عمدة القاري شرح
صحيح البخاري 1 - (بابُ قَوْلِهِ عَزَّ وجَلَّ:
{والَّذِينَ يَرْمُونَ أزْوَاجَهُمْ يَكُنْ لَهُمْ
شُهَدَاءُ إلاَّ أنْفُسُهُمْ فَشَهادَةُ أحَدِهِمْ أرْبَعُ
شَهادَاتٍ بِاللَّه إنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ}
(النُّور: 6)
أَي: هَذَا بَاب فِي قَوْله عز وَجل: {وَالَّذين يرْمونَ}
الْآيَة ... أَي، يقذفونهم بِالزِّنَا وَلم يكن لَهُم
شُهَدَاء على صِحَة مَا قَالُوا إلاَّ أنفسهم، بِالرَّفْع
على أَنه بدل من الشُّهَدَاء. قَوْله: (أَربع شَهَادَات)
قَرَأَ حَمْزَة وَالْكسَائِيّ وَحَفْص عَن عَاصِم: أَربع،
بِالرَّفْع وَالْمعْنَى: فشهادة أحدهم الَّتِي تدرأ
الْعَذَاب أَربع شَهَادَات، وَالْبَاقُونَ بِالنّصب
لِأَنَّهُ فِي حكم الْمصدر وَالْعَامِل فِيهِ الْمصدر
الَّذِي هُوَ (فشهادة أحدهم) وَهِي مُبْتَدأ مَحْذُوف
الْخَبَر تَقْدِيره: فَوَاجِب شَهَادَة أحدهم أَربع
شَهَادَات.
5474 - حدَّثنا إسْحاقُ حدَّثنا مُحَمَّدُ بنُ يُوسُفَ
الفِرْيابِيُّ حدَّثنا الأوْزَاعِيُّ قَالَ حدّثني
الزُّهْرِيُّ عنْ سَهْلِ بنِ سَعْدٍ أنَّ عُوَيْمِراً أتَى
عاصِمَ بنَ عَدِيّ وكانَ سَيِّدَ بَني عَجْلاَنَ فَقَالَ
كَيْفَ تَقُولُونَ فِي رَجُلٍ وَجَدَ مَعَ امْرَأتِهِ رجلا
أيَقْتُلُهُ فَتَقْتُلُونَهُ أمْ كَيْفَ يَصْنَعُ سَلْ لي
رسولَ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عنْ ذَلِكَ فأتَى
عاصِمٌ النبيَّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ يَا رسولَ
الله فَكَرِة رَسُول
(19/73)
ُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم المَسائِلَ
فَسَألَهُ عُوَيْمِرٌ فَقَالَ إنَّ رسولَ الله صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم كَرِهَ المَسائِلَ وعابَها قَالَ
عُوَيْمِرٌ وَالله لاَ انْتَهى حَتَّى أسألَ رسُولَ الله
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عنْ ذالِكَ فَجاء عُوَيْمِرٌ
فَقَالَ يَا رسولَ الله رَجُلٌ وَجَدَ مَعَ امْرَأتِهِ
رَجُلاً أيَقْتُلُهُ فَتَقْتُلُونَهُ أم كَيْفَ يَصْنَعُ
فَقَالَ رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَدْ أنْزَلَ
الله القُرْآنَ فيكَ وَفِي صاحِبَتِكَ فأمَرَهُما رسُولُ
الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وسلَّم بالمُلاَعَنَةِ بِما
سَمَّى الله فِي كِتابِهِ فَلاَعَنَها ثُمَّ قَالَ يَا
رسولَ الله إنْ حَبَسْتُها فَقَدْ ظلمْتُها فَطلَّقَها
فَكانَتْ سُنَّة لِمَنْ كانَ بَعْدَهُما فِي
المُتَلاَعِنَيْنِ ثُمَّ قَالَ رسولُ الله صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم انْظُرُوا فإنْ جاءَتْ بِهِ أسْحَمَ
أدْعَجَ العَيْنَبْنِ عَظِيمَ الألْيَتَيْنِ خَدَلَّجَ
السَّاقَيْنِ فَلاَ أحْسِبُ عُوَيْمِراً إلاَّ قَدْ صَدَقَ
عَلَيْها وإنْ جاءَتْ بِهِ أحَيْمِرَ كأنَّهُ وحَرَةٌ
فَلاَ أحْسِبُ عُوَيْمِراً إلاَّ قَدْ كَذَبَ عَلَيْها
فَجاءَتْ بِهِ عَلَى النَّعْتِ الَّذِي نَعَتَ بِهِ رسولُ
الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مِنْ تَصْدِيقِ عُوَيْمِرٍ
فكانَ بَعْدُ يُنْسَبُ إِلَى أُمِّهِ..
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة تُؤْخَذ من ظَاهر الحَدِيث.
ذكر رِجَاله وهم سَبْعَة: الأول: إِسْحَاق ذكر غير
مَنْسُوب، وَقَالَ بَعضهم: وَعِنْدِي أَنه ابْن مَنْصُور.
قلت: لَا حَاجَة إِلَى قَوْله: وَعِنْدِي، لِأَن ابْن
الغساني قَالَ: إِنَّه مَنْصُور. الثَّانِي: مُحَمَّد بن
يُوسُف أَبُو عبد الله الْفرْيَابِيّ وَهُوَ من مَشَايِخ
البُخَارِيّ وروى عَنهُ بالواسطة. الثَّالِث: عبد
الرَّحْمَن بن عَمْرو الْأَوْزَاعِيّ. الرَّابِع: مُحَمَّد
بن مُسلم الزُّهْرِيّ. الْخَامِس: سهل بن سعد بن مَالك
السَّاعِدِيّ الْأنْصَارِيّ رَضِي الله عَنهُ، وَهَؤُلَاء
مرواة الحَدِيث. السَّادِس: عُوَيْمِر مصغر عَامر بن
الْحَارِث بن زيد بن حَارِثَة بن الْجد بن الْعجْلَاني،
كَذَا ذكره صَاحب (التَّوْضِيح) ، وَقَالَ الذَّهَبِيّ:
عُوَيْمِر بن أَبيض وَقيل ابْن أشقر الْعجْلَاني
الْأنْصَارِيّ صَاحب قصَّة اللّعان، وَقيل: هُوَ ابْن
الْحَارِث. السَّابِع: عَاصِم بن عدي بن الْجد بن العجلان
ابْن حَارِثَة الْعجْلَاني وَهُوَ أَخُو معن بن عدي ووالد
أبي البداح بن عَاصِم، وعاش عَاصِم عشْرين وَمِائَة سنة
وَمَات فِي سنة خمس وَأَرْبَعين، وَذكر مُوسَى بن عقبَة
أَنه وأخاه من شُهَدَاء بدر، ومعن قتل بِالْيَمَامَةِ
رَضِي الله عَنْهُمَا.
ذكر تعدد مَوْضِعه وَمن أخرجه غَيره أخرجه البُخَارِيّ
أَيْضا فِي الطَّلَاق عَن إِسْمَاعِيل بن عبد الله، وَفِي
التَّفْسِير عَن عبد الله بن يُوسُف، وَفِي الِاعْتِصَام
عَن آدم، وَفِي الْأَحْكَام وَفِي الْمُحَاربين عَن عَليّ
بن عبد الله، وَفِي التَّفْسِير أَيْضا عَن أبي الرّبيع
الزهْرَانِي، وَفِي الطَّلَاق أَيْضا عَن يحيى. وَأخرجه
مُسلم فِي اللّعان عَن يحيى وَغَيره. وَأخرجه أَبُو دَاوُد
فِي الطَّلَاق عَن القعْنبِي وَغَيره. وَأخرجه
النَّسَائِيّ فِيهِ عَن مُحَمَّد بن مسلمة. وَأخرجه ابْن
مَاجَه فِيهِ عَن أبي مَرْوَان مُحَمَّد بن عُثْمَان.
ذكر مَعَانِيه قَوْله: (أَيَقْتُلُهُ؟) الْهمزَة فِيهِ
للاستفهام على سَبِيل الاستخبار، أَي: أيقتل الرجل؟
قَوْله: (سل) أَصله: اسْأَل، فنقلت حَرَكَة الْهمزَة إِلَى
السِّين بعد حذفهَا للتَّخْفِيف وَاسْتغْنى عَن همزَة
الْوَصْل فحذفت فَصَارَ: سل، على وزن: قل. قَوْله: (فكره
رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، الْمسَائِل)
إِنَّمَا كره لِأَن سُؤال عَاصِم فِيهِ عَن قَضِيَّة لم
تقع بعد وَلم يحْتَج إِلَيْهَا، وفيهَا إِشَاعَة على
الْمُسلمين وَالْمُسلمَات وتسليط الْيَهُود
وَالْمُنَافِقِينَ فِي الْكَلَام فِي عرض الْمُسلمين،
وَفِي رِوَايَة مُسلم: فَسَأَلَ عَاصِم رَسُول الله صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم فكره رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم الْمسَائِل وعابها حَتَّى كبر على عَاصِم مَا سمع من
رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فَلَمَّا رَجَعَ
عَاصِم إِلَى أَهله جَاءَهُ عُوَيْمِر، فَقَالَ: يَا
عَاصِم {مَاذَا قَالَ لَك رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم؟ قَالَ عَاصِم لعويمر: لم تأتني بِخَير، قد كره
رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الْمَسْأَلَة الَّتِي
سَأَلته عَنْهَا، قَالَ عُوَيْمِر: وَالله لَا أَنْتَهِي
حَتَّى أسأله عَنْهَا، فَأقبل عُوَيْمِر حَتَّى أَتَى
رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وسط النَّاس،
فَقَالَ: يَا رَسُول الله} أَرَأَيْت ... إِلَى آخِره.
قَوْله: (فَأَمرهمَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
بالملاعنة) ، أَي: ملاعنة الرجل امْرَأَته، وَسميت بذلك
لقَوْل الزَّوْج: وعَلَيَّ لعنة الله إِن كنت من
الْكَاذِبين، واختير لفظ: اللَّعْن، على لفظ: الْغَضَب،
وَإِن كَانَا موجودين
(19/74)
فِي الْآيَة الْكَرِيمَة، وَفِي صُورَة
اللّعان لِأَن لفظ اللَّعْن مُتَقَدم فِي الْآيَة، وَلِأَن
جَانب الرجل فِيهِ أقوى من جَانبهَا لِأَنَّهُ قَادر على
الِابْتِدَاء بِاللّعانِ دونهَا، وَلِأَنَّهُ قد يَنْفَكّ
لِعَانه عَن لعانها وَلَا ينعكس، وَقيل: سمي لعاناً من
اللَّعْن وَهُوَ الطَّرْد والإبعاد، لِأَن كلاًّ مِنْهُمَا
يبعد عَن صَاحبه وَيحرم النِّكَاح بَينهمَا على
التَّأْبِيد، بِخِلَاف المطلِّق وَغَيره، وَكَانَت قصَّة
اللّعان فِي شعْبَان سنة تسع من الْهِجْرَة، وَمِمَّنْ
نَقله القَاضِي عَن الطَّبَرِيّ.
وَاخْتلف الْعلمَاء فِي سَبَب نزُول آيَة اللّعان: هَل
هُوَ بِسَبَب عُوَيْمِر الْعجْلَاني أم بِسَبَب هِلَال بن
أُميَّة؟ فَقَالَ بَعضهم: بِسَبَب عُوَيْمِر الْعجْلَاني.
وَاسْتَدَلُّوا بقوله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: قد أنزل
الله الْقُرْآن فِيك وَفِي صَاحبَتك، وَقَالَ جُمْهُور
الْعلمَاء: سَبَب نُزُولهَا قصَّة هِلَال، قَالَ: وَكَانَ
أول رجل لَاعن فِي الْإِسْلَام، وَجمع الدَّاودِيّ
بَينهمَا بِاحْتِمَال كَونهمَا فِي وَقت فَنزل الْقُرْآن
فيهمَا، أَو يكون أَحدهمَا وهما. وَقَالَ الْمَاوَرْدِيّ:
النَّقْل فيهمَا مشتبه مُخْتَلف، وَقَالَ ابْن الصّباغ:
قصَّة هِلَال تبين أَن الْآيَة نزلت فِيهِ أَولا، وَأما
قَوْله عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام، لعويمر: إِن الله
أنزل فِيك وَفِي صَاحبَتك، فَمَعْنَاه مَا نزل فِي قصَّة
هِلَال لِأَن ذَلِك حكم عَام لجَمِيع النَّاس، وَقَالَ
النَّوَوِيّ: لعلهما سَأَلَا فِي وَقْتَيْنِ متقاربين
فَنزلت الْآيَة فيهمَا، وَسبق هِلَال بِاللّعانِ فَيصدق
أَنَّهَا نزلت فِي ذَا وَذَاكَ. قلت: هَذَا مثل جَوَاب
الدَّاودِيّ بِالْوَجْهِ الأول وَهُوَ الْأَوْجه فَإِن
قلت: جَاءَ فِي حَدِيث أنس بن مَالك: هِلَال بن أُميَّة،
وَفِي حَدِيث ابْن عَبَّاس: لَاعن بَين الْعجْلَاني
وَامْرَأَته، وَفِي حَدِيث عبد الله بن مَسْعُود: وَكَانَ
رجلا من الْأَنْصَار جَاءَ إِلَى رَسُول الله صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم فلاعن امْرَأَته. قلت: لَا اخْتِلَاف فِي
ذَلِك لِأَن الْعجْلَاني هُوَ عُوَيْمِر، وَكَذَا فِي قَول
ابْن مَسْعُود: وَكَانَ رجلا.
قَوْله: (فَتَلَاعَنا) فِيهِ حذف وَالتَّقْدِير: أَنه
سَأَلَ وَقذف امْرَأَته وأنكبرت الزِّنَا وأصر كل وَاحِد
مِنْهُمَا على كَلَامه ثمَّ تلاعنا، وَالْفَاء فِيهِ فَاء
الفصيحة. قَوْله (إِن حبستها فقد ظلمتها فَطلقهَا) ، يفهم
من ذَلِك أَن بِمُجَرَّد اللّعان لَا تحصل الْفرْقَة على
مَا نذكرهُ فِي استنباط الْأَحْكَام. قَوْله: (فَكَانَت) ،
أَي: الْمُلَاعنَة كَانَت سنة بِالْوَجْهِ الْمَذْكُور لمن
يَأْتِي بعدهمَا من المتلاعنين. قَوْله: (فَإِن جَاءَت
بِهِ) أَي: بِالْوَلَدِ، (أسحم) بِالْحَاء الْمُهْملَة:
وَهُوَ شَدِيد السوَاد. قَوْله: (أدعج الْعَينَيْنِ) ،
الدعج فِي الْعين شدَّة سوادها، وَفِي حَدِيث ابْن عَبَّاس
الْآتِي: أكحل الْعَينَيْنِ. قَوْله: (عَظِيم الأليتين) ،
بِفَتْح الْهمزَة: يُقَال: رجل أَلِي وَامْرَأَة عجزاء،
وَفِي حَدِيث ابْن عَبَّاس: سابغ الأليتين. قَوْله: (خَدلج
السَّاقَيْن) ، الخدلج، بِفَتْح الْخَاء الْمُعْجَمَة
وَفتح الدَّال الْمُهْملَة وَفتح اللَّام الْمُشَدّدَة
وبالجيم: الْعَظِيم، وسَاق خدلجة مَمْلُوءَة. قَوْله:
(أُحَيْمِر) ، تَصْغِير أَحْمَر، وَقَالَ ابْن التِّين:
الْأَحْمَر الشَّديد الشقرة. قَوْله: (وحرة) ، بِفَتْح
الْوَاو وَبِالْحَاءِ الْمُهْملَة وَالرَّاء: وَهِي دويبة
حَمْرَاء تلزق بِالْأَرْضِ كالعظاءة. قَوْله: (فَكَانَ
بعد) ، أَي: بعد أَن جَاءَ الْوَلَد (ينْسب إِلَى أمه) .
ذكر استنباط الْأَحْكَام: وَهُوَ على وُجُوه. الأول: فِيهِ
الاستعداد للوقائع قبل وُقُوعهَا ليعلم أَحْكَامهَا.
الثَّانِي: فِيهِ الرُّجُوع إِلَى من لَهُ الْأَمر.
الثَّالِث: فِيهِ أَدَاء الْأَحْكَام على الظَّاهِر،
وَالله يتَوَلَّى السرائر. الرَّابِع: فِيهِ كَرَاهَة
الْمسَائِل الَّتِي لَا يحْتَاج إِلَيْهَا لَا سِيمَا مَا
كَانَ فِيهِ هتك سيرة مُسلم أَو مسلمة أَو إِشَاعَة
فَاحِشَة على مُسلم أَو مسلمة. الْخَامِس: فِيهِ أَن
الْعَالم يقْصد فِي منزله للسؤال وَلَا ينْتَظر بِهِ عِنْد
تصادفه فِي الْمَسْجِد أَو الطَّرِيق. السَّادِس: اخْتلف
الْعلمَاء فِيمَن قتل رجلا وَزعم أَنه وجده قد زنا
بامرأته، فَقَالَ جمهورهم: لَا يقتل بل يلْزمه الْقصاص
إلاَّ أَن تقوم بذلك بَيِّنَة أَو تعترف بِهِ وَرَثَة
الْقَتِيل، وَالْبَيِّنَة أَرْبَعَة من عدُول الرِّجَال
يشْهدُونَ على نفس الزِّنَا وَيكون الْقَتِيل مُحصنا،
وَأما فِيمَا بَينه وَبَين الله تَعَالَى فَإِن كَانَ
صَادِقا فَلَا شَيْء عَلَيْهِ، وَقَالَ بعض
الشَّافِعِيَّة: يجب على كل من قتل زَانيا مُحصنا الْقصاص.
السَّابِع: فِيهِ مَشْرُوعِيَّة اللّعان وَهُوَ مقتبس من
قَوْله تَعَالَى: {وَالْخَامِسَة أَن لعنة الله عَلَيْهِ
إِن كَانَ من الْكَاذِبين} (النُّور: 7) . وَقَالَ
أَصْحَابنَا: اللّعان شَهَادَة مُؤَكدَة بالأيمان مقرونة
باللعن وَالْغَضَب، وَأَنه فِي جَانب الزَّوْج قَائِم
مقَام حد الْقَذْف، وَفِي جَانبهَا قَائِم مقَام حد
الزِّنَا، وَقَالَ الشَّافِعِي: اللّعان إِنَّمَا كَانَ
بِلَفْظ الشَّهَادَة مقرونة بِالْغَضَبِ أَو اللَّعْن،
فَكل من كَانَ من أهل الشَّهَادَة وَالْيَمِين كَانَ من
أهل اللّعان، وَمن لَا فَلَا، عندنَا وكل من كَانَ من أهل
الْيَمين فَهُوَ من أهل اللّعان عِنْده، سَوَاء كَانَ من
أهل الشَّهَادَة أَو لم يكن، وَمن لم يكن من أهل
الشَّهَادَة وَلَا من أهل الْيَمين لَا يكون من أهل
اللّعان بِالْإِجْمَاع. الثَّامِن: أَن اللّعان يكون
بِحَضْرَة الإِمَام أَو القَاضِي وبمجمع من النَّاس،
وَهُوَ أحد أَنْوَاع تَغْلِيظ اللّعان، وَقَالَ
النَّوَوِيّ: يغلظ اللّعان بِالزَّمَانِ وَالْمَكَان
وَالْمجْمَع، فَأَما الزَّمَان فَبعد الْعَصْر،
وَالْمَكَان فِي أشرف مَوضِع فِي ذَلِك الْبَلَد،
وَالْمجْمَع طَائِفَة من النَّاس وَأَقلهمْ أَرْبَعَة،
وَهل هَذِه التغليظات وَاجِبَة أم مُسْتَحبَّة؟ فِيهِ خلاف
عندنَا، الْأَصَح الِاسْتِحْبَاب.
(19/75)
التَّاسِع: فِيهِ أَن بِمُجَرَّد اللّعان
لَا تقع الْفرْقَة بل تقع بِحكم الْحَاكِم عِنْد أبي
حنيفَة. كَقَوْلِه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (فَطلقهَا)
وَلما فِي حَدِيث ابْن عمر أخرجه مُسلم، ثمَّ فرق
بَينهمَا، وَبِه قَالَ الثَّوْريّ وَأحمد، وَفِي مَذْهَب
مَالك: أَرْبَعَة أَقْوَال. أَحدهَا: أَن الْفرْقَة لَا
تقع إِلَّا بالتعانهما جَمِيعًا. وَالثَّانِي: وَهُوَ
ظَاهر قَول مَالك فِي (الْمُوَطَّأ) : أَنَّهَا تقع بِلعان
الزَّوْج وَهُوَ رِوَايَة إصبغ. وَالثَّالِث: قَول
سَحْنُون: يتم بِلعان الزَّوْج مَعَ نُكُول الْمَرْأَة.
وَالرَّابِع: قَول ابْن الْقَاسِم: يتم بالتعان الزَّوْج
إِن التعنت، فحاصل مَذْهَب مَالك أَنَّهَا تقع بَينهمَا
بِغَيْر حكم حَاكم وَلَا تطليق. وَبِه قَالَ اللَّيْث
وَالْأَوْزَاعِيّ وَأَبُو عبيد وَزفر بن هزيل، وَعند
الشَّافِعِي: تقع بالتعان الزَّوْج، وَاتفقَ أَبُو حنيفَة
وَالثَّوْري وَالْأَوْزَاعِيّ وَاللَّيْث وَالشَّافِعِيّ
وَمَالك وَأحمد وَإِسْحَاق وَأَبُو عبيد وَأَبُو ثَوْر:
أَن اللّعان حكمه وسنته الْفرْقَة بَين المتلاعنين، إِمَّا
بِاللّعانِ وَإِمَّا بتفريق الْحَاكِم، على مَا ذكرنَا من
مذاهبهم، وَهُوَ مَذْهَب أهل الْمَدِينَة وَمَكَّة وكوفة
وَالشَّام ومصر، وَقَالَ عُثْمَان البتي وَطَائِفَة من أهل
الْبَصْرَة: إِذا تلاعنا لم ينقص اللّعان شَيْئا من
الْعِصْمَة حَتَّى يُطلق الزَّوْج، قَالَ: وَأحب إِلَيّ
أَن يُطلق، وَقَالَ الإشبيلي: هَذَا قَول لم يتقدمه أحد
إِلَيْهِ. قلت: حكى ابْن جرير هَذَا القَوْل أَيْضا عَن
أبي الشعْثَاء جَابر بن زيد، ثمَّ اخْتلفُوا أَن الْفرْقَة
بَين المتلاعنين فسخ أَو تَطْلِيقَة؟ فَعِنْدَ أبي حنيفَة
وَإِبْرَاهِيم النَّخعِيّ وَسَعِيد بن الْمسيب: هِيَ
طَلْقَة وَاحِدَة، وَقَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ: هِيَ
فسخ. الْعَاشِر: فِيهِ أَنَّهُمَا لَا يَجْتَمِعَانِ أصلا
لقَوْله: (فَكَانَت سنة لمن كَانَ بعدهمَا) . الْحَادِي
عشر: فِيهِ الِاعْتِبَار بالشبه لِأَنَّهُ صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم، اعْتبر الشّبَه وَلَكِن لم يحكم بِهِ لأجل
مَا هُوَ أقوى من الشّبَه، فَلذَلِك قَالَ فِي ولد وليدة
زَمعَة لما رأى الشّبَه بِعَيْنِه احتجبي مِنْهُ يَا
سَوْدَة، وَقضى بِالْوَلَدِ للْفراش لِأَنَّهُ أقوى من
الشّبَه، وَحكم بالشبه فِي حكم الْقَافة إِذْ لم يكن
هُنَاكَ شَيْء أقوى من الشّبَه. الثَّانِي عشر: فِيهِ
إِثْبَات التَّوَارُث بَينهَا وَبَين وَلَدهَا، يفهم ذَلِك
من قَوْله: فَكَانَ بعد ينْسب إِلَى أمه. وَجَاء فِي
حَدِيث يَأْتِي أصرح مِنْهُ، وَهُوَ قَوْله: ثمَّ جرت
السّنة فِي الْمِيرَاث أَن يَرِثهَا وترث مِنْهُ مَا فرض
الله لَهَا، وَهَذَا إِجْمَاع فِيمَا بَينه وَبَين الْأُم،
وَكَذَا بَينه وَبَين أَصْحَاب الْفُرُوض من جِهَة أمه،
وَبِه قَالَ الزُّهْرِيّ وَمَالك وَأَبُو ثَوْر، وَقَالَ
أَحْمد: إِذا انْفَرَدت الْأُم أخذت جَمِيع مَاله
بالعصوبة، وَقَالَ أَبُو حنيفَة: إِذا انْفَرَدت أخذت
الْجَمِيع لَكِن الثُّلُث فرضا وَالْبَاقِي ردا على
قَاعِدَته فِي إِثْبَات الرَّد. الثَّالِث عشر: فِيهِ أَن
شَرط اللّعان أَن يكون بَين الزَّوْجَيْنِ لِأَن الله خصّه
بالأزواج بقوله: {وَالَّذين يرْمونَ أَزوَاجهم} (النُّور:
6) فعلى هَذَا إِذا تزوج امْرَأَة نِكَاحا فَاسِدا ثمَّ
قَذفهَا لم يلاعنها لعدم الزَّوْجِيَّة، وَقَالَ
الشَّافِعِي: يلاعنها إِذا كَانَ الْقَذْف يَنْفِي
الْوَلَد وَكَذَا لَو طلق امْرَأَته طَلَاقا بَائِنا أَو
ثَلَاثًا ثمَّ قَذفهَا بِالزِّنَا لَا يجب اللّعان، وَلَو
طَلقهَا طَلَاقا رَجْعِيًا ثمَّ قَذفهَا يجب اللّعان،
وَلَو قَذفهَا بزنا كَانَ قبل الزَّوْجِيَّة فَعَلَيهِ
اللّعان عندنَا لعُمُوم الْآيَة، خلافًا للشَّافِعِيّ،
وَلَو قذف امْرَأَته بعد مَوتهَا لم يُلَاعن عندنَا، وَعند
الشَّافِعِي يُلَاعن على قبرها. الرَّابِع عشر: فِيهِ
سُقُوط الْحَد عَن الرجل وَذَلِكَ لأجل أيمانه سقط الْحَد.
الْخَامِس عشر: فِيهِ أَن شَرط وجوب اللّعان عدم إِقَامَة
الْبَيِّنَة لقَوْله تَعَالَى: {ثمَّ لم يَأْتُوا
بأَرْبعَة شُهَدَاء} حَتَّى لَو أقامهم الزَّوْج عَلَيْهَا
بِالزِّنَا لَا يجب اللّعان ويقام عَلَيْهَا الْحَد.
السَّادِس عشر: فِيهِ إِشَارَة إِلَى أَن شَرط وجوب
اللّعان إِنْكَار الْمَرْأَة وجود الزِّنَا، حَتَّى لَو
أقرَّت بذلك لَا يجب اللّعان ويلزمها حد الزِّنَا الْجلد
إِن كَانَت غير مُحصنَة، وَالرَّجم إِذا كَانَت مُحصنَة،
وَالله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أعلم.
2 - (بابٌ: {والخامِسَةُ أنَّ لَعْنَةَ الله عَلَيْهِ إنْ
كانَ مِنَ الكاذِبِينَ} (النُّور: 7)
أَي: هَذَا بَاب فِي قَوْله عز وَجل: {وَالْخَامِسَة} ...
الْآيَة. قَوْله: (وَالْخَامِسَة) أَي: الشَّهَادَة
الْخَامِسَة، وَهِي بعد أَربع شَهَادَات كَمَا هِيَ
مَعْرُوفَة فِي موضعهَا، وقرىء: أَن لعنة الله و: أَن غضب
الله، على تَخْفيف: أَن، وَرفع مَا بعْدهَا. وقرىء: أَن
غضب الله، بِكَسْر الضَّاد وعَلى فعل الْغَضَب، وقرىء
بِنصب الخامستين على معنى: وَيشْهد الْخَامِسَة.
6474 - حدَّثني سُلَيْمانُ بنُ دَاوُدَ أبُو الرَّبِيعِ
حَدثنَا فُلَيْحٌ عنِ الزُّهْرِيِّ عنْ سَهْلِ بنِ سَعْدٍ
أنَّ رجُلاً أتَى رسُولَ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
فَقَالَ يَا رسولَ الله أرَأيْتَ رَجُلاً رَأْي مَعَ
امْرَأتِهِ رجُلاً أيَقْتُلُهُ فَتَقْتُلُونَهُ أمْ كَيْفَ
يَفْعَلُ فأنْزَلَ الله فِيهِما مَا ذُكِرَ فِي القُرْآنِ
مِنَ التّلاَعُنِ فَقَالَ لَهُ رسولُ الله
(19/76)
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَدْ قُضِيَ فِيكَ
وَفِي امْرَأتِكَ قَالَ فَتَلاعَنا وَأَنا شاهِدٌ عِنْدَ
رسولِ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَفارَقَها فَكانَتْ
سُنَّةً أنْ يُفَرَّقَ بَيْنَ المُتَلاَعِنَيْنِ وكانَتْ
حامِلاً فأنْكَرَ حَمْلَها وكانَ ابْنَها يُدْعَى إلَيْها
ثُمَّ جَرَتِ السُّنَّةُ فِي المِيرَاثِ أنْ يَرِثَها
وتَرِثَ مِنْهُ مَا فَرَضَ الله لَها..
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة تُؤْخَذ من قَوْله:
(فَأنْزل الله فِيهَا) . وفليح، بِضَم الْفَاء وَفتح
اللَّام: ابْن سُلَيْمَان أَبُو يحيى الْخُزَاعِيّ وَكَانَ
اسْمه عبد الْملك ولقبه فليح.
والْحَدِيث رُوِيَ عَن سهل بطريقين: أَحدهمَا: عَن
إِسْحَاق عَن مُحَمَّد بن يُوسُف، وَقد مر. وَالْآخر: عَن
سُلَيْمَان بن دَاوُد وَقد مر الْكَلَام فِيهِ فِي الْبَاب
الَّذِي قبله، ولنذكر مَا لم يذكر فِيهِ.
فَقَوله: (أَن رجلا) هُوَ: عُوَيْمِر الْعجْلَاني. قَوْله:
(قد قضي فِيك وَفِي امْرَأَتك) الْقَضَاء فيهمَا هُوَ
بِآيَة اللّعان الَّتِي نزلت. قَوْله: (فَتَلَاعَنا) ،
فِيهِ حذف كَمَا ذَكرْنَاهُ فِي الحَدِيث الْمَاضِي
تَقْدِيره: قذف امْرَأَته وَأنْكرت هِيَ الزِّنَا وأصر كل
وَاحِد مِنْهُمَا على قَوْله ثمَّ تلاعنا. قَوْله:
(ففارقها) ، وَفِي رِوَايَة: فَطلقهَا ثَلَاثًا، قبل أَن
يَأْمُرهُ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ففارقها
عِنْد النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَفِي رِوَايَة:
لَاعن ثمَّ لاعنت ثمَّ فرق بَينهمَا، وَفِي رِوَايَة
قَالَ: لَا سَبِيل لَك عَلَيْهَا. قَوْله: (فَكَانَت) ،
أَي: الْمُلَاعنَة (سنة التَّفْرِيق بَينهمَا) وَكلمَة:
أَن، مَصْدَرِيَّة وَقد تَأَوَّلَه ابْن نَافِع
الْمَالِكِي على أَن مَعْنَاهُ اسْتِحْبَاب ظُهُور
الطَّلَاق بعد اللّعان. وَقَالَ النَّوَوِيّ: قَالَ
الْجُمْهُور: مَعْنَاهُ حُصُول الْفرْقَة بِنَفس اللّعان،
قُلْنَا: معنى الْجَواب عَن هَذَا فِيمَا مضى أَنه لَا بُد
من حكم الْحَاكِم لقَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لعويمر
بعد اللّعان: فَطلقهَا. قَوْله: (وَكَانَت حَامِلا
فَأنْكر) أَي: الرجل أنكر (حملهَا) فِيهِ دَلِيل على
جَوَاز الْمُلَاعنَة بِالْحملِ، وَإِلَيْهِ ذهب ابْن أبي
ليلى وَمَالك وَأَبُو عُبَيْدَة وَأَبُو يُوسُف فِي
رِوَايَة، فَافْهَم. قَالُوا: من نفى حمل امْرَأَته لَا
عَن بَينهمَا القَاضِي، وَألْحق الْوَلَد بِأُمِّهِ.
وَقَالَ الثَّوْريّ وَأَبُو حنيفَة وَأَبُو يُوسُف فِي
الْمَشْهُور عَنهُ وَمُحَمّد وَأحمد فِي رِوَايَة، وَابْن
الْمَاجشون من أَصْحَاب مَالك وزفرين الْهُذيْل: لَا تلاعن
بِالْحملِ، وَسَوَاء عِنْد أبي حنيفَة وَزفر ولدت بعد
النَّفْي لتَمام سِتَّة أشهر أَو قبلهَا، وَعند أبي يُوسُف
وَمُحَمّد وَأحمد: إِن ولدت لأَقل من سِتَّة أشهر مُنْذُ
نَفَاهُ وَجب عَلَيْهِ اللّعان لِأَنَّهُ حينئذٍ يتَيَقَّن
بِوُجُودِهِ عِنْد النَّفْي ولأكثر مِنْهَا احْتمل أَن
يكون حمل حَادث، وَبِه قَالَ مَالك، إلاَّ أَنه يشْتَرط
عدم وَطئهَا بعد النَّفْي، وَأَجَابُوا عَن الحَدِيث: أَن
اللّعان فِيهِ كَانَ بِالْقَذْفِ لَا بِالْحملِ
وَلِأَنَّهُ يجوز أَن يكون حملا لِأَن مَا يظْهر من
الْمَرْأَة مِمَّا يتَوَهَّم بِهِ أَنَّهَا حَامِل لَيْسَ
يعلم أَنه حمل على حَقِيقَته إِنَّمَا هُوَ توهم، فنفي
المتوهم لَا يُوجب اللّعان. قَوْله: (ثمَّ جرت السّنة)
إِلَى آخِره، قد مر حَاصله فِي الْبَاب الَّذِي قبله، وَقد
أجمع الْعلمَاء على جَرَيَان التورات بَينه وَبَين
أَصْحَاب الْفُرُوض من جِهَة أمه وهم: إخْوَته وأخواته من
أمه وجداته من أمه، ثمَّ إِذا دفع إِلَى أمه فَرضهَا أَو
إِلَى أَصْحَاب الْفُرُوض وَيبقى شَيْء فَهُوَ لموَالِي
أمه إِن كَانَ عَلَيْهَا وَلَاء، وَإِن لم يكن يكون لبيت
المَال عِنْد من لَا يرى بِالرَّدِّ وَلَا بتوريث ذَوي
الْأَرْحَام، وَالله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أعلم.
3 - (بابٌ قَوْلُهُ: {ويَدْرَأُ عَنْها العَذَابَ أنْ
تَشْهَدَ أرْبَعَ شَهادَاتٍ بِاللَّه إنّهُ لَمِنَ
الكاذِبِينَ} (النُّور: 8)
أَي: هَذَا بَاب فِي قَوْله عز وَجل: {ويدرأ عَنْهَا
الْعَذَاب} أَي: وَيدْفَع عَن الزَّوْجَة الْحَد بِأَن
تشهد أَربع شَهَادَات بِاللَّه وَإنَّهُ أَي: أَن
الزَّوْج.
7474 - حدَّثني مُحَمَّدُ بنُ بَشَّارٍ حدَّثنا ابنُ أبي
عَدِيّ عنْ هِشام بنِ حَسَّانَ حدّثنا عِكْرَمَةُ عنِ ابنِ
عَبَّاسٍ أنَّ هلاَلَ بنَ أُمَيَّةَ قَذَفَ امْرَأتَهُ
عِنْدَ النَّبِيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِشَرِيكِ بنِ
سَحْماءَ فَقَالَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
البَيِّنَةَ أوْ حَدٌّ فِي ظَهْرِكَ فَقَالَ يَا رسولَ
الله إِذا رَأى أحَدُنا عَلَى امْرأتِهِ رَجُلاً
يَنْطَلِقُ يَلْتَمِسُ البَيِّنَةَ فَجَعَلَ النَّبِيُّ
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُولُ البَيِّنَةَ وإلاَّ حَدٌّ
فِي ظَهْرِكَ فَقَالَ هِلاَلٌ والَّذِي بَعَثَكَ بالحَقِّ
إنِّي لَصَادِقٌ فليُنْزِلَنَّ الله
(19/77)
مَا يُبرِّي ظَهْرِي مِنَ الحَدِّ فَنَزَلَ
جِبْرِيلُ وأنْزَلَ عَلَيْهِ والَّذِينَ يَرْمُونَ
أزْواجَهُمْ فَقَرَأ حَتَّى بَلَغَ إنْ كانَ مِنَ
الصَّادِقِينَ فانْصَرَفَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
فأرْسَلَ إلَيْها فَجاءَ هِلاَلٌ فَشَهِدَ والنبيُّ صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم يَقولُ إنَّ الله يَعْلَمُ أنَّ
أحَدَكُما كاذِبٌ فَهَلْ مِنْكُما تائِبٌ ثُمَّ قامَتْ
فَشَهِدَتْ فَلَمّا كانَتْ عِنْدَ الخَامِسَةِ وقّفُوها
وقالُوا إنّها مُوجِبَةٌ. قَالَ ابنُ عَبّاسٍ فَتَلَكّأتْ
ونَكَصَتْ حَتّى ظَنَنّا أنّها تَرْجِعُ ثُمَّ قالَتْ لَا
أفْضَحُ قَوْمِي سائرَ اليَوْمِ فَمَضَتْ فَقَالَ النبيُّ
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أبْصِرُوها فإِنْ جاءَتْ بِهِ
أكْحَلَ العَيْنَيْنِ سابِغَ الألْيَتَيْنِ خَدَلَّجَ
السَّاقَيْنِ فَهْوَ لِشَرِيكِ بنِ سَحْماءَ فَجَاءَتْ
بِهِ كَذالِكَ فَقَالَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
لَوْلاَ مَا مَضَى مِنْ كِتابِ الله لَكانَ لِي ولَها
شَأْنٌ.
(انْظُر الحَدِيث 1762 وطرفه) .
مطابقته للتَّرْجَمَة تُؤْخَذ من الْآيَة وَهِي:
{وَالَّذين يرْمونَ} (النُّور: 6) وَابْن عدي مُحَمَّد،
وَاسم أبي عدي إِبْرَاهِيم الْبَصْرِيّ. والْحَدِيث
بِعَيْنِه إِسْنَادًا ومتناً قد مر فِي كتاب الشَّهَادَة
فِي: بَاب إِذا ادّعى أَو قذف فَلهُ أَن يلْتَمس
الْبَيِّنَة، وَلَكِن إِلَى قَوْله: أوحد فِي ظهرك، فَذكر
حَدِيث اللّعان، ولنذكر هُنَا تَفْسِير بعض شَيْء لبعد
الْمسَافَة، ولنذكر أَيْضا بعض مَعَاني مَا زَاد على مَا
هُنَالك.
فَقَوله: (أَن هِلَال بن أُميَّة) ، بِضَم الْهمزَة وَفتح
الْمِيم وَتَشْديد الْيَاء آخر الْحُرُوف: الوَاقِفِي،
بِكَسْر الْقَاف وبالفاء: الْأنْصَارِيّ، وَهُوَ أحد
الثَّلَاثَة الَّذين تخلفوا عَن رَسُول الله صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم فِي غَزْوَة تَبُوك وتيب عَلَيْهِم.
قَوْله: (بِشريك ابْن سَحْمَاء) ، وَهُوَ إسم أمه، وَأما
أَبوهُ فَهُوَ عَبدة ضد الْحرَّة الْعجْلَاني وَهُوَ ابْن
عَاصِم بن عدي، وَامْرَأَته وَامْرَأَة هِلَال خَوْلَة بنت
عَاصِم. قَوْله: (الْبَيِّنَة) ، بِالنّصب وَالرَّفْع، أما
النصب فعلى تَقْدِير: أحضر الْبَيِّنَة، وَأما الرّفْع
فعلى تَقْدِير: إِمَّا الْبَيِّنَة وَإِمَّا حد، وَقيل:
التَّقْدِير. وَإِن لم يحضر الْبَيِّنَة فجزاؤك حد فِي
ظهرك، وَمثل هَذَا الْحَذف لم يذكرهُ النُّحَاة إلاَّ فِي
ضَرُورَة الشّعْر، وَيرد عَلَيْهِم مَا رُوِيَ فِي هَذَا
الحَدِيث الصَّحِيح. قَوْله: (مَا يبرىء) ، بِضَم الْيَاء
آخر الْحُرُوف وَفتح الْبَاء الْمُوَحدَة وَتَشْديد
الرَّاء الْمَكْسُورَة وَهِي فِي مَحل النصب على
المفعولية. قَوْله: (فَشهد) ، أَي: بالشهادات اللعانية.
أَي: لَاعن الزَّوْج. قَوْله: (وَشهِدت) ، أَي: الْمَرْأَة
أَربع شَهَادَات. قَوْله: (عِنْد الْخَامِسَة) ، أَي:
الْمرة الْخَامِسَة. قَوْله: (إِنَّهَا مُوجبَة) أَي:
للعذاب الْأَلِيم إِن كَانَت كَاذِبَة. قَوْله: (فتلكأت) ،
على وزن: تفعلت، يُقَال: تلكأ الرجل عَن الْأَمر أَي تبطأ
عَنهُ وَتوقف، ومادته: لَام وكاف وهمزة. قَوْله:
(وَنَكَصت) ، من النكوص وَهُوَ الإحجام عَن الشَّيْء.
قَوْله: (فمضت) ، أَي: فِي تَمام اللّعان. قَوْله: (أكحل
الْعَينَيْنِ) هُوَ أَن يَعْلُو جفون الْعين سَواد مثل
الْكحل من غير اكتحال. قَوْله: (سابغ الأليتين) السابغ
التَّام الضخم. قَوْله: (خَدلج السَّاقَيْن) أَي: عظيمهما،
وَقد مر الْكَلَام فِيهِ عَن قريب. قَوْله: (شَأْن) ،
يُرِيد بِهِ الرَّجْم أَي: لَوْلَا أَن الشَّرْع أسقط
الرَّجْم عَنْهَا لحكمت بِمُقْتَضى المشابهة ولرجمتها،
وَبَقِيَّة الْكَلَام من الْأَحْكَام وَالسُّؤَال
وَالْجَوَاب قد مَضَت عَن قريب، وَالله أعلم.
4 - (بابُ قَوْلِهِ: {والخامسَةُ أنَّ غَضَبَ الله
عَلَيْها إنْ كانَ منَ الصَّادِقِينَ} (النُّور: 9)
أَي: هَذَا بَاب فِي قَوْله تَعَالَى: {وَالْخَامِسَة}
أَي: الشَّهَادَة الْخَامِسَة، وَالْكَلَام فِيهِ قد مر
فِي قَوْله: {وَالْخَامِسَة أَن لعنة الله} (النُّور: 7) .
8474 - حدَّثنا مُقَدَّمُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ يَحْيَى
حَدثنَا عَمِّي القاسِمُ بنُ يَحْيَى عَنْ عُبَيْدِ الله
وقَدْ سَمِعَ مِنْهُ عنْ نافِعٍ عنِ ابنِ عُمَرَ رَضِي
الله عَنْهُمَا أنَّ رجُلاً رَمَى امْرَأتَهُ فانْتَفَى
مِنْ وَلَدِها فِي زَمانِ رسولِ الله صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم فأمَرَ بِهِما رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
فَتَلاَعَنَا كَما قَالَ الله ثمَّ قَضي بالوَلَدِ
لِلْمَرْأةِ وفَرَّقَ بَيْنَ المُتلاَعِنَيْنِ..
مطابقته للتَّرْجَمَة تُؤْخَذ من قَوْله: (فَتَلَاعَنا) ،
كَمَا قَالَ الله ومقدم، بِضَم الْمِيم وَفتح الْقَاف
وَتَشْديد الدَّال الْمَفْتُوحَة وبالميم: ابْن مُحَمَّد
بن يحيى الْهِلَالِي الوَاسِطِيّ، وَلَيْسَ لَهُ فِي
البُخَارِيّ إلاَّ هَذَا وَآخر فِي التَّوْحِيد، يروي عَن
عَمه الْقَاسِم بن يحيى وَهُوَ ثِقَة وَلَيْسَ
(19/78)
لَهُ عِنْد البُخَارِيّ سوى الْحَدِيثين
الْمَذْكُورين، وَعبيد الله هُوَ ابْن عمر بن حَفْص بن
عَاصِم بن عمر بن الْخطاب رَضِي الله عَنهُ. والْحَدِيث من
افراده.
قَوْله: (وَقد سمع مِنْهُ) من كَلَام البُخَارِيّ. قَوْله:
(أَن رجلا) ، هُوَ الْعجْلَاني، وَفِيه من زِيَادَة
الْأَحْكَام: نفي الْوَلَد، وَقد مر الْكَلَام فِيهِ عَن
قريب. قَوْله: (وَفرق بَين المتلاعنين) احْتج بِهِ أَبُو
حنيفَة أَن بِمُجَرَّد اللّعان لَا يحصل التَّفْرِيق وَلَا
بُد من حكم حَاكم وَهُوَ حجَّة على من يَقُول: تحصل
الْفرْقَة بِمُجَرَّد اللّعان.
5
- (بابٌ قَوْلُهُ: {إنَّ الَّذِينَ جاؤُوا بالإفْكِ
عُصْبَةٌ مِنْكُمْ لَا تَحْسِبُوهُ شَرًّا لَكُمْ بَلْ
هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ لِكُلِّ امْرِىءٍ مِنْهُمْ مَا
اكْتَسَبَ مِنَ الإثْمِ والَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ
مِنْهُمْ لَهُ عَذَابٌ عَظِيمٌ} (النُّور: 11) 2.
أَي: هَذَا بَاب فِي قَوْله: عز وَجل: (إِن الَّذين جاؤوا)
الْآيَة، وَاقْتصر أَبُو ذَر فِي هَذَا على قَوْله: (بَاب
إِن الَّذين جاؤوا بالإفك عصبَة مِنْكُم) ، وَغَيره سَاق
الْآيَة كلهَا، أجمع الْمُفَسِّرُونَ على أَن هَذِه
الْآيَة، وَمَا يتَعَلَّق بهَا بعْدهَا نزلت فِي قصَّة
عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا، قَوْله: (بالإفك) أَي:
بِالْكَذِبِ، وَيُقَال: الْإِفْك أَسْوَأ الْكَذِب وأقبحه
مَأْخُوذ من أفك الشَّيْء إِذا قلبه عَن وَجهه، فالإفك
هُوَ الحَدِيث المقلوب عَن وَجهه، وَمعنى الْقلب هُنَا أَن
عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا، كَانَت تسْتَحقّ الثَّنَاء
بِمَا كَانَت عَلَيْهِ من الحصانة وَشرف النّسَب لَا
الْقَذْف، فَالَّذِينَ رموا بالسوء قلبوا الْأَمر عَن
وَجهه فَهُوَ إفْك قَبِيح وَكذب ظَاهر. قَوْله: (عصبَة) ،
أَي: جمَاعَة، قَالَ الْفراء: الْجَمَاعَة من الْوَاحِد
إِلَى الْأَرْبَعين، وَيُقَال: من الْعشْرَة إِلَى
الْأَرْبَعين. قَوْله: (مِنْكُم) ، خطاب للْمُسلمين وهم
عبد الله بن أبي رَأس الْمُنَافِقين وَزيد بن رِفَاعَة
وَحسان بن ثَابت ومسطح بن أَثَاثَة وَحمْنَة بنت جحش وَمن
ساعدهم. قَوْله: (لَا تحسبوه شرا لكم) ، أَي: لَا تحسبوا
الْإِفْك أَو الْقَذْف أَو الْمَجِيء بالإفك أَو مَا نالكم
من الْغم، وَالْخطاب للْمُؤْمِنين الَّذين ساءهم ذَلِك
وخاصة رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَأَبُو بكر
وَعَائِشَة وَصَفوَان بن الْمُعَطل {شرا لكم بل هُوَ خير
لكم} لِأَن الله يَأْجُركُمْ على ذَلِك الْأجر الْعَظِيم
وَتظهر براءتكم وَينزل فِيكُم ثَمَانِيَة عشر آيَة كل
وَاحِدَة مِنْهَا مُسْتَقلَّة بِمَا هُوَ تَعْظِيم لرَسُول
الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وتسلية لَهُ وتبرئة لأم
الْمُؤمنِينَ وتطهير لأهل الْبَيْت وتهويل لمن تكلم فِي
ذَلِك. قَوْله: (لكل امرىء مِنْهُم) ، أَي: من الَّذين
جاؤوا بالإفك (مَا اكْتسب من الْإِثْم) جَزَاء مَا اجترح
من الذَّنب وَالْمَعْصِيَة. قَوْله: (الَّذِي تولى كبره)
أَي: عظمه وَبَدَأَ بِهِ وَهُوَ عبد الله بن أبي، وَقيل:
حسان بن ثَابت، وَقَالَ الثَّعْلَبِيّ: حسان ومسطح
وَحمْنَة هم الَّذين توَلّوا كبره ثمَّ فضى ذَلِك فِي
النَّاس.
أفَّاكٌ كَذَّابٌ
أفاك على وزن فعال للْمُبَالَغَة، وَفَسرهُ بقوله:
(كَذَّاب) ، وَكَذَا فسره أَبُو عُبَيْدَة.
9474 - حدَّثنا أبُو نُعَيْمٍ حَدثنَا سُفْيانُ عَنْ
مَعْمَرٍ عنِ الزُّهْرِيِّ عنْ عُرْوَةَ عَنْ عائِشَةَ
رَضِي الله عَنْهَا، {والَّذِي تَوَلَّى كِبْرَة} قالَتْ
عَبْدُ الله بنُ أبَيّ ابنُ سَلُولَ..
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. وَأَبُو نعيم الْفضل بن
دُكَيْن، وسُفْيَان هُوَ الثَّوْريّ، وَقد صرح بِهِ ابْن
مرْدَوَيْه من وَجه آخر عَن أبي نعيم شيخ البُخَارِيّ
وَفِيه معمر، بِفَتْح الميمين: هُوَ ابْن رَاشد وَهُوَ من
أَفْرَاده. قَوْله: (كبره) بِضَم الْكَاف وَكسرهَا أَي:
كبر الْإِفْك، وَقد مر تَفْسِيره. قَوْله: (ابْن سلول) ،
بِرَفْع الابْن لِأَنَّهُ صفة لعبد الله لَا: لأبي، وسلول
غير منصرف لِأَنَّهُ إسم أم عبد الله للتأنيث والعلمية،
وَالله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أعلم.
6 - (بابٌ: {لَوْلا إذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ المؤْمِنُونَ
والمُؤْمِناتُ بأنْفُسِهِمْ خَيْراً} إِلَى قَوْله:
{الكاذِبونَ} (النُّور: 11 21) . {ولوْلاَ إذْ
سَمِعْتُمُوهُ قُلْتُمْ مَا يَكُونُ لَنا أنْ نَتَكَلَّمَ
بِهَذَا سُبْحانَكَ هاذَا بُهْتانٌ عَظِيمٌ} (النُّور: 61)
{لوْلاَ جاؤُوا عَلَيْهِ بأرْبَعَةِ شُهَداءَ فإذْ لَمْ
يأْتُوا بالشُّهَدَاءِ فأُولِّئِكَ عِنْدَ الله هُمُ
الكاذِبُونَ} (النُّور: 31)
أَي: هَذَا بَاب فِي قَوْله عز وَجل: {لَوْلَا إِذْ
سمعتموه} إِلَى آخر مَا ذكره، وَوَقع عِنْد أبي ذَر
الْآيَة الأولى هَكَذَا: {لَوْلَا إِذْ سمعتموه ظن
الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَات بِأَنْفسِهِم خيرا} إِلَى
قَوْله: {الْكَاذِبُونَ} وَعند غير موقع الْآيَتَانِ
المذكورتان غير متواليتين
(19/79)
الأولى. قَوْله: {وَلَوْلَا إِذْ سمعتموه
قُلْتُمْ} (النُّور: 61) الْآيَة. وَالثَّانيَِة قَوْله:
{لَوْلَا جاؤوا عَلَيْهِ} (النُّور: 31) إِلَى آخر
الْآيَة، وَوَقع عِنْد النَّسَفِيّ الْآيَة الْأَخِيرَة
فَقَط، وَتَمام الْآيَة الأولى: {بِأَنْفسِهِم خيرا
وَقَالُوا هَذَا أفك مُبين لَوْلَا جاؤوا عَلَيْهِ} إِلَى
قَوْله: {الْكَاذِبُونَ} (النُّور: 21 31) . قَوْله:
(لَوْلَا إِذْ سمعتموه) أَي: هلا، للتحريض أَي: حِين
سَمِعْتُمْ الْإِفْك. قَوْله: (ظن الْمُؤْمِنُونَ) فِيهِ
الْتِفَات من الْخطاب إِلَى الْغَيْبَة لِأَن الأَصْل:
لَوْلَا إِذْ سَمِعْتُمْ ظننتم وقلتم، وَذَلِكَ للتوبيخ،
وَقيل: تَقْدِير الْآيَة: هلا ظننتم كَمَا ظن
الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَات؟ قَوْله: (بِأَنْفسِهِم)
وَقيل: بأهلهم وأزواجهم وَقيل: هلا ظنُّوا بهَا مَا يظنّ
بِالرجلِ لَو خلا بِأُمِّهِ وَالْمَرْأَة لَو خلت بابنها،
لِأَنَّهُ أَزوَاج النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
أُمَّهَات الْمُؤمنِينَ. قَوْله: (وَقَالُوا) أَي: هلا
قُلْتُمْ هَذَا إفْك مُبين أَي: كذب ظَاهر. قَوْله:
(وَلَوْلَا إِذْ سمعتوه قُلْتُمْ) أَي: هلا إِذْ سمعتموه
قُلْتُمْ: مَا يكون لنا أَن نتكلم بِهَذَا أَي لَا يحل لنا
أَن نَخُوض فِي هَذَا الحَدِيث وَمَا يَنْبَغِي لنا أَن
نتكلم بِهَذَا سُبْحَانَكَ، للتعجب من عظم الْأَمر.
قَوْله: (بهتان) هُوَ كذب يواجه بِهِ الْمُؤمن فيتحير
مِنْهُ قَوْله: (لَوْلَا جاؤوا عَلَيْهِ) أَي: هلا جاؤوا،
وَلَو كَانُوا صَادِقين (بأَرْبعَة شُهَدَاء) فَإذْ لم
يَأْتُوا بِالشُّهَدَاءِ (فَأُولَئِك عِنْد الله) أَي فِي
حِكْمَة (هم الْكَاذِبُونَ) فِيمَا قَالُوهُ.
0574 - حدَّثنا يَحْيَى بنُ بُكَيْرٍ حَدثنَا اللَّيْثُ
عنْ يُونُسَ عنِ ابنِ شِهابٍ قَالَ أخبرَني عُرْوَةُ بنُ
الزُّبَيْرِ وسَعِيدُ بنُ المُسَيَّبِ وعَلْقَمَةُ بنُ
وقّاصٍ وعُبَيْدُ الله بنُ عَبْدِ الله بنِ عُتْبَةَ بنِ
مَسْعُودٍ عَن حدِيثِ عائِشَةَ رَضِي الله عَنْهَا زَوْجِ
النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حِينَ قَالَ لَها أهْلُ
الإفكِ مَا قالُوا فَبَرَّأها الله مِمَّا قالُوا وكلٌّ
حدّثني طائِفَةً مِنَ الحَدِيثِ وبَعْضُ حَدِيثِهِمْ
يُصَدِّقُ بَعْضاً وإنْ كانَ بَعْضُهُمْ أوْعَى لَهُ مِنْ
بَعْضِ الَّذِي حدّثني عُرْوَةُ عَنْ عائِشَةَ رَضِي الله
عَنْهَا أنَّ عائِشَةَ رَضِي الله عَنْهَا زَوْجَ النبيِّ
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قالتْ كانَ رسُولُ الله صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم إذَا أرَادَ أنْ يَخْرُجَ أقْرَعَ بَيْنَ
أزْوَاجِهِ فأيَّتُهُنَّ خَرَجَ سَهْمُها خَرَجَ بهَا
رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَعَهُ قالَتْ
عائِشَةُ فأقْرَعَ بَيْنَنَا فِي غَزْوَةٍ غَزاها فَخَرَجَ
سَهْمي فَخَرَجْتُ مَعَ رسولِ الله صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم بَعْدَ مَا نَزَلَ الحِجابُ فَأَنا أحْمَلُ فِي
هَوْدَجِي وأُنْزَلُ فِيهِ فَسِرْنا حَتَّى إِذا فَرَغَ
رَسُولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مِنْ غَزْوَتِهِ
تِلْكَ وقَفَلَ ودَنَوْنا مِنَ المَدِينَةِ قافِلِينَ آذنَ
لَيْلَةً بالرَّحِيلِ فقُمْتُ حِينَ آذَنُوا بالرَّحِيلِ
فَمَشَيْت حَتَّى جاوَزْتُ الجَيْشَ فَلَمّا قَضَيْتُ
شأْنِي أقْبَلْتُ إِلَى رَحْلِي فإِذَا عِقْدٌ لِي مِنْ
جَزْعِ ظَفارِ قَدِ انْقَطَعَ فالْتَمَسْتُ عِقْدِي
وحَبَسَنِي ابْتِغاؤُهُ وأقْبَلَ الرَّهْطُ الَّذِينَ
كانُوا يَرْحَلُونَ لي فاحْتَمَلُوا هَوْدَجِي فَرَحَلُوهُ
عَلَى بَعِيرِي الَّذِي كُنْتُ رَكِبْتُ وهُمْ يَحْسِبُونَ
أنِّي فِيهِ وكانَ النِّساءُ إِذْ ذَاك خِفافاً لَمْ
يُثْقِلْهُنَّ اللَّحْمُ إنَّما تأكُلُ العُلْقَةَ مِنَ
الطَّعامِ فلَمْ يَسْتَنْكِرِ القَوْمُ خِفَّةَ الهَوْدَجِ
حِينَ رَفَعُوهُ وكُنْتُ جارِيَةً حَدِيثَةَ السِّنِّ
فَبَعَثُوا الجَمَلَ وسارُوا فوجَدْتُ عِقْدِي بَعْدَ مَا
اسْتَمَرَّ الجَيْشُ فجِئْتُ مَنازِلَهُمْ وَلَيْسَ بِهَا
دَاعٍ وَلَا مُجِيبٌ فأمَمْتُ مَنْزِلِي الَّذِي كُنْتُ
بِهِ وَظَنَنْتُ أنَّهُمْ سَيَفْقِدُونِي فَيَرْجِعُونَ
إليَّ فَبَيْنا أَنا جالِسَةٌ فِي مَنْزِلِي غَلَبَتْنِي
عَيْنِي فَنِمْتُ وكانَ صَفْوَانُ بنُ المُعَطَّلِ
السلَمِيُّ ثُمَّ الذكْوَانيُّ مِنْ ورَاءِ الجَيْشِ
فأدْلَجَ فأصْبَحَ عِنْدَ مَنْزِلِي فَرَأى سَوَادَ
إنْسانٍ نائِمٍ فَأَتَانِي فَعَرَفَنِي حِينَ رَآنِي وكانَ
يَرَانِي قَبْلَ الحِجابِ فاسْتَيْقَظْتُ باسْتِرْجاعِهِ
حِينَ عَرَفَنِي فَخَمَّرْتُ وَجْهِي بِجِلْبابي وَالله
مَا كَلَّمَنِي كَلِمَةً وَلَا سَمِعْتُ مِنْهُ كَلِمَةً
غَيْرَ اسْتِرْجَاعِهِ حَتَّى أناخَ رَاحِلَتَهُ فَوَطىءَ
عَلَى يَدَيْها
(19/80)
فَرَكِبْتُها فانْطَلَقَ يَقُودُ بِي
الرَّاحِلَةَ حَتَّى أتَيْنا الجَيْشَ بَعْدَ مَا نَزَلُوا
مُوغِرِينَ فِي نَحْرِ الظَّهِيرَةِ فَهَلَكَ مِنْ هَلَكَ
وكانَ الَّذِي تَوَلَّى الإفْكَ عَبْدَ الله بنَ أُبَيّ
ابنَ سَلُولَ فَقَدِمْنا المَدِينَةَ فَاشْتَكَيْتُ حِينَ
قَدِمْتُ شَهْراً والنّاسُ يُفِيضُونَ فِي قَوْلِ أصْحابِ
الإفْكِ لَا أشْعُرُ بِشَيْءٍ مِنْ ذالِكَ وَهْوَ
يَرِيبُنِي فِي وَجَعي أنِّي لَا أعْرِفُ مِنْ رَسُولِ
الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم اللَّطَفَ الَّذِي كُنْتُ
أرَي مِنْهُ حِينَ أشْتَكِي إِنَّمَا يَدْخُلُ عَليَّ
رَسُولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَيْسَلِّمُ ثُمَّ
يَقُولُ كَيْفَ تِيكُمْ ثُمَّ يَنْصَرِفُ فَذَاكَ الَّذِي
يَرِيبُني وَلَا أشْعُرُ بالشَّرِّ حَتَّى خَرَجْتُ بَعْدَ
مَا نَقَهْتُ فَخَرَجَتْ معي أُمُّ مِسْطَحٍ قِبَلَ
المَناصعِ وهُوَ مُتَبَرَّزُنا وكُنّا لَا نَخْرُجُ إِلَّا
لَيْلاً إِلَى لَيْلاً إِلَى لَيْلٍ وذلِكَ قَبْلَ أنْ
نَتَّخِذَ الكُنُفَ قَرِيباً مِنْ بُيُوتِنا وأمْرُنا
أمْرُ العَرَبِ الأول فِي التَّبَرُّزِ قِبَلَ الغَائِطِ
فكُنَّا نَتأذَّى بالكُنُفِ أَن نَتَّخِذَها عِنْدَ
بُيُوتِنا فانْطَلَقْتُ أَنا وأُمُّ مِسْطَحٍ وهْيَ بِنْتُ
أبي رُهْمِ بنِ عَبْدِ مَنافٍ وأُمُّها بِنْتُ صَخْرِ بنِ
عامِرٍ خالَةُ أبي بَكْرٍ الصِّدِّيق وابْنُها مسْطَحُ بنُ
أثاثةَ فأقْبَلْتُ أَنا وأُمُّ مِسْطَحٍ قِبَلَ بَيْتِي
قَدْ فَرَغْنا مِنْ شأنِنا فَعَثَرَتْ أُمُّ مسْطحٍ فِي
مِرْطِها فقالَتْ تَعِسَ مِسْطَحٌ فَقُلْتُ لَها بِئْسَ
مَا قُلْتِ أتَسُبِّينَ رَجُلاً شَهِدَ بَدْراً قالَتْ أيْ
هَنْتاهْ أوَ لَمْ تَسْمَعِي مَا قَالَ قالَتْ قُلْتُ
وَمَا قَالَ قالَتْ فأخْبَرَتْنِي بِقَوْلِ أهْلِ الإفْكِ
فازْدَدْتُ مَرَضاً عَلَى مَرَضِي فَلَمّا رَجعْتُ إِلَى
بَيْتِي ودَخَلَ عَليَّ رَسُولُ الله صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم تَعْنِي سَلَّمَ ثُمَّ قَالَ كَيْفَ تِيكُمْ
فَقُلْتُ أتأذَنُ لي أنْ آتِيَ أبَوَيَّ قَالَتْ وَأَنا
حِينَئِذٍ أُرِيدُ أنْ أسْتَيْقِنَ الخَبَرَ مِنْ
قِبَلهِما قالَتْ فأذِنَ لي رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم فجِئْتُ أبَوَيَّ فَقُلْتُ لأُمِّي يَا أُمَّتاهُ
مَا يَتَحَدَّثُ النَّاسُ قالَتْ يَا بُنَيّةُ هَوِّني
عَلَيْكِ فوَالله لقَلَّما كانَتِ امْرَأةٌ قَطُّ وضِيئَةً
عِنْدَ رَجُلٍ يُحِبُّها وَلَها ضَرَائِرُ إلاَّ كَثَّرْنَ
عَلَيْها قالَتْ فَقُلْتُ سُبْحانَ الله وَلَقَدْ
تَحَدَّثَ النّاسُ بِهاذا قالَتْ فَبَكَيْتُ تِلْكَ
اللّيْلَةَ حَتَّى أصْبَحْتُ لَا يَرْقأُ لِي دَمْعٌ وَلاَ
أكْتَحِلُ بِنَوْمٍ حَتَّى أصْبَحْتُ أبْكِي فَدَعا
رَسُولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَلَيَّ بنَ أبي
طالِبٍ وأُسامَةَ بنَ زَيْدٍ رضيَ الله عَنْهُمَا حِينَ
اسْتلْبَثَ الوَحْيُ يَسْتَأْمِرُهُما فِي فِرَاق أهلِهِ
قالَتْ فأمَّا أُسامَةُ بنُ زَيْدٍ فأشارَ عَلى رسولِ الله
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بالَّذِي يَعْلَمُ مِنْ بَرَاءَةِ
أهْلِهِ وبالَّذِي يَعْلَمُ لَهُمْ فِي نَفْسِهِ مِنَ
الوُدِّ فَقَالَ يَا رسولَ الله أهْلُكَ وَمَا نَعْلَمُ
إلاّ خَيْراً وأمَّا عَليُّ بنُ أبي طالِبٍ فَقَالَ يَا
رسولَ الله لَمْ يضَيِّقِ الله عَلَيْكَ والنِّساء سِوَاها
كَثِيرٌ وإنْ تَسْألِ الجارِيَةَ تَصْدُقْكَ قالَتْ فَدَعا
رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بَرِيرَةَ فَقَالَ أيْ
برِيرَةُ هَلْ رأيْتِ مِنْ شَيْءٍ يَرِيبُكِ قالَتْ
بَرِيرَةُ لَا والّذِي بَعَثَكَ بالحَقِّ إنْ رَأيْتُ
عَلَيْها أمْراً أغْمصُهُ عَلَيْها أكْثَرَ مِنْ أنّها
جارِيةٌ حَدِيثَةُ السِّنِّ تَنامُ عنْ عجِينِ أهْلِها
فَتأتِي الدَّاجنُ فَتأكُلُهُ فقامَ رسُولُ الله صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم فاسْتَعْذَرَ يَوْمَئِذٍ مِنْ عَبْدِ الله
بنِ أبَيّ ابنِ سَلولَ قالَتْ فَقَالَ رسولُ الله صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم وهْوَ عَلَى المِنْبَرِ يَا مَعْشَرَ
المُسْلِمِينَ مِنْ يَعْذِرُنِي مِنْ رَجُلٍ قَدْ
بَلَغَنِي أذَاهُ فِي أهْلِ بَيْتِي
(19/81)
فوَاللَّه مَا عَلِمْتُ عَلَى أهْلِي إلاّ
خَيْراً وَلَقَدْ ذَكَرُوا رجلا مَا عَلِمْتُ عَلَيْهِ
إلاّ خَيْراً وَمَا كانَ يَدْخُلُ عَلَى أهْلِي إلاّ مَعِي
فَقامَ سَعْدُ بنُ مُعاذٍ الأنصارِيُّ فَقَالَ يَا رسولُ
الله أَنا أعْذِرُكَ مِنْهُ إنْ كانَ مِنَ الأوْسِ
ضَرَبْتُ عُنُقَهُ وإنْ كانَ مِنْ إخْوَانِنا مِنَ
الخَزْرَجِ أمَرْتَنا فَفَعَلْنا أمْرَكَ قالَتْ فقامَ
سَعْدُ بنُ عُبادَةَ وَهْوَ سَيِّدُ الخَزْرَجِ وكانَ
قَبْلَ ذالِكَ رَجُلاً صالِحاً ولاكِنِ احْتَمَلَتْهُ
الحَمِيَّةُ فَقَالَ لِسَعْدٍ كَذَبْتَ لَعَمْرُ الله لاَ
تَقْتُلُهُ ولاَ تَقْدِرُ عَلَى قَتله فَقَامَ أُسَيْدُ
بنُ حُضَيْرٍ وهُوَ ابنُ عَمِّ سَعْدٍ فَقَالَ لِسَعْدِ
بنِ عُبادَةَ كَذَبْتَ لَعَمْرُ الله لَنَقْتُلَنَّهُ
فإنَّكَ مُنافقٌ تُجادِلُ عَنِ المُناقِقِينَ فَتَثاوَر
الحَيَّانِ الأوْسُ والخَزْرَجُ حَتّى هَمُّوا أنْ
يَقْتَتِلُوا ورسُولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قائِمٌ
عَلَى المِنْبَرِ فَلَمْ يَزَلْ رسولُ الله صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم يُخَفِّضُهُمْ حَتَّى سَكَتُوا وَسَكَتَ
قالَتْ فَمَكُثْتُ يَوْمِي ذالِكَ لَا يَرْقَأ لي دَمْعٌ
وَلَا أكْتَحِلُ بِنَوْمِ قالَتْ فأصْبَحَ أبَوَايَ
عِنْدِي وقَدْ بَكَيْتُ لَيْلَتَيْنِ وَيَوْماً لَا
أكْتَحِلُ بِنَوْمٍ وَلاَ يَرْقأُ لي دَمْعٌ يَظُنَّانِ
أنَّ البُكاءَ فالِقٌ كَبِدِي قالَتْ فَبَيْنَما هُما
جالِسان عِنْدِي وَأَنا أبْكِي فاسْتَأْذَنَتْ عَلَيَّ
امْرَأةٌ مِنَ الأنْصارِ فأذِنْتُ لَها فَجَلَسَتْ تَبْكِي
مَعِي قالَتْ فَبَيْنا نَحْنُ عَلَى ذالِكَ دَخَلَ
عَلَيْنا رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَسَلَّمَ
ثُمَّ جَلَسَ قالتْ ولَمْ يَجْلِسْ عِنْدِي مُنْذُ قِيلَ
مَا قِيلَ قَبْلَها وَقَدْ لَبِثَ شَهْراً لاَ يُوحَى
إلَيْهِ فِي شأْنِي قالَتْ فَتَشهَّدَ رسولُ الله صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم حِينَ جَلَسَ ثُمَّ قَالَ أمّا بَعْدُ يَا
عائِشَةُ فإنَّهُ قَدْ بَلَغَنِي عَنْكِ كَذَا وكَذَا فإنْ
كُنْتِ بَرِيئَةً فَسَيُبَرِّئُكِ الله وإنْ كُنْتِ
ألْمَمْتِ بِذَنْبٍ فاسْتَغْفِرِي الله وتُوبِي إلَيْهِ
فإِنَّ العَبْدَ إذَا اعْتَرَفَ بِذَنْبِهِ ثُمَّ تابَ
إِلَى الله تابَ الله عَلَيْهِ قالَتْ فَلَمَّا قَضَى
رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مقالَتَهُ قَلَصَ
دَمْعِي حَتَّى مَا أُحِسُّ مِنْهُ قَطْرَةً فَقُلْتُ
لأبِي أجِبْ رسولَ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِيما
قَالَ قَالَ وَالله مَا أدْرِي مَا أقُولُ لِرَسُولِ الله
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقُلْتُ لأمِّي أجِيبِي رسولَ
الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قالَتْ مَا أدْرِي مَا
أقُولُ لِرَسُولِ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قالَتْ
فَقُلْتُ وَأَنا جارِيَةٌ حَدِيثَةُ السِّنِّ لَا أقْرَأُ
كَثِيراً مِنَ القُرْآنِ إنِّي وَالله لَقَدْ عَلِمْتُ
لَقَدْ سَمِعْتُمْ هاذَا الحَدِيثَ حَتَّى اسْتَقَرَّ فِي
أنْفسِكمْ وصَدَّقْتُمْ بِهِ فَلِئِنْ قُلْتُ لَكُمْ إنِّي
بَرِيئَةٌ وَالله يَعْلَمُ أنِّي بَرِيئَةٌ لاَ
تُصَدِّقُونِي بِذالِكَ وَلِئَنْ اعْتَرَفْتُ لَكُمْ
بأمْرٍ وَالله يَعْلَمُ أنِّي مِنْهُ بَرِيئَةٌ
لَتُصَدِّقُنِي وَالله مَا أجِدُ لَكُمْ مَثَلاً إلاّ
قَوْلَ أبي يُوسُفَ قَالَ: {فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَالله
المُسْتَعانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ} (يُوسُف: 81) قالَتْ:
ثُمَّ تَحَوَّلْتُ فاضْطَجَعْتُ عَلَى فِرَاشِي قالَتْ
وَأَنا حِنَئِذٍ أعْلَمُ أنِّي بَرِيئَةٌ وأنَّ الله
يُبَرِّئُني بِبَرَاءَتِي ولاكِنْ وَالله مَا كُنْتُ
أظُنُّ أنَّ الله مُنْزِلٌ فِي شأْني وَحْياً يُتْلَى
ولَشَأْني فِي نَفْسي كانَ أحْقَرَ مِنْ أنْ يَتَكَلَّمَ
الله فِيَّ بأمْر يُتْلَى ولاكِنْ كُنْتُ أرْجُو أنْ يَرَى
رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي النَّوْمِ رُؤْيا
يُبَرِّئُنِي الله بِها قالَتْ فَوَالله مَا رَامَ رسولُ
الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ولاَ خَرَجَ أحَدٌ مِنْ
أهْلِ البَيْتِ حَتَّى أُنْزِلَ عليهِ فأخَذَهُ مَا كانَ
يأخُذُهُ مِنَ البُرَحاءِ حَتَّى إنّهُ لَيَتَحَدَّرُ
مِنْهُ مِثْلُ الجُمانِ مِنَ العَرَقِ وهْوَ فِي يَوْمٍ
شاتٍ مِنْ ثِقَلِ القَوْلِ
(19/82)
الّذِي يُنْزَلُ عَلَيْهِ قالتْ فَلَمَّا
سُرِّيَ عَنْ رسولِ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم سُرِّي
عَنْهُ وَهْوَ يَضْحَكُ فَكانَتْ أوَّلُ كَلِمَةٍ
تَكَلَّمَ بِها يَا عائِشَةُ أمَّا الله عَزَّ وجَلَّ
فَقَدْ بَرَّاكِ فقالَتْ أُمِّي قُومِي إلَيْهِ قالَتْ
فَقُلْتُ وَالله لَا أقُومُ إلَيْهِ ولاَ أحْمَدُ إلاَّ
الله عَزَّ وجَلَّ وأنْزَلَ الله: {إنَّ الّذِينَ جاؤُوا
بالإفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ لَا تَحْسَبُوهُ} (النُّور:
11) العَشْرَ الآياتِ كُلَّها فَلَمَّا أنْزَلَ الله هاذَا
فِي بَرَاءَتِي قَالَ أبُو بَكْر الصِّدِّيقُ رَضِي الله
عَنهُ وكانَ يُنْفِقُ عَلَى مِسْطَحِ بنِ أُثاثَةَ
لِقَرَابَتِهِ مِنْهُ وفَقْرِهِ وَالله لَا أُنْفِقُ عَلَى
مِسْطَحٍ شَيْئاً أبَداً بَعْدَ الَّذِي قَالَ لِعائِشَةَ
مَا قَالَ فأنْزَلَ الله: {وَلَا يأْتَلِ أُولُو الفَضْلِ
مِنْكُمْ والسَّعَةِ أنْ يُؤْتوا أُولى القُرْبى
والمَساكِينَ والمُهاجِرينَ فِي سَبِيلِ الله ولْيَعْفُوا
ولْيَصْفَحُوا ألاَ تُحِبُّونَ أنْ يَغْفِرَ الله لَكُمْ
وَالله غَفُورٌ رَحِيمٌ} (النُّور: 22) . قَالَ أبُو
بَكْرٍ: بَلَى وَالله إنِّي أُحِبُّ أنْ يَغْفِرَ الله
لِي، فَرَجَعَ إِلَى مِسْطَحٍ النَّفَقَةَ الَّتِي كانَ
يُنْفِقُ عَلَيْهِ وَقَالَ وَالله لَا أنْزِعُها مِنْهُ
أبَداً قالَتْ عائِشَةُ وكانَ رسولُ الله صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم يَسألُ زَيْنَبَ بِنْتَ جَحْشٍ عنْ أمْرِي
فَقَالَ يَا زَيْنَبُ ماذَا عَلِمْتِ أوْ رَأيْتِ فقالَتْ
يار سولَ الله أحْمِي سَمْعِي وبَصَرِي مَا عَلِمْتُ إلاّ
خَيْراً قالَتْ وهْيَ الّتي كانَتْ تُسامِينِي مِنْ
أزْواجِ رسولِ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَعَصَمَها
الله بالوَرَعِ وطَفِقَتْ أُخْتُها حَمْنَةُ تُحارِبُ لَها
فَهَلَكَتْ فِيمَنْ هَلَكَ مِنْ أصْحابِ الإفْكِ..
هَذَا الحَدِيث أخرجه البُخَارِيّ مطولا ومختصراً فِي
عدَّة مَوَاضِع ذَكرنَاهَا فِي كتاب الشَّهَادَات فِي:
بَاب تَعْدِيل النِّسَاء بَعضهنَّ بَعْضًا وَذكرنَا أَيْضا
مَا يتَعَلَّق بالمعاني وَغَيرهَا هُنَاكَ ولنذكر هُنَا
بعض شَيْء.
قَوْله: (وكل حَدثنِي طَائِفَة) أَي: بَعْضًا، قَالَ
عِيَاض: انتقدوا على الزُّهْرِيّ مَا صنعه من رِوَايَته
لهَذَا الحَدِيث مُلَفقًا عَن هَؤُلَاءِ الْأَرْبَعَة،
وَقَالُوا: كَانَ يَنْبَغِي لَهُ أَن يفرد حَدِيث كل
وَاحِد مِنْهُم عَن الآخر. انْتهى. قد ذكرنَا هُنَاكَ مَا
فِيهِ جَوَاب عَمَّا قَالُوهُ. قَوْله: (عَن عُرْوَة عَن
عَائِشَة أَن عَائِشَة قَالَت) لَيْسَ المُرَاد أَن
عَائِشَة تروي عَن نَفسهَا، بل معنى قَوْله: عَن عَائِشَة،
أَي: عَن حَدِيث عَائِشَة فِي قصَّة الْإِفْك، ثمَّ شرع
يحدث عَن عَائِشَة، فَقَالَ: إِن عَائِشَة قَالَت ...
وَوَقع فِي رِوَايَة فليح: أَن عَائِشَة قَالَت ... والزعم
قد موقع القَوْل. قَوْله: (فِي غَزْوَة غَزَاهَا) هِيَ
غَزْوَة بني المصطلق. قَوْله: (فَخرج سهمي) هَذَا يشْعر
بِأَنَّهَا كَانَت فِي تِلْكَ الْغَزْوَة وَحدهَا، ويروى
عَن الْوَاقِدِيّ أَن أم سَلمَة أَيْضا كَانَت فِي تِلْكَ
الْغَزْوَة وَهُوَ ضَعِيف. قَوْله: (بَعْدَمَا نزل
الْحجاب) ، أَي: بَعْدَمَا نزل الْأَمر بالحجاب،
وَالْمرَاد حجاب النِّسَاء عَن رُؤْيَة الرِّجَال لَهُنَّ
وَكن قبل ذَلِك لَا يمنعن. قَوْله: (فسرنا، حَتَّى إِذا
فرغ) فِيهِ حذف تَقْدِيره: فسرنا وغنمنا أَمْوَالهم
وأنفسهم إِلَى أَن فرغ. قَوْله: (لم يثقلن) ، من التثقيل،
وَفِي رِوَايَة فليح: لم يثقلهن لم يغشهن اللَّحْم، وَفِي
رِوَايَة معمر: لم يهبلهن، وَحكى ابْن الْجَوْزِيّ أَن
ابْن الخشاب ضَبطه بِفَتْح أَوله وَسُكُون الْهَاء وَكسر
الْبَاء الْمُوَحدَة، وَقَالَ الْقُرْطُبِيّ بضَمهَا،
وَقَالَ النَّوَوِيّ: الْمَشْهُور فِي ضَبطه ضم أَوله
وَفتح الْهَاء وَتَشْديد الْمُوَحدَة وبفتح أَوله وثالثه
أَيْضا وبضم أَوله وَكسر ثالثه من الرباعي، يُقَال: هبله
اللَّحْم وأهبله إِذا أثقله وَأصْبح فلَان مهبلاً أَي كثير
اللَّحْم. قَوْله: (إِنَّمَا نَأْكُل) ، بنُون
الْمُتَكَلّم مَعَ الْغَيْر وَهِي رِوَايَة الْكشميهني،
وَفِي رِوَايَة غَيره: إِنَّمَا يأكلن. قَوْله: (خفَّة
الهودج) ، وَوَقع فِي رِوَايَة فليح وَمعمر: ثقل الهودج،
وَالْأول أوضح. قَوْله: (حَدِيثه السن) ، لِأَنَّهَا
حينئذٍ لم تكمل خمس عشرَة سنة. قَوْله: (فأممت) ، أَي:
قصدت، وَفِي رِوَايَة أبي ذَر هُنَا بتَشْديد الْمِيم
الأولى. قَوْله: (بَعْدَمَا اسْتمرّ الْجَيْش) ، أَي:
بَعْدَمَا مر الْجَيْش أَي ذَهَبُوا ماضين السِّين فِيهِ
زَائِدَة. قَوْله: (سيفقدوني) هَذَا فِي رِوَايَة فليح
بنُون وَاحِدَة، وَفِي رِوَايَة غَيره بنونين لعدم
الْجَازِم والناصب، وَالْأولَى لُغَة. قَوْله: (فيرجعون
إِلَيّ) ، وَوَقع فِي رِوَايَة معمر: فيرجعوا، بِغَيْر نون
وَقد قُلْنَا: إِنَّه لُغَة. قَوْله: (غير استرجاعه) ،
وَهُوَ قَوْله: إِنَّا لله وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُون.
قَوْله: (موغرين) ، بالغين الْمُعْجَمَة وبالراء أَي:
داخلين فِي شدَّة الْحر، من أوغر من الوغرة، وَهِي شدَّة
الْحر، ويروى: مغورين، بِتَقْدِيم الْغَيْن الْمُعْجَمَة
وَتَشْديد الْوَاو
(19/83)
من التغوير وَهُوَ النُّزُول وَقت القائلة،
وَفِي رِوَايَة فليح: معرسين، من التَّعْرِيس، من
التَّعْرِيس وَهُوَ نزُول الْمُسَافِر فِي آخر اللَّيْل.
قَوْله: (فِي نحر الظهيرة) ، بالنُّون أَي: فِي أَولهَا.
قَوْله: (فاشتكيت) ، أَي: مَرضت. قَوْله: (شهرا) أَي:
مُدَّة شهر. قَوْله: (فَهَلَك) ، أَي: بِسَبَب الْإِفْك
وَمن فَاعله، وَزَاد صَالح فِي رِوَايَته: فِي شأني.
قَوْله: (وَالنَّاس يفيضون) ، بِضَم الْيَاء من
الْإِفَاضَة أَي: يَخُوضُونَ فِي القَوْل، يُقَال: أَفَاضَ
فِي القَوْل إِذا أَكثر مِنْهُ. قَوْله: (وَهُوَ يريبني) ،
بِفَتْح الْيَاء من الريب وَبِضَمِّهَا من الإرابة وَهُوَ
التشكيك، يُقَال: رابه وأرابه. قَوْله: (اللطف) ، وَفِيه
لُغَة بِفتْحَتَيْنِ. قَوْله: (كَيفَ تيكم) بِكَسْر
التَّاء الْمُثَنَّاة من فَوق وَهِي للمؤنث مثل: ذاكم
للمذكر. قَوْله: (نقهت) ، بِفَتْح الْقَاف وَقد تكسر من
نقه من مَرضه يَعْنِي أَفَاق وَلم تتكامل صِحَّته. قَوْله:
(قبل المناصع) ، بِكَسْر الْقَاف وَفتح الْبَاء أَي: جِهَة
المناصع وَهِي الْمَوَاضِع الْخَارِجَة عَن الْمَدِينَة
يتبرزون فِيهَا. قَوْله: (متبرزنا) ، بِفَتْح الراءص قبل
الزَّاي وَهُوَ مَوضِع التبرز. قَوْله: (الكنف) ، بضمنتين
جمع: كنيف. قَوْله: (الأول) ، بِضَم الْهمزَة وَفتح
الْوَاو صفة الْعَرَب، وبفتح الْهمزَة وَتَشْديد الْوَاو
صفة الْأَمر. وَقَالَ النَّوَوِيّ: وَكِلَاهُمَا صَحِيح.
قَوْله: (فِي التبرز) وَفِي رِوَايَة فليح: فِي
الْبَريَّة، بِفَتْح الْبَاء الْمُوَحدَة وَتَشْديد
الرَّاء الْمَكْسُورَة أَو: فِي التَّنَزُّه، بِالشَّكِّ
وَهُوَ بِفَتْح التَّاء الْمُثَنَّاة من فَوق وَالزَّاي
الْمُشَدّدَة وَهُوَ طلب النزاهة وَالْمرَاد الْبعد عَن
الْبيُوت. قَوْله: (أم مسطح) ، اسْمهَا سلمى. قَوْله: (بنت
أبي رهم) ، بِضَم الرَّاء وَاسم أبي رهم أنيس. قَوْله:
(أَثَاثَة) ، بِضَم الْهمزَة وبثاءين مثلثتين مخففتين:
ابْن عباد بن عبد الْمطلب وَهُوَ مطلبي من أَبِيه وَأمه،
والمسطح عود من أَعْوَاد الخباء وَهُوَ لقب واسْمه عَوْف،
وَقيل: عَامر، وَالْأول أصح. قَوْله: (أَي هنتاه) ،
بِفَتْح الْهَاء وَسُكُون النُّون وَقد تفتح بعْدهَا تَاء
مثناة من فَوق وَآخِرهَا سَاكِنة، وَقد تضم أَي: يَا
هَذِه، وَقيل: يَا امْرَأَة، وَقيل: بلهاء كَأَنَّهَا
نسبتها إِلَى قلَّة الْمعرفَة بمكائد النَّاس، وَهَذِه
اللَّفْظَة تخْتَص بالنداء وَإِذا خُوطِبَ الْمُذكر قيل:
ياهنة، وَحكي تَشْدِيد النُّون وَأنْكرهُ الْأَزْهَرِي.
قَوْله: (وَدخل عَليّ) ، وَفِي رِوَايَة: فَدخل، قيل
الْفَاء زَائِدَة وَالْأولَى أَن يُقَال فِيهِ حذف
تَقْدِيره: فَلَمَّا رجعت إِلَى بَيْتِي واستقررت فِيهِ
فَدخل. قَوْله: (وضيئة) ، على وزن: عَظِيمَة، أَي: جميلَة
حسناء من الْوَضَاءَة وَهِي الْحسن، وَفِي رِوَايَة مُسلم:
حظيئة من الحظوة بالظاء الْمُعْجَمَة أَي: رفيعة
الْمنزلَة. قَوْله: (ضرائر) جمع ضرَّة، وَقيل
لِلزَّوْجَاتِ، ضرائر، لِأَن كل وَاحِدَة يحصل لَهَا
الضَّرَر من الْأُخْرَى بالغيرة. قَوْله: (إلاَّ كثرن)
بِالتَّشْدِيدِ من التكثير وَفِي رِوَايَة الْكشميهني
وَفِي رِوَايَة غَيره: أكثرن، أَي: أكثرن القَوْل فِي
عيبها. قَوْله: (لَا يرقأ) ، بِفَتْح الْقَاف وبالهمزة
أَي: لَا يسكن وَلَا يَنْقَطِع. قَوْله: (وَلَا أكتحل
بنوم) إستعارة عَن السهر. قَوْله: (حِين استلبث الْوَحْي)
، وَالْوَحي بِالرَّفْع فَاعل: استلبث، ويحوز بِالنّصب على
معنى استبطاء النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم نُزُوله.
قَوْله: (يستأمرهما) ، أَي: يشتشيرهما. قَوْله: (فِي
فِرَاق أَهله) ، وَلم يقل فِي فراقها لكَرَاهَة إِضَافَة
التَّفْرِيق إِلَيْهَا صَرِيحًا. قَوْله: (أهلك) ذكر
بِالرَّفْع أَي: هِيَ أهلك، وَعلم من هَذَا جَوَاز
إِطْلَاق الْأَهْل على الزَّوْجَة، وَفِي رِوَايَة معمر:
(هم أهلك) ، ذكر بِلَفْظ الْجمع للتعظيم وَيجوز النصب أَي:
إلزم أهلك. قَوْله: (لم يضيق الله عَلَيْك) ، لم يقْصد
عَليّ رَضِي الله عَنهُ، بِهَذَا الْكَلَام إِلَّا إسكان
مَا عِنْد النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من القلق
بِسَبَبِهَا وإلاَّ لم يكن فِي قلبه مِنْهَا شَيْء.
قَوْله: (أغمصه) ، بغين مُعْجمَة وصاد مُهْملَة أَي:
أعيبه. قَوْله: (الدَّاجِن) ، بِالْجِيم: هِيَ الشَّاة
الَّتِي تقتني فِي الْبَيْت وَلَا تخرج إِلَى المرعى،
وَقيل: كل مَا يقتني فِي الْبَيْت من شَاة أَو طير فَهُوَ
دَاجِن. قَوْله: (فاستعذر يومئذٍ من عبد الله) أَي: طلب من
يعذرهُ مِنْهُ، أَي: ينصفه. قَوْله: (ضربت عُنُقه) هَذَا
فِي رِوَايَة صَالح بن كيسَان، وَفِي رِوَايَة غَيره،
(ضربنا) بنُون الْجمع، قَوْله: (وَإِن كَانَ من
إِخْوَاننَا من الْخَزْرَج) . كلمة: من. الأولى تبعيضية،
وَالثَّانيَِة بَيَانِيَّة. قَوْله: (وَكَانَ قبل ذَلِك
رجلا صَالحا) ، أَي: كَامِل الصّلاح وَلكنه تغير، يدل
عَلَيْهِ رِوَايَة الْوَاقِدِيّ: (وَكَانَ صَالحا لَكِن
الْغَضَب بلغ مِنْهُ، وَمَعَ ذَلِك لم يغمص عَلَيْهِ فِي
دينه) ، قَوْله: (لعمر الله) ، بِفَتْح الْعين لِأَنَّهُ
لَا يسْتَعْمل فِي الْقسم إلاّ بِالْفَتْح. قَوْله:
(وَلَكِن احتملته الحمية) ، أَي: أغضبته، وَفِي رِوَايَة
مُسلم: (أجتهلته) ، بِالْجِيم أَي: حَملته على الْجَهْل.
قَوْله: (أسيد بن حضير) بِالتَّصْغِيرِ فيهمَا. قَوْله:
(فتثاور) ، تفَاعل من الثورة، يُقَال: ثار يثور إِذا
ارْتَفع وَأَرَادَ بِهِ النهوض للنزاع والعصبية،
(وَالْحَيَّانِ) تَثْنِيَة حَيّ، وَهِي كالقبيلة، وَوَقع
فِي حَدِيث ابْن عمر قَامَ سعد بن معَاذ: فسل سَيْفه،
قَوْله: (يخفضهم) ، أَي: يسكنهم، وَفِي رِوَايَة ابْن
حَاطِب: (فَلم يزل يومىء بِيَدِهِ إِلَى النَّاس هَهُنَا
حَتَّى هدأ الصَّوْت) . وَفِي رِوَايَة فليح: (فَنزل
يخفضهم حَتَّى سكتوا، وَفِي رِوَايَة عَن الزُّهْرِيّ:
(فحجز بَينهم) . قَوْله:
(19/84)
(فَمَكثت) ، من الْمكْث وَفِي رِوَايَة
الْكشميهني: (فَبَكَيْت) ، من الْبكاء. قَوْله:
(لَيْلَتَيْنِ وَيَوْما) أَي: اللَّيْلَة الَّتِي
أخْبرتهَا فِيهَا أم مسطح الْخَبَر، وَالْيَوْم الَّذِي
خطب فِيهِ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، للنَّاس،
وَاللَّيْلَة الَّتِي تَلِيهَا. قَوْله: (فاستأذنت عَليّ)
تَقْدِيره: جَاءَت فاستأذنت عَليّ، بتَشْديد الْيَاء.
قَوْله: (فبهنا نَحن كَذَلِك) رِوَايَة الْكشميهني، وَفِي
رِوَايَة غَيره: فَبينا نَحن على ذَلِك. قَوْله: (فَتشهد)
، وَفِي رِوَايَة هِشَام بن عُرْوَة: فَحَمدَ الله وَأثْنى
عَلَيْهِ. قَوْله: (عَنْك كَذَا وَكَذَا) كِنَايَة عَمَّا
رميت بِهِ من الْإِفْك. انْتهى. قَوْله: (وَإِن كنت
أَلممْت) أَي: وَقع مِنْك على خلاف الْعَادة. قَوْله:
(قلص) بِفَتْح الْقَاف وَاللَّام وبالصاد الْمُهْملَة أَي:
ارْتَفع دمعي لاستعظام مَا بغتني من الْكَلَام، وتخلف
بِالْكُلِّيَّةِ. قَوْله: (وَأَنا جَارِيَة حَدِيثَة السن)
إِلَى آخِره، ذكرت هَذِه الْأَشْيَاء تَوْطِئَة لعذرها
لكَونهَا لم تستحضر إسم يَعْقُوب عَلَيْهِ السَّلَام.
قَوْله: (وصدقتم بِهِ) ، وَفِي رِوَايَة هِشَام بن
عُرْوَة: لقد تكلمتم بِهِ وأشربته قُلُوبكُمْ. قَوْله:
(لَا تصدقوني بذلك) ، ويروى: لَا تصدقونني، بنونين على
الأَصْل، أَي: لَا تقطعون بصدقي، وَفِي رِوَايَة هِشَام بن
عُرْوَة: مَا ذَاك بنافعي عنْدكُمْ. قَوْله: (لَا تصدقوني)
، فأدغمت إِحْدَى النونين فِي الْأُخْرَى. قَوْله: (وَإِن
الله يبرءني) ، وَالرِّوَايَة الْمَشْهُورَة وَأَن الله
يبرىء، بِغَيْر نون، وَقَالَ ابْن التِّين: إِنَّه وَقع
عِنْدِي: مبرئني، بنُون وَزعم أَنه هُوَ الصَّحِيح،
وَلَكِن الْمَشْهُور بِغَيْر نون فَافْهَم. قَوْله: (مَا
رام) ، أَي: مَا فَارق (رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم) وَهَذَا من الريم، وَأما رام، بِمَعْنى: طلب فَمن
الرّوم. قَوْله: (من البرحاء) ، بِضَم الْبَاء الْمُوَحدَة
وَفتح الرَّاء وَتَخْفِيف الْحَاء الْمُهْملَة، وبالمد
وَهِي: شدَّة الْحمى، وَقيل: شدَّة الكرب، وَوَقع فِي
رِوَايَة إِسْحَاق بن رَاشد: وَهُوَ الْعرق، وَبِه جزم
الدوادي، وَهِي رِوَايَة ابْن حَاطِب وشخص بَصَره إِلَى
السّقف، وَفِي رِوَايَة عمر بن أبي سَلمَة عَن أَبِيه عَن
عَائِشَة: فَأَتَاهُ الْوَحْي، وَكَانَ إِذا أَتَاهُ
الْوَحْي أَخذه السبل، أخرجه الْحَاكِم وَفِي رِوَايَة أبي
إِسْحَاق: فسجى بِثَوْب، وَوضعت تَحت رَأسه وسَادَة من
أَدَم. قَوْله: (الجمان) ، بِضَم الْجِيم وَتَخْفِيف
الْمِيم: اللُّؤْلُؤ، وَقيل: حب يعْمل من الْفضة
كَاللُّؤْلُؤِ، وَقَالَ الدَّاودِيّ: خرز أَبيض. قَوْله:
(فَلَمَّا سري) ، بِضَم السِّين الْمُهْملَة وَكسر الرَّاء
الْمُشَدّدَة أَي: كشف. قَوْله: (الْعشْر الْآيَات)
آخرهَا: (وَالله يعلم وَأَنْتُم لَا تعلمُونَ) فَإِن قلت:
وَقع فِي رِوَايَة عَطاء الخرساني عَن الزُّهْرِيّ،
فَأنْزل الله تَعَالَى: {إِن الَّذين جاؤوا} (النُّور: 91)
إِلَى قَوْله: {أَن يغْفر الله لكم وَالله غَفُور رَحِيم}
(النُّور: 11 22) . وَعدد الْآي إِلَى هَذَا الْموضع
ثَلَاث عشرَة آيَة، وَوَقع فِي رِوَايَة الحكم بن عتيبة
مُرْسلا: فَأنْزل الله خمس عشرَة آيَة من سُورَة النُّور
حَتَّى بلغ {الخبيثات للخبيثين} (النُّور: 62) أخرجه
الطَّبَرِيّ، وَعدد الْآي إِلَى هَذَا الْموضع سِتّ عشرَة،
وَوَقع فِي: (مُرْسل سعيد بن جُبَير) . فَنزلت ثَمَان
عشرَة آيَة مُتَوَالِيَة: {إِن الَّذين جاؤوا} إِلَى
قَوْله: {رزق كريم} (النُّور: 11 62) أخرجه ابْن أبي
حَاتِم، وَالْحَاكِم فِي (الإكليل) قلت: أجَاب بَعضهم عَن
هَذِه بِمَا لَا طائل تَحْتَهُ حَيْثُ قَالَ: فِي الأول:
لَعَلَّهَا فِي كَون الْعشْر الْآيَات مجَاز بطرِيق
إِلْغَاء الْكسر، وَهَذَا لَا يصدر عَمَّن لَهُ أدنى
تَأمل. وَفِي الثَّانِي: وَهَذَا فِيهِ تجوز. وَفِي
الثَّالِث: وَفِيه مَا فِيهِ. انْتهى. وَيُمكن أَن يُقَال:
إِن كلا مِنْهُم ذهب إِلَى مَا انْتهى علمه بِهِ، وروى على
قدر مَا أحَاط بِهِ علمه، على أَن التَّنْصِيص على عدد
معِين لَا يسْتَلْزم نفي الزِّيَادَة. قَوْله: (وَلَا
يَأْتَلِ) ، وَلَا يحلف من الألية وَهُوَ الْيَمين
(وَالْفضل) هُنَا المَال وَالسعَة والعيش فِي الرزق.
قَوْله: (أحمي) من الحماية، وَالْمعْنَى: فَلَا أنسب إِلَى
سَمْعِي مَا لم أسمع وَإِلَى بَصرِي مَا لم أبْصر. قَوْله:
(تساميني) ، أَي: تعاليني من السمو وَهُوَ الْعُلُوّ أَي:
تطلب من الْعُلُوّ والحظوة عِنْد النَّبِي صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم مَا أطلب، أَو تعتقد أَن لَهَا مثل الَّذِي
لي عِنْده، كَذَا قيل، وَهَذَا يدل على أَن زَيْنَب كَانَت
فِي عصمَة النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم. وَقَالَ
الْكرْمَانِي: وَاخْتلفُوا فِي أَنَّهَا كَانَت وَقت
الْإِفْك تَحت نِكَاح رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم، أَو تزَوجهَا بعد ذَلِك. قَوْله: (فعصمها الله)
أَي: فحفظها ومنعها بالورع أَي: بالمحافظة على دينهَا
ومجانبة مَا تخشى من سوء الْعَاقِبَة. قَوْله: (وطفقت) ،
بِكَسْر الْفَاء وَفتحهَا، أَي: شرعت (أُخْتهَا حمْنَة
تحارب) أَي: تجَادل لَهَا وتتعصب وتحكي مَا قَالَ أهل
الْإِفْك لتنخفض منزلَة عَائِشَة وترتفع منزلَة أُخْتهَا
زَيْنَب. قَوْله: (فَهَلَكت) أَي: حمْنَة أَي: حُدث فِيمَن
حُدا، وأثمت مَعَ من أَثم، وَحمْنَة، بِفَتْح الْحَاء
الْمُهْملَة وَسُكُون الْمِيم وَفتح النُّون: بنت جحش بن
ربَاب الأَسدِية، أُخْت زَيْنَب بنت جحش، كَانَت عِنْد
مُصعب ابْن عُمَيْر وَقتل عَنْهَا يَوْم أحد فَتَزَوجهَا
طَلْحَة بن عبيد الله. وَقد ذكرنَا فَوَائده وَأَشْيَاء
غير مَا ذكرنَا هُنَا فِي كتاب الشَّهَادَات، وَللَّه
الْحَمد وَالله تَعَالَى أعلم.
(19/85)
|