عمدة القاري شرح صحيح البخاري

3

- (بابٌ قَوْلُهُ: {ألَمْ تَرَ إلَى الّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَةَ الله كُفْراً} (إِبْرَاهِيم: 82)
)
أَي: هَذَا بَاب فِي قَوْله عز وَجل: {لم تَرَ إِلَى الَّذين} . الْآيَة قَوْله: (بدلُوا) أَي: غيروا (نعْمَة الله) عز وَجل عَلَيْهِم فِي مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حَيْثُ بَعثه الله تَعَالَى مِنْهُم وَفِيهِمْ فَكَفرُوا بِهِ وكذبوه (وَأَحلُّوا) أَي: وأنزلوا (قَومهمْ) مِمَّن تَابعهمْ على كفرهم (دَار الْبَوَار) أَي: الْهَلَاك، ثمَّ بَين ذَلِك بقوله: {جَهَنَّم يصلونها وَبئسَ الْقَرار} (إِبْرَاهِيم: 92) .
ألَمْ تَعْلَمْ كَقَوْلِهِ ألَمْ تَرَ كَيْفَ. ألَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ خَرَجُوا

فسر قَوْله: (ألم تَرَ) بقوله: (ألم تعلم) ، وَهَكَذَا فسره أَبُو عُبَيْدَة، وَقَالَ الْكرْمَانِي: هُوَ بِمَعْنى: ألم تعلم، إِذْ الرُّؤْيَة بِمَعْنى الإبصار غير حَاصِلَة إِمَّا لتعذرها وَإِمَّا لتعسرها عَادَة. قلت: هَذِه الْكَلِمَة تقال عِنْد التَّعَجُّب من الشَّيْء وَعند تَنْبِيه الْمُخَاطب، كَقَوْلِه تَعَالَى: {ألم تَرَ إِلَى الَّذين خَرجُوا من دِيَارهمْ} (الْبَقَرَة: 342) {ألم تَرَ إِلَى الَّذين أُوتُوا نَصِيبا من الْكتاب} (آل عمرَان: 32، النِّسَاء: 7 و 44) والبوار الْهَلَاك، وَالْفِعْل مِنْهُ: بار يبور، من بَاب: قَالَ يَقُول، قَوْله: قوما بوراً: هالكين، أَشَارَ بِهِ إِلَى قَوْله تَعَالَى: {دَار الْبَوَار} والبوار: الْهَلَاك، وَالْفِعْل مِنْهُ بار يبور، نت بَاب قَالَ يَقُول، قوما بوراً هالكين أَن يكون بوراً مصدرا وصف بِهِ الْجمع، وَأَن يكون جمع: بائر.

0074 - حدَّثنا عَلِيُّ بنُ عَبْدِ الله حَدثنَا سُفْيانُ عنْ عَمْروٍ وعنْ عَطاءٍ سَمِعَ ابنَ عَبَّاسٍ: {ألَمْ تَرَ إِلَى الذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَةَ الله كُفْراً} .
(انْظُر الحَدِيث 7793) .
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. وَعلي بن عبد الله الْمَعْرُوف بِابْن الْمَدِينِيّ، وسُفْيَان هُوَ ابْن عُيَيْنَة، وَعَمْرو هُوَ ابْن دِينَار، وَقد تقدم فِي غَزْوَة بدر.

51 - (سورَةُ الحِجْرِ)

أَي: هَذَا فِي بَيَان تَفْسِير بعض سُورَة الْحجر، وَقَالَ الطَّبَرِيّ: هِيَ مَكِّيَّة بِإِجْمَاع الْمُفَسّرين، وَيرد عَلَيْهِ بقول الْكَلْبِيّ: أَن فِيهَا آيَة مَدَنِيَّة، وَقَالَ السخاوي: نزلت بعد يُوسُف وَقبل الْأَنْعَام. وَهِي أَلفَانِ وَسَبْعمائة وَسِتُّونَ حرفا، وسِتمِائَة وَأَرْبع وَخَمْسُونَ كلمة، وتسع وَتسْعُونَ آيَة.
{بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم}

لم تثبت الْبَسْمَلَة إلاَّ فِي رِوَايَة أبي ذَر عَن الْمُسْتَمْلِي، وَله عَن غَيره بِدُونِ لفظ: تَفْسِير.
{وَقَالَ مُجاهِدٌ: صِرَاطٌ عَليَّ مُسْتَقِيمٌ الحَقُّ يَرْجِعُ إِلَى الله وعَلَيْهِ طَرِيقُهُ}
أَي: قَالَ مُجَاهِد فِي قَوْله تَعَالَى: {قَالَ هَذَا صِرَاط على مُسْتَقِيم} (الْحجر: 14) مَعْنَاهُ: الْحق يرجع إِلَى الله وَعَلِيهِ طَرِيقه لَا يعرج على شَيْء، وَهَذَا التَّعْلِيق رَوَاهُ ابْن أبي حَاتِم عَن حجاج بن حَمْزَة عَن شَبابَة عَن وَرْقَاء عَن ابْن أبي نجيح عَن مُجَاهِد،

(19/6)


وَعَن الْأَخْفَش: مَعْنَاهُ على الدّلَالَة على صِرَاط مُسْتَقِيم، وَعَن الْكسَائي: هَذَا على الْوَعيد والتهديد، كَقَوْلِك للرجل تخاصمه وتهدده: طريقك عَليّ.
وإنّهُما: لَبِإِمامٍ مُبِينٍ: الإِمامُ كلُّ مَا ائْتَمَمْتَ واهْتَدَيْتَ بِهِ: إِلَى الطّرِيقِ
أَشَارَ إِلَى قَوْله تَعَالَى: {فانتقمنا مِنْهُم وإنهما لَبِإِمام مُبين} (الْحجر: 97) سقط هَذَا وَالَّذِي قبله لأبي ذَر إلاَّ عَن الْمُسْتَمْلِي. قَوْله: (وإنهما) يَعْنِي: مَدِينَة قوم لوط عَلَيْهِ السَّلَام، ومدينة أَصْحَاب الأيكة (لبإمام مُبين) يَعْنِي: بطرِيق وَاضح مستبين، وسمى الطَّرِيق إِمَامًا لِأَنَّهُ يؤتم بِهِ.
وَقَالَ ابنُ عَبَّاسٍ لَعَمْرُكَ لَعَيْشُكَ
أَشَارَ بِهِ إِلَى قَوْله تَعَالَى: {لعمرك إِنَّهُم لفي سكرتهم يعمهون} (الْحجر: 27) وَفسّر: لعمرك، بقوله: لعيشك، رَوَاهُ ابْن أبي حَاتِم عَن أَبِيه: حَدثنَا أَبُو صَالح حَدثنَا مُعَاوِيَة عَن عَليّ بن أبي طَلْحَة عَن ابْن عَبَّاس، وَفِي (تَفْسِير الثَّعْلَبِيّ) : لعمرك يَا مُحَمَّد، يَعْنِي: حياتك (أَنهم) أَي: إِن قوم لوط عَلَيْهِ السَّلَام، (لفي سكرتهم) أَي: ضلالتهم وحيرتهم (يعمهون) أَي: يَتَرَدَّدُونَ، وَعَن مُجَاهِد وَعَن قَتَادَة: يَلْعَبُونَ.
قَوْمٌ مُنْكَرُونَ أنْكَرَهُمْ لُوطٌ
أَشَارَ بِهِ إِلَى قَوْله تَعَالَى: {فَلَمَّا جَاءَ آل لوط المُرْسَلُونَ قَالَ إِنَّكُم قوم منكرون} (الْحجر: 16 26) لم يثبت هَذَا وَلَا الَّذِي قبله فِي رِوَايَة أبي ذَر، وَالْمرَاد بِالْمُرْسَلين الْمَلَائِكَة الَّذين جاؤوا أَولا إِلَى إِبْرَاهِيم عَلَيْهِ السَّلَام، وبشروه بِغُلَام يرزقه الله إِيَّاه على كبره، وَلما سَأَلَهُمْ إِبْرَاهِيم بقوله: {فَمَا خطبكم أَيهَا المُرْسَلُونَ. قَالُوا إِنَّا أرسلنَا إِلَى قوم مجرمين} (الْحجر: 75 85) أَرَادوا بهم قوم لوط، ثمَّ لما جاؤوا لوطاً أنكرهم فَقَالَ: {إِنَّكُم قوم منكرون} (الْحجر: 26) يَعْنِي: لَا أعرفكُم، وَهُوَ معنى قَوْله: أنكرهم لوط، يَعْنِي: مَا عرفهم، وقصته مَشْهُورَة.
وَقَالَ غَيْرُهُ كِتابٌ مَعْلُومٌ أجَلٌ
أَي: قَالَ غير ابْن عَبَّاس فِي تَفْسِير، قَوْله تَعَالَى: {وَمَا أهلكنا من قَرْيَة إلاَّ وَلها كتاب مَعْلُوم} (الْحجر: 4) أَي: أجل، وَفِي التَّفْسِير: أجل موقت قد كتبناه لَهُم لَا نعذبهم وَلَا نهلكم حَتَّى يبلغوه، وَهَكَذَا وَقع فِي رِوَايَة أبي ذَر كَمَا ذكره البُخَارِيّ.
لوْ مَا تأتِينا هَلاَّ تَأْتِينَا
أَشَارَ بِهِ إِلَى قَوْله عز وَجل: {لَو مَا تَأْتِينَا بِالْمَلَائِكَةِ إِن كنت من الصَّادِقين} (الْحجر: 7) وَفسّر قَوْله: (لَو مَا تَأْتِينَا) بقوله: (هلا تَأْتِينَا) وَالْحَاصِل: أَن لَو، هُنَا للتحضيض، قَالَ الزَّمَخْشَرِيّ: لَو ركبت مَعَ ماو لَا، لمعنيين: معنى امْتنَاع الشَّيْء لوُجُود غَيره، وَمعنى التحضيض، وَأما هَل فَلم تركب إلاَّ مَعَ، لَا، وَحدهَا للتحضيض، وَالْمعْنَى: هلا تَأْتِينَا بِالْمَلَائِكَةِ يشْهدُونَ بصدقك ويعضدونك على إنذارك.
شِيَعٌ أمَمٌ وللأوْلياءِ أيْضاً شِيَعٌ
أَشَارَ بِهِ إِلَى قَوْله عز وَجل: {وَلَقَد أرسلنَا من قبلك فِي شيع الْأَوَّلين} (الْحجر: 01) وَفسّر قَوْله: شيع، بقوله: أُمَم، وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَة فِي شيع الْأَوَّلين أَي فِي أُمَم الْأَوَّلين. وَاحِدهَا شيعَة. وَقَالَ الثَّعْلَبِيّ: فِيهِ إِضْمَار تَقْدِيره: وَلَقَد أرسلنَا من قبلك رسلًا فِي شيع الْأَوَّلين، وَقَالَ الْحسن: فرق الْأَوَّلين، والشيعة الْفرْقَة والطائفة من النَّاس. قَوْله: (وللأولياء أَيْضا شيع) أَي: لَهُم شيع. وَقَالَ الطَّبَرِيّ: وَيُقَال ولأولياء الرجل أَيْضا: شيعَة.
وَقَالَ ابنُ عَبَّاسٍ يُهْرَعُونَ مُسْرِعِينَ
هَذَا لَيْسَ من هَذِه السُّورَة، وَإِنَّمَا هُوَ من سُورَة هود، وَأَشَارَ بِهِ إِلَى قَوْله تَعَالَى: {وجاءه قومه يهرعون إِلَيْهِ وَمن قبل كَانُوا يعْملُونَ السَّيِّئَات} (هود: 87) . وَفسّر ابْن عَبَّاس قَوْله تَعَالَى: {يهرعون} بقوله: مُسْرِعين، وَقد وصل هَذَا التَّعْلِيق ابْن أبي حَاتِم من طَرِيق عَليّ بن أبي طَلْحَة عَن ابْن عَبَّاس. قَوْله: {وجاءه قومه} أَي: جَاءَ لوطاً قومه، وَقد ذكرنَا قصَّته فِي (تاريخنا الْكَبِير) .

(19/7)


لِلْمُتَوَسِّمِينَ لِلنَّاظِرِينَ

أَشَارَ بِهِ إِلَى قَوْله تَعَالَى: {إِن فِي ذَلِك لآيَات للمتوسمين} (الْحجر: 57) وَفسّر المتوسمين بقوله: (للناظرين) ، وَيُقَال: للمتفرسين المتأملين، وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيّ: حَقِيقَة المتوسمين النظار المتثبتون فِي نظرهم حَتَّى يعرفوا حَقِيقَة سمة الشَّيْء، وَقَالَ قَتَادَة: مَعْنَاهُ للمعتبرين، وَقَالَ مقَاتل: للمتفكرين.
سُكِّرَتْ غُشِّيَتْ

أَشَارَ بِهِ إِلَى قَوْله تَعَالَى: {إِنَّمَا سكرت أبصارنا بل نَحن قوم مسحورون} (الْحجر: 51) وَفسّر: (سكرت) ، بقوله: (غشيت) ، وَكَذَا فسره أَبُو عُبَيْدَة، وَقَالَ أَبُو عَمْرو: وَهُوَ مَأْخُوذ من السكر فِي الشَّرَاب، وَعَن ابْن عَبَّاس: سكرت أخذت، وَعَن الْحسن: سكرت، وَعَن الْكَلْبِيّ: أغشيت وأغميت، وَقيل: حبست ومنعت من النّظر.
بُرُوجاً مَنازِلَ لِلشَّمْسِ والقَمَرِ
أَشَارَ بِهِ إِلَى قَوْله تَعَالَى: {وَلَقَد جعلنَا فِي السَّمَاء بروجاً وزيناها للناظرين} (الْحجر: 61) وَفسّر: بروجاً بقوله: (منَازِل للشمس وَالْقَمَر) ، وَقَالَ الثَّعْلَبِيّ: بروجاً أَي: قصوراً ومنازل وَهِي كواكب تنزلها الشَّمْس وَالْقَمَر وزحل وَالْمُشْتَرِي والمريخ وَعُطَارِد والزهرة وَالْكَوَاكِب السيارة وأسماؤها: الْحمل والثور والجوزاء والسرطان والأسد والسنبلة وَالْمِيزَان وَالْعَقْرَب والقوس والجدي والدلو والحوت، وَقَالَ مُجَاهِد: أَرَادَ بالبروج النُّجُوم.
لَوَاقِحَ مَلاقِحَ مُلْقِحَةً
أَشَارَ بِهِ إِلَى قَوْله تَعَالَى: {وَأَرْسَلْنَا الرِّيَاح لَوَاقِح فأنزلنا من السَّمَاء مَاء} (الْحجر: 22) وَفسّر اللواقح بقوله: (ملاقح) ثمَّ أَشَارَ بِأَنَّهُ جمع: ملقحة، وَتَفْسِير اللواقح بالملاقح نَادِر، وَإِنَّمَا يُقَال: ريَاح لَوَاقِح، وَلَا يُقَال: ملاقح، قَالَ الْجَوْهَرِي: وَهُوَ من النَّوَادِر، وَيُقَال: ألقح الْفَحْل النَّاقة وألقح الرّيح السَّحَاب، وَقَالَ ابْن مَسْعُود: فِي هَذِه الْآيَة يُرْسل الله تَعَالَى الرّيح فَتحمل المَاء فتمر بالسحاب فتدر كَمَا تدر الملقحة ثمَّ تمطر، وَقَالَ الْفراء: أَرَادَ بقوله: لَوَاقِح ذَات لقح، كَقَوْل الْعَرَب: رجلٌ لابنٌ ورامخٌ وتامرٌ.
حَمأٍ جَمَاعَةُ حَمْأَةٍ وهْوَ الطِّينُ المُتَغَيِّرُ والمَسْنُونُ المَصْبُوبُ

أَشَارَ بِهِ إِلَى قَوْله تَعَالَى: {لم أكن لأسجد لبشر خلقته من صلصال من حمأ مسنون} (الْحجر: 33) وَذكر أَن: حمأ، جمع حمأ ثمَّ فَسرهَا بالطين الْمُتَغَيّر، وَفسّر الْمسنون بقوله: المصبوب، وَهَكَذَا فسره أَبُو عُبَيْدَة، وَعَن ابْن عَبَّاس: الْمسنون التُّرَاب المبتل المنتن وَأَصله من قَول الْعَرَب: سننت الْحجر على الْحجر إِذا صللته بِهِ، وَمَا يخرج من بَين الحجرين، يُقَال لَهُ: السنين والسنانة، وَمِنْه: المسن. قَوْله: {من صلصال} وَهُوَ الطين الْيَابِس إِذا نقرته سَمِعت لَهُ صلصلة أَي: صَوتا من يبسه قبل أَن تمسه النَّار، فَإِذا مسته النَّار فَهُوَ: فخار، وَعَن مُجَاهِد: هُوَ الطين المنتن، وَاخْتَارَهُ الْكسَائي من: صل اللَّحْم وأصلّ: إِذا أنتن.
تَوْجَلْ تَخَفْ

أَشَارَ بِهِ إِلَى قَوْله تَعَالَى: {قَالُوا لَا توجل إِنَّا نبشرك بِغُلَام عليم} (الْحجر: 35) وَفسّر: توجل، بقوله: (تخف) وَأَصله لَا توجل، وَتَفْسِيره: لَا تخف، واشتقاقه من الوجل وَهُوَ الْخَوْف. قَوْله: (قَالُوا) أَي: قَالَت الْمَلَائِكَة لإِبْرَاهِيم عَلَيْهِ السَّلَام {لَا توجل} . إِنَّمَا قَالُوا ذَلِك حِين دخلُوا على إِبْرَاهِيم، قَالَ إِبْرَاهِيم عَلَيْهِ السَّلَام: {إِنَّا مِنْكُم وجلون} أَي: خائفون، ثمَّ يشروه بِغُلَام أَتَاهُ إِيَّاه على كبره وَكبر امْرَأَته وَأَرَادَ بالغلام إِسْحَاق. قَوْله: (عليم) ، أَي: عليم بِالدّينِ، وَقيل: بالحكمة، وَهَذَا الَّذِي ذكره البُخَارِيّ لم يثبت فِي رِوَايَة أبي ذَر.
{دابِرَ آخِرَ}

أَشَارَ بِهِ إِلَى قَوْله تَعَالَى: {وقضينا إِلَيْهِ ذَلِك الْأَمْرَانِ دابر هَؤُلَاءِ مَقْطُوع مصبحين} (الْحجر: 66) وَفسّر: دابر، بقوله: (آخر) ، وَهَذَا أَيْضا لم يثبت فِي رِوَايَة أبي ذَر. قَوْله: (وقضينا إِلَيْهِ) أَي: أَوْحَينَا إِلَى لوط عَلَيْهِ السَّلَام، (بِأَن دابر هَؤُلَاءِ) ، أَي: قومه مَقْطُوع أَي: مستأصل. قَوْله: (مصبحين) أَي: حَال كَونهم فِي الصُّبْح.
الصَّيْحَةُ الهَلَكةُ

(19/8)


أَشَارَ بِهِ إِلَى قَوْله تَعَالَى: {فَأَخَذتهم الصَّيْحَة مشرقين} (الْحجر: 37) وَفسّر الصَّيْحَة بالهلكة، وَهَكَذَا فَسرهَا أَبُو عُبَيْدَة. قَوْله: (مشرقين) أَي: حِين أشرقت الشَّمْس عَلَيْهِم وهم قوم لوط عَلَيْهِ السَّلَام.

1 - (بابٌ: {إلاَّ مَنِ اسْتَرَقَ السَّمْعَ فأتْبَعَهُ شِهابٌ مُبِينٌ} (الْحجر: 81)

أَي: هَذَا بَاب فِي قَوْله تَعَالَى: {إلاَّ من اسْترق السّمع} وَلَيْسَ فِي بعض النّسخ: بَاب، وأوله: {وحفظنا من كل شَيْطَان رجيم إلاَّ من اسْترق السّمع} الْآيَة. قَوْله: (وحفظناها) أَي: السَّمَاء بِالشُّهُبِ {من كل شَيْطَان رجيم} أَي: مرجوم مبعد. قَوْله: {إِلَّا من اسْترق السّمع} اسْتثِْنَاء مُنْقَطع، أَي: لَكِن من اسْترق السّمع، وَعَن ابْن عَبَّاس: إِنَّهُم كَانُوا لَا يحجبون عَن السَّمَوَات، فَلَمَّا ولد عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَام، منعُوا من ثَلَاث سموات، فَلَمَّا ولد نَبينَا مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، منعُوا من السَّمَوَات أجمع فَمَا مِنْهُم من أحد يُرِيد استراق السّمع إلاَّ رمى (بشهاب مُبين) ، أَي: بِنَار بَين، والشهاب فِي اللُّغَة: النَّار الساطعة.

1074 - حدَّثنا عَلِيُّ بنُ عبْدِ الله حَدثنَا سُفْيانُ عنْ عَمْروٍ عنْ عِكْرِمَةَ عنْ أبي هُرَيْرَةَ رَضِي الله عَنهُ يَبْلُغُ بِهِ النبيَّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ إذَا قَضَي الله الأمْرَ فِي السَّماءِ ضَرَبَتِ المَلاَئِكَةُ بأجْنِحَتِها خُضْعاناً لِقَوْلِهِ كالسِّلْسِلَةِ عَلَى صَفْوانٍ قالَ عَلِيٌّ وَقَالَ غَيْرُهُ صَفَوَانٍ يَنْفُذُهُمْ ذالِكَ فإِذَا فُزِّعَ عنْ قُلُوبِهِمْ قالُوا ماذَا قَالَ رَبُّكُمْ قالُوا لِلَّذِي قَالَ الحَقَّ وهْوَ العَلِيُّ الكبِيرُ فيَسْمَعُها مُسْتَرِقو السَّمْع ومُسْترِقو السَّمْعِ هاكَذَا واحِدٌ فَوْقَ آخَرَ وَوَصَفَ سُفْيانُ بِيَدِهِ وفَرَّجَ بَيْنَ أصابِعِ يَدِهِ اليُمْنَى نَصَبَها بَعْضَها فَوْقَ بَعْضٍ فرُبَّما أدْرَكَ الشِّهابُ المُسْتَمعَ قبْلَ أنْ يَرْمِيَ بِها إِلَى صاحبِهِ فَيُحْرِقُهُ ورُبَّما لَمْ يُدْرِكْهُ حَتَّى يَرْمِيَ بهَا إِلَى الَّذِي يَلِيهِ إِلَى الذِي هُوَ أسْفَلُ مِنْهُ حَتَّى يُلْقُوها إِلَى الأرْضِ ورُبَّما قَالَ سُفْيانُ حَتَّى تَنْتَهي إِلَى الأرْض فتُلْقَى عَلَى فَمِ السَّاحِرِ فيَكْذِبُ مَعَها مائَةَ كَذْبَةٍ فيَصْدُقُ فيَقُولونَ ألمْ يُخْبِرْنا يَوْمَ كَذَا وكَذَا يَكُونُ كَذَا وكَذَا فَوَجَدْناهُ حقًّا لِلْكَلِمَةِ الَّتي سُمِعَتْ مِنَ السَّماءِ.
(مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة وَعلي بن عبد الله هُوَ ابْن الْمَدِينِيّ، وسُفْيَان هُوَ ابْن عُيَيْنَة، وَعَمْرو هُوَ ابْن دِينَار، وَعِكْرِمَة هُوَ مولى ابْن عَبَّاس.
والْحَدِيث أخرجه البُخَارِيّ أَيْضا عَن الْحميدِي فِي التَّفْسِير وَفِي التَّوْحِيد أَيْضا عَن عَليّ بن عبد الله. وَأخرجه أَبُو دَاوُد فِي الْحُرُوف عَن أَحْمد بن عَبدة. وَأخرجه التِّرْمِذِيّ فِي التَّفْسِير عَن مُحَمَّد بن يحيى. وَأخرجه ابْن مَاجَه فِي التَّفْسِير عَن يَعْقُوب بن حميد بن كاسب، وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيّ: رَوَاهُ عَليّ بن حَرْب عَن سُفْيَان فَوَقفهُ، وَرَوَاهُ أَيْضا عَن إِسْحَاق بن عبد الْوَاحِد عَن ابْن عُيَيْنَة عَن عَمْرو عَن عِكْرِمَة عَن ابْن عَبَّاس عَن أبي هُرَيْرَة، قَالَ: هَذَا غلط فِي ذكره ابْن عَبَّاس بِأَن جمَاعَة رَوَوْهُ عَن سُفْيَان، فَقَالُوا: عَن عِكْرِمَة حَدثنَا أَبُو هُرَيْرَة.
قَوْله: (يبلغ بِهِ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم) ، وَلم يقل صَرِيحًا: سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لاحْتِمَال الْوَاسِطَة أَو شَيْء من كَيْفيَّة الْبَلَاغ. قَوْله: (إِذا قضى الله) ، أَي: إِذا حكم الله عز وَجل، بِأَمْر من الْأُمُور وَالْقَضَاء فصل الْأَمر سَوَاء كَانَ بقول أَو فعل، وَهَذَا بِمَعْنى التَّقْدِير، وَيَجِيء بِمَعْنى الْخلق كَمَا فِي قَوْله عَلَيْهِ السَّلَام: لما قضى الله، أَي: لما خلقه. قَوْله: (ضربت الْمَلَائِكَة) أَي: مَلَائِكَة السَّمَاء بأجنحتها. قَوْله: (خضعانا) ، بِضَم الْخَاء مصدر من خضع نَحْو غفر غفراناً، وَيُقَال: خضع يخضع خضوعاً وخضعاناً وَهُوَ الانقياد وَالطَّاعَة، ويروى بِكَسْر الْخَاء كالوحدان، وَيجوز أَن يكون جمع خاضع، وَقَالَ الْكرْمَانِي: أَي خاضعين، وَقَالَ شيخ شَيخنَا الطَّيِّبِيّ، إِذا كَانَ خضعاناً جمعا كَانَ حَالا، وَإِذا كَانَ مصدرا يجوز أَن يكون مَفْعُولا مُطلقًا لما فِي ضرب الأجنحة من معنى الخضوع أَو مَفْعُولا لَهُ، وَذَلِكَ لِأَن الطَّائِر إِذْ استشعر خوفًا أرْخى جناحيه مرتعداً. قَوْله: (لقَوْله) ، أَي: لقَوْل الله، عز وَجل. قَوْله: (كالسلسلة على الصفوان) ، تَشْبِيه القَوْل المسموع بالسلسلة على الصفوان كَمَا شبه فِي بَدْء الْوَحْي بقوله: كصلصلة الجرس، وَهُوَ صَوت الْملك بِالْوَحْي، والصفوان: الْحجر الأملس، وَقَالَ الْخطابِيّ: الصلصلة

(19/9)


صَوت الْحَدِيد إِذا تحرّك وتداخل وَكَأن الرِّوَايَة وَقعت لَهُ هُنَا بالصَّاد، أَو أَرَادَ أَن التَّشْبِيه فِي الْمَوْضِعَيْنِ بِمَعْنى وَاحِد. قَوْله: (قَالَ عَليّ) هُوَ: عَليّ بن عبد الله شَيْخه. قَوْله: (وَقَالَ غَيره) ، أَي: غير سُفْيَان الرَّاوِي الْمَذْكُور (ينفذهم ذَلِك) وَهَذِه اللَّفْظَة هِيَ زِيَادَة غير سُفْيَان أَي: ينفذ الله إِلَى الْمَلَائِكَة ذَلِك القَوْل، وَرُوِيَ: ينفذ ذَلِك، أَي: ينفذ الله ذَلِك الْأَمر، والصفوان تِلْكَ السلسلة أَي: صَوتهَا، وَفِي تَفْسِير ابْن مرْدَوَيْه من حَدِيث ابْن مَسْعُود رَفعه: إِذا تكلم الله بِالْوَحْي سمع أهل السَّمَوَات صلصلة أَي: كصلصلة السلسلة على الصفوان فيفزعون ويرون أَنه من أَمر السَّاعَة، وَقَرَأَ: {حَتَّى إِذا فزع} (سبإ: 32) الْآيَة. وأصل الحَدِيث عِنْد أبي دَاوُد. قَوْله: (فَإِذا فزع) أَي: فَإِذا أزيل الْخَوْف عَن قُلُوبهم، وَزَوَال الْفَزع هُنَا بعد سماعهم القَوْل كالفصم عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بعد سَماع الْوَحْي. قَوْله: (مَاذَا قَالَ ربكُم) أَي: قَالَت الْمَلَائِكَة: أَي شَيْء قَالَ ربكُم؟ قَوْله: (قَالُوا) ، الْقَائِلُونَ هم المجيبون وهم الْمَلَائِكَة المقربون كجبريل وَمِيكَائِيل وَغَيرهمَا، على مَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُد من حَدِيث ابْن مَسْعُود، قَالَ: إِذا تكلم الله عز وَجل بِالْوَحْي سمع أهل السَّمَاء صلصلة كجر السلسلة على الصفوان، فيصعقون فَلَا يزالون كَذَلِك حَتَّى يَأْتِيهم جِبْرِيل عَلَيْهِ السَّلَام، فَإِذا جَاءَ جِبْرِيل فزع عَن قُلُوبهم فَيَقُولُونَ: يَا جِبْرِيل! مَاذَا قَالَ ربكُم؟ فَيَقُول: الْحق، فَيَقُولُونَ: الْحق الْحق. قَوْله: (الَّذِي قَالَ) ، أَي: الَّذِي قَالُوا: الْحق لأجل مَا قَالَ الله عز وَجل وَالْمعْنَى أَنهم عبروا عَن قَول الله وَمَا قَضَاهُ وَقدره بِلَفْظ الْحق. قَوْله: (الْحق) ، مَنْصُوب على أَنه صفة مصدر مَحْذُوف تَقْدِيره: قَالَ الله القَوْل الْحق، وَيحْتَمل الرّفْع على تَقْدِير: قَالَ المجيبون: قَوْله الْحق، هَكَذَا قدر الزَّمَخْشَرِيّ فِي سُورَة سبأ فِي قَوْله تَعَالَى: {مَاذَا أنزل ربكُم قَالُوا الْحق} (سبإ: 32) بِالرَّفْع، وَالْقَوْل يجوز أَن يُرَاد بِهِ كلمة: كن، وَإِن يُرَاد بِالْحَقِّ مَا يُقَابل الْبَاطِل، وَيجوز أَن يُرَاد بِهِ القَوْل المسطور فِي اللَّوْح الْمَحْفُوظ، فَالْحق بِمَعْنى الثَّابِت فِي اللَّوْح الْمَحْفُوظ. قَوْله: (فيسمعها) أَي: يسمع تِلْكَ الْكَلِمَة وَهِي القَوْل الَّذِي قَالَ الله عز وَجل، (ومسترقو السّمع) فَاعله وَأَصله: مسترقون للسمع، فَلَمَّا أضيف حذفت النُّون، وَفِي رِوَايَة أبي ذَر: (فيسمعها مسترق السّمع) ، بِالْإِفْرَادِ. قَوْله: (ومسترقو السّمع) مُبْتَدأ وَخَبره هُوَ قَوْله: هَكَذَا، ثمَّ فسره بقوله: هَكَذَا وَاحِد فَوق آخر، (وَوصف سُفْيَان) إِلَى قَوْله: (فَوق بعض) من الْوَصْف، وَهُوَ بَيَان كَيْفيَّة المستمعين بركوب بَعضهم على بعض، وَقَالَ الْكرْمَانِي: وصف، بتَشْديد الْفَاء، ويروى: وَوصف. قَوْله: (بِيَدِهِ) ، ويروى بكفه، أَي: بيَّن ركُوب بَعضهم فَوق بعض بأصابعه، قَوْله: (بَعْضهَا فَوق بعض) توضيح أَو بدل وَفِيه معنى التَّشْبِيه، أَي: مسترقو السّمع بَعضهم رَاكب بَعضهم مُردفِينَ ركُوب أصابعي هَذِه بَعْضهَا فَوق بعض. قَوْله: (وَوصف سُفْيَان) إِلَى آخِره، كَلَام معترض بَين الْكَلَامَيْنِ. قَوْله: (فَرُبمَا أدْرك الشهَاب المستمع) قد مر أَن الشهَاب هُوَ النَّار، وَقيل: هُوَ كواكب تضيء، قَالَ الله تَعَالَى: {إِنَّا زينا السَّمَاء الدُّنْيَا بزينة الْكَوَاكِب وحفظاً من كل شَيْطَان مارد} (الصافات: 6) وسمى شهاباً لبريقه وَشبهه بالنَّار، وَقيل: الشهَاب شعلة نَار، وَاخْتلفُوا فِي أَنه يقتل أم لَا، فَعَن ابْن عَبَّاس أَنه يجرح وَيحرق وَلَا يقتل، وَقَالَ الْحسن وَغَيره: يقتل. قَوْله: (إِلَى الَّذِي هُوَ أَسْفَل مِنْهُ) ، بدل عَن قَوْله: إِلَى الَّذِي يَلِيهِ. قَوْله: (وَرُبمَا قَالَ سُفْيَان: حَتَّى يَنْتَهِي إِلَى الأَرْض) أَيْضا معترض. قَوْله: (فَتلقى) ، أَي الْكَلِمَة الَّتِي يسترقها المستمع. قَوْله: (على فَم السَّاحر) أَي: المنجم، وَفِي الحَدِيث: (المنجم سَاحر) ، وَفِي رِوَايَة سُورَة سبأ: (على لِسَان السَّاحر أَو الكاهن) ، وَفِي رِوَايَة سعيد بن مَنْصُور عَن سُفْيَان: (على السَّاحر أَو الكاهن) . قَوْله: (فيكذب مَعهَا) ، أَي: فيكذب السَّاحر مَعَ تِلْكَ الْكَلِمَة الملقاة على فَمه. قَوْله: (فَيصدق) ، على صِيغَة الْمَجْهُول، أَي: فَيصدق السَّاحر فِي كذباته. قَوْله: (فَيَقُولُونَ) أَي: السامعون مِنْهُ: (ألم يخبرنا السَّاحر يَوْم كَذَا وَكَذَا) ، وَهُوَ بِضَم الْيَاء من الْإِخْبَار قَوْله: (كَذَا) ، كِنَايَة عَن الخرافات الَّتِي يذكرهَا السَّاحر. قَوْله: (فوجدناه) ، الضَّمِير الْمَنْصُوب فِيهِ يرجع إِلَى مَا أخبر بِهِ السَّاحر. قَوْله: (للكلمة الَّتِي) أَي: لأجل الْكَلِمَة الَّتِي سَمِعت من السَّمَاء جعلُوا كل أخباره حَقًا.

حدَّثنا عليُّ بنُ عبْدِ الله حدَّثنا سُفْيانُ حدَّثنا عَمْروٌ عَنْ عِكْرِمَةَ عنْ أبي هُرَيْرَةَ إذَا قَضَى الله الأمْرَ وزادَ والْكاهِنِ.
هَذَا بِعَيْنِه هُوَ الْإِسْنَاد الْمَاضِي وَلكنه مَوْقُوف فِي معنى الْمَرْفُوع، وَزَاد عَليّ فِيهِ لفظ الكاهن على السَّاحر.

(19/10)


وَحدثنَا سُفْيانُ فَقَالَ قَالَ عَمْروٌ سَمِعْتُ عِكْرِمَةَ حدَّثنا أبُو هُرَيْرَةَ قَالَ إذَا قَضَى الله الأمْرَ وَقَالَ عَلَى فَمِ السَّاحِرِ قُلْتُ لِسُفْيانَ أأنْتَ سَمِعْتَ عَمْراً قَالَ سَمِعْتُ عِكْرَمَةَ قَالَ سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ قَالَ نَعَمْ قُلْتُ لِسُفْيَانَ إنَّ إنْساناً رَوَى عَنْكَ عَنْ عَمْروٍ عنْ عِكْرِمَةَ عنْ أبي هُرَيْرَةَ وَيَرْفَعُهُ أنَّهُ قَرَأَ فُرِّغَ قَالَ سُفْيانُ هاكَذَا قَرَأ عَمْروٌ فَلاَ أدْرِي سَمِعَهُ هَكَذَا أمْ لاَ قَالَ سُفْيانُ وهْيَ قِرَاءَتُنا.
أَي: قَالَ عَليّ بن عبد الله: وَحدثنَا سُفْيَان أَيْضا الخ، وَهَذَا السَّنَد فِيهِ التَّصْرِيح بِالتَّحْدِيثِ وبالسماع. قَوْله: (قلت لِسُفْيَان) الْقَائِل هُوَ عَليّ بن عبد الله. قَوْله: (وَيَرْفَعهُ) أَي: وَيرْفَع أَبُو هُرَيْرَة الحَدِيث إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم. قَوْله: (قَرَأَ فرغ) ، بِضَم الْفَاء وَتَشْديد الرَّاء مَكْسُورَة وبالغين الْمُعْجَمَة، قَالَ سُفْيَان: هُوَ ابْن عُيَيْنَة، وَهَكَذَا قَرَأَ عَمْرو بن دِينَار، وَهَذِه الْقِرَاءَة رويت أَيْضا عَن الْحسن وَقَتَادَة وَمُجاهد، وَالْقِرَاءَة الْمَشْهُورَة بالزاي وَالْعين الْمُهْملَة، وَقَرَأَ ابْن عَامر بِفَتْح الْفَاء وَالرَّاء وبالغين الْمُعْجَمَة من قَوْلهم: فرغ الزَّاد إِذا لم يبْق مِنْهُ شَيْء، وَقَالَ الْكرْمَانِي: كَيفَ جَازَت الْقِرَاءَة إِذا لم تكن مسموعة؟ قلت: لَعَلَّ مذْهبه جَوَاز الْقِرَاءَة بِدُونِ السماع إِذا كَانَ الْمَعْنى صَحِيحا.

2 - (بابُ قَوْلِهِ: {وَلَقَدْ كَذَّبَ أصْحابُ الْحِجْرِ المُرْسَلِينَ} (الْحجر: 08)

أَي: هَذَا بَاب فِي قَوْله عز وَجل: {وَلَقَد كذب أَصْحَاب الْحجر} أَي: الْوَادي، وَهِي مَدِينَة ثَمُود قوم صَالح وَهِي فِيمَا بَين الْمَدِينَة وَالشَّام، وَقَالَ الثَّعْلَبِيّ: أَرَادَ بِالْمُرْسَلين صَالحا وَحده، وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيّ: لِأَن من كذب وَاحِدًا مِنْهُم فَكَأَنَّمَا كذبهمْ جَمِيعًا، أَو أَرَادَ صَالحا وَمن مَعَه من الْمُؤمنِينَ، كَمَا قيل: الخبيبيون فِي ابْن الزبير وَأَصْحَابه. قلت: التنظير فِيهِ نظر لِأَن من كَانَ مَعَ صَالح من الْمُؤمنِينَ لم يَكُونُوا رسلًا وَإِنَّمَا كَانُوا أمته.

2074 - حدَّثنا إبْرَاهِيمُ بنُ المُنْذِرِ حدَّثنا مَعْنٌ قَالَ حَدثنِي مالِكٌ عنْ عبْدِ الله بنِ دِينارٍ عنْ عبْدِ الله بن عُمَرَ رَضِي الله عَنْهُمَا أنَّ رسُولَ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ لأصْحابِ الْحِجْرِ لَا تَدْخُلُوا عَلَى هاؤُلاَءِ القَوْمِ إلاّ أنْ تَكُونُوا باكِينَ فإِنْ لَمْ تَكُونُوا باكِينَ فَلاَ تَدْخُلُوا عَلَيْهِمْ أنْ يُصِيبَكُمْ مِثْلُ مَا أصابَهُمْ..
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة، ومعن هُوَ أَبُو عِيسَى بن يحيى الْقَزاز الْمدنِي.
والْحَدِيث قد مر فِي كتاب الصَّلَاة فِي: بَاب الصَّلَاة فِي مَوَاضِع الْخَسْف فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ عَن إِسْمَاعِيل بن عبد الله عَن مَالك الخ، وَهَذَا أَعلَى بِدَرَجَة لِأَن بَينه وَبَين مَالك هُنَاكَ وَاحِد وَهَهُنَا إثنان.
قَوْله (لأَصْحَاب الْحجر) أَي: لأَصْحَاب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الَّذين قدمُوا الْحجر. قَوْله: (هَؤُلَاءِ الْقَوْم) ، أَي: على مَنَازِلهمْ. قَوْله: (بَاكِينَ) ، من الْبكاء، وَذكر ابْن التِّين عَن الشَّيْخ أبي الْحسن: بائين، بِهَمْزَة بدل الْكَاف، ثمَّ قَالَ: وَلَا وَجه لذَلِك. قَوْله: (أَن يُصِيبكُم) ، أَي: أَن لَا يُصِيبكُم، أَو: كَرَاهَة أَن يُصِيبكُم.

3 - (بابُ قَوْلِهِ: {وَلَقَدْ آتَيْنَاكَ سَبْعاً مِنَ المَثانِي والْقُرْآنَ العَظِيمَ} (الْحجر: 78)

أَي: هَذَا بَاب فِي قَوْله عز وَجل: {وَلَقَد آتيناك سبعا من المثاني} أَي: فَاتِحَة الْكتاب، وَهُوَ قَول عمر وَعلي وَابْن مَسْعُود وَالْحسن وَمُجاهد وَقَتَادَة وَالربيع والكلبي، ويروى ذَلِك مَرْفُوعا، كَمَا يَجِيء عَن قريب، إِن شَاءَ الله تَعَالَى، وَسميت بذلك لِأَن أهل السَّمَاء يصلونَ بهَا كَمَا يُصَلِّي أهل الأَرْض، وَقيل: لِأَن حروفها وكلماتها مثناة مثل: الرَّحْمَن الرَّحِيم، إياك وَإِيَّاك، والصراط والصراط، وَعَلَيْهِم وَعَلَيْهِم، وَغير وَغير فِي قِرَاءَة عمر بن الْخطاب رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ. وَقَالَ الْحُسَيْن بن الْمفضل: لِأَنَّهَا نزلت مرَّتَيْنِ مَعَ كل مرّة مِنْهَا سَبْعُونَ ألف ملك، مرّة بِمَكَّة من أَوَائِل مَا أنزل من الْقُرْآن، وَمرَّة بِالْمَدِينَةِ، وَالسَّبَب فِيهِ أَن سبع قوافل وافت من بصرى وَأَذْرعَات ليهود من بني قُرَيْظَة وَالنضير فِي يَوْم وَاحِد، وفيهَا أَنْوَاع من الْبرد وأفانين الطّيب والجواهر وأمتعة

(19/11)


الْبَحْر، فَقَالَ الْمُسلمُونَ: لَو كَانَت هَذِه الْأَمْوَال لنا لتقوينا بهَا ولأنفقناها فِي سَبِيل الله تَعَالَى، فَأنْزل الله هَذِه الْآيَة: {وَلَقَد آتيناك سبعا} (الْحجر: 78) أَي: سبع آيَات خير لَك من هَذِه السَّبع القوافل، وَدَلِيل هَذَا قَوْله عز وَجل فِي عَقبهَا: {لَا تَمُدَّن عَيْنَيْك} (الْحجر: 88) الْآيَة، وَقيل: لِأَنَّهَا مصدرة بِالْحَمْد، وَالْحَمْد أول كلمة تكلم بهَا آدم عَلَيْهِ السَّلَام، حِين عطس، وَهِي آخر كَلَام أهل الْجنَّة من ذُريَّته، قَالَ الله تَعَالَى: {وَآخر دَعوَاهُم أَن الْحَمد لله رب الْعَالمين} (يُونُس: 01) وَقَالَ قوم: إِن السَّبع المثاني هِيَ السَّبع الطوَال، وَهِي: الْبَقَرَة وَآل عمرَان وَالنِّسَاء والمائدة والأنعام والأعراف والأنفال وَالتَّوْبَة مَعًا، وهما سُورَة وَاحِدَة، وَلِهَذَا لم تكْتب بَينهمَا بَسْمَلَة، وَهُوَ قَول ابْن عمر وَابْن عَبَّاس وَسَعِيد بن جُبَير وَالضَّحَّاك، وَعَن ابْن عَبَّاس: إِنَّمَا سميت الطوَال مثاني لِأَن الْفَرَائِض وَالْحُدُود والأمثال وَالْخَبَر والعبر ثبتَتْ فِيهَا، وَعَن طَاوُوس وَابْن مَالك: الْقُرْآن كُله مثاني لِأَن الأنباء والقصص ثبتَتْ فِيهِ، فعلى هَذَا القَوْل المُرَاد بالسبع سَبْعَة أَسْبَاع الْقُرْآن، وَيكون فِيهِ إِضْمَار تَقْدِيره: وَهُوَ الْقُرْآن الْعَظِيم. قيل: الْوَاو، فِيهِ مقحمة مجازه. {وَلَقَد آتيناك سبعا من المثاني وَالْقُرْآن الْعَظِيم} ، وَقيل: دخلت الْوَاو لاخْتِلَاف اللَّفْظَيْنِ، وعَلى القَوْل الأول يكون الْعَطف فِي قَوْله: {وَالْقُرْآن الْعَظِيم} من عطف الْعَام على الْخَاص.

3074 - حدَّثني مُحَمَّدُ بنُ بَشَّار حَدثنَا غُنْدَرٌ حَدثنَا شُعْبَة عنْ خُبَيْبِ بنِ عبْدِ الرَّحْمانِ عنْ حَفْصِ بنِ عاصِمٍ عنْ أبي سَعِيدِ بنِ المَعَلَّى قالَ مَرَّ بِيَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأَنا أُصَلِّي فَدَاعاني فَلَمْ آتِهِ حَتَّى صَلَّيْتُ ثُمَّ أتَيْتُ فَقَالَ مَا مَنَعَكَ أنْ تأتِيَ فقُلْتُ كُنْتُ أُصَلِّي فَقَالَ ألَمْ يَقُلِ الله يَا أيُّها الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لله ولِلرَّسولِ ثُمَّ قَالَ أَلا أعَلِّمُكَ أعْظم سورَةٍ فِي القُرْآنِ قَبْلَ أنْ أخْرُجَ مِن المَسْجِدِ فَذَهَبَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لِيَخْرُجَ مِنَ المَسْجِدِ فَذَكّرْتُهُ فَقَالَ الحَمْدُ لله رَبِّ الْعَالَمِينَ هِيَ السَّبْعُ المَثاني والقُرْآنُ العَظِيمُ الَّذِي أوتِيتُهُ.
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. وَمُحَمّد بن بشار، بِفَتْح الْبَاء الْمُوَحدَة وَتَشْديد الشين الْمُعْجَمَة، وغندر، بِضَم الْغَيْن الْمُعْجَمَة وَسُكُون النُّون: لقب مُحَمَّد بن جَعْفَر، وَقد تكَرر ذكره، وخبيب، بِضَم الْخَاء الْمُعْجَمَة وَفتح الْبَاء الْمُوَحدَة وَسُكُون الْيَاء آخر الْحُرُوف وَفِي آخِره بَاء أُخْرَى: أَبُو الْحَارِث الْأنْصَارِيّ الْمدنِي، وَحَفْص بن عَاصِم ابْن عمر بن الْخطاب رَضِي الله عَنْهُم، وَأَبُو سعيد بن الْمُعَلَّى من التعلية بِلَفْظ اسْم الْمَفْعُول واسْمه الْحَارِث أَو رَافع أَو أَوْس الْأنْصَارِيّ. والْحَدِيث قد مر فِي أول التَّفْسِير فِي: بَاب مَا جَاءَ فِي فَاتِحَة الْكتاب، فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ عَن مُسَدّد عَن يحيى عَن شُعْبَة. الخ، وَقد مر الْكَلَام فَهِيَ هُنَاكَ.

4074 - حدَّثنا آدَمُ حدّثنا ابنُ أبي ذِئْبٍ حدَّثَنا سعِيدٌ المَقْبِرِيُّ عنْ أبي هُرَيْرَةَ رَضِي الله عَنهُ قَالَ قَالَ رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أُمُّ القُرْآنِ هِيَ السَّبْعُ المَثاني والقُرْآنُ العَظِيمُ.
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. وآدَم هُوَ ابْن أبي إِيَاس وَابْن أبي ذِئْب، بِكَسْر الذَّال الْمُعْجَمَة: باسم الْحَيَوَان الْمَشْهُور، واسْمه مُحَمَّد ابْن عبد الرَّحْمَن العامري الْمدنِي، وَسَعِيد هُوَ ابْن أبي سعيد المَقْبُري، وَاسم أبي سعيد كيسَان.
والْحَدِيث أخرجه أَبُو دَاوُد فِي الصَّلَاة عَن أَحْمد بن أبي شُعَيْب الْحَرَّانِي. وَأخرجه التِّرْمِذِيّ فِي التَّفْسِير عَن عبد بن حميد.
قَوْله: (أم الْقُرْآن) ، كَلَام إضافي مُبْتَدأ. قَوْله: (هِيَ السَّبع المثاني) ، جملَة من الْمُبْتَدَأ وَالْخَبَر خَبره: والسبع المثاني هِيَ الْفَاتِحَة، وَإِنَّمَا سميت أم الْقُرْآن لاشتمالها على الْمعَانِي الَّتِي فِي الْقُرْآن من الثَّنَاء على الله تَعَالَى، وَمن التَّعَبُّد بِالْأَمر وَالنَّهْي وَمن الْوَعْد والوعيد، أَو لما فِيهَا من الْأُصُول الثَّلَاثَة: المبدأ والمعاش والمعاد، وَفِيه الرَّد على ابْن سِيرِين فِي قَوْله: لَا تَقولُوا أم الْقُرْآن إِنَّمَا هِيَ فَاتِحَة الْكتاب، وَأم الْكتاب هُوَ اللَّوْح الْمَحْفُوظ. وَقَوله: (الْقُرْآن الْعَظِيم) عطف على: أم الْقُرْآن، وَلَيْسَ بعطف على: السَّبع المثاني، لعدم صِحَة الْعَطف على مَا لَا يخفى، وَهُوَ مُبْتَدأ وَخَبره مَحْذُوف تَقْدِيره وَالْقُرْآن الْعَظِيم مَا عَداهَا، هَكَذَا ذكره بَعضهم وَلَيْسَ بِصَحِيح. قَوْله: (وَالْقُرْآن الْعَظِيم) هُوَ الَّذِي أعطيتموه.

(19/12)


4 - (بابُ: {الَّذِينَ جَعَلُوا القُرْآنَ عضِينَ} (الْحجر: 19)

أَي: هَذَا بَاب فِي قَوْله عز وَجل: {الَّذين جعلُوا الْقُرْآن عضين} وَلَيْسَ فِي بعض النّسخ لفظ: بَاب وَقَبله: {وَقل إِنِّي أَنا النذير الْمُبين كَمَا أنزلنَا على المقتسمين الَّذين جعلُوا الْقُرْآن عضين} (الْحجر: 98 19) . قَوْله: (وَقل) ، أَي: قل يَا مُحَمَّد إِنِّي أَنا النذير الْمُبين عذَابا كَمَا أنزلنَا على المقتسمين، فَحذف الْمَفْعُول فَهُوَ الْمُشبه وَدلّ عَلَيْهِ الْمُشبه بِهِ، كَمَا تَقول: أرتيك الْقَمَر فِي الْحسن أَي: رجلا كَالْقَمَرِ، وَقيل: الْكَاف زَائِدَة، أَي: أَنْذَرْتُكُمْ مَا أنزلنَا بالمقتسمين، وَقيل: مُتَعَلق بقوله: {وَلَقَد آتيناك سبعا من المثاني} (الْحجر: 78) {كَمَا أنزلنَا على المقتسمين} (الْحجر: 09) والآن يَجِيء تَفْسِير المقتسمين. قَوْله: (الَّذين جعلُوا الْقُرْآن) صفة للمقتسمين، قَوْله: (عضين) أَي: أَعْضَاء مُتَفَرِّقَة، من عضيت الشَّيْء، أَي: فرقته، وَقيل: هُوَ جمع عضة وَأَصلهَا عضوة فعلة من عضى الشَّاة إِذا جعلهَا أَعْضَاء أَي: جزَّأها أَجزَاء، وَقيل: أَصْلهَا عضهة فحذفت الْهَاء الْأَصْلِيَّة كَمَا حذفت من الشّفة وَأَصلهَا شفهة وَمن الشَّاة وَأَصلهَا شاهة، وَبعد الْحَذف جمع على عضين مثل مَا جمع برة على برين وكرة على كرين وَقلة على قلين، وروى الطَّبَرِيّ من طَرِيق قَتَادَة، قَالَ: عضين عضوه وبهتوه، وَمن طَرِيق عِكْرِمَة، قَالَ: العضة السحر بِلِسَان قُرَيْش، يُقَال لِلسَّاحِرَةِ العاضهة.
المُقْتَسِمِينَ الَّذِينَ حَلَفُوا
إِنَّمَا سموا بذلك لأَنهم كَانُوا يستهزئون بِالْقُرْآنِ فَيَقُول بَعضهم: السُّورَة مِنْهُ لي، وَيَقُول الآخر: السُّورَة مِنْهُ لي، وَقَالَ مُجَاهِد: فرقوا كتبهمْ فَآمن بَعضهم بِبَعْضِهَا وَكفر بَعْضهَا آخَرُونَ، وَقيل: هم قوم اقتسموا الْقُرْآن، فَقَالَ بَعضهم: سحر، وَقَالَ آخَرُونَ: شعر، وَقَالَ آخَرُونَ: أساطير الْأَوَّلين، وَقَالَ آخَرُونَ: كذب وَسمر، وَقَالَ مقَاتل: كَانُوا سِتَّة عشر رجلا بَعثهمْ الْوَلِيد بن الْمُغيرَة أَيَّام الْمَوْسِم فاقتسموا عقار مَكَّة وطرقها وقعدوا على أَبْوَابهَا وأنقابها، فَإِذا جَاءَ الْحَاج قَالَ فريق مِنْهُم: لَا تغتروا بالخارج منا مدعي النُّبُوَّة فَإِنَّهُ مَجْنُون، وَقَالَت طَائِفَة على طَرِيق آخر: إِنَّه كَاهِن، وَقَالَت طَائِفَة: إِنَّه عراف، وَقَالَت طَائِفَة: إِنَّه شَاعِر، والوليد قَاعد على بَاب الْمَسْجِد نصبوه كَاهِنًا، فَإِذا سُئِلَ عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، قَالَ: صدق أُولَئِكَ، يَعْنِي المقتسمين، وأهلكهم الله عز وَجل يَوْم بدر وَقَبله بآفات.
ومنْهُ لَا أُقْسِمُ أيْ أُقْسِمُ وتُقْرَأُ لأُقْسِمُ
أَي: وَمن معنى المقتسمين: لَا أقسم، وَأَشَارَ بذلك إِلَى أَن معنى المقتسمين من الْقسم، فَلذَلِك قَالَ: المقتسمين الَّذين حلفوا، وَلَيْسَ الْأَمر كَمَا ذكره، بل هُوَ من الاقتسام لَا من الْقسم فَلَا يَصح جعل لَا أقسم مِنْهُ. قَوْله: (أَي أقسم) أَي: معنى: لَا أقسم، أقسم لِأَن كلمة: لَا، مقحمة، وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَة فِي قَوْله تَعَالَى: {لَا أقسم بِيَوْم الْقِيَامَة} (الْقِيَامَة: 1) مجازها: أقسم بِيَوْم الْقِيَامَة، وَقيل: كلمة: لَا، على بَابهَا، وَالْمعْنَى: لَا أقسم بِكَذَا وَكَذَا بل بِكَذَا، وَقيل: مَعْنَاهُ لَيْسَ الْأَمر كَمَا زعمتم. قَوْله: (وتقرأ) على صِيغَة الْمَجْهُول، والقارىء بهَا ابْن كثير: لأقسم، بِفَتْح اللَّام بِغَيْر مدو هُوَ لَام التَّأْكِيد، وَقيل: لَام الْقسم.
قاسَمَهُما حَلَفَ لَهُما ولَمْ يَحْلِفا لهُ
أَشَارَ بِهَذَا إِلَى أَن بَاب المفاعلة هُنَا لَيْسَ على أَصله، وَإِنَّمَا هُوَ على معنى: فعل، لَا للمشاركة، وَهَذَا فِي قَوْله تَعَالَى: {وقاسمهما إِنِّي لَكمَا لمن الناصحين} (الْأَعْرَاف: 12) أَي: قَاسم إِبْلِيس آدم وحواء عَلَيْهِمَا الصَّلَاة وَالسَّلَام، وَمَعْنَاهُ: حلف لَهما أَنه من الناصحين لَهما، فِي قَوْله: {مَا نهاكما عَن هَذِه الشَّجَرَة} (الْأَعْرَاف: 02)
الْآيَة. قَوْله: (وَلم يحلفا لَهُ) ، أَي: لم يحلف آدم وحواء لإبليس، وَبِهَذَا أَشَارَ إِلَى عدم الْمُشَاركَة فِي قَوْله: وقاسمهما، كَمَا ذَكرْنَاهُ.
وَقَالَ مُجاهِدٌ تَقاسَمُوا تَحالَفُوا
أَي: قَالَ مُجَاهِد فِي معنى قَوْله تَعَالَى: {تقاسموا بِاللَّه لنبيتنه وَأَهله} (النَّمْل: 94) أَي: تحالفوا، وَكَذَا أخرجه الْفرْيَابِيّ من طَرِيق ابْن أبي نجيح عَنهُ، وَمرَاده من ذكر هَذَا وَالَّذِي قبله تَقْوِيَة مَا ذهب إِلَيْهِ من أَن لفظ المقتسمين من الْقسم لَا من الْقِسْمَة، وَهُوَ خلاف مَا ذكره الْجُمْهُور من الْمُفَسّرين.

(19/13)


5074 - حدَّثني يَعْقُوبُ بنُ إبرَاهِيمَ حَدثنَا هُشَيْمٌ أخبرنَا أبُو بِشْرٍ عنْ سعِيدِ بنِ جُبَيْرٍ عنِ ابنِ عَبّاسٍ رَضِي الله عَنْهُمَا الَّذِينَ جَعَلُوا القُرْآنَ عِضِينَ قَالَ هُمْ أهْلُ الكِتابِ جَزَّوهُ أجْزاءً فآمَنُوا بِبَعْضِهِ وَكَفَرُوا بِبَعْضِهِ.
(انْظُر الحَدِيث 5493 وطرفه) .
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. وَيَعْقُوب بن إِبْرَاهِيم الدَّوْرَقِي، وَهُوَ شيخ مُسلم أَيْضا، وهثيم مصغر الهشيم ابْن بشير، بِضَم الْبَاء الْمُوَحدَة: الوَاسِطِيّ، وَأَبُو بشر. بِكَسْر الْبَاء الْمُوَحدَة وَسُكُون الشين الْمُعْجَمَة: واسْمه جَعْفَر بن أبي وحشية واسْمه إِيَاس الْيَشْكُرِي. والْحَدِيث من أَفْرَاده. قَوْله: (جزؤه) من التجزئة وَهِي التَّفْرِقَة.

6074 - حدَّثني عُبَيْدُ الله بنُ مُوساى عنِ الأعْمَش عنْ أبي ظَبْيانَ عنِ ابنِ عبّاسٍ رَضِي الله عَنْهُمَا كَما أنْزَلْنا عَلَى المُقْتَسِمِينَ قَالَ آمَنُوا بِبَعْضٍ وكَفَرُوا بِبَعْضٍ اليَهُودُ والنَّصارَى.
(انْظُر الحَدِيث 5493 وطرفه) . عبيد الله بن مُوسَى بن بازام أَبُو مُحَمَّد الْعَبْسِي الْكُوفِي، وَالْأَعْمَش هُوَ سُلَيْمَان، وَأَبُو ظبْيَان، بِفَتْح الظَّاء الْمُعْجَمَة وَكسرهَا وَسُكُون الْبَاء الْمُوَحدَة وبالياء آخر الْحُرُوف وبالنون: واسْمه حُصَيْن مصغر الْحصن بالمهملتين ابْن جُنْدُب الْمذْحِجِي وَلَيْسَ لَهُ فِي البُخَارِيّ عَن ابْن عَبَّاس إلاَّ هَذَا الحَدِيث وَهُوَ من أَفْرَاده. قَوْله: (آمنُوا بِبَعْض وَكَفرُوا بِبَعْض) ، تَفْسِير: المقتسمين، قَوْله: (الْيَهُود) ، أَي: هم الْيَهُود وَالنَّصَارَى، وَفسّر هَذَا قَوْله فِي الرِّوَايَة السَّابِقَة: هم أهل الْكتاب.

5 - (بابُ قوْلِهِ: {واعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يأتِيكَ اليَقِينُ} (الْحجر: 99)

أَي: هَذَا بَاب فِي قَوْله عز وَجل: {واعبد رَبك حَتَّى يَأْتِيك الْيَقِين} قَالُوا: لما نزلت هَذِه الْآيَة قَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَا أُوحِي إِلَى أَن أجمع المَال وأكون من المتاجرين، وَلَكِن أُوحِي إِلَيّ أَن: {سبِّح بِحَمْد رَبك وَكن من الساجدين واعبد رَبك حَتَّى يَأْتِيك الْيَقِين} .
قَالَ سالِمٌ اليَقِينُ المَوْتُ

سَالم هُوَ ابْن عبد الله بن عمر بن الْخطاب رَضِي الله عَنْهُم، وَهَذَا التَّعْلِيق رَوَاهُ إِسْحَاق بن إِبْرَاهِيم البستي عَن بنْدَار أخبرنَا يحيى بن سعيد أخبرنَا سُفْيَان عَن طَارق بن عبد الرَّحْمَن عَن سَالم، وَقَالَ بَعضهم: إِطْلَاق الْيَقِين على الْمَوْت مجَاز لِأَن الْمَوْت لَا يشك فِيهِ، وَفِيه نظر لَا يخفى.

61 - (سُورَةُ النَّحْلِ)

أَي: هَذَا فِي تَفْسِير بعض سُورَة النَّحْل، روى همام عَن قَتَادَة أَنَّهَا مَدَنِيَّة، وروى سعيد عَنهُ أَولهَا مكي إِلَى قَوْله عز وَجل {الَّذين هَاجرُوا فِي الله من بَعْدَمَا ظلمُوا} (النَّحْل: 14) وَمن هُنَا إِلَى آخرهَا مدنِي، وَقَالَ السّديّ: مَكِّيَّة إِلَّا آيَتَيْنِ: {وَإِن عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمثل مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ} (النَّحْل: 621) وَقَالَ سُفْيَان: إِنَّهَا مَكِّيَّة، وَقَالَ الْقُرْطُبِيّ: قَالَ ابْن عَبَّاس: هِيَ مَكِّيَّة إلاَّ ثَلَاث آيَات نزلت بعد قتل حَمْزَة رَضِي الله عَنهُ: {وَلَا تشتروا بِعَهْد الله ثمنا قَلِيلا} (النَّحْل: 59) الْآيَات، وَفِي رِوَايَة: هِيَ مَكِّيَّة إلاَّ ثَلَاث آيَات نزلت بَين مَكَّة وَالْمَدينَة منصرف رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من أحد، وَقَالَ السخاوي: نزلت بعد الْكَهْف، وَقبل سُورَة نوح عَلَيْهِ السَّلَام، وَهِي سَبْعَة آلَاف وَسَبْعمائة وَسَبْعَة أحرف، وَأَلْفَانِ وَثَمَانمِائَة وَإِحْدَى وَأَرْبَعُونَ كلمة، وَمِائَة وثماني وَعِشْرُونَ آيَة.
{بِسم الله الرحمان الرَّحِيم}
لم تثبت الْبَسْمَلَة إلاَّ فِي رِوَايَة أبي ذَر.
رُوحُ القُدُسِ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلاَمُ نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الأمِينُ

أَشَارَ بِهِ إِلَى قَوْله تَعَالَى: {قل نزله روح الْقُدس من رَبك بِالْحَقِّ} (النَّحْل: 201) الْآيَة، وَفسّر: روح الْقُدس بقوله: جِبْرِيل عَلَيْهِ السَّلَام. وَكَذَا رَوَاهُ ابْن أبي حَاتِم بِإِسْنَاد رِجَاله ثِقَات عَن عبد الله بن مَسْعُود رَضِي الله عَنهُ، وَكَذَا روى الطَّبَرِيّ من طَرِيق

(19/14)


مُحَمَّد بن كَعْب الْقرظِيّ، قَالَ: روح الْقُدس جِبْرِيل عَلَيْهِ السَّلَام، وأضيف الرّوح إِلَى الْقُدس وَهُوَ الطُّهْر، كَمَا يُقَال: حَاتِم الْجُود، وَزيد الْخَيْر، وَالْمرَاد الرّوح الْقُدس، وَقَالَ ابْن الْأَثِير: لِأَنَّهُ خلق من طَهَارَة، وَالروح فِي الْحَقِيقَة مَا يقوم بِهِ الْجَسَد وَتَكون بِهِ الْحَيَاة، وَقد أطلق على الْقُرْآن وَالْوَحي وَالرَّحْمَة وعَلى جِبْرِيل عَلَيْهِ السَّلَام. قَوْله: (نزل بِهِ الرّوح الْأمين) ، ذكره اسْتِشْهَادًا لصِحَّة هَذَا التَّأْوِيل، فَإِن المُرَاد بِهِ جِبْرِيل عَلَيْهِ السَّلَام، اتِّفَاقًا وَكَأَنَّهُ أَشَارَ بِهِ إِلَى رد مَا رَوَاهُ الضَّحَّاك عَن ابْن عَبَّاس، قَالَ: روح الْقُدس، الِاسْم الَّذِي كَانَ عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَام، يحيي بِهِ الْمَوْتَى، رَوَاهُ ابْن أبي حَاتِم بِإِسْنَاد ضَعِيف. قَوْله: قَوْله: (الْأمين) ، وصف جِبْرِيل عَلَيْهِ السَّلَام، لِأَنَّهُ كَانَ أَمينا فِيمَا استودع من الرسَالَة إِلَى الرُّسُل عَلَيْهِم السَّلَام.
{فِي ضَيْقٍ يُقالُ أمْرٌ ضَيْقٌ وضَيِّقٌ مِثْلُ هَيِّنٍ ولَيِّنٍ ولَيِّنٍ وَمَيْتٍ ومَيِّتٍ} (النَّحْل: 721)

أَشَارَ بقوله فِي ضيق إِلَى قَوْله تَعَالَى: {وَلَا تَكُ فِي ضيق مِمَّا يمكرون} وَأَشَارَ بقوله: بقال أَمر ضيق إِلَّا أَن فِيهِ لغتين: التَّشْدِيد وَالتَّخْفِيف كَمَا ذكرهَا فِي الْأَمْثِلَة الْمَذْكُورَة، وَقَرَأَ ابْن كثير هُنَا، وَفِي النَّمْل بِكَسْر الضَّاد وَالْبَاقُونَ بِفَتْحِهَا، وَقَالَ الْفراء الضّيق بِالتَّشْدِيدِ مَا يكون فِي الَّذِي يَتَّسِع مثل الدَّار وَالثَّوْب معنى الْآيَة لَا يضيق صدرك من مَكْرهمْ وَقَالَ (وَقَالَ ابْن عَبَّاس فِي تقلبهم: اخْتلَافهمْ) .
أَي: قَالَ ابْن عَبَّاس فِي تَفْسِير قَوْله تَعَالَى: {أَو يَأْخُذهُمْ فِي تقلبهم} فِي اخْتلَافهمْ {فَمَا هم بمعجزين} بسابقي الله تَعَالَى، وروى ذَلِك الطَّبَرِيّ من طَرِيق عَليّ بن أبي طَلْحَة، عَنهُ وَرَوَاهُ مُحَمَّد بن جرير عَن الْمثنى، وَعلي بن دَاوُد حَدثنَا أَبُو صَالح حَدثنِي مُعَاوِيَة عَن عَليّ بن أبي طَلْحَة عَنهُ. وَقَالَ الثَّعْلَبِيّ: مَعْنَاهُ يَأْخُذهُمْ الْعَذَاب فِي تصرفهم فِي الْأَسْفَار بِاللَّيْلِ وَالنَّهَار.
وَقَالَ مُجاهدٌ تَمِيدُ تكَفَّأُ
أَي: قَالَ مُجَاهِد فِي تَفْسِير: تميد، فِي قَوْله تَعَالَى: {وَألقى فِي الأَرْض رواسي أَن تميد بكم} (النَّحْل: 51) الْآيَة، تكفأ، بِالْكَاف وَتَشْديد الْفَاء وبالهمزة، وَقيل: بِضَم أَوله وَسُكُون الْكَاف، ومعى: تكفأ تقلب، وروى هَذَا التَّعْلِيق أَبُو مُحَمَّد: حَدثنَا حجاج حَدثنَا شَبابَة عَن وَرْقَاء عَن ابْن أبي نجيح عَنهُ.
مُفْرَطونَ مَنْسِيُّونَ
أَشَارَ بِهِ إِلَى قَوْله عز وَجل: {أَن لَهُم النَّار وَإِنَّهُم مفرطون} (النَّحْل: 26) وَفسّر مفرطون بقوله: (منسيون) وَكَذَا رَوَاهُ الطَّبَرِيّ عَن مُحَمَّد بن عَمْرو عَن أبي عَاصِم: حَدثنَا عِيسَى عَن ابْن أبي نجيح عَن مُجَاهِد، وروى من طَرِيق سعيد بن جُبَير، قَالَ: مفرطون، أَي: متركون فِي النَّار منسيون فِيهَا، وَقَرَأَ الْجُمْهُور بتَخْفِيف الرَّاء وَفتحهَا، وَقرأَهَا نَافِع بِكَسْرِهَا، وَهُوَ من الإفراط، وَقرأَهَا أَبُو جَعْفَر بن الْقَعْقَاع بِكَسْر الرَّاء الْمُشَدّدَة أَي: مقصرون فِي أَدَاء الْوَاجِب مبالغون فِي الْإِسَاءَة.
وَقَالَ غيْرُهُ: {فإِذَا قَرَأتَ القُرْآن فاسْتَعِذْ بِاللَّه} (النَّحْل: 89) هاذَا مُقَدَّمٌ ومُؤَخرٌ وذلِكَ أنَّ الاسْتِعَاذَةَ قَبْلَ القِرَاءَةِ ومَعْناها الإعْتِصامُ بِاللَّه

أَي: قَالَ غير مُجَاهِد فِي قَوْله تَعَالَى: {فَإِذا قَرَأت الْقُرْآن فاستعذ بِاللَّه} إِن فِيهِ التَّقْدِيم وَالتَّأْخِير، وَذَلِكَ أَن الِاسْتِعَاذَة تكون قبل الْقِرَاءَة، وَالتَّقْدِير: فَإِذا أردْت أَن تقْرَأ الْقُرْآن فاستعذ بِاللَّه، هَذَا على قَول الْجُمْهُور حَتَّى قَالَ صَاحب (التَّوْضِيح) : هَذَا إِجْمَاع إلاَّ مَا رُوِيَ عَن أبي هُرَيْرَة وَدَاوُد وَمَالك أَنهم قَالُوا: إِن الِاسْتِعَاذَة بعد الْقِرَاءَة، أخذا بِظَاهِر الْقُرْآن، وَقد أبعد بَعضهم هَذَا فِي موضِعين. الأول: فِي قَوْله: المُرَاد بِالْغَيْر أَبُو عُبَيْدَة، فَإِن هَذَا كَلَامه بِعَيْنِه وَهَذَا فِيهِ خبط. وَالثَّانِي: فِي قَوْله: وَالتَّقْدِير فَإِذا أخذت فِي الْقِرَاءَة فاستعذ، وَقيل: هُوَ على أَصله لَكِن فِيهِ إِضْمَار، أَي: إِذا أردْت الْقِرَاءَة، وَهَذَا يكَاد أَن يكون أقوى خبطاً من الأول على مَا لَا يخفى على من يتَأَمَّل فِيهِ. قَوْله: (وَمَعْنَاهَا) ، أَي: معنى الِاسْتِعَاذَة (الِاعْتِصَام بِاللَّه) .
قَصْدُ السَّبِيلِ البَيانُ

(19/15)


أَشَارَ بِهِ إِلَى قَوْله تَعَالَى: {وعَلى الله قصد السَّبِيل وَمِنْهَا جَائِر وَلَو شَاءَ لهداكم أَجْمَعِينَ} (النَّحْل: 9) وَفسّر الْقَصْد بِالْبَيَانِ وَكَذَا روى عَن ابْن عَبَّاس أخرجه الطَّبَرِيّ من طَرِيق عَليّ بن أبي طَلْحَة عَنهُ، قيل: قصد السَّبِيل بَيَان طَرِيق الحكم لكم، وَالْقَصْد الطَّرِيق الْمُسْتَقيم، وَقيل: بَيَان الشَّرَائِع والفرائض، وَعَن ابْن الْمُبَارك: قصد السَّبِيل السّنة. قَوْله: (وَمِنْهَا) أَي: وَمن السَّبِيل، والتأنيث بِاعْتِبَار أَن لفظ السَّبِيل وَاحِد، وَمَعْنَاهَا: الْجمع. قَوْله: (جَائِر) أَي: معوج عَن الاسْتقَامَة.
الدِّفْءُ مَا اسْتَدْفَأْتَ بِهِ
أَشَارَ بِهِ إِلَى قَوْله تَعَالَى: {والأنعام خلقهَا لكم فِيهَا دفء وَمَنَافع وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ} (النَّحْل: 5) وَفسّر الدفء بقوله: (مَا استدفأت بِهِ) يَعْنِي: من الأكسية والأبنية، قَالَ الْجَوْهَرِي: الدفء السخونة، تَقول مِنْهُ دفىء الرجل دفاء، مثل كره كَرَاهَة، وَكَذَلِكَ دفىء دفأً مثل ظمىء ظمأ، وَالِاسْم الدفء وَهُوَ الشَّيْء الَّذِي يدفيك، وَالْجمع الأدفاء، وَفسّر الْجَوْهَرِي: الدفء فِي الْآيَة الْمَذْكُورَة بقوله: النَّفْع بنتاج الْإِبِل وَأَلْبَانهَا، وَمَا ينْتَفع بِهِ مِنْهَا، قَالَ الله تَعَالَى: {لكم فِيهَا دفء} .
تُرِيحُونَ بالعَشيِّ وتَسْرَحُونَ بالغَدَاةِ
أَشَارَ بِهِ إِلَى قَوْله تَعَالَى: {وَلكم فِيهَا جمال حِين تريحون وَحين تسرحون} (النَّحْل: 6) وَفسّر: تريحون بالْعَشي، وتسرحون بِالْغَدَاةِ وَفِي التَّفْسِير، أَي: تردونها إِلَى مراجها وَهِي حَيْثُ تأوى إِلَيْهِ، وَحين تسرحون ترسلونها بِالْغَدَاةِ إِلَى مراعيها، وَقَالَ قَتَادَة: وَأحسن مَا يكون إِذا راحت عظاماً ضروعها، طوَالًا أسنمتها.
بِشِقِّ يعْنِي المَشَقَّةَ

أَشَارَ بِهِ إِلَى قَوْله تَعَالَى: {وَتحمل أثقالكم إِلَى بلد لم تَكُونُوا بالغيه إلاَّ بشق الْأَنْفس} (النَّحْل: 7) وَفسّر الشق بالمشقة، وروى الطَّبَرِيّ من طَرِيق ابْن أبي نجيح عَن مُجَاهِد فِي قَوْله: {إِلَّا بشق الْأَنْفس} أَي: بِمَشَقَّة الْأَنْفس، وَقِرَاءَة الْجُمْهُور بِكَسْر الشين، وَقرأَهَا أَبُو جَعْفَر بن الْقَعْقَاع بِفَتْحِهَا، قَالَ أَبُو عُبَيْدَة: هما بِمَعْنى، وَقَالَ الْفراء: مَعْنَاهُمَا مُخْتَلف بِالْكَسْرِ الْمَشَقَّة وبالفتح من الشق فِي الشَّيْء كالشق فِي الْجَبَل.
عَلَى تَخَوُّفٍ تَنَقُّصٍ
أَشَارَ بِهِ إِلَى قَوْله تَعَالَى: {على تخوف} (النَّحْل: 74) وَفَسرهُ بقوله: (تنقص) وَكَذَا رُوِيَ عَن مُجَاهِد، رَوَاهُ الطَّبَرِيّ من طَرِيق ابْن أبي نجيح عَنهُ، وروى ابْن أبي حَاتِم من طَرِيق الضَّحَّاك عَن ابْن عَبَّاس: على تخوف، قَالَ: على تنقص من أَعمالكُم، وَقيل: هُوَ تفعل من الْخَوْف.
الأنْعامِ لِعَبْرَةً وهْيَ تُؤنّثُ وتُذَكّرُ وكَذَلِكَ النَّعَمُ للأنْعامِ جَماعَةُ النَّعَمِ

أَشَارَ بِهِ إِلَى قَوْله تَعَالَى: {وَإِن لكم فِي الْأَنْعَام لعبرة نسقيكم مِمَّا فِي بطونه} (النَّحْل: 66) قَوْله: (لعبرة) ، أَي: لعظة. قَوْله: (نسقيكم) ، قرىء بِفَتْح النُّون وَضمّهَا، قيل: هما لُغَتَانِ، وَقَالَ الْكسَائي، تَقول الْعَرَب: أسقيته لَبَنًا إِذا جعلته لَهُ سقيا دَائِما، فَإِذا أَرَادوا أَنهم أَعْطوهُ شربة قَالُوا: سقيناه. قَوْله: {مِمَّا فِي بطونه} وَلم يقل: بطونها، لِأَن الْأَنْعَام وَالنعَم وَاحِد، وَلَفظ: النعم، مُذَكّر قَالَه الْفراء، فباعتبار ذَلِك ذكّر الضَّمِير. قَوْله: (وَهِي) ، أَي: الْأَنْعَام تؤنث وتذكر. قَوْله: (وَكَذَلِكَ النعم) ، أَي: يذكر وَيُؤَنث، وَقد ذكرنَا الْآن عَن الْفراء أَن النعم مُذَكّر وَيجمع على أنعام وَهِي الْإِبِل وَالْبَقر وَالْغنم.
سَرَابِيلَ قُمُصٌ تَقِيكُمُ الحَرَّ وأمَّا سَرَابِيلَ تَقِيكُمْ بأْسَكُمْ فإِنّها الدُّرُوعُ

أَشَارَ بِهِ إِلَى قَوْله تَعَالَى: {وَجعل لكم سرابيل تقيكم الْحر وسرابيل تقيكم بأسكم} وَفسّر سرابيل الأول: بالقمص بِضَم الْقَاف وَالْمِيم جمع قَمِيص من قطن وكتان وصوف، والسرابيل. الثَّانِي: بالدروع. قَوْله: (تقيكم الْحر) أَي: تحفظكم من الْحر، وَمن الْبرد أَيْضا، وَهَذَا من بَاب الِاكْتِفَاء. قَوْله: (بأسكم) أَرَادَ بِهِ شدَّة الطعْن وَالضَّرْب وَالرَّمْي.
(دخَلاً بَيْنَكُمْ كلُّ شَيْءٍ لَمْ يَصِحَّ فَهْوَ دَخَلٌ)

(19/16)


أَشَارَ بِهِ إِلَى قَوْله تَعَالَى: {تَتَّخِذُونَ أَيْمَانكُم دخلا بَيْنكُم} (النَّحْل: 29) وَفسّر الدخل بقوله: (كل شَيْء لم يَصح فَهُوَ دخل) ، وَكَذَا فسره أَبُو عُبَيْدَة، وَكَذَلِكَ الدغل وَهُوَ الْغِشّ والخيانة.
وَقَالَ ابنْ عبَّاسٍ حَفَدَة مَنْ وَلَدَ الرَّجُلُ

أَشَارَ بِهِ إِلَى قَوْله تَعَالَى: {وَجعل لكم من أزواجكم بَنِينَ وحفد} (النَّحْل: 27) وَذكر أَن الحفدة من ولد الرجل هم: وَلَده وَولد وَولده، وَهَذَا التَّعْلِيق رَوَاهُ الطَّبَرِيّ من طَرِيق سعيد بن جُبَير عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله: {بَنِينَ وحفدة} قَالَ: الْوَلَد وَولد الْوَلَد.
السَّكَرُ مَا حُرِّمَ مِنْ ثَمَرِها والرِّزْقُ الحَسَنُ مَا أحَلَّ
أَشَارَ بِهِ إِلَى قَوْله تَعَالَى: {وَمن ثَمَرَات النخيل وَالْأَعْنَاب تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سكرا وَرِزْقًا حسنا} (النَّحْل: 76) الْآيَة، وَبَين السكر بقوله: (مَا حرم من ثَمَرهَا) أَي: من ثَمَر النخيل وَالْأَعْنَاب، ويروى: من ثَمَرَتهَا، ويروى: مَا حرم الله من ثَمَرهَا وَبَين الرزق الْحسن الْمَذْكُور فِي الْآيَة بقوله: والرزق الْحسن مَا أحل، أَي: الَّذِي جعل حَلَالا، ويروى: مَا أحل الله، وَقَالَ الثَّعْلَبِيّ: قَالَ قوم: السكر الْخمر، والرزق الْحسن الدبس، وَالتَّمْر وَالزَّبِيب، قَالُوا: وَهَذَا قبل تَحْرِيم الْخمر، وَإِلَى هَذَا ذهب ابْن مَسْعُود وَابْن عمر وَسَعِيد بن جُبَير وَإِبْرَاهِيم وَالْحسن وَمُجاهد وَابْن أبي ليلى والكلبي، وَفِي رِوَايَة عَن ابْن عَبَّاس، قَالَ: السكر مَا حرم من ثمرتيهما، والرزق الْحسن مَا أحل من ثمرتيهما، وَقَالَ قَتَادَة: أما السكر فخمور هَذِه الْأَعَاجِم، وَأما الرزق الْحسن فَهُوَ مَا تنتبذون وَمَا تخللون وتأكلون، قَالَ: وَنزلت هَذِه الْآيَة وَمَا حرمت الْخمر يومئذٍ، وَإِنَّمَا نزل تَحْرِيمهَا بعد فِي سُورَة الْمَائِدَة، وَقَالَ الثَّعْلَبِيّ: السكر مَا شربت، والرزق الْحسن مَا أكلت، وَعَن ابْن عَبَّاس: الْحَبَشَة يسمون الْخمر سكرا.
وَقَالَ ابنُ عُيَيْنَةَ عَنْ صَدَقَةَ أنْكاثاً هِيَ خَرْقاءُ كانَتْ إِذا أبْرَمَتْ غَزْلَها نَقَضَتْهُ
أَي: قَالَ سُفْيَان بن عُيَيْنَة عَن صَدَقَة، قَالَ الْكرْمَانِي: صَدَقَة هَذَا هُوَ ابْن الْفضل الْمروزِي، ورد عَلَيْهِ بِأَن صَدَقَة بن الْفضل الْمروزِي شيخ البُخَارِيّ يرْوى عَن سُفْيَان بن عُيَيْنَة، وَهَهُنَا يروي سُفْيَان عَن صَدَقَة، وَالدَّلِيل على عدم صِحَة قَوْله: إِن صَدَقَة هَذَا روى عَن السّديّ وَصدقَة بن الْفضل الْمروزِي مَا أدْرك السّديّ وَلَا أَصْحَاب السّديّ، وروى ابْن أبي حَاتِم عَن أَبِيه عَن ابْن أبي عمر الْعَدنِي والطبري من طَرِيق الْحميدِي، كِلَاهُمَا عَن ابْن عُيَيْنَة عَن صَدَقَة عَن السّديّ قَالَ: كَانَت بِمَكَّة امْرَأَة تسمى خرقاء، فَذكر مثل مَا ذكره البُخَارِيّ، وَالظَّاهِر أَن صَدَقَة هَذَا هُوَ أَبُو الْهُذيْل روى عَن السدى قَوْله: (وروى عَنهُ ابْن عُيَيْنَة) ، كَذَا ذكره البُخَارِيّ فِي (تَارِيخه) . قَوْله: (أنكاثاً) أَشَارَ بِهِ إِلَى قَوْله: {وَلَا تَكُونُوا كَالَّتِي نقضت غزلها من بعد قُوَّة أنكاثاً} (النَّحْل: 29) ، قَالَ الزَّمَخْشَرِيّ: أَي: لَا تَكُونُوا فِي نقض الْإِيمَان كَالْمَرْأَةِ الَّتِي أنحت على غزلها بعد أَن أحكمته وأبرمته فَجَعَلته أنكاثاً، جمع نكث وَهُوَ مَا ينْكث قَتله، وَقَالَ ابْن الْأَثِير، النكث نقض الْعَهْد، وَالِاسْم النكث بِالْكَسْرِ وَهُوَ الْخَيط الْخلق من صوف أَو شعر أَو وبرسمي، بِهِ لِأَنَّهُ ينْقض ثمَّ يُعَاد فتله، قَوْله: (هِيَ خرقاء) ، الضَّمِير يرجع إِلَى تِلْكَ الْمَرْأَة الَّتِي تسمى خرقاء، وذكرا (أنكاثاً) يدل عَلَيْهِ فَلَا يكون دَاخِلا فِي الْإِضْمَار قبل الذّكر وَكَانَت إِذا أحكمت غزلها نقضته، فَلذَلِك قيل: خرقاء، أَي: حمقاء، وَفِي: (غرر التِّبْيَان) أَنَّهَا كَانَت تغزل هِيَ وجواريها من الْغَدَاة إِلَى نصف النَّهَار، ثمَّ تأمرهن فينقضن مَا غزلن جَمِيعًا، فَهَذَا كَانَ دأبها، وَالْمعْنَى: أَنَّهَا كَانَت لَا تكف عَن الْغَزل وَلَا تبقي مَا غزلت، وروى الطَّبَرِيّ من طَرِيق سعيد عَن قَتَادَة، قَالَ: هُوَ مثل ضربه الله تَعَالَى لمن ينْكث عَهده، وَقَالَ مقَاتل فِي تَفْسِيره: هَذِه الْمَرْأَة قرشية اسْمهَا ريطة بنت عَمْرو بن كَعْب بن سعد بن تَمِيم بن مرّة وتلقب جعرانة لحمقها، وَذكر السُّهيْلي: أَنَّهَا بنت سعد بن زيد مَنَاة بن تيم بن مرّة، وَقَالَ الثَّعْلَبِيّ: كَانَت اتَّخذت مغزلاً بِقدر ذِرَاع وسنارة مثل الإصبع وفلكة عَظِيمَة على قدرهما تغزل الْغَزل من الصُّوف والوبر وَالشعر وتأمر جواريها بذلك، وَكن يغزلن إِلَى نصف النَّهَار، ثمَّ تأمرهن بِنَقْض جَمِيع ذَلِك، فَهَذَا كَانَ دأبها.
وَقَالَ ابنُ مَسْعُودٍ الأُمّةُ مُعَلِّمُ الخَيْرِ
أَشَارَ بِهِ إِلَى قَوْله تَعَالَى: {إِن إِبْرَاهِيم كَانَ أمة قَانِتًا لله} (النَّحْل: 021) وَقَالَ عبد الله بن مَسْعُود فِي تَفْسِير الْأمة بِأَنَّهُ: معلم الْخَيْر، وَكَذَا رَوَاهُ

(19/17)


الْحَاكِم من حَدِيث مَسْرُوق عَن عبد الله، وَقَالَ: صَحِيح على شَرط الشَّيْخَيْنِ، وَعَن مُجَاهِد: كَانَ مُؤمنا وَحده وَالنَّاس كلهم كفار، وَعَن قَتَادَة لَيْسَ من أهل دين إلاَّ ويتولونه ويرضونه، وَعَن شهر بن حَوْشَب: لَا تَخْلُو الأَرْض إلاَّ وفيهَا أَرْبَعَة عشر يدْفع الله بهم عَن أهل الأَرْض وَيخرج بركتها إلاَّ زمَان إِبْرَاهِيم عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام، فَإِنَّهُ كَانَ وَحده انْتهى. وَالْأمة لَهَا معَان أخر فِي الْقُرْآن من: النَّاس وَالْجَمَاعَة وَالدّين والحين وَالْوَاحد الَّذِي يقوم مقَام جمَاعَة.
وَالْقَانِتُ المُطِيعُ
هَذَا من تَتِمَّة كَلَام ابْن مَسْعُود، فَإِنَّهُ فسر القانت فِي قَوْله: {إِن إِبْرَاهِيم كَانَ أمة قَانِتًا} (النَّحْل: 021) بالمطيع، وكذكل أخرجه ابْن مرْدَوَيْه فِي تَفْسِيره.
أكْناناً واحِدُها كِنٌّ مِثْلُ حِمْلِ وأحْمَالٍ
أَشَارَ بِهِ إِلَى قَوْله تَعَالَى: {وَجعل لكم من الْجبَال أكناناً} وَفسّر قَتَادَة: أكناناً، بقوله: غيراناً من الْجبَال يسكن فِيهَا، وَقَالَ البُخَارِيّ: وَاحِد الأكنان كن، بِكَسْر الْكَاف مثل حمل بِكَسْر الْحَاء الْمُهْملَة وَاحِد الْأَحْمَال، والكن كل شَيْء وقى شَيْئا وستره، وَفِي بعض النّسخ وَقع هَذَا عقيب. قَوْله: (جمَاعَة النعم) .

1 - (بابُ قَوْلِهِ: {ومِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إِلَى أرْذَلِ العُمُرِ} (النَّحْل: 07)

{ومنكم من يرد إِلَى أرذل الْعُمر} من رذل الرجل يرذل رذالة ورذولة، قَالَ الْجَوْهَرِي: الرذل الدون الخسيس، ورذل كل شَيْء رديه، وَكَذَلِكَ الأرذل من كل شَيْء، وأرذل الْعُمر اردؤه وأوضعه، وَقَالَ السّديّ: أرذله الخرف، وَقَالَ قَتَادَة: تسعون سنة، وَعَن عَليّ: خمس وَسَبْعُونَ سنة، وَعَن مقَاتل: الْهَرم، وَعَن ابْن عَبَّاس: مَعْنَاهُ يرد إِلَى أَسْفَل الْعُمر، وَعَن عِكْرِمَة: من قَرَأَ الْقُرْآن لم يرد إِلَى أرذل الْعُمر، وروى ابْن مرْدَوَيْه فِي تَفْسِيره، من حَدِيث أنس رَضِي الله عَنهُ: مائَة سنة.

7074 - حدَّثنا مُوساى بنُ إسْماعِيلَ حَدثنَا هارُونُ بنُ مُوساى أبُو عبْدِ الله الأعْوَرُ عنْ شُعَيْبٍ عنْ أنَسِ بنِ مالِكٍ رَضِي الله عنهُ أنَّ رسُولَ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ يَدْعُو أعُوذُ بِكَ مِنَ البُخْل والكَسَلِ وأرْذَلِ العُمُرِ وعَذَابِ القَبْرِ وفِتْنَةِ الدَّجَّالِ وفِتْنَةِ المَحْيا والمَماتِ.
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (وأرذل الْعُمر) . وَشُعَيْب هُوَ ابْن الحبحاب، بالحاءين الْمُهْمَلَتَيْنِ والباءين الموحدتين، مر فِي كتاب الْجُمُعَة. والْحَدِيث أخرجه مُسلم فِي الدَّعْوَات عَن أبي بكر بن نَافِع.
قَوْله: (من الْبُخْل) يَعْنِي فِي حُقُوق المَال، واستعاذ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من الْبُخْل كَمَا استعاذ أَيْضا من فتْنَة الْغِنَا، وَهُوَ إِنْفَاقه فِي الْمعاصِي أَو إِنْفَاقه فِي إِسْرَاف أَو فِي بَاطِل. قَوْله: (والكسل) هُوَ عدم انبعاث النَّفس للخير وَقلة الرَّغْبَة فِيهِ مَعَ إِمْكَانه. قَوْله: (وأرذل الْعُمر) آخِره فِي آخر الْعُمر فِي حَال الْكبر وَالْعجز والخرف، وَجه الِاسْتِعَاذَة مِنْهُ أَن الْمَطْلُوب من الْعُمر التفكر فِي آلَاء الله ونعمائه من خلق الموجودات فيقوموا بِوَاجِب الشُّكْر بِالْقَلْبِ والجوارح والخرف الفاقد لَهما فَهُوَ كالشيء الردي الَّذِي لَا ينْتَفع بِهِ فَيَنْبَغِي أَن يستعاذ مِنْهُ. قَوْله: (وَعَذَاب الْقَبْر) لِأَن فِيهِ الْأَهْوَال والشدائد. قَوْله: (وفتنة الدَّجَّال) إِذْ لم تكن فتْنَة فِي الأَرْض مُنْذُ خلق الله ذُرِّيَّة آدم أعظم مِنْهَا. قَوْله: (وفتنة الْمحيا) هُوَ مفعل من الْحَيَاة وَالْمَمَات مفعل من الْمَوْت. قَالَ الشَّيْخ أَبُو النجيب السهروردي، قدس الله، روحه: يُرِيد بفتنة الْمحيا الِابْتِلَاء مَعَ زَوَال الصَّبْر وَالرِّضَا والوقوع فِي الْآفَات والأصرار على الْفساد وَترك مُتَابعَة طَرِيق الْهدى وفتنة الْمَمَات سُؤال مُنكر وَنَكِير مَعَ الْحيرَة وَالْخَوْف.

71 - (سُورَةُ بَنِي إسْرَائِيلَ)

أَي: هَذَا فِي تَفْسِير بعض سُورَة بني إِسْرَائِيل. قَالَ قَتَادَة: هِيَ مَكِّيَّة إِلَّا ثَمَان آيَات نَزَلْنَ بِالْمَدِينَةِ، وَهِي من قَوْله: {وَإِن كَادُوا لَيَفْتِنُونَك} (الْإِسْرَاء: 37) إِلَى آخِرهنَّ، وسجدتها مَدَنِيَّة، وَفِي تَفْسِير ابْن مرْدَوَيْه من غير طَرِيق عَن ابْن عَبَّاس: هِيَ مَكِّيَّة، وَقَالَ السخاوي: نزلت بعد الْقَصَص وَقبل سُورَة يُونُس عَلَيْهِ السَّلَام. وَهِي سِتَّة آلَاف وَأَرْبع مائَة وَسِتُّونَ حرفا، وَألف وَخَمْسمِائة وَثَلَاث وَثَلَاثُونَ كلمة،

(19/18)


وَمِائَة وَإِحْدَى عشرَة آيَة.
{بِسم الله الرحمان الرَّحِيم} .
لم تثبت الْبَسْمَلَة إِلَّا لأبي ذَر.

8074 - حدَّثنا آدَمُ حَدثنَا شُعْبَةُ عنْ أبي إسْحاقَ قَالَ سَمِعْتُ عبْدَ الرَّحْمانِ بنَ يزِيدَ قَالَ سَمِعْتُ ابنَ مَسْعُودٍ رَضِي الله عَنهُ قَالَ فِي بَني إسْرَائِيلَ والكَهْفِ ومَرْيَمَ إنَّهُنَّ مِنَ العِتَاقِ الأوَّلِ وهُنَّ مِنْ تِلاَدِي.
(أَي هَذَا بَاب وَلَيْسَ فِي كثير من النّسخ لفظ: بَاب. وَأَبُو إِسْحَاق عَمْرو بن عبد الله السبيعِي، وَعبد الرَّحْمَن بن يزِيد النَّخعِيّ الْكُوفِي.
والْحَدِيث أخرجه البُخَارِيّ أَيْضا فِي فَضَائِل الْقُرْآن عَن آدم، وَأخرجه فِي التَّفْسِير أَيْضا عَن بنْدَار عَن غنْدر.
قَوْله: (من الْعتاق) بِكَسْر الْعين الْمُهْملَة وَتَخْفِيف التَّاء الْمُثَنَّاة من فَوق: جمع عتق، وَالْعرب تجْعَل كل شَيْء بلغ الْغَايَة فِي الْجَوْدَة عتيقاً، يُرِيد تَفْضِيل هَذِه السُّورَة لما يتَضَمَّن مفتتح كل مِنْهَا بِأَمْر غَرِيب وَقع فِي الْعَالم خارقاً للْعَادَة، وَهُوَ الْإِسْرَاء وقصة أَصْحَاب الْكَهْف وقصة مَرْيَم وَنَحْوهَا. قَوْله: الأول: بِضَم الْهمزَة وَفتح الْوَاو المخففة، والأولية إِمَّا بِاعْتِبَار حفظهَا أَو بِاعْتِبَار نُزُولهَا لِأَنَّهَا مَكِّيَّة. قَوْله: (من تلادي) بِكَسْر التَّاء الْمُثَنَّاة من فَوق وَتَخْفِيف اللَّام، وَهُوَ مَا كَانَ قَدِيما، يُقَال: مَاله طارف وَلَا تالد، أَي: لَا حَدِيث وَلَا قديم، وَأَرَادَ بقوله: (من تلادي) أَي: من محفوظاتي الْقَدِيمَة.
قَالَ ابْنُ عَبّاس فَسَيُنْغِضُونَ يَهُزُّونَ: وَقَالَ غيْرُهُ تَغَضَتْ سِنُّكَ أيْ تَحَرَّكَتْ

أَشَارَ بِهِ إِلَى قَوْله تَعَالَى: {قل الَّذِي فطركم أول مرّة فسينغضون إِلَيْك رؤوسهم} (الْإِسْرَاء: 15)
الْآيَة، قَالَ ابْن عَبَّاس فِي تَفْسِير قَوْله: (فسينغضون) أَي: (يهزون) ، أَي: يحركون، وَكَذَا رَوَاهُ الطَّبَرِيّ من طَرِيق عَليّ بن أبي طَلْحَة عَنهُ، وروى من طَرِيق الْعَوْفِيّ عَنهُ قَالَ: يحركون رؤوسهم استهزاء، قَوْله: (وَقَالَ غَيره) أَي: قَالَ غير ابْن عَبَّاس مِنْهُم أَبُو عُبَيْدَة فَإِنَّهُ قَالَ: يُقَال: قد نغضت سنة، أَي: تحركت وَارْتَفَعت من أَصْلهَا، وَمعنى الْآيَة: أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَمر أَن يَقُول للْمُشْرِكين الَّذين يَقُولُونَ: من بعيدنا؟ {قل الَّذِي فطركم} أَي: خَلقكُم {أول مرّة} قَادر على أَن يعيدكم، فَإِذا سمعُوا ينغضون إِلَيْهِ رؤوسهم متعجبين مستهزئين.
{وقَضَيْنا إِلَى بَني إسْرَائِيل} (الْإِسْرَاء: 4) أخبرنَاهُمْ أنَّهُمْ سَيُفْسِدُونَ والقَضاءُ عَلَى وُجُوهٍ {وقَضَى رَبُّكَ} أمَرَ رَبُّكَ ومِنْهُ الحُكْمُ {إنَّ رَبَّكَ يَقْضِي بَيْنَهُمْ} ومِنْهُ الخَلْقُ {فَقَضاهُنَّ سَبْعَ سَماوَاتٍ}

أَشَارَ بِهِ إِلَى قَوْله تَعَالَى: {وقضينا إِلَى بني إِسْرَائِيل فِي الْكتاب لتفسدن فِي الأَرْض} الْآيَة، وَفسّر قَوْله: (وقضينا إِلَى بني إِسْرَائِيل) بقوله: (أخبرناهم) ، وَكَذَا فسره أَبُو عُبَيْدَة، وَيُقَال: مَعْنَاهُ أعلمناهم إعلاماً قَاطعا. قَوْله: (وَالْقَضَاء على وُجُوه) ، أَشَارَ بِهَذَا إِلَى أَن لفظ الْقَضَاء يَأْتِي لمعان كَثِيرَة، وَذكر مِنْهَا ثَلَاثَة: الأول: أَن الْقَضَاء بِمَعْنى الْأَمر كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى: {وَقضى رَبك} (الْإِسْرَاء: 32) أَي أَمر. الثَّانِي: أَنه بِمَعْنى الحكم فِي قَوْله تَعَالَى: {إِن رَبك يقْضِي بَينهم} (النَّمْل: 97، يُونُس: 39) أَي يحكم. الثَّالِث: أَنه بِمَعْنى الْخلق، كَمَا فِي قَوْله: {فقضاهن سبع سموات} (فصلت: 21) أَي: خَلقهنَّ، وَفِي بعض النّسخ بعد سبع سموات خَلقهنَّ.
وَذكر بَعضهم فِيهِ مَعَاني جُمْلَتهَا ثَمَانِيَة عشر وَجها، مِنْهَا الثَّلَاثَة الَّتِي ذكرت، وَالرَّابِع: الْفَرَاغ كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى: {فَإِذا قضيتم مَنَاسِككُم} (الْبَقَرَة: 002) أَي: إِذا فَرَغْتُمْ مِنْهَا. وَالْخَامِس: الْكِتَابَة كَمَا فِي قَوْله: {فَإِذا قضى أمرا} (غَافِر: 86) أَي: كتب. وَالسَّادِس: الْأَجَل كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى: {فَمنهمْ من قضى نحبه} (الْأَحْزَاب: 32) ، وَالسَّابِع: الْفَصْل، كَمَا فِي قَوْله: {لقضي الْأَمر بيني وَبَيْنكُم} (الْأَنْعَام: 85) . وَالثَّامِن: الْمُضِيّ، كَمَا فِي قَوْله: {ليقضي الله أمرا كَانَ مَفْعُولا} (الْأَنْفَال: 24 و 44) . وَالتَّاسِع: الْهَلَاك، كَمَا فِي قَوْله: {لقضي إِلَيْهِم أَجلهم} (يُونُس: 11) . والعاشر: الْوُجُوب، كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى: {لما قضي الْأَمر} (إِبْرَاهِيم: 22) . وَالْحَادِي عشر: الإبرام، كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى: {إلاَّ حَاجَة فِي نفس يَعْقُوب قَضَاهَا} (يُوسُف: 86) . وَالثَّانِي عشر: الْوَصِيَّة كَمَا فِي قَوْله: {وَقضى رَبك أَن لَا تعبدوا إِلَّا إِيَّاه} (الْإِسْرَاء: 32) . وَالثَّالِث عشر: الْمَوْت كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى: {فوكزه مُوسَى فَقضى عَلَيْهِ} (الْقَصَص: 51) . وَالرَّابِع عشر: النُّزُول، كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى: {فَلَمَّا قضينا عَلَيْهِ الْمَوْت} (سبإ: 41) . وَالْخَامِس عشر: الْفِعْل كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى: {كلا لما يقْض مَا أمره}

(19/19)


(عبس: 32) يَعْنِي: حَقًا لم يفعل مَا أمره. وَالسَّادِس عشر: الْعَهْد كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى: {إِذْ قضينا إِلَى مُوسَى الْأَمر} (الْقَصَص: 44) . وَالسَّابِع عشر: الدّفع كَمَا فِي قَوْلهم. قضى دينه، أَي: دفع مَا لغريمه عَلَيْهِ بِالْأَدَاءِ. وَالثَّامِن عشر: الْخَتْم والإتمام، كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى: {ثمَّ قضى أَََجَلًا} (الْأَنْعَام: 2) . وَقَالَ الْأَزْهَرِي: قضى فِي اللُّغَة على وُجُوه مرجعها إِلَى انْقِطَاع الشَّيْء وَتَمَامه.
نَفِيراً مَنْ يَنْفِرُ مَعَهُ

أَشَارَ بِهِ إِلَى قَوْله تَعَالَى: {وجعلناكم أَكثر نفيراً}
أَشَارَ بِهِ إِلَى قَوْله تَعَالَى: {وجعلناكم أَكثر نفيراً} (الْإِسْرَاء: 6) قَالَ أَبُو عُبَيْدَة: مَعْنَاهُ الَّذين ينفرون مَعَه، وروى الطَّبَرِيّ من طَرِيق سعيد عَن قَتَادَة فِي قَوْله: {وجعلناكم أَكثر نفيراً} أَي: عددا، وَقَالَ الثَّعْلَبِيّ: أَصله من ينفر مَعَ الرجل من عشيرته وَأهل بَيته، وَدَلِيله قَول مُجَاهِد: أَكثر رجلا، والنفير والنافر وَاحِد، كالقدير والقادر.
مَيْسُوراً لَيِّناً
أَشَارَ بِهِ إِلَى قَوْله تَعَالَى: {فَقل لَهُم قولا ميسوراً} (الْإِسْرَاء: 82) وَفَسرهُ بقوله: لينًا، وَكَذَا فسره أَبُو عُبَيْدَة، وروى الطَّبَرِيّ من طَرِيق إِبْرَاهِيم النَّخعِيّ: أَي لينًا تعدهم وَمن طَرِيق عِكْرِمَة. عدهم عدَّة حَسَنَة، وروى ابْن أبي حَاتِم من طَرِيق السّديّ قَالَ: يَقُول: نعم وكرامة وَلَيْسَ عندنَا الْيَوْم، وَمن طَرِيق الْحسن، يَقُول: سَيكون إِن شَاءَ الله.
ولِيُتَبِّرُوا يُدَمِّرُوا مَا عَلَوْا

أَشَارَ بِهِ إِلَى قَوْله تَعَالَى: {وليتبروا مَا علوا تتبيراً} (الْإِسْرَاء: 7) وَفسّر قَوْله: (وليتبروا) بقوله: (يدمروا) من التدمير، وَهُوَ الإهلاك من الدمار وَهُوَ الْهَلَاك. قَوْله: (مَا علوا) أَي: مَا غلبوا عَلَيْهِ من بِلَادكُمْ، وَالْجُمْلَة فِي مَحل النصب لِأَنَّهَا مفعول: ليتبروا، وَقَالَ الزّجاج: كل شَيْء كَسرته وفتنته فقد دمرته، وَالْمعْنَى: وليخربوا مَا غلبوا عَلَيْهِ.
حَصِيراً مَحْبِساً مَحْصَراً

أَشَارَ بِهِ إِلَى قَوْله تَعَالَى: {وَجَعَلنَا جَهَنَّم للْكَافِرِينَ حَصِيرا} (الْإِسْرَاء: 8) وَفسّر حَصِيرا بقوله: (محبساً) ، وَكَذَا روى ابْن الْمُنْذر من طَرِيق عَليّ بن أبي طَلْحَة عَن ابْن عَبَّاس. قَوْله: (محصراً) ، بِفَتْح الْمِيم وَسُكُون الْحَاء وَكسر الصَّاد، وَهُوَ إسم مَوضِع الْحصْر، وَكَذَا فسر أَبُو عُبَيْدَة قَوْله: (حَصِيرا) ، وَقَالَ صَاحب (التَّوْضِيح) : محصراً بِفَتْح الصَّاد لِأَنَّهُ من حصر يحصر. قلت: هَذَا إِذا كَانَ مَفْتُوح الْمِيم لِأَنَّهُ يكون إسم مَوضِع من حصر يحصر من بَاب نصر ينصر، وَأما مضموم الْمِيم ومفتوح الصَّاد فَهُوَ من: أحْصر، بِالْألف فِي أَوله.
حَقَّ وَجَبَ
أَشَارَ بِهِ إِلَى قَوْله تَعَالَى: {فَحق عَلَيْهَا القَوْل فدمرناها تدميراً} (الْإِسْرَاء: 61) وَفسّر قَوْله: فَحق، بقوله: (وَجب) ، وَكَذَا فسره ابْن عَبَّاس، وَفِي التَّفْسِير: أَي وَجب عَلَيْهَا الْعَذَاب، وَالضَّمِير يرجع إِلَى الْقرْيَة الْمَذْكُورَة قبله.
خِطْئاً إثْماً وهْوَ إسْمٌ مِنْ خَطِئْتُ والخَطَأُ مَفْتُوحٌ مَصْدَرُهُ مِنَ الإثمِ خَطِئْتُ بِمَعْنَى أخْطأتُ
أَشَارَ بِهِ إِلَى قَوْله تَعَالَى: {إِن قَتلهمْ كَانَ خطأ كَبِيرا} (الْإِسْرَاء: 13) وَفسّر (خطأ) بقوله: (إِثْمًا) وَكَذَا فسره أَبُو عُبَيْدَة. قَوْله: (وَهُوَ) أَي: الْخَطَأ (إسم من خطيت) وَالَّذِي قَالَه أهل اللُّغَة أَن (خطأ) بِالْكَسْرِ مصدر، فَقَالَ الْجَوْهَرِي: نقُول من خطأ يخطأ خطأ وخطأة على فعلة. قَوْله: (وَالْخَطَأ مَفْتُوح) مصدر هَذَا أَيْضا عكس مَا قَالَه أهل اللُّغَة، فَإِن الْخَطَأ بِالْفَتْح إسم هُوَ نقيض الصَّوَاب، وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيّ: قرىء خطىء خطأ كمأثم إِثْمًا وَخطأ وَهُوَ ضد الصَّوَاب إسم من أخطاء وخطاء بِالْكَسْرِ وَالْمدّ وخطاء بِالْمدِّ وَالْفَتْح وَخطأ بِالْفَتْح والسكون، وَعَن الْحسن بِالْفَتْح وَحذف الْهمزَة، وروى عَن أبي رَجَاء بِكَسْر الْخَاء غير مَهْمُوز. انْتهى. وَهَذَا أَيْضا يُنَادي بِأَن الْخَطَأ بِالْكَسْرِ والسكون مصدر، وَالْخَطَأ بِفتْحَتَيْنِ إسم. قَوْله: (من الْإِثْم حطئت) فِيهِ تَقْدِيم وَتَأْخِير أَي: خطئت الَّذِي أَخذ مَعْنَاهُ من الْإِثْم بِمَعْنى أَخْطَأت، وَهَذَا أَيْضا خلاف مَا قَالَه أهل اللُّغَة، لِأَن معنى: خطىء: أَثم وتعمد الذَّنب، وَأَخْطَأ إِذا لم يتعمده، وَلَكِن قَالَ الْجَوْهَرِي: قَالَ أَبُو عُبَيْدَة: خطىء وَأَخْطَأ لُغَتَانِ بِمَعْنى وَاحِد، وَأنْشد لامرىء الْقَيْس.
(يَا لهف هِنْد إِذْ خطئن كاهلاً)

أَي: أخطأن، وَالَّذِي قَالَه يساعد البُخَارِيّ فِيمَا قَالَه.
تَخْرِقَ تَقْطَعَ

(19/20)


وَفِي بعض النّسخ: لن تخرق، لن تقطع، وَهُوَ الصَّوَاب أَشَارَ بِهِ إِلَى قَوْله تَعَالَى: {وَلَا تمش فِي الأَرْض مرحاً إِنَّك لن تخرق الأَرْض وَلنْ تبلغ الْجبَال طولا} (الْإِسْرَاء: 73) وَفسّر قَوْله: لن تخرق، بقوله: لن تقطع. قَوْله: (مرحاً) أَي: بطراً وكبراً وفخراً وخيلاء. قَالَ الثَّعْلَبِيّ: هُوَ تَفْسِير الْمَشْي لَا نَعته فَلذَلِك أخرجه عَن الْمصدر، وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيّ: مرحاً حَال أَي: ذَا مرح، وقرىء: مرحاً، بِكَسْر الرَّاء، وَفضل الْأَخْفَش الْمصدر على إسم الْفَاعِل لما فِيهِ من التَّأْكِيد. قَوْله: (إِنَّك لن تخرق الأَرْض) ، قَالَ الثَّعْلَبِيّ: أَي: تقطعها بكبرك حَتَّى تبلغ آخرهَا، يُقَال: فلَان أخرق للْأَرْض من فلَان إِذا كَانَ أَكثر أسفاراً. قَوْله: (وَلنْ تبلغ الْجبَال طولا) . أَي: لن تساويها وتحاذيها بكبرك.
وإذْ هُمْ نَجْوَى مَصْدَرٌ مِنْ ناجَيْتُ فَوَصَفَهُمْ بِها والمَعنْى يَتَناجَوْنَ

أَشَارَ بِهِ إِلَى قَوْله تَعَالَى: {إِذْ يَسْتَمِعُون إِلَيْك وَإِذ هم نجوى} (الْإِسْرَاء: 74)
الْآيَة. قَوْله: (إِذْ يَسْتَمِعُون إِلَيْك) ، نصب بقوله: أعلم، أَي: إعلم وَقت استماعهم بِمَا بِهِ يَسْتَمِعُون. قَوْله: (وَإِذ هم نجوى) ، أَي: وَبِمَا يتناجون بِهِ إِذْ هم ذُو نجوى، يَعْنِي: يتناجون فِي أَمرك، بَعضهم يَقُول: هُوَ مَجْنُون، وَبَعْضهمْ يَقُول: كَاهِن، وَبَعْضهمْ يَقُول: سَاحر، وَبَعْضهمْ يَقُول: شَاعِر. قَوْله: (مصدر من نَاجَيْت) الْأَظْهر أَنه إسم غير مصدر، وَقَالَ الْجَوْهَرِي: قَوْله تَعَالَى: {وَإِذ هم نجوى} فجعلهم هم النَّجْوَى، وَإِنَّمَا النَّجْوَى فعلهم، كَمَا تَقول: قوم رضَا، وَإِنَّمَا الرِّضَا فعلهم. انْتهى. وَقيل: يجوز أَن يكون نجوى جمع نجي: كقتلى جمع قَتِيل.
رُفاتاً حُطاماً

أَشَارَ بِهِ إِلَى قَوْله تَعَالَى: {وَقَالُوا أئِذا كُنَّا عظاماً ورفاتاً} (الْإِسْرَاء: 94) بقوله: (حطاماً) وروى الطَّبَرِيّ من طَرِيق ابْن أبي نجيح عَن مُجَاهِد، هَكَذَا قَوْله: (حطاماً) أَي: عظاماً محطمة.
{واسْتَفْزِزْ اسْتَخِفَّ بِخَيْلِكَ الفُرْسانِ والرَّجْلُ الرَّجَّالَةُ واحِدُها رَاجِلٌ مِثْلُ صاحِبٍ وصَحْب وتاجِرٍ وتَجْرٍ} .
أَشَارَ بِهِ إِلَى قَوْله تَعَالَى: {واستفزز من اسْتَطَعْت مِنْهُم بصوتك واجلب عَلَيْهِم بخيلك ورجلك} الْآيَة، وتفسيرها هَذَا بِعَين تَفْسِير أبي عُبَيْدَة هُنَا، وَفِي التَّفْسِير: هَذَا أَمر تهديد. قَوْله: (مِنْهُم) ، أَي: من ذُرِّيَّة آدم عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام. قَوْله: (بصوتك) ، أَي: بدعائك إِلَى مَعْصِيّة الله تَعَالَى، قَالَه ابْن عَبَّاس وَقَتَادَة، وكل داعٍ إِلَى مَعْصِيّة الله تَعَالَى فَهُوَ من جند إِبْلِيس، وَعَن مُجَاهِد: بصوتك، بِالْغنَاءِ والمزامير، قَوْله: (واجلب) ، أَي: إجمع وصحِّ، وَقَالَ مُجَاهِد: إستعن عَلَيْهِم بخيلك أَي: ركبان جندك. قَوْله: (ورجلك) أَي: مشاتهم، وَعَن جمَاعَة من الْمُفَسّرين: كل رَاكب وماشٍ فِي معاصي الله تَعَالَى.
{حاصِباً الرِّيحُ العاصِفُ والحاصِبُ أيْضاً مَا تَرْمِي بِهِ الرِّيحُ ومِنْهُ حَصَبُ جَهَنَّمَ يُرْمَى بِهِ فِي جَهَنَّمَ وهْوَ حَصَبُهَا ويُقال حَصَبَ فِي الأرْضِ ذِهَبَ والحَصَبُ مُشْتَقٌّ مِن الحصْباءِ والحجارَةِ} .
أَشَارَ بِهِ إِلَى قَوْله تَعَالَى: {أويرسل عَلَيْكُم حاصباً ثمَّ لَا تَجدوا لكم وَكيلا} (الْإِسْرَاء: 86) وَفسّر الحاصب بِالرِّيحِ العاصف، وَفِي التَّفْسِير: حاصباً حِجَارَة تمطر من السَّمَاء عَلَيْكُم كَمَا أمطر على قوم لوط، وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَة والقتبي: الحاصبا الرّيح الَّتِي ترمي بالحصباء، وَهِي الْحَصَى الصغار، وَهُوَ معنى قَوْله: (والحاصب أَيْضا مَا ترمي بِهِ الرّيح) . وَقَالَ الْجَوْهَرِي: الحاصب الرّيح الشَّدِيدَة الَّتِي تثير الْحَصْبَاء. قَوْله: (وَمِنْه) ، أَي: وَمن معنى لفظ الحاصب: حصب جَهَنَّم، وكل شَيْء أَلقيته فِي النَّار فقد حصبتها بِهِ. قَوْله: (وَهُوَ حصبها) أَي: الشَّيْء الَّذِي يَرْمِي فِيهَا هُوَ حصبها، ويروى: وهم حصبها أَي الْقَوْم الَّذين يرْمونَ فِيهَا حصبها. قَوْله: (وَيُقَال: حصب فِي الأَرْض ذهب) ، كَذَا قَالَه الْجَوْهَرِي أَيْضا. قَوْله: (والحصب مُشْتَقّ من الْحَصْبَاء) لم يرد بالاشتقاق الِاشْتِقَاق المصطلح بِهِ، أَعنِي: الِاشْتِقَاق الصَّغِير لعدم صدقه عَلَيْهِ على مَا لَا يخفى، وَفسّر الْحَصْبَاء بِالْحِجَارَةِ، وَهُوَ من تَفْسِير الْخَاص بِالْعَام، وَقَالَ أهل اللُّغَة: الْحَصْبَاء الْحَصَى.
تارَةً مَرَّةً وجَماعَتُهُ تِيَرَةٌ وتارَاتٌ

(19/21)


أَشَارَ بِهِ إِلَى قَوْله تَعَالَى: {أم أمنتم أَن يعيدكم فِيهِ تَارَة أُخْرَى} (الْإِسْرَاء: 96) وَفسّر: تَارَة، بقوله: مرّة، وَكَذَا فسره أَبُو عُبَيْدَة، وَيجمع على تيرة بِكَسْر التَّاء وَفتح اليا آخر الْحُرُوف وعَلى تارات، وَقَالَ ابْن التِّين: الْأَحْسَن سُكُون الْيَاء آخر الْحُرُوف وَفتح الرَّاء كَمَا يُقَال فِي جمع قاعة: قيعة.
{لأحْتَنِكَنَّ لأسْتَأصِلَنَّهُمْ يُقالُ احْتَنَكَ فُلاَنٌ مَا عِنْدَ فُلاَنٍ مِنْ عِلْمٍ اسْتَقصاهُ} (الْإِسْرَاء: 26)
أَشَارَ بِهِ إِلَى قَوْله تَعَالَى: {لَئِن أخرتني إِلَى يَوْم الْقِيَامَة لأحتنكن ذُريَّته إلاَّ قَلِيلا} وَفسّر الاحتناك بالاستئصال، وَقيل: مَعْنَاهُ لأستولين عَلَيْهِم بالإغواء والإضلال، وَأَصله من احتنك الْجَرَاد الزَّرْع وَهُوَ أَن تَأْكُله وتستأصله باحتناكها وتفسده، هَذَا هُوَ الأَصْل، ثمَّ يُسمى الِاسْتِيلَاء على الشَّيْء وَأخذ كُله احتناكاً، وَعَن مُجَاهِد: معنى لأحتنكن لأحتوين.
طائِرَهُ حَظَّهُ
أَشَارَ بِهِ إِلَى قَوْله تَعَالَى: {وكل إِنْسَان ألزمناه طَائِره فِي عُنُقه} (الْإِسْرَاء: 31) الْآيَة وَفسّر (طَائِره) بقوله: (حَظه) ، وَكَذَا فسره أَبُو عُبَيْدَة والقتبي، وَقَالا: أَرَادَ بالطائر حَظه من الْخَيْر وَالشَّر، من قَوْلهم: طَار بهم فلَان بِكَذَا، وَإِنَّمَا خص عُنُقه دون سَائِر أَعْضَائِهِ لِأَن الْعُنُق مَوضِع السمات وَمَوْضِع القلادة وَغير ذَلِك مِمَّا يزين أَو يشين، فَجرى كَلَام الْعَرَب بِنِسْبَة الْأَشْيَاء الْأَشْيَاء اللَّازِمَة إِلَى الْأَعْنَاق، فَيَقُولُونَ: هَذَا الشَّيْء لَك فِي عنقِي حَتَّى أخرج مِنْهُ، وَعَن ابْن عَبَّاس: طَائِره عمله، وَعَن الْكَلْبِيّ وَمُقَاتِل: خَيره وشره مَعَه لَا يُفَارِقهُ حَتَّى يُحَاسب عَلَيْهِ، وَعَن الْحسن: يمنه وشومه، وَعَن مُجَاهِد: رزقه.
قَالَ ابنُ عَبَّاسٍ كُلُّ سُلْطانٍ فِي القُرْآنِ فَهْوَ حُجةٌ

هَذَا التَّعْلِيق رَوَاهُ أَبُو مُحَمَّد إِسْحَاق بن إِبْرَاهِيم البستي عَن ابْن أبي عمر: حَدثنَا سُفْيَان عَن عَمْرو عَن عِكْرِمَة عَن ابْن عَبَّاس، وَأما لفظ السُّلْطَان فِي هَذِه السُّورَة فِي موضِعين: أَحدهمَا قَوْله: {فقد جعلنَا لوَلِيِّه سُلْطَانا} (الْإِسْرَاء: 33) وَالْآخر قَوْله: {وَاجعَل لي من لَدُنْك سُلْطَانا نَصِيرًا} (الْإِسْرَاء: 08) .
ولِيٌّ مِنَ الذَّلِّ لَمْ يُحالِفْ أحدا

أَشَارَ بِهِ إِلَى قَوْله تَعَالَى: {وَلم يكن لَهُ ولي من الذل وَكبره تَكْبِيرا} . قَوْله: (لم يحالف) بِالْحَاء الْمُهْملَة، أَي: لم يوال أحدا لأجل مذلة بِهِ ليدفعها بموالاته، وَعَن مُجَاهِد: لم يحْتَج فِي الِانْتِصَار إِلَى أحد، وَالله سُبْحَانَهُ أعلم.

3 - (بابُ قَوْلِهِ: {سُبْحانَ الَّذِي أسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِنَ المَسْجِدِ الْحَرَامِ} (الْإِسْرَاء: 1)

أَي: هَذَا بَاب فِي قَوْله تَعَالَى: {سُبْحَانَ الَّذِي أسرى بِعَبْدِهِ} الْآيَة، وَسُبْحَان علم للتسبيح، وَالْمعْنَى: سبح الله تَعَالَى وَأسرى وسرى لُغَتَانِ، وليلاً، نصب على الظّرْف وَإِنَّمَا ذكر: لَيْلًا، بالتنكير وَإِن كَانَ الْإِسْرَاء لَا يكون إلاَّ بِاللَّيْلِ إِشَارَة إِلَى تقليل مُدَّة الْإِسْرَاء.

230 - (حَدثنَا عَبْدَانِ حَدثنَا عبد الله أخبرنَا يُونُس ح وَحدثنَا أَحْمد بن صَالح حَدثنَا عَنْبَسَة حَدثنَا يُونُس عَن ابْن شهَاب قَالَ ابْن الْمسيب قَالَ أَبُو هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ أُتِي رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - لَيْلَة أسرِي بِهِ بإيلياء بقدحين من خمر وَلبن فَنظر إِلَيْهِمَا فَأخذ اللَّبن قَالَ جِبْرِيل الْحَمد لله الَّذِي هداك للفطرة لَو أخذت الْخمر غوت أمتك) مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة وَأخرجه من طَرِيقين أَحدهمَا عَن عَبْدَانِ هُوَ عبد الله بن عُثْمَان الْمروزِي عَن عبد الله بن الْمُبَارك الْمروزِي عَن يُونُس بن يزِيد الْأَيْلِي عَن ابْن شهَاب مُحَمَّد بن مُسلم الزُّهْرِيّ عَن سعيد بن الْمسيب وَالْآخر عَن أَحْمد بن صَالح أبي جَعْفَر الْمصْرِيّ عَن عَنْبَسَة بِفَتْح الْعين الْمُهْملَة وَسُكُون النُّون وَفتح الْبَاء الْمُوَحدَة وبالسين الْمُهْملَة ابْن خَالِد عَن يُونُس إِلَى آخِره والْحَدِيث أخرجه البُخَارِيّ أَيْضا فِي الْأَشْرِبَة عَن عَبْدَانِ وَأخرجه مُسلم فِي الْأَشْرِبَة عَن زُهَيْر بن حَرْب

(19/22)


وَأخرجه النَّسَائِيّ فِيهِ عَن سُوَيْد بن نصر قَوْله " بإيلياء " بِكَسْر الْهمزَة وَاللَّام وَإِسْكَان التَّحْتَانِيَّة الأولى ممدودا هُوَ بَيت الْمُقَدّس على الْأَشْهر قَوْله " للفطرة " أَي لِلْإِسْلَامِ الَّذِي هُوَ مُقْتَضى الطبيعة السليمة الَّتِي فطر الله النَّاس عَلَيْهَا فَإِن قلت قد مر فِي حَدِيث الْمِعْرَاج أَنه ثَلَاثَة أقداح وَالثَّالِث فِيهِ عسل قلت لَا مُنَافَاة بَينهمَا -
0174 - حدَّثنا أحْمَدُ بنُ صالحٍ حدَّثنا ابنُ وَهْبٍ قَالَ أخبَرَني يُونُسُ عنِ ابنِ شِهابٍ قَالَ أبُو سَلَمَة سَمِعْتُ جابِرَ بنَ عبْدِ الله رضيَ الله عَنْهُمَا قَالَ سَمِعْتُ النبيَّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُولُ لمّا كَذّبَنِي قُرَيْشٌ قُمْتُ فِي الحِجْرِ فَجَلّى الله لي بَيْتَ المَقْدِسِ فَطَفِقْتُ أخْبِرُهُمْ عنْ آياتِهِ وَأَنا أنْظُر إلِيْهِ زَادَ يَعْقُوبُ بنُ إبْرَاهِيمَ حدَّثنا ابنُ أخِي ابنِ شِهابٍ عنْ عَمِّهِ لمّا كَذّبَني قُرَيْشٌ حِينَ أُسْرِيَ بِي إِلَى بَيْت المقْدِسِ نَحْوَهُ.
(انْظُر الحَدِيث 6883) .
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة وَابْن وهب هُوَ عبد الله بن وهب الْمصْرِيّ. والْحَدِيث أخرجه البُخَارِيّ أَيْضا عَن يحيى بن بكير عَن اللَّيْث. وَأخرجه مُسلم فِي الْإِيمَان عَن قُتَيْبَة. وَأخرجه التِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ جَمِيعًا فِي التَّفْسِير عَن قُتَيْبَة بِهِ.
قَوْله: (لما كَذبَنِي قُرَيْش) ، هَكَذَا فِي رِوَايَة الْكشميهني، وَفِي رِوَايَة الْأَكْثَرين: (لما كذبتني) ، بالتأنيث. قَوْله: (فِي الْحجر) ، بِكَسْر الْحَاء الْمُهْملَة وَهُوَ تَحت ميزاب الْكَعْبَة. قَوْله: (فَجلى الله) ، بِالْجِيم، أَي: كشف الله تَعَالَى. قَوْله: (فطفقت) ، من أَفعَال المقاربة بِمَعْنى: شرعت وَأخذت (أخْبرهُم) من الْإِخْبَار. قَوْله: (عَن آيَاته) ، أَي: علاماته، وَالَّذِي سَأَلَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، أَن يصف لَهُم بَيت الْمُقَدّس هُوَ الْمطعم بن عدي فوصف لَهُم، فَمن مُصَفِّق وَمن وَاضع يَده على رَأسه مُتَعَجِّبا، وَكَانَ فِي الْقَوْم من سَافر إِلَى بَيت الْمُقَدّس وَرَأى الْمَسْجِد فَقيل لَهُ: هَل تَسْتَطِيع أَن تنْعَت لنا بَيت الْمُقَدّس؟ فَقَالَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: فَذَهَبت أَنعَت لَهُم فَمَا زلت أَنعَت حَتَّى الْتبس عَليّ بعض النَّعْت، فجيء بِالْمَسْجِدِ حَتَّى وضع، قَالَ: فنعته وَأَنا أنظر إِلَيْهِ، فَقَالَ القوام: أما النَّعْت فقد أصَاب. قَوْله: (زَاد يَعْقُوب بن إِبْرَاهِيم) ، هُوَ ابْن سعد بن إِبْرَاهِيم بن عبد الرَّحْمَن بن عَوْف الْقرشِي الزُّهْرِيّ، قَالَ: حَدثنَا ابْن أخي ابْن شهَاب وَهُوَ مُحَمَّد بن عبد الله بن مُسلم ابْن أخي الزُّهْرِيّ عَن عَمه مُحَمَّد بن مُسلم الزُّهْرِيّ، وَهَذِه الزِّيَادَة رَوَاهَا الذهلي فِي (الزهريات) عَن يَعْقُوب بِهَذَا الْإِسْنَاد.
قاصِفاً: رِيحٌ تَقْصِفُ كُلَّ شَيْءٍ
أَشَارَ بِهِ إِلَى قَوْله تَعَالَى: {فَيُرْسل عَلَيْكُم قاصفاً من الرّيح فيغرقكم} (الْإِسْرَاء: 96) الْآيَة، وَفسّر القاصف بقوله: (ريح) أَي: القاصف (ريح تقصف كل شَيْء) . أَي: تكسره بِشدَّة، وَهَكَذَا رُوِيَ عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا، وَالله تَعَالَى أعلم.

4 - (بابُ قَوْلِهِ تَعَالَى: {ولَقَدْ كَرَّمْنا بَني آدَمَ} (الْإِسْرَاء: 07)

أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان قَوْله تَعَالَى: {وَلَقَد كرمنا} وَلَيْسَت فِي بعض النّسخ هَذِه التَّرْجَمَة، قَوْله: (وَلَقَد كرمنا بني آدم) أَي: بِالْعقلِ، قَالَه ابْن عَبَّاس، وَعَن الضَّحَّاك: بالنطق والتمييز، وَعَن عَطاء: بتعديل الْقَامَة وامتدادها، وَعَن يمَان: بِحسن الصُّورَة، وَعَن مُحَمَّد ابْن جرير: بتسليطهم على غَيرهم من الْخلق وتسخير سَائِر الْخلق لَهُم، وَعَن ابْن عَبَّاس: كل شَيْء يَأْكُل بِفِيهِ إلاّ ابْن آدم يَأْكُل بِيَدِهِ.
كَرَّمْنا وأكْرَمْنا واحِدٌ

قَالَ بَعضهم: أَي فِي الأَصْل وإلاَّ فبالتشديد أبلغ قلت: إِذا كَانَ مُرَاده بِالْأَصْلِ الْوَضع فَلَيْسَ كَذَلِك لِأَن لكل مِنْهُمَا بَابا فِي الأَصْل مَوْضُوعا، وَإِن كَانَ مُرَاده بِالْأَصْلِ الِاسْتِعْمَال فَلَيْسَ كَذَلِك، لِأَن كرمنا بِالتَّشْدِيدِ من بَاب التفعيل، وَأَكْرمنَا من بَاب الْأَفْعَال، بل المُرَاد أَنَّهَا وَاحِد فِي التَّعَدِّي، غير أَن فِي كرمنا بِالتَّشْدِيدِ من الْمُبَالغَة مَا لَيْسَ فِي أكرمنا. فَافْهَم.
ضِعْفَ الحَياةِ عَذَابَ الحَياة وضِعْفَ المَمَاتِ عَذَابَ المَماتِ

(19/23)


أَشَارَ بِهِ إِلَى قَوْله تَعَالَى: {إِذا لأذقناك ضعف الْحَيَاة وَضعف الْمَمَات ثمَّ لَا تَجِد لَك علينا نَصِيرًا} (الْإِسْرَاء: 57) قَالَ أَبُو عُبَيْدَة: التَّقْدِير ضعف عَذَاب الْحَيَاة وَضعف عَذَاب الْمَمَات، يُرِيد عَذَاب الدُّنْيَا وَالْآخِرَة، أَي: ضعف مَا يعذب بِهِ غَيره، وَهَذَا تخويف لأمته، عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام، لِئَلَّا يركن أحد من الْمُسلمين إِلَى أحد من الْمُشْركين فِي شَيْء من أَحْكَام الله وشرائعه، وَذَلِكَ لِأَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ مَعْصُوما، وَقَالَ ابْن الْجَوْزِيّ: هَذَا وَمَا شابهه محَال فِي حَقه عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام.
خِلاَفَكَ وخَلْفَكَ سَوَاءٌ

أَشَارَ بِهِ إِلَى قَوْله تَعَالَى: {وَإِذا لَا يلبثُونَ خِلافك إِلَّا قَلِيلا} (الْإِسْرَاء: 67) وَكَذَا قَالَ أَبُو عُبَيْدَة. قَالَ: وهما لُغَتَانِ بِمَعْنى، وقرىء بهما فالجمهور قرؤوا خَلفك إلاَّ قَلِيلا وَابْن عَامر خِلافك، وَمَعْنَاهُ: إلاَّ قَلِيلا بعْدك.
ونأى تَباعَدَ

أَشَارَ بِهِ إِلَى قَوْله تَعَالَى: {وَإِذا أنعمنا على الْإِنْسَان أعرض ونأى بجانبه} (الْإِسْرَاء: 38) وَفسّر قَوْله: (نأى) بقوله: (تبَاعد) . قَالَ الْمُفَسِّرُونَ: أَي: تبَاعد منا بِنَفسِهِ، وَعَن عَطاء: تعظم وتكبر، وَيُقَال: نأى من الأضداد.
شاكِلَتِهِ ناحِيَتِهِ وهْيَ مِنْ شَكَلْتُهُ

أَشَارَ بِهِ إِلَى قَوْله تَعَالَى: {قل كل يعْمل على شاكلته} (الْإِسْرَاء: 48) وفسرها بقوله: ناحيته، وَكَذَا رَوَاهُ الطَّبَرِيّ من طَرِيق عَليّ بن أبي طَلْحَة عَن ابْن عَبَّاس، وَعَن مُجَاهِد: على حِدته، وَعَن الْحسن وَقَتَادَة: على نِيَّته، وَعَن أبي زيد. على دينه، وَعَن مقَاتل: على جبلته، وَعَن الْفراء: على طَرِيقَته الَّتِي جبل عَلَيْهَا، وَعَن أبي عُبَيْدَة والقتبي: على خليقته وطبيعته: (وَهِي من شكلته) أَي: الشاكلة مُشْتَقَّة من شكلته إِذا قيدته، ويروى: (من شكلته) ، بِالْفَتْح بِمَعْنى الْمثل، وبالكسر بِمَعْنى الدن.
صَرَّفْنا وجَّهْنا

أَشَارَ بِهِ إِلَى قَوْله تَعَالَى: {وَلَقَد صرفنَا للنَّاس فِي هَذَا الْقُرْآن} (الْإِسْرَاء: 98) وَفَسرهُ بقوله: وجهنا، وَكَذَا فسره أَبُو عُبَيْدَة وَيُقَال: أَي وَبينا من الْأَمْثَال وَغَيرهَا مِمَّا يُوجب الِاعْتِبَار بِهِ.
قَبِيلاً مُعايَنَةً ومُقابَلَةً وقِيلَ القابِلَةُ لأنّها مُقابِلَتُها تَقْبَلُ ولدَها
أَشَارَ بِهِ إِلَى قَوْله تَعَالَى: {أَو تَأتي بِاللَّه وَالْمَلَائِكَة قبيلاً} (الْإِسْرَاء: 291) وَفَسرهُ بقوله: مُعَاينَة ومقابلة. قَوْله: (وَقيل الْقَابِلَة) ، أَرَادَ أَنه قيل للْمَرْأَة الَّتِي تتلقى الْوَلَد عِنْد الْولادَة قَابِلَة لِأَنَّهَا مقابلتها، أَي: مُقَابلَة الْمَرْأَة الَّتِي تولدها. قَوْله: (تقبل وَلَدهَا) أَي: تتلقاه عِنْد الْولادَة، يُقَال: قبلت الْقَابِلَة الْمَرْأَة تقبلهَا قبالة بِالْكَسْرِ، أَي: تَلَقَّتْهُ عِنْد الْولادَة، وَقَالَ ابْن التِّين: ضَبطه بَعضهم بتقبل وَلَدهَا بِضَم الْمُوَحدَة وَلَيْسَ ببين قلت: تقبل بِالْفَتْح هُوَ الْبَين لِأَنَّهُ من بَاب علم يعلم، وَقد يظنّ أَن تقبل وَلَدهَا من التَّقْبِيل، وَلَيْسَ بِظَاهِر.
خَشْيَةَ الإنْفاقِ أنْفَقَ الرَّجُلُ أمْلَقَ ونَفَقَ الشَّيْءُ ذِهَبَ
أَشَارَ بِهِ إِلَى قَوْله تَعَالَى: {إِذا لامستكم خشيَة الْإِنْفَاق وَكَانَ الْإِنْسَان قتوراً} (الْإِسْرَاء: 001) وَفسّر الْإِنْفَاق الإملاق، وروى ابْن أبي حَاتِم من طَرِيق السّديّ، قَالَ: خشيَة الْإِنْفَاق، أَي: خشيَة أَن تنفقوا فتفتقروا. قَوْله: (ونفق الشَّيْء ذهب) بِفَتْح الْفَاء وَقيل بِكَسْرِهَا، وَكَذَا فسره أَبُو عُبَيْدَة، وَأَشَارَ بِهِ أَيْضا إِلَى الْفرق بَين الثلاثي والمزيد من حَيْثُ الْمَعْنى، وَفِي هَذِه السُّورَة أَيْضا قَوْله: {وَلَا تقتلُوا أَوْلَادكُم خشيَة إملاق} (الْإِسْرَاء: 13) الإملاق الْفقر وَقد خبط بَعضهم هُنَا خباطاً لَا ينجلي، وَقد طويت ذكره.
قَتُوراً مُقَتِّراً
أَشَارَ بِهِ إِلَى قَوْله تَعَالَى: {وَكَانَ الْإِنْسَان قتوراً} (الْإِسْرَاء: 001) وَقَالَ: إِن قتوراً الَّذِي على وزن: فعول، بِمَعْنى: مقتراً، على وزن إسم الْفَاعِل من الإقتار، وَمَعْنَاهُ: بَخِيلًا ممسكاً، يُقَال: قتر يقتر قتراً وأقتر إقتاراً: إِذا قصر فِي الْإِنْفَاق.
للأذْقانِ مُجْمَعُ اللَّحْيَيْنِ والوَاحِدُ ذَقَنٌ

(19/24)


أَشَارَ بِهِ إِلَى قَوْله تَعَالَى: {يخرون للأذقان سجدا} (الْإِسْرَاء: 701) وَقَالَ: الأذقان مجمع اللحيين، بِفَتْح اللاَّم، وَقيل، بِكَسْرِهَا أَيْضا: تَثْنِيَة لحي وَهُوَ الْعظم الَّذِي عَلَيْهِ الْأَسْنَان. قَوْله: (وَالْوَاحد ذقن) ، بِفَتْح الذَّال الْمُعْجَمَة وَالْقَاف وَاللَّام فِيهِ بِمَعْنى: على، وَالْمعْنَى: يَسْجُدُونَ على أذقانهم، وَقَالَ ابْن عَبَّاس: الْوُجُوه، يُرِيد: يَسْجُدُونَ بِوُجُوهِهِمْ وجباههم وأذقانهم.
وَقَالَ مُجاهِدٌ مَوْفُوراً وافِراً
أَشَارَ بِهِ إِلَى قَوْله تَعَالَى: {إِن جَهَنَّم جزاؤكم جزاءًا موفوراً} (الْإِسْرَاء: 36) وَفسّر مُجَاهِد: موفوراً بقوله: (وافراً) وَكَذَا روى الطَّبَرِيّ من طَرِيق ابْن أبي نجيح عَنهُ، وَالْحَاصِل أَن الْمَفْعُول هُنَا بِمَعْنى الْفَاعِل، عكس: {عيشة راضية} (الحاقة: 12 وَالْقَارِعَة: 7) .
تَبِيعاً ثائِراً

أَشَارَ بِهِ إِلَى قَوْله تَعَالَى: {ثمَّ لَا تَجدوا لكم علينا بِهِ تبيعاً} (الْإِسْرَاء: 96) وَفسّر (تبيعاً) بقوله: (ثائراً) أَي: طَالبا للثأر ومنتقماً، وَيُقَال لكل طَالب بثأر: تبيع، وتابع، وَهَذَا أَيْضا تَفْسِير مُجَاهِد وَصله الطَّبَرِيّ من طَرِيق ابْن أبي نجيح عَنهُ.
وَقَالَ ابنُ عَبَّاس نَصِيراً

أَي: ابْن عَبَّاس فسر تبيعاً بقوله: (نَصِيرًا) وَكَذَا رَوَاهُ ابْن أبي حَاتِم من طَرِيق عَليّ بن أبي طَلْحَة عَنهُ.
خَبَتْ طَفِئَتْ
أَشَارَ بِهِ إِلَى قَوْله تَعَالَى: {كلما خبت زدناهم سعيراً} (الْإِسْرَاء: 79) وَفسّر: (خبت) بقوله: (طفئت) يُقَال: خبت النَّار تخبو خبواً إِذا سكن لهبها، وأصل خبت خبيت قلبت الْيَاء ألفا لتحركها وانفتاح مَا قبلهَا، ثمَّ حذفت لالتقاء الساكنين فَصَارَ خبت على وزن فعت.
وَقَالَ ابنُ عَباسٍ لَا تُبَذِّرْ لَا تُنْفِقْ فِي الباطِلِ
أَي: قَالَ ابْن عَبَّاس فِي قَوْله تَعَالَى: {وَلَا تبذر تبذيراً} (الْإِسْرَاء: 62) أَي: لَا تنْفق فِي الْبَاطِل، وَكَذَا رَوَاهُ الطَّبَرِيّ من طَرِيق عَطاء الْخُرَاسَانِي عَن ابْن عَبَّاس، وَيُقَال: التبذير إِنْفَاق المَال فِيمَا لَا يَنْبَغِي، والإسراف هُوَ الصّرْف فِيمَا يَنْبَغِي زَائِدا على مَا يَنْبَغِي.
ابْتِغَاءَ رَحْمَةٍ رزْقٍ
أَشَارَ بِهِ إِلَى قَوْله تَعَالَى: {وَأما تعرضن عَنْهُم ابْتِغَاء رَحْمَة من رَبك} (الْإِسْرَاء: 82) وَفسّر الرَّحْمَة بالرزق، وَكَذَا رَوَاهُ الطَّبَرِيّ من طَرِيق عَطاء عَن ابْن عَبَّاس.
مَثْبُوراً ملْعُوناً
أَشَارَ بِهِ إِلَى قَوْله تَعَالَى: {لأظنك يَا فِرْعَوْن مثبوراً} (الْإِسْرَاء: 201) وَفَسرهُ بقوله: ملعوناً، وَكَذَا رَوَاهُ الطَّبَرِيّ من طَرِيق عَليّ بن أبي طَلْحَة عَن ابْن عَبَّاس، وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَة: الْمَعْرُوف فِي الثبور الْهَلَاك، والملعون هَالك، وَعَن الْعَوْفِيّ: مَعْنَاهُ مَغْلُوبًا، وَعَن مُجَاهِد: هَالكا، وَعَن قَتَادَة: مهْلكا، وَعَن عَطِيَّة: مغيراً مبدلاً، وَعَن ابْن زيد بن أسلم: مخبولاً لَا عقل لَهُ.
لَا تَقْفُ: لَا تَقُلْ
أَشَارَ بِهِ إِلَى قَوْله تَعَالَى: {وَلَا تقف مَا لَيْسَ لَك بِهِ علم} (الْإِسْرَاء: 63) وَفسّر: (لَا تقف) بقوله: (لَا تقل) ، أَي: فِي شَيْء بِمَا لَا تعلم، وَعَن قَتَادَة: لَا تقل رَأَيْت وَلم تره وَسمعت وَلم تسمعه وَعلمت وَلم تعلمه، وَهَذِه رِوَايَة عَن ابْن عَبَّاس، وَعَن مُجَاهِد: وَلَا ترمِ أحدا بِمَا لَيْسَ لَك بِهِ علم، وَهِي رِوَايَة أَيْضا عَن ابْن عَبَّاس، وَقَالَ القتبي: هُوَ مَأْخُوذ من الْقَفَا كَأَنَّهُ يقفو الْأُمُور، أَي: يكون فِي قفائها يتعقبها ويتتبعها ويتعرفها، يُقَال: قَفَوْت أَثَره على وزن دَعَوْت، وَالنَّهْي فِي: لَا تقف، مثل: لَا تدع، وَبِهَذَا اسْتدلَّ أَبُو حنيفَة على ترك الْعَمَل بالقائف، وَمَا ورد من ذَلِك من أَخْبَار الْآحَاد فَلَا يُعَارض النَّص.
فَجاسُوا تَيَمَّمُوا

أَشَارَ بِهِ إِلَى قَوْله تَعَالَى: {فجاسوا خلال الديار وَكَانَ وَعدا مَفْعُولا} (الْإِسْرَاء: 5) وَفسّر: (جاسوا) بقوله: (تيمموا) أَي: قصدُوا وسط الدَّار، وجاسوا من الجوس وَهُوَ طلب الشَّيْء باستقصاء، وَقَالَ ابْن عَرَفَة: مَعْنَاهُ عانوا وأفسدوا.
يُزْجِي الفلْكَ: يُجْرِي الفلْكَ

(19/25)


أَشَارَ بِهِ إِلَى قَوْله تَعَالَى: {ربكُم الَّذِي يزجى لكم الْفلك فِي الْبَحْر} (الْإِسْرَاء: 66) وَفسّر: (يُزجي) ، من الإزجاء الزَّاي، بقوله: (يُجري) من الإجراء بالراء الْمُهْملَة، وَيُقَال: مَعْنَاهُ يَسُوق الْفلك ويسيره حَالا بعد حَال، وَيُقَال: أزجيت الْإِبِل سقتها، وَالرِّيح تزجي السَّحَاب وَالْبَقَرَة تزجي وَلَدهَا، وروى الطَّبَرِيّ من طَرِيق سعيد عَن قَتَادَة: يزجي الْفلك أَي يسيرها فِي الْبَحْر، وَالله أعلم.

(بابُ قَوْلِهِ: {وإذَا أرَدْنا أنْ نَهْلِكَ قَرْيَةً أمَرْنا متْرَفِيها} (الْإِسْرَاء: 61)
أَي: هَذَا بَاب فِي قَوْله عز وَجل: {وَإِذا أردنَا أَن نهلك قَرْيَة} الْآيَة. أَي إِذا أردنَا إهلاك قَرْيَة أمرنَا، بِفَتْح الْمِيم من: أَمر، ضد نهى، وَهِي قِرَاءَة الْجُمْهُور، وَفِيه حذف تَقْدِيره {أمرنَا مُتْرَفِيهَا} بِالطَّاعَةِ {ففسقوا} أَي: فَخَرجُوا عَن الطَّاعَة {فَحق عَلَيْهَا القَوْل} أَي: فَوَجَبَ عَلَيْهِم الْعَذَاب {فدمرنا تدميراً} أَي: فخربنا تخريباً وأهلكنا من فِيهَا إهلاكاً، وَفسّر بَعضهم: أمرنَا: بكثرنا. وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيّ: وقرىء (آمرنا) من أَمر يَعْنِي بِكَسْر الْمِيم وَأمره غَيره وأمرنا بِمَعْنى أمرنَا أَو من أَمر إِمَارَة وَأمره الله أَي: جعلناهم أُمَرَاء وسلطناهم. قَوْله: (مُتْرَفِيهَا) جمع مترف وَهُوَ المتنعم المتوسع فِي ملاذ الدُّنْيَا.

1174 - حدَّثنا عَلِيُّ بنُ عبْدِ الله حدّثنا سُفْيانُ أخْبَرَنا مَنْصُورٌ عنْ أبي وائِلِ عنْ عَبْدِ الله قَالَ كُنَّا نَقُولُ لِلْحَيِّ إذَا كَثُرُوا فِي الجاهِلِيّةِ أمِرَ بَنُو فُلاَنٍ.
مطابقته للتَّرْجَمَة تُؤْخَذ من قَوْله: أَمر، فَإِنَّهُ بِفَتْح الْمِيم وَكسرهَا كَمَا جَاءَت الْقرَاءَات الْمَذْكُورَة فِي الْآيَة الْمَذْكُورَة مَبْنِيَّة على الِاخْتِلَاف فِي معنى: أَمر، الَّذِي هُوَ الْمَاضِي، وَالِاخْتِلَاف فِي بَابه.
وَعلي بن عبد الله هُوَ الْمَعْرُوف بِابْن الْمَدِينِيّ وسُفْيَان هُوَ ابْن عُيَيْنَة، وَمَنْصُور هُوَ ابْن الْمُعْتَمِر، وَأَبُو وَائِل هُوَ شَقِيق بن سَلمَة وَعبد الله هُوَ ابْن مَسْعُود.
قَوْله: (للحي) أَي: للقبيلة. قَوْله: (أَمر) ، بِكَسْر الْمِيم بِمَعْنى كثر، وَجَاء بِفَتْح الْمِيم أَيْضا، وهما لُغَتَانِ جاءتا بِمَعْنى: كثر، وَفِيه رد على ابْن التِّين حَيْثُ أنكر الْفَتْح فِي معنى كثر، وَقَالَ بَعضهم: وَضبط الْكرْمَانِي أَحدهمَا بِضَم الْهمزَة وَهُوَ غلط مِنْهُ. قلت: لم يُصَرح الْكرْمَانِي بذلك بل نسبه إِلَى الْحميدِي، وَفِيه المناقشة.
حدّثنا الحُمَيْدِي حدّثنا سُفْيانُ وَقَالَ: أمِرَ

أَشَارَ بذلك إِلَى أَن سُفْيَان بن عُيَيْنَة روى عَنهُ الْحميدِي: (أَمر) ، بِفَتْح الْمِيم، وروى عَنهُ عَليّ بن عبد الله: أَمر، بِكَسْر الْمِيم وهما لُغَتَانِ كَمَا ذكرنَا فِي معنى: كثر والْحميدِي عبد الله بن الزبير بن عِيسَى ونسبته إِلَى أحد أجداده حميد، وَقد مر غير مرّة، وَالله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أعلم.

5 - (بابٌ: {ذُرِّيّةَ مَنْ حَمَلْنا مَعَ نُوحٍ إنّهُ كانَ عَبْداً شَكُوراً} (الْإِسْرَاء: 3)

أَي: هَذَا بَاب فِي قَوْله عز وَجل: {ذُرِّيَّة من حملنَا مَعَ نوح} إِلَى آخِره ... قَالَ الْمُفَسِّرُونَ: يَعْنِي يَا ذُرِّيَّة من حملنَا، وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيّ: وقرىء ذُرِّيَّة بِالرَّفْع بَدَلا من وَاو تَتَّخِذُوا، وَقَرَأَ زيد بن ثَابت رَضِي الله عَنهُ، ذُرِّيَّة، بِكَسْر الذَّال، وروى عَنهُ أَنه فَسرهَا بِولد الْوَلَد. قَوْله: (إِنَّه كَانَ عبدا شكُورًا) ، قَالَ الْمُفَسِّرُونَ: كَانَ نوح عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام، إِذا لبس ثوبا أَو أكل طَعَاما أَو شرب شرابًا قَالَ: الْحَمد لله، فَسمى عبدا شكُورًا، وَعَن عمرَان بن سليم: إِنَّمَا سمي نوح عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام، عبدا شكُورًا لِأَنَّهُ كَانَ إِذا أكل طَعَاما قَالَ: الْحَمد لله الَّذِي أَطْعمنِي، وَلَو شَاءَ أجاعني، وَإِذا شرب شرابًا، قَالَ: الْحَمد لله الَّذِي سقاني وَلَو شَاءَ أظمأني، وَإِذا اكتسى، قَالَ: الحمدلله الَّذِي كساني وَلَو شَاءَ أعراني، وَإِذا احتذى قَالَ: الْحَمد لله الَّذِي حذاني وَلَو شَاءَ أحفاني، وَإِذا قضى حَاجته قَالَ: الْحَمد لله الَّذِي أخرج عني أذاء فِي عَافِيَة وَلَو شَاءَ حَبسه.

2174 - حدَّثنا مُحَمَّدُ بنُ مُقاتِلٍ أخْبَرَنا عبدُ الله أخبرنَا أبُو حيَّانَ التَّيْمِيُّ عنْ أبي زُرْعَةَ ابنِ عَمْروِ بنِ جَرِير عنْ أبي هُرَيْرَةَ رَضِي الله عنْهُ قَالَ أتِيَ رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِلَحْمٍ

(19/26)


فَرُفِعَ إلَيْهِ الذِّرَاعُ وكانَتْ تعْجِبُهُ فَنَهَسَ مِنْها نَهْسَةً ثُمَّ قَالَ أَنا سَيِّدُ النَّاسِ يَوْمَ القِيامَةِ وهَلْ تَدْرُونَ مِمَّ ذَاكَ يُجْمَعُ النّاسُ الأوَّلينَ والآخِرِينَ فِي صعِيدٍ واحِدٍ يُسْمِعُهُمُ الدَّاعِي وَيَنْفُذُهُمُ البَصرُ وتَدْنُو الشَّمْسُ فيَبْلُغُ النّاسَ مِنَ الغَمِّ والكَرْبِ مَا لاَ يُطِيقُونَ وَلَا يحْتَمِلونَ فيَقُولُ النّاسُ أَلا تَرَوْنَ مَا قَدْ بلغَكُمْ أَلا تَنْظُرُونَ مَنْ يَشْفَعُ لكُمْ إِلَى رَبِّكُمْ فيَقُولُ بَعْضُ النَّاسِ لِبَعْضٍ عَلَيْكُمْ بآدمَ فَيأتُونَ آدَمَ عَلَيهِ السّلاَمُ فيَقولُونَ لَهُ أنْتَ أبُو البَشَرِ خَلَقَكَ الله بِيَدِهِ ونَفَخَ فِيكَ مِنْ رُوحِهِ وأمرَ المَلاَئِكَةَ فَسَجَدُوا لَكَ اشْفَعْ لنا إِلَى ربِّكَ أَلا تَرَى إِلَى مَا نَحْنُ فِيهِ ألاَ تَرَى إِلَى مَا قَدْ بَلَغَنا فَيَقُولُ آدَمُ إنَّ رَبِّي قَدْ غَضِبَ اليَوْمَ غَضَباً لمْ يَغْضَبْ قبْلَهُ مِثْلَهُ وَلَنْ يَغْضَبَ بَعْدَهُ مِثْلَهُ وإنَّهُ نَهاني عَن الشَّجَرَةِ فَعَصَيْتُهُ. نَفْسِي نَفْسِي نَفْسِي اذْهَبُوا إِلَى غيْرِي اذْهَبُوا إِلَى نوحٍ فَيَأتُونَ نُوحاً فيَقُولونَ يَا نُوحُ إنَّكَ أنْتَ أوَّلُ الرُّسُلِ إِلَى أهْلِ الأرْض وقَدْ سَمّاكَ الله عبْداً شَكُوراً اشْفَعْ لَنا إِلَى رَبِّكَ أَلا تَرَى إِلَى مَا نَحْنُ فِيهِ فَيَقُولُ إنَّ رَبِّي عَزَّ وجَلَّ قدْ غَضِبَ اليَوْمَ غَضَباً لَمْ يَغْضَبْ قَبْلَهُ مِثْلَهُ ولَنْ يَغْضَبَ بَعْدَهُ مِثْلَهُ وإنَّهُ قَدْ كانَتْ لِي دَعْوَةٌ دَعَوْتُها عَلَى قَوْمِي نَفْسِي نَفْسِي نَفْسِي اذْهَبُوا إِلَى غَيْرِي اذْهَبُوا إلَى إبْرَاهِيمَ فَيَأتُونَ إبْرَاهِيمَ فَيَقُولونَ يَا إبْرَاهِيمُ أنْتَ نَبِيُّ الله وخَلِيلُهُ مِنْ أهْلِ الأرْضِ اشْفَعْ لَنا إلَى رَبِّكَ ألاَ تَرَى إِلَى مَا نَحْنُ فِيهِ فيَقُولُ لَهُمْ إنَّ رَبِّي قَدْ غَضِبَ اليومَ غَضَباً لَمْ يَغْضَبْ قَبْلَهُ مِثْلُهُ ولَنْ يَغْضَبَ بَعْدَهُ مِثْلَهُ وإنِّي قَدْ كُنْت كَذَبْتُ ثَلاَثَ كَذَباتٍ فذكَرَهُنَّ أبُو حَيَّانَ فِي الحَدِيثِ نَفْسِي نَفْسِي نَفْسِي اذْهَبُوا إلَى غَيْرِي اذْهَبُوا إِلَى مُوسَى فَيَأتُونَ مُوسَى فَيَقُولُونَ يَا مُوسَى أنْتَ رَسُولُ الله فَضَّلَكَ الله بِرِسالَتِهِ وبِكَلاَمِهِ عَلَى النَّاسِ اشْفَعْ لَنا إِلَى رَبِّكَ أَلا تَرَى إِلَى مَا نَحْنُ فِيهِ فَيَقُولُ إنَّ رَبِّي قَدْ غَضِبَ اليَوْمَ غَضَباً لَمْ يَغْضَبْ قَبْلَهُ مِثْلَهُ وَلَنْ يَغْضَبَ بَعْدَهُ مِثْلَهُ وإنِّي قَدْ قَتَلْتُ نَفْساً لَمْ أومَرْ بِقَتْلِها نَفْسِي نَفْسِي نَفْسِي اذْهَبُوا إِلَى غَيْرِي اذْهَبُوا إِلَى عِيَسى فَيَأتُونَ عِيسَى فَيَقُولُونَ يَا عِيسَى أنْتَ رسولُ الله وكَلِمَتُهُ ألْقاها إِلَى مَرْيَمَ ورُوحٌ مِنْهُ وكَلَّمْتَ النَّاسَ فِي المَهْدِ صَبِيًّا اشْفَعْ لَنا إلَى رَبِّكَ أَلا تَرَى إِلَى مَا نَحْنُ فِيهِ فيَقُولُ عِيسَى إنَّ رَبِّي قَدْ غَضِبَ اليَوْمَ غَضَباً لَمْ يَغْضَبْ قَبْلَهُ مِثْلَهُ ولَنْ يَغْضَبَ بَعْدَهُ مِثْلَهُ ولَمْ يَذْكُرْ ذِنْباً نَفْسي نَفْسِي نَفْسِي اذْهَبُوا إِلَى غَيْرِي اذْهَبُوا إِلَى مُحَمَّدٍ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَيَأتُونَ مُحَمَّداً صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَيَقُولُونَ يَا مُحَمَّدُ أنْتَ رسولُ الله وخاتمُ الأنْبِياءِ وقَدْ غَفَرَ الله لَكَ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تأخَّرَ اشْفَعْ لَنا إِلَى رَبِّكَ ألاَ تَرَى إِلَى مَا نَحْنُ فِيهِ فأنْطَلِقُ فآتِي تَحْتَ العَرْشِ فأقَعُ ساجِداً لِرَبِّي عَزَّ وجَلَّ ثُمَّ يَفْتَحُ الله عَليَّ مِنْ مَحامِدِهِ وحُسْنِ الثَّناءِ عَلَيْهِ شَيْئاً لَمْ يَفْتَحْهُ عَلَى أحَدٍ قَبْلِي ثُمَّ يُقالُ يَا مُحَمَّدُ ارْفَعْ رَأسَكَ سَلْ تُعْطَهُ واشْفَعْ تُشَفَّعْ فأرْفَعُ رَأسِي فأقُولُ أُمَّتِي يَا رَبِّ أُمَّتِي يَا رَبِّ فَيُقالُ يَا مُحَمَّدُ أدْخِلْ مِنْ أُمَّتِكَ مَنْ لَا حِسَابَ عَلَيْهِمْ مِنَ البَابِ الأيمِنْ أبْوَابِ

(19/27)


الجَنَّةِ وهُمْ شُرَكاءُ النَّاسِ فِيما سِوَى ذالِكَ مِنَ الأبْوَابِ ثُمَّ قَالَ والَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ إنَّ مَا بَيْنَ المِصْرَاعَيْنِ مِنْ مَصارِيع الجَنَّةِ كَما بَيْنَ مَكَّةِ وحِمْيَرَ أوْ كَمَا بَيْنَ مَكَّةَ وَبُصْرَى.
(انْظُر الحَدِيث 0433 وطرفه) .
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (عبدا شكُورًا) . وَمُحَمّد بن مقَاتل الْمروزِي. وَعبد الله هُوَ ابْن الْمُبَارك الْمروزِي، وَأَبُو حَيَّان. بِفَتْح الْحَاء الْمُهْملَة وَتَشْديد الْيَاء آخر الْحُرُوف: واسْمه يحيى بن سعيد بن حَيَّان التَّيْمِيّ تيم الربَاب الْكُوفِي، وَأَبُو زرْعَة هُوَ هرم بن عَمْرو بن جرير بن عبد الله البَجلِيّ الْكُوفِي.
والْحَدِيث مضى مُخْتَصرا فِي أَحَادِيث الْأَنْبِيَاء عَلَيْهِم السَّلَام، عَن إِسْحَاق بن نصر عَن مُحَمَّد بن عبيد عَن أبي حَيَّان عَن أبي زرْعَة عَن أبي هُرَيْرَة، وَمضى الْكَلَام فِيهِ هُنَاكَ، ولنتكلم فِيمَا لم يذكر.
قَوْله: (فنهس) ، من النهس وَهُوَ أَخذ اللَّحْم بأطراف الْأَسْنَان، والنهش بِالْمُعْجَمَةِ الْأَخْذ بجميعها. قَوْله: (مِم ذَلِك؟) ويروى: مِم ذَاك؟ قَوْله: (يسمعهم) من الإسماع. قَوْله: (وَينْفذهُمْ) بِضَم الْيَاء، أَي: يُحِيط بهم بصر النَّاظر لَا يخفى عَلَيْهِ شَيْء لِاسْتِوَاء الأَرْض وَعدم الْحجاب. قَوْله: (وَلنْ يغْضب) ويروى: وَلَا يغْضب. قَوْله: (وَإنَّهُ نهاني) ويروي: وَإنَّهُ قد نهاني. قَوْله: (نَفسِي نَفسِي نَفسِي) ثَلَاث مَرَّات. قَوْله: (فَذَكرهنَّ أَبُو حَيَّان) أَي: فَذكر الثَّلَاث الكذبات أَبُو حَيَّان الرَّاوِي الْمَذْكُور، وَهِي قَوْله: إِنِّي سقيم، وبل فعله كَبِيرهمْ، وَإِنَّهَا أُخْتِي، فِي حق سارة. انْتهى. قَوْله: (لم أومر) على صِيغَة الْمَجْهُول. قَوْله: (يشفع) على صِيغَة الْمَجْهُول من التشفع وَهُوَ قبُول الشَّفَاعَة. قَوْله: (ادخل) أَمر من الإدخال. قَوْله: (وحمير) ، بِكَسْر الْحَاء الْمُهْملَة وَسُكُون الْمِيم وَفتح الْيَاء آخر الْحُرُوف: هُوَ بِالْيمن، (وَبصرى) بِضَم الْبَاء مَدِينَة بِالشَّام.

6 - (بابُ قَوْلِهِ: {وآتَيْنا دَاوُدَ زَبُوراً} (النِّسَاء: 361 والإسراء: 55)

أَي: هَذَا بَاب فِي قَوْله عز وَجل: {وآتينا دَاوُد زبوراً} قَالَ الرّبيع بن أنس: الزبُور هَذَا ثَنَاء على الله وَدُعَاء وتسبيح، وَقَالَ قَتَادَة، كُنَّا نتحدث أَنه دُعَاء علمه الله دَاوُد وتحميد وتمجيد لله لَيْسَ فِيهِ حَلَال وَلَا حرَام وَلَا فَرَائض وَلَا حُدُود.

3174 - حدَّثني إسْحاقُ بنُ نَصْرٍ حدَّثنا عَبْدُ الرَّزَّاقِ عنْ مَعْمَرٍ عنْ هَمَّامٍ عنْ أبي هُرَيْرَةَ رَضِي الله عنهُ عَن النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ خُفِّفَ عَلَى دَاوُدَ القِرَاءَةُ فَكانَ يأمُرُ بِدَابَّتِهِ لِتُسْرَجَ فَكانَ يَقْرَأُ قَبْلَ أنْ يَفْرُغَ يَعْنِي القُرْآنَ.
(انْظُر الحَدِيث 3702 وطرفه) .
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (الْقِرَاءَة) لِأَن مَعْنَاهُ: قِرَاءَة الزبُور، وَهَذِه رِوَايَة أبي ذَر وَفِي رِوَايَة غَيره: الْقُرْآن. قَالَ الْكرْمَانِي: المُرَاد مِنْهُ التَّوْرَاة وَالزَّبُور وكل شَيْء جمعته فقد قرأته، وَسمي الْقُرْآن قُرْآنًا لِأَنَّهُ جمع الْأَمر وَالنَّهْي وَغَيرهمَا انْتهى. قلت: قَوْله: لِأَنَّهُ جمع الْأَمر وَالنَّهْي، لَا يَتَأَتَّى فِي الزبُور لِأَنَّهُ كَانَ قصصاً وأمثالاً ومواعظ، وَلم يكن الْأَمر وَالنَّهْي إلاَّ فِي التَّوْرَاة.
والْحَدِيث مضى فِي أَحَادِيث الْأَنْبِيَاء فِي: بَاب قَول الله تَعَالَى: {وآتينا دَاوُد زبوراً} يأتم مِنْهُ.
قَوْله: (خفف) على صِيغَة الْمَجْهُول من التَّخْفِيف. قَوْله: (لتسرج) أَي: لِأَن تسرج من الإسراج وَهُوَ شدّ الدَّابَّة بالسرج. قَوْله: (قبل أَن يفرغ) أَي: من الإسراج، وَفِيه أَن الله تَعَالَى يطوي الزَّمَان لمن شَاءَ من عباده كَمَا يطوي الْمَكَان.