عمدة القاري شرح
صحيح البخاري 4
- (بابُ قَوْلِهِ: {ورَاوَدَتْهُ الَّتِي هُوَ بَيْتِها
عنْ نَفْسِهِ وغَلَّقَتِ الأبْوَابَ وقالَتْ هَيْتَ لَكَ}
(يُوسُف: 22) 2.
أَي: هَذَا بَاب فِي قَوْله عز وَجل: (وراودته) الْآيَة،
وَلَيْسَ فِي بعض النّسخ لفظ: بَاب قَوْله: (وراودته) أَي:
راودت امْرَأَة الْعَزِيز زليخا يُوسُف، يَعْنِي: طلبت
مِنْهُ أَن يواقعها قَوْله: (الْأَبْوَاب) ، وَكَانُوا
سَبْعَة، والآن يَأْتِي الْكَلَام فِي لفظ هيت لَك.
وَقَالَ عِكْرِمَةُ هَيْتَ لَكَ بالحَوْرَانِيَّةِ
هَلُمَّ. وَقَالَ ابنُ جُبَيْرٍ تَعالَهْ
أَي: قَالَ عِكْرِمَة مولى ابْن عَبَّاس: معنى (هيت لَك)
باللغة الحورانية: هَلُمَّ. وَهُوَ بِفَتْح الْحَاء
الْمُهْملَة وَسُكُون الْوَاو وبالراء وَكسر النُّون
وَتَشْديد الْيَاء آخر الْحُرُوف. وَقَالَ الْكرْمَانِي:
هُوَ بلد بِالشَّام، وَقَالَ الْبكْرِيّ: حوران على وزن
فعلان: أَرض بِالشَّام، وَقَالَ الرشاطي: حوران جبل
بِالشَّام، وَقَالَ ابْن الْأَنْبَارِي: هِيَ مَدِينَة
حوران، وَقَالَ عَليّ بن حَرْب: هِيَ مَدِينَة بصرى.
وَقَالَ أَبُو مُحَمَّد: حوران من أَعمال دمشق ومدينتها
بصرى. وَتَعْلِيق عِكْرِمَة أخرجه عبد بن حميد عَن أبي
معمر عَن سُفْيَان عَن ابْن أبي عرُوبَة عَنهُ، وَمعنى:
(هَلُمَّ) أقبل وادن. وَقَالَ الْكسَائي: هَذِه لُغَة أهل
حوران وَقعت إِلَى الْحجاز وَمَعْنَاهَا: تعال وَقَالَ
الْحسن: هِيَ لُغَة سريانية، وَقَالَ مُجَاهِد: هِيَ لُغَة
عَرَبِيَّة تَدعُوهُ إِلَى نَفسهَا. وَهِي كلمة حث وإقبال
على الشَّيْء. وَأَصلهَا من الجلبة والصياح، تَقول
الْعَرَب: هيت لفُلَان إِذا دَعَاهُ وَصَاح بِهِ. وَقيل:
تَقول: هَل لَك رَغْبَة فِي حسني وجمالي؟ قَالَ أَبُو
عُبَيْدَة: الْعَرَب لَا تثني هيت وَلَا تجمع وَلَا تؤنث
وَإِنَّهَا بِصُورَة وَاحِدَة فِي كل حَال، وَإِنَّمَا
تتَمَيَّز بِمَا قبلهَا وَبِمَا بعْدهَا.
وَاخْتلف الْقُرَّاء فِيهَا فَقَرَأَ ابْن عَبَّاس، رَضِي
الله تَعَالَى عَنهُ، بِكَسْر الْهَاء وَضم التَّاء مهموزا
يَعْنِي: تهيأت لَك، وَبِه قَرَأَ السّلمِيّ وَأَبُو
وَائِل وَقَتَادَة، وَقَرَأَ نصر بن عَاصِم وَيحيى بن
عَامر وَعبد الله بن أبي إِسْحَاق بِفَتْح الْهَاء وَكسر
التَّاء، وَقَرَأَ يحيى بن وثاب بِكَسْر الْهَاء وَضم
التَّاء، وَفِي (تَفْسِير ابْن مردوية) : وَبِه قَرَأَ
ابْن مَسْعُود وَقَرَأَ ابْن كثير بِفَتْح الْهَاء وَضم
التَّاء، وَقَالَ النّحاس: بِفَتْح التَّاء وَالْهَاء هُوَ
الصَّحِيح فِي قِرَاءَة ابْن عَبَّاس وَابْن جُبَير
وَالْحسن وَمُجاهد وَعِكْرِمَة، وَبهَا قَرَأَ أَبُو
عَمْرو وَعَاصِم وَالْأَعْمَش وَحَمْزَة وَالْكسَائِيّ.
قَوْله: (وَقَالَ ابْن جُبَير) أَي: قَالَ سعيد بن جُبَير:
(18/305)
معنى هيت تعاله، وَهَذَا وَصله الطَّبَرِيّ
وَأَبُو الشَّيْخ من طَرِيقه. وَالْهَاء فِي تعاله، للسكت،
وَلَفظ: تعال أَمر.
4692 - حدَّثني أحْمَدُ بنُ سَعِيدٍ حَدثنَا بِشْرُ بنُ
عُمَرَ حَدثنَا شُعْبَةُ عنْ سُلَيْمَانَ عنْ أبي وائِلٍ
عنْ عبْدِ الله بنِ مَسْعُودٍ قَالَ هَيْتَ لَكَ قَالَ
وإنَّما نَقْرؤُها كَما عُلِّمْناها.
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. وَأحمد بن سعيد بن صَخْر
أَبُو جَعْفَر الدَّارمِيّ الْمروزِي، وَهُوَ شيخ مُسلم
أَيْضا، وَبشر بِكَسْر الْبَاء الْمُوَحدَة وَسُكُون الشين
الْمُعْجَمَة: الْأَزْدِيّ الْبَصْرِيّ، وَسليمَان هُوَ
الْأَعْمَش، وَأَبُو وَائِل شَقِيق بن سَلمَة.
والْحَدِيث أخرجه أَبُو دَاوُد أَيْضا فِي الْحُرُوف عَن
هناد عَن أبي مُعَاوِيَة وَعَن أبي معمر عَن عبد الْوَارِث
عَن شَيبَان وَهَذَا مَوْقُوف، وَلَكِن قَوْله (وَإِنَّمَا
نقرؤها كلما علمناها) يدل على أَنه مَرْفُوع، وَقَالَ
النّحاس: وَبَعْضهمْ يَقُول: عَن عبد الله عَن النَّبِي
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وعلمناها على صِيغَة
الْمَجْهُول، وَقَالَ ابْن الْجَوْزِيّ: قَرَأَ
الْأَكْثَرُونَ كَمَا قَرَأَ عبد الله يَعْنِي بِفَتْح
الْهَاء وَالتَّاء.
مَثْوَاهُ مُقامُهُ
أَشَارَ بِهِ إِلَى قَوْله تَعَالَى {الَّذِي اشْتَرَاهُ
من مصر لامْرَأَته كرمي مثواه} (يُوسُف: 25) الْآيَة
وَثَبت هَذَا لأبي ذَر وَحده، وَاسم الَّذِي اشْترى يُوسُف
قطفير بِكَسْر الْقَاف، وَقيل: بِهَمْزَة بدل الْقَاف،
وَامْرَأَته هِيَ زليخا، وَقيل: راعيل، وَفسّر مثواه
بقوله: مقَامه وَقيل: منزله، وَقَالَ قَتَادَة وَابْن
جريج: مَنْزِلَته.
وألْفَيا وجَد أَلْفَوْا باءَهُمْ ألْفَيْنا
أَشَارَ بِهِ إِلَى قَوْله تَعَالَى: {واستبقا الْبَاب
وقدت قَمِيصه من دبر وألفيا سَيِّدهَا لَدَى الْبَاب}
(يُوسُف: 25) وَمعنى: ألفيا وجدا، وَكَذَا معنى ألفوا
وألفينا. قَوْله: (واستبقا الْبَاب) يَعْنِي: يُوسُف
وزليخا، يَعْنِي: تبادرا إِلَى الْبَاب، أما يُوسُف ففارا
من ركُوب الْفَاحِشَة، وَأما زليخا فطالبة ليوسف ليقضي
حَاجَتهَا، فَأَدْرَكته فتعلقت بِقَمِيصِهِ من خَلفه فقدت،
أَي: خرقت وَشقت من دبر يَعْنِي: من خلف لَا من قُدَّام،
فَلَمَّا خرجا (ألفيا سَيِّدهَا) أَي: وجداز وَجها قطفير
عِنْد الْبَاب جَالِسا مَعَ ابْن عَم لَهُ، وَبَقِيَّة
الْقِصَّة مَشْهُورَة.
وعنِ ابنِ مَسْعُودٍ بَل عَجِبْتُ ويَسْخَرُونَ
هَذَا فِي سُورَة الصافات: وَهُوَ قَوْله {إِنَّا خلقناهم
من طين لازب بل عجبت ويسخرون} (الصافات: 11 12) وَلَا
مُنَاسبَة لذكره هَهُنَا، وَأجَاب الْكرْمَانِي بقوله:
إِنَّه لبَيَان أَن ابْن مَسْعُود كَمَا يقْرَأ هيت مضموم
وَالتَّاء يقْرَأ قَوْله: (عجبت) . بِضَم التَّاء قَوْله:
(وَعَن ابْن مَسْعُود) مَعْطُوف على الاسناد الَّذِي قبله،
وَوَصله الْحَاكِم فِي (الْمُسْتَدْرك) من طَرِيق جرير عَن
الْأَعْمَش بِهَذَا قَوْله: (بل عجبت) فِيهِ قراءتان:
(إِحْدَاهمَا) عَن حَمْزَة وَالْكسَائِيّ وَخلف بِضَم
التَّاء (وَالْأُخْرَى) عَن البَاقِينَ بِفَتْح التَّاء،
فَالْمَعْنى على الأولى: بلغ من أعظم آياتي وَكَثْرَة
خلائقي أَنِّي عجبت مِنْهَا، فَكيف بعبادي هَؤُلَاءِ
بجهلهم وعنادهم يشخرون من آياتي؟ وَقيل: عجبت من أَن
ينكروا الْبَعْث مِمَّن هَذِه أَفعاله وهم يسخرون مِمَّن
يصف الله بِالْقُدْرَةِ عَلَيْهِ. قيل: الْعجب من الله
تَعَالَى محَال لِأَنَّهُ روعة تعتري الْإِنْسَان عِنْد
استعظام الشَّيْء. وَأجِيب: بِأَن مُجَرّد الْعجب لِمَعْنى
الاستعظام، وَقيل: يتخيل الْعجب ويفرض. وَالْمعْنَى على
الثَّانِيَة: أَنه خطاب للنَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم،
وَمَعْنَاهُ: يَا مُحَمَّد بل عجبت من تكذيبهم إياك وهم
يسخرون من تعجبك.
3693 - حدَّثنا الحُمَيْدِيُّ حَدثنَا سُفْيانُ عنِ
الأعْمَشِ عنْ مُسْلِمٍ عنْ مَسْرُوقٍ عنْ عبْدِ الله
رَضِي الله عَنهُ أنَّ قُرَيْشا لمَّا أبْطَؤُا عنِ
النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بالإسْلاَمِ قَالَ
اللَّهُمَّ اكْفِنِيهِمْ بِسَبْعٍ كَسَبْعِ يُوسُفَ
فأصابَتْهُمْ سَنَةٌ حَصَّتْ كلَّ شَيْء حَتَّى أَكَلُوا
العِظَامِ حتَّى جَعَلَ الرَّجُلُ يَنْظُرُ إِلَى
السَّمَاءِ فَيَرَى بَيْنَهُ وبَيْنَا مِثْلَ الدُّخَانِ
قَالَ الله فارْتَقِبْ يَوْم تأتِي السَّماءُ بِدُخَانٍ
مُبِينٍ قَالَ الله إنَّا كاشِفُوا العَذَابِ قلِيلاً
إنَّكُمْ عائِدُونَ أَفَيُكْشَفُ عَنْهُمْ العَذَابُ
يَوْمَ القِيَامَةِ وقَدْ مَضى الدُّخانُ ومَضَتِ
البَطْشَةُ.
(18/306)
مطابقته للتَّرْجَمَة من حَيْثُ إِن فِي
نفس الحَدِيث: فَأَتَاهُ أَبُو سُفْيَان فَقَالَ: يَا
مُحَمَّد إِنَّك تَأمر بِطَاعَة الله وَبِصِلَة الرَّحِم
وَإِن قَوْمك قد هَلَكُوا فَادع الله لَهُم الحَدِيث، وَقد
مضى فِي كتاب الاسْتِسْقَاء فِي بَاب دُعَاء النَّبِي صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم اجْعَلْهَا سِنِين كَسِنِي يُوسُف
فَدَعَا لَهُم بكشف الْعَذَاب فَفِيهِ أَنه عَفا عَن قومه
كَمَا أَن يُوسُف، عَلَيْهِ السَّلَام، عَفا عَن زليخا.
والْحميدِي عبد الله، وسُفْيَان بن عُيَيْنَة،
وَالْأَعْمَش سُلَيْمَان، وَمُسلم بن صبيح بِضَم الصَّاد
الْمُهْملَة وَفتح الْبَاء الْمُوَحدَة وكنيته أَبُو
الضُّحَى.
قَوْله: (سُفْيَان عَن الْأَعْمَش) وَفِي مُسْند
الْحميدِي: عَن سُفْيَان أَخْبرنِي الْأَعْمَش، أَو أخْبرت
عَنهُ، كَذَا بِالشَّكِّ، وَكَذَا فِي رِوَايَة أبي نعيم
فِي (الْمُسْتَخْرج) من طَرِيقه، وَفِي رِوَايَة
الْإِسْمَاعِيلِيّ عَن سُفْيَان، قَالَ: سَمِعت من
الْأَعْمَش أَو أخْبرت عَنهُ (فَإِن قلت) هَذَا الشَّك أما
يقْدَح فِي صِحَة الحَدِيث؟ (قلت) لِأَنَّهُ مضى فِي
الاسْتِسْقَاء من طَرِيق أُخْرَى عَن الْأَعْمَش من غير
رِوَايَة ابْن عُيَيْنَة فَتكون هَذِه مَعْدُودَة فِي
المتابعات قَوْله: (حصت) بالمهملتين أَي: أذهبت يُقَال سنة
حصاء أَي: جرداء لَا خير فِيهَا، (وَالْبَطْشَة) يَوْم
بدر. وَقد استقصينا الْكَلَام فِيهِ كتاب الاسْتِسْقَاء.
5
- (بابُ قَوْلِهِ: {فَلمَّا جاءَهُ الرَّسُولُ قَالَ
ارْجِعْ إِلَى رَبِّكَ فاسْألْهُ مَا بالُ النِّسْوَةِ
الَّلاتِي قَطَّعْنَ أيْدِيَهُنَّ إنَّ بِكَيْدِهِنَّ
عَلِيمٌ قَالَ مَا خطْبُكُنَّ إذْ رَاوَدْتُنَّ يُوسُفَ
عنْ نَفْسِهِ قُلْنَ حاشَ لِلّهِ} (يُوسُف: 50 51)
(
أَي: هَذَا بَاب فِي قَوْله تَعَالَى: {فَلَمَّا جَاءَ
الرَّسُول} إِلَى آخِره، وَلَيْسَ فِي بعض النّسخ لفظ:
بَاب، والترجمة بِطُولِهَا عِنْد غير أبي ذَر وَعِنْده
إِلَى قَوْله: (رَبك) . قَوْله: (فَلَمَّا جَاءَهُ
الرَّسُول) أَي: فَلَمَّا جَاءَ يُوسُف رَسُول الْملك،
وَقَالَ: أجب الْملك فَأبى أَن يخرج مَعَه حَتَّى يظْهر
عذره وبراءته عِنْد الْملك وَيعرف صِحَة أمره من قبل
النسْوَة اللَّاتِي قطعن أَيْدِيهنَّ، وقصته مَشْهُورَة
قَوْله: (إِن رَبِّي بكيدهن عليم) أَي: إِن الله تَعَالَى
عَالم بكيد النِّسَاء، وَقيل: إِن سَيِّدي الْملك قطفير
عَالم بِمَا فتنتني بِهِ الْمَرْأَة. قَوْله: (مَا خطبكن)
فِيهِ حذف تَقْدِيره، فَرجع الرَّسُول إِلَى الْملك من
عِنْد يُوسُف برسالته فَدَعَا الْملك النسْوَة اللَّاتِي
قطعن أَيْدِيهنَّ وَامْرَأَة الْعَزِيز، فَقَالَ لَهُنَّ:
(مَا خطبكن) أَي: مَا شأنكن وأمركن، (إذراودتن يُوسُف)
فأجبنه بقلن: (حاش لله) أَي: معَاذ الله (مَا علمنَا
عَلَيْهِ من سوء) أَي: من فَاحِشَة وَبَقِيَّة الْقِصَّة
مَشْهُورَة.
وحاشَ وحاشَى تَنْزِيهٌ واسْتِثْناءٌ
إعلم إِن: حاش على ثَلَاثَة أوجه (أَحدهَا) أَن تكون فعلا
مُتَعَدِّيا متصرفا، تَقول: حَاشِيَته بِمَعْنى استثنيته
(وَالثَّانِي) أَن تكون للتنزيه، نَحْو: حاش لله وَهِي
عِنْد الْمبرد وَابْن جنى والكوفيين فعل لتصرفهم فِيهَا
بالحذف. وَالصَّحِيح أَنَّهَا اسْم مرادف للتنزيه بِدَلِيل
قِرَاءَة بَعضهم: حاشا لله، بِالتَّنْوِينِ كَمَا يُقَال
بَرَاءَة لله من كَذَا وَزعم بَعضهم أَنَّهَا اسْم فعل
وَمَعْنَاهَا: أَتَبرأ أَو تبرأت. (الثَّالِث) أَن تكون
للاستثناء، فَذهب سِيبَوَيْهٍ وَأكْثر الْبَصرِيين إِلَى
أَنَّهَا حرف دَائِما بِمَنْزِلَة إِلَّا لَكِنَّهَا تجر
الْمُسْتَثْنى وَذهب الْجرْمِي والمازني والمبرد والزجاج
والأخفش وَأَبُو زيد وَالْفراء وَأَبُو عَمْرو
الشَّيْبَانِيّ إِلَى أَنَّهَا تسْتَعْمل كثيرا حرفا جارا،
وقليلاً فعلا مُتَعَدِّيا جَامِدا لتضمنها معنى إلاَّ
وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَة الشين فِي حاش فِي قَوْله حاش
لله، مَفْتُوحَة بِغَيْر يَاء، وَبَعْضهمْ يدخلهَا فِي
آخرهَا، كَقَوْل الشَّاعِر.
حاشى أبي ثَوْبَان إِن بِهِ ضمنا
وَمَعْنَاهَا التَّنْزِيه وَالِاسْتِثْنَاء عَن الشَّرّ
تَقول: حَاشِيَته أَي: استثنيته، وَقد قَرَأَ الْجُمْهُور
بِحَذْف الْألف بعد الشين، وَأَبُو عَمْرو بإثباتها فِي
الأَصْل، وَفِي حذف الْألف بعد الْحَاء لُغَة، وَقَرَأَ
بهَا الْأَعْمَش قَوْله: (تَنْزِيه) من نزه ينزه تَنْزِيها
بالزاي كَذَا هُوَ فِي وَرَايَة الْأَكْثَرين، وَفِي
رِوَايَة حَكَاهَا عِيَاض: تبرية من التبرى بِمَعْنى
الْبَرَاءَة بِالْبَاء الْمُوَحدَة وَالرَّاء الْمُهْملَة.
حَصْحَصَ وضَحَ
أَشَارَ بِهِ إِلَى قَوْله: {الْآن حصحص الْحق} (يُوسُف:
51) الْآيَة وفشر: حصحص، بقوله: وضح، وَقيل: ذهب الْبَاطِل
وَالْكذب فَانْقَطع وَتبين الْحق وَظهر، وَالْأَصْل فِيهِ:
حص. فَقيل: حصحص. كَمَا يُقَال فِي: كف كفكف، وَفِي رد ردد
وأصل الحص استئصال الشَّيْء، يُقَال: حص شعره إِذا استأصله
جزا.
5
- (بابُ قَوْلِهِ: {فَلمَّا جاءَهُ الرَّسُولُ قَالَ
ارْجِعْ إِلَى رَبِّكَ فاسْألْهُ مَا بالُ النِّسْوَةِ
الَّلاتِي قَطَّعْنَ أيْدِيَهُنَّ إنَّ بِكَيْدِهِنَّ
عَلِيمٌ قَالَ مَا خطْبُكُنَّ إذْ رَاوَدْتُنَّ يُوسُفَ
عنْ نَفْسِهِ قُلْنَ حاشَ لِلّهِ} (يُوسُف: 50 51)
(
أَي: هَذَا بَاب فِي قَوْله تَعَالَى: {فَلَمَّا جَاءَ
الرَّسُول} إِلَى آخِره، وَلَيْسَ فِي بعض النّسخ لفظ:
بَاب، والترجمة بِطُولِهَا عِنْد غير أبي ذَر وَعِنْده
إِلَى قَوْله: (رَبك) . قَوْله: (فَلَمَّا جَاءَهُ
الرَّسُول) أَي: فَلَمَّا جَاءَ يُوسُف رَسُول الْملك،
وَقَالَ: أجب الْملك فَأبى أَن يخرج مَعَه حَتَّى يظْهر
عذره وبراءته عِنْد الْملك وَيعرف صِحَة أمره من قبل
النسْوَة اللَّاتِي قطعن أَيْدِيهنَّ، وقصته مَشْهُورَة
قَوْله: (إِن رَبِّي بكيدهن عليم) أَي: إِن الله تَعَالَى
عَالم بكيد النِّسَاء، وَقيل: إِن سَيِّدي الْملك قطفير
عَالم بِمَا فتنتني بِهِ الْمَرْأَة. قَوْله: (مَا خطبكن)
فِيهِ حذف تَقْدِيره، فَرجع الرَّسُول إِلَى الْملك من
عِنْد يُوسُف برسالته فَدَعَا الْملك النسْوَة اللَّاتِي
قطعن أَيْدِيهنَّ وَامْرَأَة الْعَزِيز، فَقَالَ لَهُنَّ:
(مَا خطبكن) أَي: مَا شأنكن وأمركن، (إذراودتن يُوسُف)
فأجبنه بقلن: (حاش لله) أَي: معَاذ الله (مَا علمنَا
عَلَيْهِ من سوء) أَي: من فَاحِشَة وَبَقِيَّة الْقِصَّة
مَشْهُورَة.
وحاشَ وحاشَى تَنْزِيهٌ واسْتِثْناءٌ
إعلم إِن: حاش على ثَلَاثَة أوجه (أَحدهَا) أَن تكون فعلا
مُتَعَدِّيا متصرفا، تَقول: حَاشِيَته بِمَعْنى استثنيته
(وَالثَّانِي) أَن تكون للتنزيه، نَحْو: حاش لله وَهِي
عِنْد الْمبرد وَابْن جنى والكوفيين فعل لتصرفهم فِيهَا
بالحذف. وَالصَّحِيح أَنَّهَا اسْم مرادف للتنزيه بِدَلِيل
قِرَاءَة بَعضهم: حاشا لله، بِالتَّنْوِينِ كَمَا يُقَال
بَرَاءَة لله من كَذَا وَزعم بَعضهم أَنَّهَا اسْم فعل
وَمَعْنَاهَا: أَتَبرأ أَو تبرأت. (الثَّالِث) أَن تكون
للاستثناء، فَذهب سِيبَوَيْهٍ وَأكْثر الْبَصرِيين إِلَى
أَنَّهَا حرف دَائِما بِمَنْزِلَة إِلَّا لَكِنَّهَا تجر
الْمُسْتَثْنى وَذهب الْجرْمِي والمازني والمبرد والزجاج
والأخفش وَأَبُو زيد وَالْفراء وَأَبُو عَمْرو
الشَّيْبَانِيّ إِلَى أَنَّهَا تسْتَعْمل كثيرا حرفا جارا،
وقليلاً فعلا مُتَعَدِّيا جَامِدا لتضمنها معنى إلاَّ
وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَة الشين فِي حاش فِي قَوْله حاش
لله، مَفْتُوحَة بِغَيْر يَاء، وَبَعْضهمْ يدخلهَا فِي
آخرهَا، كَقَوْل الشَّاعِر.
حاشى أبي ثَوْبَان إِن بِهِ ضمنا
وَمَعْنَاهَا التَّنْزِيه وَالِاسْتِثْنَاء عَن الشَّرّ
تَقول: حَاشِيَته أَي: استثنيته، وَقد قَرَأَ الْجُمْهُور
بِحَذْف الْألف بعد الشين، وَأَبُو عَمْرو بإثباتها فِي
الأَصْل، وَفِي حذف الْألف بعد الْحَاء لُغَة، وَقَرَأَ
بهَا الْأَعْمَش قَوْله: (تَنْزِيه) من نزه ينزه تَنْزِيها
بالزاي كَذَا هُوَ فِي وَرَايَة الْأَكْثَرين، وَفِي
رِوَايَة حَكَاهَا عِيَاض: تبرية من التبرى بِمَعْنى
الْبَرَاءَة بِالْبَاء الْمُوَحدَة وَالرَّاء الْمُهْملَة.
حَصْحَصَ وضَحَ
أَشَارَ بِهِ إِلَى قَوْله: {الْآن حصحص الْحق} (يُوسُف:
51) الْآيَة وفشر: حصحص، بقوله: وضح، وَقيل: ذهب الْبَاطِل
وَالْكذب فَانْقَطع وَتبين الْحق وَظهر، وَالْأَصْل فِيهِ:
حص. فَقيل: حصحص. كَمَا يُقَال فِي: كف كفكف، وَفِي رد ردد
وأصل الحص استئصال الشَّيْء، يُقَال: حص شعره إِذا استأصله
جزا.
(18/307)
4694 - حدَّثنا سَعِيدُ بنُ تَلِيدٍ
حَدثنَا عبْدُ الرحْمانِ بنُ القاسِمِ عنْ بَكْرِ بنِ
مُضَرَ عنْ عمْرِو بنِ الحارِثِ عنْ يُونُسَ بنِ يَزِيدَ
عَن ابنِ شهابٍ عنْ سَعِيدِ بنِ المُسَيَّبِ وَأبي سلَمَةَ
بنِ عبْدِ الرحْمانِ عنْ أبي هُرَيْرَةَ رَضِي الله عَنهُ
قَالَ قَالَ رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَرْحَمُ
الله لُوطا لَقَدْ كانَ يأوي إِلَى رُكْنٍ شَديدٍ ولوْ
لَبِثْتُ فِي السِّجْنِ مَا لَبِثَ يُوسُفُ لأجَبْتُ
الدَّاعِي وَنحنُ أَحَقُّ مِنْ إبْراهِيمَ إذْ قَالَ لهُ
أوَلَمْ تُؤْمِنْ قَالَ بَلى ولاكِنْ لِيَطْمَئنَّ
قَلْبِي.
يُمكن أَن يَأْخُذ وَجه الْمُطَابقَة بَين التَّرْجَمَة
والْحَدِيث من قَوْله: (وَلَو لَبِثت فِي السجْن مَا لبث
يُوسُف لَأَجَبْت الدَّاعِي) على مَا لَا يخفي على المتأمل
الفطن.
وَسَعِيد بن تليد: بِفَتْح التار الْمُثَنَّاة من فَوق
وَكسر اللَّام وَسُكُون الْيَاء آخر الْحُرُوف وبالدال
الْمُهْملَة، وَهُوَ سعيد بن عِيسَى بن تليد الْمصْرِيّ.
مر فِي كتاب بَدْء الْخلق، وَعبد الرَّحْمَن بن الْقَاسِم
العتقي، بِضَم الْعين الْمُهْملَة وَفتح التَّاء
الْمُثَنَّاة من فَوق وَبعدهَا قَاف الْمصْرِيّ الْفَقِيه
صَاحب الإِمَام مَالك وراوي الْمُدَوَّنَة من علمه،
وَلَيْسَ لَهُ فِي البُخَارِيّ إلاَّ هَذَا الْموضع.
وَهَذَا الْإِسْنَاد من أَوله إِلَى قَوْله: عَن ابْن
شهَاب، مصريون، وَمن ابْن شهَاب إِلَى آخِره مدنيون،
وَفِيه رِوَايَة الأقران لِأَن عَمْرو بن الْحَارِث
الْمصْرِيّ الْفَقِيه الْمَشْهُور من أَقْرَان يُونُس بن
يزِيد.
قَوْله: (يرحم الله لوطا لقد كَانَ يأوي إِلَى ركن شَدِيد)
قد مر فِي بَاب {ولوطاً إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ}
(الْأَعْرَاف: 80) فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ عَن أبي
الْيَمَان عَن شُعَيْب عَن أبي الزِّنَاد عَن الْأَعْرَج.
والْحَدِيث من قَوْله: (وَلَو ثَبت فِي السجْن مَا لبث
يُوسُف لَأَجَبْت الدَّاعِي) قد مر فِي: بَاب قَول الله
تَعَالَى: {لقد كَانَ فِي يُوسُف وَإِخْوَته آيَات
للسائلين} (يُوسُف: 7) فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ عَن عبد
الله بن مُحَمَّد بن أَسمَاء إِلَى آخِره وَقَوله: (وَنحن
أَحَق من إِبْرَاهِيم) إِلَى آخِره قد مر فِي سُورَة
الْبَقَرَة فِي بَاب {إِذْ قَالَ إِبْرَاهِيم رب أَرِنِي
كَيفَ تحي الْمَوْتَى} (الْبَقَرَة: 260) فَإِنَّهُ أخرجه
هُنَاكَ عَن أَحْمد بن صَالح، وَقد مر الْكَلَام فِي الْكل
مستقصىً.
6
- (بابُ قَوْلِهِ: {حتَّى إذَا اسْتَيْأسَ الرُّسُلُ}
(يُوسُف: 110) 2.
أَي: هَذَا بَاب فِي قَوْله: {حَتَّى إِذا استيأس
الرسلوظنوا أَنهم قد كذبُوا} (يُوسُف: 110) الْآيَة،
وَلَيْسَ فِي بعض النّسخ لفظ: بَاب، واستيأس على وزن
استفعل من الْيَأْس وَهُوَ ضد الرَّجَاء، وَمَعْنَاهُ:
حَتَّى إِذا استيأس الرُّسُل من إِيمَان قَومهمْ وَظن
قَومهمْ أَن الرُّسُل قد كذبتهم رسلهم فِي وعد الْعَذَاب،
وَقيل: حَتَّى إِذا استيأس الرُّسُل من قَومهمْ أَن
يصدقوهم وَظن الْمُرْسل إِلَيْهِم أَن الرُّسُل كذبوهم.
وَقَالَ عَطاء وَالْحسن وَقَتَادَة: ظنُّوا أيقنوا أَن
قَومهمْ قد كذبوهم. وَمعنى التَّخْفِيف: ظن الْأُمَم أَن
الرُّسُل كذبوهم فِيمَا أخبروهم بِهِ من نصر الله إيَّاهُم
بإهلاك أعدائهم وَقَرَأَ مُجَاهِد كذبُوا بِفَتْح الْكَاف
وَتَخْفِيف الذَّال وكسره، وَقَالَ ابْن عَرَفَة الْكَذِب
الِانْصِرَاف عَن الْحق. فَالْمَعْنى: كذبُوا تَكْذِيبًا
لَا تَصْدِيق بعده.
4695 - حدَّثنا عَبْدُ العَزِيزِ بنُ عبْدِ الله حَدثنَا
إبْرَاهِيمُ بنُ سَعْدٍ عنْ صالِحٍ عَن ابنِ شِهابٍ قَالَ
أَخْبرنِي عُرْوَةُ بنُ الزُّبَيْرِ عنْ عائِشَةَ رَضِي
الله عَنْهَا قالَتْ لهُ وهْوَ يَسْألُها عَن قَوْلِ الله
تَعَالَى حتَّى إذَا اسْتَيْأسَ الرُّسُلُ قَالَ قُلْتُ
أكُذِبُوا أمْ كُذِّبُوا قالَتْ عائِشَةُ كُذِّبُوا قُلْتُ
فَقَدِ اسْتَيْقَنُوا أنَّ قَوْمَهُمْ كَذَّبُوهُمْ فَما
هُوَ بالظَنِّ قالَتْ أجَلْ لَعَمْرِي لَقَدِ
اسْتَيْقَنُوا بِذَلِكَ فَقُلْتُ لَهَا وظنُّوا أنَّهُمْ
قَدْ كُذِبُوا قالَتْ معَاذَ الله لمْ تَكُنِ الرُّسُلُ
تَظُنُّ ذالِكَ بِرَبِّها قُلْتُ فَما هاذِهِ الآيَةُ
قالَتْ هُمْ أتْباعُ الرُّسُلِ الَّذِينَ آمَنُوا
بِرَبِّهِمْ وَصَدَّقُوهُمْ فَطال عَلَيْهِمُ البَلاَءُ
واسْتأْخَرَ عَنْهُمُ النَّصْرُ حَتَّى إذَا اسْتَيْأسَ
الرُّسُلُ مِمَّنْ كَذَبَهُمْ مِنْ قَوْمِهِمْ وظَنَتِ
الرُّسُلُ أنَّ أتْباعَهُمْ قَدْ كَذَّبُوهُمْ جاءَهُمْ
نَصْرُ الله.
(18/308)
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة وَصَالح
هُوَ ابْن كيسَان: والْحَدِيث قد مر فِي قصَّة يُوسُف فِي
آخر: بَاب قَوْله تَعَالَى {لقد كَانَ فِي يُوسُف
وَإِخْوَته آيَات للسائلين} (يُوسُف: 7) وَمر الْكَلَام
فِيهِ قَوْله: (وَهُوَ يسْأَلهَا) الْوَاو وَفِيه للْحَال
أَي: وَعُرْوَة يسْأَل عَائِشَة. قَوْله: (أكذبوا أَو
كذبُوا) يَعْنِي: مثقلة أم مُخَفّفَة، قَوْله: (قَالَت
عَائِشَة كذبُوا) يَعْنِي بالتثقيل. قَوْله: (ذَلِك) أَي
الْكَذِب فِي حق الله تَعَالَى. قَوْله: (أَتبَاع
الرُّسُل) وهم الْمُؤْمِنُونَ. فالمظنون تَكْذِيب
الْمُؤمنِينَ لَهُم والمتيقن تَكْذِيب الْكفَّار. قَوْله:
(معَاذ الله) تعوذت من ظن الرُّسُل أَنهم مكذبون من عِنْد
الله، بل ظنهم ذَلِك من قبل المصدقين لَهُم الْمُؤمنِينَ
بهم.
4696 - حدَّثنا أبُو اليَمانِ أخْبرنا شُعَيْبٌ عنِ
الزُّهْرِيِّ قَالَ أخْبرني عرْوَةُ فَقُلْتُ لعَلَّها
كُذِبُوا مُخَفَّفَةً قالَتْ مَعاذَ الله
هَذَا طَرِيق آخر فِي الحَدِيث أخرجه عَن أبي الْيَمَان
الحكم بن نَافِع عَن شُعَيْب بن أبي حَمْزَة عَن مُحَمَّد
بن مُسلم الزُّهْرِيّ أوردهُ مُخْتَصرا وَقد سافه أَبُو
نعيم فِي (مستخرجه) بِتَمَامِهِ، وَلَفظه: عَن عُرْوَة
أَنه سُأل عَائِشَة فَذكر نَحْو حَدِيث صَالح بن كيسَان.
13 - (سورَةُ الرَّعْدِ)
أَي: هَذَا فِي بَيَان تَفْسِير بعض سُورَة الرَّعْد، قيل:
إِنَّهَا مَكِّيَّة وَقيل الْمَدِينَة، وَقيل: فِيهَا مكي
ومدني، وَهِي ثَلَاثَة آلَاف وَخَمْسمِائة وَسِتَّة أحرف،
وَثَمَانمِائَة وَخمْس وَخَمْسُونَ كلمة، وَثَلَاث
وَأَرْبَعُونَ آيَة.
بِسْمِ الله الرَّحْمانِ الرحِيمِ
لم تثبت الْبَسْمَلَة إلاّ فِي رِوَايَة أبي ذَر وَحده.
وَقَالَ ابنُ عَبَّاسٍ: {كَباسِطِ كَفّيْهِ مَثَلُ
المُشْرِكِ الَّذِي عَبَدَ مَعَ الله إِلَهًا غَيْرَهُ
كَمَثَلَ العَطْشَانِ الَّذِي يَنْظُرُ إِلَى خيَالِهِ فِي
الماءِ مِنْ بَعِيد وهْوَ يُرِيدُ أنْ يَتَنَاوَلهُ ولاَ
يَقْدِرُ} (الرَّعْد: 14) .
أَشَارَ بِهِ إِلَى قَوْله تَعَالَى: {وَالَّذين يدعونَ من
دونه لَا يستجيبون لَهُم بِشَيْء إلاَّ كباسد كفيه إِلَى
المَاء ليبلغ فَاه} الْآيَة قَوْله: (وَالَّذين) أَي:
الْمُشْركُونَ الَّذين يدعونَ الْأَصْنَام من دون الله
يُرِيدُونَ مِنْهَا دفعا أَو رفعا لَا يستجيبون لَهُم
بِشَيْء مِمَّن ذَلِك. قَوْله: (كباسط كفيه) أَي: إلاَّ
كباسط كفيه، وَقَالَ ابْن عَبَّاس: فِيهِ مثل الْمُشرك
الَّذِي عَبده مَعَ الله إِلَهًا آخر إِلَى آخِره، وَوَصله
أَبُو مُحَمَّد عَن أَبِيه: حَدثنَا أَبُو صَالح حَدثنَا
مُعَاوِيَة عَن عَليّ عَن ابْن عَبَّاس. قَوْله: (وَلَا
يقدر) بالراء فِي رِوَايَة أَلا كثرين، وَرُوِيَ: فَلَا
يقدم، بِالْمِيم وَهُوَ تَصْحِيف، وَإِن كَانَ لَهُ وَجه
من حَيْثُ الْمَعْنى.
وَقَالَ غيْرُهُ سَخَّرَ ذَلَّلَ
أَشَارَ بِهِ إِلَى قَوْله تَعَالَى: {وسخر الشَّمْس
وَالْقَمَر كل يجْرِي لأجل مُسَمّى} (الرَّعْد: 2)
وَفَسرهُ بقوله: (ذلل) يَعْنِي: ذللهما لمنافع الْخلق
ومصالح الْعباد كل يجْرِي أَي: كل وَاحِد إِلَى وَقت
مَعْلُوم، وَهُوَ فنَاء الدُّنْيَا وَقيام السَّاعَة.
مُتَجاورَاتٌ مُتَدَانِياتٌ
أَشَارَ بِهِ إِلَى قَوْله تَعَالَى: {وَفِي الأَرْض قطع
متجاورات} (الرَّعْد: 4) وَفسّر متجاورات بقوله: متدانيات،
وَقيل: متقاربات يقرب بَعْضهَا من بعض بالجوار وَيخْتَلف
بالتفاضل. فَمِنْهَا عذبة وَمِنْهَا مالحة وَمِنْهَا طيبَة
تنْبت مِنْهَا سبخَة لَا تنْبت.
وَقَالَ مُجَاهِدٌ مُتَجَاوِرَاتٌ طَيِّبُها عَذْبُها
وخَبِيثُها السَّباخُ
رُوِيَ هَذَا التَّعْلِيق أَبُو بكر بن الْمُنْذر عَن
مُوسَى عَن أبي بكر عَن شَبابَة عَن وَرْقَاء عَن ابْن أبي
نجيح عَن مُجَاهِد.
(18/309)
المُثَلاتُ واحِدُها مَثُلَةٌ وهْيَ
الأشْبَاهُ والأمْثَالُ
أَشَارَ بِهِ إِلَى قَوْله تَعَالَى: {وَقد خلت من قبلهم
المثلات} (الرَّعْد: 6) أَي: وَقد مَضَت من قبلهم من
الْأُمَم الَّتِي عَصَتْ رَبهَا، وكذبت رسلها بالعقوبات،
والمثلات وَاحِدهَا مثلَة، بِفَتْح الْمِيم وَضم الثَّاء
مثل صَدَقَة وصدقات، وَفسّر المثلات بقوله: (وَهِي
الْأَشْبَاه والأمثال) وَرُوِيَ الطَّبَرِيّ من طَرِيق
ابْن أبي نجيح عَن مُجَاهِد فِي قَوْله: (المثلات) قَالَ:
الْأَمْثَال: وَمن طَرِيق معمر عَن قَتَادَة قَالَ:
المثلات الْعُقُوبَات، وَمن طَرِيق زيد بن أسلم قَالَ:
المثلات مَا مثل الله بِهِ من الْأُمَم من الْعَذَاب،
وَسكن يحيى بن وثاب الثَّاء فِي قِرَاءَته وَضم الْمِيم،
وَقَرَأَ طَلْحَة بن مصرف بِفَتْح الْمِيم وَسُكُون
الثَّاء، وَقَرَأَ الْأَعْمَش بفتحهما وَفِي رِوَايَة عَن
أبي بكر ابْن عَيَّاش ضمهما، وَبِه قَرَأَ عِيسَى بن عمر.
بمِقْدَارٍ بِقَدَرٍ
أَشَارَ بِهِ إِلَى قَوْله تَعَالَى: {وكل شَيْء عِنْده
بِمِقْدَار} (الرَّعْد: 8) وَفَسرهُ بقوله: (بِقدر)
والمقدار على وزن: مفعال مَعْنَاهُ: بِحَدّ لَا يُجَاوِزهُ
وَلَا ينقص عَنهُ، وَعَن ابْن عَبَّاس: مِقْدَار كل شَيْء
مِمَّا يكون قبل أَن يكون وَكلما هُوَ كَائِن إِلَى يَوْم
الْقِيَامَة.
مُعَقِّباتٌ مَلاَئِكَةٌ حَفَظَةٌ تُعَقِّبُ الأُولى
مِنْها الأُخْرَى ومِنْهُ قِيلَ العَقِيبُ يُقالُ
عَقَّبْتُ فِي إثْرِهِ
أَشَارَ بِهِ إِلَى قَوْله تَعَالَى: {لَهُ مُعَقِّبَات من
بَين يَدَيْهِ وَمن خَلفه يَحْفَظُونَهُ من أَمر الله}
(الرَّعْد: 11) وَفِي رِوَايَة أبي ذَر، يُقَال:
مُعَقِّبَات فَسرهَا بقوله: مَلَائِكَة حفظَة يتعاقبون
بِاللَّيْلِ وَالنَّهَار، فَإِذا صعدت مَلَائِكَة
النَّهَار عقبتها مَلَائِكَة اللَّيْل، والتعقيب الْعود
بِعْ البدء قَوْله: (لَهُ المعقبات) أَي: لله تَعَالَى
مُعَقِّبَات، وَعَن ابْن عَبَّاس: لَهُ مُعَقِّبَات
يَعْنِي لمُحَمد من الرَّحْمَن حرس من بَين يَدَيْهِ وَمن
خَلفه يَحْفَظُونَهُ. يَعْنِي: من شَرّ الْإِنْس وَالْجِنّ
وَمن شَرّ طوارق اللَّيْل وَالنَّهَار، وَقيل الضَّمِير
فِي لَهُ، يرجع إِلَى الْإِنْسَان، والمعقبات جمع معقبة،
والمعقبة جمع معقب، فالمعقبات جمع الْجمع كَمَا قيل:
ابناوات سعد ورجالات بكر، قَالَه الثَّعْلَبِيّ، وَقيل:
المعقبات الخدم والحرس حول السُّلْطَان، وَقيل: مَا يتعقب
من أوَامِر الله وقضاياه. قَوْله: (يَحْفَظُونَهُ) أَي:
يحفظون المستخفي بِاللَّيْلِ والسارب بِالنَّهَارِ قَوْله:
(من أَمر الله) أَي: يَحْفَظُونَهُ بِأَمْر الله من أَمر
الله فَإِذا جَاءَ الْقدر خلوا عَنهُ وَعَن ابْن عَبَّاس
يَحْفَظُونَهُ من أَمر الله مَا لم يَجِيء الْقدر قَوْله:
(وَمِنْه) قيل: العقيب، أَي، وَمن أصل مُعَقِّبَات يُقَال:
العقيب، وَهُوَ الَّذِي يَأْتِي فِي عقب الشَّيْء، وَفِي
بعض النّسخ، وَمِنْه الْعقب، بِلَا يَاء بِمَعْنَاهُ، وعقب
الرجل نَسْله. قَوْله: (يُقَال: عقب فِي إثره) بتَشْديد
الْقَاف فِي ضبط الدمياطي بِخَطِّهِ، وَقَالَ ابْن
التِّين: هُوَ بِفَتْح الْقَاف وتخفيفها، قَالَ: وَضَبطه
بَعضهم بتشديدها، وَفِي بعض النّسخ بِكَسْرِهَا، وَلَا
وَجه لَهُ إلاَّ أَن يكون لُغَة.
المِحالُ العُقُوبَةُ
أَشَارَ بِهِ إِلَى قَوْله تَعَالَى: {وهم يجادلون فِي
الله وَهُوَ شَدِيد الْمحَال} (الرَّعْد: 13) وَفَسرهُ
بقوله: الْعقُوبَة، وَعَن عَليّ، رَضِي الله تَعَالَى
عَنهُ: شَدِيد الْأَخْذ، وَعَن مُجَاهِد، شَدِيد
الْقُوَّة، وَعَن الْحسن: شَدِيد المماحلة والمماكرة
والمغالبة، وَعَن مُجَاهِد فِي رِوَايَة: شَدِيد انتقام.
كبَاسطِ كَفَّيْهِ إِلَى الماءِ ليَقْبِضَ عَلَى المَاء
أَشَارَ بِهِ إِلَى قَوْله تَعَالَى: {لَا يستجيبون لَهُم
بِشَيْء إِلَّا كباسط كفيه إِلَى المَاء ليبلغ فَاه وَمَا
هُوَ بالغه} (الرَّعْد: 14) قَوْله: (لَا يستجيبون) ،
يَعْنِي: الَّذين يشركُونَ وَيدعونَ الْأَصْنَام من دون
الله لَا يستجيبون لَهُم بِشَيْء إلاَّ كباسط كفيه أَي:
إلاَّ كَمَا ينفع باسط كفيه إِلَى المَاء من الْعَطش
ليقبضه حَتَّى يُؤَدِّيه إِلَى فَمه فَلَا يتم لَهُ ذَلِك
وَلَا يجمعه، وَعَن عَليّ، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ،
يَعْنِي: كَالرّجلِ العطشان الْجَالِس على شَفير المَاء
ويمد يَدَيْهِ إِلَى الْبِئْر فَلَا يبلغ قعرها فَلَا يبلغ
إِلَى المَاء وَالْمَاء لَا ينزو وَلَا يرْتَفع إِلَى
يَده، كَذَلِك لَا يَنْفَعهُمْ مَا كَانُوا يدعونَ من دون
الله عز وَجل. وَالْعرب تضرب لمن سعى فِيمَا لَا يُدْرِكهُ
طلب مَا لَا يجده مثلا بالقابض على المَاء، لِأَن
الْقَابِض على المَاء لَا يحصل شَيْء فِي يَده.
رَابِيا مِنْ رَبا يَرْبُو
أَشَارَ بِهِ إِلَى قَوْله عز وَجل: {أنزل من السَّمَاء
مَاء فسالت أَوديَة بِقَدرِهَا فَاحْتمل السَّيْل زبدا
رابيا} (الرَّعْد: 17) وَأَشَارَ بقوله: (رابيا) إِلَى أَن
(18/310)
اشتقاق رابيا: من رَبًّا يَرْبُو من بَاب
فعل يفعل أَي: انتفخ. قَالَه أَبُو عُبَيْدَة، وَفِي
التَّفْسِير: رابيا عَالِيا مرتفعا فَوق المَاء.
أوْ مَتاعٍ زَبَدٌ والمَتاعُ مَا تَمَتَّعْتَ بِهِ
أَشَارَ بِهِ إِلَى قَوْله تَعَالَى: {وَمِمَّا توقدون
عَلَيْهِ فِي النَّار ابْتِغَاء حلية أَو مَتَاع زبد مثله}
(الرَّعْد: 17) وَفسّر بقوله: (وَالْمَتَاع مَا تمتعت
بِهِ) قَوْله: (ابْتِغَاء حلية) أَي: لأجل ابْتِغَاء أَي
طلب حلية، أَي: زِينَة أَو مَتَاع، وأردبه جَوَاهِر
الأَرْض من الذَّهَب وَالْفِضَّة وَالْحَدِيد والصفر
والنحاس والرصاص يذاب فتتخذ مِنْهُ الْأَشْيَاء مِمَّا
ينْتَفع بِهِ من الْحلِيّ والأواني وَغَيرهمَا. قَوْله:
(زبد مثله) أَي: لَهُ زبد إِذا أذيب مثل الْحق والزبد
الَّذِي لَا يبْقى وَلَا ينْتَفع بِهِ مثل الْبَاطِل.
جُفاءً أجْفأتِ القِدْرُ إذَا غَلَتْ فَعَلاَها الزَّبَدُ
ثُمَّ تَسْكُنْ فَيَذْهَبُ الزَّبَدُ بِلاَ مَنْفَعَةٍ
فَكَذَلِكَ يُمَيَّزُ الحَقُّ مِنَ الباطِلِ
أَشَارَ بِهِ إِلَى قَوْله تَعَالَى: {فَأَما الزّبد
فَيذْهب جفَاء} وفشر الْجفَاء بقوله: (أجفأت الْقدر) إِلَى
آخِره، وَقَالَ أَبُو عَمْرو بن الْعَلَاء: يُقَال: أجفأت
الْقدر، وَذَلِكَ إِذا غلت وانصب زبدها، فَإِذا سكنت لم
يبقَ مِنْهُ شيءٍ، وَنقل الطَّبَرِيّ عَن بعض أهل اللُّغَة
أَن معنى قَوْله: (فَيذْهب جفَاء) تنشفه الأَرْض، يُقَال:
جفأ الْوَادي وأجفأ بِمَعْنى نشف قَوْله: (فَكَذَلِك
يُمَيّز الْحق من الْبَاطِل) فِي الْحَقِيقَة إِشَارَة
إِلَى قَوْله تَعَالَى فِي أثْنَاء الْآيَات الْمَذْكُورَة
كَذَلِك يضْرب الله الْحق وَالْبَاطِل. وأوضح ذَلِك بقوله:
(فَأَما الزّبد فَيذْهب جفَاء وَأما مَا ينفع النَّاس
فيمكث فِي الأَرْض) وَمعنى قَول البُخَارِيّ: فَكَذَلِك،
أَي: فَكَمَا ميز الله الزّبد الَّذِي يبْقى من الَّذِي
لَا يبْقى وَلَا ينْتَفع بِهِ، ميز الْحق الَّذِي يبْقى
وَيسْتَمر من الْبَاطِل الَّذِي لَا أصل لَهُ وَلَا يبْقى.
المِهادُ الفِرَاشُ
أَشَارَ بِهِ إِلَى قَوْله تَعَالَى: {ومأواهم جَهَنَّم
وَبئسَ المهاد} (الرَّعْد: 18) وَفَسرهُ بقوله: (الْفراش)
وَلم يثبت هَذَا إلاَّ فِي غير رِوَايَة أبي ذَر.
يَدْرَؤُنَ يدْفَعُونَ دَرَأْتُهُ عَنِّي دَفَعْتُهُ
أَشَارَ بِهِ إِلَى قَوْله تَعَالَى: {ويدرؤن بِالْحَسَنَة
السَّيئَة أُولَئِكَ لَهُم عَقبي الدَّار} (الرَّعْد: 22)
وَفسّر قَوْله: (يدرؤن) بقوله (يدْفَعُونَ) يُقَال: درأت
فلَانا إِذا دَفعته من الدَّار موهو الدّفع.
سَلاَمٌ عَلَيْكُمْ أيْ يَقُولُونَ سَلاَمٌ عَليْكُمْ
أَشَارَ بِهِ إِلَى قَوْله تَعَالَى: {سَلام عَلَيْكُم
بِمَا صَبَرْتُمْ فَنعم عُقبى الدَّار} (الرَّعْد: 24)
وَقد رهنا محذوفا، وَهُوَ: يَقُولُونَ، وَفِي التَّفْسِير:
تدخل الْمَلَائِكَة على أهل الْجنَّة فيسلمون عَلَيْهِم
بِمَا صَبَرُوا على الْفقر فِي الدُّنْيَا، وَقيل: على
الْجِهَاد، وَقيل: على مُلَازمَة الطَّاعَة ومفارقة
الْمعْصِيَة، وَقيل: على تَركهم الشَّهَوَات.
وإلَيْهِ مَتابِ تَوْبَتي
أَشَارَ بِهِ إِلَى قَوْله تَعَالَى: {لَا إِلَه إلاّ هُوَ
عَلَيْهِ توكلت وَإِلَيْهِ متاب} (الرَّعْد: 30) وَفِي
التَّفْسِير: وَإِلَيْهِ رجوعي، والمتاب مصدر ميمي،
يُقَال: تَابَ الله تَوْبَة ومتابا، والتوبه الرُّجُوع من
الذَّنب.
أفَلمْ يَيْأسْ فَلَمْ يَتَبَيَّنْ
أَشَارَ بِهِ إِلَى قَوْله تَعَالَى: {أفلم ييأس الَّذين
آمنُوا إِن لَو يَشَاء الله لهدى النَّاس جَمِيعًا}
(الرَّعْد: 31) وَفسّر: (أفلم ييأس) بقوله: (فَلم
يتَبَيَّن) وَعَن ابْن عَبَّاس: أفلم يعلم قَالَ
الْكَلْبِيّ: ييأس يعلم فِي لُغَة النخع. وَهُوَ قَول
مُجَاهِد وَالْحسن وَقَتَادَة والطبري عَن الْقَاسِم بن
معن أَنه كَانَ يَقُول: إِنَّهَا لُغَة هوزان، تَقول: يئست
كَذَا أَي: عَلمته.
قارِعَةٌ دَاهِيةٌ
أَشَارَ بِهِ إِلَى قَوْله تَعَالَى: {وَلَا يزَال الَّذين
كفرُوا تصيبهم بِمَا صَنَعُوا قَارِعَة} (الرَّعْد: 31)
أَي: داهية مهلكة، قَالَه أَبُو عُبَيْدَة.
(18/311)
فأمْلَيْتُ أطلْتُ مِنَ المَلِيِّ
والمِلاَوَةِ ومِنْهُ مَليّا ويُقالُ لِلْوَاسِعِ الطّويلِ
مِنَ الأرْضِ مَلأ مِنَ الأرْضِ
أَشَارَ بِهِ إِلَى قَوْله تَعَالَى: {فأمليت للَّذين
كفرُوا ثمَّ أخذتهم فَكيف كَانَ عِقَاب} (الرَّعْد: 32)
وَفسّر أمليت بقوله: أطلت، كَذَا فسره أَبُو عُبَيْدَة.
قَوْله: من الملى، بِفَتْح الْمِيم وَكسر اللَّام
وَتَشْديد الْيَاء بِغَيْر همزَة قَالَ الْجَوْهَرِي:
الملى الْهوى من الدَّهْر، يُقَال: أَقَامَ مَلِيًّا من
الدَّهْر، قَالَ تَعَالَى: {واهجرني مَلِيًّا} (مَرْيَم:
46) أَي: طَويلا وَمضى: ملى من النَّهَار أَي: سَاعَة
طَوِيلَة والملاوة، بِكَسْر الْمِيم يُقَال: أَقمت عِنْده
ملاوة من الدَّهْر، أَي: حينا وبرهة، وَكَذَلِكَ ملوة من
الدَّهْر، بِتَثْلِيث الْمِيم والملا مَقْصُورا: الْوَاسِع
من الأَرْض، وَقَالَ الْجَوْهَرِي: الملا مَقْصُورا
الصَّحرَاء، والملوان اللَّيْل وَالنَّهَار.
أشَقُّ أشَدُّ مِنَ المَشَقَّةِ
أَشَارَ بِهِ إِلَى قَوْله تَعَالَى: {ولعذاب الْآخِرَة
أشق وَمَا لَهُم من الله من واق} (الرَّعْد: 34) وَأَرَادَ
بقوله: (أَشد) أَن لفظ: أشق، أفعل تَفْضِيل من شقّ يشق.
صنْوَانٌ النَّخْلَتانِ أوْ أكْثَرُ فِي أصْلٍ واحِدٍ
وغَيْرُ صِنْوَانٍ وحْدَها بِماءَ وَاحِد كَصالِحِ بَني
آدَمَ وخَبِيثِهمْ أبُوهُمْ واحِدٌ
أَشَارَ بِهِ إِلَى قَوْله: {صنْوَان وَغير صنْوَان يسْقِي
بِمَاء وَاحِد} (الرَّعْد: 4) الْآيَة وَفسّر قَوْله:
(صنْوَان) بقوله: (النخلتان أَو أَكثر فِي أصل وَاحِد)
وَكَذَا قَالَ ابْن عَبَّاس الصنوان مَا كَانَ من نخلتين
أَو ثَلَاثًا أَو أَكثر أصلهن وَاحِد، وَهُوَ جمع صنو،
وَيجمع فِي الْقلَّة على أصناو، وَلَا فرق بَينهمَا فِي
التَّثْنِيَة وَالْجمع إلاَّ فِي الْإِعْرَاب، وَذَلِكَ
أَن النُّون فِي التَّثْنِيَة مَكْسُورَة أبدا غير منونة،
وَفِي الْجمع منونة تجْرِي بجريان الْإِعْرَاب، والقراء
كلهم على كسر الصَّاد إلاَّ أَبَا عبد الرَّحْمَن
السّلمِيّ فَإِنَّهُ يضمها قَوْله: (وَغير صنْوَان
وَحدهَا) أَي: وَغير صنْوَان المتفرق الَّذِي لَا يجمعه
أصل وَاحِد قَوْله: (بِمَاء وَاحِد) أَي: يسقى بِمَاء
وَاحِد، وَفِي رِوَايَة الْفرْيَابِيّ عَن مُجَاهِد مثل
مَا قَالَه البُخَارِيّ، لَكِن قَالَ يسْقِي بِمَاء
وَاحِد، قَالَ بِمَاء السَّمَاء قَوْله: (كصالح بني آدم)
إِلَى آخِره: شبه الصنوان الَّذِي أَصله وَاحِد والصنوان
المتفرق الَّذِي لَا يجمعه أصل وَاحِد بِصَالح بني آدم
وخبيثهم أبوهم وَاحِد، وَقَالَ الْحسن: هَذَا مثل ضربه
الله تَعَالَى لقلوب بني آدم فَقلب يرق فيخشع ويخضع، وقلب
يسهو ويلهو، وَالْكل من أصل وَاحِد، وَكَذَلِكَ صنْوَان
وَغير صنْوَان مِنْهَا مَا يخرج الطّيب وَمِنْهَا مَا يخرج
غير الطّيب، وَأَصله وَاحِد وَالْكل يسْقِي بِمَاء وَاحِد.
السَّحابُ الثِّقالُ الّذِي فِيهِ الماءُ كَباسِطِ
كَفّيْهِ يَدْعُو الماءَ
أَشَارَ بِهِ إِلَى قَوْله: {يريكم الْبَرْق خوفًا وطعما
وينشىء السَّحَاب الثقال} (الرَّعْد: 12) أَي يسير
السَّحَاب وَهُوَ جمع سَحَابَة، والثقال صفة السَّحَاب
أَي: الثقال بالمطر.
سالَتْ أوْدِيَةٌ بِقَدَرِها تَمْلأُ بَطْنَ وادٍ
أَشَارَ بِهِ إِلَى قَوْله عز وَجل: {أنزل من السَّمَاء
فسالت أَوديَة بِقَدرِهَا} (الرَّعْد: 17) يَعْنِي: أنزل
الله من السَّمَاء مَاء يَعْنِي الْمَطَر، فسالت من ذَلِك
المَاء بِقَدرِهَا، الْكَبِير بِقَدرِهِ وَالصَّغِير
بِقَدرِهِ، والأودية جمع وادٍ وَهُوَ كل مفرج بَين جبلين
يجْتَمع إِلَيْهِ مَاء الْمَطَر، قيل: وَالْقدر مبلغ
الشَّيْء، وَالْمعْنَى: بِقَدرِهَا من المَاء وَإِن اتَّسع
كثر. قَوْله: (بطن وَاد) هَكَذَا فِي رِوَايَة
الْأَكْثَرين، وَفِي رِوَايَة الْأَصْلِيّ: (تملأ كل
وَاحِد بِحَسبِهِ) ، وَفِي التفاسير الْمَذْكُورَة
اخْتِلَاف كثير بالتقديم وَالتَّأْخِير وَالزِّيَادَة
وَالنُّقْصَان.
1 - (بابُ قَوْلِهِ الله {يَعْلَمُ مَا تَحْمِلُ كلُّ
أُنْثَى وَمَا تَغِيضُ الأرْحامُ} (الرَّعْد: 8) غِيضَ
نُقِصَ.)
أَي هَذَا بَاب فِي قَوْله الله: (يعلم) الْآيَة: وَفِي
بعض النّسخ لفظ: بَاب قَوْله: (وَمَا تغيض) أَي: وَمَا
تنقص بِالسقطِ النَّاقِص وَمَا تزداد بِالْوَلَدِ التَّام،
وَعَن الضَّحَّاك: غيضها أَن تَأتي بِالْوَلَدِ مَا دون
التِّسْعَة وَعَن الْحسن: غيضها السقط، وَقيل: أَن تغيض من
السِّتَّة أشهر ثَلَاثَة أَيَّام، وَقيل: تغيض بإراقة
الدَّم فِي الْحمل حَتَّى يتضال الْوَلَد، ويزداد إِذا
أَمْسَكت الدَّم فيعظم الْوَلَد، وَقيل: تغيض بِمن وَلدته
(18/312)
من قبل وتزداد بِمن تلده من بعد وَقَالَ
الْقُرْطُبِيّ: فِي هَذِه الْآيَة دَلِيل على أَن
الْحَامِل تحيض. وَهُوَ وَاحِد قولي الشَّافِعِي، وَقَالَ
عَطاء وَالشعْبِيّ فِي آخَرين: لَا تحيض وَهُوَ قَول أبي
حنيفَة، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ.
4697 - حدَّثنا حدّثني إبْرَاهِيمُ بنُ المُنْذِرِ حَدثنَا
مَعْنٌ قَالَ حدّثني مالِكٌ عنْ عبْدِ الله بن دِينَارٍ
عنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِي الله عَنْهُمَا أنَّ رسولَ الله
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ مفاتِيحُ الغَيْبِ خَمْسٌ
لاَ يَعْلَمُها إلاّ الله لاَ يَعْلَمُ مَا فِي غَدٍ إلاّ
الله وَلَا يَعْلَمُ مَا تَغِيضُ الأرْحامُ إلاّ الله ولاَ
يَعْلَمُ مَتَى يأتِي المَطَرُ أَحَدٌ إلاّ الله ولاَ
تَدْرِي نَفْسٌ بأيِّ أرْضٍ تَمُوتُ ولاَ يَعْلَمُ مَتَى
تَقُومُ السَّاعَةُ إلاّ الله.
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة ومعن: بِفَتْح وَسُكُون
الْعين الْمُهْملَة وبالنون ابْن عِيسَى الْقَزاز،
بِالْقَافِ وَتَشْديد الزَّاي الأولى، وَقَالَ ابْن
مَسْعُود: تفرد بِهِ إِبْرَاهِيم وَهَذَا هُوَ عَزِيز.
وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيّ: رَوَاهُ ابْن أبي ظَبْيَة عَن
مَالك عَن عبد الله عَن ابْن عمر مَوْقُوفا.
وَمر الحَدِيث فِي كتاب الاسْتِسْقَاء فِي: بَاب لَا
يدْرِي مَتى يَجِيء الْمَطَر إلاّ الله، فَإِنَّهُ أخرجه
هُنَاكَ عَن مُحَمَّد بن يُوسُف عَن سُفْيَان عَن عبد الله
بن دِينَار.
قَوْله: (مَفَاتِيح الْغَيْب) ، أما اسْتِعَارَة مكنية أَو
مصرحة، والتخصيص بِهَذِهِ الْخَمْسَة مَعَ أَن الَّتِي لَا
يعلمهَا إِلَّا الله كَثِيرَة إِمَّا لأَنهم كَانُوا
يَعْتَقِدُونَ أَنهم يعرفونها، أَو لأَنهم سَأَلُوهُ
عَنْهَا، مَعَ أَن مَفْهُوم الْعدَد لَا احتجاج بِهِ،
فَافْهَم.
بعون الله تَعَالَى وَحسن توفقيه قد تمّ الْجُزْء
الثَّامِن عشر ويليه إِن شَاءَ
الله تَعَالَى الْجُزْء التَّاسِع عشر وأوله سُورَة
إِبْرَاهِيم
(18/313)
41 - (سُورَةُ إبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ
السَّلامُ)
أَي: هَذَا فِي تَفْسِير بعض سُورَة إِبْرَاهِيم عَلَيْهِ
السَّلَام.
بسَّمِ الله الرَّحمانِ الرَّحِيمِ
لم تثبت الْبَسْمَلَة إِلَّا لأبي ذَر وَحده، قَالَ أَبُو
الْعَبَّاس: فِيهَا آيَة وَاحِدَة مَدَنِيَّة وَهِي قَوْله
تَعَالَى: {ألم تَرَ إِلَى الَّذين بدلُوا نعْمَة الله
كفرا} (إِبْرَاهِيم: 82) وَعَن الْكَلْبِيّ: هِيَ
مَدَنِيَّة نزلت فِيمَن قتل ببدر، وَعَن ابْن الْمُنْذر
عَن قَتَادَة: نزلت بِالْمَدِينَةِ من سُورَة إِبْرَاهِيم:
{ألم تَرَ إِلَى الَّذين بدلُوا نعْمَة الله كفرا}
الْآيَتَيْنِ وسائرها مكي، وَقَالَ الثَّعْلَبِيّ:
مَكِّيَّة. وَهِي ثَلَاثَة آلَاف وَأَرْبَعمِائَة
وَأَرْبَعَة وَثَلَاثُونَ حرفا، وَثَمَانمِائَة وَإِحْدَى
وَثَلَاثُونَ كلمة، وإثنتان وَخَمْسُونَ آيَة.
قَالَ ابنُ عبّاسٍ: هادٍ دَاعٍ
أَشَارَ بِهِ إِلَى قَوْله تَعَالَى: {إِنَّمَا أَنْت
مُنْذر وَلكُل قوم هاد} وَلَكِن هَذَا فِي سُورَة
الرَّعْد. وَالظَّاهِر أَن ذكر هَذَا هُنَا من بعض النساخ.
وَفسّر لفظ: هاد، بقوله: دَاع، وروى هَذَا التَّعْلِيق
الْحَنْظَلِي عَن أَبِيه: حَدثنَا أَبُو صَالح حَدثنَا
مُعَاوِيَة عَن عَليّ عَن ابْن عَبَّاس.
وَقَالَ مُجاهدٌ صَدِيدٌ قَيْحٌ ودَمٌ
أَشَارَ بِهِ إِلَى قَوْله: {من وَرَائه جَهَنَّم ويسقى من
مَاء صديد} (إِبْرَاهِيم: 61) لم يذكر هَذَا فِي رِوَايَة
أبي ذَر، وروى هَذَا التَّعْلِيق ابْن الْمُنْذر عَن
مُوسَى عَن أبي بكر عَن شَبابَة عَن وَرْقَاء عَن ابْن أبي
نجيح عَن مُجَاهِد، وَعَن قَتَادَة: هُوَ مَا يخرج من جلد
الْكَافِر ولحمه، وَعَن مُحَمَّد بن كَعْب وَالربيع بن
أنس: هُوَ غسال أهل النَّار، وَذَلِكَ مَا يسيل من فروج
الزناة يسقاه الْكَافِر.
وَقَالَ ابنُ عُيَيْنَةَ اذْكُرُوا نِعْمَةَ الله
عَلَيْكُمْ أيادِيَ الله عِنْدَكُمْ وأَيَّامَهُ
أَي: قَالَ سُفْيَان بن عُيَيْنَة فِي قَوْله تَعَالَى:
{وَإِذ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ اذْكروا نعْمَة الله
عَلَيْكُم إِذْ أنجاكم من آل فِرْعَوْن} (إِبْرَاهِيم: 6)
الْآيَة وَفسّر نعْمَة الله بقوله: أيادي الله، والأيادي
جمع الْأَيْدِي، وَهُوَ جمع الْيَد بِمَعْنى: النِّعْمَة،
وَهَذَا التَّعْلِيق وَصله الطَّبَرِيّ من طَرِيق
الْحميدِي عَنهُ.
وَقَالَ مُجاهِدٌ منْ كلِّ مَا سألْتُمُوهُ رَغِبْتُمْ
إلَيْهِ فِيهِ
أَي: قَالَ مُجَاهِد فِي قَوْله تَعَالَى: {وسخر لكم
اللَّيْل وَالنَّهَار وآتاكم من كل مَا سألتموه}
(إِبْرَاهِيم: 33 و 43) أَن مَعْنَاهُ وأعطاكم من كل مَا
رغبتم
(19/2)
إِلَيْهِ فِيهِ، وَقَالَ بعض الْمُفَسّرين:
مَعْنَاهُ وآتاكم من كل مَا سألتموه وَمَا لم تسألوه،
وَعَن الضَّحَّاك: أَعْطَاكُم أَشْيَاء مَا طلبتموها وَلَا
سألتموها على النَّفْي على قِرَاءَة: من كل،
بِالتَّنْوِينِ، صدق الله تَعَالَى كم من شَيْء أَعْطَانَا
الله وَمَا سألناه إِيَّاه وَلَا خطر لنا على بَال، وَعَن
الْحسن رَحمَه الله: من كل الَّذِي سألتموه، أَي: من كل
مَا سَأَلْتُم.
يَبْغُونَها عِوَجاً يَلْتَمِسُونَ لَها عِوَجاً
أَشَارَ بِهِ إِلَى قَوْله تَعَالَى: {ويصدون عَن سَبِيل
الله ويبغونها عوجا} (إِبْرَاهِيم: 3) الْآيَة، هَذَا وَقع
هُنَا فِي رِوَايَة الْأَكْثَرين وَهُوَ الصَّوَاب
لِأَنَّهُ من تَفْسِير مُجَاهِد أَيْضا، وَفسّر قَوْله:
يَبْغُونَهَا، بقوله: يَلْتَمِسُونَ لَهَا، وَقد وَصله عبد
بن حميد من طَرِيق ابْن أبي نجيح عَن مُجَاهِد، قَالَ:
يَلْتَمِسُونَ لَهَا الزيغ والعوج بِالْفَتْح فِيمَا كَانَ
مائلاً منتصباً كالحائط، وَالْعود وبالكسر فِي الأَرْض
وَالدّين وشبههما، قَالَه ابْن السّكيت وَابْن فَارس.
وإذْ تأذَّنَ رَبُّكُمْ. أعْلَمَكُمْ آذَنَكُمْ
أَشَارَ بِهِ إِلَى قَوْله تَعَالَى: {وَإِذ تَأذن ربكُم
لَئِن شكرتم لأزيدنكم} (إِبْرَاهِيم: 7) ، وَفسّر: تَأذن
بقوله: أعلمكُم. قَوْله: (آذنكم) ، كَذَا فِي رِوَايَة
الْأَكْثَرين، وَفِي رِوَايَة أبي ذَر: أعلمكُم ربكُم،
وَنقل بَعضهم عَن أبي عُبَيْدَة أَنه قَالَ: كلمة (ذَر)
زَائِدَة. قلت: لَيْسَ كَذَلِك، بل مَعْنَاهُ اذْكروا حِين
تَأذن ربكُم، وَمعنى تَأذن ربكُم إِذن ربكُم. قَالَ
الزَّمَخْشَرِيّ: وَنَظِير تَأذن وآذن توعد وأوعد، تفضل
وَأفضل، وَلَا بُد فِي تفعل من زِيَادَة معنى لَيْسَ فِي
أفعل، كَأَنَّهُ قيل: وَإِذ تَأذن ربكُم إِيذَانًا بليغاً
تَنْتفِي عِنْده الشكوك، وَقَالَ بَعضهم: إِذْ تَأذن من
الإيذان، قلت: لَيْسَ كَذَلِك، بل هُوَ من التأذين.
رَدُّوا أيْدِيهُمْ فِي أفْوَاهِهِمْ هاذا مِثْلُ كُفُّوا
عَمَّا أُمرُوا بِهِ
أَشَارَ بِهِ إِلَى قَوْله تَعَالَى: {جَاءَتْهُم رسلهم
بِالْبَيِّنَاتِ فَردُّوا أَيْديهم فِي أَفْوَاههم}
(إِبْرَاهِيم: 9) وَقَالَ ابْن مَسْعُود: عضوا على
أَيْديهم غيظاً عَلَيْهِم. قَوْله: (هَذَا مثل) ، قَالَ
الْكرْمَانِي: هَذَا بِحَسب الْمَقْصُود، مثل كفوا عَمَّا
أمرو بِهِ، قَالَ: ويروى: مثل، بالمفتوحتين. انْتهى. وَلم
يُوضح مَا قَالَه حَتَّى يشْبع النَّاظر فِيهِ، أَقُول:
مثل كفوا، بِكَسْر الْمِيم وَسُكُون التَّاء يَعْنِي: معنى
ردوا أَيْديهم فِي أَفْوَاههم مثل معنى كفوا عَمَّا أمروا
بِهِ، وَهُوَ على صِيغَة الْمَجْهُول، وَأما الْمَعْنى على
رِوَايَة: هَذَا مثل، بِفتْحَتَيْنِ فعلى طَرِيق الْمثل،
أَي: مثل مَا جَاءَ بِهِ الْأَنْبِيَاء من النصائح
والمواعظ، وَأَنَّهُمْ ردوهَا أبلغ رد، فَردُّوا أَيْديهم
فِي أَفْوَاههم وَقَالُوا: إِنَّا كفرنا بِمَا أرسلتم
بِهِ، أَرَادَ إِن هَذَا جَوَابنَا لكم لَيْسَ عندنَا
غَيره، وَيُقَال: أَو وضعُوا أَيْديهم على أَفْوَاههم
يَقُولُونَ للأنبياء: أطبقوا أَيْدِيكُم أَفْوَاهكُم
واسكتوا، أَو ردوهَا فِي أَفْوَاه الْأَنْبِيَاء يشيرون
لَهُم إِلَى السُّكُوت، أَو وضعوها على أَفْوَاههم وَلَا
يذرونهم يَتَكَلَّمُونَ.
مَقامِي حَيْثُ يُقيمُهُ الله بَيْنَ يَدَيْهِ
أَشَارَ بِهِ إِلَى قَوْله تَعَالَى: {ذَلِك لمن خَافَ
مقَامي وَخَافَ وَعِيد} (إِبْرَاهِيم: 41) وَفسّر قَوْله:
مقَامي، بقوله: حَيْثُ يقيمه بَين يَدَيْهِ، وَهَكَذَا
رُوِيَ عَن ابْن عَبَّاس وَغَيره، وَفِي التَّفْسِير:
مقَامي موقفي وَهُوَ موقف الْحساب لِأَنَّهُ موقف الله
تَعَالَى الَّذِي يقف فِيهِ عباده يَوْم الْقِيَامَة،
وَقيل: خَافَ قيامي عَلَيْهِ وحفظي لأعماله.
مِن ورَائِهِ قُدَّامهِ جَهَنَّمَ
أَشَارَ بِهِ إِلَى قَوْله تَعَالَى: {وَمن وَرَائه عَذَاب
غايظ} (إِبْرَاهِيم: 71) وَفسّر الوراء بالقدام، وَفَسرهُ
الزَّمَخْشَرِيّ بقوله: بِمن بَين يَدَيْهِ، وَنقل قطرب
وَغَيره أَنه من الأضداد، وَأنْكرهُ إِبْرَاهِيم بن
عَرَفَة، وَقَالَ: لَا يَقع وَرَاء بِمَعْنى أَمَام إلاَّ
فِي زمَان أَو مَكَان، وَقَالَ الْأَزْهَرِي: مَعْنَاهُ
مَا توارى عَنهُ واستتر.
لَكُمْ تَبَعاً واحِدُها تابِعٌ مِثْلُ غَيَبٍ وغائِبٍ
(19/3)
أَشَارَ بِهِ إِلَى قَوْله تَعَالَى:
{إِنَّا كُنَّا لكم تبعا فَهَل أَنْتُم مغنون عَنَّا من
عَذَاب الله من شَيْء} (إِبْرَاهِيم: 12) التبع جمع تَابع
كخدم جمع خَادِم وَمثله البُخَارِيّ بقوله مثل غيب
بِفتْحَتَيْنِ جمع غَائِب وَقيل مَعْنَاهُ إِنَّا كُنَّا
لكم ذَوي تبع.
بمُصْرِخِكُمْ اسْتَصْرَخَنِي اسْتَغاثَني يَسْتَصْرِخُهُ
مِنَ الصُّرَاخِ
أَشَارَ بِهِ إِلَى قَوْله: {فَلَا تلوموني ولوموا
أَنفسكُم مَا أَنا بمصرخكم وَمَا أَنْتُم بمصرخي}
(إِبْرَاهِيم: 22) وَهَذَا لم يثبت إلاَّ فِي رِوَايَة أبي
ذَر، قَوْله: مَا أَنا بمصرخكم. أَي: مَا أَنا بمغيثكم.
قَالَ أَبُو عُبَيْدَة، وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيّ: مَا أَنا
بمصرخكم وَمَا أَنْتُم بمصرخي لَا يُنجي بَعْضنَا بَعْضًا
من عَذَاب الله وَلَا يغيثه، والإصراخ الإغاثة، وقرىء
بمصرخي، بِكَسْر الْيَاء وَهِي ضَعِيفَة. قلت: الْقِرَاءَة
الصَّحِيحَة فتح الْيَاء وَهُوَ الأَصْل، وَقَرَأَ حَمْزَة
بِكَسْر الْيَاء، وَقَالَ الزّجاج: هِيَ عِنْد جَمِيع
النَّحْوِيين ضَعِيفَة لَا وَجه لَهَا إلاَّ وَجه ضَعِيف،
وَهُوَ مَا أجَازه الْفراء من الْكسر على الأَصْل لالتقاء
الساكنين.
قَوْله: (استصرخني) وَقيل استصرخني فلَان، أَي: استغاثني،
فأصرخته أَي أغثته. قَوْله: (يستصرخه) مَعْنَاهُ يَصِيح
بِهِ، فَلِذَا قَالَ: (من الصُّرَاخ) بِالْخَاءِ
الْمُعْجَمَة وَهُوَ الصَّوْت.
وَلَا خِلاَلَ مصْدَرُ خالَلْتُهُ خِلالاً ويَجُوزُ أيْضاً
جَمْعُ خُلَّةٍ وخِلالٍ
أَشَارَ بِهِ إِلَى قَوْله تَعَالَى: {يَوْم لَا بيع فِيهِ
وَلَا خلال} (إِبْرَاهِيم: 13) وَذكر فِي لفظ خلال
وَجْهَان: أَحدهمَا: أَنه مصدر خاللته خلال، وَالْمعْنَى:
وَلَا مخاللة خَلِيل. وَثَانِيهمَا: إِنَّه جمع خلة، مثل:
ظلة وظلال، وَهَذَا الْوَجْه قَالَه أَبُو عَليّ
الْفَارِسِي، وَجُمْهُور أهل اللُّغَة على الأول، والخلة،
بِضَم الْخَاء: الصداقة والمحبة الَّتِي تخللت الْقلب
فَصَارَت خلاله أَي: فِي بَاطِنه، وَمِنْه الْخَلِيل
وَهُوَ الصّديق.
اجْتُثَّتْ اسْتُؤْصِلَتْ
أَشَارَ بِهِ إِلَى قَوْله تَعَالَى: {وَمثل كلمة خبيثة
كشجرة خبيثة اجتئت من فَوق الأَرْض مَا لَهَا من قَرَار}
(إِبْرَاهِيم: 62) وَفسّر هَذِه اللَّفْظَة بقوله:
استؤصلت، وَهُوَ على صِيغَة الْمَجْهُول من الاستئصال،
وَهُوَ الْقلع من أَصله.
1 - (بابُ قَوْلِهِ: {كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أصْلُها ثابتٌ
وفَرْعُها فِي السَّماءِ تُؤْتِي أُكُلَها كُلَّ حِينٍ}
(إِبْرَاهِيم: 42 52)
هَذَا بَاب فِي قَوْله تَعَالَى: {كشجرة طيبَة} وَلَيْسَ
فِي أَكثر النّسخ لفظ: بَاب. وَفِي رِوَايَة أبي ذَر إِلَى
قَوْله: (ثَابت) وَفِي رِوَايَة غَيره إِلَى (حِين)
الْكَلَام. أَولا: فِي وَجه التَّشْبِيه بَين الْكَلِمَة
الطّيبَة والشجرة الطّيبَة، وَبَيَانه مَوْقُوف على
تَفْسِير الْكَلِمَة الطّيبَة والشجرة الطّيبَة. فالكلمة
الطّيبَة شَهَادَة أَن لَا إل هـ إلاَّ الله، نقل ذَلِك
عَن ابْن عَبَّاس، وَهُوَ قَول الْجُمْهُور، والشجرة
الطّيبَة فِيهَا أَقْوَال، فَقيل: كل شَجَرَة طيبَة مثمرة،
وَقيل: النَّخْلَة، وَقيل: الْجنَّة، وَقيل: شَجَرَة فِي
الْجنَّة، وَقيل: الْمُؤمن، وَقيل: قُرَيْش، وَقيل: جوز
الْهِنْد. وَأما بَيَان وَجه التَّشْبِيه على القَوْل
الأول فَهُوَ من حَيْثُ الْحسن والزهارة وَالطّيب
وَالْمَنَافِع الْحَاصِلَة فِي كل وَاحِدَة من كلمة
الشَّهَادَة والشجرة الطّيبَة المثمرة، وَأما على القَوْل
الثَّانِي، وَهُوَ الَّذِي عَلَيْهِ الْجُمْهُور فَهُوَ من
حَيْثُ كَثْرَة الْخَيْر فِي العاجل والآجل وَحسن المنظر
والشكل الْمَوْجُود فِي كل وَاحِد من كلمة الشَّهَادَة
والنخلة، فَإِن كَثْرَة الْخَيْر فِي العاجل والآجل مستمرة
فِي صَاحب كلمة الشَّهَادَة، وَكَذَلِكَ حسن المنظر
والشكل، وَفِي النَّخْلَة كَذَلِك فَإِنَّهَا كَثِيرَة
الْخَيْر وطيبة الثَّمَرَة من حِين تطلع يُؤْكَل مِنْهَا
حَتَّى تيبس، فَإِذا يَبِسَتْ يتَّخذ مِنْهَا مَنَافِع
كَثِيرَة من خشبها وَأَغْصَانهَا وورقها ونواها، وَقيل:
وَجه التَّشْبِيه أَن رَأسهَا إِذا قطع مَاتَت بِخِلَاف
بَاقِي الشّجر، وَقيل: لِأَنَّهَا لَا تحمل حَتَّى تلقح،
وَقيل: إِنَّهَا فضلَة طِينَة آدم عَلَيْهِ الصَّلَاة
وَالسَّلَام، على مَا رُوِيَ، وَقيل: فِي علو فروعها
كارتفاع عمل الْمُؤمن، وَقيل: لِأَنَّهَا شَدِيدَة
الثُّبُوت كثبوت الْإِيمَان فِي قلب الْمُؤمن. وَأما على
القَوْل الثَّالِث: إِنَّهَا شَجَرَة فِي الْجنَّة رَوَاهُ
أَبُو ظبْيَان عَن ابْن عَبَّاس فَهُوَ من حَيْثُ
الدَّوَام والثبوت على مَا لَا يخفى. وَأما على القَوْل
الرَّابِع: فَهُوَ من حَيْثُ ارْتِفَاع عمل الْمُؤمن
الصَّالح فِي كل وَقت، وَوُجُود ثَمَرَة النَّخْلَة فِي كل
حِين. وَأما على القَوْل الْخَامِس: فَهُوَ من حَيْثُ
ارْتِفَاع الْقدر فِي كل وَاحِد من قُرَيْش، والنخلة، أما
قُرَيْش فَلَا شكّ أَن قدرهم مُرْتَفع على سَائِر قبائل
الْعَرَب، وَأما النَّخْلَة فَكَذَلِك على سَائِر
الْأَشْجَار من الْوُجُوه الَّتِي ذَكرنَاهَا، وَأما على
القَوْل السَّادِس: الَّذِي هُوَ جوز الْهِنْد
(19/4)
فَهُوَ من حَيْثُ إِنَّه لَا يتعطل من
ثمره. على مَا رَوَاهُ ابْن مرْدَوَيْه من حَدِيث فَرْوَة
بن السَّائِب عَن مَيْمُون بن مهْرَان عَن ابْن عَبَّاس
فِي قَوْله: {تُؤْتى أكلهَا كل حِين} (إِبْرَاهِيم: 52)
قَالَ: هِيَ شجر جوز الْهِنْد لَا يتعطل من ثمره، وَتحمل
فِي كل شهر. وَرُوِيَ عَن عَليّ ابْن أبي طَالب رَضِي الله
عَنهُ، أَيْضا، قَالَ السُّهيْلي: وَلَا يَصح وَكَذَلِكَ
الْمُؤمن الَّذِي هُوَ صَاحب كلمة الشَّهَادَة لَا يتعطل
من عمله الصَّالح. قَوْله: (أَصْلهَا ثَابت) ، أَي: فِي
الأَرْض، (وفرعها فِي السَّمَاء) يَعْنِي: فِي الْعُلُوّ
فَإِذا كَانَ أَصْلهَا ثَابتا أَمن الِانْقِطَاع لِأَن
الطّيب إِذا كَانَ فِي معرض الانقراض حصل بِسَبَب فنائه
وزواله الْحزن، فَإِذا علم أَنه باقٍ عظم الْفَرح بوجدانه،
وَإِذا كَانَ فرعها فِي السَّمَاء دلّ على كمالها من
وَجْهَيْن الأول: ارْتِفَاع أَغْصَانهَا وقوتها وتصعدها
يدل على ثُبُوت أَصْلهَا ورسوخ عروقها. الثَّانِي: إِذا
كَانَت مُرْتَفعَة كَانَت بعيدَة عَن عفونات الأَرْض،
فَكَانَت ثَمَرَتهَا نقية طَاهِرَة من جَمِيع الشوائب.
قَوْله: (تُؤْتى) أَي: تُعْطِي (أكلهَا) أَي: ثَمَرهَا (كل
حِين) اخْتلفُوا فِيهِ، فَقَالَ مُجَاهِد وَعِكْرِمَة
وَابْن زيد: كل سنة، وَعَن ابْن عَبَّاس: الْحِين حينان:
حِين يعرف وَيدْرك، وَحين لَا يعرف فَالْأول: قَوْله:
{ولتعلمن نبأه بعد حِين} وَالثَّانِي قَوْله {تُؤْتى
أكلهَا كل حِين} (ص: 88) فَهُوَ مَا بَين الْعَام إِلَى
الْعَام الْمقبل، وَقَالَ سعيد بن جُبَير وَقَتَادَة:
الْحِين كل سِتَّة أشهر مَا بَين صرامها إِلَى حملهَا،
وَقَالَ الرّبيع بن أنس: كل حِين كل غدْوَة وَعَشِيَّة
كَذَلِك يصعد عمل الْمُؤمن أول النَّهَار وَآخره، وَهِي
رِوَايَة عَن ابْن عَبَّاس أَيْضا، وَقَالَ الضَّحَّاك:
الْحِين سَاعَة لَيْلًا وَنَهَارًا صيفاً وشتاءً يُؤْكَل
فِي جَمِيع الْأَوْقَات، كَذَلِك الْمُؤمن لَا يَخْلُو من
الْخَيْر فِي الْأَوْقَات كلهَا. فَإِن قلت: قد بيّنت وَجه
التَّشْبِيه بَين الْكَلِمَة الطّيبَة والشجرة الطّيبَة،
فَمَا الْحِكْمَة بالتمثيل بِالشَّجَرَةِ؟ قلت: لِأَن
الشَّجَرَة لَا تكون شَجَرَة إِلَّا بِثَلَاثَة أَشْيَاء:
عرق راسخ، وأصل قَائِم، وَفرع عَال، فَكَذَلِك الْإِيمَان
لَا يقوم وَلَا يُثمر إِلَّا بِثَلَاثَة أَشْيَاء:
تَصْدِيق بِالْقَلْبِ، وَقَول بِاللِّسَانِ، وَعمل
بالأبدان.
8964 - حدَّثني عُبَيْدُ بنُ إسْماعِيلَ عنْ أبي أُسامَةَ
عَنْ عُبَيْدِ الله عنْ نافِعٍ عنِ ابنِ عُمَرَ رَضِي الله
عَنْهُمَا قَالَ كُنّا عِنْدَ رسولِ الله صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ أخبرُوني بِشَجَرَةٍ تُشْبِهُ أوْ
كالرَّجُلِ المُسْلِمِ لَا يَتحاتُّ ورَقُها ولاَ ولاَ
ولاَ {تُؤْتِي أكُلَها كلَّ حِينٍ} قالَ ابنُ عُمَرَ
فَوَقَعَ فِي نَفْسِي أَنَّهَا النَّخْلَةُ ورَأَيْتُ
أَبَا بَكْرٍ وعُمَرَ لاَ يَتَكَلّمانِ فكَرِهْتُ أنْ
أتَكَلَّمَ فَلَمَّا لَمْ يَقُولُوا شَيْئاً قَالَ رسُولُ
الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم هِيَ النَّخْلَةُ فَلَمّا
قُمْنا قُلْتُ لِعُمَرَ يَا أبَتاهُ وَالله لَقَدْ كانَ
وَقَعَ فِي نَفْسِي أنّها النّخْلَةُ فَقَالَ مَا مَنَعَكَ
أنْ تَكَلَّمَ قَالَ لمْ أرَكُمْ تَكَلّمُون فكَرِهْتُ أنْ
أتَكَلّمَ أوْ أقُولَ شَيْئاً قَالَ عُمَرُ لأنْ تكونَ
قُلْتَها أحَبُّ إلَيَّ مِنْ كَذا وكَذا..
مطابقته للتَّرْجَمَة من حَيْثُ إِن الشَّجَرَة الطّيبَة
هِيَ النَّخْلَة على قَول الْجُمْهُور. وَأَبُو أُسَامَة
حَمَّاد بن أُسَامَة، وَعبيد الله ابْن عمر الْعمريّ.
والْحَدِيث قد مر فِي كتاب الْعلم فِي أَرْبَعَة مَوَاضِع،
وَمر الْكَلَام فِيهِ هُنَاكَ.
قَوْله: (تشبه، أَو كَالرّجلِ الْمُسلم) ، شكّ من أحد
الروَاة، وَمَعْنَاهُ: تشبه الرجل الْمُسلم، أَو قَالَ:
كَالرّجلِ الْمُسلم. قَوْله: (وَلَا يتحات) ، من بَاب
التفاعل أَي: لَا يَتَنَاثَر. قَوْله: (وَلَا وَلَا وَلَا)
، ثَلَاث مَرَّات أَشَارَ بهَا إِلَى ثَلَاث صِفَات أخر
للنخلة وَلم يذكرهَا الرَّاوِي، وَاكْتفى بِذكر كلمة: لَا،
ثَلَاث مَرَّات، وَقَوله: (تُؤْتى أكلهَا كل حِين) صفة
خَامِسَة لَهَا، وَقد مر الْكَلَام فِيهِ عَن قريب.
قَوْله: (النَّخْلَة) بِالرَّفْع لِأَنَّهُ خبر مُبْتَدأ
مَحْذُوف أَي: هِيَ النَّخْلَة. قَوْله: (إِن تكلم) ،
بِنصب الْمِيم لِأَن أَصله: أَن تَتَكَلَّم، فحذفت إِحْدَى
التَّاءَيْنِ تَخْفِيفًا. قَوْله: (من كَذَا وَكَذَا) أَي:
من حمر النعم، كَمَا فِي الرِّوَايَة الْأُخْرَى.
2 - (بابٌ: {يُثَبِّتُ الله الَّذِينَ آمنُوا بالْقَوْلِ
الثّابِتِ} (إِبْرَاهِيم: 72)
أَي: هَذَا بَاب فِي قَوْله عز وَجل: {يثبت الله} أَي:
يُحَقّق الله إِيمَانهم وأعمالهم (بالْقَوْل الثَّابِت)
وَهُوَ شَهَادَة لَا إِلَه إِلَّا الله. قَوْله: {فِي
الْحَيَاة الدُّنْيَا} يَعْنِي: فِي الْقَبْر عِنْد
السُّؤَال: (وَفِي الْآخِرَة) إِذا بعث.
(19/5)
9964 - حدَّثنا أبُو الوَلِيدِ حَدثنَا شُعْبَةُ قَالَ
أَخْبرنِي عَلْقَمَةُ بنُ مَرْثَدٍ قَالَ سَمِعْتُ سَعْدَ
بنَ عُبَيْدَةَ عنِ البَرَاءِ بنِ عازِبٍ أنَّ رسولَ الله
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ المُسْلِمُ إِذا سُئِلَ فِي
الْقَبْرِ يَشْهَد أنْ لَا إلاهَ إلاَّ الله وَأَن
مُحَمَّداً رسولُ الله فَذالِكَ قَوْلُهُ: {يُثَبِّتُ الله
الَّذِينَ آمنُوا بالْقَوْلِ الثّابِتِ فِي الحَياةِ
الدُّنْيا وَفِي الآخِرَةِ} (إِبْرَاهِيم: 72) .
(انْظُر الحَدِيث 9631) .
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. وَأَبُو الْوَلِيد هُوَ
هِشَام بن عبد الْملك الطَّيَالِسِيّ، وعلقمة بن مرْثَد،
بِفَتْح الْمِيم وَسُكُون الرَّاء وبالثاء الْمُثَلَّثَة:
الْحَضْرَمِيّ الْكُوفِي، مر فِي الْجَنَائِز، وَسعد بن
عُبَيْدَة، بِضَم الْعين وَفتح الْبَاء الْمُوَحدَة:
السّلمِيّ مر فِي الْوضُوء، وَقد مر الحَدِيث فِي كتاب
الْجَنَائِز فِي: بَاب مَا جَاءَ فِي عَذَاب الْقَبْر،
وَقد مر الْكَلَام فِيهِ هُنَاكَ. |