدُ الله بنُ عُمَرَ النمَيْرِيُّ حدَّثنا يُونُسُ بنُ يَزِيدُ الأيْلِيُّ قَالَ سَمِعْتُ الزُّهْرِيَّ سَمِعْتُ عُرْوَةَ بنَ الزُّبَيْرِ وَسَعِيدَ بنَ المُسَيَّبِ وَعَلْقَمَةَ بنَ وَقَاصٍ وَعُبَيْدَ الله بنَ عَبْدِ الله عَنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ زَوْجِ النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حِينَ قَالَ لَهَا أهْلُ الإفْكِ مَا قَالُوا فَبَرَّأها الله. كل حدَّثني طَائِفَةً مِنَ الحَدِيثِ قَالَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إنْ كُنْتِ بَرِيئَةً فَسَيُبَرِّئُكِ الله

(18/304)


وَإنْ كُنْتِ ألْمَمْتِ بِذَنْبٍ فَاسْتَغْفِرِي الله وَتُوبِي إلَيْهِ قُلْتُ إنِّي وَالله لَا أَجِدُ مَثَلاً إلاّ أبَا يُوسُفَ فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَالله المُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ وَأنْزَلَ الله إنَّ الَّذِينَ جاؤوا بِالإِفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ العَشْرَ الآيَاتِ.

مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: {فَصَبر جميل} (يُوسُف: 18، 83) الْآيَة. وَعبد الْعَزِيز بن عبد الله بن يحيى الأويسي الْمدنِي، وَصَالح هُوَ ابْن كيسَان، وَالْحجاج هُوَ ابْن منهال. والْحَدِيث قد مضى مطولا فِي: بَاب الْإِفْك عقيب، بَاب: غَزْوَة أَنْمَار، وَمضى الْكَلَام فِيهِ مُسْتَوْفِي قَوْله: (وَالْمَيِّت) أَي: قصدت إِلَيْهِ وَنزلت بِهِ.

4691 - حدَّثنا مُوسى احدثنا أَبُو عَوَانَةَ عنْ حُصَيْنٍ عنْ أبي وائلٍ قَالَ حَدثنِي مَسْرُوقُ بنُ الأجْدَعِ قَالَ حدثَتْني أُمُّ رُومانَ وهْيَ أُمُّ عائِشَةَ قالَتْ بَيْنا أَنا وعائِشَةُ أخَذَتْها الحُمَّى فَقَالَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَعَلَّ فِي حَدِيثٍ تُحُدِّثَ قَالَتْ نَعَمْ وقَعَدَتْ عائِشَةُ قالَتْ مَثَلِي ومَثَلُكمْ كَيَعْقُوبَ وَبَنِيهِ وَالله المُسْتَعانِ عَلَى مَا تَصِفُونَ.
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة ومُوسَى هُوَ ابْن إِسْمَاعِيل الْمنْقري التَّبُوذَكِي، وَأَبُو عوَانَة الوضاح الْيَشْكُرِي، وحصين، بِضَم الْحَاء وَفتح الصَّاد الْمُهْمَلَتَيْنِ: ابْن عبد الرَّحْمَن السّلمِيّ، وَأَبُو وَائِل شَقِيق بن سَلمَة. والْحَدِيث مضى بأتم مِنْهُ فِي بَاب الْإِفْك، وَمضى الْكَلَام فِيهِ.
قَوْله: (حَدَّثتنِي أم رُومَان) وَهَذَا صَرِيح فِي سَماع مَسْرُوق عَنْهَا وَالْأَكْثَرُونَ على خِلَافه. قَوْله: (لَعَلَّ فِي حَدِيث) أَي: لَعَلَّ الَّذِي حصل لعَائِشَة من أجل حَدِيث تحدث بِهِ فِي حَقّهَا.