عمدة القاري شرح
صحيح البخاري 7 - (بابُ قَوْلِهِ: {ولَوْلاَ فَضْلُ الله
عَلَيْكُمْ ورَحْمَتُهُ فِي الدُّنيا والآخِرَةِ
لَمسَّكُمْ فِيما أفَضْتُمْ فِيهِ عَذَابٌ عَظِيمٌ}
(النُّور: 41)
أَي: هَذَا بَاب فِي قَوْله عز وَجل: {وَلَوْلَا فضل الله}
الْآيَة، وَفِي رِوَايَة أبي ذَر بعد قَوْله: {أَفَضْتُم
فِيهِ} الْآيَة، وَكلمَة: لَوْلَا، لِامْتِنَاع الشَّيْء
لوُجُود غَيره أَي: لَوْلَا مَا منَّ الله بِهِ عَلَيْكُم
وفضله عَلَيْكُم فِي الدُّنْيَا بضروب النعم الَّتِي من
جُمْلَتهَا الْإِمْهَال للتَّوْبَة، وَأَن أترحم عَلَيْكُم
فِي الْآخِرَة بِالْعَفو وَالْمَغْفِرَة {لمسكم فِيمَا
أَفَضْتُم} أَي: خضتم فِيهِ من حَدِيث الْإِفْك، يُقَال:
أَفَاضَ فِي الحَدِيث انْدفع وخاض قَوْله: (عَذَاب) فَاعل:
{لمسكم عَذَاب عَظِيم} فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَة،
وَقَالَ ابْن عَبَّاس: لَا انْقِطَاع لَهُ.
وَقَالَ مُجاهِدٌ تَلَقَّوْنَهُ يَرْوِيهِ بَعْضُكُمْ عَنْ
بَعْضٍ
أَي: قَالَ مُجَاهِد فِي قَوْله تَعَالَى: {إِذْ تلقونه
بألسنتكم وتقولون بأفواهكم} (النُّور: 51)
الْآيَة، وَفسّر: تلقونه، بقوله: (يرويهِ بَعْضكُم عَن
بعض) هَذَا تَفْسِير فتح اللَّام مَعَ تَشْدِيد الْقَاف،
وَهِي قِرَاءَة الْأَكْثَرين من السَّبْعَة، فَمنهمْ من
أدغم الذَّال فِي التَّاء، وَمِنْهُم من أظهرها وَهُوَ من
التلقي للشَّيْء، وَهُوَ أَخذه وقبوله وَقَرَأَ أبي بن
كَعْب وَابْن مَسْعُود: إِذْ تتلقونه، بتائين وقرأت
عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا، وَيحيى ابْن يعمر بِكَسْر
اللَّام وَتَخْفِيف الْقَاف: من الولق، وَهُوَ الْإِسْرَاع
فِي الْكَذِب، وَقيل: هُوَ الْكَذِب، وَقَرَأَ مُحَمَّد بن
السميقع، بِضَم التَّاء وَسُكُون اللَّام وَضم الْقَاف.
تُفِيضُونَ تَقُولُونَ
هَذَا فِي سُورَة يُونُس وَهُوَ قَوْله تَعَالَى: {وَلَا
تَعْمَلُونَ من عمل إلاَّ كُنَّا عَلَيْكُم شُهُودًا إِذْ
تفيضون فِيهِ} (يُونُس: 16) وَإِنَّمَا ذكره هَهُنَا
اسْتِطْرَادًا لقَوْله: {فِيمَا أَفَضْتُم فِيهِ} فَإِن
كلا مِنْهُمَا من الْإِفَاضَة وَهُوَ الْإِكْثَار فِي
القَوْل.
1574 - حدَّثنا مُحَمَّدُ بنُ كَثِيرٍ أخْبَرَنا
سُلَيْمانُ عَنْ حُصَيْنٍ عنْ أبي وائِلٍ عنْ مسْرُوقٍ عنْ
أُمِّ رُومانَ أُمِّ عائِشَةَ أنّها قالَتْ لَمَّا
رُمِيَتْ عائِشَةُ خَرَّتْ مَغْشِيًّا عَلَيْها.
قيل: لَا مُطَابقَة بَين هَذَا الحَدِيث وَبَين
التَّرْجَمَة. وَأجِيب: بِأَنَّهُ لاحظ فِيهِ قصَّة
الْإِفْك وَإِن كَانَ بِحَسب الظَّاهِر غير ملائم.
وَمُحَمّد بن كثير ضد الْقَلِيل الْعَبْدي الْبَصْرِيّ،
يروي عَن أَخِيه سُلَيْمَان بن كثير عَن حُصَيْن مصغر حصن
ابْن عبد الرَّحْمَن عَن أبي وَائِل شَقِيق بن سَلمَة عَن
مَسْرُوق بن الأجدع عَن أم رُومَان، بِضَم الرَّاء
وَفتحهَا: بنت عَامر بن عُوَيْمِر امْرَأَة أبي بكر
الصّديق رَضِي الله عَنهُ، وَأم عَائِشَة، مَاتَت فِي
حَيَاة النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم سنة سِتّ من
الْهِجْرَة فَنزل النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قبرها
واستغفر لَهَا، وَقَالَ أَبُو عمر: رِوَايَة مَسْرُوق عَن
أم رُومَان مُرْسلَة، وَلَعَلَّه سمع ذَلِك من عَائِشَة،
وَرِوَايَة الْأَكْثَرين: مُحَمَّد بن كثير عَن
سُلَيْمَان، وَفِي رِوَايَة الْأصيلِيّ، عَن
الْجِرْجَانِيّ: سُفْيَان بدل سُلَيْمَان، وَقَالَ
الجياني: هَكَذَا هَذَا الْإِسْنَاد عِنْد الْجَمَاعَة،
وَفِي نُسْخَة أبي مُحَمَّد عَن أبي أَحْمد: حَدثنَا
مُحَمَّد بن كثير أخبرنَا سُفْيَان عَن حُصَيْن، قَالَ
أَبُو عَليّ: سُلَيْمَان هُوَ الصَّوَاب، وَهُوَ
سُلَيْمَان بن كثير أَخُو مُحَمَّد وَمُحَمّد مَشْهُور
بالرواية عَن أَخِيه. قَوْله: (مغشياً عَلَيْهَا) ،
وَقَالَ ابْن التِّين: الصَّوَاب مغشية، وَالله أعلم.
8 - (بابٌ: {إذْ تَلَقَّوْنَهُ بألْسِنَتِكُمْ وتَقُولُونَ
بأفْوَاهِكُمْ مَا لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ
وتَحْسَبُونَهُ هَيِّناً وهْوَ عِنْدَ الله عَظِيمٌ}
الْآيَة)
أَي: هَذَا بَاب فِي قَوْله عز وَجل: {إِذْ تلقونه} ...
إِلَى آخِره هَكَذَا هُوَ فِي رِوَايَة أبي ذَر، وَفِي
رِوَايَة غَيره، سَاق إِلَى قَوْله: عَظِيم، وَلَيْسَ فِي
كثير من النّسخ لفظ: بَاب. قَوْله: (إِذْ) ، ظرف: لمسكم،
أَو: لأفضتم. (تلقونه) ، يَأْخُذهُ بَعْضكُم من بعض، وَقد
مضى الْكَلَام فِيهِ عَن قريب. فَإِن قيل: مَا معنى قَوْله
بأفواهكم؟ وَالْقَوْل لَا يكون إلاَّ بالفم. قُلْنَا:
مَعْنَاهُ أَن الشَّيْء الْمَعْلُوم يكون علمه فِي الْقلب
فيترجم عَنهُ بِاللِّسَانِ، وَهَذَا الْإِفْك لَيْسَ إلاَّ
قولا يجْرِي على أَلْسِنَتكُم ويدور فِي أَفْوَاهكُم من
غير تَرْجَمَة عَن علم بِهِ فِي الْقلب، كَقَوْلِه
تَعَالَى: {يَقُولُونَ بأفواههم مَا لَيْسَ فِي قُلُوبهم}
(النُّور: 51) .
(19/86)
2574 - حدَّثنا إبْرَاهِيمُ بنُ مُوسَى
حدَّثنا هِشامٌ أنَّ ابنَ جُرَيْجٍ أخْبَرَهُمْ قَالَ ابنُ
أبي مُلَيْكَةَ سَمِعْتُ عائِشَةَ تَقْرَأُ: {إذْ
تَلِقُونَهُ بألْسِنَتِكُمْ} (النُّور: 51) .
(انْظُر الحَدِيث 4414) .
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. وَهِشَام هُوَ ابْن
يُوسُف، وَفِي بعض النّسخ صرح بِهِ، وَابْن جريج هُوَ عبد
الْملك بن عبد الْعَزِيز بن جريج الْمَكِّيّ، وَابْن أبي
مليكَة هُوَ عبد الله بن عبد الرَّحْمَن بن أبي مليكَة
واسْمه زُهَيْر التَّيْمِيّ الْأَحول الْمَكِّيّ القَاضِي
على عهد عبد الله بن الزبير رَضِي الله عَنْهُم.
والْحَدِيث مضى فِي الْمَغَازِي.
قَوْله: (إِذْ تلقونه) بِكَسْر اللَّام وَتَخْفِيف الْقَاف
من الولق وَهُوَ الْكَذِب، وَقد مر عَن قريب، وأصل: تلقونه
تولقونه حذفت الْوَاو مِنْهُ تبعا للْفِعْل الْغَائِب
لوقوعها فِيهِ بَين الْيَاء آخر الْحُرُوف والكسرة طرداً
للباب.
(بابٌ: {ولوْلا إذْ سَمِعْتُمُونُ قُلْتُمْ مَا يَكُونُ
لَنا أنْ نَتَكَلَّمَ بِهاذَا سُبْحانَكَ هاذَا بُهْتانٌ
عَظِيمٌ} (النُّور: 61)
هَذِه الْآيَة ذكرت عِنْد قَوْله بَاب: {وَلَوْلَا إِذْ
سمعتموه ظن الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَات} (النُّور: 21)
وَاقْتصر أَبُو ذَر إِلَى قَوْله: {أَن نتكلم بِهَذَا}
وسَاق غَيره بَقِيَّة الْآيَة، وَذكرهَا هَهُنَا تكْرَار،
على مَا لَا يخفى على أَنَّهَا غير مَذْكُورَة فِي بعض
النّسخ.
3574 - حدَّثنا مُحَمَّدُ بنُ المُثَنَّى حَدثنَا يَحْيَى
عنْ عُمَرَ بنِ سَعِيدِ بنِ أبي حُسَيْنٍ قَالَ حدّثني
ابنُ أبي مُلَيْكَةَ قَالَ اسْتأْذَنَ ابنُ عَبَّاس قَبْلَ
مَوْتِها عَلَى عائِشَةَ وهْيَ مَغْلُوبَةٌ قالَتْ أخْشَي
أنْ يُثْنِيَ عَلَيَّ فَقِيلَ ابنُ عَمِّ رسولِ الله صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم ومِنْ وجُوهِ المسْلِمِينَ قالَتِ
ائْذَنُوا لَهُ فَقَالَ كَيْفَ تَجِدِينَكِ قالَتْ
بِخَيْرٍ إنِ اتَّقَيْتُ الله قَالَ فأنْتِ بِخَيْرٍ إنْ
شاءَ الله زَوْجَةُ رسولِ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
ولَمْ يَنْكِحْ بِكْراً غَيْرَكِ ونَزَل عُذْرُكِ منَ
السَّماءِ ودَخَلَ ابنُ الزُّبَيْرِ خِلاَفَهُ فقالَتْ
دَخَلَ ابنُ عَبَّاسٍ فأثْنى عَلَيَّ وَودِدْتُ أنِّي
{كُنْتُ نِسْياً مَنْسِيًّا} (مَرْيَم: 32)
(انْظُر الحَدِيث 1773 وطرفه) .
مطابقته للتَّرْجَمَة تُؤْخَذ من قَوْله: (وَنزل عذرك من
السَّمَاء) . وَيحيى هُوَ ابْن سعيد الْقطَّان وَابْن أبي
مليكَة عبد الله، وَقد مر عَن قريب قبيل الْبَاب.
والْحَدِيث ذكره أَيْضا فِي النِّكَاح.
قَوْله: (وَهِي مغلوبة) ، جملَة حَالية أَي: مغلوبة من كرب
الْمَوْت. قَوْله: (فَقيل: ابْن عَم رَسُول الله صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم) أَي: هُوَ ابْن عَم رَسُول الله صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم، وَإِنَّمَا قَالَ ذَلِك لِأَنَّهُ فهم
مِنْهَا أَنَّهَا تَمنعهُ، فَدخل عَلَيْهَا هَذَا
الْقَائِل فِي الْإِذْن لَهُ بِالدُّخُولِ وَذكرهَا
مَنْزِلَته، وَهَذَا الْقَائِل هُوَ عبد الله بن عبد
الرَّحْمَن بن أبي بكر الصّديق رَضِي الله عَنْهُم،
وَالَّذِي اسْتَأْذن هُوَ ذكْوَان مولى عَائِشَة، وَقد
بيّن ذَلِك عبد الرَّزَّاق. قَالَ: أخبرنَا معمر عَن عبد
الله بن عُثْمَان بن خثيم عَن ابْن أبي مليكَة عَن ذكْوَان
مولى عَائِشَة أَنه اسْتَأْذن لِابْنِ عَبَّاس على
عَائِشَة وَهِي تَمُوت وَعِنْدهَا ابْن أُخْتهَا عبد الله
بن عبد الرَّحْمَن، فَذكره، وَرَوَاهُ أَحْمد عَن عبد
الرَّزَّاق، وَقَالَ صَاحب (التَّوْضِيح) : هَذِه
الرِّوَايَة تدل على إرْسَال رِوَايَة البُخَارِيّ وَأَن
ابْن أبي مليكَة لم يشْهد ذَلِك وَلَا سَمعه مِنْهُ حَالَة
قَوْله لَهَا لعدم حُضُوره. انْتهى. وَقَالَ بَعضهم: ادّعى
بعض الشُّرَّاح فَذكره، ثمَّ قَالَ: وَمَا أَدْرِي من
أَيْن لَهُ الْجَزْم بِعَدَمِ حُضُوره وسماعه، وَمَا
الْمَانِع من ذَلِك؟ وَلَعَلَّه حضر جَمِيع ذَلِك. انْتهى.
قلت: هُوَ مَا ادّعى الْجَزْم بذلك بل لَهُ احْتِمَال
قريب، وَكَيف يشنع عَلَيْهِ وَقد رد كَلَام نَفسه
بِكَلِمَة الترجي؟ قَوْله: (كَيفَ تجدينك) ، الْخطاب
لعَائِشَة بِالتَّاءِ وَالْكَاف، أَي: كَيفَ تجدين نَفسك؟
قَوْله: (إِن اتَّقَيْت) أَي: كنت من أهل التَّقْوَى،
وَفِي رِوَايَة الْكشميهني: إِن اتَّقَيْت من التقاء على
صِيغَة الْمَجْهُول. قَوْله: (وَنزل عذرك من السَّمَاء)
أَشَارَ بِهِ إِلَى قصَّة الْإِفْك. قَوْله: (خِلَافه)
أَي: وَدخل عبد الله بن الزبير على عَائِشَة بعده متخالفين
ذَهَابًا وإياباً، أَي: وَافق رُجُوعه مَجِيئه، قَوْله:
(نسياً منسياً) مَعْنَاهُ: لَيْتَني لم أك شَيْئا. وَقَالَ
الْجَوْهَرِي: وقرىء قَوْله تَعَالَى: {نسيا منسياً}
بِالْفَتْح، أَي: بِفَتْح النُّون.
4574 - حدَّثنا مُحَمَّدُ بنُ المُثَنَّى حَدثنَا عَبْدُ
الوَهَّابِ بنُ عَبْدِ المَجِيدِ حدَّثنا ابنُ عَوْنٍ عنِ
(19/87)
القاسِمِ أنَّ ابنَ عَبَّاسٍ رَضِي الله
عَنْهُمَا اسْتَأْذَنَ عَلَى عائِشَةَ نَحْوَهُ وَلَمْ
يَذْكُرْ {نِسْياً مَنْسِيًّا} (مَرْيَم: 32)
(انْظُر الحَدِيث 1773 وطرفه) .
هَذَا طَرِيق آخر فِي الحَدِيث الْمَذْكُور وَابْن عون
هُوَ عبد الله بن عون، وَالقَاسِم هُوَ مُحَمَّد بن أبي
بكر. قَوْله: (نَحوه) أَي: نَحْو الحَدِيث الْمَذْكُور.
9 - (بابٌ قَوْلُهُ: {يَعِظُكُمُ الله أنْ تَعُودُوا
لِمِثْلِهِ أبَداً} الْآيَة)
أَي: هَذَا بَاب فِي قَوْله تَعَالَى: {يعظكم الله}
(النُّور: 71)
الْآيَة. وَسقط لغير أبي ذَر لفظ. الْآيَة، قَوْله: (يعظكم
الله) أَي: يَنْهَاكُم ويخوفكم، وَقيل: يعظكم الله كَيْلا
تعودوا لمثله، أَي: إِلَى مثله {وَالله عليم} يَأْمر
عَائِشَة وَصَفوَان {حَكِيم} ببراءتهما.
5574 - حدَّثنا مُحَمَّدُ بنُ يُوسُفَ حدّثنا سُفْيانُ عنِ
الأعْمَش عنْ أبي الضُّحَى عنْ مَسْرُوقٍ عنْ عائِشَةَ
رَضِي الله عَنْهَا قالَتْ جاءَ حَسَّانُ بنُ ثابِتٍ
يَسْتَأْذِنُ عَلَيْها قُلْتُ أتأْذَنِينَ لِهاذَا قالَتْ
أوَلَيْسَ قَدْ أصابَهُ عَذَابٌ عَظِيمٌ قَالَ سُفْيانُ
تَعْنِي ذَهابَ بَصَرِهِ فَقَالَ:
(حَصانٌ رزَانٌ مَا تُزَنُّ بِرِيبَةٍ ... وتُصْبِحُ
غَرْثَى مِنْ لُحُومِ الغَوَافِلِ)
قالَتْ لاكِنْ أنْتَ.
(انْظُر الحَدِيث 6414 وطرفه) .
مطابقته للتَّرْجَمَة تُؤْخَذ من قَوْله: (أَتَأْذَنِينَ
لهَذَا) يفهم بِالتَّأَمُّلِ، وَمُحَمّد بن يُوسُف هُوَ
الْفرْيَابِيّ، وسُفْيَان هُوَ الثَّوْريّ، وَالْأَعْمَش
هُوَ سُلَيْمَان، وَقد وَقع التَّصْرِيح بذلك عِنْد
الْإِسْمَاعِيلِيّ، وَفِي غير هَذَا الْموضع روى
البُخَارِيّ أَيْضا عَن مُحَمَّد بن يُوسُف البيكندي عَن
سُفْيَان بن عُيَيْنَة عَن الْأَعْمَش وَأَبُو الضُّحَى
مُسلم بن صبيح.
والْحَدِيث مضى فِي الْمَغَازِي فِي: بَاب حَدِيث
الْإِفْك، فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ عَن بشر بن خَالِد عَن
مُحَمَّد بن جَعْفَر عَن شُعْبَة عَن سُلَيْمَان عَن أبي
الضُّحَى إِلَى آخِره، وَقد مر الْكَلَام فِيهِ هُنَاكَ.
قَوْله: (لَكِن أَنْت) وَفِي رِوَايَة شُعْبَة: قَالَت:
لست كَذَاك، الْخطاب لحسان، يَعْنِي: لَكِن أَنْت لم تصبح
غرثان من لُحُوم الغوافل، وَهُوَ دَال على أَنه كَانَ
خَاضَ فِيمَن خَاضَ.
01 - (بابٌ: {ويُبَيِّنُ الله لَكُمُ الآياتِ وَالله
عَلِيمٌ حَكِيمٌ} (النُّور: 81) (النُّور: 81)
أَي: هَذَا بَاب فِي قَوْله عز وَجل: {وَيبين الله لكم
الْآيَات} الدالات على علمه وحكمته بِمَا ينزل عَلَيْكُم
من الشَّرَائِع ويعلمكم من الْآدَاب الجميلة (وَالله عليم)
بِأَمْر عَائِشَة وَصَفوَان وببراءتهما (حَكِيم) يضع
الْأَشْيَاء فِي محالها.
6574 - حدَّثني مُحَمَّدُ بنُ بَشَّارٍ حدَّثنا ابنُ
عَدِيّ أنْبأنا شُعْبَةُ عنِ الأعْمَشِ عنْ أبي الضُّحَى
عنْ مَسْرُوق قَالَ دَخَلَ حَسَّانُ بنُ ثابِتٍ عَلَى
عائِشَةَ فَشَبَّبَ وَقَالَ:
(حَصانٌ رَزَانٌ مَا تُزَنُّ بِرِيبَةٍ ... وتُصْبِحُ
غَرْثَى مِنْ لُحومِ الغَوافِلِ)
قالَتْ لَسْتَ كَذَاكَ قُلْتُ تَدَعِينَ مِثْلَ هاذَا
يَدْخُلُ عَلَيْكَ وَقَدْ أنْزَلَ الله: {وَالَّذِي
تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ} (النُّور: 11) فقالَتْ وأيُّ
عَذابٍ أشَدُّ مِنَ العَمَى وقالَتْ وقَدْ كانَ يَرُدُّ
عَنْ رسولِ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم.
(انْظُر الحَدِيث 6414 وطرفه) .
هَذَا طَرِيق آخر فِي الحَدِيث الْمَذْكُور فِي الْبَاب
الَّذِي قبله، وَابْن أبي عدي مُحَمَّد، وَاسم أبي عدي
إِبْرَاهِيم.
قَوْله: (فشبب) من التشبيب، وَهُوَ إنشاد الشّعْر على وَجه
الْغَزل. قَوْله: (قَالَت: لست كَذَاك) ، أَي: قَالَت
عَائِشَة لحسان: (لست كَذَاك) تَعْنِي: لم تصبح غرثان من
لُحُوم الغوافل، شارت بِهِ إِلَى أَنه خَاضَ فِي الْإِفْك
وَلم يسلم من أكل لُحُوم الغوافل. قَوْله: (قلت) الْقَائِل
هُوَ مَسْرُوق. قَوْله: (تدعين) ، أَي: تتركين (مثل هَذَا)
، يَعْنِي: حسانا (يدْخل عَلَيْك) وَقد خَاضَ فِي الْإِفْك
ثمَّ بَين ذَلِك بقوله: وَقد أنزل الله: (وَالَّذِي تولى
كبره مِنْهُم) وَقد مر أَنه هُوَ الَّذِي تولى كبره على
قَول. قَوْله: (وَقد كَانَ يرد عَن رَسُول الله صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم) أَي: يدافع هجو الْكفَّار لرَسُول الله
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يهجوهم ويذب عَنهُ.
(19/88)
11 - (بابٌ قَوْلهُ تَعَالَى: {إنَّ
الَّذِينَ يُحِبُّونَ أنْ تَشِيعَ الفَاحِشةُ فِي الذِينَ
آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ ألِيمٌ فِي الدُّنْيا والآخِرَةِ
وَالله يَعْلَمُ وأنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ وَلَوْلاَ
فَضْلُ الله عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ وأنَّ الله رَؤُوفٌ
رَحِيمٌ} (النُّور: 91 02)
أَي: هَذَا بَاب فِي قَوْله عز وَجل: {إِن الَّذين يحبونَ}
إِلَى آخر {رؤوف رَحِيم} . كَذَا عِنْد الْأَكْثَرين،
وَعند أبي ذَر. {إِن الَّذين يحبونَ أَن تشيع الْفَاحِشَة
فِي الَّذين آمنُوا} الْآيَة، إِلَى قَوْله: {رؤوف رَحِيم}
. قَوْله: {إِن الَّذين يحبونَ} تهديد للقاذفين. قَوْله:
{أَن تشيع} أَي: أَن تَفْشُو وتذيع الْفَاحِشَة {لَهُم
عَذَاب أَلِيم فِي الدُّنْيَا} بِالْحَدِّ، وَفِي:
(تَفْسِير النَّسَفِيّ) : وَقد ضرب رَسُول الله صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم، عبد الله بن أبي وحساناً وَمِسْطَحًا،
وَقد ذكر أَبُو دَاوُد أَن حسانا حُد زَاد الطَّحَاوِيّ:
ثَمَانِينَ، وَكَذَا حمْنَة ومسطح ليكفر الله عَنْهُم بذلك
إِثْم مَا صدر مِنْهُم حَتَّى لَا يبْقى عَلَيْهِم تبعة
فِي الْآخِرَة، وَأما ابْن أبي فَإِنَّهُ لم يحد لِئَلَّا
ينقص من عَذَابه شَيْء، أَو إطفاء للفتنة وتألفاً
لِقَوْمِهِ، وَقد روى الْقشيرِي فِي: (تَفْسِيره) : أَنه
حد ثَمَانِينَ، وَقَالَ الْقشيرِي ومسطح: لم يثبت مِنْهُ
قذف صَرِيح فَلم يذكر فِيمَن حد، وَأغْرب الْمَاوَرْدِيّ،
فَقَالَ: إِنَّه لم يحد أحد من أهل الْإِفْك. قَوْله:
(وَلَوْلَا فضل الله عَلَيْكُم وَرَحمته) هَذَا إِظْهَار
الْمِنَّة بترك المعاجلة بالعقاب، وَجَوَاب: لَوْلَا،
مَحْذُوف تَقْدِيره: لعاجلكم بِالْعَذَابِ.
تشِيعَ تَظْهَرُ
لم يثبت هَذَا إلاَّ لأبي ذَر وَحده، وَقد فسر قَوْله:
{أَن تشيع الْفَاحِشَة} بقوله: (تظهر) ، وَكَذَا فسره
مُجَاهِد، وَزَاد: ويتحدث بِهِ، والفاحشة: الزِّنَا.
(بابٌ: {وَلَا يأتَلِ أولُوا الفَضْلِ مِنْكُمْ والسَّعَةِ
أَن يُؤْتُوا أولِي القُرْبَى والمَساكِينَ والمُهاجِرِينَ
فِي سَبيلِ الله ولْيَعْفُوا ولْيَصْفَحُوا أَلا
تُحِبُّونَ أنْ يَغْفِرَ الله لَكُمْ وَالله غَفُورٌ
رَحِيمٌ} (النُّور: 22)
أَي: هَذَا بَاب فِي قَوْله عز وَجل: {وَلَا يَأْتَلِ}
إِلَى آخِره، وَلَيْسَ فِي كثير من النّسخ لفظ: بَاب، وَلم
تثبت هَذِه الْآيَة هُنَا إِلَّا لأبي ذَر وَحده. قَوْله:
(وَلَا يَأْتَلِ) قَالَ أَبُو عُبَيْدَة: مَعْنَاهُ وَلَا
يفتعل، من آلَيْت أَي: أَقْسَمت، وَعَن ابْن عَبَّاس: (لَا
يَأْتَلِ) أَي: لَا يقسم، وَقد مر الْكَلَام فِيهِ عَن
قريب، وَقَالَ الْأَخْفَش: وَإِن شِئْت جعلته من قَول
الْعَرَب: مَا ألوت جهدي فِي شَأْن فلَان، أَي: مَا تركته
وَلَا قصرت فِيهِ.
7574 - {وَقَالَ أبُو أُسامَةَ}
وَفِي بعض النّسخ: قَالَ أَبُو عبد الله: قَالَ أَبُو
أُسَامَة. وَهُوَ حَمَّاد بن أُسَامَة وَأَبُو عبد الله
هُوَ البُخَارِيّ نَفسه، وَفِي: (التَّلْوِيح) : يُرِيد
بِهَذَا التَّعْلِيق مَا رَوَاهُ مُسلم فِي: (صَحِيحه) عَن
أبي بكر بن أبي شيبَة وَأبي كريب عَن أبي أُسَامَة بِهِ،
وَقَالَ الْكرْمَانِي: وَفِي بعض النّسخ حَدثنَا إِسْحَاق
قَالَ: نَا حميد بن الرّبيع الخراز، وَقَالَ بَعضهم:
وَوَقع فِي رِوَايَة الْمُسْتَمْلِي عَن الْفربرِي:
حَدثنَا حميد ابْن الرّبيع. نَا أَبُو أُسَامَة، فَظن
الْكرْمَانِي أَن البُخَارِيّ وَصله عَن حميد بن الرّبيع،
وَلَيْسَ كَذَلِك، بل هُوَ خطأ فَاحش فَلَا تعْتَبر بِهِ.
انْتهى. قلت: هَذَا حط على الْكرْمَانِي بِغَيْر فهم
كَلَامه، فَإِنَّهُ لم يقل مثل مَا نسبه إِلَيْهِ،
وَإِنَّمَا قَالَه مثل مَا نقلت عَنهُ، وَلم يقل: حَدثنَا
حميد بن الرّبيع، وَإِنَّمَا قَالَ: حَدثنَا إِسْحَاق،
قَالَ: حَدثنَا حميد بن الرّبيع، نقل ذَلِك على مَا رَآهُ
فِي بعض النّسخ، وَلَيْسَ عَلَيْهِ فِي ذَلِك شَيْء.
عنْ هِشَامِ بنِ عُرْوَةَ قَالَ أخْبَرَني أبي عنْ
عائِشَةَ قالَتْ لَمَّا ذُكِرَ مِنْ شَأْني الَّذِي ذُكِرَ
وَمَا عَلِمْتُ بِهِ قَامَ رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم فيَّ خَطِيباً فَتَشَهَّدَ فَحَمِدَ الله وأثْنَى
عَلَيْهِ بِمَا هُوَ أهْلُهُ ثُمَّ قَالَ أمّا بَعْدُ
أشِيُروا عَلَيَّ فِي أُناسٍ أبَنُوا أهْلِي وأيْمُ الله
مَا عَلِمْتُ عَلَى أهْلِي مِنْ سُوءٍ وأبَنُوهُمْ بِمَنْ
وَالله مَا عَلِمْتُ عَلَيْهِ مِنْ سُوءٍ قَطُّ وَلَا
يَدْخُلُ بَيْتِي قَطُّ إلاّ وَأَنا حاضِرٌ وَلَا غِبْتُ
فِي سَفَرٍ إلاّ غابَ معِي فقامَ سَعْدُ بنُ مُعاذِ
فَقَالَ ائْذَنْ لِي يَا رسولَ الله أنْ نَضْرِبَ
أعْناقَهُمْ وقامَ رَجُلٌ مِنْ بَني
(19/89)
الخَزْرَجِ وكانتْ أُمُّ حَسّانَ بنِ
ثابِتٍ مِنْ رَهْطِ ذالِكَ الرَّجُلِ فَقَالَ كَذَبْتَ أما
وَالله أنْ لَوْ كانُوا مِنَ الأوْسِ مَا أحْبَبْت أنْ
تُضْرَبَ أعْناقُهُمْ حَتَّى كادَ أنْ يكُونَ بَيْنَ
الأوْسِ والخَزْرَجِ شَرٌّ فِي المَسْجدِ وَمَا عَلِمْتُ
فَلَمّا كَانَ مَساءُ ذالِكَ اليَوْمِ خَرَجْتُ لِبَعْضِ
حاجَتِي ومَعِي أُمُّ مِسْطَحٍ فعَثَرَتْ وقالَتْ تَعَسَ
مِسْطَحٌ فقُلْتُ أيْ أمِّ تَسُبِّينَ ابنَكِ وسَكَتَتْ
ثُمَّ عَثَرَتِ الثّانِيَةَ فقالَتْ تَعَسَ مِسْطَحٌ
فَقُلْتُ لَها تَسُبِّينَ ابْنَكِ ثُمَّ عَثَرَتِ
الثالِثَةَ فقالَتْ تَعَسَ مَسْطَحٌ فانْتَهَرْتُها
فقالَتْ وَالله مَا أسُبُّهُ إلاّ فِيكِ فقُلْتُ فِي أيِّ
شأني قالَتْ فَبَقَرَتْ لِي الحَدِيثَ فَقُلْتُ وَقَدْ
كانَ هاذَا قالَتْ نَعَمْ وَالله فَرَجَعْتُ إِلَى بَيْتي
كَأنَّ الَّذِي خَرَجْتُ لَهُ لَا أجِدُ مِنْهُ قَلِيلاً
وَلَا كَثِيراً وَوُعكْتُ فَقُلْتُ لرسولِ الله صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم أرْسِلْني إِلَى بَيْتِ أبي فأرْسَلَ مَعِي
الغُلاَمَ فَدَخَلْتُ الدَّارَ فَوَجَدْتُ أُمَّ رُومانَ
فِي السُّفْلِ وَأَبا بَكْرٍ فَوْقَ البَيْتِ يَقْرَأُ
فقالَتْ أُمِّي مَا جاءَ بِكِ يَا بُنَيَّةُ فأخْبَرْتُها
وَذَكَرْتُ لَها الحدِيثَ وَإِذا هُوَ لَمْ يَبْلُغْ
مِنْها مِثْلَ مَا بَلَغَ مِنِّي فقالَتْ يَا بُنَيَّةُ
خَفِّضِي عَلَيِكِ الشأْنَ فإنَّهُ وَالله لَقَلَّما
كانَتِ امْرَأةٌ قَطُّ حَسْناءُ عِنْدَ رَجُلٍ يُحِبُّها
لَها ضَرَائِرُ إلاّ حَسَدْنَها وقِيلَ فِيها وَإِذا هُوَ
لَمْ يَبْلُغْ مِنْها مَا بَلَغَ مِنِّي قُلْتُ وَقَدْ
عَلِمَ بِهِ أبي قالَتْ نَعَمْ قُلْتُ ورسولُ الله صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم قالَتْ نَعَمْ ورسُولُ الله صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم واسْتَعْبَرْتُ وَبَكَيْتُ فَسَمَعَ أبُو
بَكْرٍ صَوْتِي وهْوَ فَوْقَ البَيْتِ يَقْرَأُ فَنَزَلَ
فَقَالَ لأمِّي مَا شأنُها قالَتْ بَلَغَها الَّذِي ذُكِرَ
مِنْ شأنِها فَفاضَتْ عَيْناهُ قَالَ أقْسَمْتُ عَلَيْكِ
أيْ بُنَيَّةُ إلاّ رجَعْتِ إِلَى بَيْتِكِ فَرَجَعْتُ
وَلَقَدْ جاءَ رسُولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
بَيْتِي فَسَأل عَنِّي خادِمَتي فقالَتْ لَا وَالله مَا
عَلِمْتُ عَلَيْها عَيْباً إلاّ أنّها كانَتْ تَرْقُدُ
حَتَّى تَدْخُلَ الشّاةُ فَتَأكُلَ خَمِيرَها أوْ
عَجِينَها وانْتَهَرَها بَعْضُ أصْحابِهِ فَقَالَ اصْدُقِي
رسولَ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حَتَّى أسْقَطُوا لَها
بِهِ فقالَتْ سُبْحانَ الله وَالله مَا عَلِمْتُ عَلَيْها
إلاّ مَا يَعْلَمُ الصَّائِغُ عَلَى تِبْرِ الذَّهَبِ
الأحْمَر وَبَلَغَ الأمْرُ إِلَى ذَلِكَ الرجُلِ الَّذِي
قِيلَ لَهُ فَقَالَ سُبْحانَ الله وَالله مَا كَشَفْتُ
كَنَفَ أُنْثَى قَط قالَتْ عائِشَةُ فقُتِلَ شَهِيداً فِي
سَبِيلِ الله قالَتْ وأصْبَحَ أبَوَايَ عِنْدِي فَلَمْ
يَزَالا حَتَّى دَخَلَ عَلَيَّ رسولُ الله صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم وَقَدْ صَلَّى العَصْرَ ثُمَّ دَخَلَ وقَدِ
اكْتَنَفَنِي أبَوَايَ عَنْ يَمِينِي وعَنْ شِمالِي
فَحَمِدَ الله وأثْنَى عَلَيْهِ ثُمَّ قَالَ أمَّا بَعْدُ
يَا عائِشَةُ إنْ كُنْتِ قارَفْتِ سُوءاً أوْ ظَلمْتِ
فتُوبِي إلَى الله فإِنَّ الله يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ
عِبادِهِ قالَتْ وَقَدْ جاءَتِ امْرَأةٌ مِنَ الأنصارِ
فَهْيَ جالِسَةٌ بالبَابِ فَقُلْتُ أَلا تَسْتَحِي مِنْ
هاذِهِ المَرْأةِ أنْ تَذْكُرَ شَيْئاً فَوَعَظَ رسولُ
الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فالْتَفَتُّ إلَى أبي
فَقُلْتُ أجِبْهُ قَالَ فَماذا أقُولُ فالْتَفَتُّ إلَى
أُمِّي فَقُلْتُ أجِيبِيهِ فقالَتْ أقُولُ ماذَا فَلَمَّا
لَمْ يُجِيباهُ تَشَهَّدْتُ فَحَمَدْتُ الله وأثْنَيْتُ
عَلَيْهِ بِمَا هُوَ أهْلُهُ ثُمَّ قُلْتُ أمّا بَعْدُ
فوَالله لَئِنْ قُلْتُ لَكُمْ إنِّي لَمْ أفْعَلْ وَالله
عَزَّ وجَلَّ يَشْهَدُ إنِّي لَصادِقَةٌ مَا ذَاكَ
بنَافِعي عِنْدَكُمْ لَقَدْ تَكَلَّمْتمْ بِهِ
وأُشْرِبَتْهُ قُلُوبُكُمْ وإنْ قُلْتُ إنِّي فَعَلْتُ
وَالله يَعْلَمُ أنِّي لَمْ أفْعَلْ لَتَقُولُنَّ قَدْ
باءَتْ بِهِ
(19/90)
عَلَى نَفْسِها وإنِّي وَالله مَا أجِدُ
لِي وَلَكُمْ مَثَلاً والتَمَسْتُ إسْمَ يَعْقُوبَ فَلَمْ
أقْدِرْ عَلَيْهِ إلاّ أَبَا يُوسُفَ حِينَ قَالَ فَصَبْرٌ
جَمِيلٌ وَالله المُسْتَعانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ
وأُنْزِلَ عَلَى رسولِ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مِنْ
ساعَتِهِ فَسَكَتْنا فَرُفِعَ عَنْهُ وإنِّي لأَتَبَيَّنُ
السُّرُورَ فِي وجْهِهِ وهْوَ يَمْسَحُ جَبِينَهُ
وَيَقُولُ أبْشِرِي يَا عائِشَةُ فَقَدْ أنْزَلَ الله
بَرَاءَتَكِ قالَتْ وكُنْتُ أشَدَّ مَا كُنْتُ غَضَباً
فَقَالَ لي أبَوَايَ قُومِي إلَيْهِ فَقُلْتُ وَالله لَا
أقُومُ إلَيْهِ وَلَا أحْمَدُهُ وَلاَ أحْمَدُكُما ولاكِنْ
أحْمَدُ الله الَّذِي أنْزَلَ بَرَاءَتي لَقَدْ
سَمِعْتُمُوهُ فَما أنْكَرْتُمُوهُ وَلَا غَيَّرْتُمُوهُ
وكانَتْ عائِشَةُ تقُولُ أمّا زَيْنَبُ ابْنَةُ جَحْشٍ
فَعَصَمَها الله بدِينِها فَلَمْ تَقُلْ إلاّ خَيْراً
وأمّا أُخْتُها حَمْنَةُ فَهَلَكَتْ فيمَنْ هَلَكَ وكانَ
الَّذِي يَتَكَلَّمُ فِيهِ مِسْطَحٌ وحَسّانُ بنُ ثابِتٍ
والمُنافِقُ عَبْدُ الله بنُ أُبَيّ وهْوَ الَّذِي كانَ
يَسْتَوشِيهِ وَيَجْمَعُهُ وَهْوَ الَّذِي تَوَلَّى
كِبْرَهُ مِنْهُمْ هُوَ وَحَمْنَةُ قالتْ فَحَلَفَ أبُو
بَكْرٍ أَن لَا يَنْفَعِ مِسْطَحاً بِنافِعَةٍ أبَداً
فأنْزَلَ الله عَزَّ وَجَلَّ وَلَا يأتَلِ أولُوا الفَضْلِ
مِنْكُمْ إِلَى آخِرِ الآيةِ يعْنِي أَبَا بَكْرٍ
والسَّعَةِ أنْ يُؤْتُوا أُولِي القُرْبَى والمَساكِينَ
يَعْنِي مِسْطَحاً إِلَى قَوْلِهِ أَلا تُحِبُّونَ أنْ
يَغْفِرَ الله لَكُمْ وَالله غَفُورٌ رحيمٌ حَتَّى قَالَ
أَبُو بَكْرٍ بَلَى وَالله يَا رَبَّنا إنّا لَنُحِبُّ أنْ
تَغْفِرَ لَنا وَعَاد لَهُ بِمَا كانَ يَصْنَعُ..
هَذَا طَرِيق آخر فِي قصَّة الْإِفْك، وَهُوَ مُعَلّق
كَمَا ذكرنَا، وأسنده مُسلم فِي كتاب التَّوْبَة
مُخْتَصرا. قَوْله: (لما ذكر من شأني) ، على صِيغَة
الْمَجْهُول، والشأن الْأَمر، وَالْحَال. قَالَه
الْجَوْهَرِي. قَوْله: (وَمَا علمت بِهِ) الْوَاو فِيهِ
للْحَال. قَوْله: (قَامَ) جَوَاب: لما. قَوْله: (فِي) :
بِكَسْر الْفَاء وَتَشْديد الْيَاء. قَوْله: (أبنوا)
بِفَتْح الْبَاء الْمُوَحدَة وَرُوِيَ بِالتَّخْفِيفِ
وَالتَّشْدِيد وَالتَّخْفِيف أشهر، وَمَعْنَاهُ اتهموا
أَهلِي، وَالِابْن بِفَتْح الْهمزَة التُّهْمَة، يُقَال:
ابْنه يأبنه، بِضَم الْبَاء وَكسرهَا إِذا اتهمه ورماه
بخلة سوء فَهُوَ مأبون، قَالُوا: وَهُوَ مُشْتَقّ من
الابْن، بِضَم الْهمزَة وَفتح الْبَاء وَهِي العقد فِي
القسي تفسدها. قَوْله: (وابنوهم بِمن) ، كلمة: من، هُنَا
عبارَة عَن صَفْوَان. قَوْله: (وَالله) إِلَى قَوْله:
(فَقَامَ سعد بن معَاذ) فِي بَرَاءَة صَفْوَان وَبَيَان
دينه المتين، وَقَامَ رجل هُوَ سعد بن عبَادَة. قَوْله:
(أم حسان) ، وَهِي الفريعة بنت خَالِد بن حسر بن لوذان بن
عبدود بن زيد بن ثَعْلَبَة بن الْخَزْرَج بن كَعْب بن
سَاعِدَة الْأَنْصَارِيَّة، والفريعة بِضَم الْفَاء
وبالعين الْمُهْملَة. قَوْله: (فِيك) ، كلمة: فِي، هُنَا
للتَّعْلِيل أَي: لِأَجلِك. قَوْله: (فنقرت) ، بالنُّون
وَالْقَاف، أَي أظهرت وقررت بعجزه وبجره، قَالَه
الْكرْمَانِي: وَقَالَ ابْن الْأَثِير فِي بَاب الْبَاء
الْمُوَحدَة مَعَ الْقَاف: وَمِنْه فبقرت لَهَا الحَدِيث،
أَي: فَتحته وكشفته. قَوْله: (لَا أجد مِنْهُ لَا قَلِيلا
وَلَا كثيرا) مَعْنَاهُ: أَنِّي دهشت بِحَيْثُ مَا عرفت
لأي أَمر خرجت من الْبَيْت. قَوْله: (ووعكت) ، بِضَم
الْوَاو أَي: مَرضت بحمى. قَوْله: (أم رُومَان) قد ذكرنَا
أَنه بِضَم الرَّاء وَفتحهَا، وَقَالَ الْكرْمَانِي:
اسْمهَا زَيْنَب. قَوْله: (فِي السّفل) ، بِكَسْر السِّين
وَضمّهَا. قَوْله: (أَقْسَمت عَلَيْك) ، هَذَا مثل
قَوْلهم. نشدتك بِاللَّه إلاَّ فعلت أَي: مَا أطلب مِنْك
إلاَّ رجوعك إِلَى بَيت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم. قَوْله: (عَن خادمتي) ، ويروى: عَن خادمي،
وَالْخَادِم يُطلق على الذّكر وَالْأُنْثَى وَالْمرَاد
بهَا بَرِيرَة بِفَتْح الْبَاء الْمُوَحدَة. قَوْله:
(حَتَّى أسقطوا لَهَا بِهِ) ، قَالَ النَّوَوِيّ: هَكَذَا
هُوَ فِي جَمِيع النّسخ: ببلادنا، بِالْبَاء الَّتِي هِيَ
حرف الْجَرّ، كَذَا نَقله القَاضِي عَن رِوَايَة الجلودي،
وَفِي رِوَايَة ابْن هامان: لهاتها، بِالتَّاءِ
الْمُثَنَّاة من فَوق. قَالَ الْجُمْهُور: هَذَا غلط
وَالصَّوَاب الأول، وَمَعْنَاهُ: صَرَّحُوا لَهَا
بِالْأَمر، وَلِهَذَا قَالَت: سُبْحَانَ الله استعظاماً
لذَلِك، وَقيل: مَعْنَاهُ أَتَوا بسقط من القَوْل فِي
سؤالها وانتهارها، وَيُقَال: أسقط وَسقط فِي كَلَامه إِذا
أَتَى فِيهِ بساقط، وَقيل: إِذا أَخطَأ فِيهِ وعَلى
رِوَايَة ابْن ماهان: إِن صحت مَعْنَاهُ أسكتوها، وَهَذَا
ضَعِيف، لِأَنَّهَا لم تسكت بل قَالَت: سُبْحَانَ الله،
وَالضَّمِير فِي بِهِ عَائِد إِلَى الِانْتِهَار أَو
السُّؤَال، وَقَالَ الْكرْمَانِي: ويروى: (الهابة) ،
(19/91)
بِلَفْظ الْمصدر من اللهيب. قَوْله: (على تبر الذَّهَب) ،
بِكَسْر التَّاء الْمُثَنَّاة من فَوق وَسُكُون الْبَاء
الْمُوَحدَة وَهُوَ الْقطعَة الْخَالِصَة. قَوْله: (وَبلغ
الْأَمر) . أَي: أَمر الْإِفْك. قَوْله: (إِلَى ذَلِك
الرجل) ، وَهُوَ صَفْوَان. قَوْله: (كنف أُنْثَى) ،
بِفَتْح الْكَاف وَالنُّون وَهُوَ السَّاتِر وَأَرَادَ
بِهِ الثَّوْب. قَوْله: (فَقتل شَهِيدا فِي سَبِيل الله)
وَهُوَ صَفْوَان بن الْمُعَطل السّلمِيّ، وَقَالَ ابْن
إِسْحَاق: قتل صَفْوَان بن الْمُعَطل فِي غَزْوَة أرمينية
شَهِيدا. وأميرهم يومئذٍ عُثْمَان بن الْعَاصِ سنة تسع
عشرَة فِي خلَافَة عمر رَضِي الله عَنهُ، وَقيل: إِنَّه
مَاتَ بالجزيرة فِي نَاحيَة شمشاط وَدفن هُنَاكَ، وَقيل
غير ذَلِك. قَوْله: (قارفت) ، بِالْقَافِ وَالرَّاء
وَالْفَاء، أَي: كسبت. قَوْله (وَقد جَاءَت امْرَأَة)
قَوْله: (أَقُول مَاذَا) ، فَإِن قلت: الِاسْتِفْهَام
يَقْتَضِي الصدارة. قلت: هُوَ مُتَعَلق بِفعل مُقَدّر
بعده. قَوْله: (وأشربته) ، على صِيغَة الْمَجْهُول
وَالضَّمِير الْمَنْصُوب فِيهِ يرجع إِلَى أَمر الْإِفْك،
(وقلوبكم) مَرْفُوع بقوله: أشربت. قَوْله: (باءت بِهِ على
نَفسهَا) ، أَي: أقرَّت بِهِ. قَوْله: (أَشد مَا كنت
غَضبا) نَحْو قَوْلهم: أَخطب مَا يكون الْأَمِير قَائِما.
قَالَ الْكرْمَانِي قلت: لَيْسَ كَذَلِك لِأَن قَوْله:
أَخطب، فِي قَوْله: (أَخطب مَا يكون) مُبْتَدأ. وَقَوله
(قَائِما) حَال سد مسد الْخَبَر. وَالتَّقْدِير: أَخطب
كَون الْأَمِير قَائِما حَاصِل. وَقَوله: (أَشد مَا كنت)
خبر قَوْله: (وَكنت أَشد مَا كنت) ، وَقَوله: (غَضبا) خبر:
كنت الثَّانِي، وَالْمعْنَى: وَكنت حِين أخبر النَّبِي صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم ببراءتي أَشد أَي أقوى مَا كنت غَضبا
من غَضَبي، قبل ذَلِك. قَوْله: (ذَلِك) ، لِأَن أفعل
التَّفْضِيل يسْتَعْمل إِمَّا بِالْإِضَافَة أَو بِمن أَو
بِالْألف وَاللَّام، وَهنا يَقْتَضِي الْحَال اسْتِعْمَاله
بِمن على مَا لَا يخفى. قَوْله: (فعصمها الله) أَي: حفظهَا
ومنعها. قَوْله: (فَهَلَكت فِيمَن هلك) ، أَي: حدت فِيمَن
حد. قَوْله: (يستوشيه) ، أَي: يطْلب مَا عِنْده ليزيده
ويريبه. قَوْله: (وَلَا يَأْتَلِ) أَي: وَلَا يحلف، وَمضى
الْكَلَام فِيهِ فِي قصَّة الْإِفْك مُسْتَوفى فِي كتاب
الشَّهَادَات. |