عمدة القاري شرح
صحيح البخاري 3 - (بابُ قَوْلِهِ: {فلَما بَلَغا
مَجْمَعَ بَيْنِهِما نَسِيا حُوتَهُما فاتَّخَذَ سَبِيلَهُ
فِي البَحْرِ سَرَباً مَذْهَباً يَسْرُبُ يَسْلُكُ.
ومِنْهُ وسارِبٌ بالنّهارِ} (الْكَهْف: 16)
أَي: هَذَا بَاب فِي قَوْله عز وَجل: {فَلَمَّا بلغا مجمع
بَينهمَا} وَوَقع فِي رِوَايَة الْأصيلِيّ: فَلَمَّا بلغ
مجمع بَينهمَا، وَالْأول هُوَ الْمُوَافق للتلاوة. قَوْله:
(فَلَمَّا بلغا) ، يَعْنِي: مُوسَى ويوشع عَلَيْهِمَا
الصَّلَاة وَالسَّلَام. قَوْله: (بَينهمَا) (الرَّحْمَن:
22) ، أَي: بَين الْبَحْرين. قَوْله: (نسيا حوتهما) قَالَ
الثَّعْلَبِيّ: وَكَانَ الْحُوت مَعَ يُوشَع وَهُوَ
الَّذِي نَسيَه فصرف النسْيَان إِلَيْهِمَا، وَالْمرَاد
أَحدهمَا، كَمَا قَالَ: {يخرج مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤ
والمرجان} (الرَّعْد: 01) وَإِنَّمَا يخرج من الْملح.
قَوْله: (سربأ) . قد مر الْكَلَام فِيهِ فِي الْبَاب
السابف قَوْله: (وَمِنْه) أَي وَمن (سريا) قَوْله
تَعَالَى: (وسارب بِالنَّهَارِ) وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَة:
أَي سالك فِي سربه، أَي: مذْهبه، وَمِنْه: نسرب فلَان إِذا
مضى.
(19/42)
6274 - حدَّثنا إبْرَاهِيمُ بنُ مُوسَى
أخْبرنا هِشامُ بنُ يوسُفَ أنَّ ابنَ جُرَيْج أخْبَرَهُمْ
قَالَ أَخْبرنِي يَعْلَى بنُ مُسْلِمٍ وعَمْرُو بنُ
دِينارٍ عنْ سَعِيدِ بنِ جُبَيْرٍ يَزِيدُ أحَدُهُما عَلَى
صاحِبِهِ وغَيْرُهُما قَدْ سَمِعْتُهُ يُحَدِّثُهُ عَنْ
سَعِيدٍ قَالَ إنّا لَعِنْدَ بنِ عَبَّاسٍ فِي بَيْتِهِ
إذْ قَالَ سَلُوني قُلْتُ أيْ أَبَا عَباسٍ جَعَلَنِي الله
فِدَاءَكَ بالْكُوفَةِ رَجُلٌ قاص يُقالُ لَهُ نَوْفٌ
يَزْعَمُ أنَّهُ لَيْسَ بِمُوسَى بَنِي إسْرَائِيلَ أمَّا
عَمْروٌ فَقَالَ لِي قَالَ قَدْ كَذَبَ عَدُوُّ الله
وأمَّا يَعْلَى فَقَالَ لي قَالَ ابنُ عبَّاس حدّثني
أُبَيُّ بنُ كَعْبٍ قَالَ قَالَ رسُولُ الله صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم مُوسَى رسولُ الله عَلَيْهِ السَّلاَمُ
قَالَ ذَكَّرَ النَّاسَ يَوْماً حَتَّى إذَا فاضَتِ
العُيُونُ ورَقَّتِ القُلُوبُ ولَّى فأدْركَهُ رَجُلٌ
فَقَالَ أيْ رسولَ الله هَلْ فِي الأرْضِ أحَدٌ أعْلَمُ
مِنْكَ قَالَ لاَ فَعَتَبَ الله عَلَيْهِ إذْ لَمْ يَرُدَّ
العِلْمَ إِلَى الله قِيلَ بَلَى قَالَ أيْ رَبِّ فأيْنَ
قَالَ بِمَجْمَعِ البَحْرَيْنِ قَالَ أيْ رَبِّ اجْعَلْ
لِي أعلم عَلَماً ذالِكَ بِهِ فَقَالَ لِي عَمْروٌ قَالَ
حَيْثُ يُفارِقُكَ الحُوتُ وَقَالَ لِي يَعْلَى خُذْ
نُوناً مَيّتاً حَيْثُ يُنْفَخُ فِيهِ الرُّوحُ فأخَذَ
حُوتاً فَجَعَلَهُ فِي مكْتَلٍ فَقَالَ لِفَتاهُ لَا
أُكَلِّفُكَ إلاَّ أنْ تُخْبِرَني حَيْثُ يُفارِقُكَ
الحُوتُ قَالَ مَا كَلَّفْتَ كَثِيراً فَذالِكَ قَوْلُهُ
جَلَّ ذِكْرُهُ وإذْ قَالَ مُوسَى لِفَتاهُ يُوشَعَ بنِ
نُونٍ لَيْسَتْ عَنْ سَعِيدٍ قَالَ فَبَيْنَما هُو فِي
ظِلِّ صَخْرَةٍ فِي مَكانٍ ثَرْيانَ إذْ تَضَرَّبَ الحُوتُ
ومُوسَى نائِمٌ فَقَالَ فَتاهُ لَا أُوقِظُهُ حَتَّى إذَا
اسْتَيْقَظَ نَسِيَ أنْ يُخْبِرَةُ وتَضَرَّبَ الحُوتُ
حَتَّى دَخَلَ البَحْر فأمْسَكَ الله عَنْهُ جِرْيَةَ
البَحْرِ حَتَّى كأنَّ أثَرَهُ فِي حَجَر قَالَ لِي
عَمْروٌ هاكَذَا كأنَّ أثَرَهُ فِي حَجَرٍ وحَلَّقَ بَيْنَ
إبْهامَيْهِ واللَّتَيْنِ تَلِيانِهِما لَقَدْ لَقِينا
مِنْ سَفَرِنا هاذَا نَصَباً قَالَ قَدْ قَطَعَ الله
عَنْكَ النَّصَبَ لَيْسَتْ هاذِهِ عَنْ سَعِيدٍ أخبرهُ
فَرَجَعا فَوًّجَدَا خَضِراً قَالَ لِي عُثْمانُ بنُ أبي
سُلَيْمانَ عَلَى طِنْفِسَةٍ خَضْرَاءَ عَلَى كَبِدِ
البَحْرِ قَالَ سَعِيدُ بنُ جُبَيْرٍ مُسَجَّى بِثَوْبِهِ
قَدْ جَعَلَ طَرَفَهُ تَحْتَ رِجْلَيْهِ وطَرَفَهُ تَحْتَ
رأسِهِ فَسَلَّمَ عَلَيْهِ مُوسَى فَكَشَفَ عَنْ وَجْهِهِ
وَقَالَ هَلْ بأرْضِي مِنْ سَلاَمٍ مَنْ أنْتَ قَالَ أَنا
مُوسَى قَالَ مُوسَى بَنِي إسْرَائِيلَ قَالَ نَعَمْ قَالَ
فَما شأنُكَ قَالَ جِئْتُ لِتُعَلِّمَنِي مِمَّا عُلِّمْت
رَشَداً قَالَ أما يَكْفِيكَ أَن التَّوْرَاةَ بَيَدَيْكَ
وأنَّ الوَحْيَ يأتِيكَ يَا مُوسَى إنَّ عِلْماً لَا
يَنْبَغِي لَكَ أنْ تَعْلَمَهُ وإنَّ لَكَ عِلْماً لاَ
يَنْبَغِي لِي أَن أعْلَمَهُ فأخذَ طائِرٌ بِمِنْقارِهِ
مِنَ البَحْرِ وقالَ وَالله مَا عِلْمِي وَمَا عِلْمُكَ
فِي جَنْبِ عِلْمِ الله إلاَّ كَما أخَذَ هاذَا الطَّائِرُ
بِمِنْقارِهِ مِنَ البَحْرِ حَتَّى إذَا رَكِبا فِي
السَّفِينَةِ وَجَدَا مَعابِرَ صِغاراً تَحْمِلُ أهْلَ
هاذَا السَّاحِلِ إِلَى أهْلِ هاذَا السَّاحِلِ الآخَرِ
عَرَفُوهُ فقالُوا عَبْدُ الله الصَّالِحُ قَالَ قُلنا
لِسَعِيدٍ خَضِرٌ قَالَ نَعَمْ لاَ نَحْمِلُهُ بأجْرٍ
فَخَرَقَها وَوَتَدَ فِيها وَتِداً قَالَ مُوسَى
أخَرَقْتَها لِتُغْرِقَ أهْلَها لَقَدْ جِئْتَ شَيْئاً
إمْراً قَالَ مُجاهِدٌ مُنْكَراً قَالَ ألَمْ أقُلْ إنَّكَ
لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِي صَبْراً كانَتِ الأُولَى نِسْياناً
والوُسْطَى شَرْطاً والثّانِيَةِ عَمْداً قَالَ لَا
تُؤَاخِذْنِي بِما نَسِيتُ ولاَ تُرْهِقْنِي مِنْ أمْرِي
عُسْراً لَقِيا غُلاماً فَقَتَلَهُ قَالَ يَعْلَى قَالَ
سَعِيدٌ وَجَدَ غِلْماناً يَلْعَبُونَ فأخَذَ
(19/43)
غُلاَماً كافِراً ظَرِيفاً فأضْجَعَهُ
ثُمَّ ذَبَحَهُ بالسِّكِّينَ قَالَ أقَتَلْتَ نَفْساً
زَكِيَّةً بِغْيِرِ نَفْسٍ لَمْ تَعْمَلْ بالحِنْثِ وكانَ
ابنُ عبَّاسٍ قَرَأها زَكِيَّةً زاكِيَةً مُسْلِمَةً
كَقَوْلِكَ غُلاَماً زَاكِياً فانْطَلَقا فَوَجَدَا
جِدَاراً يُرِيدُ أنْ يَنقَضَّ فأقامَهُ قَالَ سَعِيدٌ
بِيَدِهِ هاكِذَا ورَفَعَ يَدَهُ فاسْتَقَامَ قَالَ
يَعْلَى حَسِبْتُ أنَّ سَعِيداً قَالَ فَمَسَحَهُ بِيَدِهِ
فاسْتَقامَ لَوْ شِئْتَ لاتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أجْراً قَالَ
سَعِيدٌ أجْراً نأكُلُهُ وكانَ ورَاءَهُمْ وكانَ أمامَهُمْ
قَرَأها ابنُ عَبَّاسٍ أمامَهُمْ مَلِكٌ يَزْعُمُونَ عَنْ
غَيْرِ سَعِيدٍ أنَّهُ هُدَدُ بنُ بُدَدَ والغُلاَمُ
المَقْتُولُ اسْمُهُ يَزْعُمُونَ جَيْسُورٌ مَلِكٌ يأخُذُ
كلَّ سَفِينَةٍ غَصْباً فأرَدْتُ إذَا هِيَ مَرَّتْ بِهِ
أنْ يَدَعَها لِعَيْبِها فإِذَا جاوَزُوا أصْلَحُوها
فانْتَفَعُوا بِها ومِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ سَدُّوها
بِقارُورَةٍ ومنْهُمْ مَنْ يَقُولُ بالْقارِ كانَ أبَوَاهُ
مُؤْمِنَيْنِ وكانَ كافِراً فَخَشِينا أنْ يُرْهِقَهُما
طُغْياناً وكُفْراً أنْ يَحْمِلَهُما حُبُّهُ عَلَى أنْ
يُتابِعاهُ عَلَى دِينِهِ فأرَدْنا أنْ يُبَدِّلَهُما
رَبُّهُما خَيْراً مِنْهُ زَكاةً وأقْرَبَ رُحْماً
لِقَوْلِهِ أقتَلْتَ نَفْساً زَكِيَّةً وأقْرَبَ رُحْماً
هُما بِهِ أرْحَمُ مِنْهُما بالأوَّلِ الَّذِي قَتَلَ
خَضِرٌ وزَعَمَ غَيْرُ سَعِيدٍ أنَّهُما أُبْدِلاَ
جارِيَةً وأمَّا دَاوُدُ بنُ أبي عاصِمٍ فَقَالَ عَنْ
غَيْرِ واحِدٍ إنَّها جارِيَةٌ..
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة لِأَنَّهُ فِي توضيحها،
وَهُوَ طَرِيق آخر بِرِوَايَة آخَرين وَبِزِيَادَة ونقصان
فِي الْمَتْن أخرجه عَن إِبْرَاهِيم بن مُوسَى أَبُو
إِسْحَاق الْفراء الرَّازِيّ الْمَعْرُوف بالصغير، عَن
هِشَام بن يُوسُف الصَّنْعَانِيّ قضينها عَن عبد الْملك بن
عبد الْعَزِيز بن جريج عَن يعلى، بِفَتْح الْيَاء آخر
الْحُرُوف وَسُكُون الْعين الْمُهْملَة وَفتح اللَّام
وبالقصر: ابْن مُسلم بِلَفْظ إسم الْفَاعِل من الْإِسْلَام
ابْن هُرْمُز إِلَى آخِره.
قَوْله: (يزِيد أَحدهمَا على صَاحبه) أَي: أحد
الْمَذْكُورين وهما: يعلى بن مُسلم وَعَمْرو بن دِينَار
فَقَط، وَهُوَ أحد شَيْخي ابْن جريج فِيهِ، وَهنا ابْن
جريج يروي عَن يعلى بن مُسلم وَعَمْرو بن دِينَار. قَوْله:
(وَغَيرهمَا قد سمعته يحدثه عَن سعيد) ، هَذَا من كَلَام
ابْن جريج، أَي: غير يعلى بن مُسلم وَعَمْرو بن دِينَار قد
سمعته يحدث هَذَا الحَدِيث عَن سعيد بن جُبَير، وَقد عين
ابْن جريج بعض من أبهمه فِي قَوْله: (وَغَيرهمَا) وَهُوَ:
عُثْمَان بن أبي سُلَيْمَان بن جُبَير بن مطعم الْقرشِي
الْمَكِّيّ رَضِي الله عَنهُ، فَإِن قلت: كَيفَ إِعْرَاب
هَذَا؟ قلت: (غَيرهمَا) مُبْتَدأ، وَقَوله: (قد سمعته)
جملَة وَقعت خَبرا، وَالضَّمِير الْمَنْصُوب فِيهِ يرجع
إِلَى لفظ: غير، وَقَوله: (يحدثه) جملَة وَقعت حَالا،
وَوَقع فِي رِوَايَة الْكشميهني: يحدث، بِحَذْف الضَّمِير
الْمَنْصُوب. قَوْله: (عَن سعيد) ، أَي: سعيد بن جُبَير
رَضِي الله عَنهُ. قَوْله: (لعِنْد ابْن عَبَّاس) ،
اللَّام فِيهِ مَفْتُوحَة للتَّأْكِيد أَي: قَالَ سعيد بن
جُبَير: أَنا كنت عِنْد عبد الله بن عَبَّاس حَال كَونه
فِي بَيته. قَوْله: (أَي أَبَا عَبَّاس) ، أَي: يَا أَبَا
عَبَّاس! وَأَبُو عَبَّاس كنية عبد الله بن عَبَّاس.
قَوْله: (بِالْكُوفَةِ رجل قاص) ، هَكَذَا رِوَايَة
الْكشميهني، وَفِي رِوَايَة غَيره: إِن بِالْكُوفَةِ رجلا
قَاصا، والقاص بتَشْديد الصَّاد الَّذِي يقص النَّاس
الْأَخْبَار من المواعظ وَغَيرهَا. قَوْله: (أما عَمْرو
فَقَالَ لي: كذب عَدو الله) أَرَادَ أَن ابْن جريج قَالَ:
أما عَمْرو بن دِينَار فَإِنَّهُ قَالَ لي فِي رِوَايَته،
قَالَ ابْن عَبَّاس: كذب عَدو الله، وَأَشَارَ بِهَذَا
إِلَى أَن هَذِه الْكَلِمَة لم تقع فِي رِوَايَة يعلى ابْن
مُسلم، وَلِهَذَا قَالَ: وَأما يعلى، أَي ابْن مُسلم
الرَّاوِي، فَإِنَّهُ قَالَ لي: قَالَ ابْن عَبَّاس إِلَى
آخِره. قَوْله: (ذكر النَّاس) ، بتَشْديد الْكَاف من
التَّذْكِير. قَوْله: (ولى) ، أَي: رَجَعَ إِلَى حَاله.
قَوْله: (فَقَالَ: أَي رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم) أَي: يَا رَسُول الله، قَالَه لمُوسَى عَلَيْهِ
الصَّلَاة وَالسَّلَام. قَوْله: (قيل: بلَى) ، أَي: بلَى
فِي الأَرْض أحد أعلم مِنْك، وَفِي رِوَايَة مُسلم: (إِن
فِي الأَرْض رجلا هُوَ أعلم مِنْك) ، وَوَقع فِي رِوَايَة
سُفْيَان: فَأوحى الله إِلَيْهِ أَن لي عبدا بمجمع
الْبَحْرين هُوَ أعلم مِنْك، وَعلم من هَاتين الروايتن أَن
الْقَائِل فِي قَوْله: بلَى، هُوَ الله تَعَالَى فَأوحى
الله إِلَيْهِ بذلك. قَوْله: (أَي رب، فَأَيْنَ؟) يَعْنِي:
يَا رب أَيْن هُوَ؟ فِي أَي مَكَان؟ وَفِي رِوَايَة
سُفْيَان: يَا رب، فَكيف لي بِهِ؟ وَفِي رِوَايَة
النَّسَائِيّ: فأدلني على هَذَا الرجل حَتَّى أتعلم
مِنْهُ. قَوْله: (علما) ، بِفَتْح الْعين وَاللَّام، أَي:
عَلامَة. قَوْله: (أعلم ذَلِك بِهِ) ، أَي: أعلم الْمَكَان
الَّذِي أطلبه بِالْعلمِ. قَوْله: (فَقَالَ لي عَمْرو) ،
الْقَائِل هُوَ ابْن جريج الرَّاوِي، أَي: قَالَ
(19/44)
لي عَمْرو بن دِينَار. قَوْله: (حَيْثُ
يفارقك الْحُوت) ، أَي: الْعلم على ذَلِك الْمَكَان
الَّذِي يفارقك فِيهِ الْحُوت، وَوَقع ذَلِك مُفَسرًا فِي
رِوَايَة سُفْيَان عَن عَمْرو، وَقَالَ: تَأْخُذ مَعَك
حوتاً فتجعله فِي مكتل فَحَيْثُ مَا فقدت الْحُوت فَهُوَ
ثمَّ. قَوْله: (قَالَ لي) ، يَعْنِي: الْقَائِل هُوَ ابْن
جريج، أَي: قَالَ لي يعلى بن مُسلم فِي رِوَايَته: خُذ
نوناً أَي حوتاً، وَلَفظ: نوناً، وَقع فِي رِوَايَة
الْكشميهني، وَفِي رِوَايَة غَيره: حوتاً، وَفِي رِوَايَة
مُسلم: تزَود حوتاً مالحاً فَإِنَّهُ حَيْثُ تفقد الْحُوت.
قَوْله: (حَيْثُ ينْفخ فِيهِ) ، أَي: فِي النُّون (الرّوح)
يَعْنِي حَيْثُ تفقده فِي الْمَكَان الَّذِي يحيى الْحُوت.
قَوْله: (فَأخذ نوناً) أَي: فَأخذ مُوسَى حوتاً، وَوَقع
فِي رِوَايَة ابْن أبي حَاتِم أَن مُوسَى ويوشع فتاه
اصطاداه. قَوْله: (فَقَالَ لفتاه) ، وَهُوَ يُوشَع بن نون.
قَوْله: (مَا كلفت كثيرا) بالثاء الْمُثَلَّثَة، وَفِي
رِوَايَة الْكشميهني بِالْبَاء الْمُوَحدَة. قَوْله:
(لَيست عَن سعيد، الْقَائِل بِهِ هُوَ ابْن جريج، أَرَادَ
بذلك أَن تَسْمِيَة الْفَتى لَيست عَن رِوَايَة سعيد ابْن
جُبَير. قَوْله: (ثريان) ، بِفَتْح الثَّاء الْمُثَلَّثَة
وَسُكُون الرَّاء وَتَخْفِيف الْيَاء آخر الْحُرُوف على
وزن فعلان من الثرى، وَهُوَ التُّرَاب الَّذِي فِيهِ
نداوة. قَوْله: (تضرب) أَي: اضْطربَ، وَفِي رِوَايَة
سُفْيَان: واضطرب الْحُوت فِي المكتل فَسقط فِي الْبَحْر
وَفِي رِوَايَة مُسلم فاضطرب الْحُوت فِي المَاء. قَوْله:
(ومُوسَى نَائِم) جملَة حَالية. قَوْله: (حَتَّى إِذا
اسْتَيْقَظَ نسي أَن يُخبرهُ) ، فِيهِ حذف تَقْدِيره:
حَتَّى إِذا اسْتَيْقَظَ سَار فنسي. قَوْله: (فِي حجر) ،
بِفَتْح الْحَاء الْمُهْملَة وَالْجِيم ويروى بِضَم
الْجِيم وَسُكُون الْحَاء الْمُهْملَة، وَهُوَ أوضح،
قَوْله: (قَالَ لي عَمْرو) ، الْقَائِل هُوَ ابْن جريج،
أَي: قَالَ لي عَمْرو بن دِينَار. قَوْله: (واللتين
تليانهما) ، يَعْنِي: السبابتين، وَهَكَذَا وَقع فِي
رِوَايَة الْكشميهني، وَفِي رِوَايَة غَيره: وَحلق بَين
إبهاميه فَقَط. قَوْله: (لقد لَقينَا من سفرنا هَذَا نصبا)
، وَقع هُنَا مُخْتَصرا، وَفِي رِوَايَة سُفْيَان:
فَانْطَلقَا بَقِيَّة يومهما وليلتهما حَتَّى إِذا كَانَ
من الْغَد قَالَ مُوسَى لفتاه: آتنا غداءنا، لقد لَقينَا
من فرنا هَذَا نصبا. قَوْله: قَالَ: قد قطع الله عَنْك
النصب، هَذَا من قَول ابْن جريج وَلَيْسَت هَذِه
اللَّفْظَة عَن سعيد بن جُبَير. قَوْله: (أخبرهُ) ،
بِفَتْح الْهمزَة وَسُكُون الْخَاء وَفتح الْبَاء
الْمُوَحدَة وَالرَّاء وهاء الضَّمِير، هَكَذَا فِي
رِوَايَة من الْإِخْبَار، قَالَ بَعضهم: أَي: أخبر الْفَتى
مُوسَى بالقصة قلت: مَا أَظن أَن هَذَا الْمَعْنى صَحِيح،
وَالَّذِي يظْهر لي أَن الْمَعْنى نفي الْإِخْبَار عَن
سعيد بِهَذِهِ اللَّفْظَة لمن روى عَنهُ، وَفِي رِوَايَة
لأبي ذَر آخِره بِهَمْزَة ومعجمة وَرَاء وهاء، وَفِي
أُخْرَى بِمد الْهمزَة وَكسر الْخَاء وَفتح الرَّاء
بعْدهَا هَاء الضَّمِير أَي: إِلَى آخر الْكَلَام. وَفِي
أُخْرَى بِفَتَحَات وتاء تَأْنِيث منونة مَنْصُوبَة، قَالَ
لي عُثْمَان بن أبي سُلَيْمَان: الْقَائِل ابْن جريج،
يَقُول: قَالَ لي عُثْمَان، وَقد مرت تَرْجَمته عَن قريب.
قَوْله: (على طنفسة) ، وَهِي فرش صَغِير، وَقيل: بِسَاط
لَهُ خمل، وفيهَا لُغَات كسر الطَّاء وَالْفَاء بَينهمَا
نون سَاكِنة، وَضم الطَّاء وَالْفَاء وَكسر الطَّاء وَفتح
الْفَاء. قَوْله: (على كبد الْبَحْر) ، أَي: على وَسطه،
وَهَذِه الرِّوَايَة القائلة بِأَنَّهُ كَانَ فِي وسط
الْبَحْر، غَرِيبَة. قَوْله: (هَل بأرضي من سَلام) ، وَفِي
رِوَايَة الْكشميهني: (هَل بِأَرْض) . قَوْله: (مَا
شَأْنك؟) أَي: مَا الَّذِي تطلب وَلما جِئْت؟ قَوْله:
(رشدا) ، قَرَأَ أَبُو عَمْرو بِفتْحَتَيْنِ وَالْبَاقُونَ
كلهم بِضَم أَوله وَسُكُون ثَانِيه، وَالْجُمْهُور على
أَنَّهُمَا بِمَعْنى. قَوْله: (معابر) ، جمع معبرة وَهِي
السفن الصغار. قَوْله: (خضرًا) ، أَي: هُوَ خضر. قَوْله:
(قَالُوا: هَذَا لسَعِيد بن جُبَير، قَالَ: نعم، قيل:
الْقَائِل بذلك يعلى بن مُسلم، وَالله أعلم. قَوْله:
(ووتدها) بِفَتْح الْوَاو وَتَشْديد التَّاء الْمُثَنَّاة
من فَوق أَي: جعل فِيهَا وتداً، وَفِي رِوَايَة سُفْيَان:
قلع لوحاً بالقدوم، وَالْجمع بَين الرِّوَايَتَيْنِ أَنه:
قلع اللَّوْح وَجعل مَكَانَهُ وتداً، وروى عبد بن حميد من
رِوَايَة ابْن الْمُبَارك عَن ابْن جريج عَن يعلى بن
مُسلم: جَاءَ بودحين خرقها، والود بِفَتْح الْوَاو
وَتَشْديد الدَّال لُغَة فِي: الوتد قلت: الوتد إِنَّمَا
كَانَ للإصلاح وَدفع نُفُوذ المَاء، وَفِي رِوَايَة أبي
الْعَالِيَة: فَحرق السَّفِينَة فَلم يره أحد إلاَّ
مُوسَى. وَلَو رَآهُ الْقَوْم لحالوا بَينه وَبَين ذَلِك.
قَوْله: (قَالَ مُجَاهِد مُنْكرا) ، وصل ابْن الْمُنْذر:
هَذَا التَّعْلِيق عَن عَليّ بن الْمُبَارك عَن زيد بن
ثَوْر عَن ابْن جريج عَن مُجَاهِد. قَوْله: (نِسْيَانا) ،
حَيْثُ قَالَ: لَا تؤاخذوني بِمَا نسيت، وشرطاً حَيْثُ
قَالَ: إِن سَأَلتك عَن شَيْء بعْدهَا، وعمدا حَيْثُ
قَالَ: لَو شِئْت لاتخذت عَلَيْهِ أجرا، قَوْله: (لقيا
غُلَاما) فِي رِوَايَة سُفْيَان: فَبَيْنَمَا هما يمشيان
على سَاحل الْبَحْر إِذا أبْصر الْخضر غُلَاما. قَوْله:
(قَالَ يعلى) ، هُوَ يعلى بن مُسلم الرَّاوِي وَسَعِيد
هُوَ ابْن جُبَير. قَوْله: (ثمَّ ذبحه بالسكين) ، فَإِن
قلت: قَالَ أَولا: فَقتله، ثمَّ قَالَ: فذبحه، وَفِي
رِوَايَة سُفْيَان: فاقتلعه بِيَدِهِ. قلت: لَا مُنَافَاة
بَينهمَا لِأَنَّهُ لَعَلَّه قطع بعضه بالسكين ثمَّ قلع
الْبَاقِي
(19/45)
وَالْقَتْل يشملهما. قَوْله: (لم يعْمل
بِالْحِنْثِ) ، بِكَسْر الْحَاء الْمُهْملَة وَسُكُون
النُّون وبالثاء الْمُثَلَّثَة وَهُوَ الْإِثْم
وَالْمَعْصِيَة. قَوْله: (قَرَأَهَا) كَذَا هُوَ فِي
رِوَايَة أبي ذَر، وَفِي رِوَايَة غَيره: وَكَانَ ابْن
عَبَّاس يقْرؤهَا: زكية، وَهِي قِرَاءَة الْجُمْهُور،
وَقَرَأَ نَافِع وَابْن كثير وَأَبُو عَمْرو: زاكية.
قَوْله: (مسلمة) ، بِضَم الْمِيم وَسُكُون السِّين وَكسر
اللَّام عِنْد الْأَكْثَرين، ولبعضهم بِفَتْح السِّين
وَتَشْديد اللَّام الْمَفْتُوحَة. قَوْله: (فَانْطَلقَا) ،
أَي: مُوسَى وخضر عَلَيْهِمَا السَّلَام. قَوْله:
(يَزْعمُونَ عَن غير سعيد) ، الْقَائِل بِهَذَا هُوَ ابْن
جريج، وَمرَاده أَن إسم الْملك الَّذِي كَانَ يَأْخُذ
السفن لم يَقع فِي رِوَايَة سعيد بن جُبَير، وَعَزاهُ ابْن
خالويه فِي كتاب: (لَيْسَ) لمجاهد. قَوْله: (هدد) بِضَم
الْهَاء وَحكى ابْن الْأَثِير فتحهَا وَالدَّال مَفْتُوحَة
بِلَا خلاف. قَوْله: (بدد) ، بِفَتْح الْبَاء الْمُوَحدَة،
وَقَالَ الْكرْمَانِي بِضَم الْبَاء وَالدَّال مَفْتُوحَة،
وَزعم ابْن دُرَيْد أَن هدد إسم ملك من مُلُوك حمير زوجه
سُلَيْمَان بن دَاوُد عَلَيْهِمَا السَّلَام، بلقيس. قيل:
إِن ثَبت هَذَا حمل على التَّعَدُّد والاشتراك فِي الإسم
لبعد مَا بَين مُدَّة سُلَيْمَان ومُوسَى عَلَيْهِمَا
السَّلَام، وَجَاء فِي تَفْسِير مقَاتل: أَن اسْمه منولة
بن الجلندي بن سعيد الْأَزْدِيّ، وَقيل: هُوَ الجلندي،
وَكَانَ بِجَزِيرَة الأندلس. قَوْله: (والغلام الْمَقْتُول
اسْمه يَزْعمُونَ جيسور) ، الْقَائِل بذلك هُوَ ابْن جريج،
وجيسور، بِفَتْح الْجِيم وَسُكُون الْيَاء آخر الْحُرُوف
وَضم السِّين الْمُهْملَة، كَذَا هُوَ فِي رِوَايَة عَن
أبي ذَر، وَفِي رِوَايَة أُخْرَى لَهُ عَن الْكشميهني
بِفَتْح الْهَاء الْمُهْملَة وَسُكُون الْيَاء آخر
الْحُرُوف، وَكَذَا فِي رِوَايَة ابْن السكن، وَفِي
رِوَايَة الْقَابِسِيّ بنُون بدل الْيَاء آخر الْحُرُوف،
وَعند عَبدُوس بنُون بدل الرَّاء، وَعَن السُّهيْلي أَنه
رَآهُ فِي نُسْخَة بِفَتْح الْمُهْملَة وَالْمُوَحَّدَة
ونونين الأولى مَضْمُومَة بَينهمَا الْوَاو الساكنة، وَفِي
تَفْسِير الضَّحَّاك: اسْمه حشرد، وَفِي تَفْسِير
الْكَلْبِيّ: اسْم الْغُلَام شَمْعُون. قَوْله: (يَأْخُذ
كل سفينة غصبا) ، وَفِي رِوَايَة النَّسَائِيّ: كل سفينة
صَالِحَة، وَفِي رِوَايَة إِبْرَاهِيم بن بشار عَن
سُفْيَان، وَكَانَ ابْن مَسْعُود يقْرَأ: كل سفينة
صَحِيحَة غصبا. قَوْله: (فَأَرَدْت إِذا هِيَ مرت بِهِ أَن
يَدعهَا) ، أَي: أَن يَتْرُكهَا لأجل عيبها، وَفِي
رِوَايَة النَّسَائِيّ: فَأَرَدْت أَن أعيبها حَتَّى لَا
يَأْخُذهَا. قَوْله: (فَإِذا جاوزوا) أَي: عدوا عَن الْملك
أصلحوها، وَفِي رِوَايَة النَّسَائِيّ: فَإِذا جاوزوه
رقعوها. قَوْله: (بقارورة) ، بِالْقَافِ وَهِي: الزّجاج،
وَقَالَ الْكرْمَانِي: كَيْفيَّة السد بالقارورة غير
مَعْلُومَة، ثمَّ وَجهه بِوَجْهَيْنِ: أَحدهمَا: أَن تكون
قَارُورَة بِقدر الْموضع المخروق فتوضع فِيهِ، وَالْآخر:
يسحق الزّجاج ويخلط بِشَيْء كالدقيق فيسد بِهِ، وَقَالَ
بَعضهم، بعد أَن ذكر الْوَجْه الثَّانِي: فِيهِ بعد. قلت:
لَا بعد فِيهِ، لِأَنَّهُ غير مُتَعَذر وَلَا متعسر،
والبعد فِي الَّذِي قَالَه هُوَ أَن القارورة فاعولة من
القار. قَوْله: (بالقار) ، بِالْقَافِ وَالرَّاء وَهُوَ
الزفت، وَهَذَا أقرب من القَوْل الأول. قَوْله: (كَانَ
أَبَوَاهُ) أَي: أَبَوا الْغُلَام. قَوْله: (أَن يرهقهما)
أَي: يلحقهما. وَقَوله: (فَخَشِينَا) إِلَى قَوْله: (من
دينه) من تَفْسِير ابْن جريج عَن يعلى بن مُسلم عَن سعيد
بن جُبَير. انْتهى. قَوْله: (أَن يحملهما) ، يجوز أَن يكون
بَدَلا من قَوْله: (أَن يرهقهما) وَيجوز أَن يكون
التَّقْدِير: بِأَن يحملهما. وَقَوله: (حبه) بِالرَّفْع
فَاعله. قَوْله: (خيرا مِنْهُ) أَي: من الْغُلَام
الْمَقْتُول. قَوْله: (زَكَاة) نصب على التميز، وَإِنَّمَا
ذكرهَا للمناسبة بَينهَا وَبَين قَوْله: (نفسا زكية)
أَشَارَ إِلَى ذَلِك بقوله: {أقتلت نفسا زكية} (الْكَهْف:
47) وَلما وصف مُوسَى نفس الْغُلَام بالزكية وَذكر الله
تَعَالَى بقوله: {فأردنا أَن يبدلهما ربهما خيرا مِنْهُ
زَكَاة وَأقرب رحما} (الْكَهْف: 18) وَفِي التَّفْسِير
قَوْله: (زَكَاة) أَي صلاحاً وإسلاماً ونماء. قَوْله:
(وَأقرب رحما) قَالَ الثَّعْلَبِيّ: من الرَّحِم والقرابة،
وَقيل: هُوَ من الرَّحْمَة، وَعَن ابْن عَبَّاس: أوصل
للرحم وَأبر بِوَالِديهِ، وَعَن الْفراء: أقرب أَن يرحماه،
وَقيل: من الرَّحِم، بِكَسْر الْحَاء أَشد مُبَالغَة من
الرَّحْمَة الَّتِي هِيَ رقة الْقلب والتعطف لاستلزام
الْقَرَابَة، الرقة غَالِبا من غير عكس، وَقَالَ
الْكرْمَانِي: وَظن بَعضهم أَنه مُشْتَقّ من الرَّحِم
الَّذِي هُوَ الرَّحْمَة، وغرضه أَنه يَعْنِي الْقَرَابَة
لَا الرقة، وَعند الْبَعْض بِالْعَكْسِ. قَوْله: (هما بِهِ
أرْحم مِنْهُمَا بِالْأولِ) ، أَي: الأبوان الْمَذْكُورَان
بِهِ أَي: بِالَّذِي يُبدل من الْمَقْتُول أرْحم مِنْهُمَا
بِالْأولِ، وَهُوَ الْمَقْتُول. قَوْله: (وَزعم غير سعيد
من قَول ابْن جريج) ، أَي: زعم غير سعيد بن جُبَير
أَنَّهُمَا أَي الْأَبَوَيْنِ أبدلا جَارِيَة بدل
الْمَقْتُول، وَرُوِيَ عَن سعيد أَيْضا: أَنَّهَا
جَارِيَة، على مَا جَاءَ وَفِي رِوَايَة النَّسَائِيّ من
طَرِيق ابْن أبي إِسْحَاق عَن سعيد بن جُبَير عَن ابْن
عَبَّاس: أبدلهما جَارِيَة فَولدت نَبيا من الْأَنْبِيَاء،
وَفِي رِوَايَة الطَّبَرَانِيّ: ببنين، وَعَن السّديّ:
ولدت جَارِيَة، فَولدت نَبيا، وَهُوَ الَّذِي كَانَ بعد
مُوسَى، فَقَالُوا لَهُ: إبعث لنا ملكا نُقَاتِل فِي
سَبِيل الله، وَاسم هَذَا النَّبِي شَمْعُون، وَاسم أمه
حنة. فَإِن قلت: روى ابْن مرْدَوَيْه من حَدِيث أبي بن
كَعْب أَنَّهَا ولدت غُلَاما. قلت: إِسْنَاده ضَعِيف،
وَفِي تَفْسِير
(19/46)
ابْن الْكَلْبِيّ: ولدت جَارِيَة ولدت
عدَّة أَنْبيَاء فهدى الله بهم أمماً، وَقيل: عدَّة من
جَاءَ من وَلَدهَا من الْأَنْبِيَاء سَبْعُونَ نَبيا.
قَوْله: (وَأما دَاوُد بن أبي عَاصِم) إِلَى آخِره من قَول
ابْن جريج أَيْضا، وَدَاوُد بن أبي عَاصِم بن عُرْوَة بن
مَسْعُود الثَّقَفِيّ ثِقَة من صغَار التَّابِعين، وَله
أَخ يُسمى: يَعْقُوب، هُوَ أَيْضا ثِقَة من التَّابِعين.
4
- (بابٌ قَوْلُهُ: {فَلَمَّا جاوَزَ قَالَ لِفَتاهُ آتِنا
غَدَاءَنا لَقَدْ لَقِينا مِنْ سَفَرِنا هاذَا نَصَباً}
إِلَى قَوْلِهِ: {عَجَباً} (الْكَهْف: 26 36) 2.
أَي: هَذَا بَاب فِي قَوْله عز وَجل: {فَلَمَّا جاوزا}
أَي: لما جاوزا الْموضع الَّذِي نسيا فِيهِ الْحُوت قَالَ
مُوسَى لفتاه يُوشَع بن نون آتنا غداءنا، يَعْنِي: طعامنا
وزادنا. قَوْله: (نصبا) ، أَي: تعباً لِأَنَّهُمَا سارا
بعد مُفَارقَة الصَّخْرَة يَوْمًا وَلَيْلَة.
صُنْعاً عَمَلاً
أَشَارَ بِهِ إِلَى قَوْله تَعَالَى: {وهم يحسبون أَنهم
يحسنون صنعا} (الْكَهْف: 401) وَفسّر صنعا بقوله: (عملا) .
وَقَوله: هم، يرجع إِلَى {الأخسرين أعمالاً} (الْكَهْف:
301) فِي قَوْله: هَل ننبئكم فِي قَوْله: {هَل ننبئكم
بالأخسرين أعمالاً الَّذين ضل سَعْيهمْ فِي الْحَيَاة
الدُّنْيَا وَاخْتلفُوا فيهم} فَعَن عَليّ بن أبي طَالب
رَضِي الله عَنهُ: هم الرهبان والقسوس الَّذين حبسوا
أنفسهم فِي الصوامع، وَعَن سعيد بن أبي وَقاص رَضِي الله
عَنهُ: هم الْيَهُود وَالنَّصَارَى، وَسَأَلَ عبد الله بن
الكوا عليا رَضِي الله عَنهُ، عَن الأخسرين أعمالاً،
قَالَ: أَنْتُم يَا أهل حروراء. قَوْله: (يحسبون) ، أَي:
يظنون.
حِوَلاً تَحَوُّلاً
أَشَارَ بِهِ إِلَى قَوْله تَعَالَى: {لَا يَبْغُونَ
عَنْهَا حولا} (الْكَهْف: 801) وَفسّر حولا بقوله: تحولاً،
والحول مصدر مثل الصغر والعوج، وَالْمعْنَى: أَصْحَاب
الْجنَّة لَا يطْلبُونَ عَن الْجنَّة تحويلاً.
إمْراً ونُكْراً دَاهِيَةً
أَشَارَ بِهِ إِلَى قَوْله تَعَالَى: {لقد جِئْت شَيْئا
إمراً} (الْكَهْف: 17) وَقَوله: {لقد جِئْت شَيْئا نكراً}
(الْكَهْف: 47) وَقد مر تفسيرهما، وفسرهما البُخَارِيّ
بقوله: (داهية) .
يَنْقَضُّ يَنْقاضُ كَما تَنْقاضُ السِّنُّ
أَشَارَ بِهِ إِلَى قَوْله تَعَالَى: {فوجدا فِيهَا جداراً
يُرِيد أَن ينْقض فأقامه} (الْكَهْف: 77) وَقد مر
تَفْسِيره. قَوْله: (السن) بِكَسْر السِّين الْمُهْملَة
وَتَشْديد النُّون، ويروى الشين.
لَتَخِذْتَ واتَّخَذْتَ وَاحِدٌ
أَشَارَ بِهِ إِلَى قَوْله تَعَالَى: {قَالَ لَو شِئْت
لاتخذت عَلَيْهِ أجرا} (الْكَهْف: 77) قَالَ: وَذكر أَن
معنى: (لتخذت واتخذت) وَاحِدًا، وَكَذَا قَالَ أَبُو
عُبَيْدَة: هُوَ فِي رِوَايَة مُسلم أَن النَّبِي صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم قَرَأَهَا: لاتخذت، وَهِي قِرَاءَة أبي
عَمْرو وَقِرَاءَة غَيره: لَا اتَّخذت.
رُحْماً منَ الرُّحْمِ وهْيَ أشَدُّ مُبالَغَةً مِنَ
الرَّحْمَةِ ويُظَنُّ مِنَ الرَّحِيمِ وتُدْعَى مَكَّةُ
أُمَّ رُحْمٍ أَي الرَّحْمَةُ تَنْزِلُ بِها
أَشَارَ بِهِ إِلَى قَوْله تَعَالَى: {خيرا مِنْهُ زَكَاة
وَأقرب رحما} (الْكَهْف: 18) قَوْله: من الرَّحِم، بِكَسْر
الْحَاء إِلَى آخِره، من كَلَام أبي عُبَيْدَة، وَلَكِن
وَقع عِنْده مُعَرفا، وَقد مر الْكَلَام فِيهِ عَن قريب.
قَوْله: (ويظن) ، على صِيغَة الْمَجْهُول. قَوْله: (أم
رحم) ، بِضَم الرَّاء وَسُكُون الْحَاء.
7274 - حدَّثني قُتَيْبَةُ بنُ سَعِيدٍ قَالَ حدّثني
سُفْيانُ بنُ عُيَيْنَةَ عَنْ عَمْرو بن دينارٍ عنْ
سَعِيدِ بنِ جُبَيْرٍ قَالَ قُلْتُ لابنِ عَبَّاسٍ إنَّ
نَوْفاً البَكَالِيَّ يَزْعُمُ أنَّ مُوسَى بَنى
إسْرَائِيلَ لَيْسَ بِمُوسَى الخَضِرِ فَقَالَ كَذَبَ
عَدُوُّ الله حدّثنا أبيُّ بنُ كَعْبٍ عنْ رسُول الله صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ قامَ مُوسَى خَطِيباً فِي بَني
إسْرَائِيلَ فَقِيلَ لَهُ أَي النَّاسِ أعْلَمُ قَالَ أَنا
فَعَتَبَ الله عَلَيْهِ إذْ لَمْ يَرُدَّ العِلْمَ إلَيْهِ
وأوْحَى إلَيْهِ بَلَى عَبْدٌ مِنْ عبَادي بِمَجْمَع
البَحْرَيْنِ هُوَ أعْلَمُ مِنْكَ
(19/47)
قَالَ أيْ رَبِّ كَيْفَ السَّبِيلُ إلَيْهِ
قَالَ تأخُذُ حُوتاً فِي مِكْتَلٍ فَحَيْثُما فَقَدْتَ
الحُوتَ فاتَّبِعْهُ قَالَ فَخَرَجَ مُوساى ومعَهُ فَتاهُ
يُوشَعُ بنُ نُونٍ ومَعَهُما الحُوتُ حَتّى انْتَهَيا
إِلَى الصَّخْرَةِ فَنَزَلا عِنْدَها قَالَ فَوَضَعَ
مُوسَى رأسَهُ فَنامَ قَالَ سُفْيانُ وَفِي حَدِيثِ غيْرِ
عَمْرٍ وَقَالَ وَفِي أصْلِ الصَّخْرَةِ عَيْنٌ يُقال لَها
الحَياةُ لَا يُصيبُ مِنْ مائِها شَيْءٌ إلاّ حَيِيَ
فأصابَ الحُوتَ مِنْ ماءِ تِلْكَ العَيْنِ قَالَ
فَتَحَرَّكَ وانْسَلَّ مِنَ المِكْتَلِ فَدَخَلَ البَحْرَ
كُلّما اسْتَيْقَظَ مُوسَى قَالَ لِفَتاهُ آتِنا غَدَاءَنا
الآيةَ قَالَ ولمْ يَجِدِ النَّصَبَ حَتّى جاوَز مَا
أُمِرَ بِهِ قَالَ لَهُ فَتاهُ يُوشَعُ بنُ نُونٍ أرَأيْتَ
إذْ أوَيْنا إِلَى الصَّخْرَةِ فإِنِّي نَسيتُ الحُوتَ
الآيَةَ قَالَ فَرَجَعا يَقُصَّانِ فِي آثارِهِما
فَوَجَدَا فِي البَحْرِ كالطّاقِ مَمَرَّ الحُوتِ فَكانَ
لِفَتاهُ عَجَباً ولِلْحُوتِ سَرَباً قَالَ فَلَمّا
انْتَهَيا إلَى الصَّخْرَةِ إِذْ هُما بِرَجُلٍ مُسَجَّى
بِثَوْبٍ فَسَلَّمَ عَلَيْهِ مُوسَى قَالَ وأنِّي بأرْضِكَ
السّلاَمُ فَقَالَ أَنا مُوسَى قَالَ مُوسَى بَني
إسْرَائِيلَ قَالَ نَعَمْ قَالَ هَلْ أتَّبِعُكَ عَلَى أنْ
تُعَلِّمَني مِمَّا عُلِّمْتَ رَشَداً قَالَ لَهُ الخَضرُ
يَا مُوسَى إنّكَ عَلَى عِلْمٍ مِنْ عِلْمِ الله
عَلَّمَكَهُ الله لَا أعْلَمهُ وَأَنا عَلَى عِلْمٍ مِنْ
عِلْمِ الله عَلّمَنِيهِ الله لَا تَعْلمُهُ قَالَ بَلْ
أتّبِعُكَ قَالَ فإِن اتّبَعْتَنِي فَلا تَسْألْنِي عَنْ
شَيْءٍ حَتّى أُحْدِثَ لَكَ مِنْهُ ذِكْراً فانْطَلَقا
يَمْشِيانِ عَلَى السَّاحِلِ فَمَرَّتْ بِهِما سَفِينَةٌ
فعُرِفَ الخَضِرُ فَحَمَلُوهُمْ فِي سَفِينَتِهِمْ
بِغَيْرِ نَوْلٍ يَقُولُ بِغَيْرِ أجْرٍ فرَكِبا
السّفِينَةَ قَالَ وَوَقَعَ عُصْفُورٌ عَلَى حَرْف
السّفِينَةِ فَغَمَسَ مِنْقَارَهُ البَحْرَ فَقَالَ
الخَضِرُ لمُوسَى مَا عِلْمُكَ وعِلْمِي وعِلْمُ
الخَلاَئِقِ فِي عِلْمِ الله إلاَّ مِقْدَارُ مَا غَمَسَ
هاذَا العُصْفُورُ مِنقارَهُ قَالَ فَلَمْ يَفْجَأْ مُوسَى
إذْ عَمَدَ الخَضِرُ إلَى قَدُومٍ فَخَرَقَ السَّفِينَةَ
فَقَالَ لَهُ مُوسى قَوْمٌ حَمَلُونا بِغَيْرِ نَوْلٍ
عَمَدْتَ إِلَى سفينَتِهِمْ فَخَرَقْتَها لِتُغْرِقَ
أهْلَهَا لَقَدْ جِئْتَ الآيةَ فانْطَلَقا إِذا هُما
بِغُلاَمٍ يَلْعَبُ مَعَ الغِلْمانِ فأخَذَ الخَضِرُ
بِرَأسِهِ فَقَطَعَهُ قَالَ لَهُ مُوسى أقَتَلْتَ نَفْساً
زكِيَّةَ بِغَيْرِ نَفْسٍ لَقَدْ جِئْتَ شَيْئاً نُكْراً
قَالَ ألَمْ أقُلْ لَكَ إنّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِي
صَبْراً إِلَى قَوْلِهِ فأبَوْا أنْ يُضَيِّفُوهُما
فَوَجَدَا فِيها جِدَاراً يُرِيدُ أنْ يَنْقَضَّ فَقَالَ
بِيَدِهِ هاكَذَا فأقامَهُ فَقَالَ لَهُ مُوسى إنّا
دَخَلْنا هاذِهِ القَرْيَةَ فَلَمْ يُضَيِّفُونا وَلَمْ
يُطْعِمُونا لوْ شِئتَ لاتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أجْراً قَالَ
هاذَا فِرَاقُ بَيْنِي وَبَيْنِكَ سَأُنَبِّئُكَ
بِتَأْوِيلِ مَا لَمْ تَسْتَطِعْ عَلَيْهِ صَبْراً فَقَالَ
رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَدِدْنا أنَّ مُوسَى
صَبَرَ حَتّى يُقَصَّ عَلَيْنا مِنْ أمْرِهِما قَالَ وكانَ
ابنُ عَبَّاسٍ يَقْرَأُ وكانَ أمامَهم مَلِكٌ يأخُذُ كُلَّ
سَفِينَةٍ صالِحَةٍ غَصْباً وأمّا الغُلاَمُ فَكانَ
كافِراً..
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. قَوْله: (قَالَ لفتاه آتنا
غداءنا) وَهُوَ طَرِيق آخر فِي الحَدِيث الْمَذْكُور قبله،
وَهُوَ عَن قُتَيْبَة عَن سُفْيَان إِلَى آخِره، وَفِيه
بعض اخْتِلَاف فِي الْمَتْن بِبَعْض زِيَادَة وَبَعض
نُقْصَان، وَفِيه: حَدثنِي قُتَيْبَة حَدثنِي سُفْيَان،
ويروى: حَدثنَا قُتَيْبَة حَدثنَا سُفْيَان، وَفِيه: عَن
عَمْرو بن دِينَار، وَفِي رِوَايَة الْحميدِي فِي الْبَاب
الْمُتَقَدّم: حَدثنَا عَمْرو بن دِينَار.
قَوْله: (يُقَال لَهَا الْحَيَاة) ، وَهِي الْمَشْهُورَة
بَين النَّاس: بِمَاء الْحَيَاة وَعين الْحَيَاة. قَوْله:
(فَلم يفجأ) ، ويروى: فَلم يفج، وَوَجهه أَن الْهمزَة تخفف
فَتَصِير ألفا فتحذف بالجازم نَحْو: لم يخْش. قَوْله:
(وَكَانَ ابْن عَبَّاس يقْرَأ) إِلَى آخِره، وَوَافَقَهُ
عَلَيْهَا عُثْمَان أَيْضا.
(19/48)
5 - (بابُ قَوْلِهِ: {قُلْ هَلْ
نُنَبِّئُكُمْ بالأخسَرِينَ أعْمَالاً} (الْكَهْف: 301)
أَي: هَذَا بَاب فِي قَوْله تَعَالَى: {قل هَل ننبئكم
بالأخسرين أعمالاً} ، وَقد مر تَفْسِيره عَن قريب.
8274 - حدَّثني مُحَمَّدُ بنُ بَشَّارٍ حَدثنَا مُحَمَّدُ
بنُ جَعْفَرٍ حدَّثنا شُعْبَةُ عَن عَمْروٍ عنْ مُصْعَبٍ
قَالَ سألْتُ أبي {قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بالأخْسَرِينَ
أعْمالاً} هُمُ الحَرُورِيّةُ قَالَ لَا هُمُ اليَهُودُ
والنّصارَى أمّا اليَهُودُ فَكَذَّبُوا مُحَمَّداً صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم وأمّا النّصارَى كَفَرُوا بالجَنّةِ
وقالُوا لَا طَعامَ فِيها وَلَا شَرَابَ والحَرُورِيّةُ
الّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ الله مِنْ بَعْدِ مِيثَاقِهِ
وكانَ سَعْدٌ يُسَمِّيهمِ الفَاسِقِينَ.
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. وَمُحَمّد بن بشار الملقب
ببندار، وَمُحَمّد بن جَعْفَر الملقب بغندر، وَعَمْرو بن
مرّة، بِضَم الْمِيم وَتَشْديد الرَّاء: ابْن عبد الله
الْمرَادِي الْأَعْمَى الْكُوفِي، وَمصْعَب، بِضَم الْمِيم
وَفتح الْعين: ابْن سعد بن أبي وَقاص أحد الْعشْرَة
المبشرة، مَاتَ سنة ثَلَاث وَمِائَة.
والْحَدِيث أخرجه النَّسَائِيّ فِي التَّفْسِير عَن
مُحَمَّد بن إِسْمَاعِيل.
قَوْله: (عَن مُصعب قَالَ: سَأَلت أبي) ، هُوَ سعد بن أبي
وَقاص. قَوْله: (هم الحرورية) ، بِفَتْح الْحَاء
الْمُهْملَة وَضم الرَّاء الأولى هم طَائِفَة خوارج ينسبون
إِلَى حروراء قَرْيَة بِقرب الْكُوفَة، وَكَانَ ابْتِدَاء
خُرُوج الْخَوَارِج على عَليّ بن أبي طَالب رَضِي الله
عَنهُ، مِنْهَا، وروى الْحَاكِم على شَرطهمَا عَن مُصعب بن
سعد: لما خرجت الحرورية قلت لأبي سعد: هَؤُلَاءِ الَّذين
أنزل الله فيهم: {الَّذين ضل سَعْيهمْ فِي الْحَيَاة
الدُّنْيَا} (الْكَهْف: 401) قَالَ: أُولَئِكَ أهل الصوامع
وَهَؤُلَاء مزاغوا فأزاغ الله قُلُوبهم. انْتهى.
وَإِنَّمَا خسرت الْيَهُود وَالنَّصَارَى لأَنهم تعبدوا
على أصل غير صَحِيح فخسروا الْأَعْمَال والأعمار،
والحرورية لما خالفوا مَا عهد الله إِلَيْهِم فِي
الْقُرْآن من طَاعَة أولي الْأَمر بعد إقرارهم بِهِ كَانَ
ذَلِك نقضا مِنْهُم لَهُ، وَيُقَال: الحرورية هم الخاسرون
لأَنهم لَيْسُوا كفرة بل هم فسقة، قَالَ تَعَالَى:
{الَّذين ينقضون عهد الله} (الْبَقَرَة: 72، والرعد: 52)
إِلَى قَوْله: {هم الخاسرون} والكافرون هم الأخسرون، قَالَ
تَعَالَى فيهم: {أُولَئِكَ الَّذين كفرُوا بآيَات رَبهم}
(الْكَهْف: 501) ، هُوَ سعد ابْن أبي وَقاص رَضِي الله
عَنهُ.
6 - (بابُ قَوْلِهِ: {أُولائِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا بآياتِ
رَبِّهِمْ ولِقائِهِ فَحَبِطَتْ أعْمالُهُمْ} )
أَي: هَذَا بَاب فِي قَوْله عز وَجل: {أُولَئِكَ الَّذين
كفرُوا} ... الْآيَة، أَي: أُولَئِكَ الَّذين جَحَدُوا
بالدلائل وَكَفرُوا بِالْبَعْثِ وَالثَّوَاب وَالْعِقَاب
فحبطت أَعْمَالهم لِأَنَّهَا خلت من الثَّوَاب.
9274 - حدَّثنا مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الله حَدثنَا سَعِيدُ
بنُ أبي مَرْيَمَ أخْبَرَنا المُغِيرَةُ بنُ عَبْد
الرَّحْمنِ قَالَ حدّثني أبُو الزِّناد عنِ الأعْرَجِ عنْ
أبي هُرَيْرَةَ رَضِي الله عَنهُ عَنْ رسولِ الله صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم قَالَ إنَّهُ ليَأتِي الرَّجُلُ العَظِيمُ
السَّمِينُ يَوْمَ القِيامَةِ لاَ يَزِنُ عِنْدَ الله
جَناحَ بَعُوضَةٍ وَقَالَ اقْرَؤُوا: {فَلاَ نُقِيمُ
لَهُمْ يَوْمَ القِيَامَةِ وَزْناً} (الْكَهْف: 501) .
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: {وَقَالَ اقرأوا} إِلَى
آخِره، لِأَنَّهَا فِي الْآيَة الَّتِي هِيَ التَّرْجَمَة،
وَمُحَمّد بن عبد الله هُوَ مُحَمَّد بن يحيى بن عبد الله
الذهلي، فنسبه إِلَى جده، والمغيرة هُوَ ابْن عبد
الرَّحْمَن الْحزَامِي، بِكَسْر الْحَاء الْمُهْملَة
وبالزاي، وَأَبُو الزِّنَاد بالزاي وَالنُّون عبد الله بن
ذكْوَان، والأعرج عبد الرَّحْمَن بن هُرْمُز.
والْحَدِيث أخرجه مُسلم فِي التَّوْبَة، وَذكر
الْمُنَافِقين عَن أبي بكر مُحَمَّد بن إِسْحَاق.
قَوْله: (الرجل الْعَظِيم السمين) ، وَفِي رِوَايَة ابْن
مرْدَوَيْه من وَجه آخر عَن أبي هُرَيْرَة: الطَّوِيل
الْعَظِيم الأكول الشروب. قَوْله: (وَقَالَ اقرأوا)
الْقَائِل فِي الظَّاهِر هُوَ الصَّحَابِيّ، أَو مَرْفُوع
من بَقِيَّة الحَدِيث. قَوْله: (وزنا) أَي: قدرا.
وعنْ يَحْيَى بنِ بُكَيْرٍ عنِ المُغِيرَةِ بنِ عَبْد
الرَّحْمانِ عنْ أبي الزِّنادِ مِثْلَهُ
وَعَن يحيى مَعْطُوف على سعيد بن أبي مَرْيَم، وَعَن يحيى
بن بكير، وَبِهَذَا جزم أَبُو مَسْعُود، وَقَالَ
الْمُزنِيّ: أخرجه البُخَارِيّ
(19/49)
عَن مُحَمَّد بن عبد الله عَن سعيد بن أبي
مَرْيَم عَنهُ بِهِ، وَقَالَ فِي عقبه: وَعَن يحيى بن بكير
عَنهُ بِهِ، وَلم يقل: حَدثنَا يحيى بن بكير، وَهُوَ يحيى
بن عبد الله بن بكير نسبه إِلَى جده، وَهُوَ أَيْضا من
شُيُوخ البُخَارِيّ، روى عَنهُ هُنَا بِوَاسِطَة وَكَذَا
روى هُنَا عَن سعيد بن أبي مَرْيَم وَهُوَ شَيْخه
بِوَاسِطَة. قلت: على قَول الْمُزنِيّ: هَذَا مُعَلّق،
وَوَصله مُسلم عَن مُحَمَّد بن إِسْحَاق الصَّنْعَانِيّ
عَنهُ. قَوْله: (الْعَظِيم أَي: جثة أَو جاهاً عِنْد
النَّاس، وَالله تَعَالَى أعلم) .
{بِسم الله الرحمان الرَّحِيم}
لم تثبت الْبَسْمَلَة إلاَّ لأبي ذَر.
91 - (سورَة كَهيعص)
أَي: هَذَا فِي تَفْسِير بعض سُورَة كهيعس، قَالَ
الثَّعْلَبِيّ: مَكِّيَّة، وَقَالَ مقَاتل: مَكِّيَّة
كلهَا إِلَّا سجدتها فَإِنَّهَا مَدَنِيَّة، وَعَن
الْقُرْطُبِيّ عَنهُ: نزلت بعد المهاجرة إِلَى أَرض
الْحَبَشَة، وَهِي ثَمَان وَتسْعُونَ آيَة، وتسع مائَة
وإثنان وَسِتُّونَ كلمة، وَثَلَاثَة آلَاف وَثَمَانمِائَة
حرف وحرفان.
وَاخْتلفُوا فِي مَعْنَاهَا: فَعَن ابْن عَبَّاس إسم من
أَسمَاء الله تَعَالَى، وَقيل: إسم الله الْأَعْظَم، وَعَن
قَتَادَة هُوَ إسم من أَسمَاء الْقُرْآن، وَقيل: إسم
السُّورَة، وَعَن ابْن عَبَّاس أَيْضا: هُوَ قسم أقسم الله
تَعَالَى بِهِ، وَعَن الْكَلْبِيّ: هُوَ ثَنَاء أثنى الله
بِهِ على نَفسه، وَعَن ابْن عَبَّاس أَيْضا: الْكَاف من
كريم، وَالْهَاء من هاد، وَالْيَاء من رَحِيم، وَالْعين من
عليم وعظيم، وَالصَّاد من صَادِق، رَوَاهُ الْحَاكِم من
طَرِيق عَطاء بن السَّائِب عَن سعيد بن جُبَير عَن ابْن
عَبَّاس.
قَالَ ابنُ عَبَّاسٍ أسْمِعْ بِهِمْ وأبْصِرْ الله
يَقُولُهُ وهُمُ اليومَ لَا يَسْمَعُونَ وَلَا يُبْصِرُونَ
فِي ضَلاَلٍ مُبِينٍ يَعْنِي قَوْلَهُ أسْمِعْ بِهِمْ
وأبْصِرْ الكُفَّارُ يَوْمَئِذٍ أسْمَعُ شَيْءٍ
وأبْصَرُهُ.
أَي: قَالَ ابْن عَبَّاس: فِي قَوْله تَعَالَى: {أسمع بهم
وَأبْصر يَوْم يأتوننا لَكِن الظَّالِمُونَ الْيَوْم فِي
ضلال مُبين} (مَرْيَم: 83) . قَوْله: أسمع بهم وَأبْصر
لَفظه لفظ الْأَمر وَمَعْنَاهُ الْخَبَر، أَي: مَا اسمعهم
وأبصرهم يَوْم الْقِيَامَة حِين لَا يَنْفَعهُمْ ذَلِك،
وَقيل: سمع بِحَدِيثِهِمْ وَأبْصر كَيفَ يسمع بهم يَوْم
يأتوننا، يَعْنِي: يَوْم الْقِيَامَة. قَوْله: (الله
يَقُوله) ، جملَة إسمية. قَوْله: (وهم) أَي: الْكفَّار
الْيَوْم لَا يسمعُونَ وَلَا يبصرون، وَالْيَوْم نصب على
الظّرْف. قَوْله: (الْكفَّار يومئذٍ أسمع شَيْء وأبصره
لكِنهمْ الْيَوْم) ، يَعْنِي فِي الدُّنْيَا فِي ضلال
مُبين لَا يسمعُونَ وَلَا يبصرون، ثمَّ تَعْلِيق ابْن
عَبَّاس هَذَا وَصله ابْن أبي حَاتِم من طَرِيق ابْن جريج
عَن عَطاء عَن ابْن عَبَّاس. قَوْله:
لأرْجُمَنَّكَ لأشْتَمِنَّكَ
أَشَارَ بِهِ إِلَى قَوْله تَعَالَى: {يَا إِبْرَاهِيم
لَئِن لم تَنْتَهِ لأرجمتك واهجرني مَلِيًّا} (مَرْيَم:
64) وَفسّر قَوْله: (لأرجمنك) بقوله: (لأشتمنك) وَكَذَا
فسره مقَاتل وَالضَّحَّاك والكلبي، وَعَن ابْن عَبَّاس:
مَعْنَاهُ لأضربنك، وَقيل: لأظهرن أَمرك. قَوْله:
(مَلِيًّا) أَي: دهراً، قَالَه سعيد بن جُبَير، وَعَن
مُجَاهِد وَعِكْرِمَة: حينا، وَعَن قَتَادَة وَالْحسن
وَعَطَاء: (سالما) .
ورِئْياً مَنْظَراً
أَشَارَ بِهِ إِلَى قَوْله تَعَالَى: {وَكم أهلكنا قبلهم
من قرن هم أحسن أثاثاً ورئياً} (مَرْيَم: 47) وَفسّر:
(ورئياً) بقوله: (منْظرًا) ، وَصله الطَّبَرِيّ من طَرِيق
عَليّ ابْن أبي طَلْحَة عَن ابْن عَبَّاس بِهِ، وَقَالَ
الثَّعْلَبِيّ: وقرىء بالزاي، وَهُوَ الْهَيْئَة.
وَقَالَ أبُو وائِلٍ علِمَتْ مَرْيَمُ أنَّ التَّقِيَّ ذُو
نُهْيَةٍ حَتَّى قالَتْ: {إنِّي أعُوذُ بالرَّحْمانِ
مِنْكَ إنْ كُنْتَ تَقيًّا} (مَرْيَم: 81) وَقَالَ ابنُ
عُيَيْنَةَ تَؤُزُّهُمْ أزًّا تُزْعِجُهُمْ إِلَى
المَعاصِي إزْعاجاً.
أَي: قَالَ سُفْيَان بن عُيَيْنَة فِي قَوْله، عز وَجل:
{ألم تَرَ أَنا أرسلنَا الشَّيَاطِين على الْكَافرين تؤزهم
أزًّا} (مَرْيَم: 38) أَي: تزعجهم إِلَى الْمعاصِي إزعاجاً
وَكَذَا رُوِيَ عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا،
وَعَن الضَّحَّاك: تَأْمُرهُمْ بِالْمَعَاصِي أمرا. وَعَن
سعيد بن جُبَير: تغريهم إغراء، وَعَن مُجَاهِد: تشليهم
أشلاءً. وَعَن الْأَخْفَش: توهجهم، وَعَن المؤرج: تحركهم
فِي الأَصْل: الصَّوْت.
وَقَالَ مُجاهِدٌ: لُدًّا عُوَجاً
أَشَارَ بِهِ إِلَى قَوْله تَعَالَى: {لتبشر بِهِ
الْمُتَّقِينَ وتنذر بِهِ قوما لدا} (مَرْيَم: 79) وَفسّر:
(لدا) بقوله: (عوجا) بِضَم الْعين جمع أَعْوَج، واللد، جمع
(19/50)
أَلد، يُقَال: رجل أَلد إِذا كَانَ من
عَادَته مخاصمة النَّاس، وَعَن مُجَاهِد: ألالد الظَّالِم
الَّذِي لَا يَسْتَقِيم، وَعَن أبي عُبَيْدَة: ألالد
الَّذِي لَا يقبل الْحق وَيَدعِي الْبَاطِل، وَتَعْلِيق
مُجَاهِد رَوَاهُ ابْن الْمُنْذر عَن عَليّ بن أبي
طَلْحَة: حَدثنَا زيد حَدثنَا ابْن ثَوْر عَن ابْن جريج
عَن مُجَاهِد.
قَالَ ابنُ عَبَّاسٍ وِرْداً عِطاشاً
أَي: قَالَ عبد الله بن عَبَّاس فِي قَوْله تَعَالَى:
{ونسوق الْمُجْرمين إِلَى جَهَنَّم وردا} (مَرْيَم: 68)
وَفسّر: (وردا) بقوله: (عطاشاً) ، والورد جمَاعَة يردون
المَاء إسم على لفظ الْمصدر، وَقَالَ الثَّعْلَبِيّ:
عطاشاً مشَاة على أَرجُلهم قد تقطعت أَعْنَاقهم من
الْعَطش.
أثاثاً مَالا
أَشَارَ بِهِ إِلَى قَوْله تَعَالَى: {هم أحسن أثاثاً
ورئياً} (مَرْيَم: 47) وَفسّر: (أثاثاً) بقوله: (مَالا)
وَعَن ابْن عَبَّاس: هَيْئَة، وَعَن مقَاتل: ثيابًا،
وَقيل: مَتَاعا.
إداً قَوْلاً عَظِيماً
أَشَارَ بِهِ إِلَى قَوْله تَعَالَى: {وَقَالُوا اتخذ
الرَّحْمَن ولدا لقد جئْتُمْ شَيْئا إداً} (مَرْيَم: 98)
وَفسّر: (إداً) ، بقوله: (قولا عَظِيما) ، وَهُوَ اتخاذهم
لله ولدا، وَرُوِيَ هَكَذَا عَن ابْن عَبَّاس، رَوَاهُ
ابْن أبي حَاتِم من طَرِيق عَليّ بن أبي طَلْحَة عَن ابْن
عَبَّاس.
رِكْزاً صَوْتاً
أَشَارَ بِهِ إِلَى قَوْله تَعَالَى: {أَو تسمع لَهُم
ركزاً} (مَرْيَم: 89) وَفسّر: (ركزاً) بقوله: (صَوتا) ،
وَكَذَا رَوَاهُ ابْن أبي حَاتِم من طَرِيق عَليّ بن أبي
طَلْحَة عَن ابْن عَبَّاس، وَكَذَا روى عبد الرَّزَّاق عَن
قَتَادَة مثله، قَالَ الطَّبَرِيّ: الركز فِي كَلَام
الْعَرَب الصَّوْت الْخَفي.
غَيًّا خُسْرَاناً
أَشَارَ بِهِ إِلَى قَوْله تَعَالَى: {وَاتبعُوا
الشَّهَوَات فَسَوف يلقون غيا} . وَفسّر (غياً) بقوله:
(خسراناً) لم يثبت هَذَا لأبي ذَر، وروى الطَّبَرِيّ من
طَرِيق عَليّ بن أبي طَلْحَة عَن ابْن عَبَّاس مثله، وَعَن
ابْن مَسْعُود: الغي وادٍ فِي جَهَنَّم بعيد القعر، أخرجه
الْحَاكِم، وَعنهُ: الغي نهر فِي جَهَنَّم، وَعَن عَطاء:
الغي وَاد فِي جَهَنَّم يسيل قَيْحا ودماً، وَعَن كَعْب:
هُوَ وَاد فِي جَهَنَّم أبعدها قعراً وأشدها حرا فِيهِ
بِئْر يُسمى الهيم، كلما خبت جَهَنَّم فتح الله تِلْكَ
الْبِئْر فتسعر بهَا جَهَنَّم.
بُكيا جَماعَةُ باكٍ
أَشَارَ بِهِ إِلَى قَوْله تَعَالَى: {خروا سجدا وبُكياً}
(مَرْيَم: 85) وَقَالَ: (بكيا) جمع (باك) وَكَذَا قَالَه
أَبُو عُبَيْدَة قلت: أَصله بكوى، على وزن فعول كقعود جمع
قَاعد اجْتمعت الْوَاو وَالْيَاء وسبقت إِحْدَاهمَا
بِالسُّكُونِ فقلبت يَاء ثمَّ أدغمت الْيَاء فِي الْيَاء
ثمَّ أبدلت ضمة الْكَاف كسرة لأجل الْيَاء، فَافْهَم.
وَقَالَ الثَّعْلَبِيّ: هَذِه الْآيَة نزلت فِي مؤمني أهل
الْكتاب عبد الله بن سَلام وَأَصْحَابه.
صُلِّيا صَلِيَ يَصْلَى
أَشَارَ بِهِ إِلَى قَوْله تَعَالَى: {ثمَّ لنَحْنُ أعلم
بالذين هم أولى بهَا صلياً} (مَرْيَم: 07) وَكَانَ
يَنْبَغِي أَن يَقُول: صلياً. مصدر صلى يُصَلِّي من بَاب:
علم يعلم، كلقى يلقى لقيا، يُقَال: صلى فلَان النَّار أَي:
دَخلهَا وَاحْتَرَقَ.
نَدِيًّا والنَّادِي واحِدٌ مَجْلِساً
أَشَارَ بِهِ إِلَى قَوْله تَعَالَى: {أَي الْفَرِيقَيْنِ
خير مقَاما وَأحسن ندياً} (مَرْيَم: 37) وَأَن ندياً
والنادي وَاحِد، ثمَّ فسر (ندياً) بقوله: (مَجْلِسا) ،
وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَة: الندي والنادي وَاحِد، وَالْجمع
أندية، وَفسّر قَوْله تَعَالَى: ندياً، أَي: مَجْلِسا،
والندي مجْلِس الْقَوْم ومجتمعهم، وَقيل: أَخذ من الندى
وَهُوَ الْكَرم لِأَن الكرماء يَجْتَمعُونَ فِيهِ.
1 - (بابُ قَوْلِهِ: {وأنْذِرْهُمْ يَوْمَ الحَسْرَةِ}
(مَرْيَم: 93)
أَي: هَذَا بَاب فِي قَوْله عز وَجل: {وَأَنْذرهُمْ يَوْم
الْحَسْرَة إِذْ قضي الْأَمر وهم فِي غَفلَة وهم لَا
يُؤمنُونَ} أَي: أنذر كفار مَكَّة يَوْم الْحَسْرَة يَوْم
الْقِيَامَة يَوْم يتحسر الْمُسِيء هلا أحسن الْعَمَل،
والمحسن هلا ازْدَادَ من الْإِحْسَان، وَأكْثر
الْمُفَسّرين يَوْم الْحَسْرَة حِين يذبح الْمَوْت.
قَوْله: (إِذْ قضى الْأَمر) ، أَي: فرغ من الْحساب، وَقيل:
ذبح الْمَوْت وهم فِي غَفلَة فِي الدُّنْيَا وهم
(19/51)
لَا يُؤمنُونَ بِمَا يكون فِي الْآخِرَة،
وَكلمَة: إِذْ، بدل من الْحَسْرَة، أَو مَنْصُوب بالحسرة.
0374 - حدَّثنا عُمَرِ بنُ حَفْصِ بنِ غِياثٍ حَدثنَا أبي
حَدثنَا الأعْمَشُ حدّثنا أبُو صالِحٍ عنْ أبي سَعِيدٍ
الخُدْرِيِّ رَضِي الله عَنهُ قَالَ قَالَ رسولُ الله صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم يُؤْتَى بالمَوْتِ كَهَيْئَةِ كَبْشٍ
أمْلَح فَيُنَادِي مُنادٍ يَا أهْلَ الجَنَّةِ
فَيَشْرَئِبُّونَ ويَنْظُرُونَ فَيَقُولُ هَلْ تَعْرِفُونَ
هاذَا فَيَقُولُونَ نَعَمْ هاذَا المَوْتُ وكُلُّهُمْ قَدْ
رَآهُ ثُمَّ يُنادِي يَا أهْلَ النَّارِ فَيَشْرَئِبُّونَ
وَيَنْظُرُونَ فَيَقُولُ هَلْ تَعْرِفُونَ هاذَا
فَيَقُولُونَ نَعَمْ هاذَا المَوْتُ وكُلُّهُمْ قَدْ رَآهُ
فَيُذْبَحُ ثُمَّ يَقُولُ يَا أهْلَ الجَنَّة خُلُودٌ
فَلاَ مَوْتَ وَيَا أهْلَ النّارِ خُلُودٌ فَلاَ مَوْتَ
ثُمَّ قَرَأ: {وأنْذِرْهُمْ يَوْمَ الحَسْرَةِ إذْ قُضِيَ
الأمْرُ وهُمْ فِي غَفْلَةٍ وَهاؤُلاَءِ فِي غَفْلَةٍ
أهْلُ الدُّنْيا وهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ} (مَرْيَم: 93) .
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة، وَالْأَعْمَش هُوَ
سُلَيْمَان، وَأَبُو صَالح هُوَ ذكْوَان السمان، وَأَبُو
سعيد اسْمه سعد بن مَالك.
والْحَدِيث أخرجه مُسلم فِي صفة النَّار عَن عُثْمَان بن
أبي شيبَة وَغَيره. وَأخرجه التِّرْمِذِيّ فِي التَّفْسِير
عَن أَحْمد بن المنيع. وَأخرجه النَّسَائِيّ فِي
التَّفْسِير عَن هناد بن العوسى.
قَوْله: (يُؤْتى بِالْمَوْتِ كَهَيئَةِ كَبْش أَمْلَح) ،
والأملح الَّذِي فِيهِ بَيَاض كثير سَواد، قَالَه
الْكسَائي، وَقَالَ ابْن الْأَعرَابِي: هُوَ الْأَبْيَض
الْخَالِص، وَالْحكمَة فِي كَونه على هَيْئَة كَبْش أَبيض
لِأَنَّهُ جَاءَ: أَن ملك الْمَوْت أَتَى آدم عَلَيْهِ
الصَّلَاة وَالسَّلَام، فِي صُورَة كَبْش أَمْلَح قد نشر
من أجنحته أَرْبَعَة آلَاف جنَاح، وَالْحكمَة فِي كَون
الْكَبْش أَمْلَح أَبيض وأسود، أَن الْبيَاض من جِهَة
الْجنَّة والسواد من جِهَة النَّار، قَالَه عَليّ بن
حَمْزَة. قَوْله: (فَيَشْرَئِبُّونَ) ، من الإشريباب،
يُقَال: اشرأب إِذا مد عُنُقه لينْظر، وَقَالَ
الْأَصْمَعِي: إِذا رفع رَأسه. قَوْله: (فَيَقُولُونَ نعم)
فَإِن قلت: من أَيْن عرفُوا ذَلِك حَتَّى يَقُولُونَ نعم؟
قلت: لأَنهم يعاينون ملك الْمَوْت فِي هَذِه الصُّورَة
عِنْد قبض أَرْوَاحهم. قَوْله: (فَيذْبَح) ، أَي: بَين
الْجنَّة وَالنَّار، فَيذْبَح، الحَدِيث. وَقيل: يذبح على
الصِّرَاط على مَا رَوَاهُ ابْن مَاجَه عَن أبي هُرَيْرَة
بِلَفْظ: يجاء بِالْمَوْتِ فَيُوقف على الصِّرَاط،
فَيُقَال: يَا أهل الْجنَّة فيطلعون خَائِفين أَن يخرجُوا
من مكانهم، ثمَّ يُقَال: يَا أهل النَّار فيطلعون مستبشرين
فرحين أَن يخرجُوا من النَّار، هَذَا الْمَوْت فَيُؤْمَر
بِهِ فَيذْبَح على الصِّرَاط، وَقيل: يذبح على السُّور
الَّذِي بَين الْجنَّة وَالنَّار، وَأخرج التِّرْمِذِيّ
هَذَا، فَيَقُولُونَ: نعم هَذَا الْمَوْت، ثمَّ قَالَ: حسن
صَحِيح. فَإِن قلت: الْمَوْت عرض بِنَا فِي الْحَيَاة أَو
هُوَ عدم الْحَيَاة، فَكيف يذبح؟ قلت: يَجعله الله مجسماً
حَيَوَانا مثل الْكَبْش أَو الْمَقْصُود مِنْهُ
التَّمْثِيل، وَعَن ابْن عَبَّاس وَمُقَاتِل والكلبي، أَن
الْمَوْت والحياة جسمان، فالموت فِي هَيْئَة كَبْش لَا يمر
بِشَيْء وَلَا يجد رِيحه شَيْء إلاَّ مَاتَ، وَخلق
الْحَيَاة على صُورَة فرس أُنْثَى بلقاء وَهِي الَّتِي
كَانَ جِبْرِيل والأنبياء عَلَيْهِم الصَّلَاة
وَالسَّلَام، يركبونها خطوها مد الْبَصَر فَوق الْحمار
وَدون الْبَغْل لَا يمر بِشَيْء وَلَا يجدر رِيحهَا إلاَّ
حيى، وَهُوَ الَّذِي أَخذ السامري من أَثَرهَا فَأَلْقَاهُ
على الْعجل، فَإِن قلت: من الذَّابِح للْمَوْت؟ قلت: يذبحه
يحيى بن زَكَرِيَّا عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام، بَين
يَدي النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَقيل: الَّذِي
يذبحه جِبْرِيل عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام، ذكره
الْقُرْطُبِيّ فِي (التَّذْكِرَة) . قَوْله: (خُلُود لَا
موت) ، لفظ: خُلُود إِمَّا مصدر، وَإِمَّا جمع خَالِد.
قَالَ الْكرْمَانِي: وَلم يبين مَا وَرَاء ذَلِك. قلت:
إِذا كَانَ مصدرا يكون تَقْدِيره: أَنْتُم خُلُود وصف
بِالْمَصْدَرِ للْمُبَالَغَة، كَمَا تَقول: رجل عدل وَإِذا
كَانَ جمعا يكون تَقْدِيره: أَنْتُم خَالدُونَ، وَهَذَا
أَيْضا يدل على الخلود لأهل الدَّاريْنِ لَا إِلَى أمد
وَغَايَة، وَمن قَالَ: إِنَّهُم يخرجُون مِنْهَا وَإِن
النَّار تبقى خَالِيَة وَإِنَّهَا تفنى وتزول فقد خرج عَن
مُقْتَضى الْعُقُول وَخَالف مَا جَاءَ بِهِ الرَّسُول
وَمَا أجمع عَلَيْهِ أهل السّنة والعدول، وَإِنَّمَا تخلى
جَهَنَّم وَهِي الطَّبَقَة الْعليا الَّتِي فِيهَا عصاة
أهل التَّوْحِيد، وَهِي الَّتِي ينْبت على شفيرها الجرجير،
وَقد بَين ذَلِك مَوْقُوفا عبد الله بن عَمْرو بن
الْعَاصِ: يَأْتِي على النَّار زمَان تخفق الرِّيَاح
أَبْوَابهَا لَيْسَ فِيهَا أحد من الْمُوَحِّدين، وَهَذَا،
وَإِن كَانَ مَوْقُوفا فَإِن مثله لَا يُقَال بِالرَّأْيِ
قَوْله: (وهم فِي غَفلَة) ، فسر بهؤلاء ليشير إِلَيْهِم
بَيَانا لكَوْنهم أهل الدُّنْيَا إِذْ الْآخِرَة لَيست
دَار غَفلَة.
(19/52)
2 - (بابُ قَوْلِهِ: {وَمَا نَتَنَزَّلُ
إلاَّ بأمْرِ رَبِّكَ لَهُ مَا بَيْنَ أيْدِينا وَما
خَلْفَنا وَمَا بَيْنَ ذالِكَ} (مَرْيَم: 46)
أَي: هَذَا بَاب فِي قَوْله عز وَجل: {وَمَا نَتَنَزَّل
إلاَّ بِأَمْر رَبك} الْآيَة، قَالَ عِكْرِمَة
وَالضَّحَّاك وَقَتَادَة وَمُقَاتِل والكلبي: احْتبسَ
جِبْرِيل عَلَيْهِ السَّلَام عَن النَّبِي صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم، حِين سَأَلَهُ قومه عَن قصَّة أَصْحَاب
الْكَهْف وَذي القرنين وَالروح وَلم يدر مَا يُجِيبهُمْ،
ورجاه أَن يَأْتِيهِ جِبْرِيل بِجَوَاب مَا سَأَلُوهُ
فَأَبْطَأَ عَلَيْهِ، قَالَ عِكْرِمَة: أَرْبَعِينَ
يَوْمًا، وَقَالَ مُجَاهِد: اثْنَي عشرَة لَيْلَة، وَقيل:
خمس عشرَة، فشق على رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم،
فَلَمَّا نزل عَلَيْهِ جِبْرِيل عَلَيْهِ السَّلَام،
قَالَ: أَبْطَأت عَليّ حَتَّى سَاءَ ظَنِّي فاشتقت
إِلَيْك! فَقَالَ لَهُ جِبْرِيل: أَنا كنت أشوق وَلَكِنِّي
عبد مَأْمُور، وَإِذا بعثت نزلت، وَإِذا حبست احْتبست،
فَأنْزل الله تَعَالَى: {وَمَا نَتَنَزَّل إلاَّ بِأَمْر
رَبك} قَوْله: (مَا بَين أَيْدِينَا) ، قَالَ عبد
الرَّزَّاق عَن معمر عَن قَتَادَة: لَهُ مَا بَين
أَيْدِينَا الْآخِرَة، وَمَا خلفنا الدُّنْيَا، وَمَا بَين
ذَلِك مَا بَين النفختين.
1374 - حدَّثنا أبُو نُعَيْمٍ حدّثنا عُمَرُ بنُ ذَرٍّ
قَالَ سَمِعْتُ أبي عنْ سَعِيدِ بنِ جُبَيْرٍ عنِ ابنِ
عَبَّاسٍ رَضِي الله عَنهُ قَالَ قَالَ رسُولُ الله صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم لِجِبْرِيلَ مَا يَمْنَعُكَ أنْ
تَزُورَنا أكْثَرَ مِمَّا تَزُورُنا فَنَزَلَتْ وَمَا
نَتَنَزَّلُ إلاّ بأمْرِ رَبِّكَ لَهُ مَا بَيْنَ أيْدِينا
وَمَا خَلْفَنا.
(انْظُر الحَدِيث 8123 وطرفه) .
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة وَأَبُو نعيم، بِضَم
النُّون: الْفضل بن دُكَيْن، وَعمر بن ذَر، بِفَتْح
الذَّال الْمُعْجَمَة وَتَشْديد الرَّاء: ابْن عبد الله بن
زُرَارَة أَبُو ذَر الْهَمدَانِي الْكُوفِي، سمع أَبَاهُ.
والْحَدِيث مر فِي بَدْء الْخلق فِي: بَاب ذكر
الْمَلَائِكَة.
3 - ( {أفَرَأيْتَ الَّذِي كَفَرَ بآياتِنا وَقَالَ
لأوتَيَنَّ مَالا وَوَلَداً} (مَرْيَم: 77)
وَفِي بعض النّسخ: بَاب قَوْله: {أَفَرَأَيْت الَّذِي كفر
بِآيَاتِنَا} الْآيَة. قَوْله: (أَفَرَأَيْت) بِمَعْنى:
أخبر، وَالْفَاء جَاءَت لإِفَادَة مَعْنَاهَا الَّذِي هُوَ
التعقيب كَأَنَّهُ قَالَ: أخبرهُ أَيْضا بِقصَّة هَذَا
الْكَافِر، وَاذْكُر حَدِيثه عقيب حَدِيث أُولَئِكَ،
وَالْفَاء بعد همزَة الِاسْتِفْهَام عاطفة على جملَة:
الَّذِي، الْعَاصِ بن وَائِل كفر بِآيَاتِنَا الْقُرْآن،
وَقَالَ: لَأُوتَيَنَّ مَالا وَولدا، يَعْنِي: فِي
الْجنَّة بعد الْبَعْث، قَالَ ذَلِك استهزاء، قَرَأَ
حَمْزَة وَالْكسَائِيّ: ولدا، بِضَم الْوَاو وَسُكُون
اللَّام وَالْبَاقُونَ بفتحهما، وهما لُغَتَانِ: كالعرب
وَالْعرب.
2374 - حدَّثنا الحمَيْدِيُّ حَدثنَا سُفْيانُ عنِ
الأعْمَشَ عنْ أبي الضُّحَى عنْ مَسْرُوقٍ قَالَ سَمِعْتُ
خَبَّاباً قَالَ جِئْتُ العاصِيَ بنَ وائِلٍ السَّهْمِيَّ
أتَقاضاهُ حَقاً لي عِنْدَهُ فَقَالَ لاَ أُعْطِيكَ حَتَّى
تَكْفرَ بِمُحَمَّدٍ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقُلْتُ لَا
حَتَّى تَمُوتَ ثُمَّ تُبْعَثَ قَالَ وَإنِّي لَمَيِّتٌ
ثُمَّ مَبْعُوثٌ قُلْتُ نَعَمْ قَالَ إنَّ لي هُناكَ مَالا
وَوَلَداً فأقْضِيكَهُ فَنَزَلَتْ هاذِهِ الْآيَة:
{أفَرَأيْتَ الَّذِي كَفَرَ بآياتِنا وَقَالَ لأُوتَيَنَّ
مَالا وَوَلَداً} ..
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. والْحميدِي، عبد الله بن
الزبير، وسُفْيَان هُوَ ابْن عُيَيْنَة، وَالْأَعْمَش هُوَ
سُلَيْمَان، وَأَبُو الضُّحَى مُسلم ابْن صبيح، ومسروق
هُوَ ابْن الأجدع، وخباب، بِفَتْح الْخَاء الْمُعْجَمَة
وَتَشْديد الْبَاء الْمُوَحدَة الأولى: ابْن الْأَرَت،
بِفَتْح الْهمزَة وَالرَّاء وَتَشْديد التَّاء
الْمُثَنَّاة من فَوق.
والْحَدِيث مر فِي الْبيُوع فِي: بَاب الْقَيْن والحداد،
فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ عَن مُحَمَّد بن بشار عَن ابْن
أبي عدي عَن شُعْبَة عَن سُلَيْمَان عَن أبي الضُّحَى
إِلَى آخِره، وَمر الْكَلَام فِيهِ هُنَاكَ.
قَوْله: (العَاصِي بن وَائِل) ، هُوَ وَالِد عَمْرو ابْن
الْعَاصِ الصَّحَابِيّ الْمَشْهُور، كَانَ لَهُ قدر فِي
الْجَاهِلِيَّة وَلم يوفق لِلْإِسْلَامِ، وَقَالَ
الْكَلْبِيّ: كَانَ من حكام قُرَيْش، وَفِي (التَّوْضِيح)
: الْعَاصِ بِلَا يَاء وَلَيْسَ من الْعِصْيَان إِنَّمَا
هُوَ من عصى يعصو إِذا ضرب بِالسَّيْفِ قلت: لَا مَانع أَن
يكون من الْعِصْيَان بل الظَّاهِر، أَنه مِنْهُ،
وَإِنَّمَا حذفت الْيَاء للتَّخْفِيف، وَقَالَ
الْكرْمَانِي: الْعَاصِ، بِفَتْح الصَّاد الْمُهْملَة
وبكسرها أجوفياً وناقصياً. قلت: إِذا كَانَ أجوفياً يكون
من العوص، وَإِذا كَانَ ناقصياً يكون من الْعِصْيَان،
وَوَائِل بِالْهَمْزَةِ بعد الْألف. قَوْله: (فَقلت: لَا)
، أَي
(19/53)
لَا أكفر، قَالَ الْكرْمَانِي: فَإِن قلت:
مَفْهُوم الْغَايَة أَنه يكفر بعد الْمَوْت. قلت: لَا
يتَصَوَّر الْكفْر بعد الْمَوْت فَكَأَنَّهُ قَالَ: لَا
أكفر أبدا، وَهُوَ مثل قَوْله تَعَالَى: {لَا يذوقون
فِيهَا الْمَوْت إلاَّ الموتة الأولى} (الدُّخان: 65) فِي
أَن ذكره للتَّأْكِيد.
رَوَاهُ الثَّوْرِيُّ وشُعْبَةُ وحَفْصٌ وأبُو مُعاوِيَةَ
وَوَكِيعٌ عنِ الأعْمَشِ
أَي: روى الحَدِيث الْمَذْكُور هَؤُلَاءِ الْخَمْسَة عَن
سُلَيْمَان الْأَعْمَش، أما رِوَايَة سُفْيَان الثَّوْريّ
عَن الْأَعْمَش إِلَى آخرهَا فوصلها البُخَارِيّ بعد
هَذَا، وَهُوَ قَوْله: حَدثنَا مُحَمَّد بن كثير أخبرنَا
سُفْيَان عَن الْأَعْمَش إِلَى آخِره، وَأما رِوَايَة
شُعْبَة فَكَذَلِك وَصلهَا البُخَارِيّ عقيب رِوَايَة
مُحَمَّد بن كثير عَن بشر بن خَالِد عَن مُحَمَّد بن
جَعْفَر عَن شُعْبَة إِلَى آخِره، وَأما رِوَايَة حَفْص
وَهُوَ ابْن غياث فوصلها فِي الْإِجَارَة فِي: بَاب هَل
يُؤجر الرجل نَفسه من مُشْرك، عَن عمر بن حَفْص عَن أَبِيه
حَفْص بن غياث عَن الْأَعْمَش، وَأما رِوَايَة أبي
مُعَاوِيَة مُحَمَّد بن خازم، بِالْمُعْجَمَةِ وَالزَّاي،
فوصلها أَحْمد قَالَ: حَدثنَا أَبُو مُعَاوِيَة حَدثنَا
الْأَعْمَش إِلَى آخِره، وَأما رِوَايَة وَكِيع فوصلها
البُخَارِيّ أَيْضا عَن يحيى عَن وَكِيع عَن الْأَعْمَش
إِلَى آخِره، وَعَن قريب تَأتي.
4 - (بابٌ قَوْلُهُ عز وَجل: {أطلع الْغَيْب أم اتخذ عِنْد
الرَّحْمَن عهدا} (مَرْيَم: 87)
أَي هَذَا بَاب فِي قَوْله عز وَجل (أطلع الْغَيْب أم اتخذ
عِنْد الرَّحْمَن عهدا) الْآيَة.
قَالَ ابْن عَبَّاس: أنظر فِي اللَّوْح الْمَحْفُوظ،
يَعْنِي: الْعَاصِ بن وَائِل، وَقَالَ مُجَاهِد: أعلم علم
الْغَيْب حَتَّى يعلم أَفِي الْجنَّة هُوَ أم لَا. قَوْله:
(أطلع) من اطلع الْجَبَل إِذا ارْتقى إِلَى أَعْلَاهُ.
قَوْله: (عهدا) ، أَي: أم قَالَ: لَا إِلَه إلاَّ الله،
وَعَن قَتَادَة: عمل صَالحا قدمه، وَعَن الْكَلْبِيّ: عهد
إِلَيْهِ أَنه يدْخلهُ الْجنَّة، وَفسّر البُخَارِيّ
(عهدا) بقوله: (موثقًا) ، وَكَذَا أخرجه ابْن أبي حَاتِم
عَن أَبِيه عَن مُحَمَّد بن كثير شيخ البُخَارِيّ فِيهِ،
وَلَيْسَ فِي رِوَايَة أبي ذَر. قَوْله: (موثقًا) ، وَهُوَ
التعاقد والتعاهد، وَأَصله من الوثاق وَهُوَ حَبل يشد بِهِ
الْأَسير وَالدَّابَّة، وَقَالَ الْجَوْهَرِي: الموثق
الْمِيثَاق.
3374 - حدَّثنا مُحَمَّدُ بنُ كَثِيرٍ أخبرنَا سُفْيانُ
عنِ الأعْمَشِ عنْ أبي الضُّحَى عنْ مَسْروق عنْ خَبَّابٍ
قَالَ كُنْتُ قَيْناً بِمَكَّةَ فَعَمِلْتُ لِلْعاصِي بنِ
وائِلٍ السَّهْمِيِّ سَيْفاً فَجِئْتُ أتَقاضاهُ فَقَالَ
لَا أُعْطِيكَ حَتَّى تَكْفُرَ بِمُحَمَّدٍ قُلْتُ لَا
أكْفُرُ بِمُحَمَّدٍ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حَتَّى
يُمِيتكَ الله ثُمَّ يُحْيِيَكَ قَالَ إذَا أماتَني الله
ثُمَّ بَعَثَني ولِي مالٌ وَوَلَدٌ، فأنْزَلَ الله:
{فَرَأيْتَ الَّذِي كَفَرَ بآياتِنا وَقَالَ لأُوتَيَنَّ
مَالا وَوَلَداً اطَّلَعَ الْغَيْبَ أمِ اتَّخَذَ عِنْدَ
الرَّحْمانِ عَهْداً} قَالَ مَوْثِقاً لَمْ يَقُلِ
الأشْجَعِيُّ عنْ سُفْيانَ سَيْفاً وَلَا مَوْثِقاً..
هَذَا طَرِيق آخر فِي الحَدِيث الْمَذْكُور أخرجه عَن
مُحَمَّد بن كثير إِلَى آخِره، وَقد أخرج هَذَا الحَدِيث
من أَربع طرق وَترْجم لكل حَدِيث آيَة من الْآيَات
الْأَرْبَعَة الْمَذْكُورَة إِشَارَة إِلَى أَن هَذِه
الْآيَات كلهَا فِي قصَّة الْعَاصِ بن وَائِل وَذكر فِي كل
تَرْجَمَة مَا يطابقها من الحَدِيث.
قَوْله: (لم يقل الْأَشْجَعِيّ) ، نِسْبَة إِلَى أَشْجَع،
بِفَتْح الْهمزَة وَسُكُون الشين الْمُعْجَمَة وَفتح
الْجِيم وبالعين الْمُهْملَة: ابْن ريث بن غطفان بن سعد بن
قيس غيلَان بن مُضر بن نزار، وَهُوَ عبد الله بن عبد
الرَّحْمَن أَبُو عبد الرَّحْمَن الْكُوفِي سمع سُفْيَان
الثَّوْريّ، مَاتَ سنة اثْنَتَيْنِ وَثَمَانِينَ وَمِائَة
فِي أَولهَا، وروى الْأَشْجَعِيّ هَذَا الحَدِيث عَن
سُفْيَان الثَّوْريّ وَلم يذكر فِي رِوَايَته (عَن
سُفْيَان سَيْفا وَلَا موثقًا) .
5 - (بابٌ: {كَلاَّ سَنَكْتُبُ مَا يَقُولُ ونَمُدُّ لَهُ
مِنَ العَذَابِ مَدًّا} (مَرْيَم: 97)
أَي: هَذَا بَاب فِي قَوْله عز وَجل: {كلا} الْآيَة، كلمة:
كلا، ردع ورد على الْعَاصِ بن وَائِل. قَوْله: (سنكتب)
أَي: سنحفظ عَلَيْهِ مَا يَقُول فنجازيه بِهِ فِي
الْآخِرَة. قَوْله: (ونمد لَهُ) ، أَي: نزيده عذَابا فَوق
الْعَذَاب.
4374 - حدَّثنا بِشْرُ بنُ خالِدٍ حَدثنَا مُحَمَّدُ بنُ
جَعْفَرٍ عنْ شُعْبَةَ عَنْ سُلَيْمانَ سَمِعْتُ أَبَا
(19/54)
الضُّحَى يُحَدِّثُ عَنْ مَسْرُوقٍ عَنْ خَبَّابٍ قَالَ
كُنْتُ قَيْناً فِي الجاهِلِيَّةِ وكانَ لِي دَيْنٌ عَلَى
العاصِي بنِ وائِلٍ قَالَ فأتاهُ يَتَقاضاهُ فَقَالَ لَا
أُعْطِيك حَتَّى تَكْفُرَ بِمُحَمَّدٍ صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم فَقَالَ وَالله لَا أكْفُرُ حَتَّى يُمِيتَكَ الله
ثُمَّ تُبْعَثَ قَالَ فَذَرْنِي حَتَّى أمُوتَ ثُمَّ
أُبْعَثَ فَسَوْفَ أُوتَى مَالا وَوَلَداً فأقْضِيكَ
فَنَزَلَتْ هاذِهِ الآيَةُ: {أفَرَأيْتَ الَّذِي كَفَرَ
بآياتِنا وَقَالَ لأُوتَيَنَّ مَالا وَوَلَداً} (مَرْيَم:
77) ..
هَذَا طَرِيق ثَالِث فِي الحَدِيث الْمَذْكُور، ومطابقته
للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. قَوْله: (عَن سُلَيْمَان) هُوَ
الْأَعْمَش. قَوْله: (قينا) أَي: حداداً. قَوْله: (ثمَّ
أبْعث) ، على صِيغَة الْمَجْهُول وَكَذَلِكَ قَوْله:
(أُوتى) ، وَالله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أعلم. |