عمدة القاري شرح
صحيح البخاري 1 - (بابٌ: {يَا أيُّهَا النبيُّ لَمْ
تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ الله لَكَ تَبْتَغي مَرْضَاةَ
أزْوَاجِكَ وَالله غَفُورٌ رَحِيمٌ} )
لَيْسَ فِيهِ لفظ بَاب إلاَّ لأبي ذَر، وَالْكل ساقوا
الْآيَة الْكَرِيمَة إِلَى رَحِيم، وَقد ذكرنَا الْآن
الِاخْتِلَاف فِي سَبَب نُزُولهَا وَسَيَأْتِي مزِيد
الْكَلَام إِن شَاءَ الله تَعَالَى.
1194 - حدَّثنا مُعاذُ بنُ فَضَالَةَ حدَّثنا هِشَامٌ عَنْ
يَحْيَى هُوَ يَعْلَى بنُ حَكِيمٍ عَنْ سَعِيدٍ بنِ
جُبَيْرٍ أنَّ ابنَ عَبَّاسٍ رَضِيَ الله عَنْهُمَا قَالَ
فِي الحَرَامِ يُكَفَّرُ، وَقَالَ ابنُ عَبَّاسٍ: {لَقَدْ
كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ الله إسْوَةٌ حَسَنَةٌ}
(الْأَحْزَاب: 12) .
مطابقته للتَّرْجَمَة تَأْخُذ من قَوْله: {لم تحرم مَا أحل
الله لَك} لِأَن فِي تَحْرِيم الْحَلَال كَفَّارَة، ومعاذ،
بِضَم الْمِيم وبالعين الْمُهْملَة والذال الْمُعْجَمَة
ابْن فضَالة، بِفَتْح الْفَاء وَتَخْفِيف الضَّاد
الْمُعْجَمَة: الزهْرَانِي هِشَام والدستوائي، وَيحيى هُوَ
ابْن أبي كثير ضد الْقَلِيل
(19/247)
ويعلى بن حَكِيم بِفَتْح الْحَاء
الثَّقَفِيّ الْبَصْرِيّ.
والْحَدِيث رَوَاهُ مُسلم عَن زُهَيْر بن حَرْب أخبرنَا
إِسْمَاعِيل بن إِبْرَاهِيم عَن هِشَام. قَالَ كتب إِلَى
يحيى بن أبي كثير أَنه يحدث عَن يعلى بن حَكِيم عَن سعيد
بن جُبَير، فَذكره، وَرَوَاهُ ابْن مَاجَه عَن مُحَمَّد بن
يحيى عَن وهب بن جرير عَن هِشَام كَذَلِك. فَإِن قلت:
كَيفَ حَال رِوَايَة البُخَارِيّ على هَذَا. قلت: قَالُوا
يحْتَمل أَنه لم يطلع على هَذِه الْعلَّة إِذْ لَو اطلع
عَلَيْهَا لذكرها، وَلَيْسَ بِجَوَاب كافٍ وَقيل: لَعَلَّ
الْكِتَابَة وَالْأَخْبَار عِنْده سَوَاء لِأَنَّهُ قد صرح
فِي (الْجَامِع) بِالْكِتَابَةِ فِي غير مَوضِع، ورد هَذَا
بِأَن الْمُكَاتبَة عِنْده عِلّة يجب إظهارها إِذا علمهَا،
وَفِي أَي مَوضِع ذكرهَا أظهرها، وَالْأَحْسَن أَن يُقَال
فِي غير مَوضِع، ورد هَذَا بِأَن الْمُكَاتبَة عِنْده
عِلّة يجب إظهارها إِذا علمهَا، وَفِي أَي مَوضِع ذكرهَا
أظهرهها وَالْأَحْسَن أَن يُقَال إِنَّه يحمل على أَن
عِنْده أَن هشاما لَقِي يحيى فحدثه بعد أَن كَانَ كتب لَهُ
بِهِ، وَرَوَاهُ لِمعَاذ بِالسَّمَاعِ الثَّانِي،
ولإسماعيل بِالْكتاب الأول، وَذكر أَبُو عَليّ أَن فِي
نُسْخَة ابْن السكن معَاذ بن فضَالة أخبرنَا هِشَام عَن
يحيى عَن يعلى، وَفِي نُسْخَة أبي ذَر عَن الْحَمَوِيّ عَن
الفريري. أخبرنَا هِشَام عَن يحيى بن حَكِيم عَن سعيد،
قَالَ أَبُو عَليّ: وَهَذَا خطأ فَاحش وَصَوَابه هِشَام
عَن يحيى عَن يعلى كَمَا رَوَاهُ ابْن السكن.
قَوْله: (يكفر) بِكَسْر الْفَاء أَي: يكفر من وَقع ذَلِك
مِنْهُ، وَوَقع فِي رِوَايَة ابْن السكن وَحده: يكفر
بِفَتْح الْفَاء أَي: إِذا قَالَ: أَنْت عليّ حرَام أَو
هَذَا عليّ حرَام يكفر كَفَّارَة الْيَمين وَعَن ابْن
عَبَّاس: إِذا حرم امْرَأَته لَيْسَ شَيْء، وَعند
النَّسَائِيّ وَسُئِلَ فَقَالَ: لَيْسَ عَلَيْك بِحرَام
عَلَيْك الْكفَّار عتق رَقَبَة، وَقَالَ ابْن بطال عَنهُ:
يلْزمه كَفَّارَة الظِّهَار، قَالَ: وَهُوَ قَول أبي
قلَابَة وَابْن جُبَير وَهُوَ قَول أَحْمد، وَعَن
الشَّافِعِي: إِذا قَالَ لزوجته: أَنْت عليّ حرَام إِن نوى
طَلَاقا كَانَ طَلَاقا، وَإِن نوى ظِهَارًا كَانَ ظِهَارًا
وَإِن نوى تَحْرِيم عينهَا بِغَيْر طَلَاق وَلَا ظِهَار
لزمَه بِنَفس اللَّفْظ كَفَّارَة يَمِين، وَلَا يكن ذَلِك
يَمِينا. وَإِن لم ينْو شَيْئا فَفِيهِ قَولَانِ أصَحهمَا
تلْزمهُ كَفَّارَة يَمِين، وَالثَّانِي أَنه لَغْو لَا
شَيْء فِيهِ. وَلَا يَتَرَتَّب عَلَيْهِ شَيْء من
الْأَحْكَام.
وَذكر عِيَاض فِي هَذِه الْمَسْأَلَة أَرْبَعَة عشر مذهبا:
أَحدهَا: الْمَشْهُور من مَذْهَب مَالك إِنَّه يَقع بِهِ
ثَلَاث تَطْلِيقَات سَوَاء كَانَت مَدْخُولا بهَا أم لَا
لَكِن لَو نوى أقل من ثَلَاث قبل فِي غير الْمَدْخُول بهَا
خَاصَّة، وَهُوَ قَول عَليّ بن أبي طَالب وَزيد وَالْحسن
وَالْحكم. وَالثَّانِي: أَنه يَقع تَطْلِيقَات وَلَا تقبل
نيتة فِي الْمَدْخُول بهَا وَلَا غَيرهَا، قَالَه ابْن أبي
ليلى وَعبد الْملك بن الْمَاجشون. الثَّالِث: أَنه يَقع
بِهِ على الْمَدْخُول بهَا ثَلَاث وعَلى غَيرهَا وَاحِدَة.
قَالَه أَبُو مُصعب وَمُحَمّد بن عبد الحكم. الرَّابِع:
أَنه يَقع بِهِ طَلْقَة وَاحِدَة بَائِنَة سَوَاء
الْمَدْخُول بهَا وَغَيرهَا، وَهِي رِوَايَة عَن مَالك.
الْخَامِس: أَنَّهَا طَلْقَة رَجْعِيَّة، قَالَه عبد
الْعَزِيز بن أبي سَلمَة الْمَالِكِي. السَّادِس: أَنه
يَقع مَا نوى وَلَا يكون أقل من طَلْقَة وَاحِدَة. قَالَه
الزُّهْرِيّ. السَّابِع: أَنه إِن نوى وَاحِدَة أَو عددا
أَو يَمِينا فَلهُ مَا نوى وإلاَّ فلغو قَالَه الثَّوْريّ.
الثَّامِن: مثله إلاَّ أَنه إِذا لم ينْو شَيْئا لزمَه
كَفَّارَة يَمِين قَالَه الْأَوْزَاعِيّ وَأَبُو ثَوْر.
التَّاسِع: مَذْهَب الشَّافِعِي الْمَذْكُور قبل، وَهُوَ
قَول أبي بكر وَعمر وَغَيرهمَا من الصَّحَابَة
وَالتَّابِعِينَ. الْعَاشِر: إِن نوى الطَّلَاق وَقعت
طَلْقَة بَائِنَة، وَإِن نوى ثَلَاثًا وَقع الثَّلَاث
وَإِن نوى اثْنَتَيْنِ وَقعت وَاحِدَة. وَإِن لم ينْو
شَيْئا فيمين، وَإِن نوى الثَّلَاث كفر قَالَه أَبُو
حنيفَة وَأَصْحَابه. الْحَادِي عشر: مثل الْعَاشِر إلاَّ
أَنه إِذا نوى اثْنَتَيْنِ وقعتا، قَالَه زفر. الثَّانِي
عشر: أَنه يجب كَفَّارَة الظِّهَار قَالَه إِسْحَاق بن
رَاهَوَيْه. الثَّالِث عشر: هِيَ يَمِين يلْزم فِيهَا
كَفَّارَة الْيَمين، قَالَه ابْن عَبَّاس وَبَعض
التَّابِعين وَعنهُ: لَيْسَ بِشَيْء. الرَّابِع عشر: أَنه
كتحريم المَاء وَالطَّعَام فَلَا يجب فِيهِ شَيْء أصلا
وَلَا يَقع بِهِ شَيْء بل هُوَ لَغْو قَالَه مَسْرُوق
وَأَبُو سَلمَة وَالشعْبِيّ وإصبغ.
2194 - حدَّثنا إبْرَاهِيمُ بنُ مُوسَى أخْبَرَنَا هِشَامُ
بنُ يُوسُفَ عَنِ ابنِ جُرَيْجٍ عَنْ عَطَاءٍ عَنْ
عُبَيْدَ بنِ عُمَيْرٍ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ الله عَنْها
قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
يَشْرَبُ عَسَلاً عِنْدَ زَيْنَبَ بِنْتَ جَحْشٍ
وَيَمْكُثُ عِنْدَها فَوَاطَئْتُ أنَا وَحَفْصَةُ عَنْ
أيَتُنَا دَخَلَ عَلَيْهَا فَلْنَقُلْ لَهُ أكَلْتَ
مَغَافِيرَ إنِّي أجِدُ مِنْكَ رِيحَ مَغَافِيرَ قَالَ لَا
وَلاكِنِّي كُنْتُ أشْرَبُ عَسَلاً عِنْدَ زَيْنَبَ بِنْتَ
جَحْشٍ فَلَنْ أعُودَ لَهُ وَقَدْ حَلَفْتُ لَا تُخْبِرِي
بِذالِكَ أحَدا.
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (وَقد حَلَفت)
وَإِبْرَاهِيم بن مُوسَى بن يزِيد الْفراء الرَّازِيّ يعرف
بالصغير، وَابْن جريج عبد الْملك بن عبد الْعَزِيز
(19/248)
ابْن جريج، وَعَطَاء بن أبي رَبَاح، وَعبيد
بن عُمَيْر كِلَاهُمَا بِالتَّصْغِيرِ أَبُو عَاصِم
اللَّيْثِيّ.
والْحَدِيث أخرجه البُخَارِيّ أَيْضا فِي الطَّلَاق وَفِي
الْإِيمَان وَالنُّذُور عَن الْحسن بن مُحَمَّد
الزَّعْفَرَانِي وَأخرجه مُسلم فِي الطَّلَاق عَن مُحَمَّد
بن حَاتِم، وَأخرجه أَبُو دَاوُد فِي الْأَشْرِبَة عَن
أَحْمد بن حَنْبَل وَأخرجه النَّسَائِيّ فِي الْإِيمَان
وَالنُّذُور وَفِي عشرَة النَّسَائِيّ عَن الْحسن بن
مُحَمَّد الزَّعْفَرَانِي وَفِي الطَّلَاق وَفِي
التَّفْسِير عَن قُتَيْبَة.
قَوْله: (عِنْد زَيْنَب بنت جحش) ، ويروى: ابْنة جحش وَهِي
إِحْدَى زَوْجَاته صلى الله عَلَيْهِ وَسلم. قَوْله:
(فواظيت) ، هَكَذَا فِي جَمِيع النّسخ وَأَصله: فواطأت،
بِالْهَمْزَةِ أَي: اتّفقت أَنا وَحَفْصَة بنت عمر بن
الْخطاب إِحْدَى زَوْجَاته. قَوْله: (عَن أَيَّتنَا) أَي:
عَن أَيَّة كَانَت منا، (دخل عَلَيْهَا) يَعْنِي: على
أَيَّة زَوْجَة من زَوْجَاته دخل عَلَيْهَا. فَإِن قلت:
كَيفَ جَازَ لعَائِشَة وَحَفْصَة الْكَذِب والمواطأة
الَّتِي فِيهَا إِيذَاء رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم؟ قلت: كَانَت عَائِشَة صَغِيرَة مَعَ أَنَّهَا وَقعت
مِنْهُمَا من غير قصد الْإِيذَاء، بل على مَا هُوَ من جبلة
النِّسَاء فِي الْغيرَة على الضرائر وَنَحْوهَا، وَاخْتلف
فِي الَّتِي شرب النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي
بَيتهَا الْعَسَل، فَعِنْدَ البُخَارِيّ: زَيْنَب كَمَا
ذكرت وَأَن القائلة: أكلت مَغَافِير، عَائِشَة وَحَفْصَة،
وَفِي رِوَايَة حَفْصَة: وَأَن القائلة أكلت مَغَافِير،
عَائِشَة وَسَوْدَة وَصفِيَّة، رَضِي الله تَعَالَى
عَنْهُن، وَفِي تَفْسِير عبد بن حميد: أَنَّهَا سَوْدَة،
وَكَانَ لَهَا أقَارِب أهدوا لَهَا عسلاً من الْيمن،
وَالْقَائِل لَهُ عَائِشَة وَحَفْصَة، وَالَّذِي يظْهر
أَنَّهَا زَيْنَب على مَا عِنْد البُخَارِيّ لِأَن
أَزوَاجه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كن حزبين على مَا ذكرت
عَائِشَة قَالَت: أَنا وَسَوْدَة وَحَفْصَة وَصفِيَّة فِي
حزب، وَزَيْنَب وَأم سَلمَة والباقيات فِي حزب. قَوْله:
(أكلت مَغَافِير) ، بِفَتْح الْمِيم بعْدهَا غين مُعْجمَة:
جمع مغْفُور، وَقَالَ ابْن قُتَيْبَة لَيْسَ فِي الْكَلَام
مفعول إلاَّ مغْفُور ومغرور، وَهُوَ ضرب من الكمأة ومنجور
وَهُوَ المنجر ومغلوق وَاحِد المغاليق، والمغفور صمغ حُلْو
كالناطف وَله رَائِحَة كريهة ينضجه شجر يُسمى العرفط
بِعَين مُهْملَة مَضْمُومَة وَفَاء مَضْمُومَة نَبَات مر
لَهُ ورقة عريضة تنفرش على الأَرْض وَله شَوْكَة وَثَمَرَة
بَيْضَاء كالقطن مثل زر قَمِيص خَبِيث الرَّائِحَة، وَزعم
الْمُهلب أَن رَائِحَة العرفط والمغافير حَسَنَة. انْتهى،
وَهُوَ خلاف مَا يَقْتَضِيهِ الحَدِيث، وَمَا قَالَه
النَّاس، قَالَ أهل اللُّغَة: العرفط من شجر الْعضَاة،
وَهُوَ كل شجر لَهُ شوك، وتخبث رَائِحَة داعيته وروائح
أَلْبَانهَا حَتَّى يتَأَذَّى بروائحها وأنفاسها النَّاس
فيجتنبونها، وَحكى أَبُو حنيفَة فِي المغفور والمغثور بثاء
مُثَلّثَة وَمِيم المغفور من الْكَلِمَة، وَقَالَ الْفراء:
زَائِدَة وواحده مغفر وَحكى غَيره: مغفر، وَقَالَ
آخَرُونَ: مغفار، وَقَالَ الْكسَائي: مغفر. قلت: الأولى
بِفَتْح الْمِيم. وَالثَّانِي: بضَمهَا. وَالثَّالِث: على
وزن مفعال بِالْكَسْرِ. وَالرَّابِع: بِكَسْر الْمِيم،
فَافْهَم. قَوْله: (قَالَ: لَا) ، أَي: قَالَ النَّبِي صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم لَا أكلت مَغَافِير وَلَكِنِّي كنت
أشْرب الْعَسَل عِنْد زَيْنَب. قَوْله: (فَلَنْ أَعُود
لَهُ) ، أَي: حَلَفت أَنا على أَن لَا أَعُود لشرب
الْعَسَل. قَوْله: (فَلَا تُخْبِرِي) ، الْخطاب لحفصة
لِأَنَّهَا هِيَ القائلة: أكلت مَغَافِير، أَو غَيرهَا على
خلاف فِيهِ، أَي: لَا تُخْبِرِي أحدا عَائِشَة أَو غَيرهَا
بذلك. وَكَانَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَبْتَغِي بذلك
مرضاة أَزوَاجه، وَقَالَ الْخطابِيّ: الْأَكْثَر على أَن
الْآيَة نزلت فِي تَحْرِيم مَارِيَة الْقبْطِيَّة حِين
حرمهَا على نَفسه، وَقَالَ لحفصة: لَا تُخْبِرِي عَائِشَة
فَلم تكْتم السِّرّ، وأخبرتها فَفِي ذَلِك نزل {وَإِذ أسر
النَّبِي إِلَى بعض أَزوَاجه حَدِيثا} (التَّحْرِيم: 3) .
2 - (بابٌ: {تَبْتَغِي مَرْضَاةَ أزْوَاجِكَ قَدْ فَرَضَ
الله لَكُمْ تَحِلَّةَ أيْمَانِكُمْ} (التَّحْرِيم: 1)
أَي: هَذَا بَاب فِي قَوْله عز وَجل: {تبتغي} أَي: تطلب
رضَا أَزوَاجك وتحلف (قد فرض الله) أَي: بَين الله أَو قدر
الله مَا تحللون بِهِ أَيْمَانكُم وَقد بَينهَا فِي سُورَة
الْمَائِدَة.
406 - حَدثنَا عبد الْعَزِيز بن عبد الله حَدثنَا
سُلَيْمَان بن بِلَال عَن يحيى عَن عبيد بن حنين أَنه سمع
ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا يحدث أَنه. قَالَ مكثت
سنة أُرِيد أَن أسأَل عمر بن الْخطاب عَن آيَة فَمَا
أَسْتَطِيع أَن أسأله هَيْبَة لَهُ حَتَّى خرج حَاجا
فَخرجت مَعَه فَلَمَّا رجعت وَكُنَّا بِبَعْض الطَّرِيق
عدل إِلَى الْأَرَاك لحَاجَة لَهُ. قَالَ فوقفت لَهُ
حَتَّى فرغ ثمَّ سرت مَعَه فَقلت لَهُ يَا أَمِير
الْمُؤمنِينَ من اللَّتَان تظاهرتا على النَّبِي - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - من أَزوَاجه. فَقَالَ
تِلْكَ حَفْصَة وَعَائِشَة
(19/249)
قَالَ فَقلت وَالله إِن كنت لأريد أَن
أَسأَلك عَن هَذَا مُنْذُ سنة فَمَا أَسْتَطِيع هَيْبَة
لَك قَالَ فَلَا تفعل مَا ظَنَنْت أَن عِنْدِي من علم
فاسألني فَإِن كَانَ لي علم خبرتك بِهِ قَالَ ثمَّ قَالَ
عمر وَالله إِن كُنَّا فِي الْجَاهِلِيَّة مَا نعد
للنِّسَاء أمرا حَتَّى أنزل الله فِيهِنَّ مَا أنزل وَقسم
لَهُنَّ مَا قسم قَالَ فَبينا أَنا فِي أَمر أتأمره إِذْ
قَالَت امْرَأَتي لَو صنعت كَذَا وَكَذَا قَالَ فَقلت
لَهَا مَالك وَلما هَهُنَا فِيمَا تكلفك فِي أَمر أريده
فَقَالَت لي عجبا لَك يَا ابْن الْخطاب مَا تُرِيدُ أَن
تراجع أَنْت وَإِن ابْنَتك لتراجع رَسُول الله - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - حَتَّى يظل يَوْمه غَضْبَان
فَقَامَ عمر فَأخذ رِدَاءَهُ مَكَانَهُ حَتَّى دخل على
حَفْصَة فَقَالَ لَهَا يَا بنية إِنَّك لتراجعين رَسُول
الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - حَتَّى يظل
يَوْمه غَضْبَان فَقَالَت حَفْصَة وَالله إِنَّا لنراجعه
فَقلت تعلمين أَنِّي أحذرك عُقُوبَة الله وَغَضب رَسُوله -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - يَا بنية لَا تغرنك
هَذِه الَّتِي أعجبها حسنها حب رَسُول الله - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - إِيَّاهَا يُرِيد عَائِشَة
قَالَ ثمَّ خرجت حَتَّى دخلت على أم سَلمَة لقرابتي
مِنْهَا فكلمتها فَقَالَت أم سَلمَة عجبا لَك يَا ابْن
الْخطاب دخلت فِي كل شَيْء حَتَّى تبتغي أَن تدخل بَين
رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -
وأزواجه فَأَخَذَتْنِي وَالله أخذا كسرتني عَن بعض مَا كنت
أجد فَخرجت من عِنْدهَا وَكَانَ لي صَاحب من الْأَنْصَار
إِذا غبت أَتَانِي بالْخبر وَإِذا غَابَ كنت أَنا آتيه
بالْخبر وَنحن نتخوف ملكا من مُلُوك غَسَّان ذكر لنا أَنه
يُرِيد أَن يسير إِلَيْنَا فقد امْتَلَأت صدورنا مِنْهُ
فَإِذا صَاحِبي الْأنْصَارِيّ يدق الْبَاب فَقَالَ افْتَحْ
افْتَحْ فَقلت جَاءَ الغساني فَقَالَ بل أَشد من ذَلِك
اعتزل رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -
أَزوَاجه فَقلت رغم أنف حَفْصَة وَعَائِشَة فَأخذت ثوبي
فَأخْرج حَتَّى جِئْت فَإِذا رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فِي مشربَة لَهُ يرقى عَلَيْهَا
بعجلة وَغُلَام لرَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّم َ - أسود على رَأس الدرجَة فَقلت لَهُ قل هَذَا
عمر بن الْخطاب فَأذن لي: قَالَ عمر فقصصت على رَسُول الله
- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - هَذَا الحَدِيث
فَلَمَّا بلغت حَدِيث أم سَلمَة تَبَسم رَسُول الله -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَإنَّهُ لعلى
حَصِير مَا بَينه وَبَينه شَيْء وَتَحْت رَأسه وسَادَة من
أَدَم حشوها لِيف وَإِن عِنْد رجلَيْهِ قرظا مصبوبا وَعند
رَأسه أهب معلقَة فَرَأَيْت أثر الْحَصِير فِي جنبه
فَبَكَيْت. فَقَالَ مَا يبكيك فَقلت يَا رَسُول الله إِن
كسْرَى وَقَيْصَر فِيمَا هما فِيهِ وَأَنت رَسُول الله
فَقَالَ أما ترْضى أَن تكون لَهُم الدُّنْيَا وَلنَا
الْآخِرَة) أَي هَذَا بَاب فِي قَوْله عز وَجل تبتغي إِلَى
آخِره وَلَيْسَ فِي كثير من النّسخ لفظ بَاب وَهَكَذَا
وَقع فِي رِوَايَة الْأَكْثَرين بعض الْآيَة الأولى وَحذف
بَقِيَّة الثَّانِيَة وَوَقع فِي رِوَايَة أبي ذَر كاملتان
كلتاهما وَيحيى هُوَ ابْن سعيد الْأنْصَارِيّ وَعبيد بن
حنين كِلَاهُمَا بِالتَّصْغِيرِ مولى زيد بن الْخطاب
والْحَدِيث أخرجه البُخَارِيّ أَيْضا فِي النِّكَاح وَفِي
خبر الْوَاحِد عَن عبد الْعَزِيز بن عبد الله وَفِي
اللبَاس وَفِي خبر الْوَاحِد أَيْضا عَن سُلَيْمَان بن
حَرْب وَأخرجه مُسلم فِي الطَّلَاق عَن أبي بكر بن أبي
شيبَة وَغَيره قَوْله " هَيْبَة لَهُ " أَي لأجل الهيبة
الْحَاصِلَة لَهُ قَوْله " عدل إِلَى الْأَرَاك " أَي عدل
عَن الطَّرِيق منتهيا إِلَى
(19/250)
شَجَرَة الْأَرَاك وَهِي الشَّجَرَة
الَّتِي يتَّخذ مِنْهَا المساويك قَوْله " لقَضَاء حَاجَة
" كِنَايَة عَن التبرز قَوْله " تظاهرتا " أَي تعاونتا
عَلَيْهِ بِمَا يسؤوه فِي الإفراط فِي الْغيرَة وإفشاء سره
قَوْله " تِلْكَ حَفْصَة وَعَائِشَة " وَرُوِيَ تانك
حِصَّة وَعَائِشَة وَلَفظ تانك من أَسمَاء الْإِشَارَة
للمؤنث الْمثنى قَوْله " وَالله إِن كنت لأريد " كلمة إِن
مُخَفّفَة من المثقلة وَاللَّام فِي لأريد للتَّأْكِيد
قَوْله " وَالله إِن كُنَّا فِي الْجَاهِلِيَّة " كلمة إِن
هَذِه لتأكيد النَّفْي الْمُسْتَفَاد مِنْهُ وَلَيْسَت
مُخَفّفَة من المثقلة لعدم اللَّام وَلَا نَافِيَة والألزم
أَن يكون الْعد ثَابتا لِأَن نفي النَّفْي إِثْبَات قَوْله
" أمرا " أَي شَأْنًا قَوْله " حَتَّى أنزل الله فِيهِنَّ
مَا أنزل " مثل قَوْله تَعَالَى وعاشروهن بِالْمَعْرُوفِ
وَلَا تمسكوهن ضِرَارًا فَإِن أطعنكم فَلَا تَبْغُوا
عَلَيْهِنَّ سَبِيلا قَوْله " وَقسم لَهُنَّ مَا قسم " مثل
ولهن الرّبع مِمَّا تركْتُم وعَلى الْمَوْلُود لَهُ رزقهن
وكسوتهن قَوْله " فَبينا أَنا فِي أَمر أتأمره " أَي بَين
أَوْقَات ائتماري وَمعنى أتأمره أتفكر فِيهِ وَفِي
رِوَايَة مُسلم فَبَيْنَمَا أَنا فِي أَمر أأتمره قَالَ
النَّوَوِيّ فِي شَرحه أَي أشاور فِيهِ نَفسِي وأفكر
قَوْله إِذْ قَالَت جَوَاب فَبينا قَوْله " مَالك " أَي
مَا شَأْنك أَي مَالك أَن تتعرضين لي فِيمَا أَفعلهُ
قَوْله " وَلما هَهُنَا " أَي لِلْأَمْرِ الَّذِي نَحن
فِيهِ وَفِي رِوَايَة مُسلم " فَقلت لَهَا وَمَالك أَنْت "
وَلما هَهُنَا قَوْله " فِيمَا تكلفك " ويروى وَفِيمَا
تكلفك أَي وَفِي أَي شَيْء تكلفك فِي أَمر أريده وَفِي
رِوَايَة مُسلم وَمَا يكلفك فِي أَمر أريده وَهُوَ بِضَم
الْيَاء آخر الْحُرُوف وَسُكُون الْكَاف من الإكلاف وَفِي
رِوَايَة البُخَارِيّ بِفَتْح التَّاء الْمُثَنَّاة من
فَوق وَفتح الْكَاف وَضم اللَّام الْمُشَدّدَة من
التَّكَلُّف من بَاب التفعل قَوْله " عجبا لَك " أَي أعجب
عجبا لَك من مَقَالَتك هَذِه قَوْله " أَن تراجع " على
صِيغَة الْمَجْهُول وَقَوله " لتراجع " على صِيغَة
الْمَعْلُوم وَالضَّمِير فِيهِ يرجع إِلَى قَوْله ابْنَتك
وَهُوَ فِي مَحل الرّفْع لِأَنَّهُ خبر أَن وَاللَّام
فِيهِ للتَّأْكِيد قَوْله " حَتَّى يظل يَوْمه غَضْبَان "
غير مَصْرُوف قَوْله " حب رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - " مَرْفُوع بِأَنَّهُ بدل الاشتمال
وَقَالَ ابْن التِّين حسنها بِالضَّمِّ لِأَنَّهُ فَاعل
وَحب بِالنّصب لِأَنَّهُ مفعول من أَجله أَي أعجبها حسنها
لأجل حب رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ
- إِيَّاهَا وَفِي رِوَايَة مُسلم وَحب رَسُول الله -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - إِيَّاهَا بِالْوَاو
وَقَالَ الْكرْمَانِي وَحب رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - هُوَ الْمُنَاسب للروايات الْأُخَر
وَهِي لَا تغرنك إِن كَانَت جارتك أوضأ مِنْك وَأحب إِلَى
رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -
قَوْله " حَتَّى تبتغي " أَي حَتَّى تطلب قَوْله "
فَأَخَذَتْنِي " أَي أم سَلمَة بكلامها أَو مقالتها
أَخْذَة كسرتني عَن بعض مَا كنت أجد من الموجدة وَهُوَ
الْغَضَب وَفِي رِوَايَة مُسلم قَالَ " فَأَخَذَتْنِي أخذا
كسرتني بِهِ عَن بعض مَا كنت أجد " قَوْله " وَكَانَ لي
صَاحب من الْأَنْصَار " وَفِيه اسْتِحْبَاب حُضُور مجَالِس
الْعلم واستحباب التناوب فِي حُضُور الْعلم إِذا لم
يَتَيَسَّر لكل أحد الْحُضُور بِنَفسِهِ قَوْله " من
مُلُوك غَسَّان " ترك صرف غَسَّان وَقيل يصرف وهم كَانُوا
بِالشَّام قَوْله " افْتَحْ افْتَحْ " مُكَرر للتَّأْكِيد
قَوْله " فَقَالَ بل أَشد من ذَلِك " وَفِيه مَا كَانَت
الصَّحَابَة من الاهتمام بأحوال رَسُول الله - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - والقلق التَّام لما يقلقه
ويغيظه قَوْله رغم أنف حَفْصَة بِكَسْر الْغَيْن وَفتحهَا
يُقَال رغم يرغم رغما ورغما ورغما بِتَثْلِيث الرَّاء أَي
لصق بالرغام وَهُوَ التُّرَاب هَذَا هُوَ الأَصْل ثمَّ
اسْتعْمل فِي كل من عجز عَن الانتصاف وَفِي الذل والانقياد
كرها قَوْله " فَأخذت ثوبي فَأخْرج " فِيهِ اسْتِحْبَاب
التجمل بِالثَّوْبِ والعمامة وَنَحْوهمَا عِنْد لِقَاء
الْأَئِمَّة والكبار احتراما لَهُم قَوْله فِي مشربَة
بِفَتْح الْمِيم وَضم الرَّاء وَفتحهَا وَهِي الغرفة
قَوْله " يرقى " على صِيغَة الْمَجْهُول أَي يصعد
عَلَيْهَا قَوْله " بعجلة " بِفَتْح الْعين الْمُهْملَة
وَالْجِيم وَهِي الدرجَة وَفِي رِوَايَة مُسلم بعجلها
قَالَ النَّوَوِيّ وَقع فِي بعض النّسخ بعجلتها وَفِي
بَعْضهَا بعجلة فَالْكل صَحِيح والأخيرة أَجود وَقَالَ
ابْن قُتَيْبَة وَغَيره هِيَ دَرَجَة من النّخل قَوْله "
وَغُلَام لرَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم
َ - أسود على رَأس الدرجَة " وَفِي رِوَايَة لمُسلم فَقلت
لَهَا أَي لحفصة أَيْن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَت هُوَ فِي خزانَة فِي
الْمشْربَة فَدخلت فَإِذا أَنا برباح غُلَام رَسُول الله -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَاعد على
أُسْكُفَّة الْمشْربَة مدل رجلَيْهِ على نقير من خشب
وَهُوَ جذع يرقى عَلَيْهِ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وينحدر قَوْله " تَبَسم رَسُول الله
- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - " التبسم الضحك
بِلَا صَوت قَوْله " قرظا " بِفَتْح الْقَاف وَالرَّاء
وبالظاء الْمُعْجَمَة وَهُوَ ورق شجر يدبغ بِهِ قَوْله "
مصبوبا " أَي مسكوبا ويروى مصبورا بالراء فِي آخِره أَي
مجموعا من الصُّبْرَة وَقَالَ النَّوَوِيّ وَقع فِي بعض
الْأُصُول مضبورا بالضاد الْمُعْجَمَة بِمَعْنى مجموعا
أَيْضا قَوْله " أهب " بِفَتْح الْهمزَة وَضمّهَا
لُغَتَانِ مشهورتان وَهُوَ جمع إهَاب وَهُوَ الْجلد
الَّذِي لم يدبغ وَفِي رِوَايَة مُسلم فَنَظَرت ببصري فِي
خزانَة رَسُول
(19/251)
الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ
- فَإِذا أَنا بقبضة من شعير نَحْو الصَّاع وَمثلهَا قرظا
فِي نَاحيَة الغرفة وَإِذا أفِيق مُعَلّق بِفَتْح الْهمزَة
وَكسر الْفَاء وَهُوَ الْجلد الَّذِي لم يتم دباغه وَجمعه
أفق بفتحهما كأديم وأدم قَوْله " فِيمَا هما فِيهِ " أَي
فِي الَّذِي هما فِيهِ من النعم وأنواع زِينَة الدُّنْيَا
قَوْله " وَأَنت رَسُول الله " قيل هَذَا الْخَبَر لَا
يُرَاد بِهِ فَائِدَة وَلَا لازمها فَمَا الْغَرَض مِنْهُ
وَأجِيب بِأَن غَرَضه بَيَان مَا هُوَ لَازم للرسالة
وَهُوَ اسْتِحْقَاقه مَا هما فِيهِ أَي أَنْت الْمُسْتَحق
لذَلِك لَا هما وَفِي رِوَايَة مُسلم قَيْصر وكسرى فِي
الثِّمَار والأنهار -
3 - (بابٌ: {وَإذْ أسَرَّ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
إلَى بَعْضِ أزْوَاجِهِ حَدِيثا فَلَمَّا نَبَّأْتْ بِهِ
وأظْهَرَهُ الله عَلَيْهِ عَرَّفَ بَعْضَهُ وَأعْرَض عَنْ
بَعْضٍ فَلَمَّا نَبَّأَهَا بِهِ قَالَتْ مَنْ أنْبَأَكَ
هاذا قَالَ نَبَّأَنِي العَلِيمُ الخَبِيرُ} (التَّحْرِيم:
3)
أَي: هَذَا بَاب فِي قَوْله تَعَالَى: {إِذْ أسر النَّبِي
إِلَى بعض أَزوَاجه} إِلَى آخرهَا، وَلَيْسَ فِي بعض
النّسخ لفظ: بَاب، وَذكرت الْآيَة الْمَذْكُورَة بكمالها
فِي رِوَايَة الْأَكْثَرين، وَفِي رِوَايَة أبي ذَر: وَإِذ
أسر النَّبِي إِلَى بعض أَزوَاجه حَدِيثا إِلَى الْخَبِير.
قَوْله: (وَإِذ أسر النَّبِي إِلَى بعض أَزوَاجه) ، إسراره
هُوَ تَحْرِيمه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فتَاته أَي:
مَارِيَة على نَفسه وَبَعض أَزوَاجه حَفْصَة بنت عمر،
رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا، وَهُوَ قَوْله لَهَا: لَا
تُخْبِرِي بذلك أَي: بِتَحْرِيم الفتاة أحدا، وَعَن
الْكَلْبِيّ: أسر إِلَيْهَا أَن أَبَاك وَأَبا عَائِشَة
يكونَانِ خليفتين على أمتِي. قَوْله: (فَلَمَّا نبأت بِهِ)
، أخْبرت بِالْحَدِيثِ الَّذِي أسر إِلَيْهَا أَن أَبَاك
وَأَبا عَائِشَة يكونَانِ خليفتين على أمتِي. قَوْله:
(فَلَمَّا نبأت بِهِ) ، أَي: فَلَمَّا أخْبرت بِالْحَدِيثِ
الَّذِي أسر إِلَيْهَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم صاحبتها وأظهره الله عَلَيْهِ أَي: واطلع نبيه صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم على أَنه قد نبأت بِهِ قَوْله: (عرف
بعضه) ، يَعْنِي: أخبر حَفْصَة بِبَعْض مَا قَالَت
لعَائِشَة وَلم يخبرها بقولِهَا: أجمع. قَوْله: (فَلَمَّا
نبأها بِهِ) أَي: فَلَمَّا أخبر حَفْصَة بذلك، قَالَت: من
أَنْبَأَك هَذَا؟ قَالَ: نَبَّأَنِي الْعَلِيم الَّذِي
يعلم كل شَيْء الْخَبِير بِمَا يَقع بَين عباده وَلَا يخفى
عَلَيْهِ شَيْء من ذَلِك.
{فِيهِ عَائِشَةُ عَنْ النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم}
أَي: فِي هَذَا الْبَاب حَدِيث عَائِشَة عَن النَّبِي صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم، وَأَرَادَ بِهِ الحَدِيث الَّذِي
رَوَاهُ عَن عَائِشَة عبيد بن عُمَيْر فِي الْبَاب قبله.
4194 - حدَّثنا عَلِيٌّ حدَّثنا سُفْيَانُ حدَّثنا يَحْيَى
بنُ سَعِيدٍ قَالَ سَمِعْتُ عُبَيْد بنَ حُنَيْنٍ قَالَ
سَمِعْتُ ابنَ عَبَّاسٍ رَضِيَ الله عَنْهُمَا يَقُولُ
أرَدْتُ أنْ أسَأَلَ عُمَرَ رَضِيَ الله عَنْهُ فَقُلْتُ
يَا أمِيرَ المُؤْمِنينَ مَنِ الْمَرْأَتَانِ اللَّتَانِ
تَظَاهَرَتَا عَلَى رَسُولِ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
فَمَا أتَمَمْتُ كَلامِي حَتَّى قَالَ عَائِشَةُ
وَحَفْصَةُ، رَضِيَ الله عَنْهُمَا.
مطابقته للتَّرْجَمَة. لَا تخفى، وَعلي هُوَ ابْن
الْمَدِينِيّ وسُفْيَان هُوَ ابْن عُيَيْنَة، وَيحيى بن
سعيد هُوَ الْأنْصَارِيّ، وَهَذَا طرف من الحَدِيث الَّذِي
مضى عَن قريب.
4 - (بابٌ قَوْلُهُ: {إنْ تَتُوبا إلَى الله فَقَدْ صَغَتْ
قُلُوبُكُمَا} (التَّحْرِيم: 4)
أَي: هَذَا بَاب فِي قَوْله عز وَجل: {أَن تَتُوبَا}
الْخطاب لعَائِشَة وَحَفْصَة، أَي: أَن تَتُوبَا إِلَى
الله من التعاون على رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
بالإيذاء وَتَفْسِير: صغت، يَأْتِي الْآن.
صَغَوْتُ وَأصْغَيْتُ: مِلْتُ: لِتَصْغِي: لِتَحمَيلَ
أَشَارَ بِهَذَا إِلَى أَن معنى قَوْله: قد صغت، مَالَتْ
وَعدلت واستوجبتما التَّوْبَة. يُقَال: صغوت. أَي: ملت،
وَكَذَلِكَ: أصغيت، ذكر مثالين: أَحدهمَا ثلاثي وَالْآخر
مزِيد فِيهِ. قَوْله: (لتصغى) أَشَارَ بِهِ إِلَى قَوْله
عز وَجل: {ولتصغي إِلَيْهِ أَفْئِدَة الَّذين لَا
يُؤمنُونَ بِالآخِرَة} (الْأَنْعَام: 311) أَي:
التَّمْثِيل وَهَذَا ذكره اسْتِطْرَادًا.
وَإنْ تَظَاهَرَا عَلَيْهِ فَإنَّ الله هُوَ وَجِبْرِيلُ
وَصَالِحُ المُؤْمِنينَ وَالمَلائِكَةُ بَعْدَ ذالِكَ
ظَهِيرٌ عَوْنٌ تَظَاهَرُونَ تَعَاوَنُونَ.
كَذَا وَقع للأكثرين وَاقْتصر أَبُو ذَر من سِيَاق الْآيَة
على قَوْله: (ظهير) عون. قَوْله: (وَإِن تظاهرا) أَي:
وَإِن تعاونا على
(19/252)
أَذَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
فَإِن الله هُوَ مَوْلَاهُ أَي: ناصره وحافظه فَلَا تضره
المظاهرة مِنْكُمَا وَجِبْرِيل، عَلَيْهِ الصَّلَاة
وَالسَّلَام، وليه وَصَالح الْمُؤمنِينَ أَبُو بكر، رَضِي
الله تَعَالَى عَنهُ، قَالَه الْمسيب بن شريك. وَقَالَ
سعيد بن جُبَير: هُوَ عمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ،
وروى عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه عَليّ بن
أبي طَالب، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، وَعَن الْكَلْبِيّ:
هم الْمُؤْمِنُونَ المخلصون الَّذين لَيْسُوا بمنافقين،
وَعَن قَتَادَة هم الْأَنْبِيَاء، عَلَيْهِم الصَّلَاة
وَالسَّلَام، قَوْله: (وَالْمَلَائِكَة بعد ذَلِك) ، أَي:
بعد نصر الله وَجِبْرِيل وَصَالح الْمُؤمنِينَ. (ظهير)
أَي: أعوان، وَلم يقل: وصالحوا الْمُؤمنِينَ، وَلَا ظهرا،
لِأَن لَفْظهمَا وَإِن كَانَ وَاحِدًا، فَهُوَ بِمَعْنى
الْجمع. قَوْله: (تظاهرون) تَفْسِيره: تعاونون، وَفِي بعض
النّسخ: تظاهرا تعاونا.
وَقَالَ مُجَاهِدٌ: {قُوا أنْفُسَكُمْ وَأهْلِيكُمْ}
(التَّحْرِيم: 6) أوْصُوا أنْفُسَكُمْ وَأهْلِيكُمْ
بِتَقْوَى الله وَأدِّبُوهُمُ.
أَي: قَالَ مُجَاهِد فِي قَوْله تَعَالَى: {يَا أَيهَا
الَّذين آمنُوا قوا أَنفسكُم وأهليكم نَارا وقودها النَّاس
وَالْحِجَارَة} (التَّحْرِيم: 6) أوصوا أَنفسكُم من
الْإِيصَاء الْمَعْنى: أوصوا أَنفسكُم بترك الْمعاصِي.
وَفعل الطَّاعَات. قَوْله: (وأهليكم) يَعْنِي: مُرُوهُمْ
بِالْخَيرِ وانهوهم عَن الشَّرّ وعلموهم وأدبوهم، هَذَا
هُوَ الْمَعْنى الصَّحِيح الَّذِي ذكره الْمُفَسِّرُونَ،
وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيّ: قوا أَنفسكُم بترك الْمعاصِي
وَفعل الطَّاعَات وأهليكم بِأَن تأخذوهم بِمَا تأخذون بِهِ
أَنفسكُم وقرىء: وأهلوكم، عطفا على وَاو قوا، كَأَنَّهُ
قيل: قوا أَنْتُم، وأهلوكم أَنفسكُم وَذكر الشُّرَّاح
هُنَا أَشْيَاء متعسفة، أَكْثَرهَا خَارج عَمَّا
تَقْتَضِيه الْقَوَاعِد فَمن ذَلِك مَا ذكره ابْن التِّين
بِلَفْظ، قوا أهليكم. أوفقوا أهليكم، وَنسب القَاضِي
عِيَاض هَذِه الرِّوَايَة هَكَذَا اللقايسي وَابْن السكن.
ثمَّ قَالَ ابْن التِّين صَوَابه: أَوْفوا، قَالَ: وَنَحْو
ذَلِك ذكر النّحاس وَلَا أعرف للألف من أَو وَلَا للفاء من
قَوْله: فقوا، وَجها. قلت: كَأَنَّهُ جعل قَوْله: أوفقوا،
كَلِمَتَيْنِ إِحْدَاهمَا كلمة أَو، وَالثَّانيَِة كلمة
فقوا. وَأَصله بِتَقْدِيم الْفَاء على الْقَاف، ثمَّ ذكر
أَشْيَاء متكلفة لم يذكرهَا أحد من الْمُفَسّرين وَذَلِكَ
كُله نَشأ أَمن جعله: أَو فقوا. كَلِمَتَيْنِ وَجعل
الْفَاء مُقَدّمَة على الْقَاف، وَلَيْسَ كَذَلِك
فَإِنَّهُ كلمة وَاحِدَة وَالْقَاف مُقَدّمَة على الْفَاء.
وَالْمعْنَى: أوقفوا أهليكم عَن الْمعاصِي وامنعوهم،
وَقَالَ ابْن التِّين وَالصَّوَاب على هَذَا حذف فِي
الْألف لِأَنَّهُ ثلاثي من نوقف. قلت: لمن جعل هَذَا كلمة
أَن يَقُول لَا نسلم أَنه من: وقف، بل من: الإيقاف من
الْمَزِيد لَا من الثلاثي.
5194 - حدَّثنا الحُمَيْدِيُّ حدَّثنا سُفْيَانُ حدَّثنا
يَحْيَى بنُ سَعِيدٍ. قَالَ سَمِعْتُ عُبَيْدَ بنَ
حُنَيْنٍ يَقُولُ سَمِعْتُ ابنَ عَبَّاسٍ يَقُولُ أرَدْتُ
أنْ أسْألَ عُمَرَ عَنِ الْمَرْأتَيْنِ اللَّتَيْنِ
تَظَاهَرَ بِمَا عَلَى رَسُولِ الله صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم فَمَكَثْتُ سَنَةً فَلَمْ أجِدْ لَهُ مَوْضِعا
حَتَّى خَرَجْتُ مَعَهُ حَاجّا فَلَمَّا كُنَّا
بِظَهْرَانَ ذَهَبَ عُمَرَ لِحَاجَتِهِ فَقَالَ أدْرِكْنِي
بِالوَضُوءِ فأدْرَكْتُهُ بِالإدَاَوَةِ فَجَعَلْتُ
أسْكُبُ عَلَيْهِ المَاءَ وَرَأَيْتُ مَوْضِعا فَقُلْتُ
يَا أمِيرَ المُؤْمِنِينَ مَنِ المَرْأَتَانِ اللَّتَانِ
تَظَاهَرَتَا قَالَ ابنُ عَبَّاسٍ فَمَا أتْمَمْتُ كَلامِي
حَتَّى قَالَ عَائِشَةُ وَحَفْصَةُ.
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. لَا تخفى على المتأمل،
والْحميدِي عبد الله بن الزبير، وسُفْيَان هُوَ ابْن
عُيَيْنَة، ويحى بن سعيد هُوَ الْقطَّان الْأنْصَارِيّ.
والْحَدِيث قد مضى فِي بَاب: {نبتغي مرضات أَزوَاجك}
(التَّحْرِيم: 1) وَمضى الْكَلَام فِيهِ هُنَاكَ، قَوْله:
(بظهران) ، بِفَتْح الظَّاء الْمُعْجَمَة وَسُكُون الْهَاء
وبالراء وَالنُّون، بقْعَة بَين مَكَّة وَالْمَدينَة غير
منصرف. قَوْله (بِوضُوء) بِفَتْح الْوَاو. وَهُوَ المَاء
الَّذِي يتَوَضَّأ بِهِ. قَوْله: (بِالْإِدَاوَةِ) بِكَسْر
الْهمزَة وَهِي المطهرة قَوْله: (يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ)
بِحَذْف الْألف من أَمِير للتَّخْفِيف.
5 - (بابٌ قَوْلُهُ: {عَسَى رَبُّهُ أنْ طَلَّقَكُنَّ أنْ
يُبَدِّلُهِ أزْوَاجا خَيْرا مِنْكنَّ مُسْلِمَاتٍ
مُؤْمِنَاتٍ قَانِتَاتٍ تَائِبَاتٍ عَابِدَاتٍ سَابِّحَاتٍ
ثَيِّباتٍ وَأبْكَارا} )
(التَّحْرِيم: 5)
أَي: هَذَا بَاب فِي قَوْله عز وَجل: {عَسى ربه} أَي: رب
النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، هَذَا إِخْبَار عَن
الْقُدْرَة وتخويف لَهُم لَا أَن فِي الْوُجُود
(19/253)
من هُوَ خير من أمة مُحَمَّد صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيّ: فَإِن قلت: كَيفَ
يكون المبدلات خيرا مِنْهُنَّ وَلم يكن على وَجه الأَرْض
نسَاء خيرا من أُمَّهَات الْمُؤمنِينَ؟ قلت: إِذا طلقهن
رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لعصيانهن وإيذائهن
إِيَّاه لم يبْقين على تِلْكَ الصّفة، وَكَانَ غَيْرهنَّ
من الموصوفات بالأوصاف الْمَذْكُورَة مَعَ الطَّاعَة
لرَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَالنُّزُول على
رِضَاهُ وهواه خيرا مِنْهُنَّ. قَوْله: (مسلمات مؤمنات)
مقرات مخلصات. (قانتات) داعيات مصليات. (تائبات) من
الذُّنُوب راجعات إِلَى الله تَعَالَى وَرَسُوله تاركات
لمحبة أَنْفسهنَّ. (عابدات) كثيرات الْعِبَادَة لله
تَعَالَى، وَقيل: متذللات لرَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم، بِالطَّاعَةِ وَمِنْه أَخذ اسْم العَبْد لتذلله.
(سائحات) يسحن مَعَه حَيْثُمَا ساح، وَقيل: صائمات، وقرىء:
سيحات، وَهِي أبلغ، وَقيل للصَّائِم: سائح لِأَن السائح
لَا زَاد مَعَه فَلَا يزَال ممسكا إِلَى أَن يجد مَا
يطعمهُ، فَشبه بِهِ الصَّائِم فِي إِمْسَاكه إِلَى أَن
يَجِيء وَقت إفطاره، وَقيل: (سائحات) مهاجرات، وَعَن زيد
بن أسلم لم يكن فِي هَذِه الْأمة سياحة إلاَّ الْهِجْرَة.
قَوْله: (ثيبات) جمع ثيب والأبكار جمع بكر فَإِن قلت:
وَإِنَّمَا أخليت الصِّفَات كلهَا عَن العاطف ووسط بَين
الثيبات والأبكار. قلت: لِأَنَّهُمَا صفتان متنافيتان لَا
يجتمعن فيهمَا اجتماعهن فِي سَائِر الصِّفَات فَلم يكن بُد
من الْوَاو.
6194 - حدَّثنا عَمْرُو بنُ عَوْنٍ حدَّثنا هُشَيْمٌ عَنْ
حُمَيْدٍ عَنْ أنَسٍ رَضِيَ الله عَنْهُ قَالَ قَالَ
عُمَرُ رَضِيَ الله عَنْهُ اجْتَمَعَ نِسَاءُ النبيِّ صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم فِي الغَيْرَةِ عَلَيْهِ فَقُلْتُ
لَهُنَّ: {عَسَى رَبُّهُ إنْ طَلَّقَكْنَّ أنْ يُبَدِّلَهُ
أزْوَاجا خَيْرا مِنْكُنَّ} (التَّحْرِيم: 5) فَنَزِلَتْ
هاذِهِ الآيَةَ..
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. وَفِيه بَيَان لسَبَب
النُّزُول، وَعَمْرو بن عون بن أَوْس الوَاسِطِيّ نزل
الْبَصْرَة وروى البُخَارِيّ أَيْضا عَنهُ بالواسطة فِي
الاسْتِئْذَان روى عَن عبد الله المسندي عَن عَمْرو بن عون
وروى مُسلم عَن حجاج بن الشَّاعِر عَنهُ فِي مَوضِع، وهشيم
مصغر هشم بن بشر مصغر بشر يرْوى عَن حميد، الطَّوِيل
الْبَصْرِيّ، والْحَدِيث قد مر فِي كتاب الصَّلَاة فِي
بَاب مَا جَاءَ فِي الْقبْلَة: بأتم مِنْهُ بِهَذَا
الْإِسْنَاد بِعَيْنِه، وَمضى الْكَلَام فِيهِ هُنَاكَ.
76 - (سُورَةُ {تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ المُلْكُ}
(تبَارك: 1)
أَي: هَذَا فِي تَفْسِير بعض سُورَة (تبَارك) وَفِي بعض
النّسخ سُورَة الْملك، وَلم تثبت الْبَسْمَلَة هَاهُنَا
للْكُلّ وَهِي مَكِّيَّة كلهَا، قَالَه مقَاتل، وَقَالَ
السخاوي: نزلت قبل الحاقة وَبعد الطّور، وَهِي ألف
وثلاثمائة حرف، وثلاثمائة وَثَلَاثُونَ كلمة وَثَلَاثُونَ
آيَة.
التَّفَاوُتُ الاخْتِلافُ وَالتَّفَاوُتُ وَالتَّفَوُّتُ
وَاحِدٌ
أَشَارَ بِهِ إِلَى قَوْله تَعَالَى: {مَا ترى فِي خلق
الرَّحْمَن من تفَاوت} (تبَارك: 3) وَفَسرهُ بالاختلاف
وَالْمعْنَى: هَل ترى فِي خلق الرحمان اخْتِلَاف،
وَأَشَارَ بِأَن التَّفَاوُت والتفوت بِمَعْنى وَاحِد
كالتعهد والتعاهد والتطهر والتطاهر، وَقَرَأَ الْكسَائي
وَحَمْزَة من تفوت بِغَيْر ألف، قَالَ الْفراء: وَهِي
قِرَاءَة ابْن مَسْعُود، وَالْبَاقُونَ بِالْألف.
تمَيْز: فَقَطَّعُ
أَشَارَ بِهِ إِلَى قَوْله تَعَالَى: {تكَاد تميز من
الغيظ} (تبَارك: 8) وَفَسرهُ بقوله: (تقطع) وَكَذَا فسره
الْفراء، وَالضَّمِير فِيهِ يرجع إِلَى الْكفَّار الَّذين
أخبر الله عَنْهُم بقوله: (إِذا القوافيها) أَي: فِي
النَّار (سمعُوا لَهَا شهيقا) أَي: صَوتا كصوت حمَار.
{وَهِي تَفُور} (تبَارك: 5) تزفر وتغلي بهم كَمَا تغلي
الْقُدُور.
مَنَاكِبها جَوَانِبِها
أَشَارَ بِهِ إِلَى قَوْله تَعَالَى: {فامشوا فِي مناكبها
وكلوا من رزقه وَإِلَيْهِ النشور} (تبَارك:) 51 أَي: امشوا
فِي جَوَانِب الأَرْض، وَكَذَا فسره الْفراء، وأصل
الْمنْكب الْجَانِب، وَعَن ابْن عَبَّاس وَقَتَادَة:
جبالها، وَعَن مُجَاهِد: طرقها.
تَدَّعُونَ وَتَدْعُونَ مِثْلُ: تَذَّكَّرُونَ
وَتَذْكُرُونَ
أَشَارَ بِهِ إِلَى قَوْله تَعَالَى: {وَقيل هَذَا الَّذِي
كُنْتُم بِهِ تدعون} (تبَارك: 72) وَأَشَارَ بِهِ إِلَى
أَن مَعْنَاهُمَا وَاحِد، وَأَن التَّخْفِيف لَيْسَ
بِقِرَاءَة فلأجل ذَلِك. قَالَ: مثل تذكرُونَ وتذكرون.
وَيَقْبِضْنَ: يَضْرِبْنَ بأجْنِحَتِهِنَّ
(19/254)
أَشَارَ بِهِ إِلَى قَوْله تَعَالَى:
{وَيقبض مَا يمسكهن إلاَّ الرَّحْمَن أَنه بِكُل شَيْء
بَصِير} (تبَارك: 91) وَفَسرهُ بقوله: يضربن بأجنحتهن)
الْمَعْنى: مَا يمسك الطُّيُور. أَي: مَا يحبسهن فِي حَال
الْقَبْض والبسط أَن يسقطن، إلاَّ الرَّحْمَن، وَلم يثبت
هَذَا لأبي ذَر.
وَقَالَ مُجَاهِدٌ: صَافَّاتٍ بَسْطُ أجْنِحَتِهِنَّ
أَي: قَالَ مُجَاهِد فِي قَوْله تَعَالَى: {أَو لم يرَوا
إِلَى الطير فَوْقهم صافات} وَقَالَ: (صافات بسط أجنحتهن)
يَعْنِي: فِي الطيران تطير وتقبض أَجْنِحَتهَا بعد
انبساطها، وَلم يثبت هَذَا أَيْضا لأبي ذَر.
وَنُفُورٍ: الكُفُور
أَشَارَ بِهِ إِلَى قَوْله تَعَالَى: {بل لجوا فِي عتو
ونفور} (تبَارك: 12) وَفسّر النفور بالكفور، وَرَوَاهُ
الْحَنْظَلِي عَن حجاج عَن شَبابَة عَن شَبابَة عَن
وَرْقَاء عَن ابْن أبي نجيح عَن مُجَاهِد. وَقَالَ
الثَّعْلَبِيّ: معنى عتو تمادٍ فِي الضلال، وَمعنى: نفور
تبَاعد من الْحق وَأَصله من النفرة.
86 - ( {سُورَةُ ن وَالقَلَم} )
أَي: هَذَا فِي تَفْسِير بعض سُورَة {نون والقلم}
(الْقَلَم: 1) وَلم يَقع لفظ: سُورَة إلاَّ فِي رِوَايَة
أبي ذَر، وَقَالَ مقَاتل: مَكِّيَّة كلهَا. وَذكر ابْن
النَّقِيب عَن ابْن عَبَّاس من أَولهَا إِلَى قَوْله:
{سنسمه} (الْقَلَم: 61) مكي، وَمن بعد ذَلِك إِلَى قَوْله:
{لَو كَانُوا يعلمُونَ} (الْقَلَم: 33) مدنِي، وَقَالَ
السخاوي: نزلت بعد سُورَة المزمل وَقبل المدثر: وَهِي ألف
ومائتان وَسِتَّة وَخَمْسُونَ حرف وثلاثمائة كلمة،
وَاثْنَتَانِ وَخَمْسُونَ آيَة.
وَاخْتلف الْمُفَسِّرُونَ فِي مَعْنَاهُ فَعَن مُجَاهِد
وَمُقَاتِل وَالسُّديّ وَآخَرين: هُوَ الْحُوت الَّذِي
يحمل الأَرْض، وَهِي رِوَايَة عَن ابْن عَبَّاس، وَاخْتلف
فِي اسْمه، فَعَن الْكَلْبِيّ وَمُقَاتِل: يهموت، وَعَن
الْوَاقِدِيّ: ليوثا وَعَن عَليّ: بلهوت، وَقيل: هِيَ
حُرُوف الرَّحْمَن، وَهِي رِوَايَة عَن ابْن عَبَّاس
قَالَ: الر وح م، وَنون حُرُوف الرحمان مقطعَة، وَعَن
الْحسن وَقَتَادَة وَالضَّحَّاك: النُّون، الدَّوَاء وَهِي
رِوَايَة عَن ابْن عَبَّاس أَيْضا. وَعَن مُعَاوِيَة بن
قُرَّة: لوح من نور رَفعه الله إِلَى النَّبِي صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم، وَعَن ابْن كيسَان: هُوَ قسم أقسم الله
بِهِ، وَعَن عَطاء افْتِتَاح اسْمه نور وناصر ونصير، وَعَن
جَعْفَر: نون نهر فِي الْجنَّة.
(بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم) .
لم تثبت الْبَسْمَلَة إلاَّ لأبي ذَر.
وَقَالَ قَتَادَةُ حَرْدٍ: جِدٍّ فِي أنْفُسِهِمْ
أَشَارَ بِهِ قَتَادَة إِلَى قَوْله تَعَالَى: {وغدوا على
جرد قَادِرين} (الْقَلَم: 52) وَفسّر قَوْله: (جرد) بقوله:
(جد) بِكَسْر الْجِيم وَتَشْديد الدَّال وَهُوَ
الِاجْتِهَاد، وَالْمُبَالغَة فِي الْأَمر، وَقَالَ ابْن
التِّين: وَضبط فِي بعض الْأُصُول بِفَتْح الْجِيم رَوَاهُ
عبد الرَّزَّاق فِي (تَفْسِيره) عَن معمر عَن قَتَادَة.
وَقَالَ الثَّعْلَبِيّ: على قدرَة قَادِرين على أنفسهم،
وَعَن النَّخعِيّ وَمُجاهد وَعِكْرِمَة على أَمر مجمع قد
أسسوه بَينهم وَعَن سُفْيَان على حنق وَغَضب، وَعَن أبي
عُبَيْدَة على منع.
وَقَالَ ابنُ عَبَّاسٍ: لَضَالُّونَ: أضْلَلْنا مَكَانَ
جَنَّتِنا
أَي: قَالَ ابْن عَبَّاس، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا،
فِي قَوْله تَعَالَى: {فَلَمَّا رأوها قَالُوا إِنَّا
لضالون} (الْقَلَم: 62) أَي: أضللنا مَكَان جنتنا، رَوَاهُ
ابْن أبي حَاتِم من طَرِيق ابْن جريج عَن عَطاء عَنهُ،
وَالضَّمِير فِي قَوْله: {فَلَمَّا رأوها} يرجع إِلَى
الْجنَّة فِي قَوْله: {إِنَّا بلوناهم كَمَا بلونا
أَصْحَاب الْجنَّة} (الْقَلَم: 71) يَعْنِي: امتحنا
واختبرنا أهل مَكَّة بِالْقَحْطِ والجوع (كَمَا بلونا)
أَي: كَمَا ابتلينا أَصْحَاب الْجنَّة. قَالَ ابْن
عَبَّاس: بُسْتَان بِالْيمن يُقَال لَهُ الضروان دون صنعاء
بفرسخين وَكَانُوا حلفوا أَن لَا يصرمن نخلها إلاَّ فِي
الظلمَة قبل خُرُوج النَّاس من المساكن إِلَيْهَا، فَأرْسل
الله عَلَيْهَا نَارا من السَّمَاء فأحرقتها وهم نائمون،
فَلَمَّا قَامُوا وَأتوا إِلَيْهَا رأوها قَالُوا: إِنَّا
لضالون وَلَيْسَت هَذِه جنتنا. قَوْله: (أضللنا) ، قَالَ
بَعضهم: زعم بعض الشُّرَّاح أَن الصَّوَاب فِي هَذَا أَن
يُقَال: ضللنا، غير ألف. تَقول: ضللت الشَّيْء إِذا جعلته
فِي مكن ثمَّ لم تدر أَيْن هُوَ، وأضللت الشَّيْء إِذا
ضيعته. ثمَّ قَالَ: وَالَّذِي وَقع فِي الرِّوَايَة صَحِيح
الْمَعْنى. أَي: عَملنَا عمل من ضيع، وَيحْتَمل أَن يكون
بِضَم أول أضللنا. انْتهى. قلت: أَرَادَ بِبَعْض
الشُّرَّاح الْحَافِظ الدمياطي فَإِنَّهُ قَالَ هَكَذَا
وَالَّذِي قَالَه هُوَ الصَّوَاب لِأَن اللُّغَة تساعده،
وَلَكِن الَّذِي اخْتَارَهُ هَذَا الْقَائِل من
الْوَجْهَيْنِ اللَّذين ذكرهمَا بعيد جدا. أما الأول:
فَلَيْسَ
(19/255)
بمطابق لقَوْل أهل الْجنَّة فَإِن عَمَلهم
لم يكن إِلَّا رَوَاحهمْ إِلَى جنتهم فَقَط، وَلَيْسَ
فِيهِ عمل عمل من ضيع: وَأما الثَّانِي: فبالاحتمال
الَّذِي لَا يقطع، وَلَكِن يُقَال فِي تصويب الَّذِي وَقع
بِهِ الرِّوَايَة: أضللنا أَنْفُسنَا عَن مَكَان جنتنا
يَعْنِي: هَذِه لَيست بجنتنا بل تُهنا فِي طريقها.
وَقَالَ غَيْرُهُ: كَالصَّرِيمِ كَالصُّبْحِ انْصَرَمَ
مِنَ اللَّيْلِ وَاللَّيْلِ انْصَرَمَ مِنَ النَّهَارِ
وَهُوَ أيْضا كُلُّ رَمْلَةٍ انْصَرَمَتْ مِنْ مُعْظَمِ
الرَّمْلِ وَالصَّرِيمُ أيْضا المَصْرُومُ مِثْلُ قَتِيلٍ
وَمَقْتُولٍ.
أَي: قَالَ غير ابْن عَبَّاس فِي قَوْله تَعَالَى:
{فَأَصْبَحت كالصريم} (الْقَلَم: 02) أَي: فَأَصْبَحت
الْجنَّة الْمَذْكُورَة كالصريم، وَفَسرهُ بقوله: (كالصبح
انصرم) أَي: انْقَطع من اللَّيْل إِلَى آخِره، ظَاهر.
مَكْظُومٌ وَكَظِيمٌ مَغْنُومٌ، تُدْهِنُ فَيُدْهِنُوَ
تَرْخُصُ فَيَرْخُصُونَ
هَذَا كُله للنسفي، وَلم يَقع للباقين، وَأَشَارَ بقوله:
تدهن إِلَى قَوْله تَعَالَى: {ودّوا لَو تدهن فيدهنون}
وَفَسرهُ بقوله: (ترخص فيرخصون) (الْقَلَم: 9) وَكَذَا
رُوِيَ عَن ابْن عَبَّاس وَعَن عَطِيَّة وَالضَّحَّاك، لَو
نكفر فيكفرون. وَعَن الْكَلْبِيّ: لَو تلين لَهُم فيلينون
لَك، وَعَن الْحسن: لَو تصانعهم فِي دينك فيصانعونك فِي
دينهم، وَعَن الْحسن: لَو تقاربهم فيقاربونك. وَأَشَارَ
بقوله: مكظوم. إِلَى قَوْله تَعَالَى: {وَلَا تكن كصاحب
الْحُوت إِذْ نَادَى وَهُوَ مكظوم} (الْقَلَم: 84)
وَفَسرهُ: بقوله: {مغموم} وَأَشَارَ أَيْضا بِأَن مكظوم
وكظيم، سَوَاء فِي الْمَعْنى.
1 - (بَابُ: {عُتُلٍ بَعْدَ ذالِكَ زَنِيمٍ} (الْقَلَم:
31)
أَي: هَذَا بَاب فِي قَوْله تَعَالَى: {عتل بعد ذَلِك}
أَي: مَعَ ذَلِك، والعتل الفانك الشَّديد الْمُنَافِق.
قَالَه ابْن عَبَّاس: وَعَن عبيد بن عُمَيْر: العتل الأكول
الشروب الْقوي الشَّديد يوضع فِي الْمِيزَان فَلَا يزن
شعيرَة يدْفع الْملك من أُولَئِكَ فِي جَهَنَّم سبعين ألفا
دفْعَة وَاحِدَة، هُوَ الزنيم والدعي الملحق النّسَب
الملصق بالقوم وَلَيْسَ مِنْهُم، وَعَن عَليّ، رَضِي الله
تَعَالَى عَنهُ: الزنيم الَّذِي لَا أصل لَهُ. وَقيل: هُوَ
الَّذِي لَهُ زنمة كزنمة الشَّاة، وَقيل: هُوَ المرمي
بالأبنة.
7194 - حدَّثنا مَحْمُودٌ حدَّثنا عُبَيْدِ الله عَنْ
إسْرَائِيلَ عَنْ أبِي حَصِينٍ عَنْ مُجَاهِدٍ عَنِ ابنِ
عَبَّاسٍ رَضِيَ الله عَنْهُمَا عُتُلٍّ بَعْدَ ذالِكَ
زَنِيمٍ قَالَ رَجُلٌ مِنْ قُرَيْشٍ لهُ زَنَمَةٌ مِثْلُ
زَنَمَةِ الشَّاةِ.
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. ومحمود هُوَ ابْن غيلَان،
وَوَقع فِي رِوَايَة الْمُسْتَمْلِي مُحَمَّد، فَإِن صَحَّ
فَهُوَ الذهلي، وَعبيد الله هُوَ ابْن مُوسَى من شُيُوخ
البُخَارِيّ، وروى عَنهُ هُنَا بِوَاسِطَة، وَإِسْرَائِيل
هُوَ ابْن يُونُس بن أبي إِسْحَاق السبيعِي، وَأَبُو
حُصَيْن، بِفَتْح الْحَاء وَكسر الصَّاد المهلمتين واسْمه
عُثْمَان بن عَاصِم الْأَسدي.
والْحَدِيث أخرجه النَّسَائِيّ فِي التَّفْسِير عَن أَحْمد
بن سُلَيْمَان.
قَوْله: (قَالَ رجل من قُرَيْش) أَي: قَالَ ابْن عَبَّاس:
الزنيم هُوَ رجل من قُرَيْش لَهُ زنمة مثل زنمة الشَّاة.
وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيّ: الزنمة هِيَ الهنة من جلد الماعز
تقطع فتخلى معلقَة فِي حلقها. وَقيل: الزنمة للمعز فِي
حلقها كالقرط فَإِن كَانَت فِي الْأذن فَهُوَ زنمة،
وَاخْتلف فِي الْمَوْصُوف بِهَذِهِ الصّفة القبيحة فَعَن
ابْن عَبَّاس: هُوَ الْوَلِيد بن الْمُغيرَة المَخْزُومِي،
وَقَالَ عَطاء وَالسُّديّ: هُوَ الْأَخْنَس بن شريق،
وَقَالَ مُجَاهِد الْأسود بن عبد يَغُوث، وَعَن مُجَاهِد:
كَانَت للوليد سِتّ أَصَابِع فِي كل يَد أصْبع زَائِدَة.
8194 - حدَّثنا أبُو نُعَيْمٍ حدَّثنا سُفْيَانُ عَنْ
مَعْبَد بنِ خَالِدٍ قَالَ سَمِعْتُ حَارِثَةَ بنَ وَهْبٍ
الخُزَاعِيَّ قَالَ سَمِعْتُ النبيَّ صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم يَقُولُ: (أَلا أُخْبِرُكُمْ بِأَهْلِ الجَنَّةِ،
وَكلُّ ضَعِيفٍ مُتَضَعِّفٍ لَوْ أقْسَمَ عَلَى الله
لأَبَرَّهُ أَلا أُخْبِرُكُمْ بِأَهْلِ النَّارِ كلُّ
عُتلٍّ جَوَّاظٍ مُسْتَنْكِرٍ) .
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (كل عتل) وَأَبُو نعيم
الْفضل بن دُكَيْن، وسُفْيَان هُوَ الثَّوْريّ، ومعبد،
بِفَتْح الْمِيم وَسُكُون الْعين الْمُهْملَة
(19/256)
وَفتح الْبَاء الْمُوَحدَة: ابْن خَالِد
الْكُوفِي مَاله فِي البُخَارِيّ إلاَّ ثَلَاثَة أَحَادِيث
هَذَا، وَآخر تقدم فِي الزَّكَاة، وَآخر يَأْتِي فِي
الطِّبّ، وحارثة بن وهب الْخُزَاعِيّ بِالْمُهْمَلَةِ
والثاء الْمُثَلَّثَة.
والْحَدِيث ذكره البُخَارِيّ أَيْضا فِي الْأَدَب عَن
مُحَمَّد بن كثير وَفِي النذور عَن مُحَمَّد بن الْمثنى.
وَأخرجه مُسلم فِي صفة الْجنَّة عَن مُحَمَّد بن الْمثنى
وَغَيره وَأخرجه التِّرْمِذِيّ فِي صفة جَهَنَّم عَن
مَحْمُود بن غيلَان وَأخرجه النَّسَائِيّ فِي التَّفْسِير
عَن مُحَمَّد بن الْمثنى بِهِ. وَأخرجه ابْن مَاجَه فِي
الزّهْد عَن مُحَمَّد بن بشار عَن ابْن مهْدي عَن سُفْيَان
بِهِ.
قَوْله: (متضعف) بِكَسْر الْعين وَفتحهَا وَالْفَتْح أشهر،
وَكَذَا ضَبطه الدمياطي. وَقَالَ ابْن الْجَوْزِيّ: وَغلط
من كسرهَا وَإِنَّمَا هُوَ بِالْفَتْح. وَقَالَ
النَّوَوِيّ: رُوِيَ بِالْفَتْح عِنْد الْأَكْثَرين
وبكسرها وَمَعْنَاهُ: ويستضعفه النَّاس وَيَحْتَقِرُونَهُ
لضعف حَاله فِي الدُّنْيَا يُقَال: تضعفه أَي:
اسْتَضْعَفَهُ، وَأما الْكسر فَمَعْنَاه: متواضع خامل
متذلل. وَاضع من نَفسه، وَقيل: الضعْف رقة الْقلب وَلينه
للْإيمَان. قَوْله: (لَو أقسم على الله لأبرَّه) أَي: لَو
حلف يَمِينا طَمَعا فِي كرم الله تَعَالَى بإبراره
لأبَّره. وَقيل: لَو دَعَاهُ لأجابه. قَوْله: (كل عتل)
هُوَ الغليظ. وَقيل: الشَّديد من كل شَيْء، وَقيل:
الْكَافِر. وَقَالَ الدَّاودِيّ: هُوَ السمين، الْعَظِيم
الْعُنُق والبطن، وَقَالَ الْهَرَوِيّ: هُوَ الجموع
المنوع، وَيُقَال: هُوَ الْقصير الْبَطن، وَقيل: الأكول
الشروب الظلوم. (والجواظ) بِفَتْح الْجِيم وَتَشْديد
الْوَاو ثمَّ ظاء مُعْجمَة وَهُوَ الشَّديد الصَّوْت فِي
الشَّرّ، وَقيل: المتكبر المختال فِي مشيته الفاخر. وَقيل:
الْكثير اللَّحْم. وَلَيْسَ المُرَاد اسْتِيعَاب
الطَّرفَيْنِ وَإِنَّمَا المُرَاد أَن أغلب أهل الْجنَّة
وَأَن أغلب أهل النَّار هَؤُلَاءِ.
2 - (بابٌ: {يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ سَاق} (الْقَلَم: 24)
أَي: هَذَا بَاب فِي قَوْله تَعَالَى: {يَوْم يكْشف عَن
سَاق} قيل: تكشف الْقِيَامَة عَن سَاقهَا، وَقيل: عَن أَمر
شَدِيد فظيع وَهُوَ إقبال الْآخِرَة. وَذَهَاب الدُّنْيَا،
وَهَذَا من بَاب الِاسْتِعَارَة تَقول الْعَرَب للرجل إِذا
وَقع فِي أَمر عَظِيم يحْتَاج فِيهِ إِلَى اجْتِهَاد
ومعاناة ومقاساة للشدة شمر عَن سَاقه، فاستعير السَّاق فِي
مَوضِع الشدَّة، وَإِن لم يكن كشف السَّاق حَقِيقَة، كَمَا
يُقَال: أَسْفر وَجه الصُّبْح، واستقام لَهُ صدر الرَّأْي،
وَالْعرب تَقول: لسنة الْحَرْب: كشفت عَن سَاقهَا.
9194 - حدَّثنا آدَمُ حدَّثنا اللَّيْثُ عَنْ خَالِدِ بنِ
يَزِيدَ عَنْ سَعِيدٍ بنِ أبِي هلالٍ عَنْ زَيْدِ ابنِ
أسْلَمَ عَنْ عَطَاءِ بنِ يَسَّار عَنْ أبِي سَعِيدٍ
رَضِيَ الله عَنهُ قَالَ سَمِعْتُ النبيِّ صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم يَقُولُ يَكْشِفُ رَبُّنا عَنْ سَاقِهِ
فَيَسْجُدُ لَهُ كلُّ مُؤْمِنٍ وَمُؤْمِنَّةٍ وَيَبْقَى
مَنْ كَانَ يَسْجُدُ فِي الدُّنْيَا رِيَاء وَسُمْعَةً
فَيَذْهَبُ لِيَسْجُدَ فَيَعُودُ ظَهْرُهُ طَبَقا
وَاحِدا..
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (يكْشف رَبنَا عَن
سَاقه) وآدَم هُوَ ابْن أبي إِيَاس، وَاللَّيْث هُوَ ابْن
سعد، وخَالِد بن يزِيد من الزِّيَادَة. الجُمَحِي
السكْسكِي الاسكندراني الْفَقِيه الْمُفْتِي، وَسَعِيد بن
أبي هِلَال اللَّيْثِيّ الْمدنِي، وَزيد بن أسلم أَبُو
أُسَامَة مولى عمر بن الْخطاب، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ،
وَأَبُو سعيد هُوَ الْخُدْرِيّ واسْمه سعد بن مَالك
الْأنْصَارِيّ، وَهَذَا الحَدِيث مُخْتَصر من حَدِيث
الشَّفَاعَة.
قَوْله: (يكْشف رَبنَا عَن سَاقه) ، من المتشابهات،
وَلأَهل الْعلم فِي هَذَا الْبَاب قَولَانِ: أَحدهمَا:
مَذْهَب مُعظم السّلف أَو كلهم تَفْوِيض الْأَمر فِيهِ
إِلَى الله تَعَالَى وَالْإِيمَان بِهِ، واعتقاد معنى
يَلِيق لجلال الله عز وَجل وَالْآخر: هُوَ مَذْهَب بعض
الْمُتَكَلِّمين أَنَّهَا تتأول على مَا يَلِيق بِهِ،
وَلَا يسوغ ذَلِك إلاَّ لمن كَانَ من أَهله بِأَن يكون
عَارِفًا بِلِسَان الْعَرَب، وقواعد الْأُصُول
وَالْفُرُوع، فعلى هَذَا قَالُوا: المُرَاد بالساق هُنَا
الشدَّة، أَي: يكْشف الله عَن شدَّة وَأمر مهول، وَكَذَا
فسره ابْن عَبَّاس، وَقَالَ عِيَاض: المُرَاد بالساق
النُّور الْعَظِيم، وَرُوِيَ عَن أبي مُوسَى الْأَشْعَرِيّ
عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (يَوْم يكْشف عَن
سَاق) قَالَ: عَن نور عَظِيم يخرون لَهُ سجدا وَعَن
قَتَادَة فِيمَا رَوَاهُ عبد بن حميد (يَوْم يكْشف عَن
سَاق) عَن أَمر فظيع، وَعَن عبد الله هِيَ ستور رب
الْعِزَّة إِذا كشف لِلْمُؤمنِ يَوْم الْقِيَامَة، وَعَن
الرّبيع بن أنس: يكْشف عَن الغطاء فَيَقَع من كَانَ آمن
بِهِ فِي الدُّنْيَا سَاجِدا، وَقَالَ الْحَكِيم
التِّرْمِذِيّ وَأما القَوْل من قَالَ: المُرَاد بالساق
الشدَّة فِي الْقِيَامَة، وَفِي هَذَا قُوَّة لأهل
التعطيل، وَجَاء حَدِيث عَن ابْن مَسْعُود يرفعهُ، وَفِيه
(19/257)
بِمَ تعرفُون ربكُم؟ قَالُوا: بَيْننَا
وَبَينه عَلامَة أَن رأيناها عَرفْنَاهُ. قَالَ: مَا هِيَ؟
قَالَ: يكْشف عَن سَاق. قَالَ: فَيكْشف عِنْد ذَلِك عَن
سَاق فيخر الْمُؤْمِنُونَ سجدا. قَالَ: وَمَا يُنكر هَذَا
اللفط ويفر مِنْهُ إلاَّ من يفر عَن الْيَد والقدم
وَالْوَجْه وَنَحْوهَا. فعطل الصِّفَات. وَزعم ابْن
الْجَوْزِيّ: أَن ذَلِك بِمَعْنى كشف الشدائد عَن
الْمُؤمنِينَ فيسجدون شكرا. وَاسْتدلَّ على ذَلِك بِحَدِيث
أبي مُوسَى مَرْفُوعا. فَيكْشف لَهُم الْحجاب
فَيَنْظُرُونَ إِلَى الله، وَعَن ابْن مَسْعُود: إِذا
كَانَ يَوْم الْقِيَامَة قَامَ النَّاس لرب الْعَالمين
أَرْبَعِينَ عَاما فِيهِ فَعِنْدَ ذَلِك يكْشف عَن سَاق
ويتجلى لَهُم، وأوله بَعضهم بِأَن الله يكْشف لَهُم عَن
سَاق لبَعض المخلوفين من مَلَائكَته وَغَيرهم، وَيجْعَل
ذَلِك سَببا لبَيَان مَا شَاءَ من حكمته فِي أهل
الْإِيمَان والنفاق. وَعَن أبي الْعَبَّاس النَّحْوِيّ
أَنه قَالَ: السَّاق النَّفس. كَمَا قَالَ عَليّ، رَضِي
الله تَعَالَى عَنهُ: وَالله لأقاتلن الْخَوَارِج وَلَو
تلفت ساقي، فَيحْتَمل أَن يكون المُرَاد بِهِ تجلي ذَاته
لَهُم وكشف الْحجب حَتَّى إِذا رَأَوْهُ سجدوا لَهُ.
وَقرأَهَا ابْن عَبَّاس: يكْشف، بِضَم الْيَاء وقرىء:
نكشف، بالنُّون، ويكشف، على الْبناء للْفَاعِل وللمفعول
جَمِيعًا، وَالْفِعْل للساعة أَو للْحَال أَي: يَوْم تشتد
الْحَال أَو السَّاعَة. وقرىء: بِالْيَاءِ المضمومة وَكسر
الشين من أكشف إِذا دخل فِي الْكَشْف. قَوْله: (فَيسْجد
لَهُ) ، أَي: لله. فَإِن قلت: الْقِيَامَة دَار الْجَزَاء
لَا دَار الْعَمَل. قلت: هَذَا السُّجُود لَا يكون على
سَبِيل التَّكْلِيف بل على سَبِيل التَّلَذُّذ بِهِ
والتقرب إِلَى الله تَعَالَى. قَوْله: (يَاء) ، أَي: ليراه
النَّاس. قَوْله: (وسَمعه) ، أَي: ليسمعونه. قَوْله:
(طبقًا وَاحِدًا) ، أَي: لَا ينثني للسُّجُود وَلَا ينحني
لَهُ، وَهُوَ بِفَتْح الطَّاء. وَالْبَاء الْمُوَحدَة.
قَالَ الْهَرَوِيّ: الطَّبَق ففار الظّهْر أَي: سَار فقاره
وَاحِدًا كالصحيفة فَلَا يقدر على السُّجُود، وَجَاء فِي
حَدِيث طَوِيل فالمؤمنون يخرون سجدا على وُجُوههم ويخر كل
مُنَافِق على قَفاهُ، وَيجْعَل الله تَعَالَى أصلابهم
كصيامي الْبَقر، وَفِي رِوَايَة: وَيبقى المُنَافِقُونَ
لَا يَسْتَطِيعُونَ كَأَن فِي ظُهُورهمْ السَّفَافِيد
فَيذْهب بهم إِلَى النَّار، وَقَالَ النَّوَوِيّ: وَقد
اسْتدلَّ بعض الْعلمَاء بِهَذَا مَعَ قَول الله تَعَالَى:
{وَيدعونَ إِلَى السُّجُود فَلَا يَسْتَطِيعُونَ}
(الْقَلَم: 24) على جَوَاز تَكْلِيف مَا لَا يُطَاق
وَهَذَا اسْتِدْلَال بَاطِل. فَإِن الْآخِرَة لَيست دَار
تَكْلِيف بِالسُّجُود وَإِنَّمَا المُرَاد امتحانهم.
(سُورَةُ الحَاقَّةِ)
أَي: هَذَا فِي تَفْسِير بعض سُورَة الحاقة وَهِي
مَكِّيَّة فِي قَول الْجَمِيع، وَقَالَ السخاوي: نزلت قبل
المعارج وَبعد سُورَة الْملك، وَهِي ألف وَأَرْبَعَة
وَثَمَانُونَ حرفا. ومائتان وست وَخَمْسُونَ كلمة،
وَاثْنَتَانِ وَخَمْسُونَ آيَة. وَفِي مُسْند ابْن
عَبَّاس: عَن معَاذ إِنَّمَا سميت الحاقة لِأَن فِيهَا
حقائق الْأَعْمَال من الثَّوَاب وَالْعِقَاب.
(بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم)
ثبتَتْ الْبَسْمَلَة لأبي ذَر وَحده.
حُسُوما مُتَتَابِعَةً
أَشَارَ بِهِ إِلَى قَوْله تَعَالَى: {سخرها عَلَيْهِم سبع
لَيَال وَثَمَانِية أَيَّام حسوما} (الحاقة: 7) وَفَسرهُ
بقوله: (متتابعة) ، وَكَذَا فسره مُجَاهِد وَقَتَادَة
وَمعنى متتابعة لَيْسَ فِيهَا فَتْرَة وَهُوَ من حسم الكي
وَهُوَ أَن يُتَابع عَلَيْهِ بالمكواة وَعَن الْكَلْبِيّ:
دائمة، وَعَن الضَّحَّاك: كَامِلَة لم تفتر عَنْهُم حَتَّى
أفنتهم، وَعَن الْخَلِيل: قطعا لدابرهم، والحسم الْقطع
وَالْمَنْع وَمِنْه حسم الدَّوَاء وحسم الرَّضَاع وانتصابه
على الْحَال وَالْقطع قَالَه الثَّعْلَبِيّ، وَهَذَا لم
يثبت إلاَّ للنسفي وَحده.
وَقَالَ ابنُ جُبَيْرٍ: {عِيشَةٍ رَاضِيَةٍ} (الحاقة: 12)
يُرِيدُ فِيهَا الرِّضا
أَي: قَالَ سعيد بن جُبَير فِي قَوْله تَعَالَى: {فَهُوَ
فِي عيشة راضية} (الحاقة: 12) يُرِيد فِيهَا الرِّضَا أَي:
ذَات الرِّضَا أَرَادَ بِهِ أَنه من بَاب ذِي كَذَا كتامر
وَلابْن، وَعند عُلَمَاء الْبَيَان هَذَا اسْتِعَارَة
بِالْكِنَايَةِ، وَهَذَا لم يثبت إلاَّ لأبي ذَر والنسفي.
القَاضِيَةَ المَوْتَةَ الأُوْلَى الَّتِي مُتُّها ثُمَّ
أُحْيا بَعْدَها
أَشَارَ بِهِ إِلَى قَوْله تَعَالَى: {يَا ليتها كَانَت
القاضية مَا أغْنى عني ماليه} (الحاقة: 72، 82) أَي: لَيْت
الموتة الأولى كَانَت القاطعة لأمري لن أَحْيَا بعْدهَا
وَلَا يكون بعث وَلَا جَزَاء، وَقَالَ قَتَادَة: تمنى
الْمَوْت وَلم يكن عِنْده فِي الدُّنْيَا شَيْء أكره من
الْمَوْت. قَوْله: (ثمَّ أَحْيَا) ، بعْدهَا: وَفِي
رِوَايَة أبي ذَر: لم أَحَي بعْدهَا، وَهَذِه هِيَ
الْأَصَح، وَالظَّاهِر أَن النَّاسِخ صحف لم بثم.
(19/258)
مِنْ أَحَدٍ عَنْهُ حَاجِزِينَ أحَدٌ
يَكُونُ لِلْجَمْعِ وَلِلْوَاحِدِ
أَشَارَ بِهِ إِلَى قَوْله تَعَالَى: {فَمَا مِنْكُم من
أجد عَنهُ حاجزين} (الحاقة: 74) الضَّمِير فِي عَنهُ: يرجع
إِلَى الْقَتْل، وَقيل: إِلَى رَسُول الله صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم لَا يحجزون عَن الْقَاتِل قَالَه
النَّسَفِيّ فِي (تَفْسِيره) وغرض البُخَارِيّ فِي بَيَان
أَن لفظ: أحد، يصلح للْجمع وللواحد وَذَلِكَ لِأَنَّهُ
نكرَة وَقع فِي سِيَاق النَّفْي. قَوْله: (للْجمع) ، ويروى
للْجَمِيع.
وَقَالَ ابنُ عَبَّاسٍ الوَتِينَ: نِيَاطَ القَلْبِ
أَي: قَالَ ابْن عَبَّاس فِي قَوْله تَعَالَى عز وَجل:
{ثمَّ لقطعنا مِنْهُ الوتين} (الحاقة: 64) أَي: (نِيَاط
الْقلب) بِكَسْر النُّون وَتَخْفِيف الْيَاء آخر
الْحُرُوف. وَهُوَ حَبل الوريد إِذا قطع مَاتَ صَاحبه،
وَتَعْلِيق ابْن عَبَّاس وَصله ابْن أبي حَاتِم من حَدِيث
سُفْيَان عَن عَطاء بن السَّائِب عَن سعيد عَنهُ.
قَالَ ابنُ عَبَّاسٍ: طَغَى كَثُرَ وَيُقَالُ: بِالطَّا
غِيَةِ بِطُغْيَانِهِمْ. وَيُقَالُ: طَغَتْ عَلَى الخزانِ
كَمَا طَغَى المَاءُ عَلَى قَوْمِ نُوحٍ صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم
أَي: قَالَ ابْن عَبَّاس فِي قَوْله تَعَالَى: {إِنَّا لما
طَغى المَاء حَمَلْنَاكُمْ فِي الْجَارِيَة} (الحاقة: 11)
وَفسّر: (طغا) بقوله: (كثر) وَعَن قَتَادَة: طَغى المَاء
عتى فَخرج بِلَا وزن وَلَا كيل، وطغا فَوق كل شَيْء
خَمْسَة عشر ذِرَاعا وَالْجَارِيَة: السَّفِينَة. قَوْله:
(وَيُقَال: بالطاغية) ، هُوَ مصدر نَحْو الجاثية. فَلذَلِك
فسره بقوله: (بطغيانهم) وَقيل: الطاغية صفة موصوفها
مَحْذُوف تَقْدِيره: وَأما ثَمُود فأهلكوا بأفعالهم
الطاغية، يُقَال: طغا يطغو ويطغى طغيانا إِذا جَاوز الْحَد
فِي الْعِصْيَان فَهُوَ طاغ وَهِي طاغية، وتستعمل هَذِه
الْمَادَّة فِي معَان كَثِيرَة، يُقَال: طغا الرجل إِذا
جَاوز الْحَد، وطغا الْبَحْر إِذا هاج، وطغا السَّيْل إِذا
كثر مَاؤُهُ، وطغى الدَّم إِذا نبع وَغير ذَلِك،
وَهَاهُنَا ذكر أَنه اسْتعْمل لمعان ثَلَاثَة: الأول:
بِمَعْنى الْكَثْرَة أَشَارَ إِلَيْهِ بقوله: وَقَالَ ابْن
عَبَّاس: طغا كثر، وَهُوَ فِي قَضِيَّة قوم نوح صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم. وَالثَّانِي: بِمَعْنى مُجَاوزَة الْحَد
فِي الْعِصْيَان، وَذَلِكَ فِي قَوْله: وَيُقَال بالطاغية.
وَقد ذَكرْنَاهُ، وَهُوَ فِي ثَمُود. وَالثَّالِث:
بِمَعْنى مُجَاوزَة الرّيح حَده أَشَارَ إِلَيْهِ بقوله:
وَيُقَال: طغت على الْخزَّان، وَهُوَ فِي قَضِيَّة قوم
عَاد، وَهُوَ قَوْله تَعَالَى: (وَأما عَاد فأهلكوا برِيح
صَرْصَر عَاتِيَة) (الحاقة: 6) وَقَوله: طغت. أَي: الرّيح
خرجت بِلَا ضبط من الْخزَّان وَهُوَ جمع خَازِن، وللريح
خزان لَا ترسلها إلاَّ بِمِقْدَار، وَأما عَاد لما عتوا
فَأرْسل الله عَلَيْهِم ريحًا عَاتِيَة يَعْنِي اعتت على
خزانها فَلم تطعهم، وجاوزت الْحَد وَذَلِكَ بِأَمْر الله
تَعَالَى، وَرُوِيَ عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم: مَا أرسل الله ريحًا إلاَّ بِمِكْيَال، وَلَا
قَطْرَة من المَاء إلاَّ بِمِكْيَال، إلاَّ قوم عَاد وَقوم
نوح، عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام، طغيا على الْخزَّان
فَلم يكن لَهُم عَلَيْهِمَا سَبِيل. وَقَالَ بَعضهم: لم
يظْهر لي فَاعل طغت. لِأَن الْآيَة فِي حق ثَمُود وهم قد
أهلكوا بالصيحة، وَلَو كَانَت عادا لَكَانَ الْفَاعِل
الرّيح وَهِي لَهَا الْخزَّان انْتهى. قلت: ظهر لغيره مَا
لم يظْهر لَهُ لقصوره، وَالْآيَة فِي حق عَاد كَمَا
ذَكرْنَاهُ. وهم {أهلكوا برِيح صَرْصَر عَاتِيَة} عنت على
خزانها، وَأما ثَمُود فقد أهلكوا بالطاغية، كَمَا قَالَ
الله تَعَالَى، وَقد فسر الْمُفَسِّرُونَ الطاغية بالطغيان
وَهُوَ الْمُجَاوزَة عَن الْحَد وَعَن مُجَاهِد وَابْن
زيد، أهلكوا بأفعالهم الطاغية، وَدَلِيله قَوْله تَعَالَى:
{كذبت ثَمُود بطغواها} (الشَّمْس: 11) والطغوى بِمَعْنى
الطغيان وَقَول هَذَا الْقَائِل: إِن الْآيَة فِي حق
ثَمُود، وهم قد أهلكوا بالصيحة. قَول رُوِيَ عَن قَتَادَة
فَإِنَّهُ قَالَ: يَعْنِي: الصَّيْحَة الطاغية الَّتِي
جَاوَزت مقادير الصياح، وَكَلَام البُخَارِيّ على قَول
غَيره كَمَا ذَكرْنَاهُ فَافْهَم، وَلَو كَانَ مُرَاده على
قَول قَتَادَة فَلَا مَانع أَن يكون فَاعل طغت الصَّيْحَة
وَيكون الْمَعْنى: خرجت الصَّيْحَة من صائحها وهم خزانها
فِي الْحَقِيقَة بِلَا مِقْدَار بِحَيْثُ أَنَّهَا جَاوَزت
مقادير الصياح كَمَا فِي قَول قَتَادَة.
وَغِسْلِينٍ: مَا يَسِيلُ مِنْ صَدِيدِ أهْلِ النَّارِ
أَشَارَ بِهِ إِلَى قَوْله تَعَالَى: {وَلَا طَعَام إلاَّ
من غسلين} (الحاقة: 63) وَفَسرهُ بقوله: (يسيل من صديد أهل
النَّار) وَهُوَ قَول الْفراء. قَالَ الثَّعْلَبِيّ:
كَأَنَّهُ غسالة جروحهم وقروحهم، وَعَن الضَّحَّاك
وَالربيع، هُوَ شجر يَأْكُلهُ أهل النَّار، وَهَذَا ثَبت
للنسفي وَحده.
وَقَالَ غَيْرُهُ: مِنْ غِسْلَينٍ: كلُّ شَيْءٍ غَسَلْتَهُ
فَخَرَجَ مِنْهُ شَيْءٌ فَهُوَ غَسْلَيْنٌ فِعْلَيْنٌ مِنَ
الغَسْلِ مِنَ الجَرْحِ وَالدُّبْرِ
هَذَا أَيْضا للنسفي وَحده. قَوْله: (وَقَالَ غَيره) ، يدل
على أَن قبل قَوْله: وغسلين. وَقَالَ الْفراء وَغَيره،
وَقد سقط من
(19/259)
النَّاسِخ، وَيكون معنى قَوْله: (وَقَالَ
غَيره) أَي: غير الْفراء وَإِن لم يقدر شَيْء هُنَاكَ لَا
يَسْتَقِيم الْكَلَام. فَافْهَم.
أعْجَارُ نَخْلٍ: أُصُولُها
أَشَارَ بِهِ إِلَى قَوْله تَعَالَى: {كَأَنَّهُمْ أعجاز
نخل خاوية} (الحاقة: 8) وَفسّر الإعجاز بالأصول، وخاوية:
سَاقِطَة، هَذَا أَيْضا للنسفي وَحده.
بَاقِيَةٍ: بَقِيةٍ
أَشَارَ بِهِ إِلَى قَوْله تَعَالَى: {فَهَل ترى لَهُم من
بَاقِيَة} (الحاقة: 8) أَي: بَقِيَّة، وَهَذَا أَيْضا
للنسفي وَحده. وَالله أعلم.
07 - ( {سُورَةُ سألَ سَائِلٌ {)
أَي: هَذَا تَفْسِير فِي بعض سُورَة: {سَأَلَ سَائل}
(المعارج: 1) وَتسَمى: سُورَة المعارج، وَهِي مَكِّيَّة،
وَهِي ألف وَاحِد وَسِتُّونَ حرفا. ومائتان وست عشرَة
كلمة، وَأَرْبع وَأَرْبَعُونَ آيَة. وَلم يذكر
الْبَسْمَلَة هَاهُنَا للْجَمِيع.
الفَصيلَةُ: أصْغَرُ آبَائِهِ القُرْبَى إلَيْهِ:
يَنْتَمِي مَنِ انْتَمَى
أَشَارَ بِهِ إِلَى قَوْله تَعَالَى: {وفصيلته الَّتِي
تؤويه} (المعارج: 31) وفسرها: بقوله: (أَصْغَر آبَائِهِ
الْقُرْبَى) يَعْنِي: عشيرته الأدنون الَّذين فصل عَنْهُم،
وَنقل كَذَا عَن الْفراء وَعَن أبي عُبَيْدَة فَخذه،
وَقيل: أقرباؤه الأقربون عَن مُجَاهِد: قبيلته، وَعَن
الدَّاودِيّ: إِن الفصيلة ولظى من أَبْوَاب جَهَنَّم،
وَهَذَا غَرِيب. قَوْله: (يننمي) ، أَي: ينتسب، ويروى:
إِلَيْهِ يَنْتَهِي، من الِانْتِهَاء.
لِلشَّوَى: اليَدَانِ وَالرَّجُلانِ وَالأطْرَافُ
وَجِلْدَةُ الرَّأْسِ يُقَالُ لَهَا شَوَاةٌ وَمَا كَانَ
غَيْرَ مَقْتَلٍ فَهُوَ شَوَّى
أَشَارَ بِهِ إِلَى قَوْله تَعَالَى: {كلا إِنَّهَا لظى
نزاعة للشَّوى} (المعارج: 51، 61) وَكَلَامه ظَاهِرَة
مَنْقُول عَن مُجَاهِد، وَفِي التَّفْسِير: نزاعة للشوى
أَي: نزاعة لجلد الرَّأْس، وَقيل: المحاسن الْوَجْه،
وَقيل: للعصب والعقب. وَقيل: لأطراف الْيَدَيْنِ
وَالرّجلَيْنِ وَالرَّأْس، وَقيل: اللَّحْم دون الْعظم،
واحده شواة. أَي: لَا تتْرك النَّار لَهُم لَحْمًا وَلَا
جلدا إلاَّ أحرقته. وَعَن الْكَلْبِيّ: تَأْكُل لحم
الرَّأْس والدماغ كُله ثمَّ يعود الدِّمَاغ كَمَا كَانَ
ثمَّ تعود تَأْكُله، فَذَلِك دأبها، وَهِي رِوَايَة عَن
ابْن عَبَّاس.
وَالعِزُونَ الجَماعَاتُ وَوَاحِدُها عِزَةٌ
أَشَارَ بِهِ إِلَى قَوْله تَعَالَى: {مهطعين عَن الْيَمين
وَعَن الشمَال عزين} (المعارج: 63، 73) وَفسّر: عزين
بالجماعات وَفِي رِوَايَة أبي ذَر: العزون الْحلق،
وَالْجَمَاعَات وَالْحلق بِفَتْح الْحَاء على الْمَشْهُور،
وَيجوز كسرهَا. قَوْله: (وواحدها) ، وَفِي بعض لنسخ
وواحدتها عزة: بِكَسْر الْعين وَتَخْفِيف الزَّاي،
ونظيرها: ثبة وَتبين، وكرة وكرين، وَقلة وقلين. قَوْله:
(مهطعين) ، أَي: مُسْرِعين مُقْبِلين عَلَيْك مادّي
أَعْنَاقهم ومديمي النّظر إِلَيْك متطلعين نَحْوك. نصب على
الْحَال: عزين حلقا وفرقا وعصبة عصبَة وَجَمَاعَة جمَاعَة
مُتَفَرّقين.
يُوفِضُونَ الإيفاضُ الإسْرَاعِ
هَذَا للنسفي وَحده، وَأَشَارَ بِهِ إِلَى قَوْله
تَعَالَى: {كَأَنَّهُمْ إِلَى نصب يوفضون} (المعارج: 34)
وَفسّر: (الإيفاض) الَّذِي هُوَ مصدر (بالإسراع) وَيفهم
مِنْهُ أَن معنى: يوفضون يسرعون، وَعَن ابْن عَبَّاس
وَقَتَادَة: يسعون وَعَن مُجَاهِد وَأبي الْعَالِيَة:
يَسْتَبقُونَ، وَعَن الضَّحَّاك: ينطلقون، وعنالحسن،
يبتدرون، وَعَن الْقُرْطُبِيّ: يَشْتَدُّونَ، وَالنّصب
الْمَنْصُوب وَعَن ابْن عَبَّاس: إِلَى نصب، إِلَى غَايَة،
وَذَلِكَ حِين سمعُوا الصَّيْحَة الْأَخِيرَة، وَعَن
الْكسَائي: يَعْنِي إِلَى أوثانهم الَّتِي كَانُوا
يعبدونها من دون الله عز وَجل.
17 - ( {سُورَةُ نُوحٍ} )
أَي: هَذَا فِي تَفْسِير بعض سُورَة نوح، عَلَيْهِ الصلام،
وَفِي بعض النّسخ: سُورَة (إِنَّا أرسلنَا نوحًا)
(المعارج: 1) وَهِي مَكِّيَّة نزلت بعد النَّحْل وَقبل
سُورَة إِبْرَاهِيم، عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام،
وَسَقَطت الْبَسْمَلَة عِنْد الْكل، وَهِي تِسْعمائَة
وَتِسْعَة وَعِشْرُونَ حرفا، ومائتان وَأَرْبع وَعِشْرُونَ
كلمة، وثمان وَعِشْرُونَ آيَة.
أطوَارا: طوْرا كَذَا وَطَوْرا كَذَا يُقالُ: عَدَا
طَوْرَهُ أيْ قَدْرَهُ
(19/260)
أَشَارَ بِهِ إِلَى قَوْله تَعَالَى: {وَقد
خَلقكُم أطوارا} (نوح: 41) وَذكر عبد عَن خَالِد بن عبد
الله، قَالَ: طورا نُطْفَة وطورا علقَة وطورا مُضْغَة
وطورا عظاما ثمَّ كسونا الْعِظَام لَحْمًا ثمَّ
أَنْشَأْنَاهُ خلقا آخر، وَقَالَ مُجَاهِد: طورا من تُرَاب
ثمَّ من نُطْفَة ثمَّ من علقَة ثمَّ مَا ذكر حَتَّى يتم
خلقه، وَالطور فِي هَذِه الْمَوَاضِع بِمَعْنى: تارةٍ
وَيَجِيء أَيْضا بِمَعْنى الْقدر أَشَارَ إِلَيْهِ بقوله:
وَيُقَال عدا طوره أَي: تجَاوز قدره، وَيجمع على أطوار.
وَالكِبَّارُ أشَدُّ مِنَ الكُبَارِ وَكَذلِكَ جُمَّالٌ
وَجَمِيلٌ لأنَّهَا أشَدُّ مُبَالَغَةٍ، وَكُبَّارٌ
الكَبِيرُ وَكُبارا أيْضا بِالتَّخْفِيفِ. وَالعَرَبُ
تَقُولُ: رَجُلٌ حُسَّانٌ وَجُمَّالٌ وَحُسَانٌ مُخَفَّفٌ
وحمال مخفف
أَشَارَ بِهِ إِلَى قَوْله عز وَجل: {ومكروا مكرا كبارًا}
(نوح: 22) وَقَالَ: (الْكِبَار) يَعْنِي بِالتَّشْدِيدِ
(أَشد) يَعْنِي: أبلغ فِي الْمَعْنى من الْكِبَار
بِالتَّخْفِيفِ، والكبار بِالتَّخْفِيفِ أبلغ معنى من
الْكَبِير. قَوْله: (كَذَلِك جمال) بِضَم الْجِيم
وَتَشْديد الْمِيم، يَعْنِي: الْجمال أبلغ فِي الْمَعْنى
من الْجَمِيل، وَهُوَ معنى قَوْله: (لِأَنَّهَا أَشد
مُبَالغَة) . قَوْله: (وكبار) ، يَعْنِي: بِالتَّشْدِيدِ
بِمَعْنى الْكَبِير وَكَذَلِكَ الْكِبَار بِالتَّخْفِيفِ.
قَوْله: (حسان) ، بِضَم الْحَاء وَتَشْديد السِّين، وَهُوَ
أبلغ من حسان بِالتَّخْفِيفِ. وَكَذَلِكَ جمال
بِالتَّشْدِيدِ أبلغ من جمال بِالتَّخْفِيفِ.
دَيَّارا مِنْ دَوْرٍ وَلاكِنَّهُ فَيْعالٌ مِنَ
الدَّوَرَانِ كَمَا قَرَأَ عُمَرُ الحَي القَيَّامُ.
وَهِيَ مِنّ قَمْتُ وَقَالَ غَيْرُهُ: دَيَّارا أحدا
أَشَارَ بِهِ إِلَى قَوْله تَعَالَى: {وَرب لَا تذر على
الأَرْض من الْكَافرين ديارًا} (نوح: 62) واشتقاقه من دور،
ووزنه: فيعال، لِأَن أَصله ديوَان فأبدلت الْوَاو يَاء،
وأدغمت الْيَاء فِي الْيَاء، وَلَا يُقَال: وَزنه فعال.
لِأَنَّهُ لَو قيل: دوار، كَانَ يُقَال: فعال قَوْله:
كَمَا قَرَأَ عمر بن الْخطاب، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ
الْحَيّ الْقيام، ذكر هَذَا نظيرا للديار لِأَن أَصله قوام
فَلَا يُقَال: وَزنه فعال. بل يُقَال: فيعال، كَمَا فِي
الديار. وَأخرج ابْن أبي دَاوُد فِي الْمَصَاحِف من طَرِيق
عَن عمر رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ أَنه قَرَأَهَا
كَذَلِك، وَذكر عَن ابْن مَسْعُود أَيْضا قَوْله: وَقَالَ
غَيره: هَذَا يَقْتَضِي تقدم أحد سقط من بعض النقلَة
وَإِلَّا لَا يَسْتَقِيم الْمَعْنى على مَا لَا يخفى،
وَنسب إِلَى هَذَا الْغَيْر أَن ديارًا يَأْتِي بِمَعْنى
أحد وَالْمعْنَى: لَا تذر على الأَرْض من الْكَافرين أحدا،
وَقد أَشَارَ الثَّعْلَبِيّ إِلَى هَذَا الْمَعْنى حَيْثُ
قَالَ: ديارًا أحدا يَدُور فِي الأَرْض فَيذْهب وَيَجِيء،
وَكَذَلِكَ ذكره النَّسَفِيّ فِي (تَفْسِيره) .
تَبارا هَلَاكًا
أَشَارَ بِهِ إِلَى قَوْله تَعَالَى: {وَلَا تزد
الظَّالِمين إلاَّ تبارا} (نوح: 82) وَفسّر التيار
بِالْهَلَاكِ، وَفَسرهُ الثَّعْلَبِيّ بالدمار.
وَقَالَ ابنُ عَبَّاسٍ: مِدْرَارا يَتْبَعُ بَعْضَهُ
بَعْضا
أَي: قَالَ ابْن عَبَّاس فِي قَوْله تَعَالَى: {يُرْسل
السَّمَاء عَلَيْكُم مدرارا} (نوح: 11) أَي: مَاء
السَّمَاء وَهُوَ الْمَطَر، وَفسّر المدرار بقوله: (يتبع
بعضه بَعْضًا) وَوصل هَذَا ابْن أبي حَاتِم من طَرِيق
عَليّ بن أبي طَلْحَة عَن ابْن عَبَّاس.
وَقَارا عَظَمَةً
أَشَارَ بِهِ إِلَى قَوْله تَعَالَى؛ {مَا لكم لَا ترجون
لله وقارا} (نوح: 31) وَفسّر: الْوَقار. بالعظمة. وَأخرجه
سُفْيَان فِي تَفْسِيره عَن أبي روق عَن الضَّحَّاك بن
مُزَاحم عَن ابْن عَبَّاس بِلَفْظ: لَا يخَافُونَ فِي الله
حق عَظمته. وَأخرجه عبد بن حميد من رِوَايَة أبي الرّبيع
عَنهُ: مَا لكم لَا تعلمُونَ لله عَظمته، وَقَالَ
مُجَاهِد: لَا ترَوْنَ لله عَظمَة. وَعَن الْحسن: لَا
تعرفُون لله حَقًا وَلَا تشكرون لَهُ نعْمَة، وَعَن ابْن
جُبَير: لَا ترجون ثَوابًا وَلَا تخافون عقَابا.
1 - (بَابٌ: {وَدَّا وَلَا سَوَّاعا وَلا يَغُوثَ
وَيَعُوقَ وَنَسْرا} )
أَي: هَذَا بَاب فِي قَوْله عز وَجل: {وَقَالُوا لَا تذرن
آلِهَتكُم وَلَا تذرن ودّوالا سواعا} (نوح: 32) الْآيَة.
وَلم تثبت هَذِه التَّرْجَمَة إلاَّ لأبي ذَر وَحده، وَعَن
مُحَمَّد بن كَعْب كَانَ لآدَم عَلَيْهِ الصَّلَاة
وَالسَّلَام، خمس بَنِينَ. ود وسواع ويغوث ويعوق ونسر
فَمَاتَ رجل مِنْهُم فَحَزِنُوا عَلَيْهِ. فَقَالَ
الشَّيْطَان: أَنا أصور لكم مثله إِذا نظرتم إِلَيْهِ
ذكرتموه. قَالُوا افْعَل، فَصورهُ فِي الْمَسْجِد من صفر
ورصاص
(19/261)
ثمَّ مَاتَ آخر وصوره حَتَّى مَاتُوا كلهم
وتنغصت الْأَشْيَاء إِلَى أَن تركُوا عبَادَة الله بعد
حِين، فَقَالَ الشَّيْطَان للنَّاس: مَا لكم لَا
تَعْبدُونَ إلاهكم وإلاه آبائكم أَلا ترونها فِي مصلاكم؟
فعبدوها من دون الله حَتَّى بعث الله، عز وَجل، نوحًا
عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام وَقَالَ السُّهيْلي:
يَغُوث هُوَ ابْن شِيث، عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام،
وَابْتِدَاء عِبَادَتهم من زمن مهلائيل بن قينان، وَفِي
(كتاب الْعين) ود بِفَتْح الْوَاو صنم كَانَ لقوم نوح
عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام، وَبِضَمِّهَا صنم لقريش،
وَبِه سمي عَمْرو بن عبد ود، وَقِرَاءَة نَافِع بِالضَّمِّ
وَالْبَاقُونَ بِالْفَتْح، وَقَالَ الْمَاوَرْدِيّ: هُوَ
أول صنم معبود وَسمي ودا لودهم لَهُ، وَكَانَ بعد قوم نوح،
عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام، لكَلْب بن وبرة بن تغلب
بن حلوان بن عمرَان بن الحاف بن قضاعة، وَكَانَ بدومة
الجندل، وسواع كَانَ على صُورَة امْرَأَة، وَكَانَ لهذيل
بن مدركة بن الياس بن مُضر برهاط مَوضِع بِقرب مَكَّة
شرفها الله بساحل الْبَحْر، ويغوث كَانَ لمراد ثمَّ لبني
غطيف بالجوف من أَرض الْيمن على مَا نذكرهُ فِي الحَدِيث.
0294 - حدَّثنا إبْرَاهِيمِ بنُ مُوسَى أخْبرنَا هِشامٌ
عَنِ ابنِ جُرَيْجٍ وَقَالَ عَطَاءٌ عنِ ابنِ عَبَّاسٍ
رَضِيَ الله عَنْهُمَا صَارَتِ الأوْثَانُ الَّتِي كَانَتْ
فِي قَوْمِ نُوحٍ فِي العَرَبِ بَعْدُ أمَّا وَد فَكَانَتْ
لِكَلْبٍ بِدُومَةِ الجَنْدَلِ وَأمَّا صُوَاغٌ فَكَانَتْ
لِهُذَيْلٍ وَأمَّا يَغُوثُ فَكَانَتْ لِمَوادٍ ثُمَّ
لِبَنِي غُطَيْفٍ بِالجَوْفِ عِنْدَ صَبا وأمّا يَعُوقُ
فَكَانَتْ لِهَمْدَانَ وَأمَّا نَسْرٌ فَكَانَتْ
لِحِمْيَرِ لآلِ ذِي الكَلاعِ أسْمَاءُ رِجَالٍ صَالِحِينَ
مِنْ قَوْمِ نُوحٍ فَلمَّا هَلَكُوا أوْحَى الشَّيْطَانُ
إلَى قَوْمِهِمْ أنْ انْصِبُوا إلَى مَجَالِسِهِمْ الَّتِي
كَانُوا يَجْلِسُونَ أنْصابا وَسَموها بأسْمَائِهِمْ
فَفَعَلُوا فَلَمْ تُعْبَدْ حَتَّى إذَا هَلَكَ أُوْلَئِكَ
وَتَنَسَّخَ العِلْمُ عُبِدَتْ.
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. وَهِشَام هُوَ ابْن يُوسُف
الصَّنْعَانِيّ، وَابْن جريج عبد الْملك بن عبد الْعَزِيز
بن جريج، وَعَطَاء هُوَ الْخُرَاسَانِي، وَلَيْسَ بعطاء بن
أبي رَبَاح وَلَا بعطاء بن يسَار. قَالَه الغساني، وَقَالَ
ابْن جريج: أَخذه من كتاب عَطاء لَا من السماع مِنْهُ
وَلِهَذَا قيل: إِنَّه مُنْقَطع لِأَن عَطاء
الْخُرَاسَانِي لم يلق ابْن عَبَّاس، وَقَالَ أَبُو
مَسْعُود: ظن البُخَارِيّ أَنه ابْن أبي رَبَاح وَابْن
جريج لم يسمع التَّفْسِير من الْخُرَاسَانِي، وَإِنَّمَا
أَخذ الْكتاب من ابْنه وَنظر فِيهِ، وروى عَن صَالح بن
أَحْمد عَن ابْن الْمَدِينِيّ، قَالَ: سَأَلت يحيى بن سعيد
عَن أَحَادِيث ابْن جريج عَن عَطاء الْخُرَاسَانِي،
فَقَالَ: ضَعِيف. فَقلت: ليحيى: إِنَّه كَانَ يَقُول
أخبرنَا. قَالَ: لَا شَيْء كُله ضَعِيف إِنَّمَا هُوَ كتاب
دَفعه إِلَيْهِ ابْنه، وَقيل: فِي معاضدة البُخَارِيّ فِي
هَذَا، إِنَّه بِخُصُوصِهِ عِنْد ابْن جريج عَن عَطاء
الْخُرَاسَانِي، وَعَن عَطاء بن أبي رَبَاح جَمِيعًا وَلَا
يخفى على البُخَارِيّ ذَلِك مَعَ تشدده فِي شَرط
الِاتِّصَال واعتماده عَلَيْهِ، وَيُؤَيّد هَذَا إِنَّه لم
يكثر من تَخْرِيج هَذَا وَإِنَّمَا ذكره بِهَذَا
الْإِسْنَاد فِي موضِعين هَذَا وَالْآخر فِي النِّكَاح،
وَلَو كَانَ يخفى عَلَيْهِ ذَلِك لاستكثر من إِخْرَاجه
لِأَن ظَاهره على شَرطه. انْتهى. قلت: فِيهِ نظر لَا يخفى
لِأَن تشدده فِي شَرط الِاتِّصَال لَا يسْتَلْزم عدم
الخفاء عَلَيْهِ أصلا فسبحان من لَا يخفى عَلَيْهِ شَيْء
وَقَوله: على ظَاهره. على شَرطه لَيْسَ بِصَحِيح لِأَن
الْخُرَاسَانِي من أَفْرَاد مُسلم كَمَا ذكر فِي مَوْضِعه.
قَوْله: (الْأَوْثَان) ، جمع وثن وَفِي (الْمغرب) الوثن
مَا لَهُ جثة من خشب أَو حجر أَو فضَّة أَو جَوْهَر ينحت،
وَكَانَت الْعَرَب تنصب الْأَوْثَان وتعبدها. قَوْله: (فِي
الْعَرَب بعد) ، بِضَم الدَّال أَي: بعد كَون الْأَوْثَان
فِي قوم نوح، عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام، كَانَت فِي
الْعَرَب، وروى عبد الرَّزَّاق عَن معمر عَن قَتَادَة
كَانَت الْأَوْثَان آلِهَة يَعْبُدهَا قوم نوح، عَلَيْهِ
الصَّلَاة وَالسَّلَام، ثمَّ عبدتها الْعَرَب بعد، وَعَن
أبي عُبَيْدَة: زَعَمُوا أَنهم كَانُوا مجوسا وَأَنَّهَا
غرقت فِي الطوفان فَلَمَّا نصب المَاء عَنْهَا أخرجهَا
إِبْلِيس، عَلَيْهِ اللَّعْنَة فبثها فِي الأَرْض قبل
قَوْله: كَانُوا مجوسا غير صَحِيح لِأَن الْمَجُوسِيَّة
نَخْلَة ظَهرت بعد ذَلِك بدهر طَوِيل. قَوْله: (أما ود) ،
شرع فِي تَفْصِيل هَذِه الْأَوْثَان وبيانها. قَوْله: أما،
بِكَلِمَة التَّفْصِيل. قَوْله: (لكَلْب) ، وَقد ذكرنَا
عَن قريب أَن كَلْبا هُوَ ابْن وبرة بن تغلب. قَوْله:
(بدومة الجندل) ، بِضَم الدَّال والجندل بِفَتْح الْجِيم
وَسُكُون النُّون مَدِينَة من الشَّام مِمَّا يَلِي
الْعرَاق وَيُقَال: بَين الْمَدِينَة وَالشَّام، وَالْعراق
وفيهَا اجْتمع الحكمان. قَوْله: (لهذيل) مصغر الهذل
قَبيلَة وَهُوَ ابْن مدركة
(19/262)
بن الياس بن مُضر. قَوْله: (لمراد) ، بِضَم
الْمِيم وَتَخْفِيف الرَّاء الْمُهْملَة أَبُو قَبيلَة من
الْيمن. قَوْله: (ثمَّ لبني غطيف) بِضَم الْغَيْن
الْمُعْجَمَة وَفتح الطَّاء الْمُهْملَة وَسُكُون الْيَاء
آخر الْحُرُوف وَفِي آخِره فَاء، وَهُوَ بطن من مُرَاد
وَهُوَ: غطيف بن عبد الله بن نَاجِية بن مُرَاد. قَوْله:
(بالجوف) ، بِفَتْح الْجِيم وَسُكُون الْوَاو وبالفاء،
وَهُوَ المطمئن من الأَرْض، وَقيل: هُوَ وَاد بِالْيمن،
وَفِي رِوَايَة أبي ذَر عَن غير الْكشميهني بِفَتْح
الْحَاء الْمُهْملَة وَسُكُون الْوَاو، وَفِي رِوَايَة
لَهُ عَن الْكشميهني بالجرف بِضَم الْجِيم وَالرَّاء،
وَقَالَ ياقوت: وَرِوَايَة الْحميدِي بالراء، وَفِي
رِوَايَة النَّسَفِيّ بالجون بِالْجِيم وَالْوَاو
وَالنُّون. وَقَالَ أَبُو عُثْمَان، رَأَيْته كَانَ من
رصاص على صُورَة أَسد. قَوْله: (عِنْد سبأ) ، هَذَا فِي
رِوَايَة غير أبي ذَر. وَقَالَ ابْن الْأَثِير: سبأ اسْم
مَدِينَة بلقيس، وَقيل: هُوَ اسْم رجل ولد مِنْهُ عَامَّة
قبائل الْيمن، وَكَذَا جَاءَ مُفَسرًا فِي الحَدِيث،
وَسميت الْمَدِينَة بِهِ قَوْله: (لهمدان) ، بِسُكُون
الْمِيم وإهمال الدَّال قَبيلَة، وَأما مَدِينَة هَمدَان
الَّتِي هِيَ مَدِينَة من بِلَاد عراق الْعَجم فَهِيَ
بِفَتْح الْمِيم والذال الْمُعْجَمَة. قَوْله: (لحمير) ،
بِكَسْر الْحَاء الْمُهْملَة وَسُكُون الْمِيم وَفتح
الْيَاء آخر الْحُرُوف، أَبُو قَبيلَة. قَوْله: (لآل ذِي
كلاع) ، بِفَتْح الْكَاف وَتَخْفِيف اللَّام وبالعين
الْمُهْملَة وَهُوَ اسْم ملك من مُلُوك الْيمن. قَوْله:
(أَسمَاء رجال) أَي: هَذِه الْخَمْسَة أَسمَاء رجال صالحين
قَالَه الْكرْمَانِي، وَقدر مُبْتَدأ محذوفا. وَهُوَ
قَوْله: هَذِه الْخَمْسَة، وَيكون ارْتِفَاع: أَسمَاء رجال
على الخبرية. قَالَ: ويروى ونسر، أسما ثمَّ قَالَ
وَالْمرَاد: نسر وإخواته أَسمَاء رجال صالحين، وَقيل:
وَسقط لفظ: ونسر، لغير أبي ذَر. قَوْله: (فَلَمَّا
هَلَكُوا) أَي: فَلَمَّا مَاتَ الصالحون، وَكَانَ مبدأ
عبَادَة قوم نوح، عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام، هَذِه
الْأَصْنَام بعد هلاكهم ثمَّ تَبِعَهُمْ من بعدهمْ على
ذَلِك. قَوْله: (أنصابا) جمع النصب وَهُوَ مَا ينصب لغَرَض
كالعبادة. قَوْله: (وسموها) أَي: هَذِه الْأَصْنَام بأسماء
الصَّالِحين الْمَذْكُورين. قَوْله: (فَلم تعبد) هَذِه
الْأَصْنَام حَتَّى إِذا هلك أُولَئِكَ الصالحون. قَوْله:
(وتنسخ) بِلَفْظ الْمَاضِي من التفعيل أَي تغير علمهمْ
بِصُورَة الْحَال وزالت معرفتهم بذلك، وَفِي رِوَايَة أبي
ذَر عَن الْكشميهني، وَنسخ الْعلم فَحِينَئِذٍ عبدت على
صِيغَة الْمَجْهُول، وَحَاصِل الْمَعْنى، أَنهم لما
مَاتُوا وتغيرت صُورَة الْحَال وزالت معرفتهم جعلوها
معابيد بعد ذَلِك.
27 - (سُورَةُ: {قُلْ أُوحِيَ إلَيَّ} )
أَي: هَذَا تَفْسِير بَعْص سُورَة: {قل أُوحي} (الْجِنّ:
1) تسمى: سُورَة الْجِنّ، وَهِي مَكِّيَّة. وَهِي
ثَمَانمِائَة وَسَبْعُونَ حرفا. ومائتان وَخمْس
وَثَمَانُونَ كلمة، وثمان وَعِشْرُونَ آيَة.
قَالَ ابنُ عَبَّاسٍ: لِبَدا: أعْوانا
أَي: قَالَ ابْن عَبَّاس فِي قَوْله تَعَالَى: {وَإنَّهُ
لما قَامَ عبد الله يَدعُوهُ كَادُوا يكونُونَ عَلَيْهِ
لبدا} (الْجِنّ: 91) وَوصل هَذَا التَّعْلِيق ابْن أبي
حَاتِم من طَرِيق عَليّ بن أبي طَلْحَة عَنهُ هَكَذَا.
قَوْله: (لبدا) ، يَعْنِي: مُجْتَمعين يركب بَعضهم بَعْضًا
ويزدحمون ويسقطون حرصا مِنْهُم على اسْتِمَاع الْقُرْآن،
وَعَن الْحسن وَقَتَادَة وَابْن زيد يَعْنِي لما قَامَ عبد
الله بالدعوة تلبدت الْإِنْس وَالْجِنّ وتظاهروا عَلَيْهِ
ليبطلوا الْحق الَّذِي جَاءَهُم بِهِ ويطفؤا نور الله
فَأبى الله إلاَّ أَن يتم هَذَا الْأَمر وينصره ويظهره على
من ناواه. وَقَالَ النَّسَفِيّ فِي (تَفْسِيره) وأصل اللبد
الْجَمَاعَات بَعْضهَا فَوق بعض جمع لبدة وَهِي مَا تلبد
بعضه على بعض، وَمِنْه سمي اللبد لتراكمه، وَعَاصِم كَانَ
يقْرؤهَا بِفَتْح اللَّام وبضم الَّذِي فِي سُورَة
الْبَلَد، وَفسّر لبدا بِكَثِير هُنَاكَ، ولبدا هُنَا
باجتمع بَعْضهَا على بعض، وقرىء بِضَم اللَّام وَالْبَاء
وَهُوَ جمع لبود، وقرىء: لبدا جمع لابد كراكع وَركع،
فَهَذِهِ أَربع قراآت. قَوْله: (أعوانا) ، جمع عون وَهُوَ
الظهير على الْأَمر، وَهُوَ مُكَرر فِي بعض النّسخ أَعنِي:
ذكر مرَّتَيْنِ.
بَخْسا نَقْصا
أَشَارَ بِهِ إِلَى قَوْله تَعَالَى: {فَلَا يخَاف بخسا
وَلَا رهقا} (الْجِنّ: 31) وَفسّر البخس بِالنَّقْصِ،
والرهق فِي كَلَام الْعَرَب الْإِثْم وغشيان الْمَحَارِم،
وَهَذَا لم يثبت إلاَّ للنسفي وَحده.
1294 - حدَّثنا مُوسَى بنُ إسْمَاعِيلَ حدَّثنا أبُو
عَوَانَةَ عَنْ أبِي بِشْرٍ عَنْ سَعِيدِ بنِ جُبَيْرٍ عنِ
ابنِ عَبَّاسٍ قَالَ انْطَلَقَ رَسُولُ الله صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم فِي طَائِفَةٍ مِنْ أصْحَابِهِ عَامِدِينَ
إلَى سُوقِ عُكاظٍ وَقَدْ حِيلَ بَيْنَ الشيَّاطِينَ
وَبَيْنَ خَبَرِ السَّمَاءِ وَأُرْسِلَتْ عَلَيْهِمْ
الشُّهُبُ فَرَجَعَتِ الشيَّاطِينُ فَقَالُوا
(19/263)
مَا لَكُمْ فَقَالُوا حِيلَ بَيْنَنَا
وَبَيْنَ خبَرِ السَّمَاءِ وَأُرْسِلَتْ عَلَيْنَا
الشُّهُبُ قَالَ مَا حَالَ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ خَبَرِ
السَّمَاءِ إلاَّ مَا حَدَثَ فَاضْرِبُوا مَشَارِقَ
الأرْضِ وَمَغَارِبَها فَانْظُروا مَا هاذا الأمْرُ
الَّذِي حَدَثَ فَانْطَلَقُوا فَضَرَبُوا مَشَارِقَ
الأرْضِ وَمَغَارِبَها يَنْظُرُونَ مَا هاذا الأمْرُ
الَّذِي حَالَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ خَبَرِ السَّمَاءِ
قَالَ فَانْطَلَقَ الَّذِينَ تَوَجَّهُوا نَحْوَ تِهَامَةَ
إلَى رَسُولِ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِنَخْلَةً
وَهُوَ عَامِدٌ إلَى سُوقِ عُكاظٍ وَهُوَ يُصَلِّي
بِأصْحَابِهِ صَلاةَ الفَجْرِ فَلَمَّا سَمِعُوا القُرْآنَ
تَسَمَّعُوا لَهُ فَقَالُوا هاذا الَّذِي حَالَ بَيْنَكُمْ
وَبَيْنَ خَبَرِ السَّمَاءِ فَهُنَالِكَ رَجَعُوا إلَى
قَوْمِهِمْ فَقَالُوا يَا قَوْمَنا إنَّا سَمِعْنَا
قُرْآنا عَجَبا يَهْدِي إلَى الرُّشْدِ فَآمَنَّا بِهِ
وَلَنْ نُشْرِكَ بِرَبِّنَا أحَدا وَأنْزَلَ الله عَزَّ
وَجَلَّ عَلَى نَبِيِّهِ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: {قُلْ
أُوحِيَ إلَيَّ أنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِنَ الجِنِّ}
(الْجِنّ: 1) وَإنَّمَا أُوحِيَ إلَيْهِ قَوْلُ الجِنِّ.
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. ويوضح سَبَب النُّزُول
أَيْضا وَأَبُو عوَانَة بِفَتْح الْعين الْمُهْملَة:
الوضاح الْيَشْكُرِي، وَأَبُو بشر: بِكَسْر الْبَاء
الْمُوَحدَة وَسُكُون الشين الْمُعْجَمَة جَعْفَر بن أبي
وحشية الوَاسِطِيّ الْبَصْرِيّ.
والْحَدِيث قد مضى فِي الصَّلَاة فِي: بَاب الْجَهْر
بِقِرَاءَة الصُّبْح فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ عَن مُسَدّد
عَن أبي عوَانَة إِلَى آخِره، وَقد مضى الْكَلَام فِيهِ
هُنَاكَ. قَوْله: (انْطلق) كَانَ ذَلِك فِي ذِي الْقعدَة
سنة عشر من الْبعْثَة. قَوْله: (عكاظ) بِضَم الْعين
الْمُهْملَة وَتَخْفِيف الْكَاف وبالظاء الْمُعْجَمَة: سوق
الْعَرَب بِنَاحِيَة مَكَّة يصرف وَلَا يصرف وَكَانُوا
يُقِيمُونَ بِهِ أَيَّامًا فِي الْجَاهِلِيَّة. قَوْله:
(قد حيل) ، على بِنَاء الْمَجْهُول من حَال إِذا حجز.
قَوْله: (تهَامَة) ، بِكَسْر التَّاء الْمُثَنَّاة من فَوق
وَهُوَ اسْم لكل مَا نزل عَن نجد من بِلَاد الْحجاز.
قَوْله: (بنخلة) ، مَوضِع مَشْهُور ثمَّة وَهُوَ غير
منصرف. قَوْله: (عَامِدًا) أَي: قَاصِدا. قَوْله: (تسمعوا)
، أَي: تكلفوا للسماع لِأَن بَاب التفعل للتكلف قَوْله:
(حَال) ، أَي: حجز.
37 - (سُورَةُ {المُزَّمَّلِ} )
أَي: هَذَا فِي تَفْسِير بعض سُورَة المزمل وَفِي رِوَايَة
أبي ذَر: سُورَة المزمل والمدثر، وَلم يذكر فِي بعض النّسخ
لفظ: سُورَة. قَالَ مقَاتل: هِيَ مَكِّيَّة إلاَّ قَوْله:
{وَآخَرُونَ يُقَاتلُون فِي سَبِيل الله} (المزمل: 02)
وَهِي ثَمَانمِائَة وَثَمَانِية وَثَلَاثُونَ حرفا ومائتان
وَخمْس وَثَمَانُونَ كلمة، وَعِشْرُونَ آيَة وأصل المزمل
بِالتَّشْدِيدِ المتزمل فأبدلت التَّاء زايا وأدغمت
الزَّاي فِي الزَّاي، وَقَرَأَ أبي بن كَعْب على الأَصْل
والمزمل والمدثر والمتلفف والمشتمل بِمَعْنى.
وَقَالَ مُجَاهِدٌ وَتبَتَّلْ أخْلِصْ
أَي: قَالَ مُجَاهِد فِي قَوْله عز وَجل: {وتبتل إِلَيْهِ
تبتيلاً} (المزمل: 8) وَفَسرهُ بقوله: أخْلص، وَرَوَاهُ
عبد عَن شَبابَة عَن وَرْقَاء عَن ابْن جريج عَنهُ
بِلَفْظ: أخْلص لَهُ الْمَسْأَلَة وَالدُّعَاء، وَقَالَ
قَتَادَة: أخْلص لَهُ الدعْوَة وَالْعِبَادَة، وَقَالَ
ابْن أبي حَاتِم رُوِيَ عَن ابْن عَبَّاس وَأبي صَالح
وَالضَّحَّاك وعطية وَالسُّديّ وَعَطَاء الْخُرَاسَانِي
مثل ذَلِك، وَعَن عَطاء: انْقَطع إِلَيْهِ انْقِطَاعًا،
وَهُوَ الأَصْل فِيهِ. يُقَال: تبتلت الشَّيْء إِذا قطعته.
وَقَالَ الحَسَنْ: أنْكالاً: قُيُودا
أَي: قَالَ الْحسن الْبَصْرِيّ فِي قَوْله تَعَالَى: {إِن
لدينا أَنْكَالًا وَجَحِيمًا} (المزمل: 21) وَرَوَاهُ عبد
عَن يحيى بن عبد الحميد عَن حَفْص بن عمر عَنهُ، والأنكال
جمع نكل بِكَسْر النُّون وَسُكُون الْكَاف وبفتحهما.
مُنْفَطِرٌ بِهِ مُثْقَلَةٌ بِهِ
أَشَارَ بِهِ إِلَى قَوْله عز وَجل: {يَوْمًا يَجْعَل
الْولدَان شيبا السَّمَاء منفطر بِهِ} وفسرخ بقوله: (مثقلة
بِهِ) وَرَوَاهُ عبد من وَجه آخر عَن الْحسن الْبَصْرِيّ
نَحوه: وَإِنَّمَا قَالَ: منفطر، بالتذكير على تَأْوِيلهَا
بالسقف أوشيء منفطر بِهِ أَو ذَات انفطار.
وَقَالَ ابنُ عَبَّاسٍ كَثِيبا: مَعِيلاً الرَّمْلُ:
السَّائِلُ
أَي: قَالَ ابْن عَبَّاس فِي قَوْله تَعَالَى: {وَكَانَت
الْجبَال كثيبا مهيلاً} (المزمل: 41) أَي: رملاً سَائِلًا.
رَوَاهُ ابْن أبي حَاتِم من طَرِيق عَليّ بن أبي طَلْحَة
عَنهُ.
وَبِيلاً شَدِيدا
(19/264)
أَشَارَ بِهِ إِلَى قَوْله تَعَالَى:
{فأخذناه أخذا وبيلاً} (المزمل: 61) وَفسّر (وبيلاً)
بقوله: (شَدِيدا) وَكَذَا رَوَاهُ الطَّبَرِيّ من طَرِيق
عَليّ بن أبي طَلْحَة عَن ابْن عَبَّاس. وَقَالَ
الثَّعْلَبِيّ: وبيلاً أَي: شَدِيدا صعبا ثقيلاً وَمِنْه
يُقَال: كلاء مستوبل، وَطَعَام مستوبل إِذا لم يسْتَمر أَو
مِنْهُ الوبال.
47 - (سُورَةُ {المُدَّثِّرِ} )
أَي: هَذَا فِي تَفْسِير بعض سُورَة المدثر، وَهِي
مَكِّيَّة وَهِي ألف وَعشرَة أحرف، ومائتان وَخمْس
وَخَمْسُونَ كلمة، وست وَخَمْسُونَ آيَة. وَقَالَ
الثَّعْلَبِيّ: {يَا أَيهَا المدثر} (المدثر: 1) أَي: فِي
القطيفة وَالْجُمْهُور على أَنه المدثر بثيابه.
(بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم)
لم تثبت الْبَسْمَلَة إلاَّ لأبي ذَر.
قَالَ ابنُ عَبَّاسٍ: عَسِيرٌ شَدِيدٌ
أَي: قَالَ ابْن عَبَّاس فِي قَوْله تَعَالَى: {فَذَلِك
يَوْمئِذٍ عسيرا} (المدثر: 9) وَفسّر بقوله: {شَدِيد}
وَصله ابْن أبي حَاتِم من طَرِيق عَليّ بن أبي طَلْحَة.
قَسُوَرَةٌ: رَكْزُ النَّاسِ وأصْوَاتُهُمْ
أَي: قَالَ ابْن عَبَّاس فِي قَوْله تَعَالَى:
{كَأَنَّهُمْ حمر مستنفرة فرت من قسورة} (المدثر: 05، 15)
وَفسّر القسورة بركز النَّاس وأصواتهم، وَصله سُفْيَان بن
عُيَيْنَة فِي تَفْسِيره عَن عَمْرو بن دِينَار عَن عَطاء
عَن ابْن عَبَّاس، قَالَ: هُوَ ركز النَّاس وأصواتهم،
قَالَ سُفْيَان: يَعْنِي حسهم وأصواتهم.
وَقَالَ أبُو هُرَيْرَةَ رَضِيَ الله عَنهُ الأسَدُ وَكلُّ
شَدِيدٍ قَسْوَرَةٌ وَقَسْوَرٌ
أَي: قَالَ أَبُو هُرَيْرَة: القسورة الْأسد، وروى عبد بن
حميد من طَرِيق سعد عَن زيد بن أسلم. قَالَ كَانَ أَبُو
هُرَيْرَة إِذا قَرَأَ: {كَأَنَّهُمْ حمرَة مستنفرة فرت من
قسورة} (المدثر: 05، 15) قَالَ: القسورة الْأسد وَهَذَا
مُنْقَطع بَين ابْن زيد وَأبي هُرَيْرَة. قَوْله: (وكل
شَدِيد) مُبْتَدأ. وقسورة خَبره، وقسور عطف عَلَيْهِ من
القسر وَهُوَ الْغَلَبَة، وَقيل: القسورة الرُّمَاة حُكيَ
عَن مُجَاهِد وَعَن سعيد بن جُبَير: القسورة القناص ووزنها
فعولة، وروى ابْن جرير من طَرِيق يُوسُف بن مهْرَان عَن
ابْن عَبَّاس: القسورة الْأسد بِالْعَرَبِيَّةِ،
وبالفارسية: شير، وبالحبشية: القسورة وَلَفظ قسور من
زِيَادَة النَّسَفِيّ رَحمَه الله.
مُسْتَنْفِرَةٌ: نَافِرَةٌ مَذْعُورَةٌ
أَشَارَ بِهِ إِلَى قَوْله تَعَالَى: {كَأَنَّهُمْ حمر
مستنفرة} وفسرها بقوله: {نافرة مَذْعُورَة} بِالذَّالِ
الْمُعْجَمَة أَي: مخافقة وَقَرَأَ أهل الشَّام
وَالْمَدينَة بِفَتْح الْفَاء وَالْبَاقُونَ بِالْكَسْرِ.
2294 - حدَّثنا يَحْيَى حدَّثنا وَكِيعٌ عَنْ عَلِيِّ بنِ
المُبَارَكِ عَنْ يَحْيَى بنِ أبِي كَثِيرٍ سألْت أبَا
سَلَمَةَ بنَ عَبْدِ الرَّحْمانِ عَنْ أوَّلَ مَا نَزَلَ
مِنَ القُرْآنِ يَا أيُّها المُدَّثِّرُ قُلْتُ يَقُولُونَ
اقْرَأْ بَاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ فَقَالَ أبُو
سَلَمَةَ سَألْتُ جَابِرَ بنَ عَبْدِ الله رَضِيَ الله
عَنْهُمَا عَنْ ذالِكَ وَقُلْتُ لَهُ مِثْل الَّذِي قُلْتَ
فَقَالَ جَابِرٌ لَا أُحَدِّثُكَ إلاَّ مَا حَدَّثنا
رَسُولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ جَاوَرْتُ
بُحَرَاء فَلَمَّا قَضَيْتُ جَوَارِي هَبَطْتُ فَنُودِيتُ
فَنَظَرْتُ عَنْ يَمِينَي فَلَمْ أرَ شَيْئا وَنَظَرْتُ
عَنْ شِمَالِي فَلَمْ أرَ شَيْئا وَنَظَرْتُ أمَامِي
فَلَمْ أرَ شَيْئا وَنَظَرْتُ خَلْفِي فَلَمْ أرَ شَيْئا
فَرَفَعْتُ رَأسِي فَرَأيْتُ شَيْئا فَأتَيْتُ خَدِيجَةَ
فَقُلْتُ دَثِّرُونِي وَصُبُّوا عَلَيَّ مَاءً بَارِدا
فَدَثَّرُونِي وَصَبُّوا عَلَيَّ مَاءً بَارِدا قَالَ
فَنَزَلَتْ: {يَا أيُّها المُدَّثِّرُ قُمْ فَأنْذِرْ
وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ} .
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. وَفِيه بَيَان سَبَب
النُّزُول. وَيحيى هُوَ ابْن مُوسَى الْبَلْخِي أَو يحيى
بن جَعْفَر، وَقد مضى جُزْء مِنْهُ فِي أول الْكتاب فِي
بَدْء الْوَحْي، قَالَ ابْن شهَاب: وَأَخْبرنِي أَبُو
سَلمَة بن عبد الرَّحْمَن أَن جَابر بن عبد الله الحَدِيث.
قَوْله: (جَاوَرت
(19/265)
بحراء) ، أَي: اعتكفت بهَا، وَهُوَ بِكَسْر الْحَاء
وَتَخْفِيف الرَّاء وبالمد منصرفا على الْأَشْهر، حَبل على
يسَار السائر من مَكَّة إِلَى منى. قَوْله: (جواري) ،
بِكَسْر الْجِيم أَي: مجاورتي. أَي: اعتكافي. قَوْله:
(فَرَأَيْت شَيْئا) ، يحْتَمل أَن يكون المُرَاد بِهِ،
رَأَيْت جِبْرِيل، عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام، وَقد
قَالَ: {اقْرَأ باسم رَبك} (اقْرَأ: 1) فَخفت من ذَلِك
ثمَّ أتيت خَدِيجَة، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا، فَقلت:
دَثرُونِي أَي: غطوني فَنزلت: {يَا أَيهَا المدثر}
(المدثر: 1) وَالْجُمْهُور على أَن أول مَا نزل هُوَ
{اقْرَأ باسم رَبك} وَفِي هَذَا الحَدِيث استخرج جَابر
ذَلِك عَن الحَدِيث بِاجْتِهَادِهِ، وظنه فَلَا يُعَارض
الحَدِيث الصَّحِيح الْمَذْكُور فِي أول الْكتاب الصَّرِيح
بِأَنَّهُ اقْرَأ أَو تَقول إِن لفظ: أول من الْأُمُور
النسبية، فالمدثر يصدق عَلَيْهِ أَنه أول مَا نزل
بِالنِّسْبَةِ إِلَى مَا نزل بعده. |