عمدة القاري شرح صحيح البخاري

2 - (بابٌ: {نَجْرِي بِأَعْيُنِنَا جَزَاءً لِمَنْ كَانَ كُفِرَ وَلَقَدْ تَرَكْناهَا آيَةً فَهَلْ مِنْ مُذِّكِر} (31، 51)

أَي: هَذَا بَاب فِي قَوْله عز وَجل: {تجْرِي بأعيننا} إِلَى آخِره، وَقيل: (حملناه على ذَات أَلْوَاح ودسر تجْرِي بأعيننا) أَي: حملنَا نوحًا عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام. قَوْله: (على ذَات أَلْوَاح) ، أَي: على سفينة ذَات أَلْوَاح ودسر تجْرِي بأعيننا أَي: بمر أَي مناو عَن مقَاتل بن حَيَّان، يحفظنا، وَعَن مقَاتل بن سُلَيْمَان: بوحينا. وَعَن سُفْيَان بأمرنا. قَوْله: (جَزَاء) ، مفعول لَهُ لما قدم من فتح أَبْوَاب السَّمَاء وَمَا بعده أَي: فعلنَا ذَلِك جَزَاء لمن كَانَ كفر أَي: جحد وَهُوَ نوح، عَلَيْهِ السَّلَام، وَجعله مكفور لِأَن النَّبِي نعْمَة الله وَرَحمته فَكَانَ نوح، عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام، نعْمَة مكفورة، وَقَالَ الْفراء: جَزَاء بكفرهم. قَوْله: (وَلَقَد تركناها) ، أَي: السَّفِينَة آيَة، أَي: عِبْرَة حَتَّى نظرت إِلَيْهَا أَوَائِل هَذِه الْأمة، وَكم من سفينة بعْدهَا صَارَت رَمَادا وَعَن قَتَادَة أَلْقَاهَا الله تَعَالَى بِأَرْض الجزيرة. وَقيل: على الجودي دهرا طَويلا حَتَّى نظر إِلَيْهَا أَوَائِل هَذِه الْأمة. قَوْله: (فَهَل من مُذَكّر) ، مُعْتَبر متعظ وخائف مثل عقوبتهم فَكيف كَانَ اسْتِفْهَام تَعْظِيم لما مضى وتخويف لمن لَا يُؤمن بِمُحَمد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم. قَوْله: (وَنذر) أَي: إنذاري.
قَالَ قَتَادَةُ أبْقَى الله سَفِينَةَ نُوحٍ حَتَّى أدْرَكَهَا أوَائِلُ هاذِهِ الأُمَّةِ

هَذَا التَّعْلِيق رَوَاهُ الْحَنْظَلِي عَن أَبِيه عَن هِشَام بن خَالِد حَدثنَا سعيد بن إِسْحَاق قَالَ: حَدثنَا سعيد عَن قَتَادَة أبقى الله عز وَجل السَّفِينَة بباقرين من أَرض الجزيرة عِبْرَة وَآيَة حَتَّى نظرت إِلَيْهَا أَوَائِل هَذِه الْأمة. وَكم من سفينة كَانَت بعْدهَا فَصَارَت رَمَادا. وَعند عبد بن حميد: أدْركهَا أَوَائِل هَذِه الْأمة على الجودي.

9684 - حدَّثنا حَفْصُ بنُ عُمَرَ حدَّثنا شَعْبَةُ عَنْ أبِي إسْحَاقَ عنِ الأسْوَدِ عَنْ عَبْدِ الله قَالَ كَانَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقْرَأُ: {فَهَلْ مِنْ مُذَّكِر} .
أَبُو إِسْحَاق عَمْرو بن عبد الله السبيعِي وَالْأسود بن يزِيد النَّخعِيّ الْكُوفِي، وَعبد الله بن مَسْعُود، والْحَدِيث قد مضى فِي أَحَادِيث الْأَنْبِيَاء، عَلَيْهِم الصَّلَاة وَالسَّلَام. قَوْله: (من مُذَكّر) يَعْنِي: بِالدَّال الْمُهْملَة.

(بابٌ: {وَلَقَدْ يَسَّرْنَا القُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُذِّكِر} (الْقَمَر: 71) قَالَ مُجاهِدٌ يَسَّرْنا هَوَّنَّا قِرَاءَتَهُ)
أَي: هَذَا بَاب فِي قَوْله تَعَالَى: {وَلَقَد يسرنَا الْقُرْآن للذّكر} وَفسّر مُجَاهِد قَوْله: (يسرنَا) بقوله: (هوَّنا قِرَاءَته) هَكَذَا رَوَاهُ عبد بن حميد عَن شَبابَة عَن وَرْقَاء عَن ابْن أبي نجيح عَنهُ، وَعَن سعيد ب جُبَير: يسرناه للْحِفْظ ظَاهرا وَلَيْسَ من كتب الله كتاب يقْرَأ كُله ظَاهرا إلاَّ الْقُرْآن. قَوْله: (للذّكر) أَي: ليتذكر وَيعْتَبر بِهِ ويتفكر فِيهِ.

0784 - حدَّثنا مُسَدَّدٌ عَنْ يَحْيَى عَنْ شَعْبَةَ عَنْ أبِي إسْحَاقَ عَنِ الأسْوَدِ عَنْ عَبْدِ الله رَضِيَ الله عَنهُ عَنِ النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أنَّهُ كَانَ يَقْرَأُ: {فَهَلْ مِنْ مُذَّكِرٍ} .
هَذَا طَرِيق آخر فِي حَدِيث عبد الله بن مَسْعُود أخرجه عَن مُسَدّد عَن يحيى الْقطَّان عَن شُعْبَة عَن أبي إِسْحَاق عَمْرو بن عبد الله عَن الْأسود بن يزِيد عَن عبد الله بن مَسْعُود. قَوْله: (من مُذَكّر) ، يَعْنِي: بِالدَّال الْمُهْملَة، وَسبب ذكر ذَلِك أَن بعض السّلف قَرَأَهَا بِالذَّالِ الْمُعْجَمَة وَنقل ذَلِك عَن قَتَادَة أَيْضا.

3 - (بابٌ: {أعْجَازُ نَخْلٍ مُنْقَعِرٍ فَكَيْفَ كَانَ عَذَابِي وَنُذُرِ} (الْقَمَر: 02، 12)

أَي: هَذَا بَاب فِي قَوْله تَعَالَى: {تنْزع النَّاس كلهم أعجاز نخل منقعر} (الْقَمَر: 2) هَذِه الْآيَة وَمَا قبلهَا فِيمَا جرى على عَاد. قَوْله: {تنْزع النَّاس} أَي: الرّيح الصرصر الْمُذكر فِيمَا قبله تنْزع النَّاس أَي: تقلعهم ثمَّ ترمي بهم على رُؤْسهمْ فتدق رقابهم، وَعَن مُحَمَّد بن قرظة ابْن كَعْب عَن أَبِيه عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: أنتزعت الرّيح النَّاس من قُبُورهم. قَوْله: (أعجاز نخل) قَالَ ابْن عَبَّاس: أَي أصُول نخل. قَوْله: (منقعر) أَي: مُنْقَطع من مَكَانَهُ سَاقِط على الأَرْض، والأعجاز جمع عجز مثل عضد وأعضاد، وَالْعجز مُؤخر الشَّيْء

(19/208)


قَوْله: (فَكيف كَانَ عَذَابي) الْعَذَاب اسْم للتعذيب مثل الْكَلَام اسْم للتكليم. قَوْله: (وَنذر) (الْقَمَر: 81) أَي: إنذاري. وَقَالَ الْفراء: الْإِنْذَار وَالنّذر مصدران. تَقول الْعَرَب: أنذت إنذارا ونذرا، كَقَوْلِك: انفقت إنفاقا وَنَفَقَة.

1784 - حدَّثنا أبُو نُعَيْمٍ حدَّثنا زُهَيْرٌ عَنْ أبِي إسْحَاقَ أنَّهُ سَمِعَ رَجُلاً سألَ الأسْوَدَ فَهَلْ مِنْ مُذَّكِرٍ أوْ مُذَّكِرٍ فَقَالَ سَمِعْتُ عَبْدُ الله يَقْرَؤُها فَهَلْ مِنْ مُذَّكِرٍ دَالاً قَالَ وَسَمِعْتُ النبيَّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقْرَؤُها: {فَهَلْ مِنْ مُذَّكِرٍ} دَالاً.
هَذَا طَرِيق آخر فِي حَدِيث ابْن مَسْعُود الْمَذْكُور أخرجه عَن ابْن نعيم، بِضَم النُّون، الْفضل بن دُكَيْن عَن زُهَيْر ابْن مُعَاوِيَة عَن أبي إِسْحَاق عَمْرو إِلَى آخِره. قَوْله: (هَل من مُذَكّر أَو مُذَكّر) أَي: من مُذَكّر بِالذَّالِ الْمُعْجَمَة أَو مدكر بِالدَّال الْمُهْملَة، وأصل مُذَكّر مذتكر بتاء الافتعال بعد الدَّال الْمُعْجَمَة فأبدلت التَّاء دَالا مُهْملَة فَصَارَ مذدكر بِالذَّالِ الْمُعْجَمَة بعْدهَا الدَّال الْمُهْملَة ثمَّ أبدلت الْمُعْجَمَة مُهْملَة ثمَّ أدغمت الدَّال الْمُهْملَة فِي الدَّال الْمُهْملَة لِاجْتِمَاع الحرفين المتماثلين فَافْهَم. قَوْله: (دَالا) أَي: مدكر بِالدَّال الْمُهْملَة لَا بِالْمُعْجَمَةِ.

4 - (بابٌ: {فَكَانُوا كَهَشِيمِ المُخْتَظَرِ وَلَقَدْ يَسَّرْنا القُرْآنِ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُذِّكِرٍ} (الْقَمَر: 13)

أَي: هَذَا بَاب فِي قَوْله تَعَالَى: {فَكَانُوا كهشيم المحتظر} هَذَا فِي قَضِيَّة قوم صَالح، وَقَبله: {إِنَّا أرسلنَا عَلَيْهِم صَيْحَة وَاحِدَة فَكَانُوا كهشيم المحتظر} . قَوْله: (صَيْحَة) أَي: جِبْرِيل عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام، وَقد مر تَفْسِير الهشيم المحتظر عَن قريب.

2784 - حدَّثنا عَبْدَانُ أخْبرَنَا أبِي عَنْ شُعْبَةَ عَنْ أبِي إسْحَاقِ عنِ الأسْوَدِ عَنْ عَبْدِ الله رَضِيَ الله عَنْهُ عنِ النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَرَأَ: {فَهَلْ مِنْ مُذَّكِرٍ} .
هَذَا طَرِيق آخر فِي حَدِيث ابْن مَسْعُود أخرجه عَن عَبْدَانِ عَن أَبِيه عُثْمَان الْأَزْدِيّ الْمروزِي إِلَى آخِره.

5 - (بابٌ: {وَلَقَدْ صَبَّحَهُمْ بُكْرَةً عَذَابٌ مُسْتَقِرٌّ فَذُوقُوا عَذَابِي وَنُذُرِ} (الْقَمَر: 83، 93)

أَي: هَذَا بَاب فِي قَوْله تَعَالَى: {وَلَقَد سبحهم} الْآيَة هَذَا فِي قَضِيَّة قوم لوط صلى الله عَلَيْهِ وَسلم. قَوْله: (صبحهمْ) ، أَي: جَاءَهُم الْعَذَاب وَقت الصُّبْح بكرَة أول النَّهَار. قَوْله: (عَذَاب مُسْتَقر) ، أَي: دَائِم عَام اسْتَقر فيهم حَتَّى يُفْضِي بهم إِلَى عَذَاب الْآخِرَة.

3784 - حدَّثنا مُحَمَّدٌ حدَّثنا شُعْبَةُ عَنْ أبِي إسْحَاقَ عنِ الأسْوَدِ عَنْ عَبْدِ الله عنِ النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أنَّهُ قَرَأَ: {فَهَلْ مِنْ مُذَّكِرٍ} .
هَذَا طَرِيق آخر فِي الحَدِيث الْمَذْكُور أخرجه عَن مُحَمَّد. قَالَ الغساني: كَأَنَّهُ ابْن بشار بِالْمُعْجَمَةِ وَإِن كَانَ مُحَمَّد بن الْمثنى يروي عَن غنْدر أَيْضا. وَذكر الكلاباذي أَن بنْدَار أَو ابْن الْمثنى وَابْن الْوَلِيد قد رووا عَن غنْدر فِي (الْجَامِع) قلت: الظَّاهِر أَنه مُحَمَّد ابْن بشار ولقبه بنْدَار، وغندر لقب حمد بن جَعْفَر وَقد تكَرر ذكرهَا.

(بابٌ: {وَلَقَدْ أهْلَكْنَا أشْيَاهَكُمْ فَهَلْ مِنْ مُذَّكِرٍ} (الْقَمَر: 15)
أَي: هَذَا بَاب فِي قَوْله تَعَالَى: {وَلَقَد أهلكنا أشياعكم فَهَل من مُذَكّر} هَذَا فِي قَضِيَّة الْقَدَرِيَّة وَفِي الْمُجْرمين. قَوْله: (أشياعكم) ، أَي: أشباهكم فِي الْكفْر من الْأُمَم السالفة.

4784 - حدَّثنا يَحْيَى حدَّثنا وكِيعٌ عَنْ إسْرَائِيلَ عَنْ أبِي إسْحَاقَ عَنِ الأسْوَدِ بنِ يَزِيدَ عَنِ عَبْدِ الله قَالَ قَرَأْتُ عَلَى النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَهَلْ مِنْ مُذَّكِرٍ فَقَالَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: {فَهَلْ مِنْ مُذَّكِرٍ} ..
هَذَا طَرِيق آخر فِي الحَدِيث الْمَذْكُور أخرجه عَن يحيى بن مُوسَى السّخْتِيَانِيّ الْبَلْخِي الَّذِي يُقَال لَهُ: الخت، بِالْخَاءِ الْمُعْجَمَة

(19/209)


وَتَشْديد التَّاء الْمُثَنَّاة من فَوق عَن وَكِيع عَن إِسْرَائِيل بن يُونُس عَن جده أبي إِسْحَاق عَمْرو السبيعِي إِلَى آخِره.
وَاعْلَم أَن البُخَارِيّ روى هَذَا الحَدِيث من سِتَّة طرق كَمَا رَأَيْت. الأول: مترجم بقوله: {تجْرِي بأعيننا} (الْقَمَر: 41) إِلَى آخِره، وَالْبَاقِي وَهُوَ الْخَمْسَة بِخمْس تراجم أَيْضا على رَأس كل تَرْجَمَة لفظ: بَاب، وَفِي بعض النّسخ لم يذكر لفظ بَاب، أصلا. وَقَالَ الْكرْمَانِي: مَا معنى تكْرَار هَذَا الحَدِيث فِي هَذِه التراجم السِّتَّة؟ وَمَا وَجه الْمُنَاسبَة بَينه وَبَينهَا؟ فَأجَاب بقوله: لَعَلَّ غَرَضه أَن الْمَذْكُور فِي هَذِه السُّورَة الَّذِي هُوَ فِي الْمَوَاضِع السِّتَّة كُله بِالْمُهْمَلَةِ. انْتهى. قلت: مدَار هَذَا الحَدِيث بِطرقِهِ على أبي إِسْحَاق عَن الْأسود بن يزِيد، وَأما فَائِدَة قَوْله: {فَذُوقُوا عَذَابي وَنذر وَلَقَد يسرنَا الْقُرْآن للذّكر فَهَل من مذر} (الْقَمَر: 93، 04) أَن يجددوا عِنْد اسْتِمَاع كل نبأ من الأنباء الَّتِي أَتَت من الْأُمَم السالفة إدكارا واتعاظا. وينتبهوا إِذا سمع الْحَث على ذَلِك.

6 - (بابٌ قَوْلِهِ: {سَيُهْزَمُ الجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ} (الْقَمَر: 54)

هَذَا وَمَا قبله فِي تخويف أهل مَكَّة كَانُوا يَقُولُونَ: نَحن جَمِيع منتصر، يَعْنِي: جمَاعَة أمرنَا مُجْتَمع منتصر مُمْتَنع لَا يرام وَلَا يضام. فَصدق الله وعده وَهَزَمَهُمْ يَوْم بدر. وَعَن عمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، لما نزل {سَيهْزمُ الْجمع وَيُوَلُّونَ الدبر} كنت لَا أَدْرِي أَي جمع يهْزم، فَلَمَّا كَانَ يَوْم بدر رَأَيْت النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يثب فِي درعه وَيَقُول: {سَيهْزمُ الْجمع وَيُوَلُّونَ الدبر} أَي: سَيهْزمُ كفار مَكَّة وَيُوَلُّونَ الأدبار، إِنَّمَا قَالَ: الدبر بِالْإِفْرَادِ وَالْمرَاد الْجمع لأجل رِعَايَة الفواصل.

5784 - حدَّثنا مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الله بنِ حَوْشَبٍ حدَّثنا عَبْدِ الوَهَّابَ حدَّثنا خَالِدٌ عَنْ عِكْرَمَةِ عنِ ابنِ عَبَّاسٍ.
وحدَّثني مُحَمَّدٌ أخْبرنا عَفَّانُ بنُ مُسْلِمٍ عَنْ وُهَيْبٍ حدَّثنا خَالِدٌ عَنْ عِكْرَمَةَ عَنِ ابنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ الله عَنْهُمَا أنَّ رَسُولَ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ وَهُوَ فِي قُبَّةٍ يَوْمَ بَدْرٍ اللَّهُمَّ إنِّي أنْشُدُكَ عَهْدَكَ وَوَعْدَكَ اللَّهُمَّ إنْ تَشَاءُ لَا تُعْبَدْ بَعْدَ اليَوْمِ فَأخَذَ أبُو بَكْرٍ بِيَدِهِ فَقَالَ حَسْبُكَ يَا رَسُولَ الله ألحَحْتَ عَلَى رَبِّكَ وَهُوَ يَثِبُ فِي الدَّرْعِ فَخَرَجَ وَهُوَ يَقُولُ: {سَيُهْزَمُ الجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُر} .
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. وَأخرجه من طَرِيقين: الأول: عَن مُحَمَّد بن عبد الله بن حَوْشَب عَن عبد الْوَهَّاب بن عبد الْمجِيد عَن خَالِد الْحذاء عَن عِكْرِمَة مولى ابْن عَبَّاس عَن ابْن عَبَّاس. الثَّانِي: عَن مُحَمَّد. قَالَ الغساني: لَعَلَّه مُحَمَّد بن يحيى الذهلي عَن عَفَّان بتَشْديد الْفَاء ابْن مُسلم الصفار الْبَصْرِيّ عَن وهيب مصغر وهب بن خَالِد الْبَاهِلِيّ الْبَصْرِيّ عَن خَالِد عَن عِكْرِمَة. وَقَالَ الجباني. قَوْله: (وحَدثني مُحَمَّد أخبرنَا عَفَّان) كَذَا فِي روايتنا عَن الْأصيلِيّ غير مَنْسُوب، وَكَذَا عِنْد أبي ذَر وَأبي نصر، قَالَ: وَسقط من نُسْخَة ابْن السكن ذكر مُحَمَّد هَذَا، وَقَالَ البُخَارِيّ: حَدثنَا عَفَّان عَن وهيب، وَهَذَا من مرسلات ابْن عَبَّاس لِأَنَّهُ لم يحضر الْقِصَّة، وَقد مر الحَدِيث فِي كتاب الْجِهَاد، فِي: بَاب مَا قيل فِي درع النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي غَزْوَة بدر فِي: بَاب قَول الله تَعَالَى: {إِذْ تَسْتَغِيثُونَ ربكُم} الْآيَة.
قَوْله: (أنْشدك) ، بِضَم الشين أَي: أطلبك الْعَهْد هُوَ نَحْو قَوْله تَعَالَى: {وَلَقَد سبقت كلمتنا لعبادنا الْمُرْسلين أَنهم لَهُم المنصورون} (الصافات: 171) والوعد هُوَ قَوْله تَعَالَى: {وَإِذ يَعدكُم الله إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ} ، قَوْله: (إِن نَشأ) ، مَفْعُوله مَحْذُوف، نَحْو: هَلَاك الْمُؤمنِينَ أَو قَوْله: لَا تعبد فِي حكم الْمَفْعُول وَالْجَزَاء هُوَ الْمَحْذُوف. قَوْله: (ألححت عَلَيْهِ) ، أَي: بالغت.

7 - (بابٌ: {بَلِ السَّاعَةُ مَوْعِدُهُمْ وَالسَّاعَةُ أدْهَى وَأَمْرُّ} (الْقَمَر: 64) يَعْنِي مِنْ المَرَارَةِ)

أَي: هَذَا بَاب فِي قَوْله عز وَجل: {بل السَّاعَة موعدهم} أَي: موعد عَذَابهمْ. قَوْله: (والساعة) ، أَي: عَذَاب يَوْم الْقِيَامَة. أدهى أَي: أَشد وأفظع، والداهية الْأَمر الْمُنكر الَّذِي لَا يهتدى لدوائه. قَوْله: (وَأمر) ، أَي: أعظم بلية وَأَشد مرَارَة من الْهَزِيمَة وَالْقَتْل والأسر يَوْم بدر.

6784 - حدَّثنا إبْرَاهِيمُ بنُ مُوسى احدَّثنا هِشَامُ بنُ يُوسُفَ أنَّ ابْنَ جُرَيْجٍ أخْبَرَهُمْ قَالَ

(19/210)


أخْبَرَنِي يُوسُفُ بنُ مَاهَكَ قَالَ إنِّي عِنْدَ عَائِشَةَ أُمِّ المُؤْمِنِينَ قَالَتْ لَقَدْ أُنْزِلَ عَلَى مُحَمَّدٍ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِمَكَةَ وَإنِّي لَجَارِيَةٌ ألْعَبُ: {بَلِ السَّاعَةُ مَوْعِدُهُمْ وَالسَّاعَةُ أدْهَى وَأمَرُّ} (الْقَمَر: 64) .
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. وَابْن جريج هُوَ عبد الْملك بن عبد الْعَزِيز بن جريج، ويوسف بن مَاهك هُوَ بِفَتْح الْهَاء مُعرب وَمَعْنَاهُ: القمير مصغر الْقَمَر وَهُوَ مَفْتُوح الْكَاف على الصَّحِيح، وَذكر البُخَارِيّ هَذَا الحَدِيث هُنَا مُخْتَصرا، وَسَيَأْتِي فِي فَضَائِل الْقُرْآن فِي بَاب تأليف الْقُرْآن مطولا فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ أَيْضا بِهَذَا الْإِسْنَاد. وَسَيَأْتِي الْكَلَام فِيهِ إِن شَاءَ الله تَعَالَى. [/ بش

7784 - حدَّثني إسْحَاقُ حدَّثنا خَالِدٌ عَنْ خَالِدٍ عَنْ عِكْرَمَةَ عنِ ابنِ عَبَّاسٍ أنَّ النَّبيَّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ وَهُوَ فِي قبَّةٍ لَهُ يَوْمَ بَدْرٍ أنْشُدُكَ عَهْدِكَ وَوَعْدَكَ اللَّهُمَّ إنْ شِئْتَ لَمْ تَعْبَدْ بَعْدَ اليَوْمِ أبَدا فأخَذَ أبُو بَكْرٍ بِيَدِهِ وَقَالَ حَسْبُكَ يَا رَسُولَ الله فَقَدْ ألْحَحْتَ عَلَى رَبَّكَ وَهُوَ فِي الدَّرْعِ فَخَرَجَ وَهُوَ يَقُولُ: {سَيُهْزَمُ الجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ بَلِ السَّاعَةُ مَوْعِدُهُمْ وَالسَّاعَةُ أدْهَى وَأمَرّ} .
هَذَا قد مضى فِي الْبَاب الَّذِي قبله وَإِسْحَاق هَذَا ذكر غير مَنْسُوب، ذكر جمَاعَة أَنه إِسْحَاق بن شاهين الوَاسِطِيّ وخَالِد الأول هُوَ ابْن عبد الله الطَّحَّان وخَالِد الثَّانِي هُوَ ابْن مهْرَان بِكَسْر الْمِيم الْحذاء بِفَتْح الْحَاء الْمُهْملَة وَتَشْديد الذَّال الْمُعْجَمَة وبالمد. قَوْله: (وَهُوَ فِي الدرْع) ، وَقع حَالا. وَكَذَلِكَ قَوْله: (وَهُوَ يَقُول) حَال. قَوْله: (فَخرج) أَي: من الْقبَّة المنصوبة لَهُ.
(بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم)

55 - ( {سُورَةُ الرَّحْمانِ} )

أَي: هَذَا فِي تَفْسِير بعض سُورَة: {الرَّحْمَن علم الْقُرْآن} (الرحمان: 1، 2) قَالَ أَبُو الْعَبَّاس: أَجمعُوا على أَنَّهَا مَكِّيَّة إلاَّ مَا روى همام عَن قَتَادَة أَنَّهَا مَدَنِيَّة. قَالَ: وَكَيف تكون مَدِينَة وَإِنَّمَا قَرَأَهَا النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بسوق عكاظ فَسَمعته الْجِنّ، وَأول شَيْء سَمِعت قُرَيْش من الْقُرْآن جَهرا سُورَة الرحمان. قَرَأَهَا ابْن مَسْعُود عِنْد الْحجر فضربوه، حَتَّى أثروا فِي وَجهه وَفِي رِوَايَة سعيد عَن قَتَادَة أَنَّهَا مَكِّيَّة، وَقَالَ السخاوي: نزلت قبل (هَل أَتَى) (الْإِنْسَان: 1) بعد سُورَة الرَّعْد، وَهِي ألف وسِتمِائَة وَسِتَّة وَثَلَاثُونَ حرفا، وثلاثمائة وَإِحْدَى وَخَمْسُونَ كلمة، وثمان وَسَبْعُونَ آيَة. نزلت حِين قَالُوا: وَمَا الرحمان؟ وَكَذَا وَقعت السُّورَة بِدُونِ الْبَسْمَلَة عِنْدهم، وَزَاد أَبُو ذَر الْبَسْمَلَة، والرحمان آيَة عِنْد الْأَكْثَرين وارتفاعه على أَنه مُبْتَدأ مَحْذُوف الْخَبَر أَو بِالْعَكْسِ، وَقيل: الْخَبَر {علم الْقُرْآن} وَهُوَ تَمام الْآيَة.
وَقَالَ مُجَاهِدٌ: بِحُسْبَانٍ: كَحُسْبَانِ الرَّحى

أَي: قَالَ مُجَاهِد فِي قَوْله تَعَالَى: {وَالشَّمْس وَالْقَمَر يحسبان كحسبان الرَّحَى} (الرَّحْمَن: 5) مَعْنَاهُ: يدوران فِي مثل قطب الرَّحَى، والحسبان قد يكون مصدر حسبت حسابا وحسبانا مثل الغفران والكفران والرجحان وَالنُّقْصَان والبرهان، وَقد يكون جمع حِسَاب كالشهبان والركبان والقضبان والرهبان، وَالتَّقْدِير: الشَّمْس وَالْقَمَر يجريان يحسبان، وَتَعْلِيق مُجَاهِد رَوَاهُ عبد بن حميد عَن شَبابَة عَن وَرْقَاء عَن ابْن أبي نجيح عَنهُ، وَلَفظ أبي يحيى عَنهُ. قَالَ: يدوران فِي مثل قطب الرَّحَى، كَمَا ذَكرْنَاهُ وَعَن الضَّحَّاك بِعَدَد يجريان، وَقيل: بِحِسَاب ومنازل لَا يعدونها. وَكَذَا رُوِيَ عَن ابْن عَبَّاس وَقَتَادَة وَعَن ابْن زيد وَابْن كيسَان: بهما تحسب الْأَوْقَات والأعمار والآجال، وَعَن السّديّ يأجل كآجال النَّاس، فَإِذا جَاءَ أجلهما هلكا، وَعَن يمَان، يجريان بِأَجل الدُّنْيَا وقضائها وفنائها.
وَقَالَ غَيْرُهُ: {وَأَقِيمُوا الوَزْنِ} يُرِيدُ لِسَانَ المِيزانِ

أَي: وَقَالَ غير مُجَاهِد فِي تَفْسِير قَوْله عز وَجل: {وَأقِيمُوا الْوَزْن بِالْقِسْطِ وَلَا تخسروا الْمِيزَان} (الرَّحْمَن: 9) (يُرِيد لِسَان الْمِيزَان) رُوِيَ هَكَذَا عَن أبي الدَّرْدَاء فَإِنَّهُ قَالَ: أقِيمُوا لِسَان الْمِيزَان بِالْقِسْطِ. أَي: بِالْعَدْلِ، وَعَن ابْن عُيَيْنَة: الْإِقَامَة بِالْيَدِ والقسط بِالْقَلْبِ (وَلَا تخسروا الْمِيزَان) أَي: لَا تطفقوا فِي الْمكيل والموزن.
وَالعَصْفُ يَقْلُ الزَرْعِ إذَا قُطِعَ مِنْهُ شَيْءٌ قَبْلَ أنْ يُدْرِكَ فَذالِكَ العَصْفُ وَالرَّيْحَانُ وَرَكُلُهُ وَالحبُّ

(19/211)


الَّذِي يُؤْكَلُ مِنْهُ وَالرَّيْحَانُ فِي كَلامِ العَرَبِ الرِّزْقُ وَقَالَ بَعْضُهُمْ وَالعَصْفُ يُرِيدُ المَأْكُولَ مِنَ الحَبِّ وَالرَّيْحَانُ النَّضِيجُ الَّذِي لَمْ يُؤْكَلْ: وَقَالَ غَيْرُهُ العَصْفُ وَرَقُ الحِنْطَةِ: وَقَالَ الضَحَّاكُ العَصْفُ التِّبْنُ: وَقَالَ أبُو مَالِكٍ العَصْفُ أوَّلُ مَا يَنْبُتُ تُسَمِّيهِ النَّبَطُ هَبُورَا: وَقَالَ مُجَاهِدٌ العَصْفُ وَرَقُ الحِنْطَةِ وَالرَّيْحَانِ الرِّزْقُ

أَشَارَ بِهَذَا إِلَى قَوْله تَعَالَى: {وَالْحب والعصف وَالريحَان} (الرحمان: 21) وَقَالَ: العصف بقل الزَّرْع إِذا قطع مِنْهُ شَيْء قبل أَن يدْرك، أَي: الزَّرْع فَذَلِك هُوَ العصف، كَذَا نقل عَن الْفراء، وَعَن ابْن كيسَان: العصف ورق كل شَيْء خرج مِنْهُ الْحبّ يَبْدُو أَولا وَرقا ثمَّ يكون سوقا، ثمَّ يحدث الله تَعَالَى فِيهِ أكماما، ثمَّ يحدث فِي الأكمام الْحبّ. وَعَن ابْن عَبَّاس: ورق الزَّرْع الْأَخْضَر إِذا قطعت رؤوسه ويبس هُوَ العصف. قَوْله: (وَالريحَان ورقه) ، أَي: ورق الْحبّ، وَفِي بعض النّسخ رزقه بالراء ثمَّ الزَّاي، وَنقل الثَّعْلَبِيّ عَن مُجَاهِد: الريحان الرزق، وَعَن مقَاتل بن حَيَّان: الريحان الرزق بلغَة حمير، وَعَن ابْن عَبَّاس: الريحان الرّبع، وَعَن الضَّحَّاك: هُوَ الطَّعَام، فالعصف هُوَ التِّين وَالريحَان ثَمَرَته، وَعَن الْحسن وَابْن زيد: هُوَ ريحانكم هَذَا الَّذِي تشمونه، وَعَن ابْن عَبَّاس. هُوَ خضرَة الزَّرْع. قَوْله: (وَالْحب الَّذِي يُؤْكَل مِنْهُ) ، أَي: من الزَّرْع. قَوْله: (وَالريحَان فِي كَلَام الْعَرَب الرزق) ، الرَّاء وَالزَّاي، تَقول الْعَرَب: خرجنَا نطلب ريحَان الله أَي: رزقه. قَوْله: (وَقَالَ بَعضهم والعصف يُرِيد الْمَأْكُول من الْحبّ) ، أَرَادَ بِالْبَعْضِ الْفراء فَإِنَّهُ قَالَ: العصف الْمَأْكُول من الْحبّ وَالريحَان النضيج الَّذِي لم يُؤْكَل، النضيج فعيل بِمَعْنى المنضوج، يُقَال: نضج الثَّمر وَاللَّحم نضجا ونضجا، أَي: أدْرك فَهُوَ نضيج وناضج وأنضجته أَنا. قَوْله: (وَقَالَ غَيره) ، كَذَا فِي رِوَايَة أبي ذَر، وَفِي رِوَايَة غَيره. وَقَالَ مُجَاهِد: العصف ورق الْحِنْطَة. كَذَا رَوَاهُ ابْن أبي نجيح عَنهُ. قَوْله: (وَقَالَ الضَّحَّاك: العصف التِّين) ، كَذَا ذكره فِي تَفْسِيره من رِوَايَة جُوَيْبِر عَنهُ. قَوْله: (وَقَالَ أَبُو مَالك) : لَا يعرف اسْمه. قَالَه أَبُو زرْعَة. وَقَالَ غَيره: اسْمه غَزوَان وَلَيْسَ لَهُ فِي البُخَارِيّ غَيره، وَهُوَ كُوفِي تَابِعِيّ ثِقَة. قَوْله: (النبط) بِفَتْح النُّون وَالْبَاء الْمُوَحدَة وبالطاء الْمُهْملَة، وهم أهل الفلاحة من الْأَعَاجِم ينزلون بالبطائح بَين العراقين. قَوْله: (هبورا) بِفَتْح الْهَاء وَضم الْبَاء الْمُوَحدَة المخففة وَسُكُون الْوَاو بعْدهَا رَاء، وَهُوَ دقاق الزَّرْع بالنبطية، وَقد قَالَ ابْن عَبَّاس فِي قَوْله تَعَالَى: {كعصف مَأْكُول} هُوَ الهبور، وَقَول أبي مَالك رَوَاهُ يحيى بن عبد الحميد عَن ابْن الْمُبَارك عَن إِسْمَاعِيل بن أبي خَالِد عَنهُ. قَوْله: (وَقَالَ مُجَاهِد) إِلَى آخِره، رَوَاهُ عبد بن حميد عَن شَبابَة عَن وَرْقَاء عَن ابْن أبي نجيح عَن مُجَاهِد.
وَالمَارِجُ اللَّهَبُ الأصْفَرُ وَالأخْضَرُ الَّذِي يَعْلُو النَّارَ إذَا أُوقِدَتْ

أَشَارَ بِهِ إِلَى قَوْله تَعَالَى: {وَخلق الجان من مارج من نَار} (الرحمان: 51) وَفسّر المارج بِالَّذِي ذكره، وَكَذَا رَوَاهُ ابْن أبي حَاتِم بِسَنَدِهِ عَن مُجَاهِد وَهُوَ من: مرج الْقَوْم إِذا اخْتَلَط، وَعَن ابْن عَبَّاس: هُوَ لِسَان النَّار الَّذِي يكون فِي طرفها إِذا التهب، وَقيل: من مارج من لَهب صَاف خَالص لَا دُخان فِيهِ، والجان أَبُو الْجِنّ، وَعَن الضَّحَّاك: هُوَ إِبْلِيس، وَعَن أبي عُبَيْدَة: الجان وَاحِد الْجِنّ.
وَقَالَ بَعْضُهُمْ قَالَ مُجَاهِأ رَبُّ المَشْرِقَيْنِ لِلشَّمْسِ فِي الشتَّاءِ مَشْرِقٌ وَمَشْرِقٌ فِي الصَّيْفِ وَرَبُّ المَغْرِبَيْنَ مَغْرِبُها فِي الشِّتَاءِ وَالصَّيْفِ.
أَشَارَ بِهِ إِلَى قَوْله تَعَالَى: {رب المشرقين وَرب المغربين} (الرحمان: 71) وَفَسرهُ بِمَا ذكره، وَرَوَاهُ ابْن الْمُنْذر عَن عَليّ بن الْمُبَارك حَدثنَا زيد أخبرنَا ابْن ثَوْر عَن ابْن جريج عَن مُجَاهِد.
لَا يَبْغِيَانِ: لَا يَخْتَلِطانِ

أَشَارَ بِهِ إِلَى قَوْله تَعَالَى: {مرج الْبَحْرين يَلْتَقِيَانِ بَينهمَا برزخ لَا يبغيان} (الرَّحْمَن: 91، 02) أَي: لَا يختلطان وَلَا يتغيران وَلَا يَبْغِي أَحدهمَا. على صَاحبه. وَعَن قَتَادَة: لَا يطغيان على النَّاس بِالْغَرَقِ، وَالْمرَاد بِالْبَحْرَيْنِ بَحر الرّوم وبحر الْهِنْد، كَذَا رُوِيَ عَن الْحسن. قَالَ: وَأَنْتُم الحاجز بَينهمَا، وَعَن قَتَادَة: بَحر فَارس وَالروم بَينهمَا برزخ وَهُوَ الجزائر، وَعَن مُجَاهِد وَالضَّحَّاك: يَعْنِي بَحر السَّمَاء وبحر الأَرْض يَلْتَقِيَانِ كل عَام، وَأخرج ابْن أبي حَاتِم من طَرِيق سعيد بن جُبَير عَن ابْن عَبَّاس، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا. قَالَ: بَينهمَا من الْبعد

(19/212)


مَا لَا يَبْغِي أَحدهمَا على صَاحبه، وَتَقْدِير. قَوْله: يَلْتَقِيَانِ. على هَذَا أَن يلتقيا فَحذف: أَن وَهُوَ شَائِع فِي كَلَام الْعَرَب. وَمِنْه قَوْله تَعَالَى: {وَمن آيَاته يريكم الْبَرْق} (الرّوم: 42) أَي: أَن يريكم الْبَرْق، وَهَذَا يُؤَيّد قَول من قَالَ: إِن المُرَاد بِالْبَحْرَيْنِ بَحر فَارس وبحر الرّوم، لِأَن مَسَافَة مَا بَينهمَا ممتدة.
المُنْشَآتُ مَا رُفِعَ قِلْعُهُ مِنَ السفُنِ فَأمَّا مَا لَمْ يُرْفَعْ قَلْعُهُ فَلَيْسَ بَمُنْشَأةٍ

أَشَارَ بِهِ إِلَى قَوْله تَعَالَى: {وَله الْجوَار الْمُنْشَآت فِي الْبَحْر كالأعلام} (الرَّحْمَن: 42) وفسرها بِمَا ذكر، وَهُوَ قَول مُجَاهِد أَيْضا، والجواري السفن الْكِبَار جمع جَارِيَة، والمنشآت المقيلات المبتديات اللَّاتِي أنشأت جريهن وسيرهن، وَقيل: الْمَخْلُوقَات المرفوعات المسخرات، وَقَرَأَ حَمْزَة وَأَبُو بكر عَن عَاصِم بِكَسْر الشين، وَالْبَاقُونَ بِفَتْحِهَا. قَوْله: (قلعه) بِكَسْر الْقَاف وَاقْتصر عَلَيْهِ الْكرْمَانِي، وَحكى ابْن التِّين فتحهَا أَيْضا، وَهُوَ الشراع.
وَقَالَ مجَاهِدٌ: كَالفَخَّارِ. كَمَا يُصْنَعُ الفخارُ

أَي: قَالَ مُجَاهِد فِي قَوْله تَعَالَى: {خلق الْإِنْسَان من صلصال كالفخار} (الرَّحْمَن: 41) قَوْله: (كَمَا يصنع) على صِيغَة الْمَجْهُول. أَي: يصنع الخزف وَهُوَ الطين الْمَطْبُوخ بالنَّار، وَلَيْسَ المُرَاد مِنْهُ صانعه، فَافْهَم، وَهَذَا فِي بعض النّسخ مُتَقَدم على مَا قبله، وَفِي بَعْضهَا مُتَأَخّر عَنهُ.
النُّحَاس: الصُّفْرُ، يُصَبُّ عَلَى رُؤُوسِهِمْ يُعَذَّبُونَ بِهِ

أَشَارَ بِهِ إِلَى قَوْله تَعَالَى: {يُرْسل عَلَيْكُمَا شواظ من نَار ونحاس فَلَا تنتصران} (الرَّحْمَن: 53) وَفسّر النّحاس بِمَا ذكره، وَكَذَا فسره مُجَاهِد، وَفِي بعض النّسخ: نُحَاس الصفر بِدُونِ الْألف وَاللَّام وَهُوَ الأصوب لِأَنَّهُ فِي التِّلَاوَة كَذَا قَوْله: (فَلَا تنتصران) أَي: فَلَا تمتنعان.
خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ يَهُمُّ بَالمَعْصِيَةِ فَيَذْكُرُ الله عَزَّ وَجَلَّ فَيَتْرُكُهَا

أَشَارَ بِهِ إِلَى قَوْله عز وَجل: {وَلمن خَافَ مقَام ربه جنتان} (الرَّحْمَن: 64) وَفَسرهُ بقوله: (يهم) أَي: يقْصد الرجل بِأَن يفعل مَعْصِيّة أرادها ثمَّ ذكر الله تَعَالَى وعظمته وَأَنه يُعَاقب على الْمعْصِيَة ويثيب على تَركهَا فيتركها فَيدْخل فِيمَن لَهُ جناتان، وَفِي بعض النّسخ: وَقَالَ مُجَاهِد: خَافَ مقَام ربه إِلَى آخِره، وَرَوَاهُ ابْن الْمُنْذر عَن بكار بن قُتَيْبَة. حَدثنَا أَبُو حُذَيْفَة حَدثنَا سُفْيَان عَن مَنْصُور عَن مُجَاهِد.
الشُوَاظُ: لَهَبُ مِنْ نَارٍ
أَشَارَ بِهِ إِلَى قَوْله تَعَالَى: {يُرْسل عَلَيْكُمَا شواظ} (الرَّحْمَن: 53) وَفَسرهُ بِأَنَّهُ: {لَهب من نَار} وَهُوَ قَول مُجَاهِد أَيْضا: وَقيل: هُوَ النَّار الْمَحْضَة بِغَيْر دُخان، وَعَن الضَّحَّاك. هُوَ الدُّخان الَّذِي يخرج من اللهب لَيْسَ بِدُخَان الْحَطب.
مُدْهَامَتانِ سَوْدَاوَانِ مِنَ الرَّيِّ
أَي: من شدَّة الخضرة صَارَت سوداوان لِأَن الخضرة إِذا اشتدت شربت إِلَى السوَاد.
صِلْصَالٍ خُلِطَ بِرَمْلٍ فَصَلْصَلَ كَمَا يُصَلْصِلُ الفَخَّارُ وَيُقالُ منْتنٌ يُرِيدُونَ بِهِ صلَّ يُقالُ صَلْصالُ كَمَا يُقالُ صَرَّ البابُ عِنْدَ الإغْلاقِ وَصَرْصَرَ مِثْلَ كَبْكَبْتُهُ يَعْنِي كَبَبْتَهُ.
أَشَارَ بِهِ إِلَى قَوْله تَعَالَى: {خلق الْإِنْسَان من صلصال كالفخار} وَلم يثبت هَذَا فِي رِوَايَة أبي ذَر. قَوْله: (خلق الْإِنْسَان) ، أَي آدم. (من صلصال) أَي: من طين يَابِس لَهُ صلصلة كالفخار. وَفَسرهُ البُخَارِيّ بقوله: خلط برمل الطين إِذا خلط برمل ويبس صَار قَوِيا جدا بِحَيْثُ أَنه إِذا ضرب خرج لَهُ صَوت، وَأَشَارَ إِلَيْهِ بقوله: (فصلصل كَمَا يصلصل الفخار) أَي: الخزف، وصلصل فعل مَاض، ويصلصل مضارع، والمصدر صلصلة وصلصال. قَوْله: (وَيُقَال منتن يُرِيدُونَ بِهِ صل) ، أَشَارَ بِهِ إِلَى أَنه يُقَال: لحم منتن يُرِيدُونَ بِهِ أَنه صل، يُقَال: صل اللَّحْم يصل بِالْكَسْرِ صلولاً أَي: أنتن مطبوخا كَانَ أَو نيا. وأصل مثله. قَوْله: (يُقَال: صلصال كَمَا يُقَال: صر الْبَاب) ، أَشَارَ بِهِ إِلَى أَن صلصل مضاعف صل كَمَا يُقَال: صر الْبَاب إِذا صَوت فيضاعف وَيُقَال صَرْصَر كَمَا ضوعف كبيته فَقيل كبكبته، وكما يُقَال فِي كَبه كبكبه وَمِنْه قَوْله تَعَالَى: {فكبكبوا فِيهَا} (الشُّعَرَاء: 49) أَصله: كبوا يُقَال: كَبه لوجهه أَي: صرعه فأكب هُوَ على وَجهه، وَهَذَا من النَّوَادِر أَن يُقَال: أفعلت أَنا وَفعل غَيره.

(19/213)


فَاكَهَةٌ وَنَخْلٌ وَرُمَّانٌ: وَقَالَ بَعْضُهُمْ لَيْسَ الرُّمَّانُ وَالنَّخْلُ بِالفَاكِهَةِ وَأمَّا العَرَبُ فَإنَّها تَعُدُّها فَاكِهَةً كَقَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ: {حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلاةِ الوُسْطَى} (الْبَقَرَة: 832) فَأَمَرَهُمْ بِالمُحَافَظَةِ عَلَى كُلِّ الصَّلَوَاتِ ثُمَّ أعَادَ العَصْرَ تَشْدِيدا لَهَا كَمَا أُعِيدَ النَّخْلُ وَالرُّمَّانُ وَمِثْلُها {ألَمْ تَرَ أنَّ الله يَسْجُدُ لَهُ مَنْ فِي السَّماوَاتِ وَمَنْ فِي الأرْضِ} (الْحَج: 81) ثُمَّ قَالَ وَكَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ وَكَثِيرٌ حَقَّ عَلَيْهِ العَذَابُ وَقَدْ ذَكَرَهُمْ فِي أوَّلِ قَوْلِهِ مَنْ فِي السَّماوَاتِ وَمَنْ فِي الأرْضِ.
أَشَارَ بِهِ إِلَى قَوْله تَعَالَى: {فيهمَا فَاكِهَة ونخل ورمان} (الرَّحْمَن: 86) أَي: فِي الجنتين اللَّتَيْنِ ذكرهمَا بقوله: {وَمن دونهمَا جنتان} (الرحمان: 26) فالجنان أَرْبَعَة ذكرهَا الله تَعَالَى بقوله: {وَلمن خَافَ مقَام ربه جنتان} (الرَّحْمَن: 64) ثمَّ قَالَ: {وَمن دونهمَا جنتان} (الرَّحْمَن: 64) أَي: وَمن دون الجنتين الْأَوليين الموعودتين لمن خَافَ مقَام ربه جنتان أخريان، وَعَن ابْن عَبَّاس. وَمن دونهمَا يَعْنِي: فِي الدرج، وَعَن ابْن زيد، فِي الْفضل. قَوْله: (وَقَالَ بَعضهم) ، قَالَ صَاحب (التَّوْضِيح) يَعْنِي: بِهِ أَبَا حنيفَة، وَقَالَ الْكرْمَانِي: قيل: أَرَادَ بِهِ أَبَا حنيفَة. قلت: لَا يلْزم تَخْصِيص هَذَا القَوْل بِأبي حنيفَة وَحده فَإِن جمَاعَة من الْمُفَسّرين ذَهَبُوا إِلَى هَذَا القَوْل. قَالَه الْفراء فَإِنَّهُم قَالُوا: لَيْسَ الرُّمَّان وَالنَّخْل بالفاكهة لِأَن النّخل ثمره فَاكِهَة وَطَعَام، وَالرُّمَّان فَاكِهَة ودواء. فَلم يخلصا اللتفكه، وَمِنْه قَالُوا: إِذا حلف لَا يَأْكُل فَاكِهَة فَأكل رمانا أَو رطبا ثمَّ لم يَحْنَث. قَوْله: (وَأما الْعَرَب فَإِنَّهَا تعدها فَاكِهَة) هَذَا جَوَاب البُخَارِيّ عَمَّا قَالَ بَعضهم: لَيْسَ الرُّمَّان وَالنَّخْل بالفاكهة وَلَهُم أَن يَقُولُوا: نَحن مَا ننكر إِطْلَاق الْفَاكِهَة عَلَيْهِمَا ولكنهما غير متمحضين فِي التفكه، فَمن هَذِه الْحَيْثِيَّة لَا يدخلَانِ فِي قَول من حلف لَا يَأْكُل فَاكِهَة. قَوْله: (كَقَوْلِه عز وَجل) إِلَى آخِره، ملخصه أَنه من عطف الْخَاص على الْعَام. كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى: {حَافظُوا على الصَّلَوَات وَالصَّلَاة الْوُسْطَى} فَإِنَّهُ أَمر بالمحافظة على الصَّلَوَات ثمَّ عطف عَلَيْهَا قَوْله: وَالصَّلَاة الْوُسْطَى، مَعَ أَنَّهَا دَاخِلَة فِي الصَّلَوَات تشديدا لَهَا. أَي: تَأْكِيدًا لَهَا وتعظيما وتفضيلاً كَمَا أُعِيد النّخل وَالرُّمَّان أَي: كَمَا عطفا على فَاكِهَة وَلَهُم أَن يَقُولُوا: لَا تسلم أَن فَاكِهَة عَام لِأَنَّهَا نكرَة فِي سِيَاق الْإِثْبَات فَلَا عُمُوم. قَوْله: (وَمثلهَا) ، أَي: وَمثل فَاكِهَة ونخل ورمان. قَوْله تَعَالَى: {ألم تَرَ أَن الله يسْجد لَهُ من فِي السَّمَوَات} إِلَى آخِره، وَلَهُم أَن يمنعوا المشابهة بَين هَذِه الْآيَة وَبَين الْآيَتَيْنِ المذكورتين لِأَن الصَّلَوَات، وَمن فِي الأَرْض عامان بِلَا نزاع بِخِلَاف لفظ: فَاكِهَة فَإِنَّهَا نكرَة فِي سِيَاق الْإِثْبَات كَمَا ذكرنَا. قَوْله: (وَقد ذكرهم) أَي: كثير من النَّاس فِي ضمن من فِي السَّمَوَات وَمن فِي الأَرْض.
وَقَالَ غَيْرُهُ أفْنَانٍ أغصانٍ
أَي: قَالَ غير مُجَاهِد: وَإِنَّمَا قُلْنَا كَذَا لِأَنَّهُ لم يذكر فِيمَا قبله صَرِيحًا إلاَّ مُجَاهِد، وَقَالَ: (أفنان أَغْصَان) وَذَلِكَ فِي قَوْله: (ذواتا أفنان) وَهُوَ جمع فنن كَذَا رُوِيَ عَن ابْن عَبَّاس. وَفِي التَّفْسِير: (ذواتا أفنان) أَي: ألوان فعلى هَذَا هُوَ جمع فن وَهُوَ من قَوْلهم افتن فلَان فِي حَدِيثه إِذا أَخذ فِي فنون مِنْهُ وضروب، وَعَن عِكْرِمَة مولى ابْن عَبَّاس: {ذواتا أفنان} (الرَّحْمَن: 84) قَالَ: الأغصان على الْحِيطَان، وَعَن الضَّحَّاك: ألوان الْفَوَاكِه.
{وَجَنى الجَنَتَيْنِ دَانَ} مَا يجتنى قريب (الرَّحْمَن: 45)

أَشَارَ بِهِ إِلَى قَوْله تَعَالَى: {وجنى الجنتين دَان فَبِأَي آلَاء رَبكُمَا تُكَذِّبَانِ} (الرَّحْمَن: 45) وَفَسرهُ بقوله: (مَا يجتنى) أَي: الَّذِي يجتنى من أَشجَار الجنتين دَان أَي: قريب يَنَالهُ الْقَائِم والقاعد والمضجع، وَهَذَا سقط من رِوَايَة أبي ذَر.
وَقَالَ الحَسَنُ فَبِأَيِّ آلاءِ نِعَمِهِ. وَقَالَ قَتَادَرُ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ يَعْنِي الجِنِّ وَالإنْسَ

أَي: قَالَ الْحسن الْبَصْرِيّ وَقَتَادَة فِي قَوْله تَعَالَى: {فَبِأَي آلَاء لابكم تُكَذِّبَانِ} فالحسن فسر: آلَاء، بِالنعَم وَقَتَادَة فسر: رَبكُمَا بالجن وَالْإِنْس، والآلاء جمع: إِلَى، بِالْفَتْح وَالْقصر وَقد تكسر الْهمزَة وربكما خطاب للجن وَالْإِنْس وَإِن لم يتَقَدَّم ذكرهم وَإِنَّمَا قَالَ: تُكَذِّبَانِ بالتثنية على عَادَة الْعَرَب وَالْحكمَة فِي تكرارها أَن الله تَعَالَى عدد فِي هَذِه السُّورَة نعماءه ثمَّ اتبع ذكر كل كلمة وصفهَا ونعمة ذكرهَا بِهَذِهِ الْآيَة وَجعلهَا فاصلة بَين كل نعمتين لينبههم على النعم ويقررهم بهَا.

(19/214)


وَقَالَ أبُو الدَّرْدَاءِ {كلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ} (الرَّحْمَن: 92) يَغْفِرُ ذَنْبا وَيَكْشِفُ كَرْبا وَيَرْفَعُ قَوْما آخَرِينَ.
أَي: قَالَ أَبُو الدَّرْدَاء عُوَيْمِر بن مَالك فِي قَوْله تَعَالَى: {كل يَوْم هُوَ فِي شَأْن} وَرَوَاهُ ابْن مَاجَه عَن هِشَام بن عمار. قَالَ: حَدثنَا الْوَزير ابْن صَالح أَبُو روح الدِّمَشْقِي. قَالَ: سَمِعت يُونُس بن ميسرَة جلس يحدث عَن أم الدَّرْدَاء عَن أبي الدَّرْدَاء عَن سيدنَا سيد المخلوقين مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي قَوْله عز وَجل: {كل يَوْم فِي شَأْن} قَالَ: من شَأْنه أَن يغْفر ذَنبا ويفرج كربا وَيرْفَع قوما وَيَضَع آخَرين.
وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: بَرْزَخٌ: حَاجِزٌ
أَي: قَالَ ابْن عَبَّاس فِي قَوْله تَعَالَى: {مرج الْبَحْرين يَلْتَقِيَانِ بَينهمَا برزخ لَا يبغيان} (الرَّحْمَن: 91، 02) أَي: حاجز بَينهمَا. وَقيل: حَائِل لَا يتَعَدَّى أَحدهمَا على الآخر من قدرَة الله وحكمته الْبَالِغَة.
الأنَامُ الخَلْقُ
أَشَارَ بِهِ إِلَى قَوْله تَعَالَى: {وَالْأَرْض وَضعهَا للأنام} (الرَّحْمَن: 01) وَعَن ابْن عَبَّاس وَالشعْبِيّ: الْأَنَام. كل ذِي روح، وَقيل: الْإِنْس وَالْجِنّ.
نَضَّاخَتَانِ: فَيَّاضَتَانِ
أَشَارَ بِهِ إِلَى قَوْله تَعَالَى: {فيهمَا عينان نضاختان} (الرَّحْمَن: 66) وَفَسرهُ بقوله: {فياضتان} وَقيل: ممتلئتان، وَقيل: فوارتان بِالْمَاءِ لَا ينقطعان، وَعَن الْحسن: ينبعان ثمَّ يجريان، وَعَن سعيد بن جُبَير: نضاختان بِالْمَاءِ وألوان الْفَاكِهَة، وَعَن ابْن عَبَّاس، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا: ينضخان بِالْخَيرِ وَالْبركَة على أهل الْجنَّة، وأصل النضخ الرش وَهُوَ أكبر من النَّضْح، بِالْحَاء الْمُهْملَة.
ذُو الجَلالِ: ذُو العَظَمَةِ

أَشَارَ بِهِ إِلَى قَوْله تَعَالَى: {تبَارك اسْم رَبك ذُو الْجلَال وَالْإِكْرَام} (الرَّحْمَن: 83) أَي: ذُو العظمة والكبرياء. قَوْله: (وَالْإِكْرَام) ، أَي: ذُو الْكَرم، وَهُوَ الَّذِي يُعْطي من غير مَسْأَلَة وَلَا وَسِيلَة، وَقيل: المتجاوز الَّذِي لَا يستقصى فِي العتاب.
وَقَالَ غَيْرُهُ مَارِجٌ خَالِصٌ مِنَ النَّارِ يُقالُ مَرَجَ الأمِيرُ رَعِيَتَهُ إذَا خَلاَّهُمْ يَعْدُوا بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ مَرَجَ أمْرُ النَّاسِ مَرِيجٍ ملْتَبِسٌ مَرَجَ اخْتَلَطَ البَحْرَانِ مِنْ مَرَجْتَ دَابَتَكَ تَرَكْتَها.
أَي: قَالَ غير ابْن عَبَّاس فِي قَوْله تَعَالَى: {وَخلق الجان من مارج من نَار} (الرَّحْمَن: 51) وَهَذَا مُكَرر لِأَنَّهُ ذكر عَن قريب، وَهُوَ قَوْله: والمارج اللهب الْأَصْفَر، وَمضى الْكَلَام فِيهِ مُسْتَوْفِي. قَوْله: (قَالَ مرج الْأَمِير رَعيته) ، إِشَارَة إِلَى أَن لفظ: مرج يسْتَعْمل لمعان، فَمن ذَلِك قَوْلهم: مرج الْأَمِير، وَهُوَ بِفَتْح الرَّاء رَعيته إِذا خلاهم يَعْنِي إِذا تَركهم يعدو أَي: يظلم بَعضهم بَعْضًا. وَمن ذَلِك: مرج أَمر النَّاس هَذَا بِكَسْر الرَّاء، وَمَعْنَاهُ اخْتَلَط واضطرب، قَالَ أَبُو دَاوُد مرج أَمر الدّين فاعددت لَهُ. أَي: قد أَمر الدّين وَمن هَذِه الْبَاب مريج فِي قَوْله تَعَالَى: {فِي أَمر مريج} (ق: 5) أَي: ملتبس، وَهَذَا فِي رِوَايَة أبي ذَر وَحده أَعنِي قَوْله مريج ملتبس. قَوْله: (مرج الْبَحْرين) ، اخْتَلَط البحران هَذَا فِي رِوَايَة غير أبي ذَر. قَوْله: (من مرجت دابتك) ، بِفَتْح الرَّاء وَمَعْنَاهُ تركتهَا ترعى وَكَانَ يَنْبَغِي أَن يذكر هَذَا عقيب قَوْله: مرج الْأَمِير رَعيته إِذا خلاهم يعدو بَعضهم على بَعضهم، لِأَنَّهُ فِي مَعْنَاهُ: وَلَكِن فِي هَذَا الْموضع تَقْدِيم وَتَأْخِير بِحَيْثُ يَقع الالتباس فِي التَّرْكِيب وَالْمعْنَى أَيْضا. وَالظَّاهِر أَن النساخ خلطوا مَفْتُوح الرَّاء بمكسور الرَّاء.
سَنَفْرُغُ لَكُمْ سَنُحاسِبُكُمْ لَا يَشْغَلُهُ شَيْءٌ عَنْ شَيْءٍ

أَشَارَ بِهِ إِلَى قَوْله تَعَالَى: {سنفرغ لكم أَيهَا الثَّقَلَان} (الرَّحْمَن: 13) وَفَسرهُ بقوله: (سنحاسبكم) والفراغ مجَاز عَن الْحساب وَلَا يشغل الله شَيْء عَن شَيْء، وروى ابْن الْمُنْذر من طَرِيق عَليّ بن أبي طَلْحَة عَن ابْن عَبَّاس، قَالَ: هُوَ وَعِيد من الله لِعِبَادِهِ، وَلَيْسَ بِاللَّه شغل، وَقيل: مَعْنَاهُ سنقصدكم بعد الإهمال ونأخذ فِي أَمركُم، وَعَن ابْن كيسَان: الْفَرَاغ للْفِعْل هُوَ التوفر عَلَيْهِ دون غَيره.
وَهُوَ مَعْرُوفٌ فِي كَلامِ العَرَبِ لأتَفَرَّغَنَّ لَكَ وَمَا بِهِ شُغْلٌ يَقُولُ: لآخَذَنَّكَ عَلَى غرَّتِكَ.
أَي: الْمَعْنى الْمَذْكُور مَعْرُوف ومستعمل فِي كَلَام الْعَرَب، يَقُول الْقَائِل: لأتفرغن لَك من بَاب التفعل من الْفَرَاغ، وَفَسرهُ بقوله:

(19/215)


يَقُول: لآخذنك على غرتك، أَي: على غَفلَة مِنْك، وَقَالَ الثَّعْلَبِيّ فِي قَوْله: {سنفرغ لكم} (الرَّحْمَن: 13) هَذَا وَعِيد وتهديد من الله عز وَجل، كَقَوْل الْقَائِل: لأتفرغن لَك، وَمَا بِهِ شغل قَالَه ابْن عَبَّاس وَالضَّحَّاك.

1 - (بابُ قَوْلِهِ: {وَمِنْ دُونِهِما جَنَتَّانِ} (الرَّحْمَن: 26)

أَي: هَذَا بَاب فِي قَوْله تَعَالَى: {وَمن دونهمَا جنتان} وَقد مر تَفْسِيره عَن قريب وَلم يذكر بَاب قَوْله إِلَّا لأبي ذَر.

2 - (بابٌ: {حُورٌ مَقْصُورَاتٌ فِي الْخيام} (الرَّحْمَن: 27)

أَي: هَذَا بَاب فِي قَوْله تَعَالَى: {حور مقصورات} الْحور جمع: حوراء وَهِي الشَّدِيدَة الْبيَاض الْعين الشَّدِيدَة سوادها. قَوْله: (مقصورات) ، محبوسات مستورات. (فِي الْخيام) خيمة. وَقَالَ الثَّعْلَبِيّ فِي الْخيام أَي: الحجال، يُقَال: امْرَأَة قَصِيرَة وقصورة ومقصورة إِذا كَانَت مخدرة، وَعَن مُجَاهِد يَعْنِي: قصرهن على أَزوَاجهنَّ فَلَا يبغين بهم بَدَلا.
وَقَالَ ابنُ عَبَّاسٍ: حُورٌ صُردُ الْحَدَقِ

الحدق جمع حدقة الْعين، وَرَوَاهُ الْحَنْظَلِي عَن الْفضل بن يَعْقُوب الرخامي حَدثنَا الْحجَّاج بن مُحَمَّد، قَالَ: قَالَ ابْن جريج: أَخْبرنِي عَطاء الْخُرَاسَانِي عَن ابْن عَبَّاس بِهِ.
وَقَالَ مُجَاهِدٌ مَقْصُوَراتٌ مَحْبُوسَاتٌ قُصِرَ طَرْفُهُنَّ وَأنْفُسُهُنَّ عَلَى أزْوَاجِهِنَّ قَاصِرَاتٌ لَا يَبْغِينَ غَيْرَ أزْوَاجِهِنَّ.
رَوَاهُ ابْن الْمُنْذر عَن إِبْرَاهِيم حَدثنَا أَبُو كريب حَدثنَا بن يمَان عَن سُفْيَان عَن مَنْصُور عَن مُجَاهِد.

(19/216)


9784 - حدَّثنا مُحَمَّدُ بنُ المُثَنَّى قَالَ حدَّثني عَبْدُ العَزِيزِ بنُ عَبْدِ الصَمَدِ حدَّثنا أبُو عِمْرَانَ الْجُونِيُّ عَنْ أبِي بَكْرٍ بنِ عَبْدِ الله بنِ قَيْسٍ عَنْ أبِيهِ أنَّ رَسُولَ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ إنَّ فِي الجَنَّةِ خَيْمَةً مِنْ لُؤْلُؤَةٍ مُجَوَّفَةٍ عَرْضُها سِتُّونَ مِيلاً فِي كُلِّ فِي كُلِّ زَاوِيَةٍ مِنْها أهْلٌ مَا يَرَوْنَ الآخَرِينَ يَطُوفُ عَلَيْهِمُ المُؤْمِنُونَ حدَّثنا جَنَتانِ مِنْ فِضَّةٍ آنِيَتُهُمَا وَمَا فِيهِمَا وَجَنَتَانِ مِنْ كَذا آنِيَتُهُمَا وَمَا فِيهِمَا وَمَا بَيْنَ القَوْمِ وَبَيْنَ أنْ يَنْظُرُوا إلَى رَبِّهِمْ إلاَّ رداءُ الكِبْرِ عَلَى وَجْهِهِ فِي جَنَّةِ عَدْنٍ..
هَذَا طَرِيق آخر فِي حَدِيث أبي مُوسَى الْأَشْعَرِيّ، وَقد مضى فِي: بَاب مَا جَاءَ فِي صفة الْجنَّة، فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ عَن حجاج بن منهال عَن همام عَن أبي عمرَان الْجونِي الخ وَأخرجه فِي التَّوْحِيد أَيْضا عَن عَليّ بن عبد الله وَأخرجه مُسلم فِي الْإِيمَان عَن نصر بن عَليّ وَغَيره. وَأخرجه التِّرْمِذِيّ فِي صفة الْجنَّة وَالنَّسَائِيّ فِي النعوت، وَابْن مَاجَه فِي السّنة كلهم عَن بنْدَار.
قَوْله: (مجوفة) ، أَي: ذَات جَوف وَاسع. قَوْله: (سِتُّونَ ميلًا) ، الْميل ثلث فَرسَخ وَهُوَ أَرْبَعَة آلَاف خطْوَة. قَوْله: (فِي كل زَاوِيَة مِنْهَا أهل) ، وَفِي رِوَايَة مُسلم: أهل لِلْمُؤمنِ. قَوْله: (مَا يرَوْنَ الآخرين) ، قَالَ الْكرْمَانِي: ويروي الْآخرُونَ، وَالتَّقْدِير: يرونهم الْآخرُونَ. نَحْو: أكلوني البراغيت، يطوف عَلَيْهِم الْمُؤْمِنُونَ. قَالَ الدمياطي: صَوَابه الْمُؤمن بِالْإِفْرَادِ. وَأجِيب: يجوز أَن يكون من مُقَابلَة الْمَجْمُوع بالمجموع. قَوْله: (إلاّ رِدَاء الْكبر) ، قيل: هَذَا يشْعر بِأَن رُؤْيَة الله تَعَالَى غير وَاقعَة. وَأجِيب: بِأَنَّهُ لَا يلْزم من عدمهَا فِي جنَّة عدن أَو فِي ذَلِك الْوَقْت عدمهَا مُطلقًا.

65 - ( {سُورَةُ الْوَاقِعَةِ} )

أَي: هَذَا فِي تَفْسِير بعض سُورَة الْوَاقِعَة. قَالَ أَبُو الْعَبَّاس: مَكِّيَّة وَاخْتلف فِي {وَأَصْحَاب الْيَمين} (الْوَاقِعَة: 72) وَفِي: {أفبهذا الحَدِيث أَنْتُم مدهنون} (الْوَاقِعَة: 18) وَالْأولَى نزلت فِي أهل الطَّائِف وإسلامهم بعد الْفَتْح وحنين، وَالثَّانيَِة نزلت فِي دُعَائِهِ بالسقيا. فَقيل: مُطِرْنَا بِنَوْء كَذَا، فَنزلت {وتجعلون رزقكم أَنكُمْ تكذبون} وَكَانَ عَليّ يقْرؤهَا: وتجعلون شكركم، وَهِي ألف وَسَبْعمائة وَثَلَاثَة أحرف، وثلاثمائة وثمان وَسَبْعُونَ كلمة. وست وَتسْعُونَ آيَة، وَالْمرَاد بالواقعة: الْقِيَامَة.
(بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم)
لم تثبت الْبَسْمَلَة إلاَّ لأبي ذَر وَحده.
وَقَالَ مُجَاهِدٌ: رُجَّتْ: زُلْزِلَتْ
أَي: قَالَ مُجَاهِد فِي قَوْله تَعَالَى: {إِذا رجت الأَرْض رجا} (الْوَاقِعَة: 4) وَفَسرهُ بقوله: (زلزلت) وَرَوَاهُ الْفرْيَابِيّ من طَرِيق ابْن أبي نجيح عَن مُجَاهِد، وَقَالَ الثَّعْلَبِيّ: أَي: رجفت وتحركت تحريكا من قَوْلهم: السهْم يرتج فِي الْغَرَض. أَي: يَهْتَز ويضطرب وأصل الرج فِي اللُّغَة التحريك، يُقَال: رجحته فارتج، فَإِن ضاعفته قلت: رجرجته فترجرج.
بُسَّتْ فُتَّتْ ولُتَّتْ كَمَا يُلَتُّ السَّوِيقُ
أَشَارَ بِهِ إِلَى قَوْله تَعَالَى: {وبست الْجبَال} (الْوَاقِعَة: 5) وَفَسرهُ بقوله: (فتت) وَهُوَ أَيْضا تَفْسِير مُجَاهِد، وَكَذَلِكَ: (لتت) تَفْسِير مُجَاهِد، وَيُقَال: بست ولتت بِمَعْنى وَاحِد أَي: صَارَت كالدقيق المبسوس، وَهُوَ المبلول: والبسيسة عِنْد الْعَرَب الدَّقِيق والسويق بلت ويتخذ زادا، وَعَن عَطاء: بست أذهبت ذَهَابًا وَعَن ابْن الْمسيب: كسرت كسرا. وَعَن الْحسن: قلعت من أَصْلهَا فَذَهَبت بَعْدَمَا كَانَت صخورا صمًّا، وَعَن عَطِيَّة تبسط بسطا كالرمل وَالتُّرَاب.
المَخْضُودُ: المُوقَرُ حَمْلاً وَيُقَالُ أيْضا: لَا شَرْكَ لَهُ
أَشَارَ بِهِ إِلَى قَوْله تَعَالَى: {فِي سدر مخضود} (الْوَاقِعَة: 482) وَفَسرهُ بقوله: (الموقر حملا) بِفَتْح الْقَاف والحاء هَذَا تَفْسِير الْأَكْثَرين. قَوْله: (وَيُقَال أَيْضا: لَا شوك لَهُ) لأبي ذَر، والخضد فِي الأَصْل الْقطع كَأَنَّهُ خضد شوكه أَي: قطع وَنزع، وَعَن الْحسن: لَا يعقر إلايدي. وَعَن ابْن كيسَان: هُوَ الَّذِي لَا أَذَى فِيهِ، وَعَن الضَّحَّاك: نظر الْمُسلمُونَ إِلَى وَج وَهُوَ وَاد فِي الطَّائِف مخصب فَأَعْجَبَهُمْ سدرها. قَالُوا: يَا لَيْت لنا مثلهَا. فَأنْزل الله عز وَجل هَذِه الْآيَة.
مَنْضُودٍ المَوْزُ

(19/217)


أَشَارَ بِهِ إِلَى قَوْله تَعَالَى: {وطلح منضود} (الْوَاقِعَة: 92) وَلم يثبت هَذَا هُنَا لأبي ذَر، وَفَسرهُ بالموز، والطلح جمع طَلْحَة قَالَه أَكثر الْمُفَسّرين وَعَن الْحسن، لَيْسَ هُوَ بموز وَلكنه شجر لَهُ ظلّ بَارِد طيب، وَعَن الْفراء وَأبي عُبَيْدَة: الطلح عِنْد الْعَرَب شجر عِظَام لَهَا شوك. والمنضود: المتراكم الَّذِي قد نضده الْحمل من أَوله إِلَى آخِره لَيست لَهُ سوق بارزة، وَفِي (الْمغرب) النضد ضم الْمَتَاع بعضه إِلَى بعض منسقا أَو مركوما. من بَاب ضرب.
وَالعُرُبُ المُحَبَّباتُ إلَى أزْوَاجِهِنَّ
أَشَارَ بِهِ إِلَى قَوْله تَعَالَى: {فجعلناهن أَبْكَارًا عربا أَتْرَابًا} (الْوَاقِعَة: 63، 73) وفسرها: بالمحببات جمع المحببة اسْم مفعول من الْحبّ، وَقَالَ ابْن عُيَيْنَة فِي تَفْسِيره: حَدثنَا ابْن أبي نجيح عَن مُجَاهِد فِي قَوْله: (عربا أَتْرَابًا) قَالَ: هِيَ المحببة إِلَى زَوجهَا. وَقَالَ الثَّعْلَبِيّ: عربا عواشق مُتَحَببَات إِلَى أَزوَاجهنَّ، قَالَه الْحسن وَمُجاهد وَقَتَادَة وَسَعِيد بن جُبَير وَرِوَايَة عَن ابْن عَبَّاس، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُم، وَالْعرب جمع عرُوبَة وَأهل مَكَّة يسمونها العربة بِكَسْر الرَّاء، وَأهل الْمَدِينَة الغنجة، بِكَسْر النُّون. وَأهل الْعرَاق: الشكلة، بِفَتْح الشين الْمُعْجَمَة وَكسر الْكَاف، وَقد مر هَذَا فِي كتاب بَدْء الْخلق فِي صفة الْجنَّة، والأتراب المستويات فِي السن وَهُوَ جمع ترب بِكَسْر التَّاء وَسُكُون الرَّاء يُقَال: هَذِه ترب هَذِه أَي: لدتها.
ثُلةٌ أُمةٌ
أَي: معنى قَوْله تَعَالَى: {ثلة من الْأَوَّلين} (الْوَاقِعَة: 93) أمة. وَقيل: فرقة.
يَحْمُومٌ دُخَانٌ أسْوَدُ
أَشَارَ بِهِ إِلَى قَوْله تَعَالَى: {وظل من يحموم} (الْوَاقِعَة: 34) وَفَسرهُ بِدُخَان أسود لِأَن الْعَرَب تَقول للشَّيْء الْأسود يحموما.
يُصِرُّونَ يُدِعُونَ

أَشَارَ بِهِ إِلَى قَوْله تَعَالَى: {وَكَانُوا يصرون على الْحِنْث الْعَظِيم} (الْوَاقِعَة: 64) وَفَسرهُ بقوله: (يديمون) والحنث الْعَظِيم، الذَّنب الْكَبِير وَهُوَ الشّرك، وَعَن أبي بكر الْأَصَم: كَانُوا يقسمون أَن لَا بعث وَأَن الْأَصْنَام أنداد الله تَعَالَى الله عَن ذَلِك علوا كَبِيرا، وَكَانُوا يُقِيمُونَ عَلَيْهِ فَلذَلِك حنثهم.
الْهِيمُ الإبِلُ الظَّمَاءُ

أَشَارَ بِهِ إِلَى قَوْله تَعَالَى: {فشاربون شرب الهيم} (الْوَاقِعَة: 55) وَلم يثبت هَذَا فِي رِوَايَة أبي ذَر. والهيم جمع هيماء يُقَال جمل أهيم وناقة هيماء وإبل هيم. أَي: عطاش، وَعَن قَتَادَة، هُوَ دَاء بِالْإِبِلِ لَا تروى مَعَه وَلَا تزَال تشرب حَتَّى تهْلك، وَيُقَال لذَلِك الدَّاء: الهيام، والظماء بالظاء الْمُعْجَمَة جمع ظمآن والظماء الْعَطش. قَالَ تَعَالَى: {لَا يصيبهم ظمأ} (التَّوْبَة: 021) وَالِاسْم الظمىء بِالْكَسْرِ، وَقوم ظماء أَي عطاش، والظمآن العطشان.
لَمُغْرَمُونَ: لَمُلْزَمُونَ
أَشَارَ بِهِ إِلَى قَوْله تَعَالَى: {إِنَّا لمغرمون بل نَحن محرومون} (الْوَاقِعَة: 66، 76) وَفَسرهُ بقوله: (لملزمون) اسْم مفعول من الْإِلْزَام، وَاللَّام للتَّأْكِيد، وَعَن ابْن عَبَّاس. وَقَتَادَة: لمعذبون. من الغرام وَهُوَ الْعَذَاب، وَعَن مُجَاهِد: ملقون للشر، وَعَن مقَاتل: مهلكون وَعَن مرّة الْهَمدَانِي محاسبون.
مَدِينِينَ مُحَاسَبِينَ
أَشَارَ بِهِ إِلَى قَوْله تَعَالَى: {فلولا إِن كُنْتُم غير مدينين} (الْوَاقِعَة: 68) أَي: غير محاسبين، وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيّ: غير مربوبين من دَان السُّلْطَان رَعيته إِذْ ساسهم، وَجَوَاب: لَوْلَا قَوْله: ترجمونها. أَي: تردون نفس هَذَا الْمَيِّت إِلَى جسده إِذا بلغت الْحُلْقُوم إِن كُنْتُم صَادِقين.
رَوْحٌ جَنَّةٌ وَرَخَاءٌ وَرَيْحَانٌ الرِّزْقُ

أَشَارَ بِهِ إِلَى قَوْله تَعَالَى: {فَأَما إِن كَانَ من المقربين فَروح وَرَيْحَان وجنة نعيم} (الْوَاقِعَة: 88، 98) وَسقط هَذَا فِي رِوَايَة أبي ذَر، وَعَن ابْن زيد: روح عِنْد الْمَوْت وَرَيْحَان يجنى لَهُ فِي الْآخِرَة، وَعَن الْحسن، أَن روحه تخرج فِي الريحان، وَعَن ابْن عَبَّاس وَمُجاهد: فَروح أَي رَاحَة وَرَيْحَان مستراح، وَعَن مُجَاهِد وَسَعِيد بن جُبَير: الريحان رزق، وَقد مر هَذَا عَن قريب.
وَنَنَشْأكُمْ فِي أيِّ خَلْقٍ نَشَاءُ

أَشَارَ بِهِ إِلَى قَوْله تَعَالَى: {وننشئكم فِيمَا لَا تعلمُونَ} (الْوَاقِعَة: 16) أَي: نوجدكم فِي أَي خلق نشَاء فِيمَا لَا تعلمُونَ من الصُّور.

(19/218)


وَقَالَ غَيْرُهُ تَفَكَّهُونَ تَعَجَبُونَ

أَي: قَالَ غير مُجَاهِد فِي قَوْله تَعَالَى: {وَلَو نشَاء لجعلناه حطاما فظللتم تفكهون} (الْوَاقِعَة: 56) وَفَسرهُ بقوله: (تعْجبُونَ) وَكَذَا فسره قَتَادَة. وَعَن عِكْرِمَة: تلامون، وَعَن الْحسن: تَنْدمُونَ، وَعَن ابْن كيسَان: تَحْزَنُونَ. قَالَ: وَهُوَ من الأضداد تَقول الْعَرَب: تفكهت أَي: تنعمت وتفكهت أَي: حزنت، وَقيل: التفكه التَّكَلُّم فِيمَا لَا يَعْنِيك، وَمِنْه قيل للمزاح: فاكه.
عُرُبا مُثَقَّلَةً وَاحِدُها عَرُوبٌ مِثْلُ صَبُورٍ وَصُبُرٍ يُسَمِّيها أهْلُ مَكَّةَ العَرَبَةَ وَأهْلُ المَدِينَةِ الضَجَةَ وَأهْلُ العِرَاقِ الشَّكِلَةَ.
هَذَا كُله لم يثبت فِي رِوَايَة أبي ذَر وَهُوَ مُكَرر لِأَنَّهُ مضى فِي صفة الْجنَّة. وَهنا أَيْضا تقدم وَهُوَ قَوْله: وَالْعرب المحببات إِلَى أَزوَاجهنَّ، وَقد ذَكرْنَاهُ نَحن أَيْضا عَن قريب.
وَقَالَ فِي خَافِضَةٌ لِقَوْمٍ إلَى النَّارِ وَرَافِعَةً إلَى الجَنَّةِ
أَي: قَالَ غير مُجَاهِد فِي قَوْله تَعَالَى: {لَيْسَ لوقعتها كَاذِبَة خافضة رَافِعَة} (الْوَاقِعَة: 1، 3) أَي: الْقِيَامَة أَي: يَوْم الْقِيَامَة تخْفض قوما إِلَى النَّار وترفع آخَرين إِلَى الْجنَّة. وَعَن عَطاء: خفضت قوما بِالْعَدْلِ وَرفعت قوما بِالْفَضْلِ.
مَوْضُونَةٍ: مَنْسُوجَةٍ. وَمِنْهُ وَضِينُ النَّاقَةِ

أَشَارَ بِهِ إِلَى قَوْله تَعَالَى: {على سرر موضونة} (الْوَاقِعَة: 51) أَي: منسوجة وَلم يثبت هَذَا إلاّ لأبي ذَر، وَقد تقدم فِي صفة الْجنَّة. قَوْله: (موضونة) ، مرمولة مشبكة بِالذَّهَب وبالجواهر قد أَدخل بَعْضهَا فِي بعض مضاعفة كَمَا يوضن حلق الدرْع. قَوْله: (وَمِنْه) ، أَي: وَمن هَذَا الْبَاب (وضين النَّاقة) وَهُوَ بطان منسوج بعضه على بعض يشد بِهِ الرجل على الْبَعِير كالحزام للسرج.
وَالكُوبُ: لَا آذَانَ لَهُ وَلا عُرْوَةَ. وَالأبَارِيقُ: ذَوَاتُ الآذَانِ وَالعُرَى
أَشَارَ بِهِ إِلَى قَوْله تَعَالَى: {بأكواب وأباريق} (الْوَاقِعَة: 81) وَتَفْسِيره ظَاهر، والأكواب جمع كوب، والأباريق جمع إبريق سمي بذلك لبريق لَونه.
مَسْكُوب: جارٍ
أَشَارَ بِهِ إِلَى قَوْله تَعَالَى: {وَماءٍ مسكوب} (الْوَاقِعَة: 13) أَي: جَار، وَفِي التَّفْسِير: مَنْصُوب يجْرِي دَائِما فِي غير أخدُود وَلَا مُنْقَطع.
وَفُرُشٍ مَرْفُوعَةٍ بَعْضُها فَوْقَ بَعْضٍ
عَن عَليّ، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، مَرْفُوعَة على الأسرة، وَعَن أبي أُمَامَة الْبَاهِلِيّ: لَو طرح فرَاش من أَعْلَاهَا إِلَى أَسْفَلهَا لم يسْتَقرّ فِي الأَرْض إلاَّ بعد سبعين خَرِيفًا.
مُتْرَفِينَ: مُتَنَعِّمِينَ
أَشَارَ بِهِ إِلَى قَوْله تَعَالَى: {إِنَّهُم كَانُوا قبل ذَلِك مترفين} (الْوَاقِعَة: 54) وَفَسرهُ بقوله: منتعمين، وَهَكَذَا فِي رِوَايَة الْأَكْثَرين بتاء مثناة من فَوق بعْدهَا نون من التنعم وَفِي رِوَايَة الْكشميهني: ممتعين، بميمين بعدهمَا تَاء. قَالَ بَعضهم: من التَّمَتُّع وَهُوَ غلط بل هُوَ من الإمتاع. يُقَال: أمتعت بالشَّيْء. أَي: تمتعت بِهِ، قَالَه أَبُو زيد، وَإِنَّمَا يُقَال من التَّمَتُّع إِن لَو كَانَت الرِّوَايَة متمتعين.
مَا تُمْنُونَ: هِيَ النُّطْفَةُ فِي أرْحَامِ النِّسَاءِ
أَشَارَ بِهِ إِلَى قَوْله تَعَالَى: {أَفَرَأَيْتُم مَا تمنون أأنتم تخلفونه أم نَحن الخالفون} (الْوَاقِعَة: 85، 95) وَفسّر قَوْله: (مَا تمنون) بقوله: (النُّطْفَة فِي الْأَرْحَام) لِأَن مَا تمنون هِيَ النُّطْفَة الَّتِي تصب فِي الْأَرْحَام وَهُوَ من أمنى يمني إمناء، وقرىء بِفَتْح التَّاء من منى يمني، وَقَالَ الْفراء: يَعْنِي النطف إِذا قذفت فِي الْأَرْحَام أأنتم تخلقون تِلْكَ النطف أم نَحن.
لِلْمُقوِينَ لِلْمُسَافِرِينَ وَالْقِيُّ القفرُ

وَهَذَا لم يثبت لأبي ذَر، وَأَشَارَ بِهِ إِلَى قَوْله تَعَالَى: {نَحن جعلناها تذكره ومتاعا للمقوين} (الْوَاقِعَة: 37) وَفسّر المقوين بالمسافرين وَهُوَ

(19/219)


من أقوى إِذا دخل فِي أَرض القي فَألْقى، والقواء القفر الخالية الْبَعِيدَة من الْعمرَان والأهلين، وَيُقَال: أقوت الدَّار إِذا خلت من سكانها، وَقَالَ مُجَاهِد: للمقوين للمستمتعين بهَا من النَّاس أَجْمَعِينَ الْمُسَافِرين والحاضرين يستضيئون بهَا فِي الظلمَة ويصطلون بهَا فِي الْبرد وينتفعون بهَا فِي الطَّبْخ وَالْخبْز ويتذكرون بهَا نَار جَهَنَّم ويستجيرون الله مِنْهَا. وَقَالَ قطرب: المقوى من الأضداد يكون بِمَعْنى الْفَقِير وَيكون بِمَعْنى الْغَنِيّ. يُقَال: أقوى الرجل إِذا قويت دوابه وَإِذا أَكثر مَاله.
بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ: بِمُحْكَمِ القُرْآنِ، وَيُقَالُ: بِمَسْقَطِ النُّجُومِ إذَا سَقَطْنَ، ومَوَاقِعُ وَمَوْقِعٌ وَاحِدٌ.
أَشَارَ بِهِ إِلَى قَوْله تَعَالَى: {فَلَا أقسم بمواقع النُّجُوم} (الْوَاقِعَة: 57) وَفَسرهُ بشيئين أَحدهمَا قَوْله: (بمحكم الْقُرْآن) وَقَالَ الْفراء: حَدثنَا فُضَيْل ابْن عَبَّاس عَن مَنْصُور عَن الْمنْهَال بن عَمْرو. وَقَالَ: قَرَأَ عبد الله (فَلَا أقسم بمواقع النُّجُوم) قَالَ: بمحكم الْقُرْآن، وَكَانَ ينزل على النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم نجوما وبقراءته قَرَأَ حَمْزَة وَالْكسَائِيّ، وَخلف، وَالْآخر بقوله: (ومسقط النُّجُوم إِذا سقطن) ومساقط النُّجُوم مغْرِبهَا، وَعَن الْحسن: انكدارها وانتشارها يَوْم الْقِيَامَة، وَعَن عَطاء بن أبي رَبَاح: منازلها. قَوْله: (فَلَا أقسم) ، قَالَ أَكثر الْمُفَسّرين مَعْنَاهُ: أقسم، وَلَا نسلة وَقَالَ بعض أهل الْعَرَبيَّة، مَعْنَاهُ فَلَيْسَ الْأَمر كَمَا تَقولُونَ: ثمَّ اسْتَأْنف الْقسم. فَقَالَ: أقسم قَوْله: (ومواقع وموقع وَاحِد) لَيْسَ قَوْله: (وَاحِد) بِالنّظرِ إِلَى اللَّفْظ وَلَا بِالنّظرِ إِلَى الْمَعْنى، وَلَكِن بِاعْتِبَار أَن مَا يُسْتَفَاد مِنْهُمَا وَاحِد، لِأَن الْجمع الْمُضَاف والمفرد الْمُضَاف كِلَاهُمَا عامان بِلَا تفَاوت على الصَّحِيح، قَالَ الْكرْمَانِي: إِضَافَته إِلَى الْجمع تَسْتَلْزِم تعدده. كَمَا يُقَال: قلب الْقَوْم وَالْمرَاد قُلُوبهم.
مُدْهِنُونَ: مُكذِّبُونَ، مِثْلُ: لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ
أَشَارَ بِهِ إِلَى قَوْله تَعَالَى: {أفبهذا الحَدِيث أَنْتُم مدهنون} (الْوَاقِعَة: 78) أَي: مكذبون، وَكَذَا فسره الْفراء هُنَا وَقَالَ فِي قَوْله: لَو تدهن فيدهنون. أَي: تكفر لَو يكفرون، يُقَال: قد ادهن أَي: كفر. قَوْله: (أفبهذا الحَدِيث) يَعْنِي: الْقُرْآن (مدهنون) قَالَ ابْن عَبَّاس: أَي: كافرون، وَعَن ابْن كيسَان: المدهن الَّذِي لم يفعل مَا يحِق عَلَيْهِ ويدفعه بِالْمَالِ، وَعَن المؤرخ المدهن: الْمُنَافِق الَّذِي يلين جَانِبه ليخفي كفره، وادهن وداهن وَاحِد وَأَصله من الدّهن.
فَسَلامٌ لَكَ. أيْ مُسَلَّمٌ لَكَ إنَّكَ مِنْ أصْحَابِ اليَمِينِ وَأُلْغِيَتْ إنَّ وَهُوَ مَعْناها كَما تَقُولُ أنْتَ مُصَدَّقٌ مُسافِرٌ عَنْ قَلِيلٍ إذَا كَانَ قَدْ قَالَ إنِّي مُسَافِرٌ عَنْ قَلِيلٍ وَقَدْ يَكُونُ كَالدُّعاءِ لهُ كَقَوْلِكَ فَسَقْيا مِنَ الرِّجالِ إنْ رَفَعْتَ السَّلامَ فَهُوَ مِنَ الدُّعَاءِ.
أَشَارَ بِهِ إِلَى قَوْله تَعَالَى: {وَأما إِن كَانَ من أَصْحَاب الْيَمين فسلام لَك من أَصْحَاب الْيَمين} (الْوَاقِعَة: 09، 19) وَأَشَارَ إِلَى أَن كلمة: أَن، فِيهِ محذوفة وَهُوَ قَوْله: {أَنَّك من أَصْحَاب الْيَمين} . قَوْله: (وألغيت: إِن) بالغين الْمُعْجَمَة من الإلغاء، وروى: وألقيت بِالْقَافِ وَهُوَ بِمَعْنَاهُ. قَوْله: (وَهُوَ مَعْنَاهَا) أَرَادَ بِهِ أَن كلمة: إِن، وَإِن حذفت فمعناها مُرَاد. قَوْله: (كَمَا تَقول) إِلَى قَوْله: (عَن قَلِيل) ، تَمْثِيل لما ذكره أَي: كَقَوْلِك لمن قَالَ إِنِّي مُسَافر عَن قريب أَنْت مُصدق مُسَافر عَن قَلِيل أَي أَنْت مُصدق إِنَّك مُسَافر عَن قَلِيل، فَحذف لفظ: إِن، هُنَا أَيْضا، وَلَكِن مَعْنَاهَا مُرَاد قَوْله: (وَقد يكون) ، أَي: لفظ سَلام. (كالدعاء لَهُ) أَي: لمن خاطبه من أَصْحَاب الْيَمين، يَعْنِي: الدُّعَاء لَهُ مِنْهُم كَقَوْلِك، فسقيا لَك من أَصْحَاب الْيَمين، وانتصاب: سقيا على أَنه مصدر لفعل مَحْذُوف تَقْدِيره: سقاك الله سقيا، وَأما رفع السَّلَام فعلى الِابْتِدَاء. وَإِن كَانَ نكرَة لِأَنَّهُ دُعَاء وَهُوَ من المخصصات وَمَعْنَاهُ: سلمت سَلاما ثمَّ حذف الْفِعْل وَرفع الْمصدر. وَقيل: تَعْرِيف الْمصدر وتنكيره سَوَاء لشُمُوله فَهُوَ رَاجع إِلَى معنى الْعُمُوم، وَقَالَ: الزَّمَخْشَرِيّ: مَعْنَاهُ سَلام لَك يَا صَاحب الْيَمين من إخوانك أَصْحَاب الْيَمين، أَي: يسلمُونَ عَلَيْك، وَقَالَ الثَّعْلَبِيّ: فسلام لَك رفع على معنى: فلك سَلام أَي: سَلامَة لَك يَا مُحَمَّد مِنْهُم فَلَا تهتم لَهُم، فَإِنَّهُم سلمُوا من عَذَاب الله تَعَالَى، وَقَالَ الْفراء: مُسلم لَك أَنهم من أَصْحَاب الْيَمين، وَيُقَال: لصَاحب الْيَمين إِنَّه مُسلم لَك أَنَّك من أَصْحَاب الْيَمين، وَقيل: سَلام عَلَيْك من أَصْحَاب الْيَمين. قَوْله: (إِن رفعت السَّلَام) قيل: لم يقرأه أحد بِالنّصب فَلَا معنى لقَوْله: إِن رفعت، وَأجِيب بِأَن: سقيا بِالنّصب يكون دُعَاء، بِخِلَاف السَّلَام فَإِنَّهُ بِالرَّفْع دُعَاء وَبِالنَّصبِ لَا يكون دُعَاء.

(19/220)


تُورُونَ: تَسْتَخْرِجُونَ أوْرَيْتُ: أوْقَدْتُ

أَشَارَ بِهِ إِلَى قَوْله عز وَجل: {أَفَرَأَيْتُم النَّار الَّتِي تورون} (الْوَاقِعَة: 17) وَلم يثبت هَذَا لأبي ذَر، وَفسّر: (تورون) بقوله: (تستخرجون) وَفِي التَّفْسِير: تقدحون. وتستخرجون من زندكم وشجرتها الَّتِي تقدح مِنْهَا النَّار المرخ والعفار. قَوْله: (أوريت أوقدت) يَعْنِي: معنى أوريت أوقدت. وأصل تورون توريون استثقلت الضمة على الْبَاء فنقلت إِلَى مَا قبلهَا والتقى الساكنان وهما الْوَاو وَالْيَاء فحذفت الْيَاء فَصَارَ: تورون.
لَغْوا: بَاطِلا تأثِيما: كَذِبا

أَشَارَ بِهِ إِلَى قَوْله تَعَالَى: {لَا يسمعُونَ فِيهَا لَغوا وَلَا تأثيما} (الْوَاقِعَة: 52) فِيهَا أَي: فِي جنَّات النَّعيم، وَرُوِيَ عَن ابْن عَبَّاس، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا، هَكَذَا رَوَاهُ عَليّ بن أبي طَلْحَة عَنهُ، وَرَوَاهُ ابْن أبي حَاتِم من طَرِيقه.

1 - (بابُ قَوْلِهِ: {وَظِلٍّ مَمْدُودٍ} (الْوَاقِعَة: 03)

أَي: هَذَا بَاب فِي قَوْله عز وَجل: {ظلّ مَمْدُود} أَي: دَائِم لَا تنسخه الشَّمْس، وَعَن الرّبيع: يَعْنِي ظلّ الْعَرْش، وَعَن عَمْرو ابْن مَيْمُون: مسيرَة سبعين ألف سنة.

1884 - حدَّثنا عَلِيُّ بنُ عَبْدِ الله حدَّثنا سُفْيَانُ عَنْ أبِي الزِّنادِ عَنِ الأعْرَجِ عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ الله عَنْهُ يَبْلُغُ بِهِ النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ إنَّ فِي الجَنَّةِ شَجَرَةً يَسِيرُ الرَّاكِبُ فِي ظِلِّها مِائَةَ عَامٍ لَا يَقْطَعُها وَاقْرَؤا إِن شِئْتُمْ: {وَظِلٍّ مَمْدُودٍ} .
عَليّ بن عبد الله الْمَعْرُوف بِابْن الْمَدِينِيّ، وسُفْيَان هُوَ ابْن عُيَيْنَة، وَأَبُو الزِّنَاد، بِكَسْر الزَّاي وَتَخْفِيف النُّون عبد الله بن ذكْوَان، والأعرج هُوَ عبد الرَّحْمَن بن هُرْمُز والْحَدِيث مضى فِي كتاب بَدْء الْخلق فِي: بَاب صفة الْجنَّة.
قَوْله: (يبلغ بِهِ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم) ليبدل على أَنه سَمعه من النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم جزما وَيدْفَع بِهِ احْتِمَال أَنه سَمعه مِمَّن سمع النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم.

75 - ( {سُورَةُ الحَدِيدِ وَالمُجَادَلَةِ} )

أَي: هَذَا فِي تَفْسِير بعض سُورَة الْحَدِيد، وَسورَة المجادلة غير سُورَة الْحَدِيد، وعقيب سُورَة الْحَدِيد تَأتي سُورَة المجادلة وَلَكِن وَقع فِي رِوَايَة أبي ذَر هَكَذَا سُورَة الْحَدِيد والمجادلة، وَلغيره: سُورَة الْحَدِيد فَقَط. وَسورَة الْحَدِيد مَكِّيَّة خلافًا للسدي، وَقَالَ الْكَلْبِيّ: فِيهَا مَكِّيَّة وفيهَا مَدَنِيَّة. وَهُوَ الصَّحِيح. لِأَن فِيهَا ذكر الْمُنَافِقين وَلم يكن النِّفَاق إلاَّ فِي الْمَدِينَة، وفيهَا أَيْضا {لَا يَسْتَوِي مِنْكُم من أنْفق من قبل الْفَتْح} (الْحَدِيد: 01) الْآيَة. وَلم تنزل إلاَّ بعد الْفَتْح وَلَا قتال إلاَّ بعد الْهِجْرَة، وأولها مكي فَإِن عمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ. قَرَأَهُ فِي بَيت أُخْته قبل إِسْلَامه، وَقَالَ السخاوي: نزلت بعد سُورَة الزلزلة وَقيل سُورَة مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم. وَهِي: أَلفَانِ وَأَرْبَعمِائَة وَسِتَّة وَسَبْعُونَ حرفا، وَخَمْسمِائة وَأَرْبع وَأَرْبَعُونَ كلمة، وتسع وَعِشْرُونَ آيَة.
(بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم)
ثبتَتْ الْبَسْمَلَة لأبي ذَر دون غَيره.
وَقَالَ مُجَاهِدٌ: جَعَلَكُمْ مُسْتَخْلِفِينَ فِيهِ مُعَمَّرِينِ فِيهِ

أَي: قَالَ مُجَاهِد فِي قَوْله تَعَالَى: {وأنفقوا مِمَّا جعلكُمْ مستخلفين فِيهِ} (الْحَدِيد: 7) أَي: معمرين فِيهِ، وَلم يثبت هَذَا لأبي ذَر، وَعَن الْفراء مستخلفين فِيهِ أَي: مملكين فِيهِ.
مِنَ الظُّلُماتِ إلَى النُّورِ: مِنَ الضَّلالَةِ إلَى الهُدَي

أَشَارَ بِهِ إِلَى قَوْله تَعَالَى: {هُوَ الَّذِي ينزل على عَبده آيَات بَيِّنَات ليخرجكم من الظُّلُمَات إِلَى النُّور} (الْحَدِيد: 9) وَسقط هَذَا أَيْضا لأبي ذَر.
فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمنافِعُ للنَّاسِ} (الْحَدِيد: 52) جُنّةٌ وَسلاحٌ
أَشَارَ بِهِ إِلَى قَوْله تَعَالَى: {وأنزلنا الْحَدِيد فِيهِ بَأْس شَدِيد} أَي: قُوَّة شَدِيدَة {وَمَنَافع للنَّاس} مِمَّا يستعملونه فِي مصالحهم ومعائشهم، إِذْ هُوَ آلَة لكل صَنْعَة. وَفسّر البُخَارِيّ قَوْله: (وَمَنَافع للنَّاس) بقوله: (جنَّة) بِضَم الْجِيم وَتَشْديد النُّون

(19/221)


أَي: ستر ووقاية. قَوْله: (وَسلَاح) يَشْمَل جَمِيع آلَات الْحَرْب، وروى مَا فسره عَن مُجَاهِد، رَوَاهُ عبد بن حميد عَن شَبابَة عَن وَرْقَاء عَن ابْن أبي نجيح عَنهُ.
مَوْلاكُمْ أوْلَى بِكُمْ
أَشَارَ بِهِ إِلَى قَوْله تَعَالَى: {مأواكم النَّار هِيَ مولاكم} (الْحَدِيد: 51) أَي: (أولى بكم) كَذَا قَالَه الْفراء وَأَبُو عُبَيْدَة وَفِي بعض النّسخ: مولاكم هُوَ أولى بكم، وَكَذَا وَقع فِي كَلَام أبي عُبَيْدَة وتذكير الضَّمِير بِاعْتِبَار الْمَكَان فَافْهَم.
{لِئَلاَّ يَعْلَمَ أهْلُ الكِتَابِ} (الْحَدِيد: 92) لِيَعْلَمَ أهْلُ الكِتابِ
أَرَادَ بِهِ أَن كلمة لَا صلَة تَقْدِيره: ليعلم، وَقَالَ الْفراء: تجْعَل لَا صلَة فِي الْكَلَام إِذا دخل فِي أَوله جحد أَو فِي آخِره جحد كهذه الْآيَة وَكَقَوْلِه: {مَا مَنعك أَن لَا تسْجد} (الْأَعْرَاف: 21) وَقَرَأَ سعيد بن جُبَير لكَي لَا يعلم أهل الْكتاب.
يُقالُ: الظَّاهِرُ عَلَى كلِّ شَيْءٍ عِلْما وَالباطِنُ عَلَى كلِّ شَيْءِ عِلْما
أَشَارَ بِهِ إِلَى قَوْله عز وَجل: {هُوَ الأول وَالْآخر وَالظَّاهِر وَالْبَاطِن وَهُوَ بِكُل شَيْء عليم} (الْحَدِيد: 2) وَفسّر الظَّاهِر وَالْبَاطِن بِمَا ذكره، وَكَذَا فسره الْفراء وَفِيه تفاسير أُخْرَى، وَوَقع فِي بَعْص النّسخ الظَّاهِر بِكُل شَيْء.
أنْظِرُونَا انْتَظِرُونا
أَشَارَ بِهِ إِلَى قَوْله تَعَالَى: {يَوْم يَقُول المُنَافِقُونَ والمنافقات للَّذين آمنُوا أنظرونا نقتبس من نوركم} (الْحَدِيد: 31) وَمَعْنَاهُ: انتظرونا، وَقَالَ الْفراء: قَرَأَهَا يحيى بن وثاب وَالْأَعْمَش وَحَمْزَة انظرونا، بِقطع الْألف من: أنظرت، وَالْبَاقُونَ على الْوَصْل، وَفِي بعض النّسخ: هَذَا وَقع قبل قَوْله: يُقَال الظَّاهِر.

85 - ( {سُورَةُ المُجَادَلَةِ} )

{بِسم الله الرحمان الرَّحِيم}
أَي هَذَا فِي تَفْسِير بعض سُورَة المجادلة، كَذَا وَقع للنسفي وَأبي نعيم والإسماعيلي، وَسقط لغَيرهم. قَالَ أَبُو الْعَبَّاس: مَدَنِيَّة بِلَا خلاف. وَقَالَ السخاوي: نزلت قبل الحجرات وَبعد الْمُنَافِقين، وَهِي ألف وَسَبْعمائة وَاثْنَانِ وَسَبْعُونَ حرفا، وَأَرْبَعمِائَة وَثَلَاث وَسَبْعُونَ كلمة، وَاثْنَتَانِ وَعِشْرُونَ آيَة. وَفِي تَفْسِير عبد بن حميد: اسْم هَذِه المجادلة خُوَيْلَة قَالَه مُحَمَّد بن سِيرِين، وَكَانَ زَوجهَا ظَاهر مِنْهَا، وَهُوَ أول ظِهَار كَانَ فِي الْإِسْلَام، وَقَالَ أَبُو الْعَالِيَة: خُوَيْلَة بنت دليج وَقَالَ عِكْرِمَة هِيَ خَوْلَة بنت ثَعْلَبَة هِيَ خُوَيْلَة بنت الصَّامِت، وَقَالَ أَبُو عمر: خَوْلَة بنت ثَعْلَبَة وَزوجهَا أَوْس بن الصَّامِت، وسماها مُجَاهِد: جميلَة وسماها ابْن مَنْدَه: خَوْلَة بنت الصَّامِت، وَقَالَ أَبُو عمر. خَوْلَة بنت ثَعْلَبَة بن أَصْرَم بن فهر بن ثَعْلَبَة بن غنم بن عَوْف، وَأما عُرْوَة وَمُحَمّد بن كَعْب وَعِكْرِمَة. فَقَالُوا: خَوْلَة بنت ثَعْلَبَة، كَانَت تَحت أَوْس بن الصَّامِت أخي عبَادَة بن الصَّامِت، وَظَاهر مِنْهَا، وفيهَا نزلت: {قد سمع الله قَول الَّتِي تُجَادِلك فِي زَوجهَا} (المجادلة: 1) إِلَى آخر الْقِصَّة فِي الظِّهَار، وَقيل: إِن الَّتِي نزلت فِيهَا هَذِه الْآيَة جميلَة امْرَأَة أَوْس بن الصَّامِت، وَقيل: بل هِيَ خُوَيْلَة بنت دليج وَلَا يثبت شَيْء من ذَلِك.
يُجَادُّونَ يُشاقونَ الله

أَشَارَ بِهِ إِلَى قَوْله تَعَالَى: {إِن الَّذين يجادون الله وَرَسُوله} (المجادلة: 5) الْآيَة أَي: يشاقون الله ويعادون رَوَاهُ عبد بن حميد. حَدثنَا شَبابَة عَن وَرْقَاء عَن ابْن أبي نجيح عَن مُجَاهِد.
كُبِتُوا أُخْزِيُوا

أَشَارَ بِهِ إِلَى قَوْله تَعَالَى: {كبتوا كَمَا كبت الَّذين من قبلهم} (المجادلة: 5) وَفسّر: كبتوا: بقوله: أخزيوا من الخزي. كَذَا فِي رِوَايَة أبي ذَر، وَفِي رِوَايَة النَّسَفِيّ: أحزنوا وبالمهملة وَالنُّون، وَقيل: لووا، وَقيل: أهلكوا. وَقيل: أغيظوا وأصل التَّاء فِيهِ دَال يُقَال: كبد إِذا أَصَابَهُ وجع فِي كبده. ثمَّ أبدلت تَاء لقربهما فِي الْمخْرج.
اسْتَحْوَذَ غَلِبَ

أَشَارَ بِهِ إِلَى قَوْله تَعَالَى: {استحوذ عَلَيْهِم الشَّيْطَان} (المجادلة: 91) أَي: غلب عَلَيْهِم، وَكَذَا رُوِيَ عَن أبي عُبَيْدَة، وَحكى عَن قِرَاءَة عمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، استحاذ بِوَزْن استقام وَهُوَ على الْقَاعِدَة، وَأما استحوذ فَإِنَّهُ أحد مَا جَاءَ على الأَصْل من غير إعلال، وَلم يذكر فِي هَذِه السُّورَة وَلَا فِي الَّتِي قبلهَا حَدِيثا مَرْفُوعا.

95 - ( {سُورَةُ الحَشْرِ} )

(19/222)


أَي: هَذَا فِي تَفْسِير بعض سُورَة الْحَشْر، وَهِي مَدَنِيَّة: وَهِي ألف وَتِسْعمِائَة وَثَلَاثَة عشر حرفا وَأَرْبَعمِائَة وَخمْس وَأَرْبَعُونَ كلمة، وَأَرْبع وَعِشْرُونَ آيَة وَسميت سُورَة الْحَشْر لقَوْله تَعَالَى: {هُوَ الَّذِي أخرج الَّذين كفرُوا من أهل الْكتاب من دِيَارهمْ لأوّل الْحَشْر} (الْحَشْر: 2) الْآيَة. يَعْنِي الله هُوَ الَّذِي أخرج الَّذين كفرُوا من بني النَّضِير الَّذين كَانُوا بِيَثْرِب، وَعَن ابْن إِسْحَاق كَانَ جلاء بني النَّضِير مرجع النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من أحد، وَكَانَ فتح قُرَيْظَة عِنْد مرجعه من الْأَحْزَاب وَبَينهمَا سنتَانِ، وَإِنَّمَا قَالَ: {لأوّل الْحَشْر} لأَنهم أول من حشروا من أهل الْكتاب. وَنَفَوْا من الْحجاز وَكَانَ حشرهم إِلَى الشَّام، وَعَن مرّة الْهَمدَانِي: كَانَ هَذَا أول الْحَشْر من الْمَدِينَة والحشر الثَّانِي من خَيْبَر وَجَمِيع جَزِيرَة الْعَرَب إِلَى أَذْرُعَات وَأَرِيحَا من الشَّام فِي أَيَّام عمر بن الْخطاب، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، وَعَن قَتَادَة: كَانَ هَذَا أول الْحَشْر والحشر الثَّانِي نَار تَحْشُرهُمْ من الْمشرق إِلَى الْمغرب تبيت مَعَهم حَيْثُ باتوا وتقيل مَعَهم حَيْثُ قَالُوا وتأكل مِنْهُم من تخلف.
(بِسم الله الرحمان الرَّحِيم)
لم تثبت الْبَسْمَلَة إلاَّ لأبي ذَر.

1 - (بابٌ: {الجَلاءَ: الإخْرَاجُ مِنْ أرْضٍ إلَى أرْضٍ} )

أَشَارَ بِهِ إِلَى قَوْله تَعَالَى: {وَلَوْلَا أَن كتب الله عَلَيْهِم الْجلاء لعذبهم فِي الدُّنْيَا} (الْحَشْر: 3) الْآيَة، وَكَذَا فسره قَتَادَة أخرجه ابْن أبي حَاتِم من طَرِيق سعيد عَنهُ، والجلاء أخص من الْإِخْرَاج لِأَن الْجلاء مَا كَانَ مَعَ الْأَهْل وَالْمَال والإخراج أَعم مِنْهُ.

2884 - حدَّثنا مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الرَّحِيمِ حدَّثنا سَعِيدُ بنُ سُلَيْمَانَ حدَّثنا هُشَيْمٌ أخْبَرَنا أبُو بَشْرٍ عَنْ سَعِيدِ بنِ جُبَيْرٍ قَالَ قُلْتُ لابنِ عَبَّاسٍ: سورَةُ التَّوْبَةِ؟ قَالَ: التَوْبَةُ هِيَ الفَاضِحَةُ مَا زَالَتْ تَنزِلُ: وَمِنْهُمْ وَمِنْهُمْ، حَتَّى ظَنُّوا أنَّها لَمْ تُبْقِ أحَدا مِنْهُمْ إلاَّ ذُكِرَ فِيهَا قَالَ: قُلْتُ: سُورَةُ الأنْفَالِ؟ قَالَ نَزَلَتْ فِي بَدْرٍ. قَالَ: قُلْتُ: سُورَةُ الحَشْرِ؟ قَالَ نَزَلَتْ فِي بَنِي النَّضِيرِ..
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. وهشيم مصغر هشم ابْن بشير مصغر بشر بِالْبَاء الْمُوَحدَة والشين الْمُعْجَمَة الوَاسِطِيّ، وَأَبُو بشر، بِكَسْر الْبَاء الْمُوَحدَة وَسُكُون الْمُعْجَمَة، جَعْفَر بن أبي وحشية إِيَاس الوَاسِطِيّ.
والْحَدِيث أخرج البُخَارِيّ بعضه فِي سُورَة الْأَنْفَال وَفِيه وَفِي الْمَغَازِي عَن الْحسن بن مدرك. وَأخرجه مُسلم فِي آخر الْكتاب عَن عبد الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مُطِيع.
قَوْله: (هِيَ الفاضحة) لِأَنَّهَا تفضح النَّاس حَيْثُ تبين معائبهم. قَوْله: (مَا زَالَت) أَي: سُورَة التَّوْبَة تنزل قَوْله: (وَمِنْهُم وَمِنْهُم) صَحَّ مرَّتَيْنِ، وَأَشَارَ بِهِ إِلَى قَوْله تَعَالَى: {وَمِنْهُم الَّذين يُؤْذونَ النَّبِي} (التَّوْبَة: 6) قَالَ: {وَمِنْهُم من يَلْمِزك فِي الصَّدقَات} (التَّوْبَة: 85) و {مِنْهُم من يَقُول ائْذَنْ لي} (التَّوْبَة: 94) و {مِنْهُم من عَاهَدَ الله} (التَّوْبَة: 57) قَوْله: (لم تبْق) ، وَفِي رِوَايَة الْكشميهني: لن تبقى، وَفِي رِوَايَة الْإِسْمَاعِيلِيّ: أَنه لَا يبْقى. قَوْله: (فِي بني النَّضِير) بِفَتْح النُّون وَكسر الضَّاد الْمُعْجَمَة: قَبيلَة الْيَهُود.

3884 - حدَّثنا الحَسَنُ بنُ مُدْرِكٍ حدَّثنا يَحْيَى بنُ حَمَّادٍ أخْبرنا أبُو عَوَانَةَ عَنْ أبِي بِشْرٍ عَنْ سَعِيدٍ قَالَ قُلْتُ لابنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ الله عَنْهُمَا سُورَةُ الحَشْرِ قَالَ قُلْ سُورَةُ النَّضِيرِ.
هَذَا طَرِيق آخر فِي الحَدِيث الْمَذْكُور. وَأَبُو عوَانَة بِفَتْح الْعين: الوضاح الْيَشْكُرِي، وَسَعِيد هُوَ ابْن جُبَير. قَوْله: (قل سُورَة النَّضِير) كَأَنَّهُ كره تَسْمِيَتهَا بالحشر لِئَلَّا يظنّ أَن المُرَاد يَوْم الْقِيَامَة، وَإِنَّمَا المُرَاد بِهِ هُنَا إِخْرَاج بني النَّضِير.